رواية ذئب يوسف بقلم ذكية محمد
رواية ذئب يوسف الفصل السابع 7
خرجت من معقلها بعد أن قضت الليل تبكي على الأطلال ، و كأن شيئاً لم يكن ، دلفت للمطبخ و قامت بإعداد وجبة الإفطار ، و رصتها على الطاولة بعناية ، وجلست تعبث في حجابها قائلة بحيرة :- أروح أصحيه يفطر ولا لا ؟! وأنا مالي إن شاء الله عنه ما أكل الغتت دة ، ولا أصحيه علشان ما يقولش عليا واحدة مستهترة ؟! يوووه و بعدين في الحيرة دي ! ، ما كنت مرتاحة يا ربي ، أصحى على بوسة أحمد و ضحكته اللي ترد الروح ، بدل أخينا اللي شايف نفسه دة ، اه لو أطول رقبته أخنقها نفسي أفش غيظي فيه يا ناس .
- أديني أهو قدامك و وريني هتخنقيني إزاي !
صرخت بفزع ، و استدارت لتجده يقف بطالته التي تخطف أنفاسها و تأسرها ، و تزجها لسجنه فتعيش أسيرة لعشقه الذي لا تعرف له مخرج .
أردف بسخرية :- إيه أتخرستي دلوقتي يعني ! أومال فين البابور اللي هب من شوية دة !
أردفت بتلعثم :- أااا.....مش ...مش بقول حاجة .. أنا بكلم نفسي .
رفع حاجبه بتهكم قائلاً :- وكمان هبلة ! قد إيه محظوظ يا أنا !
احتقن وجهها و تحول للون القرمزي ، و أردفت بانفعال :- أهو انت الأهبل و ستين أهبل كمان ، أنت ما صدقت لقيتها و هتعملني ملطشة !
أردف بهدوء خطير جعل البرودة تسري بأوصالها :- مين الأهبل دة ما سمعتش كويس ؟
هزت رأسها بنفي قائلة ببلاهة :- لا دة الواد أحمد هو الأهبل .
أزاحها برفق قائلاً بدون اكتراث :- طيب عديني كدة وأنتِ شكلك ضاربة إصطباحة على الصبح ، و بعدين نفسي أعرف لما أنتِ شجاعة كدة ما تثبتي على موقفك !
طالعته بغيظ قائلة :- لو سمحت طول الفترة دي اللي هنقعدها مع بعض يا ريت تحترمني ، و تكلمني بأسلوب أحسن من كدة ، أنا مش هسمحلك .
لوح بيده في الهواء قائلاً بالا مبالاة وهو يجلس على المقعد :- بلا تسمحي بلا متسمحيش بطلي زن وجعتيلي راسي ..
اشتعلت النيران بداخلها ، لا تصدق أن إسلام الهادئ الرزين الذي تعرفه عن ظهر قلب هو نفسه الماثل أمامها الآن ، و فجأة و بدون مقدمات توجهت ناحيته و التقطت طبق البيض بالزبدة الذي كان على وشك أن يغمس قطعة الخبز فيه ، و أردفت بحدة :- ما تفطرش من الأكل بتاعي روح أعمل لنفسك.
حدجها بنظرات أرعبتها قائلاً :- قدامك عشر ثواني لو ملقتش الطبق مكانه هقوم و ساعتها هيصدر مني تصرف متلوميش غير نفسك بعديه .
خافت من تهديده الصريح ، فوضعته ببعض القوة ، ثم جلست على الجانب الآخر و شرعت في تناول طعامها ، و كلما وضعت قطعة خبز تحت أسنانها تدهسها بغل ، و كأنها ترسل له بأنه يا ليته لو كان موضع ذلك الخبز لألتهمته بقوة ، تقطع أحشائه بأسنانها،وعلى ذكر ذلك شردت بمخيلتها تتخيل كيف تقطعه إلى قطع صغيرة ، عند تلك النقطة أخذت تضحك بانتصار ، بينما طالعها الآخر بذهول ، و هو يجزم بأنها مجنونة و بحاجة لمشفى المجانين لتُعالج .
أخذ يتساءل بداخله عن السبب الذي أوصلها لتلك الحالة ، أم هي مجنونة بالفعل ولم يلحظ ذلك منذ البداية؟!
ابتسم بخبث وهو يلتقط كوب الماء المجاور له، و نثره على حين غرة عليها ، لتصرخ هي بفزع لتنتبه حواسها ، و تعود للواقع بعد أن أغدقت عليه بخيالها الأحمق ، فأردفت بانفعال :- إيه الغباء دة !
ضحك بصخب عليها قائلاً :- العيب عليا يعني بفوقك بدل ما أنتِ عمالة تضحكي زي الهطلة !
إلى هنا و كفى فقد بلغ غيظها الحلقوم ، و بتهور منها قامت بنثر دورق المياه بأكمله عليه ، ثم نهضت قائلة بتشفي :- أحسن ! علشان تتريق عليا براحتك .
و بلمح البصر احتضنت طبق البيض و الخبز و فرت من أمامه كالعاصفة لتدلف لغرفتها ، و تغلق الباب بإحكام وهي تصيح بنشوة الانتصار :- أيوة كدة يا مريم أوعي تخليه ينتصر عليكي أبداً .
وضعت أذنها على الباب لتستمع بإصغاء تام لحركته التالية .
أخذ يتطلع لذاته بصدمة ، كيف تجرأت على فعل ذلك ؟! ، تلك البلهاء التي ستقوده للجنون يوماً . نهض و الغضب حليفه ، و طوى الأرض بخطوتين واصلاً لغرفتها ، ثم أخذ يطرق على الباب بعنف قائلاً :- أنتِ يا زفتة افتحي الباب ، نهارك مش فايت النهاردة ، بقى أنا تعملي فيا كدة !
أردفت بحدة وهي تلوك الطعام بغيظ :- لا مش هفتح ، هبلة أنا ولا هبلة علشان أفتحلك !
أردف بانفعال وهو يركل الباب بقدمه :- ما أنتِ فعلاً هبلة ما جبتش حاجة من عندي أنا ، ماشي يا مريم أنا هوريكي .
أردفت بخوف و تهديد :- والله لأقول لعمي موسى عليك ها ..
ضحك بغلب قائلاً بسخرية :- ليه قالولك عيل صغير هتشتكي لأبويا ، أعلى ما في خيلك أركبيه ، و أبقي النهاردة في جحرك دة ..
قال ذلك ثم توجه ناحية الصالة وهو يسير جيئة و ذهاباً ، يكور يديه بغضب ، و كم ود لو كانت أمامه الآن لفصل رأسها عن جسدها . نظر لملابسه المبتلة بغيظ شديد قائلاً بتبرم :- بقى حتة عيلة تعمل فيا كدة ! ماشي يا مريم ..
أنهى كلماته ليتوجه بعدها و يبدل ملابسه حتى لا يصيبه الإعياء.
بقلم زكية محمد
______________________________________
استدعت رحيق لتدلف لها على الفور ، جلست قبالتها انتظاراً لما ستمليه عليها .
هتفت سندس بهدوء :- يلا قدامك عشر دقايق بالظبط تلمي ورق الصفقة و تجهزيه علشان ناخد التصاميم و نروح شركة Master East نوديلهم التصاميم.
هزت رأسها بخفوت، ومن ثم انصرفت لتنفذ المطلوب ، و بعد دقائق وصلت أمام هذا الصرح الشامخ ، وما إن ارتجلت من السيارة فرِغ ثغرها بدهشة و انبهار وهي تتأمل المبنى العملاق قائلة :- ما شاء الله إيه دة يا مدام سندس ؟! يا حلاوة يا ولاد تعالوا يا حارة و شوفوا بنتكم واقفة فين ، دة أنا هوصيهم لما أموت يدفنوني هنا ..
أردفت بحزم :- قولنا إيه ؟ انسي الحارة دي وناسها لأنهم باعوكي في أول مطب ، ويلا يا مجنونة ندخل بدل ما نتأخر ، المدير ما بيحبش التأخير .
هزت رأسها بموافقة، و سحبت نفساً عميقاً، ثم زفرته بتمهل، و ولجتا سوياً ليبتلعهم هذا المبنى الشاهق الإرتفاع.
وقفت أمام المصعد ، فهتفت رحيق بحذر :- حضرتك واقفة ليه هنا يلا نطلع !
رفعت حاجبها بذهول قائلة :- عاوزانا نطلع خمسطاشر دور على السلم !
جعدت أنفها بضيق قائلة :- نعم ! خمسطاشر دور ! طيب ما تقوليله هو ينزل .
أردفت بتعجب :- وماله إحنا كدة كدة هنطلع بالأسانسير ...
قاطعتها قائلة بابتسامة بلهاء :- قصدك هتطلعي بيه ، أنا استحالة، مش هقدر ، أنا هطلع قدامك يدوب ألحق أوصل .
حدجتها بذهول قائلة :- هتطلعي 15 دور يا مجنونة ! رحيق أهدي كدة أومال.
هزت رأسها برفض قائلة بجدية :- لا يا مدام سندس أنا اللي آسفة ، أنا بترعب من الاسانسير ، عندي فوبيا استحالة أطلع فيه نهائي ، فهمتيني ؟ طيب ما إحنا شركتنا الصغنتوتة في الدور التالت ليه الإفترى دة !
جزت على أسنانها بغيظ قائلة :- ساعات بتوصليلي إني بتعامل مع بنت أختي ، مالك يا رحيق ما تجمدي كدة !
أردفت بإصرار :- بصي يا مدام سندس إحنا كدة كدة جينا بدري ، أنا هطلع على السلم و هسبقك ، أو انتي اسبقيني و استنيني هناك ، سلام ..
أنهت حديثها و أطلقت العنان لساقيها ، و الأخرى تنظر لطيفها بفيه يكاد يصل إلى الأرض ، و هزت رأسها بنفاذ صبر ، و استقلت بعدها المصعد لتنتظر تلك البلهاء بالأعلى ، أي جنون هذا ؟!
و بالفعل وصلت قبلها بكثير و وقفت قبالة السلم تنتظرها ، و بداخلها قدح يغلي ، و تمنت لو تظهر أمامها الآن فتفتك بها ..
انتظرت كثيراً حتى راودها القلق و الخوف عليها ، و خشت أن يكون حدث لها شيئاً ، زفرت براحة عندما ظهرت ، ولكن حالتها مذرية حيث تعرق وجهها ، و أصبح مثل اللون القرمزي من فرط الجهد الذي بذلته.
ما إن وصلت للسلمة الأخيرة ألقت نفسها على أقرب مقعد ، تلتقط أنفاسها بصعوبة .
هتفت سندس بخوف و حدة :- يا مجنونة يا مجنونة ! أنا غلطانة إني سبتك و سمعت كلامك ، شوفتي اخرة تنشيف دماغك !
هتفت بتقطع :- مممياه .....عععاوزة...مياه ..
ركضت لتجلب لها الماء ، و عادت تحمل زجاجة مياه ، فإلتقطتها الأخرى منها بسرعة ، و قامت بإرتشافها بأكملها ، ثم أردفت بتذمر :- روح إلهي تتشك يا بعيد ، إلهي عشرين دور تاخدهم في طرة ، اه يا رجليا يا أمي اه ..
ثم نظرت للتي كانت تكاد تنفجر كالقنبلة الموقوتة و أردفت بحذر :- أتأخرت عليكي ؟!
مسكت رأسها قائلة بغيظ :- هتشليني يا رحيق هتشليني بعمايلك دي !
نهضت قائلة بسرعة :- بعد الشر يا مدام سندس إن شاء الله صاحب الهلومة دي ..
جحظت عيناها بصدمة وهي تتطلع للشخص القابع خلف تلك البلهاء والذي ظهر من العدم .
لم تكتفي رحيق بهذا القدر حينما أردفت بحنق :- و يجيله شلل أطفال كدة ، كان لازم يعني يترزع في الدور العشرين !
أخذت تحدجها بقوة كي تكف عن الحديث ، و لكنها هتفت ببلاهة :- في إيه ؟! بتبصيلي كدة ليه ؟
أردفت بغيظ مكبوت وهي تصطنع الابتسامة :- إزيك يا باشمهندس مراد؟
هتف بجمود ، وهو يطالع الأخرى بنظرات لو كانت رصاصاً لقتلتها :- أهلاً يا مدام سندس..
أردفت بعملية :- إحنا جيبنا التصاميم اللي انتوا طلبتوها و .......
قاطعها مشيراً لها بيده قائلاً بهدوء جليدي :- طيب ..طيب أعتقد الكلام دة مش هنا في المكتب .
استدارت لترى ذلك المتعجرف ، و حدجته بحنق ، بينما مالت على سندس تهمس بجوار أذنها :- مين الأخ ؟
وكزتها في ذراعها قائلة بهمس مماثل :- دة صاحب الهلومة دي يا أختي ، الله يحرقك يا شيخة .
انتفضتا معاً على أثر صوته الجامد قائلاً :- مش هفضل واقف لسيادتكم كتير ، ورايا شغل مهم ..
حمحمت بحرج قائلة وهي تهم بالسير :- تمام يا باشمهندس مراد ..
سار قبلهم متوجهاً للمكتب الخاص به ، بينما رفعت رحيق يدها في الهواء وكأنها تضربه ، وهي تهتف بحنق خافت :- مين اللي دلّك على التلاجة دي يا مدام ! من قلة العملا يعني ؟!
أردفت بحزم :- ما اسمعش نفسك لحد ما نخلص .
هزت رأسها بنعم ، و من ثم دلفتا للمكتب ، و جلستا مقابلته ، بينما جلس هو بغطرسته المعتادة .
مدت سندس له الأوراق قائلة بتهذيب :- دي التصاميم يا فندم اللي اختارتوها ، شوف لو محتاج تعديل ولا كويس كدة .
التقط منها التصاميم ، و أخذ يحدق بها بتركيز عال ، استغرق ذلك دقائق قبل أن يمط شفتيه باستحسان قائلاً بجمود :- كويس مش بطال ، تقدروا تنفذوا من دلوقتي .
عضت رحيق على شفتيها بغيظ ، بينما هتفت الأخرى بابتسامة مجاملة :- تمام يا أفندم و أنا جهزت الأوراق علشان التوقيع ..
هز رأسه بهدوء قائلاً :- تمام ثواني يكون شادي هنا علشان هو المسؤول عن الشؤون القانونية .
أنهى كلماته و ضغط على الزر لتأتي السكرتيرة على الفور فقال :- ابعتي شادي بسرعة يكون هنا .
أومأت بموافقة ، فهتف هو بتذكر :- اه و شوفيهم هيشربوا إيه ؟
ابتسمت سندس بعملية قائلة :- ملوش لزوم يا باشمهندس ، هنمضي العقود و نمشي علطول .....
قاطعتها رحيق قائلة بابتسامة بلهاء :- بس أنا عاوزة عصير فراولة .
قالتها بترجي طفولي ، بينما تنحنحت سندس بحرج قائلة :- احم هاتيلها عصير فراولة وأنا قهوة سادة لو سمحتي .
أومأت لهن بابتسامة عملية و انصرفت ، وبعد لحظات ولج شادي الذي توجه ناحيتهم ، و رحب بهم بعملية ، بينما هتف مراد ببرود :- شادي خد الأوراق دي و راجعها كويس قبل ما تمضي العقود .
تناولها منه قائلاً ببسمة واسعة :- أوك مفيش مشكلة ، جابوا التصاميم ؟
أومأ برأسه قائلاً :- أيوة خد أهو شوفها علشان تخلص كل حاجة معاهم .
جلس قبالته ، و شرع في إنهاء ما طلب منه ، و بعد وقت انتهوا من مهمتهم ، ليردف مراد برسمية باردة كالثلج كحاله :- كدة كل حاجة تمام ، فاضل دلوقتي التنفيذ .
أردفت سندس بعملية :- إن شاء الله يا أفندم الشغل هيعجبكم ، و لينا شرف كبير إننا نتعامل مع شركة كبيرة زيكم ..
أردفت رحيق بخفوت سمعه شادي :- قصدك حصلنا القرف ، بالذمة دة بني آدم دة ! دة لوح تلج يا ساتر على الغتاتة ..
انفجر شادي ضاحكاً عليها مما أثار تعجب الآخرين ، بينما حدجه مراد بنظرات جعلته يتوقف فوراً عن الضحك ، و رفع يديه باستسلام في الهواء قائلاً :- أنا آسف بس أفتكرت حاجة كدة ضحكتني .
غادرن هن ، و بمجرد أن خرجن هتفت سندس بتوبيخ و عتاب :- ينفع اللي عملتيه دة يا رحيق ، بتحرجيني قدام المدير ! وأنا اللي بقول عليكي عاقلة !
استشعرت جديتها فهتفت برجاء :- أنا آسفة يا مدام والله مكنش قصدي ، بصي خدي أي حد معاكي بلاش أنا بعد كدة .
قالت جملتها ، وهي تنكس رأسها للأسفل ، بينما زفرت هي بضيق قائلة :- أنا ما أقصدش أزعلك بس بقولك كدة علشان تاخدي بالك .
أردفت بلهفة :- حاضر هحاول ، بس أنتِ عارفاني بتصرف بعفوية من غير ما أفكر .
ضيقت عينيها قائلة بغيظ :- قصدك بتهور ...
ثم تنهدت بعمق قائلة :- رورو دي أحلى حاجة فيكي أنك نقية من جوة ومن برة ، بس متخليش حد يستغل دة بشكل مش كويس ، يلا بينا ...
عندما كانت تهم بالحديث قاطعتها بصرامة قائلة :- و هننزل بالأسانسير ، ومش عاوزة أسمع أي اعتراض .
قطبت جبينها بتذمر ، ولكنها لن تعارضها تلك المرة ، حتى لا تتهمها بالاستهتار .
دلفت للمصعد معها ، و لسوء حظها ، ولج معهم في نفس اللحظة شادي الذي ما إن رآها غمز لها بطرف عينه بعبث ، بينما نفخت وجنتيها ، و استدارت للجانب الآخر، وما إن تحرك المصعد ونزل للأسفل ، تشبثت بذراع سندس بقوة قائلة بذعر ، وهي على وشك البكاء :- أنا ... أنا خايفة هموت ...هموت ..بتخنق ..
سرى الرعب بأوردتها حينما رأت حالتها تلك قائلة بخوف :- رحيق ..رحيق اتنفسي واهدي مفيش حاجة
إلا أنها أخذ صدرها يعلو و يهبط بعنف، و تلتقط أنفاسها بصعوبة ، و أبيضت عيناها ، و شعرت بأنها النهاية .
سقطت على ركبتيها والأخرى تسندها ، وهي تفرك يدها بقلق قائلة بدموع :- رحيق خليكي معايا أوعي تغمضي ..
هتف شادي أخيراً بقلق :- هي مالها ؟ هي متعودة على كدة ، ولا عندها فوبيا ؟!
أردفت بدموع :- أيوة هي قالتلي كدة ، وأنا الغبية كنت فاكراها بتدلع ولا بتهزر ، وقف الأسانسير أرجوك وقفه .
انتصب واقفاً ، وضغط بسرعة على أقرب دور ، فتوقف فهتفت سندس بقلق بالغ ينهش أعماقها :- رحيق بصي أهو وقف خلاص ، يلا فتحي و ردي عليا يا رحيق ..
أخذت تربت على وجنتيها بخفة حينما استسلمت للقاع المظلم الذي سحبها نحوه . تدخل شادي قائلاً بهدوء :- خليني أشيلها و أوديها لأقرب دكتور .
نظرت له قائلة بضياع :- بس ...
قاطعها قائلاً بصرامة :- مفيش بس يعني عاجبك حالتها دي !
هزت رأسها بنفي فأردف بروية :- خلاص يبقى سيبيني أتصرف و ألحقها .
قال ذلك ثم حملها ثم حملها و خرج بها تحت أنظار الموظفين المذهولين ، صعد لسيارته و جاورته هي و انطلق بها بسرعة .
بعد وقت كانت ممددة على الفراش ، و بيدها السيروم المغذي ، فهتف الطبيب بعملية :- متقلقوش هتفوق بعد شوية و الموضوع ملهوش داعي للخوف دة كله .
أردفت بخوف :- بس هي ...هي كانت بتتخنق يا دكتور و .....
قاطعها قائلاً بروية :- دة عادي جداً طالما عندها فوبيا من الأماكن الضيقة و المقفولة ، تقدر تمشي أول ما تفوق معاكم ، بعد أذنكم .
انصرف الطبيب، بينما هتف شادي في محاولة منه لطمأنتها :- متقلقيش هتكون كويسة إن شاء الله.
أردفت بعرفان للجميل :- أنا متشكرة أوي على اللي عملته معانا .
أردف بابتسامة عريضة وهو ينظر لرحيق الغافية ، و بداخله يتعجب من دقات قلبه المتزايدة عندما كان يحملها ، ولم القلق انتابه بهذا الشكل عندما وجدها هكذا ! :- متشكرنيش يا مدام دة واجبي ، أنا هستنى برة لحد ما تفوق علشان أوصلكم ، وهبقى ابعت حد يجيب عربيتك من قدام الشركة .
أومأت له بخفوت، بينما خرج وما إن غلق الباب خلفه أردف بتعجب وهو يضع يده على قلبه الذي لم يتوقف نبضه المتزايد بعد :- و بعدين معاك ؟! غريبة ! قلبي بيدق بطريقة غريبة ودي أول مرة تحصل .....
بقلم زكية محمد
______________________________________
ليلاً أتت كلتا العائلتين لرؤية العروسين ، و اضطرت مريم للخروج وما طمأنها هو وجودهم ، فلن يستطيع أن يفعل شئ أثناء وجودهم .
كانت المواجهة مشحونة إلى حد ما ، و استمر اللقاء ما بين رضا و سخط ، تشبث أحمد بوالدته فاضطروا أن يتركوه ، وكم سعدت هي لهذا القرار ، و ما إن غادروا كانت تحتضن الصغير تستمد منه الأمان ، أما هو أخذ يطالعها بنظرات ذئب مفترس يتربص بفريسته .
أخذت تتراجع للخلف بخوف ، ولم تلحظ تلك الطاولة التي إصتدمت بها ، وكادت أن تهوي بالصغير ، و لكنه كان الأسرع حينما جذبهما معاً ناحيته لتقبع رأسها على صدره و الصغير بينهما .
تكاد تجزم أن دقات قلبها وصلت لمسامعه التي تتراقص على ألحان عشقه ، فرغ ثغرها بذهول ، تستوعب مدى اقترابها منه ، يا للقدر ! أهي الآن بين ذراعيه ، و ليس ذلك فقط بل رأسها تتوسط صدره ! شعرت بدوار عنيف يضربها دون هوادة ، و تراخت أطرافها ، فكاد أن يسقط الصغير ، إلا أنه كان الأسرع وحمله منها ، و ابتعد ليضعه على الأريكة ، و استدار ليرى ما بها ، فوجدها تغلق عينيها مع تراخي قدميها وسقطت لتقبع مجدداً بين ذراعيه ، فمددها على الأريكة برفق ، بينما تعالت صرخات الصغير قائلاً :- ماما...ماما...أثحي...ماما ..
هتف بهدوء ليطمأنه :- ما تقلقش يا حبيبي هي نامت و هتفوق .
أخذ يربت على وجنتيها بهدوء في محاولة منه لإفاقتها ، إلا أنه لم يتلقى منها أي رد فنهض بسرعة ، و ولج للداخل ليغيب لثوانٍ ليخرج بعدها وهو يحمل قنينة عطر ، نثر بعضاً منها على يده ، ومن ثم رفع رأسها لتستقر على صدره ، و قرب يده من أنفها ، و استمر ذلك للحظات قبل أن ترمش بعينيها لتفتحها ، لتستنشق رائحته التي أسقطتها أرضاً منذ قليل عندما كانت قريبة منه إلى حد مهلك ، لتستوعب بعدها أنها ما زالت بذلك القرب ، ظنت أنه حلم لذيذ تعيشه بمخيلتها ، إلا أن صوته أعادها للواقع حينما هتف بهدوء :- مريم أنتِ كويسة ؟
لا هذا كثيراً جداً على قدرة تحملها ، يا الله لنطق اسمها بين شفتيه سحر خاص ، نغمة بيتهوفن أطربت مسامعها .
ابتعدت عنه عندما عادت لرشدها ، ورأت وضعيتها لتجلس معتدلة قائلة بحرج و صوت خافت :- الحمد لله كويسة .
قفز أحمد على قدميها و احتضنها قائلاً بطفولية :- ماما أنتِ ثحيتي ! ما تناميش دلوقتي لثة بدري .
قبلته من وجنته قائلة :- حاضر يا حبيب ماما .
أردف إسلام بمرح :- طالما مش قد اللعب بتلعبي ليه ؟ أغمى عليكي بسرعة كدة يا جبانة !
نظرت له بحنق قائلة بثبات مخادع :- أنا مش خايفة منك على فكرة ، و يا ريت تبطل أسلوبك دة .
رفع حاجبه باستنكار قائلاً :- أسلوبي ! اممممم الظاهر الهانم نسيت عملت إيه و محتاجة حد يفكرها.
جحظت عيناها بصدمة قائلة بتهديد مبطن بالخوف :- لو قربت مني ه....ه...ه ...
قاطعها قائلاً بتسلية :- هت.. إيه ؟! أحب اسمع .
أردفت بنبرة منكسرة :- مش هعمل حاجة يا إسلام مش هعمل ، بس أرجوك خلي في بينا احترام على الأقل قدام أحمد .
تنهد بعمق قائلاً :- ماشي يا مريم .....ثم أردف بتهديد :- بس ما تفكريش إني هسكت على كدة و أرضى بالأمر الواقع، أنا هنبش في الموضوع، و يا ويلك يا سواد ليلك لو كان ليكي علاقة بالموضوع ، و أوعدك محدش هيقتلك غيري .
أردفت بحزن :- اعمل اللي أنت عاوزه مبقتش فارقة على الأقل تريحني من العذاب اللي أنا فيه دة .
قطب حاجبيه قائلاً بتعجب :- قصدك إيه وضحى أكتر ؟!
ودت لو تصرخ في وجهه و تخبره بأنه هو أكثر ما يعذبها و يجلد روحها ببطئ ، وتخبره بأنها كيف ستتحمل تلك الليالي العجاف دون أن تهنئ بدفء ذراعيه ، وكيف تخبره أنه محرم عليها على الرغم من وجودهم تحت سقف واحد ؟! ، و كيف ستتحمل دقات قلبها الخائنة التي تزداد محدثة صوتاً رناناً في ضلوعها وكأنه هناك حفل صاخب ، و كيف تتحمل وجوده معها أمامها دون أن يشعر بها ، وكيف أنه داءها و دواءها ، وكيف ..... وكيف؟!
نهضت من مكانها بسرعة لتتوارى بعيداً عنه ، و تزرف تلك الدموع التي تهددها بالسقوط ، و أردفت بهدوء :- هروح أشوف أحمد ..
قالت ذلك ثم انصرفت من أمامه بسرعة الريح ، بينما نظر هو في أثرها بتمهل ، و لا إرادياً رفع أصابعه التي لامست وجنتيها نصب عينيه ، وهو يسترجع تلك اللحظات ، حينما شعر بقشعريرة سرت بأوصاله ، و رائحتها التي ملأت عبقه حينما كانت بين ذراعيه .
رنت أجراس الخطر بعقله فجأة ، و ضم قبضته بقوة قائلاً بتوبيخ :- إيه اللي أنا بفكر فيه دة ؟! دي أولاً مرات أخوك ، ثانياً دي واحدة ست يعني خداع و زيف ورا وش طيبة ، مستعد تجرب و تتوجع تاني ؟ لا طبعاً مش هيحصل .
نهض و ولج إلى غرفته ، و مكث بها وعقله يصارع الكثير و الكثير ....
______________________________________
في اليوم التالي كانت منكبة على أوراقها تعمل بجدية حينما صدح هاتفها بالرنين ، تركت الأوراق و نظرت للهاتف ، وما إن رأت المتصل أجابت على الفور على الفور :- ها طمني النتيجة إيه ؟
اتسعت عيناها بذهول قائلة :- بجد ؟ طيب كويس جداً ، أقولها أنا ولا حد يقولها ؟
أومأت برأسها قائلة :- أوك مفيش مشكلة تمام سلام ..
وضعت الهاتف بجوارها ، و أردفت بابتسامة :- ربنا يسعدك يا رحيق تستاهلي كل خير ...
بالخارج بعد أن انتهت من عملها ، جلست مع صديقتها تثرثر معها قائلة بتذمر :- زي ما بقولك كدة لوح تلج بالظبط ، لا يمكن دة التلج بيسيح لكن هو لا ، عامل نفسه big boss و مسيطر ، و بيكلمنا من مناخيره ، الود ودي كنت طبقت في زمارة رقبته .
تعالت ضحكات صديقتها قائلة :- لا ، شوقتيني أشوفه لوح التلج دة يا ريتني روحت معاكم .
زمت شفتيها بضيق قائلة :- يعني هتشوفي الأملة ! ولا التاني قليل الأدب يا أختي دة مصيبة كمان .
ضحكت بصخب على حديثها ذاك قائلة :- هههه ، عمل إيه دة كمان ؟ مش دة اللي أخدك المستشفى ؟
أومأت بموافقة قائلة بغل :- أيوة هو يا أختي ، بس أما أقابله الوقح دة ، إزاي يشيلني ؟ ! والله لأطربق الدنيا فوق راسه هو فاكرها سايبة ولا سايبة !
أردفت بتساءل :- ليه بس ؟! دة جزاته يعني ! و بعدين هو ما شالكيش يحب فيكي هو شالك من باب المساعدة مش أكتر .
صكت على أسنانها بعنف قائلة :- قليل الأدب من أول ما دخلنا المخفي على عينه الأصانصير قام غامزلي ابن الهرمة .
ضحكت و هي تضرب كف بآخر قائلة بمرح :- لا ملوش حق قليل الأدب .
و على ذكر السيرة ، دلف للمكان يمشطه بعينيه بلهفة بحثاً عنها ، و على وجهه إبتسامة مشرقة ، وكأنه حلم يصعب تحقيقه . سأل أحد الموظفين عن مكان تواجدها ، و ما إن أشار له على المكتب أنطلق كالقذيفة نحوه ، و فتح الباب بدون استئذان ، فانتفضن في مجلسهن ، و رفعن أنظارهن نحوه ، و ما إن نظرت له عرفته على الفور فتأهبت حواسها للخوض في معركة طاحنة إذ هتفت بشراسة :- هو أنت !
بقلم زكية محمد
لم يعطها رداً، بل توجه ناحيتها ، و جذبها ناحيته فجأة ، و اعتصرها بين ذراعيه بقوة مغمغماً بعاطفة جياشة :- أخيراً !
يتبع الفصل الثامن 8 اضغط هنا