رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثالث عشر بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثالث عشر
كانت الأيام تمر ببطء شديد علي الجميع و أولهم يحيي الذي لا يزال شارداً و لا يعلم أنًي له الصبر علي ما أصابه.
جلس قاسم إلي جانبه و هو يمد يده إليه بـِ فنجالاً من القهوة فنظر إليه يحيي مبتسماً و أخذه منه وهو يقول: شكراً يا قاسم تاعبك معايا.
ربت قاسم علي فخذه وقال بإبتسامه:لا يا يحيي متقولش كده إنت زي أخويا و ربنا العالم أنا بعزك إزاي كإني أعرفك من سنين،مش شوية أيام.
اومأ يحيي مؤكداً علي حديثه لينظر قاسم أمامه و يتنهد مطلقاً العنان لخيالـهِ وقال:تعرف يا يحيي...
نظر إليه يحيي بإهتمام ليستأنف حديثه و يقول:في ناس ممكن أول مرة تشوفها بس تحس إنها قريبه منك و روحها مألوفه بالنسبه ليك و لما تتعامل معاها بتتعامل بأريحية كإنك تعرفها من سنين..زيك كده.
نظر إليه يحيي بإبتسامه ليستطرد حديثه قائلاً: و في ناس ممكن تفضل معاشرها سنين طويله و روحكوا متتقابلش أبدأ و تبقي إنت كل ده بتحاول تتعود عليهم و تفهمهم عشان تكملوا سوا و في الآخر تفشل بردو..و تيجي تشوف في الآخر تلاقي نفسك غلطان و ضيعت سنين من عمرك هدر!
أومأ يحيى مؤيداً لحديثه ثم نظر إليه وقال:ده إنت فيلسوف بقا و أنا مش عارف.
إبتسم قاسم متهكماً و قال: الدنيا بتعلم ياامااا أوي و أنا كنت ناقص علام و قامت معايا بالواجب.
لم يجيبه يحيي و بالأساس لم يعرف بما يُجِبه فظل يتطلع نحوه بشرود ليقول وهو يرتشف أول رشفةٍ من قهوته: فتش عن المرأه!!
نظر إليه قاسم بإستفهام ليكمل يحيي موضحاً:دي مقوله قالها الشاعر الفرنسي إلكسندر دوماس.
ثم صمت لبرهة ليقول قاسم:قال إيه سي إلكسندر يا فيلسوف عصرك؟
نظر يحيي نحو الفراغ من أمامه و قال:قالك لما تحصل أي مصيبه لراجل أو يتصرف بغباء يوقعه في ورطه و متلاقيش أسباب أو دوافع واضحه للتصرف ده يبقا فتّش عن المرأه..أكيد في واحده ست في حياته أيّاً كانت صلتها بيه إيه هتكون هي المسئولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن المصيبه دي.
ضحك قاسم ساخراً من حاله و قال:والله صدق.
ثم نظر إلي يحيي و من ثَمّ نظر إلي الفراغ من أمامه وقال:أنا بقا يا سيدي حكايتي ملهاش مثيل..راجل متجوز و عايش حياتي فل الفل و مستقر إلي حد كبير جداً..لكن ربنا مرزقنيش بأولاد..كنت متجوز واحده أصغر مني بـ15 سنه.. قعدت معاها خمس سنين حب و دلع و سفر و تنطيط من البلد دي للبلد دي و كله زي الفل..فجأة لقيتها إتغيرت و بقت واحده تانيه..ليه معرفش..بدأت أتكلم معاها يا بنتي مالك،طب إيه اللي مزعلك مني و أنا أغيره،طب خدي الفلوس دي و روحي إعملي شوبينج إنتي صحتك بتيجي ع الشوبينج..هوب أنا عايزة أتطلق.
نظر إليه يحيي بإنتباه ليستكمل حديثه ويقول:أنا طبعاً إتصدمت و بقيت شبه المراهقين قدامها و قعدت أتحايل عليها..طب إيه السبب،طب نتفاهم،طب كاني ماني،ركبت دماغها و عايزة أطلق يعني عايزة أ
طلق..حاجه جوايا قالتلي إن الحكايه فيها إن..قولتلها طيب إستهدي بالله و نامي دلوقتي و بعدين نشوف الموضوع ده.
توقف عن الحديث لينظر إلي يحيي قائلاً بتأثر:تعرف يا يحيي أنا كنت بعتبرها بنتي!..يمكن بحكم فرق السن بيننا و عشان مخلفناش،كنت حنين عليها جداً و بعاملها كإنها بنتي..المهم..يومها هي نامت و أنا فضلت صاحي مش جايلي نوم بسبب قرارها المفاجئ ده و بالصدفه يشاء ربنا إن تليفونها يرن الساعه 4 الفجر..مسكت التليفون عشان أشوف مين اللي بيتصل لقيت واحده صاحبتها..حسيت إن في حاجه مش طبيعيه ففتحت تليفونها لقيت مكالمات بينها و بين صاحبتها دي بالساعات..و بالصدفه البحته جاتلها رساله من صاحبتها دي و التليفون في إيديا بتقوللها فيها" إتكلمتوا في موضوع الطلاق ولا لسه عشان أبدأ أمهد لأهلي في موضوع جوازنا"!!
زمّ يحيي شفتيه بأسف ليقول الآخر:بالرغم من إني كنت حاسس بس إتفاجئت..و خصوصاً لما قرأت الشات بتاعهم و إتصدمت كإني بعرفها لأول مرة.
_و عملت إيه؟!
تسائل يحيي ليجيبه قاسم قائلاً:ولا حاجه..واجهتها و هي إعترفت بكل صراحه إنها بتحب واحد من سنها و هو بيحبها و يعرفوا بعض من سنتين و إنها عايزة تطلق مني و تعيش حياتها.
و أطلق تنهيدةٍ مهمومه وقال:يومها رميت عليها اليمين في الحال و سيبتلها البيت و مشيت يوم ما قابلتك علي البحر.
أومأ يحيي متذكراً فأكمل قاسم قائلاً:بالرغم من إني كنت بحس إنها زي بنتي بس إكتشفت وقتها إني كنت بحبها و حابب وجودها في حياتي و حسيت إني إتخنت فعلاً و رجولتي إتجرحت جدآ..مشيت يوميها مكسور مش عارف أعمل إيه و لا أروح فين لحد ما لقيتك قاعد و الباقي إنت عارفه بقا.
أومأ يحيى متفهماً وقال:يعني إحنا الإتنين ضحابا المرأه!!
و إنفجر ضاحكاً ليشاركه قاسم الضحك ثم قال:يا سيدي محدش بيتعلم ببلاش و وجود ولادك معاك دي بالدنيا و إن شاء الله ربنا يعوضك فيهم خير.
_يااارب..
تمتم يحيي داعياً ثم قال: النهارده هقابل أخويا عبدالقادر و هاخد منه الفلوس و من بكرة إن شاء الله نتمم الشراكه و بالفلوس اللي تتبقي هشتري شقه صغيره نعيش فيها أنا و نور و زياد.
نظر إليه قاسم بعتاب وقال:نعم؟!ليه هو إنتوا مضايقين هنا ولا إيه؟
إبتسم يحيي قائلاً: بالعكس والله..بس معلش خلينا نستقر بقا و أظبط اموري بدري بدري.
أومأ قاسم موافقاً وقال:ربنا ييسر لك الحال يا يحيي و أي حاجة فيها مصلحتك أنا معاك فيها.
ربت يحيي علي فخذه وقال:تسلم يا قاسم،إبن أصول بصحيح..هقوم بقا ألحق أجهز عشان أقابل عبدالقادر .
و إنصرف ليستعد لمقابلة أخيه الذي كان ينتظره في أحد المطاعم بناءً على رغبة يحيي فكان يصطحب ولده يحيي برفقته.
وصل يحيي إلي المكان الذي كان ينتظره به عبدالقادر ليبتسم ببشاشة تلقائياً فور أن رأي الصغير يحيي.
دخل إلي المطعم ليحمل الصغير أولاً و يحتضنه مقبلاً إياه ثم ألقي تحبة السلام علي أخيه بإقتضاب و رسمية شديدة قائلاً:إزيك يا عبدالقادر؟
نظر إليه أخيه بحزن وقال:لسه زعلان مننا يا يحيي.. والله يا يحيي إحنا ما لينا ذنب.. كلنا إتحطينا قدام الأمر الواقع فجأه و جواز سليمان من يُسر مكانش متخطط له ولا حد يعلم بيه إلا قبلها علي طول.
أومأ يحيى وقال:مبقاش ييجي منه يا قدورة خلاص..اللي عايز أفهمه بس..إزاي تسمحوا له يفرط في واحده زي صافيه!
نظر عبدالقادر إليه مستاءً وقال:صافيه إستحملت منه و منها كتير و جت علي نفسها كتير..لحد ما حد إبن حرام اتهمها إنها كانت عايزة تعمل عمل لـ يسر و سليمان صدق و طلقها.
ضحك يحيي ساخراً بإستهجان و قال:و معقول معرفتوش مين الحد إبن الحرام ده؟
أومأ الآخر نافياً ليومأ يحيي قائلاً: علي العموم صافيه هي الكسبانه.
نظر إليه عبدالقادر بحزن و قال:أبويا بيسلم عليك يا يحيي.
إهتز قلبه و إنفطر لإشتياقه لوالده فنظر إلي أخيه و تصنع عدم الإكتراث و قال:هو كويس؟
أومأ عبدالقادر موافقاً وقال: كويس بس عايز يشوفك.
أجاب بإقتضاب وقال:إن شاء الله.
ثم سحب حقيبة النقود من بين يدي أخيه و نهض واقفاً وقال:أنا همشي دلوقتي عشان العيال لوحدهم.
إستوقفه أخيه قائلاً: طيب عرفني إنت قاعد فين أو علي الأقل هات رقم تليفونك عشان أطمن عليك و علي العيال.
_متقلقش يا عبدالقادر إحنا بخير..و لما أحب أشوفك هبقا اكلمك أنا من أي تليفون و أقول لك نتقابل فين.
ثم غادر مسرعاً قبل ان يتبدل موقفه و ينهزم أمام الحنين!
~~~~~~~~~~~~~~~
تقبع خلف زجاج نافذتها تطالع الغادي و الراحل بشرود وهي تفكر بهِ و تحاول إختلاق ذريعةً لكي تذهب إلي منزل العائلة للتقصّي حول أخباره فإذ بالباب ينفرج بغتةً و تدخل والدتها وعلي وجهها ترتسم أمارات الضيق و الحزن بوفرة و وضوح فقالت لها:مالك يا ماما فيكي إيه؟
نظرت إليها والدتها و قالت:مفيش يا حبيبتي أنا بس.....
قاطعها دخول زوجها بعصبيه وقد كاد أن يقتلع الباب من أمامه من فرط عصبيته وقال بصوتٍ جهور:لا في يا حبيبتي منا مش فاتحها ملجأ للي ملوش ملجأ..أنا عندي كومة لحم مش عارف أصرف عليهم و إنتي يا ست يُسر عامله ودن من طين و ودن من عجين،هما مش دول اخواتك بردو؟
تسائل مستنكراً لتنظر إليه بملامح ممتعضه و تقول:في ايه عالمسا يا اسماعيل أفندي؟!
أجابها ساخراً:لا أفندي ولا باشا..الحكايه و ما فيها إن اللي عايز يقعد هنا يبقا يشارك في مصاريف البيت و مصاريف التيران دي..و بعدين إنتي لو شغلتي دماغك هتاكلي و تأكلينا الشهد بس إنتي مخك متربس شبه أمك.
نظرت إليه بحنق وقالت:أشغل دماغي أعمل إيه يعني يا جوز أمي؟!أبيع مناديل في الإشارات ولا أنزل أشتغل رقاصه عشان أصرف عليكوا؟
أجابها ببرود وقال: والله الشغل مش عيب ولا حرام.. وبعدين بدل ما تتريقي حضرتك شوفي جوزك و عيالك فين و إلزقي فيهم..حتي إنتي لسه مخلصتيش عدتك يعني لو عرفتي تلاقي مطرح جوزك فين و ضحكتي عليه بنظرة و إبتسامه هيردك ليه تاني.
نظرت إليه بغيظ وقالت بحسرة:علي أساس إن أنا لو عارفه جوزي و عيالي فين كنت قعدت في بيتك؟!ليه غاويه رمرمه؟!
نظر إليها فاغراً فاه و قال بصوتٍ غاضب:غاويه رمرمه؟!طب عليا الطلاق من أمك بالتلاته لو مكنتيش من بكرة الصبح تنزلي تشوفي شغل و تصرفي معايا علي اخواتك لتمشي من البيت ده انتي و امك و اخواتك قبل منكوا و ابقوا وروني بقا هتروحوا فين.
ألقي بكلماته المتوعده ثم خرج من الغرفه كالعاصفه ليتركها هي في أوجّ غضبها و يأسها.
~~~~~~~~~~~
بعد مرور أربعة أشهر كان يحيي قد إنتقل و بصحبته أطفاله للعيش في البيت الذي إشتراه مؤخراً و بدأت حياتهم تستقر إلي حدٍ ما.
كان يقف أمام مرآة غرفته الفخمـه يعدّل هندامه للمرة الأخيره قبل أن يغادر الى مقر الشركة التي أصبح شريكاً رسمياً بها مع قاسم.
إنتهي من تجهيز حاله و بدأ بإعطاء الأوامر للصغار كعادته كل يوم قبل المغادره فقال: خلص فطار يا زياد إنت و أختك و إقعدوا إتفرجوا علي كارتون و متعملوش شقاوة و ممنوع تقفوا في شباك أو بلكونه.
تأفف الصغير قائلاً:هو كل يوم نفس الحاجات يا بابا..إحنا بنزهق و نور بتقعد تعيط و مش ببقا عارف أعملها حاجه.
نظر إليه يحيي بضيق وقال وهو يمسح على رأسه:معلش يا زياد أنا هتصرف في الموضوع ده و هشوف حد يقعد معاكوا لحد ما أرجع من الشغل،بس من هنا لحد ما أشوف حد تسمع الكلام اللي بقوللك عليه.
ثم عاد يكرر تعليماته قائلاً: إوعي يا زياد تقفوا في الشباك ولا تخرجوا البلكونه.. عشان خاطري.
أومأ زياد موافقاً وقال:ماشي يا بابا حاضر..و هاتلي و إنت جاي كل الحاجات اللي قولتلك عليها.
جلس يحيي القرفصاء ونظر إليه بإبتسامة حنونه وقال:من عنيا الاتنين حاضر..يلا أنا همشي و خلي بالك من نور.
أومأ الطفل بتأكيد ليغادر يحيي منصرفاً نحو الخارج متجهاً إلي الشركه.
كان يجلس خلف مكتبه يحتسي قهوته و يدخن سيجارة ينفث معها كل ما يملأ صدره و بيده الأخري يقوم بتصفّح الأوراق الموجوده أمامه و يراجعها ليتوقف فجأه زافراً بقوة وهو يفرك مقدمة رأسه بتعب ليقوم بإطفاء السيجارة ثم إرتشف آخر رشفةً من فنجال قهوتهٍ ليمسك بعدها بهاتفه ويقوم بالإتصال بالهاتف الموجود بالمنزل،كرر الإتصال عدة مرات و أحدً لم يجيب لينهض عن مقعده بتوتر و يحاول الإتصال مجدداً ليصله صوت زياد الضاحك بشدة فتنهد براحه وقال:إنت فين كل ده يا زياد قلقتني عليكوا.
قال زياد من بين ضحكاته المرتفعه:كنت بلعب أنا و نور استغمايه و شافتني...
و عاد ليضحك بقوة فقال يحيي وهو يهز رأسه بيأس:طيب خلي بالك منها وأنا شويه و جاي مش هتأخر.
_بس إحنا بقينا جعانين أوي يا بابا..أدخل أعمل أكل لنور؟
قاطعه والده قائلا:لا إوعي تيجي جمب حاجه أنا هاجي دلوقتي حالاً و أعمللكوا اللي إنتوا عاوزينه..تمام؟
_حاضر.
أنهي الإتصال علي الفور و إلتقط سترته من علي ظهر المقعد و خرج من مكتبه ليلتقي بـ قاسم في طريقه الذي نظر إليه متعجباً وقال:رايح فين يا يحيي؟!
_معلش يا قاسم كمل إنت بقية الورق لإن زياد و نور جعانين و لازم أرجع البيت حالاً أعمل لهم أكل.
=بس ده مش هينفع يا يحيي إنت كده مقصر جامد في شغلك و مش عارف تركز.
أومأ يحيى موافقاً وقال:معاك حق،أنا مش عارف أعمل إيه..كل ما أجيب واحده تخدمهم و تقعد معاهم تزهق من طلباتهم و شقاوتهم و تقوللك أنا ست صحتي علي قدي و عيالك أشقيا و مش عارف ايه..
قال قاسم ببساطة:طيب هاتلهم sitter "جليسه" تفضل معاهم الوقت اللي إنت تحدده و تمشي بعدها و دي هتبقا وظيفتها يعني هتتقبل منهم كل حاجه و هتقيم سلوكهم كمان و وتساعدك كتير
نظر إليه يحيي مستبشراً وقال:تصدق فعلاً ده الحل الصحيح..أنا هشوف الموضوع ده في أقرب وقت و إن شاء الله يتحل.
أومأ قاسم وقال:ده هيريحك كتير و هيخليك تعرف تركز في شغلك و في نفس الوقت تبقا مطمن عليهم.
أوما يحيي بتأكيد ليضيف قائلاً:معاك حق..أنا همشي دلوقتي و من بكره بإذن الله هدور علي sitter تقعد معاهم.
إنصرف سريعاً ليعود إلي بيتهِ في أقل من نصف الساعه ليجد أطفاله في إنتظاره و بمجرد ما إن دلف إلي البيت حتي ركض كلاهما نحوه ليحملهما سوياً و يمنح كلاً منهما قبلةً عميقه فقالت نور:بابا،نور جعانه
إحتضنها بقوة وقال:يا روح بابا يا نور..شويه صغيرين خالص و هناكل.
نظر إليه زياد وقال:عايز مكرونه و بانيه يا بابا.
أومأ موافقاً وقال ضاحكاً: تصدق يا زيزو نِفسي راحتله..مأكلتوش من إمبارح.
و أضاف ساخراً:هو أبوك بيعرف يعمل غيرهم يا سي زياد..يلا خلي بالك من نور علي ما أجهز الأكل.
أعدّ الطعام لهم سريعاً قدر الإمكان و من ثَمّ بدأ بترتيب الفوضي التي صنعوها ليبدأ بعدها في إكمال عمله الذي لم ينجزه بالمكتب و بعدها بدأ بالبحث عن مراكز توظيف جليسات.
توّصل إلي رقماً قام بالإتصال بِه فأجابته مديرة المركز قائلة: أهلاً وسهلاً بحضرتك يا فندم!
_أهلاً بحضرتك..الحقيقه كنت عايز sitter من عندكو لمرافقة طفلين 3 و5 سنين.
=تحت أمرك يا فندم و حضرتك تحب تحدد ساعات العمل؟!
_أه ياريت يكون من 10 الصبح لـ6 المغرب.
=تمام..هنحتاج من حضرتك العنوان و تسيبلنا رقم تليفون نتواصل مع حضرتك من خلاله و في خلال يومين بإذن الله هنرد عليك.
_تمام بس ياريت مش اكتر من يومين.
ثم أملاها عنوان منزله و رقم هاتفه وأنهي المكالمه ليذهب و يقوم بتحضير طعام العشاء لأطفاله و من بعدها جلسوا ليتناولوا عشائهم سوياً.
_بابا هي ماما مش هتيجي تقعد معانا ليه؟
تسائل زياد بعفوية و براءه فقال يحيي بتخبط:ليه هو أنا مش كفايه يا زياد؟
نظر إليه الطفل بعدم إستيعاب ليقول هو ببساطة:هو أنا مش بعمل لكوا كل اللي إنتوا عاوزينه يا زياد؟! و من بكره في واحده هتيجي تقعد معاكم و تلعب معاكم و تخلي بالها منكم علي ما أرجع من الشغل.
أومأ الطفل بهدوء و كأنه لم يفهم شيئاً أو لم يصل للإجابه التي كان ينتظرها منه ليعود يحيي و يقول بنبرة أكثر حناناً:بص يا زيزو..من هنا ورايح أنا و إنت و نور هنعيش مع بعض هنا...
قاطعه الصغير متسائلاً:طيب و ماما؟
أشاح يحيي بوجهه للجانب وقال:مش هتبقي معانا
_هتفضل مع عمو سليمان و النونو فضل؟
نظر إليه يحيي بقوة وقال بإستنكار:فضل مين؟
أجاب زياد:النونو بتاع ماما و عمو سليمان..عمو سليمان قاللي إن ماما هتجيب لنا نونو إسمه فضل...
إحمرّ وجهه و برزت عروق وجهه الغاضبه بشدة ليصيح بعصبية بالغه وقال:كمل أكلك يا زياد عشان تدخلوا تناموا يلاااا.
نظر إليه إبنه شاحب الوجه و أدمعت عيناه مما أثار غضبه أكثر و جعله يلقي بملعقته من بين يده و ينهض عن المائدة بغضب چم ثم ذهب إلي الشرفه و وقف يدخن سيجارة تلتها أخري و أخريات كثيرات وهو مغمض العينين شارداً بها.
وحدها هي من إمتلكت قلبه و إستطاعت الإستحواذ عليه و وحدها من إستطاعت النَيٍل منه و من قلبه و دمرت حياته،وحدها أيضاً من جعلته يتمني الموت آلاف المرات.
تذكر ضحكتها،إبتسامتها المشرقه،عيناها اللامعه التي طالما بات يتأملهما،شفتاها المرسومتان بدقه و عنايه اللتان طالما تذوق شهدهما و غرق بهما،تذكر كل حركاتها و سكناتها،ضحكاتها و دمعاتها،حديثها و صمتها،تذكر كل تفصيلةٍ كان يدقق النظر بها يوماً و لم يكن يعلم أنها ستصبح يوماً مجرد ذكري!
~~~~~~~~~~~
بين بكاءٍ و نحيب كان يتبدّل حالها،من سئ إلي أسوأ كانت تمر أيامها،فقدت لذة الحياة منذ أن رحل الجميع من حولها و اولهم كان هو،و من بعد أن بدأت تصمد و تواجه مجدداً سددت لها الحياة ضربةً قاسية أودت بها.
مرّ أكثر من أربعة أشهر علي وفاة أكرم و والدته و مثلهم علي عودة يحيي الذي لا تعرف عنه سوي أنه علي قيد الحياة.
كانت تنفرد بآلامها و تجلس بغرفتها وحيدة قبل أن تستمع إلي طرقات علي باب غرفتها فأذنت بالدخول لتجد والدها و عمتها يتقدمان نحوها و من ثَمّ جلسا إلي جوارها فبادر والدها بالحديث قائلاً:مالك يا غزاله؟!شاردة لوحدك ليه؟
إبتسمت لتشبيه والدها وقالت:مفيش يا بابا انا كويسه الحمد لله.
ربت علي ذراعها بحنان و قال:المحامي بتاع أكرم الله يرحمه كان بيكلمني دلوقتي و بيقوللي إنه هييجي بكره يتكلم معاكي عشان موضوع الورث و كده.
قالت بهدوء:ورث إيه؟أنا مش عايزة حاجة يا بابا.
قال والدها متفهماً:يا حبيبتي جوزك الله يرحمه مكانش ليه حد..و كل اللي يملكه ده من حقك..لكن دي حريتك الشخصيه لو مش عايزة حاجة ممكن تتبرعي بالفلوس دي للجمعيات الخيريه او تفتحي بيها مشروع خيري يكون صدقه جاريه على روحه و روح والدته الله يرحمها...اللي تشوفيه إنتي.
إبتسمت وقالت:معاك حق يا بابا أنا هعمل كده فعلاً.
أومأ موافقاً ثم قال: بإذن الله لما المحامي ييجي خليه يفهمك إيه اللي المفروض يتعمل و يساعدك هو في الموضوع ده.
برز صوت صافيه تقول بهدوء: زينب كانت بتكلمني من شويه.
إرتسم الفرح و السرور علي محيّاها و قالت بلهفه:في أخبار عن يحيي؟
نظر إليها والدها بيأس لتنكمش ملامح وجهها وهي تحاول مداراة لهفتها لتكمل صافيه حديثها وتقول:يحيي راحلهم البيت.
بتلقائيه شديدة و دون وعيٍ منها إمتدت يدها لتضعها فوق صدرها موضع قلبها تحاول تهدأة ضربات قلبها المتلاحقه وقالت بصوتٍ مهزوز: وبعدين؟
_بتقوللي كان زعلان جدآ و واخد موقف منهم كلهم حتي أبوه مش قابل يكلمه و خد عياله و حاجتهم و مشي.
أومأت غزل برأسها تستحثها بحماس عينيها علي إسئناف حديثها فقالت: و بتقول إنه طلّق يُسر.
إتسعت إبتسامتها و إنشرح قلبها فتساقطت العَبرات من عيناها لا إرادياً و تمتمت في نفسها تحمد الله.
قال إبراهيم متحفزاً: وبعدين؟
أجابت صافيه قائلة:و بتقول كمان إنه صفّي فلوس المحل بتاعه و طلب منهم الفلوس اللي كان عاطيها لـِ سليمان أيام الشقة بتاعة القاهرة اللي كان باعها و خسر فيها دي.
أومأ إبراهيم متفهماً وقال:يحيـي هينتقم من أخوه و مراته..قلبه إسوّد من الصدمه و القهرة و بقا إنسان تاني.
_حقه يعمل أكتر من كده!
نطقتها غزل بإندفاع لينظر إليها أبيها ويقول:البني آدم لو ساب نفسه للإنتقام يبنتي يبقا كده بيظلم نفسه..بيتحول بالتدريج من شخص طيب و هادي و نضيف لشخص تاني إسود و مليان كره و غل و حقد علي اللي حواليه و تيجي تبصي تلاقي نفسك مش طايقه تعاشريه ولا تتكلمي معاه عشر دقايق علي بعض حتي.
شردت غزل بحديثه بينما نهض هو واقفاً وقال:أنا هدخل أنام و خليكوا إنتوا قاعدين..تصبحوا علي خير.
كان متجهاً نحو غرفته قبل أن يستوقفه رنين هاتف غزل فتسائل:مين يا غزل؟
أحابته وهي تجيب الإتصال:ده تليفون من الشغل.
_ألو..أيوة يا أستاذه رضوي ٱزيك؟
=الحمدلله يا غزل إنتي أخبارك إيه؟
_بخير والحمد لله..أؤمريني؟
=بصي يا غزل..في واحد محتاج جليسة لطفلين عندهم 5و 3 سنين..كلمت إسراء و لبني قالولي كلمي غزل هي نفسها من زمان ترافق أطفال في السن ده فقولت اكلمك و أشوف لو مستعده للشغل في الفترة دي او لا.
نظرت غزل إلي أبيها الذي هز رأسه مستفهماً فقالت:تمام يا أستاذه رضوي هشوف رأي بابا و أرد عليكي.
أنهت الإتصال فقال والدها:في إيه يا غزل؟
قالت وهي تعلم جوابه: أستاذه رضوي بتقوللي إن في واحد محتاج جليسة لطفلين و هي رشحتني ليه يعني....
قاطعها قائلاً:لأ طبعاً مينفعش خروج اليومين دول.
نظرت إليه صافيه وقالت:ليه يا إبراهيم مهي كملت عدٌتها خلاص.. وبعدين إنت مش شايف نفسيتها تحت الصفر ازاي؟
نظر إلي صافيه محذراً وقال:صاااااااافيه..مش عايز كلام كتير في الموضوع ده..قولت لأ يبقا لأ.
نظرت غزل إلي والدها بحزن شديد مما جعله يزفر مستغفراً ثم قال:إنتي بتبصيلي كده ليه؟
نظرت إليه قائلة:مفيش يا بابا.
إقترب منها و جلس إلي جوارها مجدداً وقال:يا غزل أنا خايف عليكي..إنتي دلوقتي بقيتي أرمله يا بنتي يعني الحال إتغير..إنتي مش صغيره و عارفه الناس في مجتمعنا بقت مريضه ازاي..أنا مش عايز حد يضايقك بكلمه.
نظرت إلي والدها بضيق وقالت:لحد إمتا يا بابا هتفضل خايف عليا؟
_لحد ما أموت.
أجابها ببساطه لتتنهد قائلة و الدموع تملأ عيناها:بعد الشر عنك..يا بابا إسمعني لو سمحت..أنا محتاجه أرجع الشغل جدآ الفترة دي..تعبت من القعده و زهقت و عندي طاقه محتاجه أستغلها.
نظر إليها بتفحص وقال: تضمنيلي إن محدش يضايقك؟
أحابت بمنطقية شديدة:لأ طبعاً مقدرش أضمن لك حاجه زي دي..لازم هتعرض لمضايقات و مواقف تزعلني،أنا مش هعيش لوحدي،أنا لازم هختلط ببشر و هقابل منهم الكويس و الوحش و في كلتا الحالتين أنا هستفيد.
أضافت صافيه بالمزيد تحاول إقناعه وقالت:غزل معاها حق يا إبراهيم..التعامل مع الناس هو اللي هيقويها و يخليها تعرف تميز بين المعادن اللي قدامها و متنخدعش في حد بسهوله.
نظر إليهم ينقل بصره بينهما وقال:خلاص إتفقتوا عليا إنتوا الإتنين؟!إعملوا اللي إنتوا عايزينه.
نظرت غزل إلي صافيه بفرحه شديده و إحتضنتها و من بعدها إحتضنت والدها بقوة وقالت: متحرمش منك أبدا يا بابا.
.
ربت علي ظهرها وقال:ولا أتحرم منك يا حبيبة أبوكي..يلا نامي وإنتي مبسوطه بقا و قومي بكرة روحي شغلك و إفرحي..أهم حاجة ترجعي غزل بتاعة زمان اللي كلها شقاوة و دلع.
أومأت بموافقه و علي الفور قامت بإبلاغ مديرة المركز بموافقتها فأعطتها العنوان الذي ستذهب إليه في الصباح لتخلد إلي النوم سريعاً وهي تمنّي نفسها ببداية جديدة.
إستيقظت غزل بنشاط و همة قد إستعادتهما مجدداً بعد أن فقدت كل شئ حتي شغفها بالحياة منذ الأحداث المتواليه مؤخراً.
إستعدت و تأنقت و إرتدت أحلي ثيابها و خرجت من بيتها قاصدة ذلك العنوان الذي أعطته لها مديرة المركز فإستقلت سيارة أجره و إتجهت نحوه.
في طريقها تلقت إتصال هاتفي من والدها الذي لم يهدأ له بال فهزت رأسها بيأس و أجابت قائلة:أيوة يا بابا.
_أيوة يا غزل وصلتي ولا لسه؟
إبتسمت بعدم تصديق و قالت:يا بابا يا حبيبي ما حضرتك لسه قافل معايا من خمس دقايق و قولتلك لسه في الطريق.
تأفف قائلاً:مش عارف أنا المشوار ده مش مرتاح له ليه!
إبتسمت بلطف وقالت:يا حبيبي متقلقش أنا مبسوطه و مرتاحه و الدنيا زي الفل الحمد لله..يلا أنا وصلت أهو..شويه و هكلمك أطمنك عملت إيه
_ماشي و خلي بالك من نفسك و قبل ما تدخلي إتأكدي تاني إن الصاعق معاكي.
أجابته بتلهف و عدم تركيز: حاضر حاضر متقلقش..يلا باي.
قال حانقاً: طبعاً مش فاضيالي..مستعجله حضرتك.
ضربت جبهتها بيأس و قالت..يا بابا يا حبيبي انا وصلت متأخره عن الميعاد اللي كان المفروض أوصل فيه.. يعني شكلي زباله من أول يوم و إنت عارف الإنطباعات الأولي تدوم و أنا مش عايزه الباشمهندس ياخد عني إنطباع إني مش ملتزمه في مواعيدي من أولها.
تنهد والدها بصوت مسموع وقال:طيب يا ست غزل إتفضلي..لما نشوف اخرتها إيه.
_أخرتها فل إن شاءالله..يلا أنا طالعه علي السلم أهو..هكلمك بعدين.
أنهت المكالمه وهي تضع هاتفها بحقيبتها و باليد الأخري تطرق الباب لينفرج فوراً قبل ان تنظر إلي الواقف أمامها وتقول:صبـاح الخيـ....
بترت كلمتها عندما رأته يقف أمامها لتتمتم بذهول و عدم تصديق وقد شعرت بأن قلبها سيتوقف من شدة الصدمه وقالت:يحيـي؟!
جلس قاسم إلي جانبه و هو يمد يده إليه بـِ فنجالاً من القهوة فنظر إليه يحيي مبتسماً و أخذه منه وهو يقول: شكراً يا قاسم تاعبك معايا.
ربت قاسم علي فخذه وقال بإبتسامه:لا يا يحيي متقولش كده إنت زي أخويا و ربنا العالم أنا بعزك إزاي كإني أعرفك من سنين،مش شوية أيام.
اومأ يحيي مؤكداً علي حديثه لينظر قاسم أمامه و يتنهد مطلقاً العنان لخيالـهِ وقال:تعرف يا يحيي...
نظر إليه يحيي بإهتمام ليستأنف حديثه و يقول:في ناس ممكن أول مرة تشوفها بس تحس إنها قريبه منك و روحها مألوفه بالنسبه ليك و لما تتعامل معاها بتتعامل بأريحية كإنك تعرفها من سنين..زيك كده.
نظر إليه يحيي بإبتسامه ليستطرد حديثه قائلاً: و في ناس ممكن تفضل معاشرها سنين طويله و روحكوا متتقابلش أبدأ و تبقي إنت كل ده بتحاول تتعود عليهم و تفهمهم عشان تكملوا سوا و في الآخر تفشل بردو..و تيجي تشوف في الآخر تلاقي نفسك غلطان و ضيعت سنين من عمرك هدر!
أومأ يحيى مؤيداً لحديثه ثم نظر إليه وقال:ده إنت فيلسوف بقا و أنا مش عارف.
إبتسم قاسم متهكماً و قال: الدنيا بتعلم ياامااا أوي و أنا كنت ناقص علام و قامت معايا بالواجب.
لم يجيبه يحيي و بالأساس لم يعرف بما يُجِبه فظل يتطلع نحوه بشرود ليقول وهو يرتشف أول رشفةٍ من قهوته: فتش عن المرأه!!
نظر إليه قاسم بإستفهام ليكمل يحيي موضحاً:دي مقوله قالها الشاعر الفرنسي إلكسندر دوماس.
ثم صمت لبرهة ليقول قاسم:قال إيه سي إلكسندر يا فيلسوف عصرك؟
نظر يحيي نحو الفراغ من أمامه و قال:قالك لما تحصل أي مصيبه لراجل أو يتصرف بغباء يوقعه في ورطه و متلاقيش أسباب أو دوافع واضحه للتصرف ده يبقا فتّش عن المرأه..أكيد في واحده ست في حياته أيّاً كانت صلتها بيه إيه هتكون هي المسئولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن المصيبه دي.
ضحك قاسم ساخراً من حاله و قال:والله صدق.
ثم نظر إلي يحيي و من ثَمّ نظر إلي الفراغ من أمامه وقال:أنا بقا يا سيدي حكايتي ملهاش مثيل..راجل متجوز و عايش حياتي فل الفل و مستقر إلي حد كبير جداً..لكن ربنا مرزقنيش بأولاد..كنت متجوز واحده أصغر مني بـ15 سنه.. قعدت معاها خمس سنين حب و دلع و سفر و تنطيط من البلد دي للبلد دي و كله زي الفل..فجأة لقيتها إتغيرت و بقت واحده تانيه..ليه معرفش..بدأت أتكلم معاها يا بنتي مالك،طب إيه اللي مزعلك مني و أنا أغيره،طب خدي الفلوس دي و روحي إعملي شوبينج إنتي صحتك بتيجي ع الشوبينج..هوب أنا عايزة أتطلق.
نظر إليه يحيي بإنتباه ليستكمل حديثه ويقول:أنا طبعاً إتصدمت و بقيت شبه المراهقين قدامها و قعدت أتحايل عليها..طب إيه السبب،طب نتفاهم،طب كاني ماني،ركبت دماغها و عايزة أطلق يعني عايزة أ
طلق..حاجه جوايا قالتلي إن الحكايه فيها إن..قولتلها طيب إستهدي بالله و نامي دلوقتي و بعدين نشوف الموضوع ده.
توقف عن الحديث لينظر إلي يحيي قائلاً بتأثر:تعرف يا يحيي أنا كنت بعتبرها بنتي!..يمكن بحكم فرق السن بيننا و عشان مخلفناش،كنت حنين عليها جداً و بعاملها كإنها بنتي..المهم..يومها هي نامت و أنا فضلت صاحي مش جايلي نوم بسبب قرارها المفاجئ ده و بالصدفه يشاء ربنا إن تليفونها يرن الساعه 4 الفجر..مسكت التليفون عشان أشوف مين اللي بيتصل لقيت واحده صاحبتها..حسيت إن في حاجه مش طبيعيه ففتحت تليفونها لقيت مكالمات بينها و بين صاحبتها دي بالساعات..و بالصدفه البحته جاتلها رساله من صاحبتها دي و التليفون في إيديا بتقوللها فيها" إتكلمتوا في موضوع الطلاق ولا لسه عشان أبدأ أمهد لأهلي في موضوع جوازنا"!!
زمّ يحيي شفتيه بأسف ليقول الآخر:بالرغم من إني كنت حاسس بس إتفاجئت..و خصوصاً لما قرأت الشات بتاعهم و إتصدمت كإني بعرفها لأول مرة.
_و عملت إيه؟!
تسائل يحيي ليجيبه قاسم قائلاً:ولا حاجه..واجهتها و هي إعترفت بكل صراحه إنها بتحب واحد من سنها و هو بيحبها و يعرفوا بعض من سنتين و إنها عايزة تطلق مني و تعيش حياتها.
و أطلق تنهيدةٍ مهمومه وقال:يومها رميت عليها اليمين في الحال و سيبتلها البيت و مشيت يوم ما قابلتك علي البحر.
أومأ يحيي متذكراً فأكمل قاسم قائلاً:بالرغم من إني كنت بحس إنها زي بنتي بس إكتشفت وقتها إني كنت بحبها و حابب وجودها في حياتي و حسيت إني إتخنت فعلاً و رجولتي إتجرحت جدآ..مشيت يوميها مكسور مش عارف أعمل إيه و لا أروح فين لحد ما لقيتك قاعد و الباقي إنت عارفه بقا.
أومأ يحيى متفهماً وقال:يعني إحنا الإتنين ضحابا المرأه!!
و إنفجر ضاحكاً ليشاركه قاسم الضحك ثم قال:يا سيدي محدش بيتعلم ببلاش و وجود ولادك معاك دي بالدنيا و إن شاء الله ربنا يعوضك فيهم خير.
_يااارب..
تمتم يحيي داعياً ثم قال: النهارده هقابل أخويا عبدالقادر و هاخد منه الفلوس و من بكرة إن شاء الله نتمم الشراكه و بالفلوس اللي تتبقي هشتري شقه صغيره نعيش فيها أنا و نور و زياد.
نظر إليه قاسم بعتاب وقال:نعم؟!ليه هو إنتوا مضايقين هنا ولا إيه؟
إبتسم يحيي قائلاً: بالعكس والله..بس معلش خلينا نستقر بقا و أظبط اموري بدري بدري.
أومأ قاسم موافقاً وقال:ربنا ييسر لك الحال يا يحيي و أي حاجة فيها مصلحتك أنا معاك فيها.
ربت يحيي علي فخذه وقال:تسلم يا قاسم،إبن أصول بصحيح..هقوم بقا ألحق أجهز عشان أقابل عبدالقادر .
و إنصرف ليستعد لمقابلة أخيه الذي كان ينتظره في أحد المطاعم بناءً على رغبة يحيي فكان يصطحب ولده يحيي برفقته.
وصل يحيي إلي المكان الذي كان ينتظره به عبدالقادر ليبتسم ببشاشة تلقائياً فور أن رأي الصغير يحيي.
دخل إلي المطعم ليحمل الصغير أولاً و يحتضنه مقبلاً إياه ثم ألقي تحبة السلام علي أخيه بإقتضاب و رسمية شديدة قائلاً:إزيك يا عبدالقادر؟
نظر إليه أخيه بحزن وقال:لسه زعلان مننا يا يحيي.. والله يا يحيي إحنا ما لينا ذنب.. كلنا إتحطينا قدام الأمر الواقع فجأه و جواز سليمان من يُسر مكانش متخطط له ولا حد يعلم بيه إلا قبلها علي طول.
أومأ يحيى وقال:مبقاش ييجي منه يا قدورة خلاص..اللي عايز أفهمه بس..إزاي تسمحوا له يفرط في واحده زي صافيه!
نظر عبدالقادر إليه مستاءً وقال:صافيه إستحملت منه و منها كتير و جت علي نفسها كتير..لحد ما حد إبن حرام اتهمها إنها كانت عايزة تعمل عمل لـ يسر و سليمان صدق و طلقها.
ضحك يحيي ساخراً بإستهجان و قال:و معقول معرفتوش مين الحد إبن الحرام ده؟
أومأ الآخر نافياً ليومأ يحيي قائلاً: علي العموم صافيه هي الكسبانه.
نظر إليه عبدالقادر بحزن و قال:أبويا بيسلم عليك يا يحيي.
إهتز قلبه و إنفطر لإشتياقه لوالده فنظر إلي أخيه و تصنع عدم الإكتراث و قال:هو كويس؟
أومأ عبدالقادر موافقاً وقال: كويس بس عايز يشوفك.
أجاب بإقتضاب وقال:إن شاء الله.
ثم سحب حقيبة النقود من بين يدي أخيه و نهض واقفاً وقال:أنا همشي دلوقتي عشان العيال لوحدهم.
إستوقفه أخيه قائلاً: طيب عرفني إنت قاعد فين أو علي الأقل هات رقم تليفونك عشان أطمن عليك و علي العيال.
_متقلقش يا عبدالقادر إحنا بخير..و لما أحب أشوفك هبقا اكلمك أنا من أي تليفون و أقول لك نتقابل فين.
ثم غادر مسرعاً قبل ان يتبدل موقفه و ينهزم أمام الحنين!
~~~~~~~~~~~~~~~
تقبع خلف زجاج نافذتها تطالع الغادي و الراحل بشرود وهي تفكر بهِ و تحاول إختلاق ذريعةً لكي تذهب إلي منزل العائلة للتقصّي حول أخباره فإذ بالباب ينفرج بغتةً و تدخل والدتها وعلي وجهها ترتسم أمارات الضيق و الحزن بوفرة و وضوح فقالت لها:مالك يا ماما فيكي إيه؟
نظرت إليها والدتها و قالت:مفيش يا حبيبتي أنا بس.....
قاطعها دخول زوجها بعصبيه وقد كاد أن يقتلع الباب من أمامه من فرط عصبيته وقال بصوتٍ جهور:لا في يا حبيبتي منا مش فاتحها ملجأ للي ملوش ملجأ..أنا عندي كومة لحم مش عارف أصرف عليهم و إنتي يا ست يُسر عامله ودن من طين و ودن من عجين،هما مش دول اخواتك بردو؟
تسائل مستنكراً لتنظر إليه بملامح ممتعضه و تقول:في ايه عالمسا يا اسماعيل أفندي؟!
أجابها ساخراً:لا أفندي ولا باشا..الحكايه و ما فيها إن اللي عايز يقعد هنا يبقا يشارك في مصاريف البيت و مصاريف التيران دي..و بعدين إنتي لو شغلتي دماغك هتاكلي و تأكلينا الشهد بس إنتي مخك متربس شبه أمك.
نظرت إليه بحنق وقالت:أشغل دماغي أعمل إيه يعني يا جوز أمي؟!أبيع مناديل في الإشارات ولا أنزل أشتغل رقاصه عشان أصرف عليكوا؟
أجابها ببرود وقال: والله الشغل مش عيب ولا حرام.. وبعدين بدل ما تتريقي حضرتك شوفي جوزك و عيالك فين و إلزقي فيهم..حتي إنتي لسه مخلصتيش عدتك يعني لو عرفتي تلاقي مطرح جوزك فين و ضحكتي عليه بنظرة و إبتسامه هيردك ليه تاني.
نظرت إليه بغيظ وقالت بحسرة:علي أساس إن أنا لو عارفه جوزي و عيالي فين كنت قعدت في بيتك؟!ليه غاويه رمرمه؟!
نظر إليها فاغراً فاه و قال بصوتٍ غاضب:غاويه رمرمه؟!طب عليا الطلاق من أمك بالتلاته لو مكنتيش من بكرة الصبح تنزلي تشوفي شغل و تصرفي معايا علي اخواتك لتمشي من البيت ده انتي و امك و اخواتك قبل منكوا و ابقوا وروني بقا هتروحوا فين.
ألقي بكلماته المتوعده ثم خرج من الغرفه كالعاصفه ليتركها هي في أوجّ غضبها و يأسها.
~~~~~~~~~~~
بعد مرور أربعة أشهر كان يحيي قد إنتقل و بصحبته أطفاله للعيش في البيت الذي إشتراه مؤخراً و بدأت حياتهم تستقر إلي حدٍ ما.
كان يقف أمام مرآة غرفته الفخمـه يعدّل هندامه للمرة الأخيره قبل أن يغادر الى مقر الشركة التي أصبح شريكاً رسمياً بها مع قاسم.
إنتهي من تجهيز حاله و بدأ بإعطاء الأوامر للصغار كعادته كل يوم قبل المغادره فقال: خلص فطار يا زياد إنت و أختك و إقعدوا إتفرجوا علي كارتون و متعملوش شقاوة و ممنوع تقفوا في شباك أو بلكونه.
تأفف الصغير قائلاً:هو كل يوم نفس الحاجات يا بابا..إحنا بنزهق و نور بتقعد تعيط و مش ببقا عارف أعملها حاجه.
نظر إليه يحيي بضيق وقال وهو يمسح على رأسه:معلش يا زياد أنا هتصرف في الموضوع ده و هشوف حد يقعد معاكوا لحد ما أرجع من الشغل،بس من هنا لحد ما أشوف حد تسمع الكلام اللي بقوللك عليه.
ثم عاد يكرر تعليماته قائلاً: إوعي يا زياد تقفوا في الشباك ولا تخرجوا البلكونه.. عشان خاطري.
أومأ زياد موافقاً وقال:ماشي يا بابا حاضر..و هاتلي و إنت جاي كل الحاجات اللي قولتلك عليها.
جلس يحيي القرفصاء ونظر إليه بإبتسامة حنونه وقال:من عنيا الاتنين حاضر..يلا أنا همشي و خلي بالك من نور.
أومأ الطفل بتأكيد ليغادر يحيي منصرفاً نحو الخارج متجهاً إلي الشركه.
كان يجلس خلف مكتبه يحتسي قهوته و يدخن سيجارة ينفث معها كل ما يملأ صدره و بيده الأخري يقوم بتصفّح الأوراق الموجوده أمامه و يراجعها ليتوقف فجأه زافراً بقوة وهو يفرك مقدمة رأسه بتعب ليقوم بإطفاء السيجارة ثم إرتشف آخر رشفةً من فنجال قهوتهٍ ليمسك بعدها بهاتفه ويقوم بالإتصال بالهاتف الموجود بالمنزل،كرر الإتصال عدة مرات و أحدً لم يجيب لينهض عن مقعده بتوتر و يحاول الإتصال مجدداً ليصله صوت زياد الضاحك بشدة فتنهد براحه وقال:إنت فين كل ده يا زياد قلقتني عليكوا.
قال زياد من بين ضحكاته المرتفعه:كنت بلعب أنا و نور استغمايه و شافتني...
و عاد ليضحك بقوة فقال يحيي وهو يهز رأسه بيأس:طيب خلي بالك منها وأنا شويه و جاي مش هتأخر.
_بس إحنا بقينا جعانين أوي يا بابا..أدخل أعمل أكل لنور؟
قاطعه والده قائلا:لا إوعي تيجي جمب حاجه أنا هاجي دلوقتي حالاً و أعمللكوا اللي إنتوا عاوزينه..تمام؟
_حاضر.
أنهي الإتصال علي الفور و إلتقط سترته من علي ظهر المقعد و خرج من مكتبه ليلتقي بـ قاسم في طريقه الذي نظر إليه متعجباً وقال:رايح فين يا يحيي؟!
_معلش يا قاسم كمل إنت بقية الورق لإن زياد و نور جعانين و لازم أرجع البيت حالاً أعمل لهم أكل.
=بس ده مش هينفع يا يحيي إنت كده مقصر جامد في شغلك و مش عارف تركز.
أومأ يحيى موافقاً وقال:معاك حق،أنا مش عارف أعمل إيه..كل ما أجيب واحده تخدمهم و تقعد معاهم تزهق من طلباتهم و شقاوتهم و تقوللك أنا ست صحتي علي قدي و عيالك أشقيا و مش عارف ايه..
قال قاسم ببساطة:طيب هاتلهم sitter "جليسه" تفضل معاهم الوقت اللي إنت تحدده و تمشي بعدها و دي هتبقا وظيفتها يعني هتتقبل منهم كل حاجه و هتقيم سلوكهم كمان و وتساعدك كتير
نظر إليه يحيي مستبشراً وقال:تصدق فعلاً ده الحل الصحيح..أنا هشوف الموضوع ده في أقرب وقت و إن شاء الله يتحل.
أومأ قاسم وقال:ده هيريحك كتير و هيخليك تعرف تركز في شغلك و في نفس الوقت تبقا مطمن عليهم.
أوما يحيي بتأكيد ليضيف قائلاً:معاك حق..أنا همشي دلوقتي و من بكره بإذن الله هدور علي sitter تقعد معاهم.
إنصرف سريعاً ليعود إلي بيتهِ في أقل من نصف الساعه ليجد أطفاله في إنتظاره و بمجرد ما إن دلف إلي البيت حتي ركض كلاهما نحوه ليحملهما سوياً و يمنح كلاً منهما قبلةً عميقه فقالت نور:بابا،نور جعانه
إحتضنها بقوة وقال:يا روح بابا يا نور..شويه صغيرين خالص و هناكل.
نظر إليه زياد وقال:عايز مكرونه و بانيه يا بابا.
أومأ موافقاً وقال ضاحكاً: تصدق يا زيزو نِفسي راحتله..مأكلتوش من إمبارح.
و أضاف ساخراً:هو أبوك بيعرف يعمل غيرهم يا سي زياد..يلا خلي بالك من نور علي ما أجهز الأكل.
أعدّ الطعام لهم سريعاً قدر الإمكان و من ثَمّ بدأ بترتيب الفوضي التي صنعوها ليبدأ بعدها في إكمال عمله الذي لم ينجزه بالمكتب و بعدها بدأ بالبحث عن مراكز توظيف جليسات.
توّصل إلي رقماً قام بالإتصال بِه فأجابته مديرة المركز قائلة: أهلاً وسهلاً بحضرتك يا فندم!
_أهلاً بحضرتك..الحقيقه كنت عايز sitter من عندكو لمرافقة طفلين 3 و5 سنين.
=تحت أمرك يا فندم و حضرتك تحب تحدد ساعات العمل؟!
_أه ياريت يكون من 10 الصبح لـ6 المغرب.
=تمام..هنحتاج من حضرتك العنوان و تسيبلنا رقم تليفون نتواصل مع حضرتك من خلاله و في خلال يومين بإذن الله هنرد عليك.
_تمام بس ياريت مش اكتر من يومين.
ثم أملاها عنوان منزله و رقم هاتفه وأنهي المكالمه ليذهب و يقوم بتحضير طعام العشاء لأطفاله و من بعدها جلسوا ليتناولوا عشائهم سوياً.
_بابا هي ماما مش هتيجي تقعد معانا ليه؟
تسائل زياد بعفوية و براءه فقال يحيي بتخبط:ليه هو أنا مش كفايه يا زياد؟
نظر إليه الطفل بعدم إستيعاب ليقول هو ببساطة:هو أنا مش بعمل لكوا كل اللي إنتوا عاوزينه يا زياد؟! و من بكره في واحده هتيجي تقعد معاكم و تلعب معاكم و تخلي بالها منكم علي ما أرجع من الشغل.
أومأ الطفل بهدوء و كأنه لم يفهم شيئاً أو لم يصل للإجابه التي كان ينتظرها منه ليعود يحيي و يقول بنبرة أكثر حناناً:بص يا زيزو..من هنا ورايح أنا و إنت و نور هنعيش مع بعض هنا...
قاطعه الصغير متسائلاً:طيب و ماما؟
أشاح يحيي بوجهه للجانب وقال:مش هتبقي معانا
_هتفضل مع عمو سليمان و النونو فضل؟
نظر إليه يحيي بقوة وقال بإستنكار:فضل مين؟
أجاب زياد:النونو بتاع ماما و عمو سليمان..عمو سليمان قاللي إن ماما هتجيب لنا نونو إسمه فضل...
إحمرّ وجهه و برزت عروق وجهه الغاضبه بشدة ليصيح بعصبية بالغه وقال:كمل أكلك يا زياد عشان تدخلوا تناموا يلاااا.
نظر إليه إبنه شاحب الوجه و أدمعت عيناه مما أثار غضبه أكثر و جعله يلقي بملعقته من بين يده و ينهض عن المائدة بغضب چم ثم ذهب إلي الشرفه و وقف يدخن سيجارة تلتها أخري و أخريات كثيرات وهو مغمض العينين شارداً بها.
وحدها هي من إمتلكت قلبه و إستطاعت الإستحواذ عليه و وحدها من إستطاعت النَيٍل منه و من قلبه و دمرت حياته،وحدها أيضاً من جعلته يتمني الموت آلاف المرات.
تذكر ضحكتها،إبتسامتها المشرقه،عيناها اللامعه التي طالما بات يتأملهما،شفتاها المرسومتان بدقه و عنايه اللتان طالما تذوق شهدهما و غرق بهما،تذكر كل حركاتها و سكناتها،ضحكاتها و دمعاتها،حديثها و صمتها،تذكر كل تفصيلةٍ كان يدقق النظر بها يوماً و لم يكن يعلم أنها ستصبح يوماً مجرد ذكري!
~~~~~~~~~~~
بين بكاءٍ و نحيب كان يتبدّل حالها،من سئ إلي أسوأ كانت تمر أيامها،فقدت لذة الحياة منذ أن رحل الجميع من حولها و اولهم كان هو،و من بعد أن بدأت تصمد و تواجه مجدداً سددت لها الحياة ضربةً قاسية أودت بها.
مرّ أكثر من أربعة أشهر علي وفاة أكرم و والدته و مثلهم علي عودة يحيي الذي لا تعرف عنه سوي أنه علي قيد الحياة.
كانت تنفرد بآلامها و تجلس بغرفتها وحيدة قبل أن تستمع إلي طرقات علي باب غرفتها فأذنت بالدخول لتجد والدها و عمتها يتقدمان نحوها و من ثَمّ جلسا إلي جوارها فبادر والدها بالحديث قائلاً:مالك يا غزاله؟!شاردة لوحدك ليه؟
إبتسمت لتشبيه والدها وقالت:مفيش يا بابا انا كويسه الحمد لله.
ربت علي ذراعها بحنان و قال:المحامي بتاع أكرم الله يرحمه كان بيكلمني دلوقتي و بيقوللي إنه هييجي بكره يتكلم معاكي عشان موضوع الورث و كده.
قالت بهدوء:ورث إيه؟أنا مش عايزة حاجة يا بابا.
قال والدها متفهماً:يا حبيبتي جوزك الله يرحمه مكانش ليه حد..و كل اللي يملكه ده من حقك..لكن دي حريتك الشخصيه لو مش عايزة حاجة ممكن تتبرعي بالفلوس دي للجمعيات الخيريه او تفتحي بيها مشروع خيري يكون صدقه جاريه على روحه و روح والدته الله يرحمها...اللي تشوفيه إنتي.
إبتسمت وقالت:معاك حق يا بابا أنا هعمل كده فعلاً.
أومأ موافقاً ثم قال: بإذن الله لما المحامي ييجي خليه يفهمك إيه اللي المفروض يتعمل و يساعدك هو في الموضوع ده.
برز صوت صافيه تقول بهدوء: زينب كانت بتكلمني من شويه.
إرتسم الفرح و السرور علي محيّاها و قالت بلهفه:في أخبار عن يحيي؟
نظر إليها والدها بيأس لتنكمش ملامح وجهها وهي تحاول مداراة لهفتها لتكمل صافيه حديثها وتقول:يحيي راحلهم البيت.
بتلقائيه شديدة و دون وعيٍ منها إمتدت يدها لتضعها فوق صدرها موضع قلبها تحاول تهدأة ضربات قلبها المتلاحقه وقالت بصوتٍ مهزوز: وبعدين؟
_بتقوللي كان زعلان جدآ و واخد موقف منهم كلهم حتي أبوه مش قابل يكلمه و خد عياله و حاجتهم و مشي.
أومأت غزل برأسها تستحثها بحماس عينيها علي إسئناف حديثها فقالت: و بتقول إنه طلّق يُسر.
إتسعت إبتسامتها و إنشرح قلبها فتساقطت العَبرات من عيناها لا إرادياً و تمتمت في نفسها تحمد الله.
قال إبراهيم متحفزاً: وبعدين؟
أجابت صافيه قائلة:و بتقول كمان إنه صفّي فلوس المحل بتاعه و طلب منهم الفلوس اللي كان عاطيها لـِ سليمان أيام الشقة بتاعة القاهرة اللي كان باعها و خسر فيها دي.
أومأ إبراهيم متفهماً وقال:يحيـي هينتقم من أخوه و مراته..قلبه إسوّد من الصدمه و القهرة و بقا إنسان تاني.
_حقه يعمل أكتر من كده!
نطقتها غزل بإندفاع لينظر إليها أبيها ويقول:البني آدم لو ساب نفسه للإنتقام يبنتي يبقا كده بيظلم نفسه..بيتحول بالتدريج من شخص طيب و هادي و نضيف لشخص تاني إسود و مليان كره و غل و حقد علي اللي حواليه و تيجي تبصي تلاقي نفسك مش طايقه تعاشريه ولا تتكلمي معاه عشر دقايق علي بعض حتي.
شردت غزل بحديثه بينما نهض هو واقفاً وقال:أنا هدخل أنام و خليكوا إنتوا قاعدين..تصبحوا علي خير.
كان متجهاً نحو غرفته قبل أن يستوقفه رنين هاتف غزل فتسائل:مين يا غزل؟
أحابته وهي تجيب الإتصال:ده تليفون من الشغل.
_ألو..أيوة يا أستاذه رضوي ٱزيك؟
=الحمدلله يا غزل إنتي أخبارك إيه؟
_بخير والحمد لله..أؤمريني؟
=بصي يا غزل..في واحد محتاج جليسة لطفلين عندهم 5و 3 سنين..كلمت إسراء و لبني قالولي كلمي غزل هي نفسها من زمان ترافق أطفال في السن ده فقولت اكلمك و أشوف لو مستعده للشغل في الفترة دي او لا.
نظرت غزل إلي أبيها الذي هز رأسه مستفهماً فقالت:تمام يا أستاذه رضوي هشوف رأي بابا و أرد عليكي.
أنهت الإتصال فقال والدها:في إيه يا غزل؟
قالت وهي تعلم جوابه: أستاذه رضوي بتقوللي إن في واحد محتاج جليسة لطفلين و هي رشحتني ليه يعني....
قاطعها قائلاً:لأ طبعاً مينفعش خروج اليومين دول.
نظرت إليه صافيه وقالت:ليه يا إبراهيم مهي كملت عدٌتها خلاص.. وبعدين إنت مش شايف نفسيتها تحت الصفر ازاي؟
نظر إلي صافيه محذراً وقال:صاااااااافيه..مش عايز كلام كتير في الموضوع ده..قولت لأ يبقا لأ.
نظرت غزل إلي والدها بحزن شديد مما جعله يزفر مستغفراً ثم قال:إنتي بتبصيلي كده ليه؟
نظرت إليه قائلة:مفيش يا بابا.
إقترب منها و جلس إلي جوارها مجدداً وقال:يا غزل أنا خايف عليكي..إنتي دلوقتي بقيتي أرمله يا بنتي يعني الحال إتغير..إنتي مش صغيره و عارفه الناس في مجتمعنا بقت مريضه ازاي..أنا مش عايز حد يضايقك بكلمه.
نظرت إلي والدها بضيق وقالت:لحد إمتا يا بابا هتفضل خايف عليا؟
_لحد ما أموت.
أجابها ببساطه لتتنهد قائلة و الدموع تملأ عيناها:بعد الشر عنك..يا بابا إسمعني لو سمحت..أنا محتاجه أرجع الشغل جدآ الفترة دي..تعبت من القعده و زهقت و عندي طاقه محتاجه أستغلها.
نظر إليها بتفحص وقال: تضمنيلي إن محدش يضايقك؟
أحابت بمنطقية شديدة:لأ طبعاً مقدرش أضمن لك حاجه زي دي..لازم هتعرض لمضايقات و مواقف تزعلني،أنا مش هعيش لوحدي،أنا لازم هختلط ببشر و هقابل منهم الكويس و الوحش و في كلتا الحالتين أنا هستفيد.
أضافت صافيه بالمزيد تحاول إقناعه وقالت:غزل معاها حق يا إبراهيم..التعامل مع الناس هو اللي هيقويها و يخليها تعرف تميز بين المعادن اللي قدامها و متنخدعش في حد بسهوله.
نظر إليهم ينقل بصره بينهما وقال:خلاص إتفقتوا عليا إنتوا الإتنين؟!إعملوا اللي إنتوا عايزينه.
نظرت غزل إلي صافيه بفرحه شديده و إحتضنتها و من بعدها إحتضنت والدها بقوة وقالت: متحرمش منك أبدا يا بابا.
.
ربت علي ظهرها وقال:ولا أتحرم منك يا حبيبة أبوكي..يلا نامي وإنتي مبسوطه بقا و قومي بكرة روحي شغلك و إفرحي..أهم حاجة ترجعي غزل بتاعة زمان اللي كلها شقاوة و دلع.
أومأت بموافقه و علي الفور قامت بإبلاغ مديرة المركز بموافقتها فأعطتها العنوان الذي ستذهب إليه في الصباح لتخلد إلي النوم سريعاً وهي تمنّي نفسها ببداية جديدة.
إستيقظت غزل بنشاط و همة قد إستعادتهما مجدداً بعد أن فقدت كل شئ حتي شغفها بالحياة منذ الأحداث المتواليه مؤخراً.
إستعدت و تأنقت و إرتدت أحلي ثيابها و خرجت من بيتها قاصدة ذلك العنوان الذي أعطته لها مديرة المركز فإستقلت سيارة أجره و إتجهت نحوه.
في طريقها تلقت إتصال هاتفي من والدها الذي لم يهدأ له بال فهزت رأسها بيأس و أجابت قائلة:أيوة يا بابا.
_أيوة يا غزل وصلتي ولا لسه؟
إبتسمت بعدم تصديق و قالت:يا بابا يا حبيبي ما حضرتك لسه قافل معايا من خمس دقايق و قولتلك لسه في الطريق.
تأفف قائلاً:مش عارف أنا المشوار ده مش مرتاح له ليه!
إبتسمت بلطف وقالت:يا حبيبي متقلقش أنا مبسوطه و مرتاحه و الدنيا زي الفل الحمد لله..يلا أنا وصلت أهو..شويه و هكلمك أطمنك عملت إيه
_ماشي و خلي بالك من نفسك و قبل ما تدخلي إتأكدي تاني إن الصاعق معاكي.
أجابته بتلهف و عدم تركيز: حاضر حاضر متقلقش..يلا باي.
قال حانقاً: طبعاً مش فاضيالي..مستعجله حضرتك.
ضربت جبهتها بيأس و قالت..يا بابا يا حبيبي انا وصلت متأخره عن الميعاد اللي كان المفروض أوصل فيه.. يعني شكلي زباله من أول يوم و إنت عارف الإنطباعات الأولي تدوم و أنا مش عايزه الباشمهندس ياخد عني إنطباع إني مش ملتزمه في مواعيدي من أولها.
تنهد والدها بصوت مسموع وقال:طيب يا ست غزل إتفضلي..لما نشوف اخرتها إيه.
_أخرتها فل إن شاءالله..يلا أنا طالعه علي السلم أهو..هكلمك بعدين.
أنهت المكالمه وهي تضع هاتفها بحقيبتها و باليد الأخري تطرق الباب لينفرج فوراً قبل ان تنظر إلي الواقف أمامها وتقول:صبـاح الخيـ....
بترت كلمتها عندما رأته يقف أمامها لتتمتم بذهول و عدم تصديق وقد شعرت بأن قلبها سيتوقف من شدة الصدمه وقالت:يحيـي؟!
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على أسم الرواي