Ads by Google X

رواية ليتني مت قبل هذا الفصل العاشر 10 بقلم نعمة حسن

الصفحة الرئيسية

 رواية ليتني مت قبل هذا الفصل العاشر  بقلم نعمة حسن

 رواية ليتني مت قبل هذا الفصل العاشر 

في يوم من الأيام كان ليّ قلب
ويّا المحبة هام، ويّا المحبة هام ويا ريت ما حب
قسوة حبايبي مغلباني، إوعى يا قلبي تحب ثاني
في يوم من الأيام
أنا كنت هـواه وحبيبه، روحي وقلبي حـواليه
لـو كان الدمع يجيبه كنت أبكي العمـر عليه
لا صوتي يسمعه ولا دمعي يرجعه
قسوة حبايبي مغلباني، إوعى يا قلبي تحب ثاني
في يوم من الأيام
فين راح الشوق من قلبه، والرقة والحنية
اللي حيتهنى بحبه، لو يعرف يبكي عليّ
لا عـاد يـفـيـد ندم عليه ولا ألم
قسوة حبايبي مغلباني، إوعى يا قلبي تحب ثاني
في يوم من الأيام
وحياة حبك يا ناسيني، يا ريت يا حبيبـي أنساك
ده أنا كل طريق في عيوني، علمته بذكرى معاك
يا ناسي حبنا راح أعمل إيه أنا
قسوة حبايبي مغلباني، إوعى يا قلبي تحب ثاني
في يوم من الأيام

بعد مرور يومان علي زواج غزل و أكرم ..كانت تجلس غزل برفقة كاريمان و تشاهدان فيلم الوسادة الخاليه و كلاً منهما تحمل بين يديها كوباً من الشاي الساخن.

_الفيلم ده يا زوزو أكتر فيلم بحب أتفرج عليه و مهما أشوفه مزهقش منه أبداً.

قالت كاريمان تلك الكلمات لتنظر إليها غزل مبتسمة وتقول:معاكي حق يا ماما كاريمان و أنا كمان بحب الفيلم ده أوي و أي حاجة عامةً لـ عبدالحليم.

_الفيلم ده بيوضح معاناة كل واحد و واحده بيتجوزوا و هما لسه بيعانوا من لعنة الحب الأول...

إسترعت تلك الكلمات إنتباه غزل فإعتدلت بمجلسها ونظرت إليها بإهتمام لتستطرد حديثها وتقول :يعني صلاح كان فاكر إنه لما يتجوز درية كده هينسي سميحه بس إكتشف إنه هيفضل يحبها و يتعذب بالحب ده طول عمره،و سميحه لما إتجوزت فؤاد كان متهيألها إنه هيقدر ينسيها صلاح و بالرغم من حبه ليها و معاملته الطيبه بس كانت لسه جواها حاجه مرهونة بحب صلاح ،الحب الأول ده يا غزل بيفضل معشش جوا الإنسان و ساكن فيه مهما مرت الايام و بيفضل مرتبط بكل ذكرياتنا مهما حصل،عشان كده هو لعنة فعلاً.

دلف أكرم إلي الشقه مبتسماً وقال :بردو فيلم الوسادة الخاليه يا أمي ،أنا بقيت أحس إن صلاح و سميحه و دريه و فؤاد دول من أفراد العيله و عايشين معانا من كتر ما بتحكي عنهم.

إبتسمت والدته ببشاشه وقالت: حمدالله على سلامتك يا حبيبي،إتأخرت ليه كده .

_كان عندي شوية شغل بخلصهم عشان مسافر بكرة بإذن الله.

لم يبرز صوت غَزل فنظر إليها ليجدها شاردة بعيداً فقال:غزل!!

إنتبهت إليه وقالت:هاا..بتقول حاجه؟!عايز حاجه؟!

إبتسم بغصةٍ في قلبه لمعرفته سبب شرودها و رسم إبتسامة صافيه علي شفتيه وقال :عايز سلامتك يا حبيبتي،كنت بقول إني مسافر بكرة.

إعتدلت في جلستها وقالت بإهتمام:مسافر؟!إشمعنا!!

_شوية لخبطه في فرع الشركه اللي في القاهره و لازم أكون موجود بنفسي و هقعد يوم ولا إتنين و هاجي بإذن الله.

أومأت بهدوء وقالت: بإذن الله.

نهض واقفاً و قبّل رأس والدته وقال:يلا تصبحوا علي خير بقا أنا داخل أرتاح.

دلف إلي غرفته لتتبعه غزل التي ساعدته في تبديل ملابسهِ و قدّمت له طعام العشاء فقال:إنتي مش هتتعشي معايا ولا إيه؟!.

هزت رأسها بنفي وقالت:لأ أنا إتعشيت أنا و ماما كاريمان من شويه،بألف هنا إنت .

تناول عشاءه سريعاً و صعد إلي فراشه لتتبعه هي و تدثرت بغطائها و راحت تنظر له بحرج ليبتسم هو مردفاً:أنا مش قادر،هنام لإني هلكان ،معلش إعذريني.

إزداد تقديرها و إحترامها له كونه أعفاها من تبليغه بذلك الأمر و رفع عنها الحرج لتبتسم إبتسامة صافيه و تقول:تصبح على خير.

نزلت في فراشها و أغمضت عيناها لتسبح في نومٍ عميق.
________________________________

كانت زينب تجلس برفقة زوجها يتجاذبون أطراف الحديث فقالت: رمضان خلاص علي الأبواب يا قدّورة عايزين ننزل بالليل نشتري طلبات للبيت قبل الزحمة بتاعة آخر أسبوع دي.

تمتم بحزن وقال : يحيى أخويا ميت بقاله سنه،الله يرحمه و يحسن إليه.

قالت :الله يرحمه،كان زينة الشباب و سيرته طيبه بين الناس كلها .. ميعظمش علي اللي خلقه.

تمتم مؤكداً: ونعم بالله،مفيش جديد في موضوع سليمان و صافيه؟!متعرفيش ناوي يرجعها ولا خلاص كده؟

_لأ مفيش جديد،متهيألي اللي يتجوز واحده حربايه زي يُسر كده متفرقش معاه .

أومأ موافقاًثم نهض واقفاً وقال :ربنا يصلح الحال،أنا هنزل بقا أشوف المحل.سلام عليكم.

خرج عبدالقادر لتقوم زينب بالإتصال بـِ صافيه قائلة:عامله إيه يا صافيه وحشتيني.

_وإنتي كمان يا زوزو وحشتيني والله،أنا كويسه الحمدلله،إنتي عامله إيه و قدوره و العيال عاملين ايه؟

=كلنا كويسين الحمدلله،و البت غزل عاملة إيه؟

_غزل بخير والحمد لله،أنا عندها أهو لإن جوزها مسافر وأنا قاعده معاها .

=سلميلي عليها كتير ،أنا هبقا آجي أبارك لها و أشوفك عشان وحشاني.

_إبقي تعالي هنستناكي.

=بإذن الله..يلا مع السلامه.

أنهت صافيه الإتصال لتنظر إلي غزل وتقول:ها،كملي.

_أكمل إيه ؟!بس خلاص.

=خلاص إيه؟!وبعد ما إتعشيتوا و صليتوا؟!

_منا بقوللك يا عمتو من يوم الفرح وأنا تعبانه و أكرم سافر أهو لما يرجع بقا ربنا يحلها.

أومأت صافيه بتأييد وقالت:أيوة ربنا يحلها و يهدي سرك إنتي و جوزك يارب .

إبتسمت غزل إبتسامه لم تكد تصل إلي عيناها لتنتبه إلي رنين هاتفها فقالت :ده أكرم .

أجابت بهدوء:أيوة يا أكرم أخبارك إيه ؟!

_الحمدلله يا حبيبتي،إنتوا عاملين إيه؟!وحشتوني.

=كويسين الحمدلله،عمتو بتسلم عليك.

_هي عندك ؟سلميلي عليها كتير .

=الله يسلمك ..ماما كاريمان نايمه ،تحب أصحيهالك؟

_لا خلاص سيبيها نايمه،أهم حاجه تاخد علاجها بإنتظام و خلي بالك منها يا غزل عشان خاطري .

=متقلقش خاالص ،في عنيا والله،إنت وصلت ولا لسه؟

_خلاص علي وصـ.............

إنقطع صوته بغتةً فقالت : ألو..أكرم إنت سامعني ؟!

لم يصلها صوته فكررت نداؤها بإسمه لتتوقف عندما بدأت تستمع إلي أصوات متداخله إستطاعت هي تمييز بعض الكلمات منها مثل "لا حول ولاقوة إلا بالله_إطلبوا الإسعاف بسرعة _ده ملاكي إسكندرية_محدش يشيله "

نهضت واقفه وقد إنخلع قلبها وقالت :ألو،أكرم في إيه ؟!

إنتبهت علي صوت أحدهم يخاطبها ويقول :ألوو.

قالت بلهفه ممتزجه بالخوف :ألو، أكرم فين ؟!

_حضرتك قريبته؟!

=أنا مراته ،هو جراله إيه؟!

_للأسف يا مدام ..جوز حضرتك عمل حادثه و مستنيين الإسعاف تنقله عالمستشفي .

إنفطر قلبها و شعرت كأن الأرض تميد بها فقالت :مسـ... مستشفى إيه؟! إنتوا فين ؟!

_مستشفي السلام في القاهرة ،إنتوا من إسكندرية؟

=أيوة ،أيوة من إسكندرية،طيب أنا جايه حالاً لو سمحت خلي تليفونه معاك .

أنهت الإتصال سريعاً و أخبرت صافيه بما حدث بإيجاز:أكرم عمل حادثه يا عمتو و نقلوه عالمستشفي،أنا هروح لبابا و نطلع عالقاهرة حالاً.

دلفت إلي الغرفه و بدّلت ثيابها سريعاً و إلتقطت حقيبتها و قالت لـ صافيه :معلش يا عمتو خليكي مع ماما كاريمان علي ما نرجع .

ربتت صافيه علي ذراعها وقالت :متقلقيش يا حبيبتي أنا هفضل معاها ،ربنا يطمنكوا ،تروحوا و ترجعوا بالسلامه.

علي عجلةٍ من أمرها كانت غزل تركض لتستوقف سيارة أجرة أقلتها إلي منزل والدها الذي تفاجأ من زيارتها المفاجأة و حالتها المزريه فقال بخوف :مالك يا غَزل ؟! إنتي متخانقه مع جوزك ولا إيه؟!

قالت وهي تحاول إلتقاط أنفاسها المتلاحقة:أكرم عمل حادثه يا بابا ..لازم نطلع عالقاهرة دلوقتي حالاً.

أسرع والدها و جهز حاله ليصطحبها بسيارته الخاصه و يتجها نحو القاهرة .

بعد مرور أربع ساعات وصلت غزل برفقة والدها إلي المستشفي الموجود بها زوجها و قامت بالإتصال بهاتفه ليجيبها ذلك الرجل الذي أجابها في المرة الأولي فقالت :أيوة حضرتك إحنا وصلنا المستشفي .

أجابها و الحزن يخيم على صوته وقال : حضرتك إحنا في آخر الممر ،أنا شايفك من هنا أهو.

نظرت حولها فرأته فهرولت نحوه هي ووالدها وقالت بصوت متقطع ملهوف:أكرم فين؟!

نظر إليها بحزن شديد وقال بأسف: الباشمهندش إتوفي،شدوا حيلكوا .

_________________________________

تجلس في منزلها تتشح بالسواد وقد أعياها البكاء و أدمي قلبها ،الغادي و الراحل يواسيها بكلماتٍ لم تستطع هي إستيعابها .

ها هي تشعر بالغربة للمرة الثانيه ! ،و خسارتها تلك المرة ليست بالهيّنه أبداً،لقد فقدت رجلاً لن تنساهُ أبد ما حيت .

كانت تجلس خائرة القوي ، ما زالت الصدمة تحتلّ عقلها ،و سؤال واحد هو من يجوب عقلها "لمـاذا أنا ؟!"

مَسح والدها علي رأسها وراح يتمتم بآيات من القرآن الكريم و قلبه ينفطر لرؤية إبنته بتلك الحالة التي يُرثي لها و لم تفعل هي سوي أنها إستكانت بأحضانه تحاول الهروب من الواقع المرير الذي أحاطها .

_قومي يا حبيبتي إرتاحي شوية .

قالتها صافيه وهي تربت على يد غزل التي هزت رأسها أن لا ليقول والدها :سيبيها يا صافيه و قومي شوفي أم أكرم

نهضت صافيه و ذهبت للإطمئنان علي مدام كاريمان التي فور ما إن رأتها حتي قالت بلهفة :أكرم جه؟!

جلست صافيه إلي جوارها و أمسكت بكفيها بين يديها وقالت: حبيبتي تحبي أعمللك تاكليها ؟

نزعت كاريمان يدها بحدة وقالت وهي تسند يدها إلي أسفل خدها بضيق : لأ مش عايزة حاجة،مش هاكل حاجه غير لما أكرم يرجع .

تنهدت صافيه بحزن و قلة حيله وهي لا تعرف للمرة الكم ستخبرها بذلك الخبر المفجع.

تسائلت كاريمان وقالت :و الناس اللي بره دول بيعملوا إيه ؟!أنا مش بحب الدوشة .

_دول جايبن يشوفوا غزل و ماشيين.

=إطرديهم ،إطرديهم كلهم عشان لابسين إسود و أنا مش بحب اللون الاسود ،قوليلهم يلبسوا ألوان حلوة وبعدين ييجوا .

زمّت شفتيها بأسف و شفقه و أومأت بموافقة و همّت بالخروج من الغرفه لتستوقفها كاريمان مرة أخري و تقول:إستني ،إفتحي التليفزيون قبل ما تخرجي ..فيلم الوسادة الخاليه هيتعرض كمان شوية و عايزه ألحقه من الأول .

أومأت صافيه دون نقاش و قامت بتشغيل التلفاز لتقول الأخري: تعالي غطيني بقا .

فعلت صافيه كما أمرتها لتقول : هو إنتي الجليسه الجديده اللي أكرم إبني جابها عشان تقعد معايا ؟!

نظرت إليها صافيه بحسرة و أومأت بصمت لتقول :طيب إقعدي إتفرجي معايا علي الفيلم ، ده حلو أوي!

_طيب هخرج بس أشوف الأكل اللي عالنار و أجيلك تاني !

=ماشـي..بس متعمليش سمك عشان أكرم مبيحبش السمك .

منحتها صافيه إيماءه موافقه و خرجت من الغرفه سريعاً لتنفجر باكية وقد إنفطر قلبها لسوء حالة تلك السيده .

عادت لتجلس إلي جانب شقيقها الذي سألها عن حالها بإشارةٍ من رأسه لتردف قائلة :ربنـا يصبرها ،الست مش مصدقه إن إبنها مات ،و قالتلي أفتحلها التلفزيون !! مش مستوعبه اللي حاصل يا عيني .

تمتم إبراهيم آسفاً :لا حول ولا قوة إلا بالله ..ربنا يربط علي قلبها .

ثم وجّه حديثه لإبنته فقال :قومي يا غزل يا بنتي إرتاحي شوية إنتي منمتيش من إمبارح .

هزت رأسها بنفي دون أن تنطق بكلمة ليضمها والدها إليها بشدة وهو يتحسر في نفسهِ علي ما آل إليه حال إبنته .

إنتهت مراسم العزاء والمواساة لينفض الجميع من حولهم فقال إبراهيم :خليكي يا صافيه بايته مع غزل و أنا هرجع البيت و الصبح بإذن الله هرجعلكوا.

إستعد و خرج من المنزل لتستوقفه صرخات إستطاع أن يميزها بسهوله فإتخذ سبيله نحو الشقه ركضاً و طرق الباب بشدة لتفتح له شقيقته وهي تنتحب بهيستيريه و تغمغم بكلمات غير مفهومه فقال بفزع :غزل مالها؟!

لم تجيبه فدلف إلي الشقه يجر قدمه بثقل و ظل يبحث عن إبنته بأعين مذعوره حتي رآها تجثو علي قدماها أمام السرير الذي ترقد عليه كاريمان و تمسك بيدها وهي تدفن رأسها في الفراش من أمامها و تبكي بحسرة .

بتردد دخل إلي الغرفه ليجد كاريمان مستكينه ،مغمضة العينين دون حراك .

_لا حول ولاقوة إلا بالله،اللهم لا راد لقضائك .

تمتم بحزن وإقترب من إبنته و ساعدها في النهوض لتحتضنه بذعر وقالت :ماما كاريمان ماتت يا بابا.

ربت علي ظهرها بأسفٍ وقال :ربنا يرحمها ويغفر لها يبنتي.

في أقل من أربعةٌ و عشرون ساعه تكررت نفس مشاهد الغُسل و الدَفن و الجنازة ليعودوا إلي المشهد الأخير وهو العزاء.

كان الجميع يواسي غزل في مُصابها الأليم و يدعون الله أن يربط علي قلبها.

أما هي فكان كل ما يحدث فوق إحتمالها لتعلن إستسلامها حيث هَوت أرضاً ليلتف الجميع حولها و يسارع والدها بطلب الطبيب الذي أمرهم بمساعدتها في الخروج من تلك الأزمه و المواظبه علي الغذاء والدواء ليقرر والدها إصطحابها للعودة إلي منزلهم .

_____________________________

كانت يُسر تقف أمام المرآه تتحسس بطنها المنتفخ و تطالعه بسعادة و فخر بينما كان سليمان يجلس علي الفراش مهموماً فقالت :تعرف يا سليمان،أنا ببقا خايفه الستات يحسدوني لما بيشوفوني في الشارع ،عشان كده مبقيتش بحب أنزل لترجع واحده عنيها مدوّره زي زينب ولا غيرها كده تنشني عين تجيبني الأرض.

لم يجيبها فنظرت نحوه لتجده مازال شارداً فتقدمت منه وقالت :مالك يا سليمان؟!سرحان في إيه؟!

نظر إليها منتبهاً وقال :مفيش حاجه .

و أطلق تنهيدةٍ حارة فجلست إلي جانبه وقالت :مالك بجد؟!في حاجه مضايقاك؟!

نظر إليها مهموماً وقال :غزل صعبانه عليا.

لوت فمها بنزق وأضافت بلا مبالاه :ميصعبش عليك غالي يا حبيبي،أهي إتجوزت تلت ايام و بقت من ولاد الذوات ،بسمع إن جوزها ده كان عنده شئ و شويّات ..

قاطعها قائلاً: و إيه يعني شئ و شويّات!!,هي الفلوس كل حاجه ولا إيه؟! وبعدين غزل مش من النوع ده عمرها ما تفرق معاها الفلوس ،كفايه فرحتها اللي إتكسرت و إترملت وهي لسه عروسه.

نطقت بغضب عاصف و كرهٍ صرف :ما هي اللي قدمها شؤم ،كل ما تبص لراجل تبيته في القبر .

قطب حاجبيه مستغرباً وقال :تقصدي إيه؟!

نهضت واقفه بعصبيه وقالت :مقصدش حاجه ،قبل ما تنزل سيبلي فلوس .

قال متعجباً: وإنتي لحقتي صرفتي الألفين جنيه اللي خدتيهم إمبارح ؟!

قالت ببساطة : إشتريت بيهم خزين رمضان لماما و إخواتي ،سيبلي فلوس بقا عشان عايزة أشتري هدوم واسعه لإن كل الهدوم ضاقت عليا و متنساش تجيب خزين رمضان الليله قبل ما تيجي .

أومأ موافقاً و خرج من المنزل ليلتقي بأبيه يجلس حزيناً مهموماً فإقترب منه و قبّل يديه كعادته وقال :كل سنه و إنت طيب يابا،يعود عليك الأيام بخير.

_و إنت طيب يبني

قالها والده بإقتضاب ليستطرد حديثه قائلاً:أنا خارج أجيب خزين رمضان،و هجيب حاجات لعزومة بكرة ،مش محتاج حاجه أجيبهالك وأنا راجع؟!

نظر له والده مصدوماً وقال :عزومة بكره؟!إنت ناسي إن سنوية يحيـي الله يرحمه بكره ؟! بدل ما تقول هعمل حاجه لله أهي الناس تدعيله بالرحمه !!

تجهم وجه سليمان وقال : طبعاً يابا هعمل كده من غير ما تقول ،أنا مستحيل أنسي حاجه زي كده،بس يعني إحنا متعودين نتجمع أول يوم رمضان عالفطار كل سنه ،ربنا ما يقطعلك عادة يا حج .

أومأ والده بهدوء وقال :خلاص يا سليمان،خلاص إعمل اللي يريحك .

~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~

إستيقظ بنشاطٍ و همه لا يدرك سببهما اليوم خاصةً و لكنه كان يشعر بأن القادم أفضل ،رغم مرور عام كامل علي فقدان ذاكرته و ضياع هويّته إلا أنه كان متفائل .

ذهب إلى عمله مع مصعب و بدأوا في مباشرة عملهما ليقول مصعب : الريس قاللي الشغل لحد الساعه 2 بس عشان أول يوم صيام يعني بيرأفوا بحالنا .

أومأ يحيى موافقاً وقال :كل سنه وإنت طيب .

_و إنت طيب يا صاحبي،بلا بقا نشهل كده و ننقل الفوارغ دي عالمخزن قبل ما العربيه التانيه تيجي عشان تلاقي مكان تقف فيه .

بدأ يحيي و مصعب في نقل تلك الأغراض إلي المخزن فقال يحيي:بص كده فوق ،الكراكيب اللي مرصوصه فوق دي كلها واخده مكان عالفاضي،هات السلم و تعالي ننزل التقيل تحت و نرفع الحاجات الخفيفه دي فوق و بالمره أشوف اللي ملوش لزمه نخرجه بره.

قال مصعب متأففاً :يا عم دي شغلانه و عايزة وقت ،هو إنت مش هاين عليك نروح يوم بدري .!

_يبني خلي عندك ضمير ،يعني هنروح بدري نعمل إيه ؟!

إنصاع مصعب خلف أوامره ليبدأ في إعطاءه الأغراض الموجوده بالأرض و يحيي يبادله بالأغراض الثقيله الموجوده علي سطح الأرفف فقال يحيي :خد الكوريك ده حطه علي جنب ،أبو كامل كان بيسأل عليه .

مد مصعب يده لكي يتناول الرافعه من يحيي قبل أن يختل توازنه و يسقط أرضاً لتسقط الرافعه فوق رأسه.

إلتف جميع العمّال حوله و أولهم كان مصعب الذي راح يصرخ بهيستيريه و تم نقله إلي المشفي سريعاً .

قال الطبيب بعملية شديدة : الحمدلله مفيش نزيف أو كسر في الجمجمه ،العنايه الإلهيه هي اللي أنقذته ،واحد غيره كان مات فيها ،هو لحد دلوقتي حالته مستقرة بس هنستني لما يفوق عشان نطمن علي سلامة المخ.

كان زملائه بالعمل ينتظرون إفاقته للإطمئنان علي حالته و مصعب يجلس إلي جواره بحزن شديد.

بعد مرور أربع ساعات بدأ عقل يحيـي في الإفاقه و الإنتباه و لكن عيناه لا تزالان مغمضتان .

رأي في خيالهِ ومضات لم يستطع تمييز الأشخاص الموجودين بها في البداية ،رأي طفلةً صغيرة تحمل فانوساً يشبه ذاك الذي إشتراه ،تبتسم له و تبسط ذراعيها و تركض نحوه لتتسع الصورة أكثر فظهرت إلي جوارها إمرأة حسناء ليبدء جسده في التشنج برفق وقد نبهه عقله إلي أنه رآها في منامه سابقاً ليشعر و كأنه في مجموعة أحلامٍ مترابطه و قد بدأت الأشخاص تزداد من حوله ليري رجلاً أربعينياً يبتسم لهُ و آخر كهلاً يتحدث إليه و صبياً صغيراً يركل الكره إليه و من بعدها رأي صورةً سوداء و بدأ عقله يتشوش حتي بدأ يفرّق بين جفنيه بوهن و ألم وقد أمسك برأسه يضغط علي عقله بشدة من فرط الألم الذي يشعر به .

هاجمته الرؤية الضبابية و لم يستطع تمييز أياً مما يقفون حوله حتي إستعاد وعيه بالكامل فنظر أمامه ليجد مصعب واقفاً بلهفه ويقول :محمد إنت سامعني؟

نظر إليه يحيي بتمعن وقال :مصعب..هو إيه اللي حصل؟

إبتسم مصعب بفرحه وقال : حمدلله على سلامتك خضتنا كلنا عليك .

بدأ يحيي يعتدل بمقعده حتي إستند إلي ظهر السرير من خلفه فأسرع مصعب ينادي الطبيب الذي أتي علي الفور للإطمئنان علي حالته.

_حمدلله علي السلامه يا بطل .

قالها الطبيب مبتسماً فأومأ يحيي بهدوء وقال :الله يسلم حضرتك ،هو إيه اللي حصل؟!

قال الطبيب بترقب :إحكيلنا إنت إيه اللي حصل؟

صمت يحيي لبرهة وقال :أنا آخر حاجه فاكرها لما كنت في المخزن و بنزل الكوريك ...

قاطعه مصعب قائلاً:أيوة مظبوط و وقعت من علي السلم و الكوريك وقع فوقك .

نظر إليهم يحيي مذهولاً وقال :الكوريك وقع فوقي و لسه عايش!!

إبتسم الطبيب فأردف قائلاً:مش بقوللك بطل !,الحمدلله قدّر و لطف .

أومأ يحيى متمتماً :الحمدلله .

قال الطبيب :إن شاء الله كمان ساعه هتخرج بالسلامه علي ما الممرضه بس تظبط شوية حاجات و أكتبلك علي العلاج اللي هتمشي عليه.

و إنصرف الطبيب ليستوقفه حوار مصعب و يحيي ...

مصعب :حاسس بحاجه يا محمد ؟!الدكتور طمنا إنك كويس الحمدلله و مفيش كسور ولا نزيف.

نظر إليه يحيي بصمت و قال :محمد!

إسترعت كلمته البسيطه إنتباه الطبيب ليعود أدراجه فوقف أمامه و تسائل بترقب : في حاجه تعباك يا محمد ؟

عاد يحيـي لينظر إلي الطبيب بغرابة و قال :أنا إسمي يحيـي!

نظر الطبيب إليه مطولاً و نظر إلي الذين يقفون من حوله ثم أعاد النظر إليه مرة أخري و قال :يحيـي!؟؟

أومأ يحيي مؤيداً و أردف قائلاً: يحيـي علي الهنداوي

ثم نظر إلي مصعب متفاجئاً و إرتسم البِشر و السرور علي وجهه فـ أفتر ثغره عن إبتسامة واسعه وقال :أنا إفتكرت يا مصعب !

نظر إليه مصعب بحماس متفاجئ ليقول الطبيب: إفتكرت إيه تاني يا يحيـي ؟!تعرف تحكيلي عن نفسك؟!

أومأ يحيى موافقاً وقال :إسمي يحيـي على الهنداوي و عندي ٣٠ سنه و متجوز و عندي ولد و بنت .

ثم توقف عن الحديث فجأه وكأنه تذكر شيئاً ما لينهض فوراً من علي السرير فقال الطبيب:إستني يا يحيى رايح فين؟!

نظر إليه يحيي متلهفاً وقال :لازم أرجع بيتي دلوقتي حالاً،لازم أطمن أهلي عليا .

إستوقفه الطبيب قائلاً :إستني بس ،لازم نطمن عليك قبل ما تمشي .

أومأ يحيى بنفي وقال : أنا بقيت زي الفل،لازم أرجع بيتي دلوقتي حالاً.

و تحت إصرار يحيي للعودة إلي بيته في الحال وافقه مصعب الذي رافقه للعودة إلي بيته بعد أن ودعته والدة مصعب بالنحيب و العَبرات .

كان يحيـي يجلس بالسيارة الأجرة التي إستوقفها مصعب لتقلهما إلي منزل يحيـي الذي وصف عنوانه بالتفصيل للسائق برفقة مصعب الذي كان ينظر إليه مبتسماً بفرحه و سعاده لرؤية يحيي مسروراً هكذا.

بينما كان يحيي شارداً يتلهف شوقاً لرؤية زوجته و أولاده و جميع أفراد عائلته .

سحب شهيقاً طويلاً من ذلك الهواء الذي أصبح و كإنه يحمل رائحةً مختلفه بعد أن عادت إليه ذاكرته و هويّته .

إلتمعت عيناه بدموع فرحه و راح يتمتم حامداً الله علي ما أنعم عليه به كَوْن ذاكرته قد عادت إليه و راح يمنّي نفسه باللقاء القريب العاجل.

أغمض عينيه يسترجع صورة زوجته و أطفاله الذين إشتاقهم حد الهلاك وهو لا يصدق أنه أصبح بينه و بينهم مسافة قصيره للغايـة .

إرتجف قلبه و إرتعدت فرائصه كلمّا إقتربت السيارة من منزلهم فـ ظل يفرك يديه بحماس ثم نظر إلي مصعب ليجده ينظر له بحزن فربت علي يده و قال :متقلقش يا مِصعب أنا هاجي أزوركوا دايماً ،هو معقول عِشرة سنه تهون عليا بردو ؟

إبتسم مصعب قائلاً:حمدلله علي سلامتك يا محمد ...

ليقاطعه يحيي مبتسماً فقال :قصدي يا يحيى.

أومأ يحيى مبتسماً وقال :الله يسلمك يا مصعب .

ثم نظر أمامه وقال محدّثاً السائق :أيوة يا اسطي معاك هنا .

توقف السائق فأدار يحيي مقبض باب السيارة بقوة و لهفه و نزل منها فقال مصعب ممازحاً: يا عم بالراحه هتخلع الباب في إيدك.

ضحك يحيى بشدة و إحتضن مصعب الذي راح يربت علي ظهره قائلاً: حمدالله علي السلامه يا صاحبي،ربنا يطمننا عليك دايماً.

ودعه يحيي لينصرف بينما تقدّم يحيي خطوات ليقف أمام باب منزله متطلعاً نحوه بفرحه شديدة ثم سحب شهيقاً عميقاً ملأ به رئتيه و طرق الباب بأصابع ترتجف من فرط حماسته.

~~~~~~~~~~

كان الجميع يلتفون حول المائدة ينتظرون لحظة إنطلاق مدفع الإفطار كي يبدأوا في تناول فطورهم فقال الأب :عملت اللي قولتلك عليه يا سليمان ؟

أومأ سليمان موافقاً وقال:أيوه يا حج و وصيت كل اللي يفطر من المائدة يقرا الفاتحه على روح يحيي الله يرحمه.

تمتم الجميع :الله يرحمه .فقال الأب:الفاتحه على روحه.

قرأ الجميع له سورة الفاتحه ليختلس سليمان النظر إلي يُسر فوجدها تحاول كبح جماح دمعاتها التي تأبي أن تسقط ليبتلع غصةً في حلقه ِ ويقول :آمين.

إنطلق مدفع الإفطار ليتمتم كلاً منهم بدعاء الإفطار فقال سليمان إلي أبيه :كل عام و إنت طيب يا حج ،يجعله عامر بحسك دايماً.

ليتنهد الأب قائلاً:و إنتوا طيبين يا ولاد،يلا بسم الله .

بدأ الجميع بتناول فطوره بينما كان الأب يتفقد المقاعد الشاغرة من حولهم فإنفطر قلبه عندما تذكر ذلك اليوم في السنه الماضيه عندما كان يحيـي ينضم إليهم و صافيه أيضاً لينتبهوا جميعاً علي صوت طرقات علي الباب فقال الأب :إفتح الباب يا زياد.

ركض زياد مسرعاً ليقوم بفتح الباب فإتسعت عيناه بدهشه متمتماً : بـابـا !
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على أسم الرواي


google-playkhamsatmostaqltradent