رواية سمال الحب الفصل السادس بقلم مريم محمد
رواية سمال الحب الفصل السادس
_ سقوط الملاك ! _
جلست أمام المرآة تضع اللمسات الأخيرة على زينتها الخفيفة، في اللحظة التي رأت إنعكاس زوجها يظهر أمام باب الغرفة و قد كان يمسك بهاتفه المضاء، إذ بدا و كأنه كان يخابر أحدهم
الآن و قد إستعاد مظهره الطبيعي، يرتدي قميصًا أسود اللون مشمر الساعدين، و سروالًا من الجينز الغامق، سواره الشهير _ خصلة شعر أمه الراحلة _ كان لا يزال يزيّن رسغه الأيسر، و خاتم زواجهما أيضًا.. ها هو قد إرتداه أخيرًا ...
-ماكنتش عاوز أسيبك إنهاردة أبدًا ! .. همس "رزق" بحرارةٍ حين أتى خلفها و إنحنى ليضمها من الخلف بقوة
"ليلة" التي كانت تبتسم له أصلًا، ظهرا صفيّ أسنانها الناصعة كلها لحظة تصريحه بذلك، و بقيت منصتة لبقية حديثه الحميمي و هو يداعب جسمها و يلثمها على عنقها و خدها قبلاتٍ رطبة متعمقة ...
-و لا بكرة.. و لا بعده.. و لا بعد بعده... لسا ماشبعتش منك !!
ضحكت برقة و هي ترفع إحدى يديها قابضة على حفنة من شعره بين أصابعها و ملء راحتها.. طبعت قبلة بدورها على ذقنه متمتمة :
-روحي. روحي.. و لا أنا و الله عايزة أسيبك. انت أحلى حلم و أحلى حياة بعيشها. أجمل و أرق و أحن راجل شوفته.. و أنا معاك بترفعني لسابع سما و بنسى دنيتي. مش عارفة إزاي بتعمل كده ؟
خدرتها قبلاته و أذابتها كليًا، فلم تحس بذراعه و هو يشدها كالريشة لتقف على قدميها، أدارها بسهولةٍ لتواجهه و طوّق خصرها بشدة ...
رمقها بنظرته الآسرة قائلًا بصوته القوي :
-و إنتي سحرتيني.. خلتيني أحبك. أنا بحبك يا ليلة !
-حبيبي ! .. ناحت من شدة تأثرها
ضمته إليها بكل ما أوتيت من قوة و حب، وأدت رغبة في البكاء ولدتها كلماته... انتزعت نفسها من بين أحضانه بصعوبة، و من دون أن تبتعد عنه قالت بلهجة طبيعية و هي لا تزال بين ذراعيه :
-بردو لسا مصمم.. مش هاتطلع معايا عند أبوك ؟
رد بصرامة : قولتلك مش هاعتب الشقة دي يا ليلة. و سمحت لك تطلعي عشان نور.. عشان تكوني جمبها و بس
هدأته ماسحة على وجهه برفق :
-طيب خلاص.. إللي إنت عايزه. بس ماضيقش نفسك
تنهد مطوّلًا، ثم قال بهدوء :
-طيب أنا كمان هانزل أشوف نسمة و كوكي.. لما تخلصوا كلميني
أكفهرت ملامحها الآن و هي تقول باستهجانٍ :
-يسلام ! بسرعة كده هاتسيبني و تنزل لست هانم نوسا ؟ مش على أساس إحنا في شهر العسل ؟
-يعني إنتي عايزاني أقعد هنا أكلم نفسي ؟ و بعدين إيه ست هانم نوسا و قصيتي بنتي.. ماسمعتنيش و أنا بقولك كوكي ؟؟!
-بس اعمل حسابك مافيش بيات تحت.. هاتطلع تنام عندي هنا !
بثت في نظرتها المتحديّة شرارة سامّة تليق بها تمامًا، ليبتسم "رزق" رافعًا حاجبيه و هو يعقّب :
-إيه ده يعني ؟ أمر و لا إيه ؟!
-آه يا رزق.. أمر
-بس ماتنسيش إن نوسا مراتي بردو و ليها حق عليا. أنا لازم أكون عادل بينك و بينها
أحس في اللحظة التالية بيديها و أناملها تحيط برقبته، ثم إبهاميها يضغطان على تجويف ترقوته، لم تهتز منه شعرة بينما مضت مغمغمة بحشرجة مهددة :
-طيب إبقى جدع كده و أعملها. عارف لو حسيت بس إنك قربت منها و لا لمستها ..
قاطعها : هاتعملي إيه ؟!
بدا إستخفافه الشديد بها لغرض نكايتها فقط، لكنها تصرفت على نحوٍ جدي و هي تجذبه من ياقته مغمغمة باجرامٍ :
-هاقتلك يا رزق.. سامعني هاقتلك. إنت بتاعي أنا.. من اللحظة إللي قربنا فيها لبعض بقيت ليا أنا و بس
سايرها بلعبتها : فعلًا ! طيب و ده مش هايبقى حرام يعني ؟ و تفتكري شخصيتي ممكن تقبل حاجة زي دي.. شايفة قدامك راجل و لا لأ ؟
-راجل.. سيد الرجالة
إبتسم و قال بجدية في آنٍ :
-يبقى تحترمي عقليتي.. انتي إتجوزتيني و انتي عارفة علاقتي بنسمة. و عارفة انها أم بنتي. كمان انتي إللي رجعتيني ليها.. زي ما انتي مراتي هي كمان مراتي و ليها عليا حقوق ...
و احتوى جانب وجهها بكفه مُلمحًا برومانسية :
-بس إنتي عندك علم.. في القلب من كفته رجحت. حبي ليكي مش كفاية ؟
تعلّقت عينيها بعينيه أكثر و هي تقول بتسامحٍ أراحهما معًا :
-لأ.. كفاية.. كفاية أوي يا رزق !
_______________
حفلة الاستقبال لم تكن بكبيرة كما توقعت "نور" ...
لكن الحضور وحده أرضاها، أسعدها إلى أقصى الدرجات، إلى يمين رأس مائدة العشاء العامرة، جلست بجوار أبيها مبتسمة بجذلٍ شديد
نظراتها لم تفارق "علي".. و الذي إنتابه خجلٍ ضايقه و أمتعها هي ...
-منورين يا جزارين ! .. هتف "سالم" مرحبًا بعائلته بحس دعابة
تفاوتت القهقهات و سمع الرد في صوتٍ واحد :
-بنورك يا كبير ...
قوّس "سالم" فمه بضيقٍ طفيف و هو يقول :
-و لو إننا ناقصين الليلة دي.. رزق. مصطفى و بطة.. بس إنتوا كمان تسدوا عين الشمس. يلا بسم الله مدوا إيديكوا !
و بدأت الوليمة
نصف ساعة و الجميع كانوا يجلسون بالصالون، و "هانم" التي أعدت الشاي جاءت و من خلفها إبنتها "سلمى" توزعان على أفراد العائلة
و إذ صفت الأجواء بينهم، إستفتح "إمام" حديثًا خاصًا بنية المرح :
-إن شالله متجمعين دايمًا يارب.. و قريب كده ناكل و نفرح يوم علي و نور. مش كده يردو ياخويا البرنسيسة بتاعتنا على إسم إبني علي !
و ضحك بسماجةٍ
لاحت ابتسامة باهتة على فم "سالم" و هو يرد على أخيه ببرودٍ :
-و الله يا إمام ده عُرف و قانون عيلتنا. بس أنا متحفظ بخصوص نور شوية ...
و إلتفت لينظر إلى "نور" التي شحبت بتوتر مفاجئ عندما سلطت الأنظار عليها و صارت محطّ الحديث، طمأنها أبيها بابتسامة هادئة و هو يمد يده رابتًا على شعرها يسألها :
-إيه رأيك يا نور ؟ عمك إستعجل و فتح الموضوع.. إكمن إحنا بنحب نجوز ولادنا صغيرين. أنا سبق و قولتلك إنك لعلي.. موافقة و لا لأ ؟ أنا مش هاغصب عليكي لو قولتي لأ
في هذه اللحظة قفز صوت "عبد الله" الأخ الأصغر باستنكارٍ :
-إيه رأيها ! ما إحنا سمعناها كبنا ياخويا تحت و هي بتجري عشان تسلم على سي علوة و بتقوله بلسانها خطيبي.. جاي دلوقتي تسألها عن رأيها يا سالم ؟!!
لم تتحمل "نور" هذا الحرج كله، و بغتةً قامت لترتمي على أبيها دافنة رأسها في حجره، ليضج المجلس العائلي بالضحك فورًا، حتى "سالم" نفسه
أخذ يهوّن عليها و يلاطفها، بينما تشملهما نظرات الحقد و الكراهية العمياء من قبل "سلمى" التي جلست تكز على أسنانها طوال العشاء ...
-خلاص يا حبيبتي. مكسوفة أوي كده ليه ؟ أنا مش هجوزك بكرة يعني ...
-السكوت علامة الرضا ! .. هتفت "نجوى" بفرحة
أما "علي" فلم يتمكن من إخفاء إبتسامته و قد تجلّت سعادته الدفينة الآن، لم يكن وقت مناسب الذي إختاره والده للحديث بهذا الشأن، لكن هذه النتيجة غير المتوقعة نالت إستحسانه كثيرًا ...
-و عقبال ما نفرح بسلمى هي كمان يارب ! .. قالت "عبير" هذه الجملة
نظرت "سلمى" نحوها في الحال، ثم سمعت صوت أبيها يفصح بغروره الشهير :
-سلمى كان زمانها متجوزة و معاها عيال لو أنا كنت رضيت أجوزها من أد سنة و شوية يا عبير
إسترعى الأمر إهتمام "هانم" فسألته بفضولٍ :
-تقصد إيه يا سالم ؟
لم تجرؤ الفتاة على النظر لأبيها، فبقيت مصغية و ضربات قلبها تطرق صدرها بشدة موجعة ...
-يمكن أنا ماقولتش. بس بالمناسبة طالما كلنا فتحنا السيرة و متجمعين.. رضوان السويفي كان طالبها لعاصم إبنه ساعة فرح رزق و مصطفى. جالي هنا و طلبها يجي ٦ مرات
-و ردك كان إيه ياخويا ؟ .. تساءل "إمام" بذات فضول زوجة أخيه
أدار "سالم" رأسه يخصّه بنظرته الآنفة و هو يقول :
-رفضت طبعًا
إستاء إمام : ليه كده بس يا سالم.. ده عاصم السويفي بردو. راجل زي الفل و له مكانته في عيلة السويفي كلها. دراع أبوه اليمين و أي راجل يتمناه لبنته. إزاي ترفضه ؟!!!
سالم بصلابة : و أنا بنتي يتمناها أجدع راجل في بلده. دي بنت سالم الجزار.. هي إللي تنقي و تختار على كيفها ...
و أضاف بحدة أقل :
-و بعدين هو ماكنش رفض صريح.. أنا حبيت أفهمه بس إن بنتي لسا صغيرة. سلمى دي لسا بت 15 سنة.. معقول بإيدي أحطها في جوازة و أخليها تفتح بيت و هي لسا ماطلعتش من البيضة ؟ أنا مش مستعجل عليها خالص لسا بدري ...
و تقابلت نظرته بنظرتها الآن، فابتسم و هو يقول بموّدة حنونة :
-و لسا ماشبعتش منها. دي قلب أبوها من جوا.. دلوعتي الصغيرة !
اشرأبت "نور" رقبتها لأعلى الآن لتعبس في وجه أبيها متسائلة :
-و أنا أبقى إيه ؟؟
خفض "سالم" رأسه رامقًا إياها بأعينٍ لامعة، ثم قال و هو يقرص أنفها بلطفٍ :
-إنتي روحي و تاج راسي.. و بنت ××× عشان طلعتي مني الكلام ده قصاد القاعدين. يقولوا عليا إيه دلوقتي ؟
مزح "عبد الله" ضاحكًا :
-إطمن هانقول في سرنا !
و مرة أخرى يضج المجلس العائلي بقهقهاتٍ مرتفعة ...
_______________
أن يحمل قطعة منه، رضيعة تشبهه، يشم فيها رائحة أعزّ إنسانة على قلبه.. كلها مشاعر أطفرت بعض الدموع من عينيه و جعلته في تأثرٍ شديد و هو يضم "كاميليا" الصغيرة إلى صدره الخافق بحب جدتها، ثم بحبها هي الآن
تلك الصغيرة، التي لا تفقه شيء و لم يرى حتى الإن سوى مرتين، هي بضعةٌ منه، يشعر بأنها حياته كلها، أنه وجد بسببها، و لها فقط ...
-توك ما افتكرتنا يا رزق !
إلتفت "رزق" إلى عبارة "نسمة" المعاتبة ...
كانت تجلس ورائه على فراشها، قطب جبينه و هو يهدهد الرضيعة الغافية برفقٍ قائلًا :
-مش فاهمك يا نوسا.. أنا لسا واصل إمبارح. و أول ما رجعت جيت عليكي طوالي.. مالك ؟
-كنت فين ليلة إمبارح لحد دلوقت ؟! .. سألته مباشرةً
رد ببساطة : كنت عند ليلة
-مش المفروض بردو كنت تستنى معانا. أنا و بنتك.. إنت مش فرحان بيها و لا إيه ؟!!
تجهم وجهه و صوته :
-إيه الاسلوب ده. و إزاي أصلًا توجهيلي سؤال زي كده ؟ مالك يا نسمة هاتي م الآخر !
نظرت له كصنمٍ، حتى أن جمودها المطوّل أثار ريبته، حتى شاهد الدموع تتجمع بعينيها، ثم وجهها و كأنه مجسم من الرمال، تفكك بلحظة حين وهنت و إنفجرت بالبكاء الصامت موارية رأسها بين ذراعيها المطويين ...
أجفل "رزق" مرتبكًا، إستدار ليضع طفلته بسريرها الخاص بحذرٍ شديد، ثم إتجه لزوجته و جلس مقابلها تمامًا و هو يقول بضيقٍ منزعج :
-إنتي بتعيطي ليه دلوقتي ؟ أنا عملت لك إيه يا نسمة لكده.. بصيلي و كلميني !!!
و جذب ذقنها بأنامله الصلبة مجبرًا إياها على النظر إليه ...
إرتجف فم الأخيرة، و نزلت دموعها على خديها الحمراوين و هي تقول بصوتٍ مختلج :
-إنت ناسيني.. أو. نسيتني فعلًا.. في الأول مشيت و سبتني. سبتني لوحدي وسط أهلك إللي بيكرهوني و مافكرتش كان ممكن يجرالي إيه
أكد بقساوة : محدش كان يقدر يلمس منك شعرة. قوليلي لو حد اتعرضلك ...
-أنا كنت محتاجة لك ! .. هتفت بنشيجٍ منفعل
إنتفخ أوردتها و صبغت الحمرة وجهها و هي تستطرد بانفعالٍ مكتوم :
-محدش يقدر يلمس مني شعرة آه.. بس الكلام مفعوله أقوى من السم. النظرات كانت بتدبحني.. المعاملة. كأني ماليش عازة. مهمتي أولد بنتك و خلاص.. حتى لو هموت.. إنت ماكنتش هنا و أنا بنام كل يوم مرعوبة من أبوك. من كلامه عليا و أنا بسمعه من ورا باب أوضتي.. محبوسة. مش قادرة أوصلك و لا عارفة فين أراضيك و إذا كنت هاتيجي و لا هاشوغك تاني و لا لأ... أنا إتعذبت أوي يا رزق. أنا كنت بموت في اليوم ألف مرة. الموت كان أهون أصلًا.. و إنت أول ما جيت مالحقتش أشوفك و لا أحس بالأمان معاك.. سبتني و روحت ليها... أنا عايزة أعرف إنت صممت تتجوزني ليه ؟ أنا كنت هامشي و أسيبك. ليه تحكم عليا بالعذاب ده على إيدين أبوك. ليه بعد ما صدقت إنك أماني و الوحيد إللي تقدر تحميني من غدر الدنيا ليـــه ؟؟؟
-بس. بـــس !
أسكتها مكممًا فاها بكفه و هو يضم رأسها في صدره بقوة، الآن نقلت له عدوى إنفعالها و كربتها، لينطق من بين أسنانه بغضبٍ حارق بينما تنهار أكثر بحضنه :
-أنا آسف. آسف يا نسمة.. حقك عليا. مش هاسيبك تاني خلاص.. لو كنت أعرف... أنا أصلًا ماكنتش في وعيي. سامحيني. أنا غلطت في حقك سامحيني.. مش هاسيبك تاني.. و أبويا. و تراب الغالية. بموتي لو قرب لك أو ضايقك بكلمة تانية.. بموتي يا نسمة !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كانت كتلة من النار تمشي على قدمين، و هي ت٩وب غرفتها على غير هدى، بعد أن تذرعت بالحيل لتترك العائلة و تنزل إلى شقة أمها
لم تهدأ "سلمى" لحظة واحدة، بشرتها المخضبة بحمرة ملتهبة، جسمها كله يتشنج و ينتفض من قمة الغضب و الحقد الذي غمرها
هكذا يعترف أبيها بمنتهى البساطة بأنه قد رفض خطبتها لـ"عاصم".. و هكذا أيضًا يُعلن خطبة إبنته المدللة لإبن عمها !!!
بأيّ حق يفعل ذلك ؟ دون أن يسألها.. دون أن يأخذ برأيها كما فعل مع تلك اللعينة ؟؟؟؟؟؟
إنتفضت "سلمى" بعنفٍ غاضب حين سمعت نقرة على باب الغرفة، إستدارت بنظراتٍ مرعبة لترى "نور" تكل برأسها عبر الفتحة الصغيرة ...
-ممكن أدخل ؟ .. تساءلت "نور" برقة
و قد دخلت بالفعل، لكنها أحست بالقلق لرؤية أختها على هذه الحالة، فقالت بعفوية صادقة :
-في إيه يا سلمى مالك ؟ إنتي تعبانة يا حبيبتي ؟!
و أرادت أن تقترب منها لتجس جبينها
إلا إن الأخيرة صرخت بوجهها مِمّ صعقها و جعلها تثبت شاخصة العينين بأرضها :
-لأ مش تعبانة.. و إنتي. إنتي إوعي تقربي مني. سامعة ؟ إوعـــي تقـربي مــنـي !!!!
بيّد بأن "حمزة" كان قريبًا، حيث أنه أتى على إثر الصراخ فورًا، أقحم نفسه بين الأختين متسائلًا بهلع :
-إيه ده في إيه.. إيه إللي حصل هنا. ما تردي يا سلمى بتصرخي ليه ؟؟!!!
أشارت "سلمى" بسبابتها تجاه "نور" زاعقة بعصبيةٍ :
-خد البت دي من هنا يا حمزة. مش عايزاها معايا.. مش طايقة أشوفها قصادي
إنقض "حمزة" على أخته و حاول إغلاق فمها صائحًا :
-بسسس إسكتي يا عبيطة إنتي. إيه إللي بتقوليه ده.. إنتي إتجننتي ؟؟!!!
صاحت "سلمى" أعنف منه و هي تدفعه بكل ما أوتيت من قوة :
،أنا هفرجك الجنان !!
و ركضت صوب الخزانة منتزعة ملابس و أغراض "نور" كلها، ألقتها في وجه أختها المصدومة كليًا و هي تهتف و تصرخ :
-إطلعي براااا. إمشي من هنا خااالص. أنا بكرهك.. بكرهك. بكرهـــك ...
لم تتحمل "نور" سماع المزيد، إذ صكت أذنيها و قد إنهمرت دموعها فورًا و هي تلتفت مطلقة ساقاها في ركضٍ متعسر خارج الغرفة
وقف "حمزة" يتابع ما يجري مشدوهًا، و ما لبث أن أستلّ هاتفهه و هو يتوّعد شقيقته بينما يلحق بالأخرى نصف الشقيقة :
-لأ إنتي هبت منك بجد و شكلك عايزة أبوكي.. و ربنا لانزلهلك و إبقي إتشطري و قولي قصاده الكلام ده
في هذه الأثناء، خرج "رزق" على أصوات الصياح، إنخلع قلبه من مكانه عندما رأى شقيقته تقف بمتتصف الصالة منهارة في البكاء كطفلةٍ و ترتعش من رأسها لأخمص قدميها
ركض عليها في الحال و أمسك بكتفيها هاتفًا بذعرٍ :
-نـــور ! إيه ده. إنتي بتعيطي و بتترعشي كده ليه ؟ مالك يا نور فيكي إيه ؟؟؟؟
استنطقها بصعوبةٍ و ميّز كلماتها بجهدٍ من بين نحيبها المرير :
-مشيني من هناااااااععع. لازم أمشي.. مشيني دلوقتي حالًا !!!
عبثًا حاول "رزق" أن يفهم منها شيئًا، ثوانٍ و ظهر أبيها أمام باب الشقة، و عبر المسافة إليها في ثانية بوجهٍ منقبض أسود من الغضب و هو يقول :
-في إيه ؟ مالها نور ؟؟؟
و دفع "رزق" بحزمٍ في صدره ليحتلّ مكانه أمام إبنته، حاوط كتفيها مستوضحًا بهداوةٍ :
-مالك يا حبيبتي.. إهدي. إهدي خالص و فهميني حصل إيه.. مين إللي زعلك كده ؟!!!
جهوده أيضًا ذهبت سدى و ساءت حالة "نور" أكثر و هي تبكي بهستريا نائحة :
-أنا عايزة أمشي من هنا.. مش هاقعد هنا. رجعوني بيتي.. رجعوني لبابا النشار.. مش عايزة أقعد هنااااااااععععع آااااااهعععع ...
و كادت ساقاها تداعى، ليلحق بها "رزق" دافعًا بكرسي أسفلها ثم تلقفها بين أحضانه، بينما يتداخل صوت "حمزة" الآن و قد بدأت الشقة تزدحم بأفراد العائلة :
-سلمى يا بابا !
إلتفت "سالم" إليه، ليتابع بملامح عابسة :
-سلمى إتخانقت معاها و رمت لها هدومها في وشها. و قال مش عايزاها تقعد هنا و طردتها من الأوضة
لم يصدق "سالم" ما سمعته أذناه، لم يجد حلًا سوى أن يتأكد بنفسه، فانتقل باللحظة التالية إلى غرفة إبنته تتبعه زوجته "هانم" ...
-صحيح إللي سمعته ده ؟ .. سألها "سالم" وجهًا لوجه
نفس الحالة البائسة من الغضب تلبست "سلمى" أمامه و هي ترد بانفعالٍ :
-أنا محدش كان بيشاركني أي حاجة من قبل ما تيجي.. و مش واخدة على كده
اقترب "سالم" خطوة تهديدية و هو يقول :
-إنتي أصلًا ماتملكيش لا في نفسك و لا في عيشتك هنا شيء عشان تقرري. أو تقبلي و أو ترفضي.. إزاي تعملي كده ؟
و أشار لملابس "نور" المبعثرة في كل مكانٍ ...
عند هذا الحد إنفجرت "سلمى"... ضربت الأرض بقدميها كالأطفال و هي تصيح بغضبٍ هائج :
-مش عايـزاهااااا. مش عايزاها معايا في أوضتي.. تروح تنام عند حمزة. ماليش دعـوووة أنا بكرهها مش عايزاهااا آ اااااااااه ...
تلك الصفعة القاسية التي تلقّتها على حين غرّة من كف أبيها و بعثرت وجهها.. أخرستها في الحال، كما إنتزعت شهقة مكلومة من صدر أمها، لكنه لم يكتفِ بهذا
قبض "سالم" بعنفٍ على ذراعها و شدها نحوه بقوةٍ و هو يأمرها بحشرجة ضارية :
-أخرجي اتأسفي لأختك.. اتأسفي لها حالًا و إلا عليا الحرام من الكف إللي نزل على وشك ده أسيح دمك بيه يا سلمى !!!
جمدت الصدمة الفتاة المراهقة، تحسست بكفها موضع الصفعة، بصمات أبيها الخمس قد طبعت على خدها بدون مبالغة ...
إغروىقت عيناها بدموع الخذلان و القهر، غير أن نظرات "سالم" العنيفة لم تتبدل، بل أنه أنذرها للمرة الأخيرة :
-اخرجي اتأسفي لأختك. لو عايزة ليلتك تعدي على خير ...
إنكمش فمها و صدرها يمتلئ بمرارة الكراهية و الغضب و الحزن معًا
صممت على عصيان أوامر أبيها، حيث أخذت تهز رأسها بعصبيةٍ صارخة بضراوة :
-لأ.. لأاااااااااا. مش هاتأسف لها. مش هاتأسـ آ آ ....
هذه المرة لم يتسن لها الوقت لرؤية يد أبيها المنطلقة، و بقوة شديدة، أخذ يوجّه لها صفعاتٍ عظيمة بكفه و ظاهر يده.. لولا أمها التي إندفعت صارخة و حشرت نفسها بينهما و هي تبكي مرعوبة على إبنتها
حالت بينهما بصعوبةٍ، ليأتي أخويها "رزق" و "حمزة" على الفور و يخلصاها من بين براثن أبيها
الوحيد الذي تمكن بدرء "سالم" كان "رزق" حيث أمسكه بقوة و اعترض طريقه إلى "سلمى" التي نهضت واقفة بساقين مرتجفين بمساعدة "حمزة" ...
سالت الدموع من عينيها و الدماء من شفتيها، بينما يهدر "سالم" بأقذع السباب و هو يشعر ضغط دماؤه يرتفع بخطورة :
-يا ×××× يا ××××.. بقى إنتي تعملي كده ؟ إنتي.. أنا عمري ما فكرت يطلع منك كل ده. عملت لك إيه أختك. عملت إيه و هي لسا ماقضتش يوم بحاله في خلقتك.. أخس عليكي. أخــــــس !
يتبع الفصل السابع اضغط هنا
- تابع الفصل التالي عبر الرابط :"رواية سمال الحب" اضغط علي اسم الرواية