رواية ظل السحاب الفصل الثاني والأربعون بقلم آية حسن
رواية ظل السحاب الفصل الثاني والأربعون
بعد حوالي نصف ساعة، ترجل مراد خارج المنزل وهو يمسك بيد فريدة، التي ترتدي بيجامة وردية اللون وتغطي نفسها بمعطف صوف رمادي، فتسأله أثناء سيرها معه
: واخدني على فين يا مراد؟
شارع في مساره بينما يجيب متهكمًا: انتي على طول مستعجلة كدة يا فريدة؟ هتعرفي كل حاجة دلوقتي ..
ليقف مراد عند الشاطئ ويسأل أحد الحراس: جهزتوا كل حاجة؟
فيرد: اللي أمرت بيه سعادتك اتنفذ!
هز مراد رأسه، ثم سحب يد فريدة خلفه متجه بها إلى المرسى .. تسير معه وهي لا تفهم إلى أين سيذهب بها، وبعد دقائق رأت يخت متوسط لكنه فاخر يرسي أمامهم..
: اتفضل سعادتك، اليخت جاهز
قال رئيس المركبة، ليترك مراد يدها ثم قفز إلى داخل اليخت أولاً حتى يساعدها على العبور .. أشار إليها أن تقترب، مدت يدها وهي تشعر بالتوتر، أمسكها بلطف منها ورفعت قدمها وهي تخطو في حذر فوق خشبة العبور، ليجذبها برفق لكنها قد قفزت بين أحضانه، يحاوط خصرها بكفيه، وهو يتأمل عينيها بحب..
: بتحبي تقعي ف حضني دايمًا انتي؟
همس مازحًا، لكنها ابتعدت عنه بحرج وهي تقول بنبرة متلعثمة
: والله أنا مش ببقى قاصدة!
ضحك بخفة، ليقول بليونة في نبرته: اهدى طيب، أنا بهزر معاكي، هو أنا أطول يعني؟
شعرت بالخجل من حنوه التي تذوب فيه، كمان تذوب الزبدة في العسل، مع هديل صوته تصبح قوتها متلاشية تمامًا .. أحس هو بخجلها منه، الذي يظهر في حركة احتكاك أناملها ببعضهم .. فأراد أن يخفف عن توترها قليلًا..
: تعالي عشان آخدك تشوفي جمال البحر!
قال بابتسامة ثم مضى في الرواق، حتى دخل كابينة القيادة، وجلس على المقعد .. لتسير هي وتقف خلفه، فتسمعه يقول
: تعالي اقعدي جنبي يا فريدة، عشان متوقعيش وأنا بطلع!
علا وجهها الدهشة، فقالت في صوت مضطرب
: لا أنا هقعد هنا على الكنبة اللي برة!
فرجعت بسرعة إلى الرواق وجلست على الأريكة، ليحرك مراد رأسه للخلف وهو ينظر بطرف عينه باستهجان لما تفعله .. رغم كونها اعترفت بحبها له إلا أنه يوجد شئ غريب لا يفهمه عليها .. خوفها الغير مبرر من التقرب منه، فهي لم تكن هكذا من الأساس،
بل أصبحت شخصًا مزعزع عما كانت عليه سابقًا .. أدار المركبة وأمضت في الانطلاق نحو الرحلة الأولى بينهما..
بعد ربع ساعة تقريباً كان قد ابتعد عن الشاطئ كليًا، وغاص بها في عرض البحر .. من وقت لآخر يختطف نظرة سريعة نحوها ليجدها تجلس مكانها ولا تعطه أي اهتمام،
هل جاءت كي يجلس كلًا منهما على حدة؟ إذًا فلما لم تعترض على الرحلة إن كانت لا تريد مرافقته؟
لقد نفذ صبره منها .. أوقف المحرك .. فانتبهت هي للمركب أنها قد توقفت ونهضت،
فتسأله بينما وجدته يخرج من الكبينة..
: انت وقفت ليه؟
أشبك يديه على خصره، وأجاب وهو يطوف بعينيه حوله
: أصل بفكر أنزل المية!
نظرت له في دهشة: لا بتهزر؟ انت عاوز تعوم دلوقتي ف التلج دة؟
: معرفش ليه أنا حاسس بنار جوايا، ومحتاجة أطفيها!
قال وهو يتحرك نحو المؤخرة، فتراه يفتح السور الخشبي، فتقول
: مراد، لو سمحت بلاش عند، انت كدة ممكن تاخد برد!
لم يسمع منها فوجدته يخلع سترته الجلدية، ثم يقوم بخلع قميصه التحتي، ويلحقه بالبنطال، فتغطي وجهها فورًا وهي تنعته
: قليل الأدب
رجع برأسه إليها ورسم بسمة ساخرة على جانب ثغره، ثم قفز في المياه الدافئة بسرعة، يولج في باطنها حتى اختفى عن سطح البحر .. تقدمت بسرعة نحو السور الحديدي تنظر نحو موقع سقوطه .. تحدق في المياه بقلق، مضت دقيقة ونصف تقريبًا ولم يظهر أي أثر له،
خفقات قلبها بدأت تضطرب، لحظات أخرى وستقفز خلفه، حتى وإن كانت لا تعرف شيئًا عن السباحة .. أثناء شرودها في المكان الخالي، خرج ذلك النمر من مخبأه ويدفع بها الماء في وجهها على حين غرة، لتصرخ مفزعة وهي،
ليقهقه مراد بصخب على منظرها وهي تمرر يديها فوق وجهها، في محاولة منها معرفة ذلك الشئ الذي قد أُلقي عليها .. سحبت يديها ببطء وهي تراه يتحرك بعشوائية ويتململ فوق الماء، وقد انقطعت أنفاسه من كثرة الضحك..
لتزمجر بطفولية: والله بارد ومعندكش دم، ومقلب سخيف منك، زيك بالظبط
ليتوقف فجأة عن الضحك، ويلتفت إليها ينظر نحوها في غموض، فتبتلع لعابها من نظرته، وتصحح بنبرة باكية
: عشان خضتني يا مراد
: لا وانتي قلبك رهيف يا بت!
سخر منها، لتطبق على شفتيها السفلية بأسنانها في غيظ .. يعم الصمت بينهما لثوانٍ، ثم يهتف باسمها
: فريدة!
تطلعت باهتمام، فأردف متسائلًا: بتحبيني؟
نكست وجهها ولم ترد، ليقطب مراد جبينه مع حاجبيه بضجر .. كاد أن يتذمر وينفعل عليها لكنه تفاجأ بها تهتف
: أيوة بحبك، وانت أول وآخر حب ف حياتي!
ابتسم بانشراح: طب مانت حلو أهو وبتقول كلام جميل، أمال مالك مصدرلنا الوش الخشب ليه؟
قال موبخًا برفق، فردت بعفوية: عشان خايفة تبعد عني، فبحاول أكون بعيدة عنك عشان مغرقش!
انكمش وجهه مستنكرًا: تغرقي؟
تحرك وهو يسبح قليلًا حتى رفع نفسه فوق اليخت، ونهض ليقف أمامها بجسمه العاري وقطرات المياه تتناثر من منبت شعره إلى أخمص قدمه،
فشعرت بالخجل من وقوفه بهذا الشكل دون الحرج منها، فتحركت كي تذهب من أمامه لكن أمسكها من رسغها أوقفها
: ما تسبينيش وتمشي وانا بكلمك!
قال بهدوء مزيف، ليجدها تهمس بضيق: مراد ما ينفعش كدة، روح البس هدومك الجو ساقعة عليك
افلتت يدها لكنه أمسكها كرة أخرى وجذبها من معصمها فجأة حتى اصطدم وجهها بصدره، ليصيح معترضًا بشدة
: لا
اتسعت عينيها هلعًا، ليضغط على معصمها وهو يقربها إليه أكثر ويتطلع إلى مقلتيها اللامعتان بتركيز..
: انت بتعمل ايه؟
اندهشت من فعلته واعتراها التوتر، وقبل أن تحاول التملص منه، تركها هو ليتساءل في هتاف غليظ
: تقصدي إيه بإنك هتغرقي؟ هو قربك مني هلاك للدرجة دي؟
فأجابت وهي تفرك برسغها برفق
: أنا مقصدتش كدة، بس يا مراد أنا مش عايزة انجرح
عقدت ملامحها، ثم قال وهو يحاول تمالك نفسه
: كل اللي بتفكري فيه دة هواجس، بلاش تخلي أوهامك تنغص علينا حياتنا، خليكي عاقلة عشان أنا لو صبري نفد معاكي...
كان يشير بسبابته محذرًا، ليبتر آخر كلامه ويقبض على أنامله بغل، ثم أعطاها ظهره ليلتقط الملابس من أرضية الرواق قبل أن عود إلى قمرة القيادة، تحت نظراتها المراقبة له.
_________
: انت عايز إيه، عايز إيه حرام عليك .. مش كفاية اللي عملته فيه!
بدأت بهمس ثم صرخت في وجهه بقوتها الواهية، وهي تشعر بالنار تغلي في جسدها .. لترى الدخان المتصاعد من فمه يمتزج بالهواء ويفسده .. فيلتفت إليها قائلًا بسخرية
: والله وطلع للقطة الصغيرة ضوافر وبقت تعرف تخربش، وتعلي صوتها
ضمت يدها للأخرى وهي تتوسله بدموع انكسار غرقت وجنتيها
: أبوس إيدك ارحمه
ليصرخ بها بشراسة حتى انتفض جسدها: وهو كان رحمني؟ دة هدني .. خسرني شغلي الأولاني لما كان ظابط وسكتله، إنما ييجي ويقرفني كمان فـ مشاريعي ويخطف مني كل حاجة عايزها، أهو دة اللي مش هسمحله أبدًا يحصل!
كانت عينيه تطلق شرارة الحقد الدفين في قلبه الأسود .. لتقول من بين بكاءها
: بس أنا مش هقدر أعمل اللي بتقوللي عليه دة، لو ظهرتله دلوقتي هلخبط حياته ومش هيتحمل الصدمة .. شيل الكره اللي ف قلبك وعيش اللي باقي من عمرك ف سلام، كفاياك غل
وما أن انتهت وجدت يده تلتحم بوجنتها بقوة، حتى ارتمت أرضًا، ويهتف بخشونة
: انتي جاية تديني درس في الأخلاق يا بنت الحرام انتي!
احنى بجذعه يمسك بشعرها ويقبض عليه بين أنامله بعنف، وهو يكمل تهديده
: وديني لو فكرتي ما تنفذيش اللي بقولك عليه، لكون جايبه دابحه قدامك، وانتي هتحصليه
ثم ضرب رأسها ف الأرض، وعاد ينهض وهو يشير لأحد رجاله ويصيح
: تاخدها تعمل اللي قولتلها عليه ولو اعترضت، خدهاله جثه!
تقدم الرجل ورفعها عن الأرض بقسوة حتى تأوهت بألم، والدماء تسيل من جبهتها...
: يلا ياختي انتي هتدلعي عليا
زعق بها وسحبها خلفه وهو يقبض على ذراعها بقوة، بينما هي كانت تمشي في خطوات متعثرة وتثاقل في قدميها،
ودموعها شلالات منهمرة فوق وجهها .. خرج بها من المبنى ثم رمى بها داخل السيارة بكل جبروت، ثم صعد هو بجوارها وانطلق إلى حيث يردها التهامي.
___________
: هار شفتشي! جصدك إيه بالكلام الماسخ دِة؟
اتسعت عيني تميم بدهشة، فاقترب منه عاطي ليقول بعملية
: مفيش حد ممكن يسرق من مراد الرمز غير حد قريب منه وواثق فيه!
: أيوة، يعني ورغد هتسرقه لمين وليه أصلاً؟
قال بنبرة غير مقتنعة، فأجاب بتأفف: يابني انت حمار! مش الزفت عبسلام قالك أن حامد كان بيقابل واحدة، أكيد كان بيتفق معاها تسرقه عشان يهربوا شمس!!!
: كلها افتراضات، مفيش دليل على كلامك، ثم إنها لو فعلاً هي اللي خدته كانت هربت ومكانش حامد خطفها وقتلـ...
كان غير مباليًا بكلامه إلى أن صمت لبرهة بعد أن انتبه لما قاله، فأردف هامسًا
: أيوة صح، يمكن حامد لما فشل أنه يهرب شمس، قالك استخدم الكارت الأخير يضغط بيه على مراد، وهي رغد نفسها!!
: تعجبني يابو الصحاب لما تشغل دماغك!
قال مادحًا وهو يغمز بعينه، ليقول تميم بسرعة
: أوعى الله يخربيتك تجيب سيرة لمراد بالحكاية دي، انت عارف دة ممكن يخلص علينا!
احتج بشدة: لا طبعاً دة لازم يعرف، انت ناسي ان حبيبته ف خطر، وهو بيدور على أي معلومة توصله للكلاب اللي بيطاردوه!!
تنهد تميم بقوة ويأس على هذا الصديق تعيس الحظ .. لا يعلم ماذا فعل بحياته ليتعرض لكل هذه المصائب!!
_________
ما زال رجل التهامي يقود السيارة برغد، اعتدلت في جلستها بصعوبة بسبب الوجع الذي يسري في جسدها .. نظرت للرجل ذو الملامح المخيفة، وهي تفكر كيف سيكون رد فعل مراد إن عرف بأنها ما زالت على قيد الحياة،
بالتأكيد سينهار، ولن يعد يثق بحاله مجددًا، وسيشعر بالخذلان، اللعنة على تلك الورطة، ليتها ماتت منذ زمن بالفعل،
هي ضعيفة جدًا لا تقدر على تحمل هذا الضغط عليها .. لكن اليوم سينتهي كل شئ، ولن تخون مراد مرة أخرى أو تعرضه للأذى،
حركت يديها للخلف بحذر وأمسكت بمقبض الباب وهي تراقب الرجل حتى لا ينتبه، ثم وفجأة انفتح الباب وقفزت من السيارة باندفاع، حتى وقعت على الأسفلت وظلت تتدحرج..
ليضغط الحارس على المكابح بسرعة ثم يهبط من السيارة فورًا، فما أن رأته رغد نهضت مسرعة وركضت بأقصى سرعة ممكنة لديها، ويركض الآخر ورائها بين العربات حتى يمسك بها..
كانت تختبئ في هرعها بين السيارات كي لا يراها ويقبض عليها مرة أخرى ويجبرها على الذهاب لمراد .. هي لن تجرحه بل ستتركه لأجل سعادته، كما فعلت ف السابق وتركته من أجل حياته،
وقفت فجأة وهي تلهث بتعب، فترى عبور السيارت من الطريق بتركيز وشرود .. هل تفكر في الانتحار؟ راقبت ذلك الوغد وهو يبحث عنها ف المكان، وما أن بدأ يبتعد، استعدت كي ترمي نفسها بين أحضان السيارات وهي مقررة بحزم إنهاء حياتها للأبد..
وما أن اقتربت احدى العربات اندفعت بجسمها أمامها فتضربها ف الحال وتدفعها بقوة لتسقط كالخرقة..
___________
: والله لحرق قلبك يا مراد، لازم انتقم منك
صرخت بها نانسي بشراسة وهي تدفع بالطاولة الزجاج محطمة إياها إلى أشلاء، تتنفس بسرعة وهي تشعر بأن التشنج يسيطر عليها بالكامل، تود أن تكسر شيئًا آخر،
تحركت نحو المزهرية فاندفع عثمان يمنعها ويلفتها إليه بقوة وهو يصيح بصوت أجش
: خلاص يا نانسي اهدي
: ابعد عني، مش عايزة حد يلمسني
صرخت بأعلى صوتها وهي تبتعد عنه حتى أصابت أحبالها الصوتية بالبحة .. كانت كالمجنونة، لأول مرة يراها عثمان في تلك الحالة الثائرة
: إيه اللي حصل يا بنتي؟
سألها في قلق وهو يتطلع إلى ملامحها التي بدت غريبة بشكل جنوني، فتهتف وهو تشير لنفسها
: بقا أنا يضربني بالقلم، ويقوللي رقاصة!!
: قولتلك هجيبلك حقك، وكل اللي عاوزاه هيحصل!
كان يحاول لمسها لكن نفرت منه فتتحرك بخطوات سريعة وهي تدور بنصف دائرة .. وتصرخ بعصبية مفرطة
: كل مرة بتقوللي هتعمل، ومبتعملش .. مباخدش منك غير كلام وبس .. قولتلي قربي منه وادلعي عليه وحاولي تخليه يحبك، تجاهلني وهزأني وف الآخر مد إيده عليا وطردني من الشركة مذلولة! .. كله بسببك انت!!!
رفعت سبابتها في وجهه بشراسة، فتردف بنفس نبرتها
: من هنا ورايح مش عايزة أسمعك تديني أوامر، أنا وبس اللي هخطط .. أنا بس اللي هنتقم وانت بس اتفرج
قالت من تحت أسنانها بنبرة حازمة، لتنفث نار الغل من فمها أثناء تنفسها .. لم يحاول عثمان إيقافها بل نمت ابتسامة ماكرة، مستمتعًا بتلك الصرامة واللهيب الذي يندفع من عينها .. وهو يراها تطوف حول النار دون حتى أن يحذرها، فهي بالأخير تود الانتقام من نفس الشخص الذي يود محيه من الوجود.
__________
: أنا لازم اسافر دلوقتي حالًا، حصلت حاجة ضرورية ولازم أكون ف مصر!
قال مراد بجدية وهو يدلف لحجرته .. تسير وراءه لتقول
: أنا هاجي معاك يا مراد، كفاية كدة أنا مش عايزة افضل لوحدي!
التفت إليها وصاح بها بغلظة: كفاية انتي بقا، هتفضلي تعاندي فيا كتير، لما أقول تتزفتي تفضلي مكانك، يبقى تترزعي من غير ما تفتحي بوقك كل شوية، انا مش فاضي لميتين أم دلعك دة!
جحظت ذمرد عينيه بشكل مرعب، وتقاسيم وجهه بدأت بالإحمرار، ليرفع سبابته هذه المرة حازمًا وليس مجرد تحذير.. فيهمس من بين أسنانه
: قسمًا بالله يا فريدة، لو ما اتعدلتي معايا ورجعتي زي الأول لكون متصرف معاكي بشكل ما يعجبكيش، وقد أعذر من أنذر! وانتي حرة بعد كدة!
انكمش وجهها ببكاء، وغمغت متسائلة بصوت منكسر
: هتبعد عني صح؟
تأفف من إصرارها الذي قد ضجر منه .. حرك رأسه وهو يقلب عينيه، حتى يهدأ، فلو لا يريد فقدان أعصابه عليها، فهي بالأخير صغيرة بالسن وعقلها أيضًا أصغر منها،
أخفض من نبرة صوته وهو يحادثها بلين: بصي يا حبيبي، أنا مش عيل صغير عشان كل شوية تسأليني السؤال دة، انتي المفروض تبقي واثقة ف حبك أكتر من كدة، وأنا لو مش جادِ ف علاقتنا عمري ما كنت اتقربت منك!!
بنبرة باكية رقيقة: مراد انت أول راجل دخل حياتي وقلبي، مش عايزة اخسرك يا حبيبي
قشعريرة لامست جسده فور نعتها المُحبب، فيقترب منها ويتساءل في لطف
: هو انتي حلمتي بإيه يا فريدة مخليكي خايفة كدة؟
ارتجفت من سؤاله، وهلع أصاب كيانها، فتهتف برعشة واضطراب وهي تهز رأسها كي لا تتذكره
: متسألنيش يا مراد، متسألنيش .. أنا مش عايزة افتكره
ضمها إليه سريعًا بحنو وجعل يمسد على ظهرها وهو يردد
: خلاص اهدي مش عايز أعرف
طبع قبلة خفيفة على شعرها، ثم ابتعدت عنه لتردف بدموع
: أنا آسفة إني بوترك وأشغلك بالك، بس دة احساسي اللي على طول بيهاجمني، أنا ممكن أموت لو بعدتني عنك
ليضع إصبعه فوق شفتيها بسرعة ويهمس
: ششش، بعيد الشر عنك يا روحي، ما تجيبش سيرة الموت مرة تانية
ضم رأسها بين يديه وتطلع إلى عينيها بتأمل فيرى خطوط حمراء تختلط بـ بياضتها من كثرة الأرق وعدم نومها بشكل جيد..
همس لها بصوت يشوبه الحنين
: أنا مش عايز أشوف دموعك مالية عينك، أوعدك يا قلب مراد، اني مش هخلي البسمة تفارق شفايفك، انسي الكابوس دة نهائي، ومهما كان فهو مش هيحصل
ضمها إليه مرة ثانية وهو يمرر يده فوق شعرها برفق .. داعيًا الله ألا يصيبهما السوء في علاقتهما، فهو ما صدق كي يرزقه حبها بعد سنوات ضياع غمرته في الحزن .. لا يريد سوى ظل تلك السحابة الذي يرسل له الأمل والتفاؤل..
_____________
عاد مراد من الساحل .. وذهب إلى مقر خاص بزملائه، بعد أن تأكد بالطبع أن لا أحد يراقبه .. دلف إلى أحد الغرف ليجد هؤلاء الثلاثة يجلسون وعلى وجوههم علامات احباط وبؤس، وكأنه حدثت كارثة كبيرة..
أغلق الباب قبل أن يهتف متسائلًا: إيه يا شباب قاعدين حزانا كدة ليه، وكإنكم ف عزا؟
نهض الثلاثة في نفس اللحظة يتطلعون إلى مراد بغموض، وكل واحدًا منهم قد ابتلع لسانه في فمه، كمن كانوا على رؤوسهم الطير..
تعجب منهم: فيه إيه!
ارتفع صوته، فقرر أحدهم اطلاق سراح لسانه ليخرج عماد صوتًا متقطعًا بنبرة تكاد تُسمع..
: ر..رغد عايشة يا مراد!
وقف مراد ينظر له في صمت وكل تعابير وجهه قد اختفت .. ماذا يقول هذا الأبله الآن؟
: إيه السخافة دي؟؟ إيه اللي بتقوله ده يا عماد؟
صرخ بقوة واعتلى العبوس معالم وجهه .. لينفتح الحائط الخشبي الساتر في منتصف الغرفة .. فيحرك رأسه نحوه ليجدها تظهر منه، يقطب ما بين حاجبيه بشدة .. أغلق جفنيه بقوة محاولًا أن يستيقظ من هذا الحلم،
لكنها موجودة بالفعل..إنها الحقيقة، تقف هنا ف الدنيا، أمامه مباشرة؟
صداع مفاجئ يدق كالمطرقة داخل رأسه وعينيه تنغلقان تدريجيًا والصورة تضطرب وتهتز، لكنها ما زالت تقف، الغرفة تدور من حوله في سرعة رهيبة .. رفع بيديه يمسك رأسه يوقف تلك الأشياء اللعينة التي تجري أمام عينيه وتجعل أنفاسه تتثاقل .. أطبق عينيه على آخرها وهو يترنح بمكانه يحاول استرداد أنفاسه، تحت نظرات الجميع الذين قد هلعت قلوبهم من بين ضلوعهم رعبًا على صديقهم العزيز..
ليجدوه يستسلم لجسده الذي يسقط في اعياء شديد، فيركضون سريعًا حوله وهم يصرخون باسمه بقوة..........
يتبع الفصل الثالث والأربعون اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية ظل السحاب" اضغط على اسم الرواية