رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثاني عشر بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثاني عشر
كعادتها لا تطيق الإنتظار عندما تحوي بجعبتها أخباراً جديده فأمسكت بهاتفها علي الفور وقامت بالإتصال بـ صافيه التي أجابتها بهدوء وقالت :أيوة يا زينب .
_ألو ،إزيك يا صافيه عامله إيه ؟!
=الحمدلله يا زينب ،العيال عاملين ايه؟
_كلهم بخير الحمدلله،غزل حبيبتي أخبارها إيه ؟
تنهدت صافيه بحزن عميق وقالت :الحمد لله على كل حال،هتعمل إيه حبيبتي أهي نايمه ،إدعيلها ربنا يصبرها .
تمتمت زينب بأسفٍ شديد وقالت : ربنا يخلف عليها و يعوضها ياارب .
_ياارب .
=مش هتصدقي اللي حصل إمبارح !
قالتها زينب بحماس و مراوغه لتتسائل صافيه بتعجب :إيه اللي حصل!؟ أيوة صح مش إنتوا كنتوا بتفطروا سوا إمبارح ،خير حد إتخانق ولا إيه ؟
=يحيـي رجع !
قالت صافيه بتلقائية شديده:رجع منين ؟!
_جرا إيه يا صافيه بقوللك يحيـي رجع !
نهضت صافيه واقفه وقالت :إنتي بتقولي إيه ؟! إنتي أكيد بتهزري .
إبتسمت زينب وقالت : وهي الحاجات دي فيها هزار يا صافيه ؟! ده إنتي فاتك عمرك كله إمبارح مش بس نص عمرك
تسائلت صافيه بلهفه وقالت :رجع إزاي و كان فين طول السنه اللي فاتت دي ؟
_في إيه يا عمتو ؟! هو مين اللي رجع ؟
كان هذا الحديث منبعثاً من غزل التي ركضت سريعاً من فراشها تتسائل بلهفه فنظرت إليها صافيه و قالت بفرحه: زينب بتقول إن يحيـي رجع !
تسائلت غزل بترقب و عدم تصديق فقالت:رجع منين ؟!
نظرت إليها صافيه ثم إلي الهاتف بين يديها و قامت بتشغيل مكبر الصوت و تحدثت إلي زينب فقالت :معلش يا زينب قولي من الأول ،هو إيه اللي حصل إمبارح ؟!
قالت زينب بحماس يتطاير من عينيها : إمبارح وقت الفطار لقينا يحيي داخل .....
لم تكمل غزل الإستماع إليها حيث أنها لم تستطع التماسك لتسقط أرضاً مغشياً عليها .
~~~~~~~~~~
في فراشهِ يرقد بتعب وقد تهالك جسده القوي بين ليلةٍ و ضحاها و أخذ منه التعب كل مأخذٍ .
كان ينظر أمامه نحو اللاشئ و عيناه مشخّصتان للفراغ قبل أن يدخل عبدالقادر إلي غرفته ويجلس إلي جانبه ممسكاً بيديه يقول بنبرةٍ واهيه :إزيك دلوقتي يابا؟!
نظر إليه والده وقال بصوتٍ مهزوز:يحيـي فين يا قدورة ؟
زمّ عبدالقادر شفتيه بأسف وقال متنهداً : مشوفتوش من بعد ما كنا في الجامع ،هو قاللي متدورش عليا ...
قاطعه والده قائلاً بعصبية مفرطه:وهو عشان قاللك متدورش عليا يبقا تسيبه ؟! إنتوا دماغكوا دي فيها إيييييه ؟!! جايلك قلب تقعد هنا و أخوك منعرفش عنه حاجه؟!مش كفايه اللي هو فيه ؟!
_ماهو عشان كفايه اللي هو فيه يبقا لازم أسيبه يابا ،يابا إفهمني ..يحيي فقد الثقه فينا كلنا و مش عايز يشوف حد فينا ،مينفعش آجي في عز وجعه و أجبره يشوفني أو يتعامل معايا هو مش ناقص .
أمسك الأب بحافة الفراش و بيده الأخري كان يحاول إلتقاط عصاه ليقول عبدالقادر متسائلاً :رايح فين يابا ؟!
_رايح أشوف إبني فين ..رايح أشوف أخوك فين يا عبدالقادر أنا مش هسكت تاني .
قالها بنبرةٍ صارمه و صوت قوي لا يقبل المناقشه فقال عبدالقادر وهو يحاول ثنيه عن قراره :يابا إستني بس،إنت تعبان مش هتقدر تلف في الشوارع .
نزع "علـي" يدهُ من بين يدي إبنه وقال :حااسب يا عبدالقادر إوعي،أنا مش هستني تاني ،أنا غلطت لما كدبت إحساسي في كل مرة كان بيقوللي إبنك مماتش ،يمكن لو كنت تعبت نفسي شويه و دورت على الحقايق مكانش كل ده حصل ،أنا أول واحد غلطت في حق أخوكوا .
بوهنٍ و يدان ترتجفان إلتقط عصاه و هرول نحو الخارج ليلحق بهِ عبدالقادر و يتجهان نحو المسجد أملاً منهما أن يجدونه هناك .
~~~~~~~~
كان يجلس على مقعد بالشارع و يضم يديه إلي بعضهما البعض يحيط بهما نفسه ، شارداً ينظر إلى الفراغ من أمامه غير آبه بما يحدث حوله و كأنه مغيٌباً ،جلس إلي جوارهِ رجل أربعيني فلم يكترث و تحاشي النظر إليه ليجده يمد يده إليه بسيجارة فنظر إليه يحيي نظرةً خاطفه وقال : شكراً مش عايز .
قال الرجل دون أن ينظر إليه : يا عم متتأمرش و خدها ،أهي حاجه تطلع فيها غلّك و قرفك ،ولا إنت مش قرفان ؟!
قال الأخيرة بسخرية ليلتقط يحيي السيجارة من بين إصبعيه ويشعلها بواسطة قدّاحته ويبدأ في تدخينها بشراهه ثم نظر بعدها إلي الرجل مجدداً وقال : هات سيجارة كمان !
نظر إليه الآخر ضاحكاً وقال : للأسف لقد نفذ رصيدي،بس معايا اللي أقوي منها ....
و أخرج من جيب سترته الداخلي قنينة خمر ناولها إلي يحيي وهو يقول : خد بل ريقك .
نظر إليه يحيي بتفحص وقال :لا مبشربش .
_يا عم متعملش فيها داعيه إسلامي بقا ، يعني الخمره حرام و السجاير لأ ؟! خد إشرب و إنسي ، بؤ واحد هيخليك تطير و تنسي إنت مين و إبن مين .
ضحك يحيي ساخراً و فك وثاق ساعديه عن بعضهما و نظر إليه قائلاً :حلو ده أنا عايز أنسي ،هـات .
إلتقط قنينة الخمر من بين يديه و تجرٌعها بأكملها جرعةً واحدة ليمتعض بعدها إمتعاضاً شديداً و نظر إلي الرجل فقال : إيه ده طعمها مقرف أوي .
أومأ الآخر مؤيداً وقال :أيوة طعمها مقرف بس مفعولها سحري ..بص قدامك كده و عِد لغاية خمسه هتلاقي نفسك بتطير ....
نظر إليه يحيي متعجباً ثم إنفجر ضاحكاً بقوة فضحك الآخر بدوره وقال :ها طيرت ولا لسه ؟!
حاول يحيي كبح جماح ضحكاته وقال :أه بطير أهو ..
أومأ الآخر بجدية وقال :طب إمسك فيا بقا لأحسن نقع إحنا الإتنين .
ثم نهض واقفاً ونظر إلي يحيي ثم قال :قوم ياا إمسك فيا .
نهض يحيي عن مقعده بتثاقل وهو يترنح يميناً و يساراً ويقول :أنا مش شايف قدامي .
أسنده الرجل و سار بإتجاه سيارته و فتح الباب ثم قال وهو يتخذ مكانه خلف طارة القيادة : إركب يلا .
دلف يحيي إلي السيارة و إستقل المقعد المجاور له ثم قال :أركب فين يا عم ..مش راكب.
نظر إليه الآخر و إرتفعت ضحكاته وقال :يبني ما إنت ركبت خلاص .
نظر يحيي حوله وقال :إيه ده هو أنا ركبت بجد !
أومأ الآخر موافقاً ليقول يحيي: طب طالما ركبت نزلني بقا علي جنب .
ثم إنفجر ضاحكاً بهيستيريه ليترنح فإصطدمت رأسه بالمقعد من خلفه ليسبح في النوم سريعاً فنظر إليه الرجل وقال بثماله :إيه ده هو نام ؟!
ثم نظر إلي إنعكاس صورته بالمرآه وقال :أكيد يعني نام مش سامعه بيشخر ؟!!
لينخرط بعدها في نوبة ضحك هيستيريه هاجمته مجدداً ثم إنطلق بالسياره نحو منزله .
~~~~~~~~~~~~~
كانت صافيه تجلس برفقة إبراهيم إلي جانب غزل ينتظرون إفاقتها فقال إبراهيم بخوف : ما كنا نجيبلها دكتور يا صافيه ،جـايز حامل !
نظرت إليه صافيه و همّت بإخبارهِ بحقيقة الأمر قبل
تتململ غزل في فراشها وقد بدأت تستعيد وعيها فقال والدها :هه .. الحمدلله فاقت أهي .
أمسك بكلتا يديها بين يديه و نظر إليها مبتسماً وقال: حمدالله علي سلامتك يا روح أبوكي .
نهضت غزل لتعتدل في جلستها و نظرت إلي عمتها وقالت بخوف : هو أنا كنت بحلم يا عمتو ولا يحيي رجع فعلاً ؟!
ربتت صافيه علي ذراعها بلين وقالت:لا يا حبيبتي مكنتيش بتحلمي ،زينب بتقول إنه رجع إمبارح فعلاً بس يا حبيبي محدش عارف هو فين دلوقتي .
هز إبراهيم رأسه بشفقة وقال :مسكين يحيي،صدمه كبيره أنا مش عارف هيتجاوزها إزاي ربنا يكون في عونه.
حاولت غَزل الخروج من فراشها فقال والدها وهو يمسك يدها يمنعها :رايحه فين؟!
_هنزل أدوّر علي يحيـي يا بابا !
قالتها بكل بساطة ليردف بقوة ويقول:إنتي إتجننتي ؟!تنزلي إزاي ؟! أولاً إنتي مفاتش علي وفاة جوزك الله يرحمه أسبوع ،ثانياً إنتي تعبانه ،ثالثاً بقا و الأهم هتنزلي تدوّري عليه بصفتك إيه ؟!
تراجعت بصمت فأضاف قائلاً:إعقلي كده و متخليش حد يتكلم علينا كلمه ملهاش لزمه .
هكذا أعطاها أوامره و خرج من الغرفه ليتركها هي تائهه تسبح في بحورٍ من ضياع .
~~~~~~~~~~~~~
كانت يُسر تجلس في منزل والدتها شاحبة الوجه ترتسم سيماء الحزن و الندم علي وجهها بوضوح ،جلست والدتها إلي جوارها و تنهدت قبل أن تقول : وبعدين يا يُسر ؟! هتفضلي متعلقه كده لا طايله سما ولا أرض ؟!
دون أن تنظر إليها أطلقت زفرهٍ رتيبه وقالت :هعمل إيه بس ؟! عمٌاله أتصل بالزفته زينب عشان أعرف منها آخر الأخبار مبتردش عليا .
توقفت لبرهه ثم قالت بحماس : أنا عندي فكرة !
هزت والدتها رأسها بتساؤل لتردف الأخري قائلة : أنا هروح بحجة إني أجيب زياد و نور و هناك هشوف الوضع عامل إزاي و إذا كان يحيي موجود ولا لأ
نظرت إليها والدتها بتعجب وقالت :عايزة تخرجي و إنتي تعبانه كده ؟! مينفعش طبعاً إنتي عايزة الناس تقول عليكي إيه ؟!
تأففت بملل وقالت :بلا ناس بلا زفت ،أومال عايزاني أقعد هنا وأنا مش عارفه أنا مصيري إيه ؟!
لتعود والدتها و تنظر إليها قائلة : طب حتي إثبتي إنك تعبانه و متأثرة باللي حصل ،إنما لما تخرجي تاني يوم كده هيقولوا إيه ؟! وبعدين متستعجليش يا خبر النهارده بفلوس بكره يبقا ببلاش.
قاطع حديثهم دخول زوج والدتها يحك ذقنه محدثاً صوتاً غليظ أشبه بالخشخشه و جلس إدعلي حافة الفراش الذي ترقد عليه يُسر و قال محدثاً زوجته : هو مفيش عشا ولا إيه ؟! هتفضلي قاعدة جمب سوسو طول النهار و نضيع إحنا ولا إيه ؟
نظرت إليه يُسر بغيظ و حنق فاضا من عيناها و قالت:قومي يا ماما إعمليله أكل أصل ده لو جاع ممكن ياكلنا .
نظر إليها غير مبالياً و هز رأسه بإستهجان و قال : إلا قوليلي يا سوسو ؟ناويه تقعدي هنا لحد إمتا ؟
نظرت إليه زوجته بإستياء وهي تمنعه عن الإسهاب في حديثهِ بعينان زاجرتان ليتجاهلها و يكمل قائلاً : أقصد يعني هترجعي لجوزك إمتا ؟
راحت يُسر تنظم أنفاسها تأخذ شهيقاً و تزفره ببطء لتمنع نفسها من الإنفعال و قالت : أنا تعبانـه و عايزة أنام .
أومأ موافقاً و نهض واقفاً ثم قال :نوم العوافي يا بنت مراتي ،تصبحي علي خير.
و خرج من الغرفه ليتركها تغلي و تزبد من فرط الغيظ فإقتربت منها والدتها و ربتت علي كتفها بأسف وقالت :معلش يا حبيبتي هو إسماعيل كلامه دبش كده متاخديش علي خاطرك منه ..البيت بيتك يا قلب أمك .
نظرت إليها يُسر بصمت و خانتها دمعه من عينها كانت تجاهد كي لا تسقط وقالت : أنا اللي أستاهل كل اللي بيحصل لي ده يا ماما.
قاطعتها والدتها حيث قالت: متزعليش نفسك يا حبيبتي إنتي معملتيش حاجه حرام ولا حاجه تتكسفي منها ده إنتي إتجوزتي علي سنة الله و رسوله ، وبعدين هو إبليس اللي إسمه سليمان ده هو اللي فضل يحوم حواليكي لحد ما إتجوزك يعني إنتي ملكيش ذنب في حاجه.
نظرت إليها يُسر بفرحه وقالت بأمل:بجد يا ماما ؟تفتكري فعلاً يحيي ممكن يسامحني؟
أومأت والدتها بتأكيد وقالت:طبعاااااا، وهو يقدر يعيش من غيرك إنتي و عياله؟متبقيش عبيطه أوماال ،أومال فين يُسر اللي طول عمرها دماغها توزن بلد !متقلقيش إنتي بس و إن شاء الله هي فتره و تعدي و يحيي مجرد ما يفوق من صدمته هيرجعلك أوام إنتي والعيال.
أومأت يُسر بموافقة وقالت:معاكي حق يا ماما،بس إنتي متأكده من الكلام بتاع جوز خالتي ده ؟
أومأت والدتها أن نعم وقالت: طبعاً متأكده هو أنا هسأل أي حد بردو ،جوز خالتك ده أخوه الصغير بيدرس في الأزهر و سأل شيوخ كتير و كلهم قالوله إن طالما الزوج الأولاني رجع يبقا مراته من حقه بس لما تخلص عدتها من الأولاني و إنتي سقطتي يعني ملكيش عدة يعني ترجعوا لبعض في أي وقت عادي .
نظرت يُسر أمامها بأمل و أومأت بإبتسامه وقالت: إن شاءالله ده اللي هيحصل،أنا عارفه إن يحيي بيحبني و هيسمعلي.
ربتت أمها علي رأسها وقالت:إن شاءالله يا حبيبتي،ياا نامي إنتي و إرتاحي،تصبحي علي خير .
خرجت والدتها من الغرفه بينما ظلت هي تتطلّع أمامها بإبتسامه حالمه وهي تمنّي نفسها بعودة يحيـي قريباً.
~~~~~~~~~~~~
إستيقظ بتعب شديد وهو يشعر بأن أحدهم قد أبرحه ضرباً ليتأوه بشدة وهو يحاول الإعتدال بمجلسه ناظراً حوله بتعجب چم وهو يحاول معرفة هوية المكان المتواصل بهِ قبل أن تقع عيناه علي زجاجات خمر متعدده ملقاه بإهمال في كل مكان بعشوائيه فنهض قائماً يضع يده فوق جبهته بشرود و الأخري تخصّر بها و تمتم بخوف : إيه ده؟!هو أنا هببت إيه ؟
إستمع إلي صوت خطوات أقدام آنيه من مكانٍ ما لينظر حوله فوجد رجلاً أربعينياً وسيم للغاية يقترب مِنهُ فنظر إليه يحيي و قطب حاجبيه مندهشاً في حين بادله الآخر ذات النظرات المتعجبه وقال: إنت مين؟!
نظر يحيي حوله بشرود وقال: إنت اللي مين و إيه اللي جابني هنا؟
نظر إليه الرجل بشك وهو يدنو منه وقال:إنت حرامي ولا إيه؟
نظر إليه يحيي بقوة وقال:حرامي مين يا أخينا إنت فوق كده و إعرف إنت بتكلّم مين.
نظر الآخر حوله و دقق نظره نحو زجاجات الخمر الملقاه أرضاً وقال متذكراً :أيوة أيوة صح ،إنت اللي قابلتك إمبارح عالبحر و ركبت معايا العربيه ...
قاطعه يحيي بإيماءه من رأسه وقال:أيوة فعلاً كلامك صحيح..لا مؤاخذه أنا مكنتش واعي وقتها و دلوقتي كنت ناسي اللي حصل.
إبتسم الرجل ببشاشة وقال :ولا يهمك،حصل خير، وأنا كمان مكنتش مركز إمبارح و كنت متقّل في الشرب و معرفش حصل إيه.
ثم مد يده ليصافح يحيي وقال: أعرفك بنفسي..قاسم عبدالرحمن.
صافحه يحيي بود وقال: يحيـي الهنداوي.
إبتسم قاسم قائلاً : أهلاً بيك يا يحيي إتشرفت بمعرفتك.
بادله يحيي الإبتسام وقال وهو ينحني ليلتقط سترته من علي الأريكه : الشرف ليا و آسف على الإزعاج.
قاطعه قاسم قائلاً :لا طبعاً مفيش إزعاج ولا أي حاجة،إنت رايح فين؟
أجابه يحيي بهدوء:هستأذن أنا بقـا ...
ليقاطعه قاسم قائلاً:لا طبعاً مش قبل ما نفطر مع بعض.
إبتسم يحيي ببشاشة وقال: معلش إعذرني لازم أمشي.
_يا عم هتمشي تروح فين بس؟
إستوقفته تلك الكلمات و إنتبه لسؤال قاسم ليتسائل بداخله "أين سأذهب حقاً؟!"فأعاد النظر نحوه و ضحك بخفه وقال:مش عارف والله .
إبتسم قاسم بلطف و إقترب منه ليجلس بأريحيه علي الأريكه و يشير له بالجلوس قائلاً: إقعد إقعد إنت شكلك حكايتك حكاية .
جلس يحيي مستسلماً و شرد أمامه وقال بعد أن أطلق تنهيدةً محمّله باليأس :لا حكاية ولا روايه ،عادي.
نظر إليه قاسم بتفحّص ثم قال : عادي إزاي بقا ده إنت شكلك شايل كتير ..زيي كده.
قال الأخيره متهكماً يسخر من حاله فنظر إليه يحيي و إبتسم قائلاً : أوقات كتير بيبقا الواحد شايل في قلبه ياما مبيقدرش يحكيه،لا في طاقه يحكي و لا عايز حد يواسيه و يقولله معلش حتي ،بيبقي كل اللي عايز يعمله إنه ينسي و يا سلام لو يفقد ذاكرته و يرجع لنقطة البدايه كإنه لسه مولود دلوقتي حالاً..يسلاااااام راحه مجربتهاش إنت .
تسائل الآخر ضاحكاً وقال :علي أساس إنك إنت اللي جربتها؟
أومأ يحيى موافقاً وقال:أيوة جربتها سنه كامله،كنت عايش مَلك،بس كنت غبي مش مقدر قيمة النعمه اللي أنا فيها.
نظر إليه قاسم مطولاً وقال:مش بقوللك حكايتك حكايه!إنت شغال إيه يا يحيـي؟
أجابه يحيي بهدوء وقال:إحنا تجار قماش أصلاً أباً عن جد،كل واحد مننا أنا و إخواتي كان له محل،بالرغم من إني معايا بكالوريوس تجارة و كان طموحي غير كده خاالص بس والدي أصَرّ إني أكون تاجر زي إخواتي.
أومأ قاسم متفهماً وقال بغتةً: تشاركني ؟
نظر إليه يحيي متعجباً وقال:أشاركك؟!إزاي مش فاهم؟
إعتدل قاسم بمجلسه و بدأ حديثه قائلاً: أنا عندي شركة إستيراد و تصدير..يعني مجالك..حابب تدخل شريك بالخبرة و المجهود تمام،حابب تدخل شريك بالمال و الخبره و المجهود تمام،اللي يريحك و يناسب إمكانياتك ،و نكبر الشركه أنا و إنت و بدل ما يبقا فرع يبقا فروع...إيه رأيك؟!
نظر إليه يحيي شارداً حيث كان يحاول لملمة شتات نفسهِ و التركيز بحديث الآخر فقال: معلش إعذرني أنا حالياً مش مركز ولا قادر أستوعب حاجه،سيبني فترة أفكر و هرد عليك إن شاءالله.
أومأ قاسم موافقاً وقال:اللي تحبه طبعاً و أي قرار تختاره أنا معاك فيه،بس نصيحه مني الشغل هو اللي هينسيك كل حاجه و يخليك تقدر تقف علي رجليك من تاني.
أومأ يحيى بتأكيد ليضيف و يقول: بإذن الله هفكر في الموضوع بجدية و هرد عليك في أقرب وقت.
ثم نهض واقفاً لينظر إليه قاسم ويقول: رايح فين تاني؟
_معلش لازم أمشي..كفايه الإزعاج اللي عملتهولك إمبارح .
=لا أبداً ولا إزعاج ولا حاجه،وبعدين حتي إستني نفطر سوا ولو مصمم تمشي بعدها إبقا إمشي.
أومأ يحيى موافقاً و جلس من جديد منصاعاً خلف حديثه.
....................
كانت تجلس إلي جانب صافيه وهي تقوم بمهاتفة زينب حيث كانت تنقل لها آخر التطورات التي طرأت عليهم منذ عودة يحيي فقالت: من يوم ما رجع منعرفش عنه حاجه يا صافيه..كإنه فص ملح و داب والله..أبوه هيتجن عليه و قدوره كل يوم ينزل يستناه في الجامع علي أساس إنه جاي أو هييجي و بيرجع مهموم و حزين..حتي عياله كل شويه يسألوا عليه و زياد إبنه مش مبطل سؤال عنه و كل شويه يسأل جده و يقوله هو بابا راح فين تاني..و اللي زاد و غطي سليمان كمان مش عارفين له طريق جُرٌه من يومها طلع بعربيته مرجعش البيت و محدش عارف هو فين.
تنهدت صافيه بضيقٍ شديد وقالت: هيكون فين بس؟!أنا قلقانه عليه والله لو ينفع أنزل أدور عليه هعمل كده .
قالت زينب بتعجب:بعد كل اللي شوفتيه منه يا صافيه و لسه بتفكري فيه؟!
قاطعتها صافيه بحنق وقالت: بتقولي إيه إنتي كمان أنا قصدي علي يحيي..طيب و يُسر أخبارها إيه بعد موت البيبي؟
أجابت زينب ببساطة و هدوء: هي دي بتتهد ولا بتزعل علي حاجه،أهي من يومها وهي متلقحه عند أمها.
تنهدت صافيه بسأم وقالت: ربنا يعديها علي خير و يسترها معاه و يرجع بالسلامه.
_,ياااارب.
تمتمت بها زينب وقالت:غزل عامله إيه؟
نظرت صافيه إلي تلك الباكيه صاحبة الوجه الهزيل التي تجلس إلي جانبها وقالت:, هتعمل إيه ،الحمدلله علي كل حال
=سلمي عليها كتير و هبقا أكلمك وقت تاني.
أنهت صافيه الإتصال لتنظر إلي غَزل والتي كانت تبكي بحرقةٍ وقالت: يعني بعد ما يرجع و أقول أخيراً رجع يختفي تاني و بالشكل ده؟!
ربتت صافيه علي رأسها و جذبتها إلي صدرها تهدئ من رَوْعِها وتقول: معلش يا حبيبتي كله مقدر و مكتوب،ربنا يكون في عونه يحيي مصيبته كبيره.
نظرت غَزل إليها وقالت و العشق يفيض من عيناها: تفتكري هيرجع يا عمتو؟لو مرجعش المره دي أنا هموت فيها بجد.
أومأت صافيه بتأييد وقالت:أكيد هيرجع أنا متأكده..بس متأكده كمان إنه هيرجع واحد تاني خالص،يحيي علي قد ما كان طيب و هادي بس لو حد ظلمه مبينساش أبداً و هو متظلمش من واحد بس ،ده إحنا كلنا ظلمناه بموافقتنا علي الجوازه دي.
_وإنتي ذنبك إيه يا عمتو؟إنتي إنضحك عليكي و أكتر واحده إتظلمتي في البيت ده و بسبب الجوازة دي.
تنهدت صافيه بحزن وقالت:ذنبي إني كنت سلبيه..في أوقات كتير يا غزل مينفعش تتنازلي عشان خاطر حد حتي لو الحد ده أقرب حد ليكي،لإنك متعرفيش هتدفعي تمن تضحيتك و تنازلك ده إيه! لازم تعرفي إن القلوب بتتقلب و محدش ضامن اللي قدامه ده لو بيحبه و روحه فيه النهارده،بكره هيبقا شعوره إيه من نحيته..فإنتي مهما كان مينفعش تقدمي حاجه فوق طاقتك و إحتمالك لإن ممكن ييجي اليوم اللي تندمي فيه علي تضحياتك دي و تقولي زيي كده يا ريتني مت قبل ما أوافق على حاجه زي كده..لإن في النهايه مهما تعملي مش هترضي الناس ولا حد هيقدر اللي عملتيه عشانه ولا حتي هيشيلوهالك جِميله..يبقا إنتي تعملي اللي تقدري عليه و بس و إووعي في حياتك مرة تضغطي علي نفسك ولا تجبريها عشان خاطر حد .محدش يستاهل!
أومأت غزل بموافقه و إقتناع عندما إختتمت صافيه حديثها النادم بتنهيدةٍ يائسه بينما شردت الأخري بحديثها وهي ترجو الله في نفسها بأن يعود سريعاً.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانوا جميعاً يجلسون حزاني شاردون،يفكرون بما يحدث حولهم من أحداث متلاحقه..عودة يحيي و من ثَمّ إختفائه مرة أخري،غياب سليمان أيضاً و الذي زاد من حيرتهم و قلقهم.
_مفيش أخبار عن إخواتك يا قدورة؟!
تسائل الأب حيث كان يجلس متكئاً بكلتا يداه علي عصاه كعادته يستند عليها ليقول عبدالقادر:مفيش يابا..سليمان مبيفتحش المحل ولا بيروح عند حد من معارفه و حتي كان في بضاعة المفروض هو اللي يستلمها لسه في المصنع،و يحيي كإنه فص ملح و داب محدش عارف عنه حاجه....
بتر حديثه عندما إستمع إلي طرقات علي باب المنزل فقال محدثاً إبنه:شوف مين يا سيف.
فتح إبنه الباب لينظر إليهم بفرحه ويقول:ده عمو يحيي.
دخل يحيي و إحتضن الصغير مربتاً على رأسه كعادته السابقه لينهضوا جميعاً راكضين نحوه قبل أن يستوقفهم بإشارةٍ من يده ويقول:زي ما إنتوا.
توقف والده متعجباً و نظر نحوه بتفحص فقال وهو يتلاشي النظر لأبيه:أنا مش جاي أقعد..أنا جاي أقولكوا كلمتين و أمشي.
تجاهل والده حديثه و إقترب منه أكثر و وقف أمامه قائلاً بهدوء:هتتكلم و إنت واقف يبني؟
نظر يحيي أرضاً وقال:معلش،هما كلمتين عالسريع و همشي..لو سمحتي يا أم سيف تلبسي نور و زياد و تجهزي حاجتهم.
نظروا جميعاً لبعضهم البعض بتعجب وقال والده:ليه إنت عايز حاجتهم ليه؟!إنت ناوي علي إيه بالظبط؟
نظر إلي والده بقوة وأضاف قائلاً:ناوي آخد عيالي و أمشي،إيه حد عنده إعتراض؟
دنا منه شقيقه وقال مستفهماً:تاخدهم و تمشي إزاي يا يحيي؟ تمشوا تروحوا فين؟
_أي مكان بعيد عن هنا هيبقا أحسن ليا و ليهم،و أظن هما مش محتاجين غيري دلوقتي.
هكذا خرجت تلك الكلمات الحادة من فم يحيي ليقول والده محاولاً تهدأته:إصبر بس يبني و إستهدي بالله..هتروح فين و تسيب بيتك؟وبعدين ذنبهم إيه العيال يتبهدلوا؟
نظر إليه يحيي وقال:ذنبهم إنهم عيالي..و مضطرين يستحملوني سواء حلو أو وحش..و أنا مصمم أخدهم معايا مطرح ما أروح حتي لو هموت أنا و هما هيكون أحسن ليهم من إني أسيبهم وسطكوا .
تفاجأ والده بتلك الكلمات ليقول بصوتٍ مختنق:كده يا يحيى؟ده كلام يتقال يبني؟إنت مش مصدق إني وافقت عشانهم؟
قاطعه يحيي بغضب عاصف وقال:لو سمحت يا حج بلاش كلام في الموضوع ده..أنا قفلت الموضوع ده بالضبه و المفتاح..و مش هقبل فيه أي أعذار أو حجج ملهاش لازمه..إنت بالذات كان بإستطاعتك تربي عيالي و تصرف عليهم بدل ما تجوز أمهم لإبنك.
قال والده بحزن:خوفت يا يحيي،مراتك كان بيتقدملها كل يوم و التاني راجل شكل و خوفت تتجوز و تاخد العيال أو العيال يروحوا لأمها و أتحرم منهم...
قاطعه يحيي مجدداً وقال متهكماً:ده كلامه مش كده؟!هو اللي أقنعك بكده عشان تبارك الجوازة!و إنت طبعاً وافقت و قولت تضرب عصفورين بحجر..عيال ابنك يبقوا معاك و أهو فرصه إبنك التاني يخلف و يبقي له عيال و أهو الله يرحم اللي مات.
أومأ والده بنفي وقال: أبداً والله يبني،والله ما فكرت في حاجه أبداً غير فيك و في عيالك.
أومأ يحيى برأسه بهدوء وقال:مبقاش ييجي منه يابا،اللي حصل حصل خلاص..و أنا روحت المحكمه النهارده و ثبت إني لسه حي أُرزق و سألت في دار الإفتاء و قالولي إنها رجعت لعصمتي.
تسائل أخيه بترقب وقال:و إمتا هترجعها؟
أجاب بإقتضاب:مش هرجعها.
فقالت زينب بفضول:هتطلقها؟!
أومأ موافقاً وقال:طلقتها!
تهللت أساريرها و إبتسمت بحماس لم تستطع إخفاؤه ليقول والده:وهي خدت خبر بالكلام ده؟
_ورقتها هتوصلها النهارده إذا مكانتش وصلتها.
قال والده بحزن:طب والعيال؟!هتسيبهم لها؟
نظر إلي والده بقوة و صرامه وقال:عيالي مش هسيبهم لحد قولت،هيفضلوا معايا أنا غصب عن عنيها و عنين التخين.
و تابع بصوت جهور:يلا يا زينب هاتي حاجتهم خلينا نمشي.
أومأت زينب بموافقة و أسرعت علي الفور تقوم بتجهيز أغراض الصغار بينما نظر يحيي إلي أبيه وقال:أنا عايز فلوسي.
قطب والده حاجبيه بتعجب وقال:الفلوس كلها تحت رجليك يبني،شاور و خد اللي إنت عايزه.
أضاف بنبرةٍ جامده:أنا مش هاخد حاجه زياده ولا حاجه مش من حقي،أنا عايز فلوسي اللي إشتغلت بيها من يوم ما وعيت ع الدنيا و نزلت السوق..و عايز ال ٢٠٠ ألف اللي عند سليمان اللي كان واخدهم مني عشان شقة القاهرة.
برز صوت عبدالقادر حيث قال:حقك يا يحيي..متقلقش أنا هتصرف في الموضوع ده و فلوسك كلها هتبقا عندك في ظرف يومين.
أومأ موافقاً ليقول والده: إنت ناوي علي إيه يا يحيي؟
نظر إليه يحيي وقال:ناوي علي كل خير..ناوي أشوف حياتي و أبدأ من جديد.
زفر والده بتعب وقال:ربنا ييسر لك امرك يبني..و هترجع إمتا تعيش وسطينا؟
إبتسم يحيي متهكماً وقال:مبقاش ينفع يابا..البيت ده مبقاش يسعنا احنا الاتنين.. وأنا هقدر أصرف أموري إنما هو ملوش مكان تاني يعيش فيه.
قال عبدالقادر: هو من يومها و إحنا منعرفش عنه حاجه..أكيد مش عارف يواجهك و مكسوف منك..صدقني يا يحيي.......
قاطعه يحيي ناهياً ذلك الحوار وقال: وليه متقولش إنه متأثر بموت إبنه اللي كان مستنيه و كلها يومين ويرجع تاني؟! مفيش حاجه اسمها مكسوف يا عبدالقادر..اللي إختشوا ماتوا.
ألقي بكلماته بقوة و ذهب ليحمل حقائب الأغراض الخاصه بأطفاله و إصطحبهما ليخرج من الباب فإستوقفه والده قائلاً بلهفه:هنشوفك تاني إمتا يا يحيي؟
نظر إلي والده وقال: هاجي يابا..متقلقش!
خرج برفقته أطفاله و إستقلّ سيارة قاسم الذي كان ينتظره بالخارج فقال مرحباً بالأطفال: أهلاً أهلاً يا حلوين..هاتي بوسه.
قالها مقبلاً نور التي منحته إبتسامةً واسعه ثم قال مخاطباً يحيي:هاا عملت إيه؟
قال يحيي بإقتضاب:بلغتهم باللي حصل و جبت حاجة زياد و نور .
أومأ قاسم موافقاً وقال: بلغتهم إنك طلقتها؟
أومأ يحيى موافقاً وقال: أيوة قولتلهم..معلش يا قاسم هنتقل عليك أنا و الولاد علي ما الفلوس تيجي و أشتري شقه.
نظر إليه قاسم بعتاب وقال:متقولش كده يا يحيي إنت زي أخويا الصغير،وأنا قولتلك القدر هو اللي وقعك في طريقي و وقعني في طريقك،يعني لبسنا يا معلم.
قالها ممازحاً إياه ليبتسم يحيي بخفه فقال له:روق كده..أهم حاجة إن عيالك معاك و الباقي يتعوض.
أومأ بتأكيد و إحتضن طفليه بشده يعوض فقدانه لهما طيلة الأيام الماضية.
~~~~~~~~~~~~~
كانت تقف أمام مرآتها تستعد للمغادرة قبل ان تدخل والدتها الي غرفتها و تتسائل قائلة:أومال انتي رايحه فين يا يُسر؟
برز صوت زوجها من خلفها يقول:جايز زهقت من القعده و نزلت تدور علي شغل.
رمقته يُسر بضيق و إشمئزاز وقالت لوالدتها:رايحه أجيب عيالي يا ماما.
قال زوج والدتها قاصداً إثارة غضبها و حنقها:رايحه تجيبي عيالك بردو ولا تطمني علي حبيب القلب.
تجاهلته ونظرت إلي والدتها وقالت: لازم أشوف أخرة اللي أنا فيه ده إيه يا ماما..نور و زياد هما آخر أمل قدامي و الحاجه الوحيده اللي هترجعلي يحيي..مش هتأخر هجيبهم و أجي أوام..حضري المكرونه و البانيه لزياد علي ما نرجع.
قالت الأخري بإبتسامه ليقول إسماعيل:حيلك حيلك..بتتشرطي كده ولا كإنك قاعده في فندق خمس نجوم.
ثم حك ذقنه قائلاً:هو مش الأكل ده يلزمه فلوس ولا البعيده مبتشوفش..ده حتي علي رأي المثل،اللي ميشوفش من الغربال يبقي أعمي!
نظرت إليه يُسر بغضب شديد وقالت: أما قليل الذوق بصحيح..عالعموم أنا هجيب فلوس من جد زياد و نور وأنا جايه و هصرف علي نفسي و عيالي..ربنا ما يحوجنا لأمثالك.
أومأ ساخراً وقال:ماااشي..مقبوله منك يا بنت مراتي..بس زودي المعلوم شوية ألّا العيشه غليت.
لم تجيبه و إنصرفت مغادرة علي الفور في طريقها نحو منزل عائلة الهنداوي.
~~~~~~~~~~~
وصلت أمام المنزل لتطرق الباب بأيدي مرتجفه من فرط التوتر فإنفرج الباب لتظهر زينب من خلفه التي تفاجأت بقدومها فنظرت إليهم بالداخل وقالت:دي يُسر.
ثم نظرت إلي يُسر بإبتسامة مصطنعه وقالت : يا خساره حظك زفت...
نظرت إليها يُسر بتعجب لتستطرد حديثها وتقول:أصل يحيي كان هنا و لسه ماشي حالاً.
إهتز قلبها بين أضلعها و تسارعت نبضاته لتتمتم بذهول:يحيي؟!بجد؟!
أومأت زينب برأسها أن نعم ولم تنطق فدخلت يُسر تمشي علي إستحياء و ألقت تحية السلام بإقتضاب ثم قالت :أومال نور و زياد فين؟!ناموا بدري كده؟
نظر إليها "علي" وقال: عيالك مع أبوهم يا يُسر.
ضيقت عينيها بإستفهام وقالت:مع أبوهم فين؟
تولّت زينب مهمة إخبارها وقالت:يحيي خدهم و خد هدومهم و كل حاجتهم كمان.
إعترتها الصدمه و نظرت إليهم واحداً تلو الآخر بذهول و قالت:خدهم إزاي يعني؟و خدهم علي فين؟
رفعت زينب كتفيها بجهل ليجيبها عبدالقادر قائلاً:منعرفش يا يُسر خدهم علي فين..كل اللي نعرفه إنهم هيفضلوا معاه.
_طب وأنا؟
تسائلت بلهفه وأضافت:أقصد أنا موقفي إيه يعني من كل ده؟
هنا نطق "علي" قائلاً: المحكمه حكمت برجوعك لعصمة يحيي...
أغتر ثغرها عن إبتسامة عريضه لتنقشع بغتةً عندما أضاف: و يحيي طلقك!
تجهم وجهها بقوةٍ و كادت الدماء أن تنفجر من عيناها وقالت بصوت متقطع:طلقـ...طلقني إزاي يعني؟!
أجابتها زينب بشماتة وقالت:طلقك في المحكمه و ورقتك هتوصلك قريب.
تملّكتها الصدمه و شعرت بأن الأرض تميد بها و إبتلعت لعابها بصدمه ثم نظرت لهم تباعاً وقالت: هو يحيي اللي قال إنه طلقني فعلاً؟يعني هو معدش عاوزني؟؟!
أومأ عبدالقادر بأسف وقال:يحيي إتغير يا يُسر..الصدمه خلته إنسان تاني خالص..حتي مع أبوه.
نظرت إليه وقد سالت دمعاتها وقالت: طب و إنتوا مدافعتوش عني ليه؟!كنتوا قولوا له إنه غصب عني و إن سليمان اللي فضل يزن عليا لحد ما وافقت.
نظرت إليها زينب بصدمه و تعجب و تمتمت بصوت خافت:يخرب بيت شيطاانك!
تابعت يُسر ببكاء حار:أنا دلوقتي ذنبي إيه؟!إنتوا عارفين إني كنت بعشق التراب اللي يحيي كان بيمشي عليه.
نظر إليها "علي" وقال: والله يا بنتي منا عارف أقوللك إيه..أنا ذات نفسي مبقيتش فاهم حاجه..ولا بقيت عارف مين الظالم و مين المظلوم..كل اللي أقدر أقولهولك ربنا يعينك.
خارت قواها و أجهشت بالبكاء وقالت:طيب و زياد و نور ذنبهم إيه يتحرموا من أمهم؟هو يحيي ناوي يعاقبني بيهم هما كمان؟
نظرت إليها زينب بملل وقالت ببرود: والله يا يُسر إحنا منعرفش يحيي ناوي علي إيه بالظبط..هو جه خد عياله و مشي أوام.
و أضافت: أجيبلك كرسي تقعدي ولا هتمشي؟
نظرت إليها يُسر مطولاً حيث كانت زينب تبادلها النظرات بتحدٍ ثم إنصرفت مغادرة بصمت
_ألو ،إزيك يا صافيه عامله إيه ؟!
=الحمدلله يا زينب ،العيال عاملين ايه؟
_كلهم بخير الحمدلله،غزل حبيبتي أخبارها إيه ؟
تنهدت صافيه بحزن عميق وقالت :الحمد لله على كل حال،هتعمل إيه حبيبتي أهي نايمه ،إدعيلها ربنا يصبرها .
تمتمت زينب بأسفٍ شديد وقالت : ربنا يخلف عليها و يعوضها ياارب .
_ياارب .
=مش هتصدقي اللي حصل إمبارح !
قالتها زينب بحماس و مراوغه لتتسائل صافيه بتعجب :إيه اللي حصل!؟ أيوة صح مش إنتوا كنتوا بتفطروا سوا إمبارح ،خير حد إتخانق ولا إيه ؟
=يحيـي رجع !
قالت صافيه بتلقائية شديده:رجع منين ؟!
_جرا إيه يا صافيه بقوللك يحيـي رجع !
نهضت صافيه واقفه وقالت :إنتي بتقولي إيه ؟! إنتي أكيد بتهزري .
إبتسمت زينب وقالت : وهي الحاجات دي فيها هزار يا صافيه ؟! ده إنتي فاتك عمرك كله إمبارح مش بس نص عمرك
تسائلت صافيه بلهفه وقالت :رجع إزاي و كان فين طول السنه اللي فاتت دي ؟
_في إيه يا عمتو ؟! هو مين اللي رجع ؟
كان هذا الحديث منبعثاً من غزل التي ركضت سريعاً من فراشها تتسائل بلهفه فنظرت إليها صافيه و قالت بفرحه: زينب بتقول إن يحيـي رجع !
تسائلت غزل بترقب و عدم تصديق فقالت:رجع منين ؟!
نظرت إليها صافيه ثم إلي الهاتف بين يديها و قامت بتشغيل مكبر الصوت و تحدثت إلي زينب فقالت :معلش يا زينب قولي من الأول ،هو إيه اللي حصل إمبارح ؟!
قالت زينب بحماس يتطاير من عينيها : إمبارح وقت الفطار لقينا يحيي داخل .....
لم تكمل غزل الإستماع إليها حيث أنها لم تستطع التماسك لتسقط أرضاً مغشياً عليها .
~~~~~~~~~~
في فراشهِ يرقد بتعب وقد تهالك جسده القوي بين ليلةٍ و ضحاها و أخذ منه التعب كل مأخذٍ .
كان ينظر أمامه نحو اللاشئ و عيناه مشخّصتان للفراغ قبل أن يدخل عبدالقادر إلي غرفته ويجلس إلي جانبه ممسكاً بيديه يقول بنبرةٍ واهيه :إزيك دلوقتي يابا؟!
نظر إليه والده وقال بصوتٍ مهزوز:يحيـي فين يا قدورة ؟
زمّ عبدالقادر شفتيه بأسف وقال متنهداً : مشوفتوش من بعد ما كنا في الجامع ،هو قاللي متدورش عليا ...
قاطعه والده قائلاً بعصبية مفرطه:وهو عشان قاللك متدورش عليا يبقا تسيبه ؟! إنتوا دماغكوا دي فيها إيييييه ؟!! جايلك قلب تقعد هنا و أخوك منعرفش عنه حاجه؟!مش كفايه اللي هو فيه ؟!
_ماهو عشان كفايه اللي هو فيه يبقا لازم أسيبه يابا ،يابا إفهمني ..يحيي فقد الثقه فينا كلنا و مش عايز يشوف حد فينا ،مينفعش آجي في عز وجعه و أجبره يشوفني أو يتعامل معايا هو مش ناقص .
أمسك الأب بحافة الفراش و بيده الأخري كان يحاول إلتقاط عصاه ليقول عبدالقادر متسائلاً :رايح فين يابا ؟!
_رايح أشوف إبني فين ..رايح أشوف أخوك فين يا عبدالقادر أنا مش هسكت تاني .
قالها بنبرةٍ صارمه و صوت قوي لا يقبل المناقشه فقال عبدالقادر وهو يحاول ثنيه عن قراره :يابا إستني بس،إنت تعبان مش هتقدر تلف في الشوارع .
نزع "علـي" يدهُ من بين يدي إبنه وقال :حااسب يا عبدالقادر إوعي،أنا مش هستني تاني ،أنا غلطت لما كدبت إحساسي في كل مرة كان بيقوللي إبنك مماتش ،يمكن لو كنت تعبت نفسي شويه و دورت على الحقايق مكانش كل ده حصل ،أنا أول واحد غلطت في حق أخوكوا .
بوهنٍ و يدان ترتجفان إلتقط عصاه و هرول نحو الخارج ليلحق بهِ عبدالقادر و يتجهان نحو المسجد أملاً منهما أن يجدونه هناك .
~~~~~~~~
كان يجلس على مقعد بالشارع و يضم يديه إلي بعضهما البعض يحيط بهما نفسه ، شارداً ينظر إلى الفراغ من أمامه غير آبه بما يحدث حوله و كأنه مغيٌباً ،جلس إلي جوارهِ رجل أربعيني فلم يكترث و تحاشي النظر إليه ليجده يمد يده إليه بسيجارة فنظر إليه يحيي نظرةً خاطفه وقال : شكراً مش عايز .
قال الرجل دون أن ينظر إليه : يا عم متتأمرش و خدها ،أهي حاجه تطلع فيها غلّك و قرفك ،ولا إنت مش قرفان ؟!
قال الأخيرة بسخرية ليلتقط يحيي السيجارة من بين إصبعيه ويشعلها بواسطة قدّاحته ويبدأ في تدخينها بشراهه ثم نظر بعدها إلي الرجل مجدداً وقال : هات سيجارة كمان !
نظر إليه الآخر ضاحكاً وقال : للأسف لقد نفذ رصيدي،بس معايا اللي أقوي منها ....
و أخرج من جيب سترته الداخلي قنينة خمر ناولها إلي يحيي وهو يقول : خد بل ريقك .
نظر إليه يحيي بتفحص وقال :لا مبشربش .
_يا عم متعملش فيها داعيه إسلامي بقا ، يعني الخمره حرام و السجاير لأ ؟! خد إشرب و إنسي ، بؤ واحد هيخليك تطير و تنسي إنت مين و إبن مين .
ضحك يحيي ساخراً و فك وثاق ساعديه عن بعضهما و نظر إليه قائلاً :حلو ده أنا عايز أنسي ،هـات .
إلتقط قنينة الخمر من بين يديه و تجرٌعها بأكملها جرعةً واحدة ليمتعض بعدها إمتعاضاً شديداً و نظر إلي الرجل فقال : إيه ده طعمها مقرف أوي .
أومأ الآخر مؤيداً وقال :أيوة طعمها مقرف بس مفعولها سحري ..بص قدامك كده و عِد لغاية خمسه هتلاقي نفسك بتطير ....
نظر إليه يحيي متعجباً ثم إنفجر ضاحكاً بقوة فضحك الآخر بدوره وقال :ها طيرت ولا لسه ؟!
حاول يحيي كبح جماح ضحكاته وقال :أه بطير أهو ..
أومأ الآخر بجدية وقال :طب إمسك فيا بقا لأحسن نقع إحنا الإتنين .
ثم نهض واقفاً ونظر إلي يحيي ثم قال :قوم ياا إمسك فيا .
نهض يحيي عن مقعده بتثاقل وهو يترنح يميناً و يساراً ويقول :أنا مش شايف قدامي .
أسنده الرجل و سار بإتجاه سيارته و فتح الباب ثم قال وهو يتخذ مكانه خلف طارة القيادة : إركب يلا .
دلف يحيي إلي السيارة و إستقل المقعد المجاور له ثم قال :أركب فين يا عم ..مش راكب.
نظر إليه الآخر و إرتفعت ضحكاته وقال :يبني ما إنت ركبت خلاص .
نظر يحيي حوله وقال :إيه ده هو أنا ركبت بجد !
أومأ الآخر موافقاً ليقول يحيي: طب طالما ركبت نزلني بقا علي جنب .
ثم إنفجر ضاحكاً بهيستيريه ليترنح فإصطدمت رأسه بالمقعد من خلفه ليسبح في النوم سريعاً فنظر إليه الرجل وقال بثماله :إيه ده هو نام ؟!
ثم نظر إلي إنعكاس صورته بالمرآه وقال :أكيد يعني نام مش سامعه بيشخر ؟!!
لينخرط بعدها في نوبة ضحك هيستيريه هاجمته مجدداً ثم إنطلق بالسياره نحو منزله .
~~~~~~~~~~~~~
كانت صافيه تجلس برفقة إبراهيم إلي جانب غزل ينتظرون إفاقتها فقال إبراهيم بخوف : ما كنا نجيبلها دكتور يا صافيه ،جـايز حامل !
نظرت إليه صافيه و همّت بإخبارهِ بحقيقة الأمر قبل
تتململ غزل في فراشها وقد بدأت تستعيد وعيها فقال والدها :هه .. الحمدلله فاقت أهي .
أمسك بكلتا يديها بين يديه و نظر إليها مبتسماً وقال: حمدالله علي سلامتك يا روح أبوكي .
نهضت غزل لتعتدل في جلستها و نظرت إلي عمتها وقالت بخوف : هو أنا كنت بحلم يا عمتو ولا يحيي رجع فعلاً ؟!
ربتت صافيه علي ذراعها بلين وقالت:لا يا حبيبتي مكنتيش بتحلمي ،زينب بتقول إنه رجع إمبارح فعلاً بس يا حبيبي محدش عارف هو فين دلوقتي .
هز إبراهيم رأسه بشفقة وقال :مسكين يحيي،صدمه كبيره أنا مش عارف هيتجاوزها إزاي ربنا يكون في عونه.
حاولت غَزل الخروج من فراشها فقال والدها وهو يمسك يدها يمنعها :رايحه فين؟!
_هنزل أدوّر علي يحيـي يا بابا !
قالتها بكل بساطة ليردف بقوة ويقول:إنتي إتجننتي ؟!تنزلي إزاي ؟! أولاً إنتي مفاتش علي وفاة جوزك الله يرحمه أسبوع ،ثانياً إنتي تعبانه ،ثالثاً بقا و الأهم هتنزلي تدوّري عليه بصفتك إيه ؟!
تراجعت بصمت فأضاف قائلاً:إعقلي كده و متخليش حد يتكلم علينا كلمه ملهاش لزمه .
هكذا أعطاها أوامره و خرج من الغرفه ليتركها هي تائهه تسبح في بحورٍ من ضياع .
~~~~~~~~~~~~~
كانت يُسر تجلس في منزل والدتها شاحبة الوجه ترتسم سيماء الحزن و الندم علي وجهها بوضوح ،جلست والدتها إلي جوارها و تنهدت قبل أن تقول : وبعدين يا يُسر ؟! هتفضلي متعلقه كده لا طايله سما ولا أرض ؟!
دون أن تنظر إليها أطلقت زفرهٍ رتيبه وقالت :هعمل إيه بس ؟! عمٌاله أتصل بالزفته زينب عشان أعرف منها آخر الأخبار مبتردش عليا .
توقفت لبرهه ثم قالت بحماس : أنا عندي فكرة !
هزت والدتها رأسها بتساؤل لتردف الأخري قائلة : أنا هروح بحجة إني أجيب زياد و نور و هناك هشوف الوضع عامل إزاي و إذا كان يحيي موجود ولا لأ
نظرت إليها والدتها بتعجب وقالت :عايزة تخرجي و إنتي تعبانه كده ؟! مينفعش طبعاً إنتي عايزة الناس تقول عليكي إيه ؟!
تأففت بملل وقالت :بلا ناس بلا زفت ،أومال عايزاني أقعد هنا وأنا مش عارفه أنا مصيري إيه ؟!
لتعود والدتها و تنظر إليها قائلة : طب حتي إثبتي إنك تعبانه و متأثرة باللي حصل ،إنما لما تخرجي تاني يوم كده هيقولوا إيه ؟! وبعدين متستعجليش يا خبر النهارده بفلوس بكره يبقا ببلاش.
قاطع حديثهم دخول زوج والدتها يحك ذقنه محدثاً صوتاً غليظ أشبه بالخشخشه و جلس إدعلي حافة الفراش الذي ترقد عليه يُسر و قال محدثاً زوجته : هو مفيش عشا ولا إيه ؟! هتفضلي قاعدة جمب سوسو طول النهار و نضيع إحنا ولا إيه ؟
نظرت إليه يُسر بغيظ و حنق فاضا من عيناها و قالت:قومي يا ماما إعمليله أكل أصل ده لو جاع ممكن ياكلنا .
نظر إليها غير مبالياً و هز رأسه بإستهجان و قال : إلا قوليلي يا سوسو ؟ناويه تقعدي هنا لحد إمتا ؟
نظرت إليه زوجته بإستياء وهي تمنعه عن الإسهاب في حديثهِ بعينان زاجرتان ليتجاهلها و يكمل قائلاً : أقصد يعني هترجعي لجوزك إمتا ؟
راحت يُسر تنظم أنفاسها تأخذ شهيقاً و تزفره ببطء لتمنع نفسها من الإنفعال و قالت : أنا تعبانـه و عايزة أنام .
أومأ موافقاً و نهض واقفاً ثم قال :نوم العوافي يا بنت مراتي ،تصبحي علي خير.
و خرج من الغرفه ليتركها تغلي و تزبد من فرط الغيظ فإقتربت منها والدتها و ربتت علي كتفها بأسف وقالت :معلش يا حبيبتي هو إسماعيل كلامه دبش كده متاخديش علي خاطرك منه ..البيت بيتك يا قلب أمك .
نظرت إليها يُسر بصمت و خانتها دمعه من عينها كانت تجاهد كي لا تسقط وقالت : أنا اللي أستاهل كل اللي بيحصل لي ده يا ماما.
قاطعتها والدتها حيث قالت: متزعليش نفسك يا حبيبتي إنتي معملتيش حاجه حرام ولا حاجه تتكسفي منها ده إنتي إتجوزتي علي سنة الله و رسوله ، وبعدين هو إبليس اللي إسمه سليمان ده هو اللي فضل يحوم حواليكي لحد ما إتجوزك يعني إنتي ملكيش ذنب في حاجه.
نظرت إليها يُسر بفرحه وقالت بأمل:بجد يا ماما ؟تفتكري فعلاً يحيي ممكن يسامحني؟
أومأت والدتها بتأكيد وقالت:طبعاااااا، وهو يقدر يعيش من غيرك إنتي و عياله؟متبقيش عبيطه أوماال ،أومال فين يُسر اللي طول عمرها دماغها توزن بلد !متقلقيش إنتي بس و إن شاء الله هي فتره و تعدي و يحيي مجرد ما يفوق من صدمته هيرجعلك أوام إنتي والعيال.
أومأت يُسر بموافقة وقالت:معاكي حق يا ماما،بس إنتي متأكده من الكلام بتاع جوز خالتي ده ؟
أومأت والدتها أن نعم وقالت: طبعاً متأكده هو أنا هسأل أي حد بردو ،جوز خالتك ده أخوه الصغير بيدرس في الأزهر و سأل شيوخ كتير و كلهم قالوله إن طالما الزوج الأولاني رجع يبقا مراته من حقه بس لما تخلص عدتها من الأولاني و إنتي سقطتي يعني ملكيش عدة يعني ترجعوا لبعض في أي وقت عادي .
نظرت يُسر أمامها بأمل و أومأت بإبتسامه وقالت: إن شاءالله ده اللي هيحصل،أنا عارفه إن يحيي بيحبني و هيسمعلي.
ربتت أمها علي رأسها وقالت:إن شاءالله يا حبيبتي،ياا نامي إنتي و إرتاحي،تصبحي علي خير .
خرجت والدتها من الغرفه بينما ظلت هي تتطلّع أمامها بإبتسامه حالمه وهي تمنّي نفسها بعودة يحيـي قريباً.
~~~~~~~~~~~~
إستيقظ بتعب شديد وهو يشعر بأن أحدهم قد أبرحه ضرباً ليتأوه بشدة وهو يحاول الإعتدال بمجلسه ناظراً حوله بتعجب چم وهو يحاول معرفة هوية المكان المتواصل بهِ قبل أن تقع عيناه علي زجاجات خمر متعدده ملقاه بإهمال في كل مكان بعشوائيه فنهض قائماً يضع يده فوق جبهته بشرود و الأخري تخصّر بها و تمتم بخوف : إيه ده؟!هو أنا هببت إيه ؟
إستمع إلي صوت خطوات أقدام آنيه من مكانٍ ما لينظر حوله فوجد رجلاً أربعينياً وسيم للغاية يقترب مِنهُ فنظر إليه يحيي و قطب حاجبيه مندهشاً في حين بادله الآخر ذات النظرات المتعجبه وقال: إنت مين؟!
نظر يحيي حوله بشرود وقال: إنت اللي مين و إيه اللي جابني هنا؟
نظر إليه الرجل بشك وهو يدنو منه وقال:إنت حرامي ولا إيه؟
نظر إليه يحيي بقوة وقال:حرامي مين يا أخينا إنت فوق كده و إعرف إنت بتكلّم مين.
نظر الآخر حوله و دقق نظره نحو زجاجات الخمر الملقاه أرضاً وقال متذكراً :أيوة أيوة صح ،إنت اللي قابلتك إمبارح عالبحر و ركبت معايا العربيه ...
قاطعه يحيي بإيماءه من رأسه وقال:أيوة فعلاً كلامك صحيح..لا مؤاخذه أنا مكنتش واعي وقتها و دلوقتي كنت ناسي اللي حصل.
إبتسم الرجل ببشاشة وقال :ولا يهمك،حصل خير، وأنا كمان مكنتش مركز إمبارح و كنت متقّل في الشرب و معرفش حصل إيه.
ثم مد يده ليصافح يحيي وقال: أعرفك بنفسي..قاسم عبدالرحمن.
صافحه يحيي بود وقال: يحيـي الهنداوي.
إبتسم قاسم قائلاً : أهلاً بيك يا يحيي إتشرفت بمعرفتك.
بادله يحيي الإبتسام وقال وهو ينحني ليلتقط سترته من علي الأريكه : الشرف ليا و آسف على الإزعاج.
قاطعه قاسم قائلاً :لا طبعاً مفيش إزعاج ولا أي حاجة،إنت رايح فين؟
أجابه يحيي بهدوء:هستأذن أنا بقـا ...
ليقاطعه قاسم قائلاً:لا طبعاً مش قبل ما نفطر مع بعض.
إبتسم يحيي ببشاشة وقال: معلش إعذرني لازم أمشي.
_يا عم هتمشي تروح فين بس؟
إستوقفته تلك الكلمات و إنتبه لسؤال قاسم ليتسائل بداخله "أين سأذهب حقاً؟!"فأعاد النظر نحوه و ضحك بخفه وقال:مش عارف والله .
إبتسم قاسم بلطف و إقترب منه ليجلس بأريحيه علي الأريكه و يشير له بالجلوس قائلاً: إقعد إقعد إنت شكلك حكايتك حكاية .
جلس يحيي مستسلماً و شرد أمامه وقال بعد أن أطلق تنهيدةً محمّله باليأس :لا حكاية ولا روايه ،عادي.
نظر إليه قاسم بتفحّص ثم قال : عادي إزاي بقا ده إنت شكلك شايل كتير ..زيي كده.
قال الأخيره متهكماً يسخر من حاله فنظر إليه يحيي و إبتسم قائلاً : أوقات كتير بيبقا الواحد شايل في قلبه ياما مبيقدرش يحكيه،لا في طاقه يحكي و لا عايز حد يواسيه و يقولله معلش حتي ،بيبقي كل اللي عايز يعمله إنه ينسي و يا سلام لو يفقد ذاكرته و يرجع لنقطة البدايه كإنه لسه مولود دلوقتي حالاً..يسلاااااام راحه مجربتهاش إنت .
تسائل الآخر ضاحكاً وقال :علي أساس إنك إنت اللي جربتها؟
أومأ يحيى موافقاً وقال:أيوة جربتها سنه كامله،كنت عايش مَلك،بس كنت غبي مش مقدر قيمة النعمه اللي أنا فيها.
نظر إليه قاسم مطولاً وقال:مش بقوللك حكايتك حكايه!إنت شغال إيه يا يحيـي؟
أجابه يحيي بهدوء وقال:إحنا تجار قماش أصلاً أباً عن جد،كل واحد مننا أنا و إخواتي كان له محل،بالرغم من إني معايا بكالوريوس تجارة و كان طموحي غير كده خاالص بس والدي أصَرّ إني أكون تاجر زي إخواتي.
أومأ قاسم متفهماً وقال بغتةً: تشاركني ؟
نظر إليه يحيي متعجباً وقال:أشاركك؟!إزاي مش فاهم؟
إعتدل قاسم بمجلسه و بدأ حديثه قائلاً: أنا عندي شركة إستيراد و تصدير..يعني مجالك..حابب تدخل شريك بالخبرة و المجهود تمام،حابب تدخل شريك بالمال و الخبره و المجهود تمام،اللي يريحك و يناسب إمكانياتك ،و نكبر الشركه أنا و إنت و بدل ما يبقا فرع يبقا فروع...إيه رأيك؟!
نظر إليه يحيي شارداً حيث كان يحاول لملمة شتات نفسهِ و التركيز بحديث الآخر فقال: معلش إعذرني أنا حالياً مش مركز ولا قادر أستوعب حاجه،سيبني فترة أفكر و هرد عليك إن شاءالله.
أومأ قاسم موافقاً وقال:اللي تحبه طبعاً و أي قرار تختاره أنا معاك فيه،بس نصيحه مني الشغل هو اللي هينسيك كل حاجه و يخليك تقدر تقف علي رجليك من تاني.
أومأ يحيى بتأكيد ليضيف و يقول: بإذن الله هفكر في الموضوع بجدية و هرد عليك في أقرب وقت.
ثم نهض واقفاً لينظر إليه قاسم ويقول: رايح فين تاني؟
_معلش لازم أمشي..كفايه الإزعاج اللي عملتهولك إمبارح .
=لا أبداً ولا إزعاج ولا حاجه،وبعدين حتي إستني نفطر سوا ولو مصمم تمشي بعدها إبقا إمشي.
أومأ يحيى موافقاً و جلس من جديد منصاعاً خلف حديثه.
....................
كانت تجلس إلي جانب صافيه وهي تقوم بمهاتفة زينب حيث كانت تنقل لها آخر التطورات التي طرأت عليهم منذ عودة يحيي فقالت: من يوم ما رجع منعرفش عنه حاجه يا صافيه..كإنه فص ملح و داب والله..أبوه هيتجن عليه و قدوره كل يوم ينزل يستناه في الجامع علي أساس إنه جاي أو هييجي و بيرجع مهموم و حزين..حتي عياله كل شويه يسألوا عليه و زياد إبنه مش مبطل سؤال عنه و كل شويه يسأل جده و يقوله هو بابا راح فين تاني..و اللي زاد و غطي سليمان كمان مش عارفين له طريق جُرٌه من يومها طلع بعربيته مرجعش البيت و محدش عارف هو فين.
تنهدت صافيه بضيقٍ شديد وقالت: هيكون فين بس؟!أنا قلقانه عليه والله لو ينفع أنزل أدور عليه هعمل كده .
قالت زينب بتعجب:بعد كل اللي شوفتيه منه يا صافيه و لسه بتفكري فيه؟!
قاطعتها صافيه بحنق وقالت: بتقولي إيه إنتي كمان أنا قصدي علي يحيي..طيب و يُسر أخبارها إيه بعد موت البيبي؟
أجابت زينب ببساطة و هدوء: هي دي بتتهد ولا بتزعل علي حاجه،أهي من يومها وهي متلقحه عند أمها.
تنهدت صافيه بسأم وقالت: ربنا يعديها علي خير و يسترها معاه و يرجع بالسلامه.
_,ياااارب.
تمتمت بها زينب وقالت:غزل عامله إيه؟
نظرت صافيه إلي تلك الباكيه صاحبة الوجه الهزيل التي تجلس إلي جانبها وقالت:, هتعمل إيه ،الحمدلله علي كل حال
=سلمي عليها كتير و هبقا أكلمك وقت تاني.
أنهت صافيه الإتصال لتنظر إلي غَزل والتي كانت تبكي بحرقةٍ وقالت: يعني بعد ما يرجع و أقول أخيراً رجع يختفي تاني و بالشكل ده؟!
ربتت صافيه علي رأسها و جذبتها إلي صدرها تهدئ من رَوْعِها وتقول: معلش يا حبيبتي كله مقدر و مكتوب،ربنا يكون في عونه يحيي مصيبته كبيره.
نظرت غَزل إليها وقالت و العشق يفيض من عيناها: تفتكري هيرجع يا عمتو؟لو مرجعش المره دي أنا هموت فيها بجد.
أومأت صافيه بتأييد وقالت:أكيد هيرجع أنا متأكده..بس متأكده كمان إنه هيرجع واحد تاني خالص،يحيي علي قد ما كان طيب و هادي بس لو حد ظلمه مبينساش أبداً و هو متظلمش من واحد بس ،ده إحنا كلنا ظلمناه بموافقتنا علي الجوازه دي.
_وإنتي ذنبك إيه يا عمتو؟إنتي إنضحك عليكي و أكتر واحده إتظلمتي في البيت ده و بسبب الجوازة دي.
تنهدت صافيه بحزن وقالت:ذنبي إني كنت سلبيه..في أوقات كتير يا غزل مينفعش تتنازلي عشان خاطر حد حتي لو الحد ده أقرب حد ليكي،لإنك متعرفيش هتدفعي تمن تضحيتك و تنازلك ده إيه! لازم تعرفي إن القلوب بتتقلب و محدش ضامن اللي قدامه ده لو بيحبه و روحه فيه النهارده،بكره هيبقا شعوره إيه من نحيته..فإنتي مهما كان مينفعش تقدمي حاجه فوق طاقتك و إحتمالك لإن ممكن ييجي اليوم اللي تندمي فيه علي تضحياتك دي و تقولي زيي كده يا ريتني مت قبل ما أوافق على حاجه زي كده..لإن في النهايه مهما تعملي مش هترضي الناس ولا حد هيقدر اللي عملتيه عشانه ولا حتي هيشيلوهالك جِميله..يبقا إنتي تعملي اللي تقدري عليه و بس و إووعي في حياتك مرة تضغطي علي نفسك ولا تجبريها عشان خاطر حد .محدش يستاهل!
أومأت غزل بموافقه و إقتناع عندما إختتمت صافيه حديثها النادم بتنهيدةٍ يائسه بينما شردت الأخري بحديثها وهي ترجو الله في نفسها بأن يعود سريعاً.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانوا جميعاً يجلسون حزاني شاردون،يفكرون بما يحدث حولهم من أحداث متلاحقه..عودة يحيي و من ثَمّ إختفائه مرة أخري،غياب سليمان أيضاً و الذي زاد من حيرتهم و قلقهم.
_مفيش أخبار عن إخواتك يا قدورة؟!
تسائل الأب حيث كان يجلس متكئاً بكلتا يداه علي عصاه كعادته يستند عليها ليقول عبدالقادر:مفيش يابا..سليمان مبيفتحش المحل ولا بيروح عند حد من معارفه و حتي كان في بضاعة المفروض هو اللي يستلمها لسه في المصنع،و يحيي كإنه فص ملح و داب محدش عارف عنه حاجه....
بتر حديثه عندما إستمع إلي طرقات علي باب المنزل فقال محدثاً إبنه:شوف مين يا سيف.
فتح إبنه الباب لينظر إليهم بفرحه ويقول:ده عمو يحيي.
دخل يحيي و إحتضن الصغير مربتاً على رأسه كعادته السابقه لينهضوا جميعاً راكضين نحوه قبل أن يستوقفهم بإشارةٍ من يده ويقول:زي ما إنتوا.
توقف والده متعجباً و نظر نحوه بتفحص فقال وهو يتلاشي النظر لأبيه:أنا مش جاي أقعد..أنا جاي أقولكوا كلمتين و أمشي.
تجاهل والده حديثه و إقترب منه أكثر و وقف أمامه قائلاً بهدوء:هتتكلم و إنت واقف يبني؟
نظر يحيي أرضاً وقال:معلش،هما كلمتين عالسريع و همشي..لو سمحتي يا أم سيف تلبسي نور و زياد و تجهزي حاجتهم.
نظروا جميعاً لبعضهم البعض بتعجب وقال والده:ليه إنت عايز حاجتهم ليه؟!إنت ناوي علي إيه بالظبط؟
نظر إلي والده بقوة وأضاف قائلاً:ناوي آخد عيالي و أمشي،إيه حد عنده إعتراض؟
دنا منه شقيقه وقال مستفهماً:تاخدهم و تمشي إزاي يا يحيي؟ تمشوا تروحوا فين؟
_أي مكان بعيد عن هنا هيبقا أحسن ليا و ليهم،و أظن هما مش محتاجين غيري دلوقتي.
هكذا خرجت تلك الكلمات الحادة من فم يحيي ليقول والده محاولاً تهدأته:إصبر بس يبني و إستهدي بالله..هتروح فين و تسيب بيتك؟وبعدين ذنبهم إيه العيال يتبهدلوا؟
نظر إليه يحيي وقال:ذنبهم إنهم عيالي..و مضطرين يستحملوني سواء حلو أو وحش..و أنا مصمم أخدهم معايا مطرح ما أروح حتي لو هموت أنا و هما هيكون أحسن ليهم من إني أسيبهم وسطكوا .
تفاجأ والده بتلك الكلمات ليقول بصوتٍ مختنق:كده يا يحيى؟ده كلام يتقال يبني؟إنت مش مصدق إني وافقت عشانهم؟
قاطعه يحيي بغضب عاصف وقال:لو سمحت يا حج بلاش كلام في الموضوع ده..أنا قفلت الموضوع ده بالضبه و المفتاح..و مش هقبل فيه أي أعذار أو حجج ملهاش لازمه..إنت بالذات كان بإستطاعتك تربي عيالي و تصرف عليهم بدل ما تجوز أمهم لإبنك.
قال والده بحزن:خوفت يا يحيي،مراتك كان بيتقدملها كل يوم و التاني راجل شكل و خوفت تتجوز و تاخد العيال أو العيال يروحوا لأمها و أتحرم منهم...
قاطعه يحيي مجدداً وقال متهكماً:ده كلامه مش كده؟!هو اللي أقنعك بكده عشان تبارك الجوازة!و إنت طبعاً وافقت و قولت تضرب عصفورين بحجر..عيال ابنك يبقوا معاك و أهو فرصه إبنك التاني يخلف و يبقي له عيال و أهو الله يرحم اللي مات.
أومأ والده بنفي وقال: أبداً والله يبني،والله ما فكرت في حاجه أبداً غير فيك و في عيالك.
أومأ يحيى برأسه بهدوء وقال:مبقاش ييجي منه يابا،اللي حصل حصل خلاص..و أنا روحت المحكمه النهارده و ثبت إني لسه حي أُرزق و سألت في دار الإفتاء و قالولي إنها رجعت لعصمتي.
تسائل أخيه بترقب وقال:و إمتا هترجعها؟
أجاب بإقتضاب:مش هرجعها.
فقالت زينب بفضول:هتطلقها؟!
أومأ موافقاً وقال:طلقتها!
تهللت أساريرها و إبتسمت بحماس لم تستطع إخفاؤه ليقول والده:وهي خدت خبر بالكلام ده؟
_ورقتها هتوصلها النهارده إذا مكانتش وصلتها.
قال والده بحزن:طب والعيال؟!هتسيبهم لها؟
نظر إلي والده بقوة و صرامه وقال:عيالي مش هسيبهم لحد قولت،هيفضلوا معايا أنا غصب عن عنيها و عنين التخين.
و تابع بصوت جهور:يلا يا زينب هاتي حاجتهم خلينا نمشي.
أومأت زينب بموافقة و أسرعت علي الفور تقوم بتجهيز أغراض الصغار بينما نظر يحيي إلي أبيه وقال:أنا عايز فلوسي.
قطب والده حاجبيه بتعجب وقال:الفلوس كلها تحت رجليك يبني،شاور و خد اللي إنت عايزه.
أضاف بنبرةٍ جامده:أنا مش هاخد حاجه زياده ولا حاجه مش من حقي،أنا عايز فلوسي اللي إشتغلت بيها من يوم ما وعيت ع الدنيا و نزلت السوق..و عايز ال ٢٠٠ ألف اللي عند سليمان اللي كان واخدهم مني عشان شقة القاهرة.
برز صوت عبدالقادر حيث قال:حقك يا يحيي..متقلقش أنا هتصرف في الموضوع ده و فلوسك كلها هتبقا عندك في ظرف يومين.
أومأ موافقاً ليقول والده: إنت ناوي علي إيه يا يحيي؟
نظر إليه يحيي وقال:ناوي علي كل خير..ناوي أشوف حياتي و أبدأ من جديد.
زفر والده بتعب وقال:ربنا ييسر لك امرك يبني..و هترجع إمتا تعيش وسطينا؟
إبتسم يحيي متهكماً وقال:مبقاش ينفع يابا..البيت ده مبقاش يسعنا احنا الاتنين.. وأنا هقدر أصرف أموري إنما هو ملوش مكان تاني يعيش فيه.
قال عبدالقادر: هو من يومها و إحنا منعرفش عنه حاجه..أكيد مش عارف يواجهك و مكسوف منك..صدقني يا يحيي.......
قاطعه يحيي ناهياً ذلك الحوار وقال: وليه متقولش إنه متأثر بموت إبنه اللي كان مستنيه و كلها يومين ويرجع تاني؟! مفيش حاجه اسمها مكسوف يا عبدالقادر..اللي إختشوا ماتوا.
ألقي بكلماته بقوة و ذهب ليحمل حقائب الأغراض الخاصه بأطفاله و إصطحبهما ليخرج من الباب فإستوقفه والده قائلاً بلهفه:هنشوفك تاني إمتا يا يحيي؟
نظر إلي والده وقال: هاجي يابا..متقلقش!
خرج برفقته أطفاله و إستقلّ سيارة قاسم الذي كان ينتظره بالخارج فقال مرحباً بالأطفال: أهلاً أهلاً يا حلوين..هاتي بوسه.
قالها مقبلاً نور التي منحته إبتسامةً واسعه ثم قال مخاطباً يحيي:هاا عملت إيه؟
قال يحيي بإقتضاب:بلغتهم باللي حصل و جبت حاجة زياد و نور .
أومأ قاسم موافقاً وقال: بلغتهم إنك طلقتها؟
أومأ يحيى موافقاً وقال: أيوة قولتلهم..معلش يا قاسم هنتقل عليك أنا و الولاد علي ما الفلوس تيجي و أشتري شقه.
نظر إليه قاسم بعتاب وقال:متقولش كده يا يحيي إنت زي أخويا الصغير،وأنا قولتلك القدر هو اللي وقعك في طريقي و وقعني في طريقك،يعني لبسنا يا معلم.
قالها ممازحاً إياه ليبتسم يحيي بخفه فقال له:روق كده..أهم حاجة إن عيالك معاك و الباقي يتعوض.
أومأ بتأكيد و إحتضن طفليه بشده يعوض فقدانه لهما طيلة الأيام الماضية.
~~~~~~~~~~~~~
كانت تقف أمام مرآتها تستعد للمغادرة قبل ان تدخل والدتها الي غرفتها و تتسائل قائلة:أومال انتي رايحه فين يا يُسر؟
برز صوت زوجها من خلفها يقول:جايز زهقت من القعده و نزلت تدور علي شغل.
رمقته يُسر بضيق و إشمئزاز وقالت لوالدتها:رايحه أجيب عيالي يا ماما.
قال زوج والدتها قاصداً إثارة غضبها و حنقها:رايحه تجيبي عيالك بردو ولا تطمني علي حبيب القلب.
تجاهلته ونظرت إلي والدتها وقالت: لازم أشوف أخرة اللي أنا فيه ده إيه يا ماما..نور و زياد هما آخر أمل قدامي و الحاجه الوحيده اللي هترجعلي يحيي..مش هتأخر هجيبهم و أجي أوام..حضري المكرونه و البانيه لزياد علي ما نرجع.
قالت الأخري بإبتسامه ليقول إسماعيل:حيلك حيلك..بتتشرطي كده ولا كإنك قاعده في فندق خمس نجوم.
ثم حك ذقنه قائلاً:هو مش الأكل ده يلزمه فلوس ولا البعيده مبتشوفش..ده حتي علي رأي المثل،اللي ميشوفش من الغربال يبقي أعمي!
نظرت إليه يُسر بغضب شديد وقالت: أما قليل الذوق بصحيح..عالعموم أنا هجيب فلوس من جد زياد و نور وأنا جايه و هصرف علي نفسي و عيالي..ربنا ما يحوجنا لأمثالك.
أومأ ساخراً وقال:ماااشي..مقبوله منك يا بنت مراتي..بس زودي المعلوم شوية ألّا العيشه غليت.
لم تجيبه و إنصرفت مغادرة علي الفور في طريقها نحو منزل عائلة الهنداوي.
~~~~~~~~~~~
وصلت أمام المنزل لتطرق الباب بأيدي مرتجفه من فرط التوتر فإنفرج الباب لتظهر زينب من خلفه التي تفاجأت بقدومها فنظرت إليهم بالداخل وقالت:دي يُسر.
ثم نظرت إلي يُسر بإبتسامة مصطنعه وقالت : يا خساره حظك زفت...
نظرت إليها يُسر بتعجب لتستطرد حديثها وتقول:أصل يحيي كان هنا و لسه ماشي حالاً.
إهتز قلبها بين أضلعها و تسارعت نبضاته لتتمتم بذهول:يحيي؟!بجد؟!
أومأت زينب برأسها أن نعم ولم تنطق فدخلت يُسر تمشي علي إستحياء و ألقت تحية السلام بإقتضاب ثم قالت :أومال نور و زياد فين؟!ناموا بدري كده؟
نظر إليها "علي" وقال: عيالك مع أبوهم يا يُسر.
ضيقت عينيها بإستفهام وقالت:مع أبوهم فين؟
تولّت زينب مهمة إخبارها وقالت:يحيي خدهم و خد هدومهم و كل حاجتهم كمان.
إعترتها الصدمه و نظرت إليهم واحداً تلو الآخر بذهول و قالت:خدهم إزاي يعني؟و خدهم علي فين؟
رفعت زينب كتفيها بجهل ليجيبها عبدالقادر قائلاً:منعرفش يا يُسر خدهم علي فين..كل اللي نعرفه إنهم هيفضلوا معاه.
_طب وأنا؟
تسائلت بلهفه وأضافت:أقصد أنا موقفي إيه يعني من كل ده؟
هنا نطق "علي" قائلاً: المحكمه حكمت برجوعك لعصمة يحيي...
أغتر ثغرها عن إبتسامة عريضه لتنقشع بغتةً عندما أضاف: و يحيي طلقك!
تجهم وجهها بقوةٍ و كادت الدماء أن تنفجر من عيناها وقالت بصوت متقطع:طلقـ...طلقني إزاي يعني؟!
أجابتها زينب بشماتة وقالت:طلقك في المحكمه و ورقتك هتوصلك قريب.
تملّكتها الصدمه و شعرت بأن الأرض تميد بها و إبتلعت لعابها بصدمه ثم نظرت لهم تباعاً وقالت: هو يحيي اللي قال إنه طلقني فعلاً؟يعني هو معدش عاوزني؟؟!
أومأ عبدالقادر بأسف وقال:يحيي إتغير يا يُسر..الصدمه خلته إنسان تاني خالص..حتي مع أبوه.
نظرت إليه وقد سالت دمعاتها وقالت: طب و إنتوا مدافعتوش عني ليه؟!كنتوا قولوا له إنه غصب عني و إن سليمان اللي فضل يزن عليا لحد ما وافقت.
نظرت إليها زينب بصدمه و تعجب و تمتمت بصوت خافت:يخرب بيت شيطاانك!
تابعت يُسر ببكاء حار:أنا دلوقتي ذنبي إيه؟!إنتوا عارفين إني كنت بعشق التراب اللي يحيي كان بيمشي عليه.
نظر إليها "علي" وقال: والله يا بنتي منا عارف أقوللك إيه..أنا ذات نفسي مبقيتش فاهم حاجه..ولا بقيت عارف مين الظالم و مين المظلوم..كل اللي أقدر أقولهولك ربنا يعينك.
خارت قواها و أجهشت بالبكاء وقالت:طيب و زياد و نور ذنبهم إيه يتحرموا من أمهم؟هو يحيي ناوي يعاقبني بيهم هما كمان؟
نظرت إليها زينب بملل وقالت ببرود: والله يا يُسر إحنا منعرفش يحيي ناوي علي إيه بالظبط..هو جه خد عياله و مشي أوام.
و أضافت: أجيبلك كرسي تقعدي ولا هتمشي؟
نظرت إليها يُسر مطولاً حيث كانت زينب تبادلها النظرات بتحدٍ ثم إنصرفت مغادرة بصمت
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على أسم الرواي