Ads by Google X

رواية المعلم الفصل الثالث عشر 13 بقلم تسنيم المرشدي

الصفحة الرئيسية

   رواية المعلم الفصل الثالث عشر بقلم تسنيم المرشدي

رواية المعلم الفصل الثالث عشر

 أسند رأسه علي الجدار ووقف يتابعها في صمت ، مر عشر دقائق علي وضعهم ولم يتغير شئ ، لا يدري كيف لصوتها أن يؤثر به ويشعر بالسكون يعم قلبه ، وكأنما بات الكون خالياً عدا صوتها الناعم الذي تتلو به ، تنهد براحة ثم ولج الي الداخل بعد أن حمحم لكي يثير انتباها ، بينما خطفت عنود نظرة سريعة عليه ومن ثم أغلقت القرآن ووضعته بجوارها ورفعت بندقيتاها عليه لكن سرعان ما انزلتهم من فرط خجلها منه ، ما الذي حدث لم تكن هكذا منذ دقائق ، حاولت مراراً لكن قدرتها أقل من أن تنظر لعيناه الآن !

_ شعرت بتوتر شديد يعصف بها ، فقط تريد الاختباء منه لا تدري لما لكن حتماً ستنتهي طاقتها علي التماسك ما لم يغادر سريعاً ، سحبت نفساً عميق وأردفت بينما لم تُبعِد نظريها عن يديها التي تفركهم بشدة :-
_ حضرتك عايز حاجة ؟

_ جلس ريان علي طرف الفراش وقال بعدما سحب هو أيضا نفسا عميق :-
_ أنا عارف اني اجبرتك علي الجواز كان ممكن تتحل بطريقة تانية بس انا وقتها مقدرتش اشوفهم بيعملوا كده في...

_ صمت ريان لبرهة ثم تابع قائلا :-
_ أنا مش بحب أشوف حد بيتأذي قدامي واسكت يمكن لأني في فترة من حياتي احتجت لايد تتمد لي وملقتش أو يمكن دي فِطرة فيا مش عارف بس برده كنت شايف الرفض في عيونك وتصرفاتك علي ياسر ، هتصدقي لو قولتلك كنت عايزك تقوليلي مش عايزاه وانا بنفسي كنت هخلص الموضوع من غير شوشرة بس انتي سكتي ورغم كده كان رفضك بيظهر أكتر في كل ثانية بتمر ، نظرتك ليا لما قولتلك أن المأذون جه حتي لمعة عينك لما أتأخر مش قادر أنساها ويمكن ده كان دافع اني أعمل كده ،

_ صمت وهو يرمقها ثم سحب نفساً عميق وهتف وهو يحك ذقنه :-
_ أو مش عارف أنا مش لاقي سبب معين ، عموماً أنا مش عايز أجبرك تاني علي حاجة انتي لو عايزة تمشي ، أنا هطلقك و هساعدك كمان انتي في الآخر في مقام بنت عمي ولو كنت اتجوزت بدري شوية كنت خلفت واحدة قدك !

_ ماذا ؟ رفعت عنود بندقيتاها عليه متأثرة بآخر ماا أردفه وعلامات التعجب ظاهرة علي وجهها اهو يراها صغيرة إلي هذا الحد ؟ تنهدت مستاءة ثم سألته بعفوية :-
_ هو حضرتك عندك كام سنة ؟

_ ابتسم ريان وأجابها بمزاح :-
_ ٣٤ سنة ، راجل كبير صح !

_ هزت رأسها بإنكار وهتفت بعفوية :-
_ لا خالص مش باين عليك

_ رفع ريان حاجبيه مُشكلاً إبتسامة علي ثغره وقال :-
_ ماشي هعمل نفسي مصدقك

_ صمت كِلاهما ثم قاطعت هذا الصمت عنود بعد أن زفرت أنفاسها بتردد وأردفت بثقة :-
_ بس حضرتك مأجبرتنيش علي حاجة أنا كان ممكن أرفض وأصمم علي رفضي بس انا بصراحة مش لاقية سبب معين ، بس يمكن النهاردة عرفت !

_ ضيق ريان عينيه عليها وتسائل بفضول :-
_ عرفتي ايه ؟

_ تنهدت عنود وقالت وهي تفرك أصابعها بخجل وهتفت مختصرة :-
_ تدبير ربنا !

_ عقد ريان حاجبيه وهو يومأ رأسه بعدم فهم وردد متسائلا :-
_ تدبير ربنا ! ازاي ؟

_ ابتلعت هي ريقها وأجابته أسفل إصرار منه :-
_ مش عارفة يمكن مع الوقت نعرف ..

_ ازدادت غرابته من إجاباتها المبهمة التي يواجهها دوماً ، لم تكن كـ غيرها هي فريدة من نوعها عقلية ناضجة للحد الذي لم يصل هو إليه حتي ، إذاً ماذا الآن ؟

_ نهض ورمقها بحرج ثم أردف متسائلا بإتمام :-
_ تحبي تاكلي حاجة معينة ؟

_ أماءت رأسها بنفي وقد توردت وجنتيها بالحُمرة خجلاً منه فأثارت هي ابتسامته لحيائها ووهتف :-
_ هطلب لينا آكل وهقعد تحت في شقتي عشان تكوني علي راحتك لو احتجتي حاجة كلميني

_ أماءت رأسها بطاعة ثم أولاها ريان ظهره وهم بالخروج ، تبعته هي بخطي سريعة وأسرعت بسؤالها قبل أن يغادر :-
_ هو حضرتك بقيت احسن ؟

_ التفتت إليها متعجباً من اهتمامها الذي لمس قلبه وحرك به شيئاً ما لا يدري ماهو لكنها لمست شعور الحاجة الذي يفتقده كثيراً ، كم شعر بالسعادة التي لم يتحلي بها منذ زمن ، ابتسم وأجابها مختصراً وهو يتفحص ملامح تلك الصغيرة بإهتمام :-
_ أحسن

_ ابتسمت عنود ابتسامة عذبة ذاب قلبه أثرها ووقع بين قدميه من فرط نبضاته المتزايدة ، لم يشعر بالابتسامة التي تشكلت علي ثغره بلا وعي منه بينما أردفت هي بنبرة راضية :-
_ الحمد لله يارب ديما في أفضل حال

_ اتسعت ابتسامته ولكنها تختلف الآن فهو يعي ما يفعله ويُدرك تماماً أن ابتسامته ناتجة عن شعوره الغريب الذي تسلل الي قلبه لابد وأنه شعور أقوي من السعادة لكي يجعل ابتسامته تظهر في مثل تلك الأثناء

_ شعرت بالحرارة المنبعثة من وجهها أثر نظراته المُثبتة عليها وفرت هاربة من أمامه سريعاً وولجت داخل غرفتها وما أن أوصدت الباب حتي وقفت خلفه تتنفس الصعداء ، بينما زاد ثغر ريان اتساعاً لغريبة الأطوار تلك ثم دلف للخارج وقام بطلب وجبتي غداء لهما وهبط للاسفل في إنتظار وصولهم ..
___________________
_ وبعدين يا منصور إبنك بقاله يومين منعرفش عنه حاجة وانا قلبي مش مطمن خايفة يكون حصل له حاجة لا سمح الله واحنا مش دريانين ( عارفين ) بيه !
_ صاحت بهم سعاد بنبرة متوجسة علي فلذة كبدها بينما أجابها منصور بجمود وهو يضع قدم علي الأخري :-
_ إبنك مش صغير يا سعاد واللي حصل أكيد هيعصيه علينا شوية يومين كمان ومسيره يرجع لنا هو يعني هيصرف ازاي وهو مختفي كده ويلا قومي حضري لنا لقمة عشان انا جعان

_ توقفت سعاد عن السير بعدما كانت تجوب الغرفة ذهاباً وإياباً ورمقته بنظرات مشتعلة لجمود ردوده عليها وعدم اكتراثه لشأن والدهُ الوحيد وصاحت به هدراً :-
_ انت جايب البرود ده منين يا راجل ، بقا إبنك الوحيد منعرفش عنه حاجة وانت عايز تاكل !

_ نهض منصور بعصبية شديدة وأمسك ذراعها وصاح بها مندفعاً :-
_ صوتك يوطي وانتي بتتكلمي معايا وقبل ما تندبي وتقرفيني بإبنك افتكري أنك السبب يعني تحطي لسانك جوة بوقك وتخرسي خالص مش ناقص صداع !

_ دفعها بعيداً عنه وتوجه نحو الباب وهو يتمتم بالسُباب ويلعن تلك العيشة التعيسة ثم غادر المنزل وتركها تبكي وتتحسر علي حالتهم بمفردها ..
____________________
_ جذبها من ذراعها وأجبرها علي الجلوس علي الفراش ووقف أمامها وتسائل بنبرة جدية صارمة :-
_ ريان يقصد ايه بإنك قولتي نص الكلام هو في حاجة أنا معرفهاش ؟

_ سحبت رنا نفساً عميق ثم قالت بتلعثم وهي تهرب بنظريها بعيداً عنه :-
_ ها ، حاجة ايه ، لا مفيش ، قصدي يعني فيه انا كنت جامدة معاه شوية وكلمتين طلعوا مني وقت غضب بس هو ده اللي حصل ،

_ تنهد هاني ببعض الراحة الذي يريدها هو وأردف وهو يجلس بجوارها :-
_ مفيش بعد كده كلام معاه تاني تمام !

_ أماءت رنا رأسها بطاعة مزيفة وهي تلعنه بداخلها ثم نهضت قائلة ببراءة زائفة :-
_ هحضرلك حاجة تاكلها أكيد جعان

_ تقوس ثغر هاني بإبتسامة لنبرتها الرقيقة الذي يفتقدها ثم نهض هو الآخر ولمس وجهها الناعم بأنامله ومال برأسه بالقُرب من شفاها ليجرفه تيار اشتياقه لها الذي طال البُعد بينهم لفترة إلي أن غاص معاً في عالمهم الخاص أو ربما عالمه هو فقط ..
___________________
_ سمع إلي طرقات خفيفة علي باب شقته ما إن أغلقه لتوه ، عاد بأدراجه إليه وفتحه فإذا به شقيقه الصغير يحيي ، ابتسم له وأردف بهدوء :-
_ تعالي يا يحيي

_ تعجب يحيي من ابتسامته فهو علي علم أنه غاضب ومن الصعب رؤية ابتسامته في تلك الأثناء ، إذاً لمن ذاك تأثير القوي عليك يا ريان ؟

_ عقد ريان حاجبيه بغرابة عندما رأي نظرات أخيه
المسلطة عليه بذهول وسأله وهو يشير بيده أمام وجهه لكي يلفت انتباهه :-
_ روحت فين كده ؟

_ خرج يحيي من شروده ورفع حقيبة الأدوية واجابه قائلا :-
_ ها لا مفيش بس كنت جايب لك الأدوية

_ اخذها منه ريان وجلس علي الأريكة وعاد بظهره للخلف مستند علي حافتها وهتف متسائلاً :-
_ هي كُليتك هتبدأ أمتي ؟

_ سار يحيي نحوه وجلس هو الآخر بالجهة المقابلة له واجابه بنبرة جدية :-
_ كمان اسبوعين

_ أماء ريان رأسه بتفهم وجذب هاتفه وقام بالاتصال علي إحدي المطاعم وطلب وجبتين أسفل أنظار يحيي المتعجبة من تصرفاته التي تبدو غريبة بعض الشئ

_ استأذن يحيي وهم بالمغادرة بينما هاتف ريان زوجته دينا ،
_ انتظر قليلا ثم سمع ردها المندفع :-
_ طلقني يا ريان !

_ تنهد ريان بضيق وحاول أن يبدو طبيعياً وأردف :-
_ اعقلي يا دينا وبلاش تخربي بيتك بإيدك أنا من أمتي بصيت لواحدة غيرك بلاش هبل الستات ده يطلع عليكي دلوقتي أنا بجد مش قادر استحمل ضغوط اكتر من كده انا محتاجك تكوني جنبي ..

_ كانت تصغي له وتزداد في نحيبها بألم شديد مع كل حرف ينبس به هي تريده وبشده لكن كرامتها لا تسمح بتقبل الأمر بتلك السهولة ، أخرجت تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم والحسرة وهتفت بنبرة حادة :-
_ أنا هبلة يا سيدي بس مش هرجع طول مافي واحدة علي زمتك غيري ، انت أصلا تلاقيك مبسوط بيها وهتتخلي عني أنا عشانها

_ نهض ريان بعصبية وصاح بها مندفعاً وهو يركل بقدمه إحدي المزهريات :-
_ دي عيلة يا دينا مجبتش عشرين سنة إزاي قادرة تحطي نفسك في مقارنة معاها ، المفروض انك أعقل من كده جبتي التفكير الغبي ده منين هو انتي لسه هتعرفيني الوقتي ، اومال لو مكنتيش بنفسك حاضرة اللي حصل وعارفة سر الجوازة دي كنتي عملتي ايه ؟

_ ازداد نحيبها بكثرة وأجابته بنبرة متلعثمة :-
_ متتكلمش عن العقل وانا في واحدة مشركاني فيك أياً كانت الأسباب ، أنا أصلا معتش فيا عقل حاسة اني هتجنن خلاص مش قادرة استوعب أنك اتجوزت وكمان هي اللي في البيت وانا اللي برا !

_ نفخ بضجر بائن وأبعد الهاتف عنه وحاول كبح غضبه الذي ود لو يثور عليها لكنه تماسك قدر المستطاع ، سمع الي طرقات الباب وأردف بهدوء :-
_ اهدي كده ونتكلم بعدين لما عقلك يكون رجع مكانه ، سلام

_ أغلق الهاتف ثم توجه نحو الباب بغضب وقام بفتحه ، تفاجئ بها أمامه تقف علي استحياء شديد ، ارتخت تعابير وجهه كما استشعر خجلها وتسائل بإهتمام :-
_ محتاجة حاجة ؟

_ أماءت رأسها بالايجاب ورددت بخجل صريح :-
_ محتاجة شنطتي !

_ أمرها بالدخول لكنها أبت وفضلت الوقوف مكانها بينما دلف هو للداخل وأحضر حقيبتها ، مدت هي يديها لتُمسك بها لكنها تفاجئت بيده مازالت علي الحقيبة ، سحبت يدها سريعاً ثم أسرعت خطواتها للأعلي ، تقوس ثغر ريان ببسمة كعادته علي تصرفاتها وهم بالصعود خلفها
_ وضع الحقيبة بداخل المنزل وشعر بإهتزاز هاتفه الموضوع علي وضعية الصامت ، أجاب علي المتصل قائلا :-
_ تمام أنا نازل حالاً

_ أوصد الباب خلفه وهم بالهبوط لكي يحضر الطعام الذي طلبه لهما ، بينما أدخلت عنود الحقيبة الي الغرفة وقامت بفتحها سريعاً لكي تنعم بحمام دافئ وتبدل ثيابها التي باتت عليها لـ يومين كاملين بثياب أخري نظيفة ،

_ سحبت منشفة كبيرة وأخري متوسطة لكي تجفف خصلات شعرها وأسرعت نحو المرحاض ، أدارت مقبض المغطس الرخامي لتنسدل قطرات المياه الدافئة أعلاها ، أغمضت عينيها لتسمح لجسدها بالاستمتاع بالمياه التي اشتاقت إليها كثيراً ،

_ أخذ ريان الطعام ودفع النقود لمن أحضرها ثم صعد إلي الاعلي وتعمد الصعود علي الدرج وليس بالمصعد لكي ينهي محادثة صديقه قبل أن يصل الي منزله

_ يابني أنا تمام والله بقيت احسن
_ أردف بهم ريان ليؤكد لصديقه أنه بخير بينما رد عليه خالد قائلا :-
_ لو حسيت بتعب تاني كلمني علي طول نروح نطمن عليك

_ قهقه ريان ورد عليه بإمتنان :-
_ مش عارف لزمتها ايه يحيي يقلقك ، أنا والله كويس ولو حصل حاجة هكلمك حاضر ،

_ عدل خالد من وضعية جلوسه وقال وهو يحك مؤخرة رأسه :-
_ مش عايز مني حاجة ؟

_ أجابه ريان وهو يعلم جيداً رد صديقه :-
_ اللي أنا عايزه انت رافض تعمله وتشيل عني شوية !

_ تنهد خالد مستاءً ونهض من علي المقعد ووقف أمام نافذة المعرض الخاص بريان وهتف بإقتضاب :-
_ يابني توكيل لأ متوقعنيش مع اخواتك يا ريان ، هيقولو اشمعنا خالد واحنا موجودين أنا مش عايز حياتك تزيد مشاكل كفاية اللي فيها ،

_ هز ريان رأسه بيأس لعدم معاونة صديقه له علي الرغم من اقتناعه بوجهة نظره ، تنهد بحرارة وأردف وهو يفتح باب منزله :-
_ يابني أنا حر واعمل اللي أنا عايزه دي املاكي أنا واعمل فيها اللي أنا عايزه اسمع الكلام انت بس ووافق وملكش دعوة بحد

_ أنهت حمامها ثم وضعت المنشفة الكبيرة حول جسدها وأخفت خصلاتها أسفل المنشفة الصغيرة بعد أن جففتهم جيداً وفتحت باب المرحاض ودلفت للخارج وتفاجئت به يقف أمامها في منتصف الردهة !!!

_ صعق كلاهما من هذا الوضع المفاجئ الذي وقعَ فيه ، صمت شديد حل بهم لدرجة أن صوت أنفاسهم يقع علي مسامعهم بصوت مرتفع وكأن الهواء لا يمر من أمامهم

_ وضعت عنود يدها على المنشفه من رقبتها والاخري علي ركبتها ربما تخفي الأجزاء الظاهرة من جسدها ، بينما ظل ريان يرمقها بلا وعي منه لا يدري ما الذي يحدث ، لماذا تزداد نبضاته بتلك الصورة العنيفة ؟

_ طال صمتهم الممزوج بالصدمة إلي أن قاطعه خالد حينما صاح به :-
_ انت روحت فين يابني ؟

_ بحث ريان عن ذاك الصوت الذي لا يعلم مصدره ، لوهلة شعر أنه تائه ولا يدري ما عليه فعله ، للمرة الثانية يستمع لصوت ذكوري يتحدث :-
_ ريان ، انت معايا ؟

_ استوعب بالاخير أنه صديقه عندما نظر إلي الهاتف الذي بيده ، مرر انظاره بين الهاتف وبين تلك الفتاة الواقفة أمامه لا يعلم بأي خطوة يبدأ ، ماذا عليه أن يفعل الآن ؟

_ أولاها ظهره سريعاً ومازالت نبضاته تزداد وتزداد عنفواناً ، شعر بجفاف حلقه فبتلع ريقه ورفع الهاتف علي أذنه قائلا بصوت متحشرج :-
_ ها ، هكلمك بعدين ، سلام

_ أنهي المكالمة سريعاً وحاول طرد صورتها من عقله لكنها لا تقتلع بل تقف ثابتة في مخيلته ، سحب نفساً عميق وحاول ضبط أنفاسه المضطربة وقام بإعداد الطعام علي الطاولة وهو يجاهد أن يتلاشي ما حدث منذ قليل

_ مرت أكثر من دقيقتين علي وضعها لا تستطيع التحرك ، وكأن قدميها شُلت عن الحركة ، أنفاسها تزداد قسوة كلما تذكرت نظراته التي اخترقتها وهي علي تلك الحالة ، لم تشعر بقطرات عينيها التي انسدلت رغماً عنها فلم يراها أحد من قبل بهذا المظهر حتي وان كان زوجها ، لم يروق لها أن يراها هكذا بتلك السرعة وهي لازالت لا تعلم مصيرها معه

_ كفكفت عبراتها بأناملها وسارت بخطي هزيلة متمهلة نحو الفراش وجلست أعلاه ، وضعت كفيها علي وجهها تحاول الاختباء من نظراته التي لا تفارق عقلها وكأنه مازال أمامها بالفعل

_ تنهدت بضيق عارم ثم نهضت وجذبت ثياب منزلية لها لا تظهر أي انش بجسدها وشرعت في ارتدائهم ، مشطت خصلاتها بعناية وبعدما انتهت مما تفعله اقتربت من الباب ووقفت مترددة كثيراً في الخروج من الغرفة ، لا تدري كيف ستواجهه بعدما رآها علي تلك الحالة ، لابد وأنها ستواجهه إن لم يكن الآن فبعد قليل ، وقفت أمام الباب وحيرتها سيدة الموقف ، زفرت أنفاسها بضجر لتتفاجئ بصوته الرجولي يهتف من خلف الباب :-
_ أنا نازل تحت عشان تبقي علي راحتك

_ قادتها قدميها الي الأمام ثم فتحت الباب واجابته مسرعة :-
_ كُل آكلك قبل ما تنزل

_ نظر كليهما للآخر بغرابة ، فهي تفاجئت مما فعلته لتوها كذلك هو لم يكن أقل منها في تعجبه لما قالته ، لا يريد فهم شئ يكفي شعوره بالراحة الذي يشعر به من خلف عفويتها تلك

_ أولاها ظهره مُشكلاً إبتسامة سعيدة علي محياه ثم جلس علي أريكة منفرده لكي يترك لها المساحة الكافية للتحرك علي راحتها ، بينما جلست هي علي أقرب أريكة قادتها قدميها إليها وكذلك أبعدهم عنه ،

_ لم ترفع بصرها قط بل مكثت طيلة الوقت ترمق الأرضية بحرج استشعره ريان من تورد وجنتيها الصريح ، بينما لم يستطيع إبعاد نظره عنها ، وكأن بها سحر يجذبه إليها ولا يود أن يُعكر بؤبؤة عينيه برؤية شئ آخر غيرها!

_ باتت نظراته تتفحصها بإهتمام شديد ، من خُصلاتها المبللة المنكمشة في بعضها لعدم جفافها بعد إلي عينيها المختبئة بين جفينها ، ناهيك عن تورد وجنتيها بالحُمرة وكذلك شفتاها الورديتان التي تعض عليهم بشدة حتماً من إرتباكها !

_ إلتوي ثغره علي الجانب مُشكلاً ابتسامة علي حالتها التي لم يعتادها بعد ، تنهد بقوة وحاول إبعاد نظره عنها لكن شئ ما يجرفه نحوها لإكتشاف ثغر أخري بها ، يالا العجب ، حقاً ماذا تفعل انت ؟ فتاة مثل غيرها الكثير من الفتيات ،

_ أقربهن زوجتك التي لا تريد العودة إليك ، بالتأكيد هي نفسها مشابهة لها ، جميعهن جنس واحد بطباع وتصرفات واحدة ، ماذا ينتظر منهن ؟

_ سحب نفساً عندما راوده حالة من الاختناق الجلي وترك الطعام من يده ثم ارتشف القليل من الماء ونهض مسرعاً حيث تسائلت هي بقلق دون أن تنظر إليه :-
_ حضرتك رايح فين ؟

_ أجابها ريان بإسيتاء وفتور شديد :-
_ نازل

_ خطفت عنود نظرة سريعة علي طعامه وتفاجئت أنه لم يأكل نصفه حتي ، جمعت قواها ورفعت بندقيتاها عليه وأردفت بإستحياء :-
_ حضرتك مأكلتش ليه ؟

_ قطب جبينه بغرابة ، ماذا تظن نفسها بفاعلة ، لماذا تتصنع الود ولما تهتم به من الاساس ؟

_ رد عليها مختصراً وهو يحك مؤخرة رأسه براحتي يده :-
_ شبعت !

_ أماءت رأسها بخجل ونهضت هي الأخري ، تفاجئ هو بنهضوها و صاح متسائلا :-
_ قومتي ليه كملي أكلك

_ أجابته وهي تعيد تعبئة الطعام :-
_ شبعت

_ رفع إحدي حاجبيه متعجباً وتمتم بعدم تصديق :-
_ يسلام ! انتي كده شبعتي ليه معدة سمكة !

_ التفتت إليه وقالت بعفوية صريحة :-
_ نفس معدة السمكة اللي عندك !
_ اتسعت مقلتي عنود مما تفوهت به ووضعت يدها علي فمها بدهشة لجُرأتها أو ربما وقاحتها بينما تفاجئ ريان من جُرأتها التي أكتشفها لتوه ،

_ ابتعلت هي ريقها مراراً عندما شعرت بجفاف حلقها ومن ثم هتفت معتذرة :-
_ أنا آسفة جدا مش قصدي
_ أنهت جُملتها وركضت مهرولة الي الداخل واوصدت الباب خلفها لاعنة تلك العفوية التي تتحدث بها معه ، ماذا حدث لكي يا فتاة ؟ منذ متي وانتي تتحدثين بتلك الوقاحة ؟.

_ سارت بخُطي مهرولة نحو الفراش واستلقت عليه بإهمال ، وضعت الوسادة أعلي وجهها ربما تمحي نظراته المندهشة التي لا تريد مغادرة مخيلتها قط

_ تفاجئت بيد تزيل الوسادة من علي وجهها لتتفاجئ به يقف أمامها ، حتماً تحلم ! لابد وأنها تحلم أفضل لها من أن تنهار بين يديه من فرط خجلها ..

_ جذبها ريان من ذراعها وأجبرها علي الجلوس ثم أقترب منها ، أوصدت هي عينيها بإرتباك خجل ، حتماً سينتهي بها المطاف قريباً من مواصلة تقربه لها المستمر ، شعرت بيده تتلمس خصلاتها واستمعت لنبرته الرجولية :-
_ انتي ملبستيش واقي في راسك ليه عشان المية متوصلش للجرح !

_ جرح ! لقد نسيته تماماً ، سحبت نفساً ثم رفعت بندقيتاها عليه وأردفت :-
_ نسيت ..

_ هز ريان رأسه مستنكراً تصرفاتها التي تدل علي عدم نضجها بعد وأردف بحنق :-
_ الجرح هيعمل صديد لانه لسه مفتوح والمية وصلت له لازم انضفه تاني

_ أماءت رأسها بالايجاب بينما جذب ريان علبة الإسعافات وعاد إليها وبدأ ينظف جرحها برفق لكي لا يؤلمها ومع ذلك كانت تشعر بألم شديد ،

_ لوهلة ندمت أنها اقترفت ذاك الخطأ في حق نفسها ووقعت بين يديه ليفعل هذا بها ، لم تستطيع التحمل لأكثر وانسدلت عبراتها الموجوعة ، فزع ريان من صوت نحيبها وابتعد خطوة للخلف لكي يراها جيداً وتفاجئ بـ بكائها ،

_ بتعيطي ليه ؟
_ صاح ريان متسائلاً بقلق بينما أجابته هي بتلعثم :-
_ انت ، وجعتني

_ خفق قلبه لنبرتها المتلعثمة ولنطقها بجملة آلمت قلبه ، فهو لم يقصد إيذائها بل إنه حرص وبقوة علي مداواتها بحذر لكي لا يؤلمها لكنه لم ينجح وشعرت هي بالألم وبكت وبكي قلبه حزناً معها ، لا يحب إيذاء غيره وخاصة أنها فتاة صغيرة !

_ تنهد بضيق وقال معتذراً :-
_ أنا آسف حاولت أخفف ايدي علي قد ما أقدر بس الحدة غلابة

_ سحبت عنود نفساً عميق وحاولت التماسك عندما رأته يلوم نفسه وأردفت بنبرة طفولية رقيقة :-
_ لا أنا اللي مش بستحمل ممكن تكمل عادي

_ رمقها بندم لما فعله بها ثم واصل تنظيف وتعقيم جرحها برفق حذر عن ذي قبل إلي أن انتهي منه ، ابتعد عنها وطالعها بنظراته المتفحصة :-
_ متحاوليش توصليله مية تاني الفترة دي !

_ أماءت رأسها بطاعة ممزوجة بالخجل ثم استأذن هو للمغادرة ، سارت خلفه بخطي متمهلة إلي أن فتح الباب وتفاجئ بمن أمامه !!

_ ياسر !
_ هتف بها ريان بدهشة ثم مد يديه للخلف وأشار إليها بيده يحثها علي التوقف ، تعجبت عنود من تصرفه المبهم وتصلبت مكانها بقلق بينما استدار هو بجسده إليها وهو يخلع حزامه الجلدي من بنطاله ، اتسعت مقلتيها بصدمة مما يفعله ، وما أن أنتهي من خلعه حتي أمرها بحدة :-
_ ادخلي جوة !

_ لم تنتظر عنود وركضت الي الداخل مهرولة بينما عاد ريان بأدراجه متجهاً نحو ياسر وهتف بنبرة هادئة لكنها لم تخلو من الحدة :-
_ ايه اللي جابك هنا ؟

_تنهد ياسر بضجر بائن وقد بدا الحزن علي ملامحه وأردف بنبرة موجوعة :-
_ والله العظيم مليش ذنب !

_ دلف ريان إلي الخارج وأوصد الباب خلفه ومن ثم رمقه بنظرات احتقارية مشتعلة وقال بجمود :-
_ مفهمتش برده انت جاي ليه ؟

_ أزفر ياسر دموعه بألم شديد وتحدث بتلعثم :-
_ رجع لي عنود !

_ برزت عروق يد ريان من شدة غضبه واقترب منه بضعة خطوات وصاح به هدراً :-
_ هي بيعة يا روح امك وعايز ترجعها ؟

_ انسدلت قطرات ياسر رغماً عنه وازداد نحيبه وأردف بصوت متحشرج :-
_ أنا بحب..

_ ويحك أيها الغبي لقد جنيت علي نفسك يا هذا ، لم يشعر ريان بيديه التي دفعته بكل ما أوتي من قوة وانسدل عليه بالضرب المُبرح بحزامه الجلدي إلي أن وقع ياسر أرضاً بدون بذل مجهود كبير من ريان وكأنه كان منهاراً من الأساس ،

_ تسارعت قدمي ريان علي ركله بقسوة وأردف بغضب :-
_ جاي تطلب مني مراتي يا **** لأ وكمان بتقولي بحبها ، ده انا هخليك تندم أنك اتولدت عشان بعد كده تعمل حساب قبل ما تفكر بس في مرات ريان العراقي !

_ جلست عنود علي الفراش والخوف تملك منها بعدما رأته يخلع حزام بنطاله ، أسندت رأسها علي حائط الفراش وحاولت الاسترخاء وطمئنة قلبها بأنه لن يفعل بها ما صوره لها عقلها ،

_ وما إن استرخت قليلاً حتي صغت لصراخ يدوي من الخارج ، شعرت بالقلق يتغلغل بداخلها إلي أن استمعت لصوته الجهوري التي تحفظ نبرته جيداً وهو يصيح عالياً ،

_ نهضت بذعر وسحبت حجاب رأسها وهرولت للخارج سريعاً ، ترددت كثيراً قبل أن تدلف للخارج لكن صوته أجبرها علي الخروج وعدم اكتراثها لما سيفعله معها ،

_ تفاجئت بـ ياسر مُلقيَ أرضاً ولا يحاول حماية نفسه من ضرب ريان ، كأنه يريد معاقبة نفسه بتلك الطريقة ، سحبت نفساً عميق ووقفت أمام ريان مُشكلة حاجز بينه وبين ياسر وأُجبرت علي أخذ ذراعيه بين يديها لكي تجبره علي التوقف وهتفت بتوسل :-
_ سيبه خلاص كفاية سيبه يمشي

_ لم يتوقف ريان عن ركله بقدمه حتي ازدادت صرخات عنود قائلة :-
_ عشان خاطري كفاية

_ توقف ريان ورمقها بنظرات مستاءة مما تفعله ثم صاح بنبرة حادة :-
_ مش قولتلك ادخلي جوة خرجتي ليه ؟

_ تنهدت عنود بخوف شديد وأجابته بتلعثم :-
_ سمعت ، الصوت و.. و.. وخفت
_ سحق ريان أسنانه بغضب وتخلص من يديها الموضوعة عليه وصاح بها هدراً :-
_ ادخلي جوة ومتخرجيش تاني

_ أماءت رأسها برفض تام وأردفت بعناد :-
_ لأ ، مش قبل ما يمشي

_ اتسعت حدقتي ريان بدهشة لطلبها وصاح بحنق :-
_ أنا باخد لك حقك مش ده اللي بعت أهله يعملوا فيكي اللي عملوه ؟

_ انسدلت بعض القطرات من عينيها وأردفت بحزن جلي علي تعابير وجهها :-
_ حقي عند ربنا وهو حسبي ووكيلي وهيجبلي حقي !

_ أزفر ريان أنفاسه بغضب عارم ثم بصق علي ياسر وقال بتحذير :-
_ لو شوفتك هنا تاني صدقني مش هخرجك برجليك اللي بتجيبك هنا من غير خوف مني ، قوم غور من وشي !

_ سحبت عنود نفساً عميق قبل أن تخطو تلك الخطوة ثم التفتت إليه ورمقته كثيراً وهي تحاول جاهدة أن تتماسك أمامه ، بينما نهض ياسر بصعوبة وهتف وهو ينظر إليها بندم شديد :-
_ مش ذنبي ، والله ماهو ذنبي !

_ جذبها ريان من ذراعها ودفعها داخل المنزل واغلق الباب وعاد بنظره الي ياسر والغضب يعمي عينيه وقبل أن يردف بشئ آخر كان اختفي ياسر من امامه ،

_ مرر أنظاره بين الباب وبين الدرج ثم صعد سريعاً الي سطح البناية حيث مسكنه الصغير الذي يتلاشي فيه همومه وثِقل أعبائه ،

_ انحطت قواه ما إن صار بمفرده ، جلس علي الأرض وشبك يديه خلف رأسه وسحب نفساً عميق قبل أن يردف :-
_ الكابوس اللي أنا فيه ده هيخلص امتي ؟

_ هيخلص لما تيجي في حضني أنا!
_ هتفت بها رنا وهي تمد بيدها علي ظهره بنعومة شديدة تسببت في إثارة رجفة قوية في اوصاله ، نهض ريان بذعر ما إن أستمع لصوتها ورمقها بنظرات احتقارية وصاح بها هدراً :-
_ ابعدي عني ، انتي مفيش وراكي غيري أنا تعبت طالما انتي مش بتخافي كده اخربلك أنا حياتك اللي فرحانة بيها دي واخداها سكة عشان توصليلي !

_ أخرجت رنا تنهيدة بطيئة من فرط توسلاتها الفاشلة ورددت وهي تفتح ذراعيها علي آخرهم :-
_ جرب تيجي في حضني وانت مش هتندم هنسيك كل الهموم اللي في حياتك هنسيك نفسك وكل اللي هتطلبه هيتنفذ بس انت وافق !

_ شعر ريان بالتقزز حيالها كم هي امرأة لعينة لكنها جميلة الي الحد الذي يَهَابهُ ، يَهَابهَا وقد نسي تماماً أنه ريان ذو الطابع الحاد الذي يهابه الآخرين وليس العكس !

_ صدق الله عندما وصف كيدهن بعظيم ، فتلك عقربة شقراء تريد أن تلدغه بأنثوتها التي يفتقد إليها ، وكأن قوته لا تكفي لإيقافها ، يحمد الله كلما أنهي حوار معها ولم يقع في براثينها ، تأثيرها شديد لطالما تمناه وبشدة لم يشعر برجولته سوي أمامها ،

_ كلما رأي توسلاتها وحاجتها إليه ناهيك عن اعترفاتها اللامنتاهية وكم من الغزل تُلقِي منه قصائد فقط لكي يكون ملكها وحدها !
_ يعجبه ما تفعله كثيراً ولكن بالاخير يلعن شيطان أفكاره الذي يُحبب إليه تصرفاتها الغير لائقة بالمرة .


يتبع الفصل التالي اضغط هنا
  • الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية 
google-playkhamsatmostaqltradent