Ads by Google X

رواية المعلم الفصل العاشر 10 بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

    رواية المعلم الفصل العاشر بقلم تسنيم المرشدي

رواية المعلم الفصل العاشر 

 ارتفع صوت ضحكاته التي أثارت انتباه الجميع ، توقف عن الضحك ونظر الي زوجته قائلا :-
_ شوفتي أنا كان نفسي في ايه يقوم ربنا عامل ايه ، عشان البت تكون بعدت بالثُلث عن إبنك حكمتك يارب

_ لم تجيبه فهي غاضبة وحزينة وخائفة ما حدث ليس بهين عليها ناهيك عن تلك المواجهة التي تخشاها ، كيف ستخبر أبنها بزيجة ابنة عمه بريان رب عمله وقدوته الذي دائماً يتحدث عنه ويتمني أن يكون مثله في يوم من الايام ، كم يزداد شعور الندم بداخلها ، حتما ستخسر ياسر إلي الأبد ،

_ أغمضت عينيها تستنشق أنفاسها بصعوبة ، خرجت من شرودها علي صوته الحاد :-
_ انتي عاملة في نفسك كده ليه ، خلصنا من البت خلاص مش ده اللي كنتي عايزاه ؟

_ توقفت ثم رمقته بنظرات مشتعلة وصاحت به :-
_ بس هنخسر إبنك ، يارتني ما قولتلك الحقني ، كان يتقطع لساني قبل ما اقولك اي حاجة أنا اتأكدت بلي عملناه ده أننا خسرنا ابننا الوحيد ، أنا خايفة يا منصور من اللي جاي خايفة اوي ومش هستحمل اي حاجة تحصل أنا ممكن أطُب في الأرض ساكتة ( اموت )

_ عقد منصور ما بين حاجبيه واجابها بصوت مرتفع آثار أنظار الجميع عليهم :-
_ اللي حصل حصل إبنك هيزعله يومين تلاتة اسبوع أن شالله شهر وهيعرف أن ملوش غير أهله وهيرجع لنا تاني وانتي فكي بوزك ده مش ناقصة عكننة أنا مزاجي عالي يلا اطلعي يختي دتك القرف ، ولا اقولك أنا رايح علي القهوة ..

_ غادر من أمامها أسفل أنظارها المُسلطة عليه ، خفق قلبها بتوجس ، لقد تركها تواجهه بمفردها ، كيف ستواجه نظراته المتخاذلة وحدها ، هل ستصمد أمام حزنه التي ستراه في عيناه ام ستتحمل هجومه عليها ، مجبرة علي التحمل والصمود فهي من بدأت في تلك اللعبة الدنيئة وعليها تحمل نتائجها ،

_ صعدت الادراج بخطي هزيلة وهي تجر قدميها بثقل إلي أن وصلت إلي الطابق القاطنة به ، قرعت الجرس وولجت الي الداخل بعد أن فتحت لها صغيرتها أماني ،

_ لم تنبس بكلمة وتوجهت مباشرة الي غرفة ياسر ، سمعت نبرة صوته المبحبوح حتماً لم يتوقف عن الصراخ ، أدارت مقبض الباب بعد أن فتحته بالمفتاح ، نهض ياسر سريعاً ما إن فُتح الباب ورمقها بنظرات تحمل اللوم ، دفعها بعيداً ثم ركض للخارج ،

_ ياسر استني بنت عمك اتجوزت
_ هتفت بهم سعاد لكنه لم يصغي لكلمة مما قالته لأنه كان قد اختفي من امامها متجه إلي منزل ريان ،

________________________________________________

_ يقف أمام شقته يطالع عُماله وهم يحملون غرفة النوم الذي أمرهم بإحضارها ، وضعوها في إحدي الغرف الخالية وقاموا ببناءها ثم غادروا بعدما أنهوا عملهم ، تنهد بحرارة ثم ولج إلي الداخل وترك الباب مفتوح ورمقها سريعاً ثم هرب بأنظاره في الفراغ الذي أمامه ،

_ كانت تقف في زواية المنزل مطأطئة الرأس تائهة لا تشعر بما يحدث حولها ، لا تشعر بشيء لا تدري أحزين قلبها ام انشق نصفين أو ربما توقف عن النبض ، لا تعلم حقيقة ما حدث ومازال يحدث أهو كابوس ام واقع ، أخرجت تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم ، فركت عينيها بعصبية لعلها تستيقظ من ذاك الكابوس وتجد عائلتها ، تجد والدتها تحضر الفطور ووالدها يسقي أزهاره ، تركض وتعانقهم وتبدأ يومها دون أزمات ،

_ اقترب منها ريان وأردف بتردد :-
_ هاتي موبايلك

_ لم تسمعه أو ربما لم يفسر عقلها ما قاله ، لم تعبأ له فأثارت ريبة ريان من مظهرها المثير للشفقة ، حمحم ثم مد يده إليها قائلا بنبرة جامدة :-
_ هاتي موبايلك

_ نظرت ليده لبرهة ثم جذبت هاتفها من حقيبتها ببطئ شديد وناولته له ، اخذه منها وسجل رقم هاتفه ثم أعاده لها قائلا :-
_ رقمي اهو لو احتجتي حاجة كلميني

_ لم ترفع بصرها عليه فقط اكتفت بالاصغاء لحديثه الذي لا تكترث له من الأساس ، هز ريان رأسه بإنكار عندما لم تجيبه وغادر المنزل سريعاً ..

_________________________________________________

_ نعم اتجوز ؟
_ قالتها رنا بصدمة وهي تنهض من مكانها بذعر بينما رمقها يحيي شزراً وعاد ببصره الي والده وواصل حديثه :-
_ الدنيا باظت عنده خالص ، ازاي يتهور ويعمل حاجة زي دي ؟

_ تنهد ماهر بحزن وأجاب يحيي بآسي :-
_ أخوك لما بيتعصب بيعمل حاجات غريبة

_ بس مش لدرجة أنه يتجوز!
_ صاحت بها رنا بنبرة مندفعة تُظهر بعض النيران التي توقد بداخلها ، فهي تتآكل غيظاً بل بركان غضبها يود أن يثور عليهم جميعاً ، نبضات قلبها تزداد عنفاً حتي شعرت بدُوار شديد يعصف بها ،

_ هرولت مسرعة داخل غرفتها حتي لا يكشف أمرها أمامهم ، ستكتفي الآن بعيش حُزنها بداخلها لكن لن تصمد طويلا فقط ستنفجر في ذاك الريان البغيض ، لقد طالبته بزيجتها منه ، لقد عرضت عليه نفسها وقلبها وكل انش فيها ورفضها هي ،

_ لماذا إذا رفضها طالما في نواياه زيجته من أخري ،

_ ظلت تجوب الغرفة ذهاباً وجيئا وغضبها يزداد في كل ثانية تمر عليها ، لا لن تتحمل لوقت أكثر ، ستواجهه مهما كلف الأمر ، ارتدت ثيابها سريعاً ودلفت للخارج بخطي مهرولة غير متزنة ،

_________________________________________________

_ أوقفت المصعد وأسرعت داخله وهي ترمقه بنظرات مشتعلة :-
_ ما انت حلو وبتتجوز مرة تانية اهو اومال بتيجي لعندي وترفض ليه ،

_ تحمل وتحمل سخافاتها كثيرا لكن لن يصبر لمرة أخري ، لم يشعر بنفسه سوي وهو مقيد ذراعاها خلف ظهرها بكل بقوته ، أطلقت هي آنات موجوعة من شدته معها ،

_ هتف بغضب عارم من بين أسنانه المتلاحمة :-
_ ما تغوري يا **** ، لو نظرك ضعف ومش شايفاني كويس أنا اعميكي بقا عشان تعملي حساب بعد كده لوقفتك معايا يا *** غوري

_ دفعها خارج المصعد بكل ما أوتي من قوة حيث ارتطم رأسها في الجدار من شدة دفعته لها ، ضغط زر الهبوط ثم دلف خارج المصعد سريعاً ،

_ في تلك الأثناء كان قد صعد ياسر الأدراج لكي يصل إليهم أسرع بعد أن سأل الحارس عن ريان وأخبره أنه لم يراه بعد أن صعد منذ عدة ساعات ، قرع جرس الباب ولا احد يجيبه ، أزفر أنفاسه بضجر بائن وهو يتمتم بالسُباب من شدة غضبه ،

_ معلم ريان ياسر طلع عندك فوق
_ ما إن أنهي الحارس جملته حتي ركض ريان صاعدا الادراج في درجة واحدة حتي يصل الي عديم النخوة ذاك ويلقنه درساً لن ينساه بحياته ،

_ انت بتعمل هنا إيه ؟
_ صاح به ريان وهو في قمة غضبه ، ركض نحوه ياسر ووهتف بتلعثم :-
_ هما ، هما السبب ، انا مليش ذنب صدقني ، عنود فين قالت عليا ايه ؟

_ اقترب منه ريان وهو يسحق أسنانه بغضب وصاح به هدراً :-
_ مراتي سيرتها متجيش علي لسانك مرة تانية فهمت ولا افهمك أكتر ؟

_ قطب ياسر جبينه بغرابة مما سمعه وتمتم بعدم تصديق :-
_ مراتك ؟

_ دني منه ريان أكثر حتي التصق صدره بجسد ياسر وأردف مهدداً :-
_ اه مراتي ، شوف بقا مرات ريان العراقي لما تيجي سيرتها علي لسان واحد قذر زيك انت وأهلك هيحصل ايه يا ابن منصور وسعاد

_ صعق ياسر مما سمعه ، أي زواج يتحدث عنه ، اهو يتحدث عن عنود نفسها التي تمناها امرأته ، لم يستوعب عقله ولا قلبه فكرة ضياع من خفق قلبه لها وتمتم بلا وعي منه :-
_ ازاي يعني ، ايه اللي انت بتقوله ده يا ريان ، قول أنك بتهزر عنود هتبقي مراتي أنا

_ توقف عن الحديث من تلقاء نفسه حينما تلقي لكمة قوية علي وجهه ، ثم رفع ريان إحدي قدميه وركل بها قدمي ياسر ، وقع أثرها وارتطم بالأرضية بقوة ، انحني ريان ليكون أقرب له وأمسكه من تلابيب قميصه وهتف شزراً :-
_ اكتفي بكده ولا ناوي تخرج من هنا علي نقالة ؟

_ انسدلت قطرات دموعه علي مقلتيه وهو يرمق ريان بنظرات متخاذلة ، يود أن يصرخ ويقول ليس أنا بل أنهم هم من فعلوا هذا ليس ذنبي بل ذنبهم هم ، يريد أن يسترجع خاصته لا أكثر لكن كيف وهي باتت امرأة راجل آخر غيره ،

_ نهض وجر قدميه أمامه بثقل وهبط بخطي هزيلة ، عقله سيجن يود أن يفقد ذاكرته ربما ينعم ببعض الراحة ،

_ ما أسوء أن يذهب ما تمناه قلبك سريعاً ، والاسوء أن تفقد شغفك هو الآخر في تلك الأثناء ، لا تشتهي شيئاً سوي المغادرة ، مغادرة الحياة بما فيها يكفي مقدارك من النصيب الي هذا الحد ، واكثر ما لا يتحمله عقلك أن المتسبب في ذلك نفسه من مثل عليك الحُب كأنك تذوقت قدر كبير من الطعام وزمئت ومن يمتلك زجاجة المياه اقربهم إليك دماً ، يرتشفها كاملة وهو يراك تفقد روحك أمامه ولا يهتم لحياتك ،

_________________________________________________

_أوصد ريان باب سيارته عندما تأكد من مغادرة ياسر ثم حرك السيارة متجه إلي منزل عائلة دينا ،
_ صف سيارته أمام البناية ترجل منها علي عجالة من أمره ، صعد الدرج سريعاً وقرع الجرس ، انتظر دقائق حتي فُتح الباب من قِبل شقيقة دينا الصُغري ( إسراء ) ، زمت شفاها بغضب ونظرت للفراغ الذي أمامها وهي تنفخ بضجر بائن ،

_ تنهد ريان مستاءً من تصرفها وسوء استقبالها ثم قال بنبرة حادة :-
_ عيب اللي انتي بتعمليه ده يا اسراء لا أنا صغير عشان تقابليني كده ولا انتي كمان صغيرة لتصرفاتك دي ؟

_ شعرت اسراء بالحرج الشديد منه واعتدلت في وقفتها مطأطئة الرأس وأردفت نادمة :-
_ أنا آسفة ، بس اللي انت عملته في أختي يخليني أخد منك موقف زعلها يهمني أكيد

_ استنشق ريان نفساً عميقاً ثم رد عليها بنبرة جامدة :-
_ اللي بيني وبين اختك حاجة تخصنا إحنا ، عودي نفسك متدخليش في حاجة متخصكيش عشان كده عيب

_ لقد نهاها تماماً بكلماته اللاذعة تلك ، لم تستطيع الوقوف أمامه أكثر من ذلك , ركضت مهرولة الي الداخل وارتمت علي فراشها تبكي من فرط خجلها ،

_ كرر ريان قرع الجرس مرة أخري لتأتي تلك المرة والدة دينا ، لم يترك لها أي مجال للتحدث وأسرع هو في الحديث قائلا :-
_ لو سمحتي يا حجة فاطمة أنا عايز أتكلم مع دينا

_ طأطأت فاطمة رأسها بآسي ثم ولجت الي الداخل وسمحت له بالدخول بينما غادرت هي المكان لكي تنادي علي ابنتها الكُبري ،

_ خرجت دينا وعيناها تتحدث عن حالتها النفسية المدمرة ، شعر ريان بندم شديد حيالها ، اقترب منها لكنها تراجعت خطوة للخلف رافعة إحدي يدها تمنعه من الاقتراب منها ، التزم ريان مكانه وسحب نفساً عميقاً لكي يستطيع مواصلة الحديث دون تذمر وفتح فمه ليتحدث لكنها سبقت هي بالحديث :-
_ وفر أي مبررات هتقولها عشان صدقني أنا مش هقتنع ولا هيتضحك عليا ، أنا أول مرة احس اني ساذجة اوي كده ، مش عارفة ازاي ملحظتش أن في نيتك تتجوز ، دي كانت واضحة اوي أولهم الشقة اللي بتقول أنها لاخوك الصغير وهو لسه بدري عليه أصلا علي ما يتجوز ورافض تديها لهاني ، كنت سايبها عشان تملاها انت بالجوازة التانية ، وفي آخر الايام كنت يدوب بتنام في البيت وبتقضي طول اليوم برة عشان تظبط لجوازتك التانية وتكون رايق لها ، وبعدك عني حتي باللي بيربط اي راجل وست ، حاجات كتير اوي يا ريان ظهرت حقيقتها قدام عيني بعد اللي عملته ، عشان كده بقولك وفر أي حاجة هتقولها لأن دينا العبيطة فاقت ومش هتصدق اي حاجة تقولها بعد كده

_ صدم ريان مما تفوهت به ، عقله لم يستوعب أنها وبكل سلاسة قلبت الطاولة عليه لدرجة أنه صدقها ، لكن ليس بوقت يصلُح فيه لوم أو معاتبة فما فعله كارثي ولابد أن يُصلحه بدلاً من أن يزيده سوءاً ،

_ أخرج تنهيدة بطيئة من جوفه تحمل بين طياتها الهموم والحزن ثم رمقها لبرهة وهتف بنبرة هادئة :-
_ أنا مش هلومك علي كلامك ده لأن كله غلط ولو مش عارفة هتعرفي بعدين ، أنا نفسي تصدقيني بس وتعرفي اني اضطريت اعمل كده عشان البنت دي كانت هتتأذي بسببهم لو مكنش جسدي كان هيبقي نفسي ، وانا مرضاش أبدا بكده ولو انتي تعرفيني أكيد عارفة اني مش بسيب حد واقع في ورطة الا وبساعده

_ ابتسمت دينا بسخرية وهزت رأسها في إنكار وتمتمت بتهكم :-
_ والمساعدة دي تكون جواز! ، ياااه علي التضحية أد إيه انتي بتهتم بمشاعر الناس وخصوصاً البنات الصغيرين في السن يا معلم ريان

_ كز ريان علي أسنانه بغضب شديد وكاد أن يندفع بها لكنه تماسك وحاول كبح غضبه مراراً حتي يمر ذلك الموقف مرار الكرام دون إيذاء مشاعرها ،

_ شهيق وزفير فعل لكي يتحلي بالصبر ثم اجابها :-
_ دينا نبرتك تتعدل معايا ، وانتي عارفة كويس اني مش بحب التبريرات واللي يفهمني غلط يضرب دماغه في الحيط ميهمنيش لكن انتي تهميني وانا واقف قدامك زي العيل الصغير اللي بيستسمحك ، قدري ده كويس وبلاش شيطانك يضحك عليكي ويخرب علينا فكري في بنتك حتي

_ انفجرت دينا ضاحكة ، عقدت ذراعيها في بعضهم وهتفت بفتور :-
_ كنت انت فكرت فيها قبل ما تجيب لأمها ضرة ، أنا كلامي خلص ورجوع مش هرجع إلا لما تطلق البت دي او متطلقهاش انت حر

_ أنهت حديثها ثم أسرعت الي الداخل وتركته بمفرده ، لكنه تفاجئ بولوجها إليه مرة أخري وبيدها صغيرته ، اقتربت منه دينا وأردفت بجمود :-
_ خد بنتك شيل مسؤليتها مع البيبي اللي انت متجوزها طلاما طلعت بتحبهم اوي كده

_ تركت جني معه ثم هرولت مسرعة الي الداخل وما إن أوصدت الباب حتي وقفت خلفه تبكي بمرارة ، وضعت يدها علي فمها لكي تجبر صوتها في عدم الإرتفاع لمسامعه

_ أحياناً نتظاهر بالقوة عندما ترتخي قوانا ويمس الضعف قلوبنا ، فالقلوب إذا خدشت تزداد قوة من لا شئ حتي نُجبر من كسرونا علي الانحناء لنا ربما يُدوايَ ذاك الخدش قليلاً

_________________________________________________

_ ايه اللي عمل في راسك كده ؟
_ تسائل هاني بقلق علي زوجته المحببة الي قلبه بينما رمقته هي بتقزز ثم نظرت إلي الفراغ الذي أمامها وأعادت قطعة الثلج الي رأسها دون أن تجيبه ، تنهد هو ووقف أمامها ثم تسائل بحُنق :-
_ انتي مش بتردي عليا ليه بسئلك راسك دي ورامة ليه كده ؟

_ نفخت رنا بضجر بائن ثم نهضت وألقت بقطعة الثلج أرضاً وكادت أن تُفجر غضبها عليه لكن راودتها فكرة داهية أجبرتها علي الصمت ثم تصنعت البراءة وازفرت بعض الدمعات الكاذبة ورققت من نبرتها ليظهر الانكسار بها :-
_ ما انا لو قولتلك مش هتصدقني وانا هزعل فوق زعلي أضعاف يبقي بلاها من الأول

_ خفق قلبه لنبرتها التي لم تفشل في جذبه إليها ، اقترب منها وأعاد خُصلة شاردة خلف أذنها وقال :-
_ لا قولي هصدقك المهم متكونيش زعلانة

_ ابتلعت ريقها ونظرت للاسفل وهي تفرك أصابعها مُتصنعة الحزن وتحدثت بصوت ناعم :-
_ لما عرفت موضوع جواز ريان دينا صعبت عليا اوي وقولت لازم اكون جنبها وأواسيها أيوة إحنا علاقتنا مش أد كده بس برده إحنا ولايا زي بعض ومينفعش أبدا اللي عمله ده

_ رفعت خضروتاها اللامعة عليه لتزفر دموع خادعة وواصلت حديثها مضيفة :-
_ قابلت ريان علي السلم وقفت اعاتبه كأنه أخويا وهو مستحملش مني الكلام و...

_ عقد هاني ما بين حاجبيه بغرابة وتسائل بفضول :-
_ وبعدين حصل ايه ؟

_ اجهشت رنا في البكاء لتشعل لهيباً في قلب زوجها ويصدق خداعها ، تصنعت أنها تحاول التحدث من بين بكائها لكنها تفشل ، عانقها هاني وضمها بقوة وقال بهدوء وهو يملس علي خصلات شعرها :-
_ اهدي يا رنا وكملي أنا اعصابي علي آخرها

_ ابتعدت عنه وواصلت خداعها قائلة بمكر :-
_ زقني جامد واتخبطت في الحيطة وده سبب الورم اللي في راسي

_ اتسعت مقلتي هاني بصدمة وتمتم بعدم تصديق :-
_ لا لا ريان ازاي يعني ؟

_ ابتعدت عنه وتحولت تعابير وجهها الي الحدة وصاحت به هدراً :-
_ عشان كده مكنتش عايزة اقولك ما انا مش هعرف أخد منكم لا حق ولا باطل أخوك ضاربني وانت مكدبني ، أنا سايبة لك البيت وماشية أصل تجيبلي واحدة انت كمان وانا وقتها مش هسيب البيت زي دينا لا أنا هطربقها عليكم قبل ما امشي

_ أمسك بذراعها يلحق بها وهتف بحنق :-
_ اهدي يا رنا وانا هجيب لك حقك ، بس انتي كنتي طالعة تواسي دينا ازاي وانتي بتقولي أنها سابت البيت ؟

_ تفاجئت رنا من سؤاله وابتلعت ريقها بتوجس وحاولت أن تفكر بشئ سريعاً قبل أن تكشف ألاعيبها وهي علي حافة الإنتصار في المعركة واجابته بتلعثم :-
_ اه مهو أنا عرفت بعد كده من يحيي وبعدين هو ده اللي هامك يعني !

_ نجحت هي في لدغه ووضع السِم به ، تدفقت الدماء في شرايينه بغضب وود أن يفتك بمن تطاول علي امرأته ، دلف للخارج مهرولاً بينما ابتسمت هي بخبث وتبعته الي الخارج ، ركوضهم خلف بعضهم أثار قلق يحيي وركض خلفهم هو الآخر

_ صعد هاني إلي الاعلي وطرق الباب بعنف شديد وعندما لم يستمع لإجابة نظر إلي زوجته ومن ثم أخيه الصغير وصاح به هدراً :-
_ أخوك فين ؟

_ رفع يحيي كتفه واجابه بعدم استيعاب للأمر :-
_ معرفش ، هو في ايه ؟

_ سحق هاني أسنانه بغضب وصاح متسائلاً :-
_ اللي اتجوزها دي قعدها فين ؟

_ تردد يحيي قليلا من غرابة السؤال لكنه طمئن قلبه فماذا سيفعل بزوجة أخيه ، تنهد واجاب هاني بعفوية :-
_ في الشقة فوق !

_ شهقت رنا بصدمة كبيرة وقد ازداد غضبها أضعاف مضاعفة ، ونظرت إلي زوجها وصاحت بغضب عارم :-
_ عشان كده أخوك مكنش راضي يدينا الشقة عشان يتجوز هو فيها ,

_ رمقها يحيي بنظرات تحمل الإشمئزاز من أفعالها الدنيئة وهو يعلم نواياها جيداً ، واصلت رنا هرائتها السخيفة هاتفة :-
_ انت هتسكت يا هاني ، هات لي حقي حالا

_ وما أن أنهت جملتها حتي صعد هاني إلي الطابق الأخير ، ركضت رنا وتبعها يحيي بعدم فهم لما يحدث لكن حتماً ما يراه لا يبشر بالخير ، ظل هاني يركل الباب بقدمه ويقرع الجرس بكل ما أوتي من قوة

_ وبعد أن استقرت عنود علي فراشها انتفضت بذعر من مكانها وهرولت مسرعة الي الخارج وقلبها يزداد خفقات من تلك الطرقات الغريبة ،

_ فتحت الباب وتفاجئت بوجود ثلاثتهم هي تتذكر وجوههم جيداً لكن لا تعلم هويتهم سوي يحيي

_ تفاجئت عنود بيد غليظة تجذبها من حجابها وأجبرها علي السير خلفه ، صُعق يحيي من تصرف أخيه الوقح وأسرع نحوه يحاول إيقافه بشتي الطرق ،

_ ايه اللي انت بتعمله ده يا هاني ، مينفعش كده أبعد
_ هتف بهم يحيي وهو يحاول جاهداً أن يفرق بينهم لكن قوة هاني مضاعفة له ، دفعه هاني بعيداً ثم جمع قوته ودفع بها علي الجدار ، أطلقت عنود صرخات عالية دوت في المكان ، تصلبت عروق عنق يحيي من هول ما يحدث وركض نحوهم ، جمع قوته ودفع هاني بعيداً عنها ثم أمسك بيدها وولج داخل المنزل وأوصد الباب قبل أن يصل هاني إليهم مرة أخري ،

_ سحبت عنود يديها وجلست بإهمال علي الأرض واجهشت في البكاء ، وضعت يديها أمام وجهها مطلقة العنان لدموعها في التسلل من بين أناملها ،

_ أشفق يحيي كثيراً علي حالتها المزرية ، الي الان لا يستوعب جنون أخيه وتصرفه مع تلك الفتاة بعد ، انحني بجسده وجلس القرفصاء مقابلها وردد بندم :-
_ أنا آسف علي اللي حصل ، أنا عارف ان آسفي قليل اوي قدام اللي حصلك بس انا مش في أيدي غيره

_ شهق يحيي بصدمة جلية عندما رأي الدماء تنسدل من أسفل حجابها وأيضاً تتخلل ثغرات حجابها من شدة تدفقه

_ انتي بتنزفي لازم تروحي المستشفي!
_ هتف بهم بنبرة متوجسة ثم نهض استعداداً لمغادرة المنزل بينما لم تعيره هي أي اهتمام كأنها لم تصغي لما قاله

_ يا بنتي قومي راسك شكلها عايز خياطة
_ صاح بها يحيي بإهتمام لكن الوضع كما هو عليه لا تكترث لحديثه ، تنهد بضجر بائن لم يريد اللجوء إلي هذا الحل لكن لا يوجد أمامه سواه ،

_ جذب هاتفه من جيب بنطاله وهاتف ريان سريعاً ، لا يجيب هو الآخر ، أعاد تكرار مهاتفته مرارا إلي أن سمع إلي نبرة صوته التي يحفظها جيداً :-
_ في ايه يا يحيي ؟

_ تنهد يحيي بضيق لا يدري كيف سيخبره بهذا ، اغمض عيناه ثم ألقي بالحديث دفعة واحدة :-
_ ممكن تيجي عنود محتاجة تروح المستشفي ومش راضية تقوم معايا تعالي يمكن تقتنع بيك انت ،

_ صدم ريان مما اخبره به يحيي وهتف بخوف :-
_ ليه حصلها ايه ؟

_ لا يعلم ماذا يجييه تحديداً حتما لن يخبره بما حدث علي الأقل الآن ، حمحم بتوتر وأجابه متردداً :-
_ تقريباً اتخبطت وبتنزف جامد من راسها

_ أغمض ريان عيناه لبرهة ثم أغلق الخط ودعس علي البنزين ليزيد من سرعة سيارته لكي يصل أسرع إليها ،
_ صف سيارته بإهمال وحمل صغيرته بين يديه وصعد في المصعد ثم طرق الباب إلي أن فتح له يحيي ،

_ اعطي ريان الصغيرة ليحيي ومن ثم أسرع نحو عنود التي تجلس علي الأرض واضعة يديها أمام وجهها وتبكي بصوت مسموع ، صعق من منظر الدماء التي تسيل منها دون توقف ،

_ حاول أن يتماسك ولا ينهار أمامها ثم قال بنبرة متعبة :-
_ قومي نروح المستشفي نطمن عليكي

_ لم ترفع عينيها عليه ولم تهتم له مثلما فعلت مع يحيي ، تنهد ريان بضجر ونظر الي يحيي الذي أسرع في حديثه قائلاً :-
_ أنا كلمتك عشان كده

_ عاد ريان بنظره عليها ثم أمسك ذراعها ، لكنه تفاجئ بها تصرخ عالياً :-
_ ابعدو عني محدش يلمسني ابعدو عني

_ أبعد يده سريعاً ورفعها للأعلي ربما يهدئ من روعها قليلا وردد بهدوء :-
_ أهدي مش هلمسك بس لازم اشوف جرحك سطحي ولا عميق

_ هزت رأسها مراراً برفض تام وهتفت بحنق :-
_ حرام عليكم انتوا بتعملوا فيا كده ليه

_ تنهد ريان بضجر فهو لا يعي ما تقول لكن عليه أن يهدئها لكي يحصل علي ما يريد ، سحب نفساً عميقاً ثم قال بنبرة أكثر هدوءاً :-
_ جرحك لازم يتخيط أو علي الأقل يتعقم لو كان سطحي عشان ميتلوثش ، وبعدين أنا جوزك يعني مش حرام لو شوفت شعرك حتي لو مجبرة بس في الآخر جوزك برده وأكيد انتي عاقلة كفاية ومش محتاجة توضيح أكتر ،

_ رفعت بندقيتاها عليه ليومأ برأسه مشجعاً ، وعندما لم يري أي هجوم منها نهض والتفت الي يحيي وقال بإقتضاب :-
_ يحيي خد جني معاك وانا شوية وهخدها منك

_ خليك علي راحتك هي معايا متقلقش
_ اردف بهم يحيي بحب ثم أخذ الصغيرة وهبط بها الي أقرب بائع حلوي ، بينما عاد ريان الي عنود ومد يده إليها ، ترددت كثيراً أن تخطو تلك الخطوة لكنها مجبرة ، مدت يديها ليشعر كلاهما برجفة قوية عصفت بخلاياهم الساكنة ، نظر إليها ربما يفهم سر ذاك الشعور ،

_ حمحم بحرج ثم جذبها من يدها وولج إلي داخل الغرفة ثم أمرها بالجلوس علي الفراش وبدأ في خلع حجابها ، توتر شديد عصف بعنود في تلك اللحظة لم تسمح لأحد من قبل أن يقترب منها بهذا الشكل ، إذاً لماذا تسمح له ؟

_ ربما لأنه زوجها ، زوجها التي لم تتقبل تلك الفكرة بعد ، ابتلعت ريقها واغمضت عينيها واستكانت بين يديه وهو يخلع حجابها برفق

_ ألقي بالحجاب الذي يمتلئ بالدماء بعيداً ثم أقترب أكثر لتكون راسها أمام صدره مباشرة ، تغلغلت رائحة عطره الي أنفها مباشرةً

" ااااه "
_ أطلقتها عنود بنبرة موجوعة عندما لمس بيده جرحها ، أبتعد ريان لكي يري عينيها بوضوح قائلا بندم :-
_ أسف مش قصدي ، عموما هو سطحي بس كذا جرح عشان كده نزفتي كتير ،

_ رمقها لبرهة وواصل حديثه متسائلا :-
_ انتي اتخبطي ازاي ؟

_ هربت بنظرها بعيداً عنه تفكر في شئ ما تخبره به ، لم تجد بسهولة فهي لم تعتاد الكذب قط ، طال صمتها حتي ظن ريان أنها لا تريد التحدث إليه بعد فعلته معها ، تنهد مستاءً وهتف بفتور :-
_ هنزل اجيب علبة الإسعافات اعقم لك الجرح

_ وما أن أنهي جملته حتي اختفي سريعاً من أمامها بينما نهضت عنود ونظرت إلي المرآة لتتفاجئ بمظهرها ، لقد تناثرت الدماء علي خصلات شعرها وسببت تعقيده ناهيك عن تورم جفنيها بشدة ، ودموعها التي لا تتوقف قط ، رمقت صورتها المنعكسة كثيراً وهي تتذكر ما حدث من قِبل المزعوم عمها وزوجته

_ لأول مرة تشعر بالضياع ، تشعر بفراغ جوفها كأنها باتت خالية من أي مشاعر ، ماذا يحدث بحق الله ، ماذا فعلت ليكون هذا جزاء عملها !

_ خرجت من شرودها علي صوته الرخيم هاتفاً :-
_ ممكن تقعدي

_ استدارت بجسدها إليه ولوهلة استوعبت أنها تقف أمامه محررة الخصلات ، اتسعت مقلتيها علي آخرهم ووضعت يديها علي رأسها ربما تخفي ولو جزء بسيط من خصلاتها المتحررة أمامه ، رمقها ريان بغرابة لما تفعله تلك الفتاة وبدون تردد اقترب هو منها ظناً بأنها خجولة ولا تريد الاقتراب هي منه

_ أمسك بيدها للمرة الثالثة في هذا اليوم الذي لا ينتهي واجبرها علي السير خلفه ثم أجبرها علي الجلوس علي الفراش وبدأ يُعقم جرحها برفق لكي لا يسبب لها الألم

_ انتهي مما يفعله ثم ابتعد قليلاً وأخفض بصره عليها وقال :-
_ أنا خلصت محتاجة حاجة اجيبهالك ؟

_ لم ترفع عينيها من علي الأرضية واكتفت بهز رأسها بإيماءة خفيفة ، تنهد ريان مستاءً لكل ما يحدث ، ثم دلف للخارج عندما سمع طرقات الباب ، فتحه وإذا به يحيي وصغيرته تبكي..

_ مش مبطلة عياط وعايزة مامتها
_ هتف بهم يحيي بحرج لعدم تمكنه من إلهاء الصغيرة بينما أماء ريان رأسه بتفهم ثم اخذ جني من يدي يحيي وأوصد الباب خلفه ونظر الي صغيرته متسائلا بإهتمام :-
_ بتعيطي ليه يا جني

_ حايزة ماما ، حايزة ماما
_ صاحت بهم الصغيرة وهي تبكي بشدة ، حاول ريان أن يهدئها لكن بائت محاولاته بالفشل الذريع بل وازدادت في بكائها عن ذي قبل ، اغمض عينيه وهو ينفخ بضجر بائن ، لم يعد في يده ما يفعله لها

_ فتح عيناه علي صوتها وهي تهدئ صغيرته قائلة :-
_ لو عيطتي ماما مش هتيجي لك

_ نظرت إليها جني وقد توقفت عن البكاء من تلقاء نفسها بادلتها عنود ابتسامة عذبة وأردفت بحنو :-
_ممكن أخد شيبسي من اللي معاكي ؟

_ احتضنت جني علبة الرقائق بشدة خوفاً أن تأخذها منها بينما تصنعت عنود الحزن وزمت شفيتها بطفولة ، لكنها تفاجئت بها تناولها واحدة قائلة ببراءة :-
_ خدي واحدة

_ رفعت عنود بصرها عليها وابتسمت برقة ثم قطمت من الرقائق التي بيدها وأظهرت مدي استمتاعها بها ، ابتسمت الصغيرة بسعادة ثم مالت عليها تريد أن تحملها عنود ، تنهدت عنود لنجاحها في تهدئتها ثم حملتها وولجت داخل غرفتها سريعاً ،

_ لم تمر دقيقة الا وتعالت ضحكات الصغيرة ، توجه ريان مباشرة الي الغرفة ووقف أمام الباب يراقب ما يفعلاه ، ظهرت ابتسامة علي ثغره لطريقة مداعبة عنود لصغيرته التي تبدو كطفلة صغيرة تلاعب من في عمرها وليست بفتاة ناضجة

_ لمحته عنود وشعرت بالخجل الشديد يعصف بخلاياها ، كما توردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة وضغطت علي شفاها بإرتباك خجل ، ثم التزمت السكون حتي اختفي هو من أمامها ..


يتبع الفصل التالي اضغط هنا
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent