رواية ولد الهلالي الفصل العاشر بقلم نور بشير
رواية ولد الهلالي الفصل العاشر
أقترب منها يونس بتروى ثم جثى على ركبتيه أمامها و مد يديه ساحبا كفها واضعا إياه بين رحته و نظر لها نظرة زلزلت كيانها ، نظرة لم و لن تنساها مهما حدت ، ثم فرت دمعة هاربة من عيناه و نطق بحرقه من بين عبراته: دهب أنا بموت ، بموت يا دهب ، أنا دلوقتى بعيش آخر لحظات حياتى ، اللحظة اللى هتوقعى فيها على عقد جوازك هتكونى بتوقعى على شهادة وفاتى يا دهب ، ثم هبطت دموعه بغزارة و تابع بنبرة يقطع لها نياط القلب؛ أنا بحبك ، بحبك و مش عارف أعمل أى حاجة فى حياتى غير أنى أحبك ، دهب أنا ندمان على كل حاجة عملتها فيكى و جاى لحد عندك ببكى بدل الدموع دم و مستنى عفوك عنى و أنك تردى فيا الروح اللى فارقتنى من يوم فراقك عنى ، ثم أخرج من سترته مصحف و أمسكه بين يديه و نطق بدموع؛ وحيات كتاب ربى ده أنا أتغيرت و ندمان يا دهب ، و أوعدك أنى هكون يونس تانى خالص غير اللى عرفتيه و حبتيه قبل كده ، و أوعدك أنك هتتعرفى على يونس جديد و هتحبى يونس تانى غير يونس الأنانى الخاين بتاع زمان ، ثم رفع المصحف واضعا إياه أمام وجهه و نطق من بين عبراته؛ وحيات كتاب ربى ده أنا عمرى ما هوجعك تانى أو أكون سبب فى دموعك بس أنتى أدينى فرصة واحدة يا دهب أكفر فيها عن ذنبى ده ، أرجوكى يا دهب متعمليش فينا كده ، أوعى تغلطى الغلطة اللى أنا غلطها زمان صدقينى المرة دى مش هينفع بعدها رجوع يا دهب ، المرة دى أنتى هتكونى لراجل تانى غيرى ، ثم أختنقت نبرته من شدة بكائه عندما نطق بهذه الكلمات و تابع بإنهيار؛ أرجوكى يا دهب أنا بترجاكى وحيات أبننا مالك عندك أدى لحياتنا فرصة جديدة ، ثم نظر لها مترجيا إياها بنبرة متوسلة؛ دهب أبننا ، أبننا يا دهب فكرى فى ، فكرى أننا أحنا الأتنين لازم نأخد فرصة عشانه و عشان نفسنا ، ثم رفع يديه محيطا وجهها بين كفوفه و أضاف بنبرة متلهفة؛ وحياتك عندى وحياتك عندى يا دهب لهحطك جوه قلبى و عنيا و مش هتشوفى منى حاجة وحشة تانية ، تعالى يا دهب نقفل على كل الوحش اللى فات من حياتنا و نبدء من جديد ، يونس و دهب جداد بس وحيات مالك ما تعملى فينا كده ، متعمليش فينا كده يا دهب
فنظرت له دهب و وجهها غارقا بالدموع و لم تعطى له رداً واحداً حتى
نظراتها مبهمة ، لا يستطيع تحديدها ، لا يستطيع فهمها ، و لكنها تبدو و كأنها بعالم أخر غير هذا العالم ، تفكر كيف لها أن تستأمنه من جديد على حالها ؟
كيف لها أن تشعر معه بالأمان ثانياً بعد أن جرحها و غدر بها بالماضى ؟
كيف لها أن تنسى كل هذا و تبدء من جديد ؟
كيف لها أن تفعل مع أكمل ما فعله معها بالماضى ، فما فعله هو كان شديد الوقع على نفسها فكيف أن تظلم أحدهم كما ظلمت هى من قبل ؟
كيف لها أن تكون ظالمه بعدما كانت هى المظلومة ؟
كيف لها أن تجرحه و تغدر به كما جرحت هى من قبل ؟
و لكن أخر شيئاً خطر على بالها هو صغيرها ( مالك ) ، فمهما حدث سيظل أكمل بالنسبة له مجرد زوج لوالدته و ستحرم صغيرها من العيش ضمن حياة مستقرة بين والده و والدته
كيف لها أن تتصرف بأنانية هكذا مع صغيرها ؟
كيف لها أن تشعره باليتم و والده لايزال على قيد الحياة ؟
فهى شعرت و ذاقت مرارة هذا الشعور فى صغارها و ليس من العدل أن تجعل ولدها يشعر مثلما شعرت هى فى زمانها ،
هى الآن موضوعة بين نارين كما يقال ، نار أن تصبح ظالمه و تجرح أكمل مثلما جرحت هى على يد يونس و نار أنها تصبح أم جاحده على صغيرها ، فهى أن وافقت على أكمال هذه الزيجة ستجعل صغيرها يعانى بهذه الحياة و أن كان أكمل سيعامله مثل ولده ، و لكن زوج الأم مهما حدث يظل زوج أم و ليس أب ، يمكن أن يخاف على صغيره و يمده بالحب و الحنان اللازم
ظلت عبراتها تهبط بغزارة دون أن تصدر أى رده فعل منها ، مما جعل يونس يشعر بفقدان الأمل و الخيبة ، فرفع يديه ماسحا عبراته هو الآخر و ألتفت بجسده حتى ينصرف و هو يجر أذيال الخيبة خلفه ، يشعر و كأنه كالمشلول قدماه غير قادره على حمله لا يستطيع أن يخطو بها و لو خطوة واحدة حتى ، و لكنه تحامل على نفسه و حاول أن يخرج خارج الغرفة فهو لا يستطيع المكوث أكثر من ذلك و لا يستطيع تحمل أن يشاهدها أكثر من ذلك بهذا الفستان الذى من المفترض أنها ستزف به على رجل أخر غيره ، لا يتحمل حتى مجرد تخيله لهذا المشهد ، فكيف له أن يتحمل بأنها ستصبح بأحضان رجل أخر غيره ، يا الله ، يشعر و كأن وجع العالم كله يقبع بداخله الآن ، يشعر و كأنه سيموت لا محاله
و دهب واقفه خلفه ساكنه لا تتحرك و لا تصدر أى رده فعل يذكر ، سوى الشرود و البكاء الساكن ، تشعر و كأنها غير قادره على التنفس حتى
و بمجرد ما وصل يونس إلى باب الغرفة و مد يديه فاتحا للباب إلا أنه أستمع إلى صراخها بأسمه قائله بصوتا عال بعض الشئ ينم عن مرارتها: يوووووووووونس ، يوووونس متمشيش ، أنا عشت خمس سنين من غيرك و مش هقدر أكمل أكتر من كده من غير وجودك ، أنا اللى هموت يا يونس المرة دى بجد
فأقترب منها يونس ثم سحبها إلى أحضانه ساحقا إياها فى عناق طويل دام لبضع دقائق ، يشبع فيه كلاهما إشتياقه للأخر من خلاله ، ثم شدد يونس من أحتضانه إياها و هى يردد بلهفة: بحبببببببك ، بحبببببك ، بحبك يا دهب
و بعد مرور ساعتان
قضاها الجميع فى البحث عن دهب فهى قد أختفت تماماً و لا أحد يستطيع العثور عليها حتى الآن ، الجميع يتأكله القلق ،
لا يعلمون أين هى ؟
و ماذا حدث معها ؟
و لماذا أختفت هكذا ؟
و على الجانب الآخر تقف دينا إلى جوار أكمل مبتسمه له أبتسامة أمتنان و هدرت بتقدير و عرفان: أنا بجد مش عارفة أشكرك أزاى يا أكمل ، أنت بجد شخص محترم جداً و أتمنى أنك تقدر تلاقى البنت اللى تحبك و تعوضك عن الدنيا كلها ، أنا لو فضلت أشكرك من هنا لأخر عمرى ، عمرى ما هوفيك حقك
فأبتسم لها أكمل بإنكسار و نطق بأبتسامه حزينه: أنا معملتش غير واجبى يا دينا ، أنا مكنتش هقدر أكمل مع واحدة مش بتحبنى و قلبها مع غيرى ، بس لما أنتى كلمتينى و فهمتينى كل حاجة و أنك عوزانى أوافقها على الجواز عشان نساعدها أنها ترجع ليونس ، أنا عمرى ما كنت هوافقها أننا نكمل و أنا عارف أنها بتحبه ، أنا وافقتك بس عشان أنا عارف أنهم بيحبوا بعض و أنك زى ما قولتيلى أن يونس أتغير فعلاً و بيحبها و إستحالة يغدر بيها تانى خصوصاً بعد أنتى ما قبلتيه على السلم و عرفتى أنه طلق مراته و ندمان و شوفتيه و هو بيعيط ، أنا لولا أنى واثق أنك بتحبيها و عاوزه ليها الخير أنا عمرى ما كنت وافقت ألعب معاكى اللعبة دى ، أنتى بجد يا دينا مثال للصديق الوفى و أنا بحسد دهب على أنها ليها صاحبه زيك و يمكن ربنا عمل كل ده و حطها فى المشاكل دى كلها عشان بس يثبت ليها أنك أجدع من أى حد فى حياتها ، و لو حد لازم يشكر حد فهو أنا ، أنا اللى لازم أشكرك على أنك عطتينى الفرصة دى و خلتينى سبب فى إسعاد قلبين بيحبوا بعض
فمدت دينا يديها إلى أكمل مصافحه إياه بحب و تابعت بنبرة مليئة بالتقدير و الأعتزاز: أنا بجد بتمنالك كل خير من قلبى ، لأن اللى زيك قليلين أوى و أنت تستاهل كل خير
فأبتسم لها أكمل بحزن و تفوه بتحذير: بس خدى بالك أحنا مش عاوزين طنط زينب أو عمو عبد القادر يعرفوا حاجة خالص بخصوص أن دهب مع يونس ، عايزينهم كده مفكرين أنها هربت عشان متحصلش مشكلة
فهزت دينا رأسها فى تفهم ثم اضافت بقلق: ربنا يستر بجد أنا خايفة والله لأحسن يزعلوا منى لما يعرفوا أنى عارفة كل حاجة و مخبية عليهم
فنطق أكمل بحزن: ربنا يستر
فى مكان أخر
يصل يونس بسيارته إلى مكانا مجهولا بالنسبة لدهب تحت دهشتها و ذهولها ، فهتفت دهب بقلق: يونس أحنا فين
فهمس يونس لها بحب و هو يضع يديه أعلى شفتيها برومانسية: ههششش ، مش عاوز أى أساله ، إنهارده مفيش غير دهب و يونس بس ، دهب و يونس جداد بيكتبوا أول سطور فى حكايتهم الجديدة ، ثم ترجل من السيارة و أقترب منها فاتحا الباب إليها ثم ساعدها على النزول حاملا لها ذيل فستانها الطويل للغاية ، و ما أن ترجلت دهب من السيارة حتى تفوهت بذهول؛ يونس أحنا إيه اللى جابنا عالبحر كده ، يونس زمانهم كلهم قلقنين علينا ، أحنا لازم نرجع و نواجههم كلهم
فأقترب منها يونس محتضنا إياها مرددا بنبرة صافية مليئة بالحب: دهب أنسى كل حاجة ، يولعوا كلهم المهم أنك معايا و فى حضنى و بقيتى مراتى من جديد ، ثم مد يديه مشبكا يديها بين أنامله و سار بها بأتجاه شط البحر و ما أن وصلوا حتى ساعدها على صعود الدرجات و ساروا هما الأثنان فى ممر طويل بعض الشئ تحت دهشة دهب و ذهولها ، إلى أن وصلوا أخيراً إلى يخت كبير يقف فى المرسى الخاص به محفور على أطرافه حروف إسمها باللغة الأنجليزية ( Dahab ) ، فنظرت له دهب بعدم فهم ثم نقلت بصرها سريعًا بينه و بين ذلك اليخت فى محاولة منها لفهم ما يحدث حولها إلى أن نطقت دهب بذهول: يونس إيه ده ، و أزاى اليخت ده مكتوب عليه إسمى
فسحب يونس يديها واضعا قبلة حانية على باطن يديها ثم تابع بعشق: اليخت ده مش بس مكتوب عليه إسمك ، اليخت ده ملكك يا دهب و متسجل بإسمك كمان من ٤ سنين ، و طول الأربع سنين دول و أنا بحلم باللحظة اللى هقدر أجيبك فيها هنا و أخطفك من الدنيا بحالها
فرفعت دهب يديها واضعه إياها أعلى فمها بصدمة ثم أردفت بعدم تصديق: لااااا يا يونس ، لااااا مش معقول أنا أكيد بحلم
فهز يونس رأسه بسعادة ثم نطق بعشق: أحنا الأتنين فى واقع يا دهب مش حلم و وعد منى أنى طول ما أنا عايش و ربنا مدينى عمر هتكون حياتنا كلها أحلام جميلة بنحققها سوا ، أنا من إنهارده يونس جديد اتولد على إيدك يا دهب ، فأقتربت منه دهب محتضنه إياه بحب شديد ثم نطقت بسعادة لا توصف: أنا قلبى هيقف يا يونس من كتر الفرحة ، أنا حاسه أن مفيش حد أسعد منى إنهارده
فوضع يونس قبلة مليئة بالحب و الدفء أعلى كتفها و هى لاتزال داخل أحضانه ثم تابع بعشق خالص: أنا لحد ما كتبنا الكتاب و أنا مكنتش مصدق أنك معايا ، بس دلوقتى و أنتى فى حضنى أنا حاسس أنى بملك الدنيا كلها ، أنا عمرى مكنت فرحان فى حياتى زى فرحتى بيكى دلوقتى و فرحتى برجوعك فى حضنى
فشددت دهب من أحتضانه و رددت بحب و هى تشتم رائحته بهيام معبئة رئتها بها ، متمته بحب: ربنا يجعل أيامنا الجاية كلها سعادة يا يونس ، ثم أصحبها يونس من يديها و صعد بها على متن اليخت و بمجرد ما وصلوا إلى مقدمة اليخت حتى نظر أثنانهم إلى منظر السماء و ظلامها الدامس الذى رغم عتمته يبدو منظرا بديعا بوجود ضوء القمر المضئ فى ليلة كماله و كأنه قد أكتمل اليوم للتو مع أكتمال سعادة هؤلاء العشاق و إلى جانبه تلك النجوم الصغيرة المتفرقة حول ضوء القمر مع حركات تلك الأمواج و نمسات الهواء النسمة التى تلفح بشرتهم هما الأثنان فى مشهد رومانسى أقل ما يقال عنه بأنه ساحر خاطف للأنفاس و كأنها لوحه فنية مرسومة بأحترافية شديدة ، عند هذه النقطة ألتقطت عيونهم سويا فى إتصال من نوع أخر ، فلا يوجد حديث يقال بتلك اللحظة ، فالنترك مجال لحديث العيون إذا
ظل كل منهم شاردا بعين الآخر لما يقرب العشر دقائق حتى أقترب يونس من دهب ملامسا وجنتها بنعومة شديدة ثم سحبها إلى أحضانه فى عناق حار يروى إشتياقهم و يروى روحهم الذى كاد يصيبها الجفاف على أثر إشتياق روح كل منهم للأخر ، ظلت دهب تربت بيديها على ظهر يونس فى رومانسية شديدة ، فروح كل منهم الآن ساكنة و كأنها وجدت مآوها أخيراً بعد سنوات من الغربة و الحرمان ، ظل كل منهم محتضنا الآخر إلى أن طالت بهم الدقائق و اللحظات ، فشددت يونس من أحتضانها يريد أن يدخلها بين ضلوعه و يغلق عليها حتى يروى عطشه لها ، فضمته دهب إلى أحضانه بشدة هى الأخرى ثم بدءت تدندن برومانسية و حب شديد و هى تتمايل فى أحضان زوجها: يونس فى بلاد الشوق
اه ياولد الهلالى
بتونسنى دموع العين وانا سايب اهالى
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
ياعزيزة يابنت السلطان لو يتغير الزمان
وقابلتينى فى اى مكان كنت اعشق من غير ماتقولى
يووونس انا يونس
كنت هقول اهو ده المحبوب
ويدوب قلبى قبل ما ادوب
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
انا يونس ونسيت مين يونس
والدنيا مالت عليا
قلبى ضايع مين يلاقيه لى
باينى نسيته حدا اهلى
ينفع احبك من غير قلبى
ماتردوا عليها وعليا
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
ياعزيزة يابنت السلطان لو يتغير الزمان
وقابلتينى فى اى مكان كنت اعشق من غير ماتقولى
يووونس انا يونس
كنت هقول اهو ده المحبوب
ويدوب قلبى قبل ما ادوب
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
انا يونس ونسيت مين يونس
والدنيا مالت عليا
و هكذا ظلوا طوال الليل جالسين كلاهما فى الهواء الطلق يشاهدان منظر السماء و البحر فى رومانسية شديدة ، فيونس كان جالسا على مقدمة اليخت محتضنا دهب من الخلف يتابعان منظر الشروق لا يتحدثون و لكن يريد كل منهم أن يشبع إشتياقه للأخر فقط ، فلا داعى للحديث فى حضور العشاق
و فى صباح اليوم التالى
حيث أصرت دهب على العودة إلى المنزل حتى يطمئن الجميع عليهما و حتى تتطمئن صغيرها ، فهى مدركه تماماً مدى خوفهم و قلقهم الشديد عليها ، و هم بالأساس قد أستشفوا جميعاً وجودها مع يونس فهو حتى الآن لم يعد هو الآخر إلى المنزل و قام بغلق هاتفه حتى لا يستطيع أحد التواصل معه ، و بمجرد ما أن دق جرس الباب و قام الصغير بفتحه حتى أرتمى بأحضانه والدته و والده فى سعادة بالغة ، و بمجرد دلوفهم إلى الداخل حتى نطقت زينب بلهفة
فنظرت له دهب و وجهها غارقا بالدموع و لم تعطى له رداً واحداً حتى
نظراتها مبهمة ، لا يستطيع تحديدها ، لا يستطيع فهمها ، و لكنها تبدو و كأنها بعالم أخر غير هذا العالم ، تفكر كيف لها أن تستأمنه من جديد على حالها ؟
كيف لها أن تشعر معه بالأمان ثانياً بعد أن جرحها و غدر بها بالماضى ؟
كيف لها أن تنسى كل هذا و تبدء من جديد ؟
كيف لها أن تفعل مع أكمل ما فعله معها بالماضى ، فما فعله هو كان شديد الوقع على نفسها فكيف أن تظلم أحدهم كما ظلمت هى من قبل ؟
كيف لها أن تكون ظالمه بعدما كانت هى المظلومة ؟
كيف لها أن تجرحه و تغدر به كما جرحت هى من قبل ؟
و لكن أخر شيئاً خطر على بالها هو صغيرها ( مالك ) ، فمهما حدث سيظل أكمل بالنسبة له مجرد زوج لوالدته و ستحرم صغيرها من العيش ضمن حياة مستقرة بين والده و والدته
كيف لها أن تتصرف بأنانية هكذا مع صغيرها ؟
كيف لها أن تشعره باليتم و والده لايزال على قيد الحياة ؟
فهى شعرت و ذاقت مرارة هذا الشعور فى صغارها و ليس من العدل أن تجعل ولدها يشعر مثلما شعرت هى فى زمانها ،
هى الآن موضوعة بين نارين كما يقال ، نار أن تصبح ظالمه و تجرح أكمل مثلما جرحت هى على يد يونس و نار أنها تصبح أم جاحده على صغيرها ، فهى أن وافقت على أكمال هذه الزيجة ستجعل صغيرها يعانى بهذه الحياة و أن كان أكمل سيعامله مثل ولده ، و لكن زوج الأم مهما حدث يظل زوج أم و ليس أب ، يمكن أن يخاف على صغيره و يمده بالحب و الحنان اللازم
ظلت عبراتها تهبط بغزارة دون أن تصدر أى رده فعل منها ، مما جعل يونس يشعر بفقدان الأمل و الخيبة ، فرفع يديه ماسحا عبراته هو الآخر و ألتفت بجسده حتى ينصرف و هو يجر أذيال الخيبة خلفه ، يشعر و كأنه كالمشلول قدماه غير قادره على حمله لا يستطيع أن يخطو بها و لو خطوة واحدة حتى ، و لكنه تحامل على نفسه و حاول أن يخرج خارج الغرفة فهو لا يستطيع المكوث أكثر من ذلك و لا يستطيع تحمل أن يشاهدها أكثر من ذلك بهذا الفستان الذى من المفترض أنها ستزف به على رجل أخر غيره ، لا يتحمل حتى مجرد تخيله لهذا المشهد ، فكيف له أن يتحمل بأنها ستصبح بأحضان رجل أخر غيره ، يا الله ، يشعر و كأن وجع العالم كله يقبع بداخله الآن ، يشعر و كأنه سيموت لا محاله
و دهب واقفه خلفه ساكنه لا تتحرك و لا تصدر أى رده فعل يذكر ، سوى الشرود و البكاء الساكن ، تشعر و كأنها غير قادره على التنفس حتى
و بمجرد ما وصل يونس إلى باب الغرفة و مد يديه فاتحا للباب إلا أنه أستمع إلى صراخها بأسمه قائله بصوتا عال بعض الشئ ينم عن مرارتها: يوووووووووونس ، يوووونس متمشيش ، أنا عشت خمس سنين من غيرك و مش هقدر أكمل أكتر من كده من غير وجودك ، أنا اللى هموت يا يونس المرة دى بجد
فأقترب منها يونس ثم سحبها إلى أحضانه ساحقا إياها فى عناق طويل دام لبضع دقائق ، يشبع فيه كلاهما إشتياقه للأخر من خلاله ، ثم شدد يونس من أحتضانه إياها و هى يردد بلهفة: بحبببببببك ، بحبببببك ، بحبك يا دهب
و بعد مرور ساعتان
قضاها الجميع فى البحث عن دهب فهى قد أختفت تماماً و لا أحد يستطيع العثور عليها حتى الآن ، الجميع يتأكله القلق ،
لا يعلمون أين هى ؟
و ماذا حدث معها ؟
و لماذا أختفت هكذا ؟
و على الجانب الآخر تقف دينا إلى جوار أكمل مبتسمه له أبتسامة أمتنان و هدرت بتقدير و عرفان: أنا بجد مش عارفة أشكرك أزاى يا أكمل ، أنت بجد شخص محترم جداً و أتمنى أنك تقدر تلاقى البنت اللى تحبك و تعوضك عن الدنيا كلها ، أنا لو فضلت أشكرك من هنا لأخر عمرى ، عمرى ما هوفيك حقك
فأبتسم لها أكمل بإنكسار و نطق بأبتسامه حزينه: أنا معملتش غير واجبى يا دينا ، أنا مكنتش هقدر أكمل مع واحدة مش بتحبنى و قلبها مع غيرى ، بس لما أنتى كلمتينى و فهمتينى كل حاجة و أنك عوزانى أوافقها على الجواز عشان نساعدها أنها ترجع ليونس ، أنا عمرى ما كنت هوافقها أننا نكمل و أنا عارف أنها بتحبه ، أنا وافقتك بس عشان أنا عارف أنهم بيحبوا بعض و أنك زى ما قولتيلى أن يونس أتغير فعلاً و بيحبها و إستحالة يغدر بيها تانى خصوصاً بعد أنتى ما قبلتيه على السلم و عرفتى أنه طلق مراته و ندمان و شوفتيه و هو بيعيط ، أنا لولا أنى واثق أنك بتحبيها و عاوزه ليها الخير أنا عمرى ما كنت وافقت ألعب معاكى اللعبة دى ، أنتى بجد يا دينا مثال للصديق الوفى و أنا بحسد دهب على أنها ليها صاحبه زيك و يمكن ربنا عمل كل ده و حطها فى المشاكل دى كلها عشان بس يثبت ليها أنك أجدع من أى حد فى حياتها ، و لو حد لازم يشكر حد فهو أنا ، أنا اللى لازم أشكرك على أنك عطتينى الفرصة دى و خلتينى سبب فى إسعاد قلبين بيحبوا بعض
فمدت دينا يديها إلى أكمل مصافحه إياه بحب و تابعت بنبرة مليئة بالتقدير و الأعتزاز: أنا بجد بتمنالك كل خير من قلبى ، لأن اللى زيك قليلين أوى و أنت تستاهل كل خير
فأبتسم لها أكمل بحزن و تفوه بتحذير: بس خدى بالك أحنا مش عاوزين طنط زينب أو عمو عبد القادر يعرفوا حاجة خالص بخصوص أن دهب مع يونس ، عايزينهم كده مفكرين أنها هربت عشان متحصلش مشكلة
فهزت دينا رأسها فى تفهم ثم اضافت بقلق: ربنا يستر بجد أنا خايفة والله لأحسن يزعلوا منى لما يعرفوا أنى عارفة كل حاجة و مخبية عليهم
فنطق أكمل بحزن: ربنا يستر
فى مكان أخر
يصل يونس بسيارته إلى مكانا مجهولا بالنسبة لدهب تحت دهشتها و ذهولها ، فهتفت دهب بقلق: يونس أحنا فين
فهمس يونس لها بحب و هو يضع يديه أعلى شفتيها برومانسية: ههششش ، مش عاوز أى أساله ، إنهارده مفيش غير دهب و يونس بس ، دهب و يونس جداد بيكتبوا أول سطور فى حكايتهم الجديدة ، ثم ترجل من السيارة و أقترب منها فاتحا الباب إليها ثم ساعدها على النزول حاملا لها ذيل فستانها الطويل للغاية ، و ما أن ترجلت دهب من السيارة حتى تفوهت بذهول؛ يونس أحنا إيه اللى جابنا عالبحر كده ، يونس زمانهم كلهم قلقنين علينا ، أحنا لازم نرجع و نواجههم كلهم
فأقترب منها يونس محتضنا إياها مرددا بنبرة صافية مليئة بالحب: دهب أنسى كل حاجة ، يولعوا كلهم المهم أنك معايا و فى حضنى و بقيتى مراتى من جديد ، ثم مد يديه مشبكا يديها بين أنامله و سار بها بأتجاه شط البحر و ما أن وصلوا حتى ساعدها على صعود الدرجات و ساروا هما الأثنان فى ممر طويل بعض الشئ تحت دهشة دهب و ذهولها ، إلى أن وصلوا أخيراً إلى يخت كبير يقف فى المرسى الخاص به محفور على أطرافه حروف إسمها باللغة الأنجليزية ( Dahab ) ، فنظرت له دهب بعدم فهم ثم نقلت بصرها سريعًا بينه و بين ذلك اليخت فى محاولة منها لفهم ما يحدث حولها إلى أن نطقت دهب بذهول: يونس إيه ده ، و أزاى اليخت ده مكتوب عليه إسمى
فسحب يونس يديها واضعا قبلة حانية على باطن يديها ثم تابع بعشق: اليخت ده مش بس مكتوب عليه إسمك ، اليخت ده ملكك يا دهب و متسجل بإسمك كمان من ٤ سنين ، و طول الأربع سنين دول و أنا بحلم باللحظة اللى هقدر أجيبك فيها هنا و أخطفك من الدنيا بحالها
فرفعت دهب يديها واضعه إياها أعلى فمها بصدمة ثم أردفت بعدم تصديق: لااااا يا يونس ، لااااا مش معقول أنا أكيد بحلم
فهز يونس رأسه بسعادة ثم نطق بعشق: أحنا الأتنين فى واقع يا دهب مش حلم و وعد منى أنى طول ما أنا عايش و ربنا مدينى عمر هتكون حياتنا كلها أحلام جميلة بنحققها سوا ، أنا من إنهارده يونس جديد اتولد على إيدك يا دهب ، فأقتربت منه دهب محتضنه إياه بحب شديد ثم نطقت بسعادة لا توصف: أنا قلبى هيقف يا يونس من كتر الفرحة ، أنا حاسه أن مفيش حد أسعد منى إنهارده
فوضع يونس قبلة مليئة بالحب و الدفء أعلى كتفها و هى لاتزال داخل أحضانه ثم تابع بعشق خالص: أنا لحد ما كتبنا الكتاب و أنا مكنتش مصدق أنك معايا ، بس دلوقتى و أنتى فى حضنى أنا حاسس أنى بملك الدنيا كلها ، أنا عمرى مكنت فرحان فى حياتى زى فرحتى بيكى دلوقتى و فرحتى برجوعك فى حضنى
فشددت دهب من أحتضانه و رددت بحب و هى تشتم رائحته بهيام معبئة رئتها بها ، متمته بحب: ربنا يجعل أيامنا الجاية كلها سعادة يا يونس ، ثم أصحبها يونس من يديها و صعد بها على متن اليخت و بمجرد ما وصلوا إلى مقدمة اليخت حتى نظر أثنانهم إلى منظر السماء و ظلامها الدامس الذى رغم عتمته يبدو منظرا بديعا بوجود ضوء القمر المضئ فى ليلة كماله و كأنه قد أكتمل اليوم للتو مع أكتمال سعادة هؤلاء العشاق و إلى جانبه تلك النجوم الصغيرة المتفرقة حول ضوء القمر مع حركات تلك الأمواج و نمسات الهواء النسمة التى تلفح بشرتهم هما الأثنان فى مشهد رومانسى أقل ما يقال عنه بأنه ساحر خاطف للأنفاس و كأنها لوحه فنية مرسومة بأحترافية شديدة ، عند هذه النقطة ألتقطت عيونهم سويا فى إتصال من نوع أخر ، فلا يوجد حديث يقال بتلك اللحظة ، فالنترك مجال لحديث العيون إذا
ظل كل منهم شاردا بعين الآخر لما يقرب العشر دقائق حتى أقترب يونس من دهب ملامسا وجنتها بنعومة شديدة ثم سحبها إلى أحضانه فى عناق حار يروى إشتياقهم و يروى روحهم الذى كاد يصيبها الجفاف على أثر إشتياق روح كل منهم للأخر ، ظلت دهب تربت بيديها على ظهر يونس فى رومانسية شديدة ، فروح كل منهم الآن ساكنة و كأنها وجدت مآوها أخيراً بعد سنوات من الغربة و الحرمان ، ظل كل منهم محتضنا الآخر إلى أن طالت بهم الدقائق و اللحظات ، فشددت يونس من أحتضانها يريد أن يدخلها بين ضلوعه و يغلق عليها حتى يروى عطشه لها ، فضمته دهب إلى أحضانه بشدة هى الأخرى ثم بدءت تدندن برومانسية و حب شديد و هى تتمايل فى أحضان زوجها: يونس فى بلاد الشوق
اه ياولد الهلالى
بتونسنى دموع العين وانا سايب اهالى
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
ياعزيزة يابنت السلطان لو يتغير الزمان
وقابلتينى فى اى مكان كنت اعشق من غير ماتقولى
يووونس انا يونس
كنت هقول اهو ده المحبوب
ويدوب قلبى قبل ما ادوب
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
انا يونس ونسيت مين يونس
والدنيا مالت عليا
قلبى ضايع مين يلاقيه لى
باينى نسيته حدا اهلى
ينفع احبك من غير قلبى
ماتردوا عليها وعليا
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
ياعزيزة يابنت السلطان لو يتغير الزمان
وقابلتينى فى اى مكان كنت اعشق من غير ماتقولى
يووونس انا يونس
كنت هقول اهو ده المحبوب
ويدوب قلبى قبل ما ادوب
اه ياولد الهلالى لعليا ولابيا
انا يونس ونسيت مين يونس
والدنيا مالت عليا
و هكذا ظلوا طوال الليل جالسين كلاهما فى الهواء الطلق يشاهدان منظر السماء و البحر فى رومانسية شديدة ، فيونس كان جالسا على مقدمة اليخت محتضنا دهب من الخلف يتابعان منظر الشروق لا يتحدثون و لكن يريد كل منهم أن يشبع إشتياقه للأخر فقط ، فلا داعى للحديث فى حضور العشاق
و فى صباح اليوم التالى
حيث أصرت دهب على العودة إلى المنزل حتى يطمئن الجميع عليهما و حتى تتطمئن صغيرها ، فهى مدركه تماماً مدى خوفهم و قلقهم الشديد عليها ، و هم بالأساس قد أستشفوا جميعاً وجودها مع يونس فهو حتى الآن لم يعد هو الآخر إلى المنزل و قام بغلق هاتفه حتى لا يستطيع أحد التواصل معه ، و بمجرد ما أن دق جرس الباب و قام الصغير بفتحه حتى أرتمى بأحضانه والدته و والده فى سعادة بالغة ، و بمجرد دلوفهم إلى الداخل حتى نطقت زينب بلهفة
يتبع الفصل الحادي عشر اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية ولد الهلالي " اضغط على أسم الرواية