رواية المعلم الفصل الخامس عشر بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل الخامس عشر
حمد لله علي سلامتك يا دينا فرحتيني برجوعك
_ قالتها هاجر عندما تقابلت مع دينا علي الدرج ، رسمت دينا ابتسامة لم تتعدي شفاها ورددت بفتور :-
_ قولت أرجع ألحق بيتي قبل ما يتخرب بجد !
_ ابتسمت هاجر وأردفت بسعادة :-
_ ربنا يصلح حالكم يارب
_ أبتسمت دينا بتهكم وتسائلت بإقتضاب :-
_ جاية من بدري يعني في حاجة ؟
_ انعكست تعابير هاجر للإستياء الممزوج بالخجل واردفت بندم :-
_ أنا زودتها مع ريان امبارح وزعل مني ، مقدرتش أنام طول الليل واول لما النهار طلع جيت عشان أراضيه !
_ أماءت دينا رأسها بتفهم ثم صعد كليهما معاً في المصعد الكهربي إلي أن وصلا إلي شقة دينا ، كم تمنت وجوده في تلك الأثناء كم تمني قلبها وعقلها رؤيته في منزلهم الخاص بهم وحدهم وليس عند تلك التعيسة التي تحظي بأثمن اللحظات معه
_ وقفت أمام الباب ترمقه بتردد كبير خشية عدم وجوده بالداخل ، لن تتحمل وجوده عند تلك الفتاة حتي وان عادت هي بكامل قواها وهي علي علم بما يحدث ، لا يكون أول المطاف بتلك الصعوبة ،
_ حتماً ستنهار عزيمتها ومن الممكن ألا تُكمل ما عزمت علي فعله إن لم تجده بالداخل ، أخرجت تنهيدة بطيئة ثم فتحت الباب وبحثت عنه ولم تجده ! رباه لقد صدق حدسها ، شعرت بغصة مريرة في حلقها وحاولت التماسك فقط لوجود هاجر معها ..
_ التفتت إليها وشكلت ابتسامة متهكمة لم تتعدي شفاها وأردفت مستاءة :-
_ ريان مش هنا !
_ شعرت هاجر بالحرج الشديد نحوها ، لم تعلم ما عليها فعله الآن ، بالتأكيد يمكث في الطابق العلوي ، أزفرت أنفاسها بإرتباك ورددت بتلعثم :-
_ أنا ها هطلع اشوفه فوق !
_ ابتسمت دينا بسخرية وأردفت وهي تحاول ألا تنهمر دموعها :-
_ براحتك ده اخوكي ودي مراته !
_ ازدردت هاجر ريقها فهي في وضع لا تحسد عليه ، أسرعت الي الخارج مهرولة ، وما إن أغلقت الباب حتي وقفت خلفه تستنشق الصعداء ، اعتدلت في وقفتها وهي تنظر للاعلي قائلة :-
_ حرام عليك يا ريان تعمل فينا كده ، بجد حرام !
_ أنهت جملتها وصعدت إلي الاعلي وطرقت باب شقة أخيها ووقفت في انتظار ظهور أحدهم ..
_ في تلك الأثناء شعرت عنود بالامتنان الشديد للطارق لأنه كان طوق نجاتها وإنقاذها من بين يدي هذا المراهق الذي يعيش طفولة متأخرة أو ربما يتدلل عليها ، لقد أنتهت من تدليك اجزاء متفرقة في جسده ولازال يتصنع الألم لكي تبدأ من حيث انتهت
_ أولته ظهرها وابتعدت عنه سريعاً لكي تفتح الباب لكنها تفاجئت بيده تجبرها علي الوقوف ، التفتت إليه وأسرع هو بالحديث قائلا :-
_ استني هفتح أنا ادخلي انتي جوة !
_ لم تنتظر لأكثر وهرولت مسرعة الي غرفتها فقد تريد الفرار منه ، بينما توجه ريان الي الباب وفتحه ليتفاجئ بهاجر أمامه ، شكل إبتسامة علي ثغره لها وأردف مرحباً بحفاوة :-
_ أهلا يا هاجر تعالي
_ قطبت هاجر جبينها بتعجب لنبرته المُسالمة التي تميل للهدوء والاكثر غرابة مظهره الذي لأول مرة لها أن تراه عاري الصدر ، كان دوماً شديد الحرس علي ظهوره بصورة وقورة أمام الجميع ، إذا ما الذي تغير الآن ؟
_ أنتبه ريان لنظراتها عليه وأخفض بصره الي حيث تنظر فإذا به عاري !! لم ينتبه لحالته قط ومن الطرائف أنه لم يكن مزعوج بالمرة ، بل كان يعجبه الأمر كثيراً لا يدري لما ربما يعلم لاحقاً !
_ رحب بها واستقبلها بحفاوة شديدة لم يكن في متصورها أن لقائهم سيكون حافل لهذا الحد ، توقعت فتور في نبرته أو ربما تجهم ملامحه مما تحمل الكثير من العتاب واللوم لكنه فاجئها بعكس ما توقعته تماماً ،
_ ولجت الي الداخل عندما سمح لها بينما نادي هو بصوته الرخيم علي زوجته قائلا :-
_ عنود لو سمحتي هاتي التيشيرت بتاعي!
_ تسبب في جذب نظرات هاجر عليه وقد ازدادت حيرتها من تصرفاته المبهمة التي لا تفهم من خلفها شئ ، هزت رأسها في إنكار ثم جلست علي إحدي الارآئك الموضوعة وانتظرت جلوسه لكي تعتذر منه وتهم بالمغادرة سريعاً
_ دلفت عنود علي استحياء شديد وخاصة بعد أن تفاجئت بوجود هاجر ، سحبت نفساً عميق وناولته التيشيرت خاصته وسارت نحو هاجر بعدما شكرها ريان وهي مُشكلة علي ثغرها إبتسامة لم تتعدي شفاها ، صافحتها واكتفت بإبتسامة رقيقة بينما بادلتها هاجر ابتسامة ثم استأذنت عنود وهمت بالدخول الي غرفتها ،
_ اعتدلت هاجر في جلستها وهتفت بندم وهي تفرك أصابعها بإرتباك خجل :-
_ ريان أنا آسفة مش قصدي أزعلك مني !
_ جلس ريان هو الآخر مقابلها وأجابها قائلا :-
_ متعتذريش يا هاجر بس لو سمحتي مش عايز تدخل في خصوصياتي بعد كده سواء منك او من غيرك عشان دي حياتي وانا الوحيد اللي أقرر أنا عايز ايه مش حد تاني مهما كانت درجة قربه مني !
_ أماءت رأسها بتفهم وابتسمت عكس ما تشعر به داخلها ، فلقد اشتعلت نيران الخجل وتمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها من فرط الحرج منه ، تنهدت بحرارة وغيرت مسار الحوار :-
_ علي فكرة دينا تحت أنا قابلتها !
_ لا شعور يصف مشاعر ريان في ذاك الحين ، مشاعر جامدة ممزوجة بالرفض التام لوجودها ، لام مشاعره علي رفضها المقيت هذا ، فهي بالاخير زوجته وأم لصغيرته وبينهما عشرة طويلة دامت لـ أكثر من خمسة أعوام ، سحب نفساً وعمل جاهداً علي إرخاء ملامحه لتبدو طبيعية ،
_ تنهد وقال بضجر بائن :-
_ تمام ..
_ شعرت هاجر بالحرج من حديثه المختصر ونهضت بعدما استأذنت منه وهمت بالمغادرة ، بينما نهض ريان وعاد الي حيث تجلس صغيرته ، طرق الباب بخفة ثم ولج الي الداخل ، اعتدلت هي في جلستها وهي ترمقه بخجل ، أسند رأسه علي الباب وأردف :-
_ أنا نازل
_هزت راسها بإيماءة خفيفة فاعتدل ريان من وضعية جسده في إنتظار حدث عظيم يتمني تجربته ثانيةً ، يريد وبشدة الوقوع في لذة متعته لمرة أخري ، شئ كبير لطلاما حلم به منذ افتراقه عنها ، لماذا لا ترأف به وتعانقه بجرأة يهتز لها جسده ،
_ تعجبت عنود من نظراته عليها ، لم تعي حقيقة نظراته تلك ، لكن حتماً يريد قول خطب ما ، يا تُري ماذا يريد ؟!
_ تنهد ريان مستاءً لعدم فهمها لرغبته ، ثم أبتسم بتهكم وأولاها ظهره وتعمد التباطئ في خطواته علها تحقق أمنيته الذي يطالب به كل أنش بجسده !
_ فتح الباب وألقي نظرة سريعة علي غرفتها قبل أن يوصد الباب خلفه ، تنهد بضيق ثم هبط للاسفل لم يريد مقابلة دينا في ذلك الحين قط ، لكنه افتقد كثيراً لعناق صغيرته ولابد أن يُجبر علي لقائها فقط من أجل صغيرته ،
_ طرق الباب وانتظر حتي فتحت له ، لم تستطيع دينا تشكيل إبتسامة علي ثغرها كما كانت تفعل دوماً عند استقباله ، الوضع يختلف الأن وبالكاد تقف شامخة أمامه ، تلك هي بداية الصعاب إذا فهل ستصمد للنهاية أم أن لقلبها رؤي أخري !
_ تنهدت وبالكاد تحدثت بمزاج غير سوي :-
_ اتفضل ..
_ تنحت جانباً لكي تسمح بمروره ولج هو الي الداخل باحثاً عن صغيرته وعندما لم يراها التفت الي دينا وسألها بتهكم :-
_ جني فين ؟
_ زفير وشهيق فعلت دينا حتي لا تجهش بالبكاء ، تماسكت وأجابته مختصرة :-
_ في اوضتها بتلعب ..
_ أماء رأسه ثم سار نحو غرفة صغيرته ، بينما أوقفته دينا قائلا :-
_ علي فكرة أنا حامل !
_ التفت ريان إليها عندما لم يستوعب عقله ما قالته بينما تابعت هي حديثها بألم :-
_ عرفت يوم..
_ لم تستطيع تملك دموعها التي انسدلت كالشلال ألماً وأكملت بنبرة مرتجفة :-
_ يوم ما اتجوزت صدفة غريبة اوي ..!
_ حك ريان مؤخرة رأسه بشدة لا يعلم ما عليه قوله في تلك الأثناء كما أن مشاعره اضطربت ولم يعد يعي بماذا يشعر ، أليس عليه أن يسعد بذاك الخبر سيكون أباً لمولود جديد ، اهو حقاً جدير بتلك الاُبُوة ؟ يفعلها علي اكمل وجه أم أنه مجرد نطق لاسم ' أبي ' لا اكثر .. ؟
_ استشعرت دينا حيرته لكن كـ المُعتاد فسرتها بعقلها هي وليس علي حقيقتها ، أبتسمت ساخرة وأردفت مستاءة :-
_أنا آسفة طبعاً انك هتستحمل مسؤولية تانية في وقت انت عايز تكون خالي فيه للعروسة الجديدة بس بجد مش بإيدي !
_ قطب ريان جبينه ورمقها بنظرات مستاءة ، يريد فقط عدم إساءة فهمه لمرة واحدة من قِبلها ، فقط لمرة ..
_ سحب نفساً عميق ثم سار نحوها وأردف متسائلا :-
_ انتي رجعتي ليه يا دينا ؟
_ تلقت صعقة قوية من سؤاله أهو لا يريدها حقاً ، استغني عنها بتلك السهولة ؟ لمجرد يومين ، فقط يومين مكثهم بجانب تلك الافعي التي سرقته منها يحولونه لشخص آخر لا تعرفه ،، !
_ اقتربت منه هي الأخري ووقفت شامخة أمامه وقالت بنبرة قوية :-
_ مكنتش أعرف أن رجوعي هيضايقك كده!!
_ تعالت ضحكات ريان وهو يجوب المكان بأنظاره ثم عاد ببصره إليها وهو يهز رأسه في إنكار وصاح بها :-
_ أقولك أنا رجعتي ليه ، مقدرتيش تستحملي فكرة اني قاعد مع واحدة في نفس البيت وطبعاً شيطان أفكارك صورلك صور كتيرة أوي أهمهم اني ... طبعاً انتي فاهمة مش غير توضيح ، حتي لو كانت الجوازة كلها علي بعضها لا تعني لي بشئ فأنا هسيبك كده ، هسيبك لشيطانك يلعب بيكي يمكن وقتها بس تتغيري وتفهمي ريان بجد !
_ وما إن أنهي حديثه حتي أولاها ظهره ليمتع عينيه برؤي صغيرته ويفر هارباً من ذاك المنزل بل ذاك المعتقل ..!
_ فتح الباب بخفة وهو ينظر إليها بتسلية ، ابتسم عندما رآها تلعب بالدمي خاصتها وكاد أن يفاجئها بدخوله لكنها جذبت انتباهه بحديثها الخافت مع دُميتها ببراءة :-
_ آبلة عنود قالتلي أتكلم مع ربنا واطلب منه لعبة بس انا مطلبتش لعبة ، عارفة أنا طلبت ايه ؟ هقولك بس مش تقولي لحد عشان ماما زعلانة منها عشان أخدت بابا ،
_ راقبت الصغيرة المكان سريعاً بينما أغلق ريان الباب لكي لا تراه ثم واصلت حديثها مضيفة :-
_ طلبت منه أنها تقعد معايا عشان هي بتجيب لي بونبون وانا بحبها اوي
_ تشكلت ابتسامة علي ثغر ريان ثم طرق الباب وولج للداخل قائلا :-
_ جنجونتي وحشتيني اوي
_ نهضت الصغيرة وركضت بخطوات طفولية نحوه إلي أن باتت في حضنه ، شد ريان علي ظهرها من فرط اشتياقه لها ، ثم أبعدها عنه قليلا وداعب خصلاتها المتحررة وقال :-
_ بابا موحشكيش ولا ايه ؟
_ عبست الصغيرة ولوت شفاها بحزن زائف وقالت :-
_ وحشتني اوي يا بابا أنا فرحانة عشان رجعت لعروستي
_ ضحك ريان علي عفويتها ووضع قبلة علي وجنتها كما شعر بالندم الشديد حيالها ، لماذا تركها بعيدة عنه مهما كانت الأسباب لابد وأن تمكث بين أحضانه هو فقط ..!
_ تنهد ونهض لتسرع هي متسائلة :-
_ رايح فين ؟
_ ابتسم ريان وأردف بنبرة رخيمة :-
_ رايح شغلي ..
_ ركلت الصغيرة بقدميها علي الأرض وقالت :-
_ عايزة بلونة يا بابا
_ أبتسم لها ريان وهتف وهو يعبس بخصلاتها :-
_ من عيوني يا عيوني وانا طالع بليل هجيب لك بلالين كتير اوي
_ قبلها من جبينها وغادر مسرعاً قبل أن يتقابل مع دينا مرة أخري ، بينما لم تبرح هي مكانها وظلت طريحة الفراش حينها ، تبكي ولا تفعل سوي البكاء الصامت الذي يمزق أشلائها من الداخل ،
" هسيبك لشيطانك يلعب بيكي يمكن وقتها بس تتغيري وتفهمي ريان بجد !
_ فقط تتردد تلك الجملة في عقلها ، كيف له أن يقول ذلك بعد كل تلك الأعوام العديدة التي مضت وهم لم يفترقا قط ، كانت علاقتهم سوية وطبيعية لأكثر حد ، هل يعقل أنها فقط من شعرت بذلك ؟
_ أيعقل أنه بدي لها كشخص وفي النهاية اكتشفت شخص آخر !
_ لا تدري ! تراجعت برأسها الي الخلف واستلقت بجسدها علي الفراش واحتضنت وسادتها التي ترقرت عليها دموعها وباتت في ضجة شديدة لا يسمعها سوي قلبها ..
___________________
_ دخل إلي مكتبه بعدما طلب قهوة زائدة الدسم كما لم يفعل من قبل ، جلس علي مقعده وشئ واحد يتردد في عقله ومشاعر وصفه تتكرر كالسابق " عناقها "
_ تنهد بحرارة بعدما خرج من شروده علي طرق الباب ، سمح للساعي بالولوج وشكره بإبتسامة بشوشة ثم غادر الساعي ، رفع ريان فنجان القهوة وارتشف القليل منه وهو موصد العينين لكي يستمتع بلذة حرارتها في فمه مع رائحتها الشهية التي ازدادت جمالاً مع زيادة حبات السكر ،
_ فتح عينيه علي صوت مزعج يقول :-
_ لا لا حالتك دي مش عجباني أبداً ، انت فيك حاجة غلط قر واعترف وقول في ايه بدل ما ازعل وأجيب ناس تزعل
_ صاح بهم خالد وهو يقف أمامه متعجباً من حالته المبهمة تلك ، تنهد ريان وارتشف مرة أخري وهو لا ينوي تعكير صفوه الأن بل ولن يسمح بذلك إطلاقاً ، فالقهوة مع عناقها الذي لازال يشعر بلماسته التي مزقت اشلائه لا يمكن أن يتلاشوا بتلك السهولة ،
_ سحب نفساً عميق ووضع الفنجان علي مكتبه بعدما أنهاه بالكامل واعتدل في جلسته وأردف بحدة زائفة :-
_ نعم! عايز ايه ؟
_ رفع خالد أحد حاجبيه بتعجب اكبر واقترب منه بخطي سريعة ووضع راحة يده علي جبينه لكي يتأكد من عدم ارتفاع حرارته قائلا بمزاح :-
_ لا مش سخن اومال في ايه ؟
_ دفع ريان بيده بعيدا وهتف بفتور ممزوج بالتوسل :-
_ بقولك ايه ما تسيبني مع نفسي النهاردة وبلاش رخامتك دي حقيقي مش عايزها النهاردة بس !
_ قهقه خالد عالياً ومن ثم جلس علي طرف المكتب وعقد ذراعيه وهتف بتصميم :-
_ ده بعينك لو سيبتك قبل ما تعترف ايه اللي مشقلب حالك كده ؟
_ تأفف ريان ورمقه بنظرات مشتعلة وأردف بنبرة هادئة :-
_ مرتاح !
_ نهض خالد من علي مكتبه واولاه ظهره وجلس علي الأريكة الجلدية المقابلة لريان وهتف بسعادة :-
_ ربنا يديم راحتك ، بس ايه اللي حصل يخليك كده مفهمتش برده ؟
_ نهض ريان هو الآخر وسار نحوه ببطئ ثم أمسك بذراعه وأجبره علي النهوض وسار به نحو الباب وما أن وصل حتي دفعه خارجه وغمز إليه بمكر :-
_ روح شوف شغلك مش فايق لك !
_ لم يعطيه ريان أي مجال للنقاش أكثر فلقد أغلق الباب وعاد الي مقعده ثانيةً وانهمر في عمله المتراكم عليه ..
____________________
_ مر أسبوعين سريعاً لم يتغير فيهما شئ ، بل كانت الأمور هادئة الي حد ما ، مازالت رنا تحاول معه بشتي الطرق ولازالت تفشل كالمعتاد بل وكان فشلها ذريع للحد الذي لم تكن تتصوره ، منذ ظهور تلك الفتاة في حياته وهو حتي لا يعيرها غضبه لطلاما كانت تتلذذ به فقط لأنه يحادثها ..
_ يزداد يحيي غيره عن سابق يومه علي عنود لا يدري حقيقة أمره بعد لكنه حتماً مزعوج من قربها من ريان ، يشعر بتدفق الادرينالين في شرايينه مع تشنج عضلاته ناهيك عن بروز عنقه عندما يلمح طيفها ، لا يدري أين جاء بتلك المشاعر الفياضة تلك نحوها لكنه يريدها وبشده لكن كيف وهي باتت زوجة أخيه ، أخيه الذي بمثابة والده ناهيك عن أحلامه التي يعاونه دوماً علي تحقيقها ، كما أنه يملئ فراغ افتقاده لوالدته التي تركته وذهبت مبكراً ولم ينعم بحضنها الدافئ ولا حنو اموميتها ، لكن يجدر عليه الإنسحاب من تلك المعركة من أجل أخيه لكن كيف وهي باتت شاغله الأساسي !!.
_ كذلك هاجر لم تعد تأتي يومها من كل أسبوع لإنشغال ريان عنها وعدم إلحاحه عليها كما يفعل دوماً معها ، تأتي فقط بضعة ساعات قليلة مع غروب الشمس لتطمئن علي صحة والدها وتعود الي منزلها دون تكليف ..
_ كما أن دينا ازدادت حالتها الصحية سوءاً بسبب حملها مع نفسيتها المدمرة وباتت طريحة الفراش لا تقدر علي النهوض الا بمساعدة والدتها وشقيقتها المرافقين لها في تلك الأثناء ،
_ بينما يقضي ريان الليل في شقته الأخري مبرراً فعلته لكي يترك لهم مساحة كافية ليفعلوا ما يحلوا لهم دون خجل ،
لكن شئ واحد فقط بات يشغل قلبه من فرط اشتياقه وافتقاده لعناق واحد ، يريد أن يشعر بذاك الشعور الذي زلزل قلبه وهز كيانه لمرة أخري ،
_ لم يحظي به مرة أخري علي الرغم من مكوثه معها في منزل واحد طيلة أسبوعين كاملين ، لم تتعدي علاقتهم التحية الصباحية وكذلك المسائية ، ويفر هارباً منها طيلة اليوم لا يفهم حقيقة مشاعره من أين يفتقد عناقها وهو نفسه يهرب منها ولا يترك لها المجال لتكرار فعلتها ثانيةً ..
_ بينما ظلت عنود مرافقة للقران الكريم ولم يمر يوماً من دون التمتع بقرائته وكأنها رسائل من الله لها علي هيئة آياته الكريمة ، كانت تشعر بالسعادة الغامرة عندما تقرأ أية تصف وضعها أو تشعر بأنها تُشبهها ، يالا الروعة حقاً إن الله كريم ورحيم بها دائماً يتدخل بحكمته من خلال تلك الآيات التي تلمس قلبها وتهون عليها ، كان يُأزرها في وحدتها وأيضاً عندما تنحط قواها بسبب فراق أحبتها ..
_ كما قرر ريان تدوين مافي قلبه لربما يفهم حقيقة مشاعره ويعرف ما عليه فعله ..!
_ زفيراً وشهيقاً فعل بعدما جلس علي مقعد مكتبه ، فتح الدفتر وسحب قلم من بين عدة اقلام موضوعة في عُلبة صنعت خصيصاً لهم ،
_ الآن , ماذا يكتب ؟ لا يدري ، وكيف سيُدون شئ لهم وعلاقتهم لم تتعدي العناق !
_ تقوس ثغر ريان بإبتسامة عندما ردد كلمة عناق في جوفه لأكثر من مرة ' إذا إنه العناق '
_ فتح أولي صفحات الدفتر ودون به
( والجدير بالذكر أن الأمان خُلق من ضلع عناق ، فقط ' عناق ' )
_ اكتفي بتلك الجملة التي هي بمثابة وصف لـ علاقتهم الفترة الماضية ، وأغلق الدفتر وفتح أحد ادراج مكتبه ووضعه فيه ومن ثم أغلقه وعاد لعمله ...
___________________
_ أعددت جميع مستلزماتها التي ستحتاجها بأول يوم في جامعتها ، كما وضعت كُتيب صغير للقرآن ليكون رفيقها حينذاك ،
_ ارتدت حقيبة ظهرها ونظرت إلي صورتها المنعكسة في المرآة بتفحص ثم هاتفت ريان لتخبره بذهابها ،
_ استمعت لصوته التي حفظت نبرته جيداً وهو يقول :-
_ انتي كويسة ؟
_ أبتسمت لإهتمامه البائن وأجابته برقة كما اعتاد هو منها :-
_ أنا بخير ، كنت عايزة أعرفك أن النهاردة اول يوم في الكلية و..
_ قاطعها ريان وهتف :-
_ ااه أنا نسيت ، خمس دقايق وهكون عندك ..
_ أغلق الخط قبل أن يستمع لردها وقام بأمر أحد عامليه هاتفاً بأمر :-
_ خلي بالك من المعرض أنا رايح مشوار ساعة وراجع
_ ركب سيارته وعاد بأدراجه الي منزله ، صف سيارته أسفل البناية وهبط منها ليتفاجئ بها تطل عليه بثوبها الاسود المعتاد لكن ما يسعده أنه فضفاض للحد الذي لا يظهر أهي نحيلة ام سمينة ، ابتسم لـ طلتها المحببة إليه ، ألقت عليه التحية بحياء :-
_ صباح الخير
_ صباح النور
_ هتف بها ريان وهو يرمقها بتفحص شديد ثم سار معها الي الباب وقام بفتحه لها ، ابتسمت بخجل ومن ثم انسدلت بجسدها وجلست علي المقعد ،
_ تفاجئ ريان بهرولة يحيي عليه وقال بأنفاس متقطعة :-
_ ريان خدني معاك
_ ابتسم له ريان وربت علي كتفه بحب بينما جلس يحيي بالخلف وظلت عيناه مثبتة علي المرآة الخارجية لنافذة عنود ، لم يستطيع إبعاد نظره عنها طوال الطريق ، بينما التزم كليهما الصمت إلي أن وصلا إلي الجامعة..
_ ترجل جميعهم خارج السيارة ، رمق ريان المكان بنظراته الثاقبة ، شعر بإنتمائه لهذا المكان ، تذكر كم من مرات عديدة قادته قدمه الي هنا وبات طيلة اليوم يراقب الجامعة ويصور بعقله عدة مشاهد له وهو بداخلها كـ طالب جامعي وليس بصبي يراقب ما يحدث مع الافتقاد الشديد لدراسته بها ،
_ تملك الحزن منه وبدي علي ملامحه التي انعكست علي تقاسيمها ، سحب نفساً عميق والتفت إليهم وقال موجهاً حديثه إلي عنود :-
_ تعالي نعرف مدرجكك فين !
_ رفعت بندقيتاها عليه بإستحياء وواصل هو حديثه قائلا :-
_ هتتعبي علي لما توصلي للمدرج بتاعك وخصوصاً لو كنتي لوحدك تعالي أنا هساعدك
_ أماءت رأسها بطاعة ثم اقتربت منه علي حياء ، وجه ريان حديثه الي يحيي :-
_ اللي يوصل لاسم حد فيكم يكلم التاني يعرفه ، تمام !
_ كانت هذه الجملة بمثابة قطعية لأن يفترقا ، غادرهم يحيي سريعاً وهو يكاد ينفجر غيظاً ، لم يضع ريان في حِسبته بل رسم طريقه معها فقط وليس بمرافقتها لـ ريان وليس هو ،
_ بينما مد ريان يده بالقرب من عنود فتفاجئت هي بفعلته ورفعت بصرها عليه متعجبة من أمره ، تنهد ريان وهتف موضحاً :-
_ ممكن نتوه وسط الحشد ده كله لازم نكون قريبين من بعض عشان منضيعش وقت !
_ مُحتال كبير !! هو فقط آراد أن يحظي بلمس يدها علي الرغم من أن هذا بعيد كل البُعد عما يريد لكن سيكتفي بذلك الآن ،
_ بعد بحث طال لاكثر من ثلاثون دقيقة ، وصل كليهما الي المدرج المقصود ، سحبت عنود يدها من بين قبضتي وأردفت بخجل :-
_ Thanks for your help
( شكراً علي مساعدتك )
_ تقوس ثغره بإبتسامة عذبة وغمز إليها وهتف بمزاح :-
_ you're welcome
( علي الرحب والسعة )
_ لم تستطيع منع ابتسامتها التي زادت وجهها إشراقاً ، سحبت نفساً عميق وقالت بتلعثم :-
_ أنا هدخل ، هتمشي ؟
_ أماء رأسه بالايجاب وهتف بنبرة تحمل بين طياتها الخوف والشجن :-
_ خلي بالك علي نفسك ، كلميني لو حصل حاجة ..
_ أماءت رأسها بخجل ثم أولته ظهرها لكنه أوقفها قائلا بنبرة آمرة :-
_ استني
_ كادت أن تلتفت إليه لكي تعلم ماذا يريد لكنه أجبرها علي الوقوف وشعرت به يفتح حقيبتها ثم اغلقها وقال بصوته الأجش :-
_ يلا ، تقدري تدخلي المدرج ..!
_ التفتت إليه وهي عاقدة ما بين حاجبيها بغرابة ، تفاجئت به يرفع أحد إصبعيه ويقربهم من جبينه ثم يرفعهم للأعلي وغادر ، لم تفهم معني تلك الحركة وازدادت غرابتها منه وما أن اختفي طيفه من أمامها حتي ولجت داخل المدرج ،
_ وقفت أمام الباب مذهولة من ذاك الحشد الهائل في المدرج الواحد ، صوت ضجيجهن مرتفع للحد الذي تسبب في خفقان قلبها بصورة قاسية ، توتر قد عصف بها في تلك اللحظة وازدردت خوفاً منهم وراودتها أسئلة عدة ، هل يشبهونها ؟ هل ستتأقلم مع ذاك الحشد الكبير ؟ هل ستقابل صديقة وفية يسيران علي العهد معاً ؟ هل ستنجح في تلك الضجة المثيرة للجدل ؟ هل ستحقق حلمها لطلاما تمنته منذ الصِغر ؟
_ خرجت من شرودها علي صوت فتاة يأتي من خلفها قائلة بنبرة متوجسة :-
_ أنا مرعوبة ايه كمية الطلبة دي !!
_ استدارت بجسدها إليها لتري فتاة بملامح قمحية بسيطة ذات قامة طويلة ، تغزو حسنة كبيرة أسفل شفاها ، والمثير للاهتمام الممزوج للاعجاب أنها ترتدي فساتين فضفاضة لا مثل اللواتي رآتهن في الجامعة ،
_ الصور طلعت حلوة؟
_ هتفت بهم الفتاة وهي تشير بيدها أمام وجه عنود ، تعجبت منها عنود وسألتها بفضول :-
_ صور ايه ؟
_ عقدت الفتاة ما بين حاجبيها بغرابة وهتفت مازحة :-
_ انتي مش من مصر ولا ايه مش معقولة مصرية ومش حافظة الإفيهات دي !
_اعادت عنود تكرار ما قالته بغرابة :-
_ إفيهات!
_ قطبت الفتاة جبينها وتعلقت بذراع عنود وهتفت بحنق :-
_ لأ ده أنتي عايزة إعادة توجيه من اول وجديد تعالي معايا نلحق لنا مكان في الأول قبل ما الوحوش دي تحتل المدرجات ومنعرفض نقعد ولا انتي فاشلة وبتحبي تقعدي في الآخر ولا ايه نظامك ؟
_ ازدادت عنود غرابة من عفوية تلك الفتاة وأجابتها بتلعثم :-
_ آه ، آه Great
_ قلدتها الفتاة بسخرية :-
_ Great ، تعالي يا حبيبتي تعالي كويس إنك وقعتي تحت ايدي والا مكنش حد رحمك بالانجلش بتاعك ده
_ لم تستطيع عنود كتم ضحكاتها علي أسلوب تلك الفتاة الطريف ، وسارت بجوارها الي أن جلس كليهما في منتصف المدرج الثاني ، مدت الفتاة يدها نحو عنود قائلة بترحيب :-
_ هاي أنا هالة وانتي ؟
_ ابتسمت عنود بتكلف وأردفت معرفة ذاتها :-
_ عنود
_ تعجبت عنود من غرابة نظراتها التي لا تعلم حقيقتها وتسائلت بفضول :-
_ في ايه ؟
_ رفعت هالة حاجبيها بتعجب وأردفت وهي ترمقها بغرابة :-
_ أسمك غريب اوي أول مرة أسمعه ، معناه ايه ؟
_ ابتسمت عنود وأجاباتها بعفوية :-
_ صعبة المنال والعنيدة
_ قهقت هالة عاليا وقالت بثقة :-
_ لأ أنا في العند محدش يقدر يغلبني بس انتي شكلك نضيف كده وكلامك انجليزي انتي من المعادي ؟
_ اجابتها عنود بتلقائية عابثة :-
_ لا أنا من كاليفورنيا
_ ازدادت ضحكات هالة علي دعابة عنود وهتفت بإصرار :-
_ بطلي هزار بقا انتي منين بجد ؟
_ هزت عنود راسها بعدم استيعاب وهتفت بجدية :-
_ والله من كاليفورنيا لوس انجلوس بالتحديد
_ فغرت هالة فاها بصدمة جلية ، مرت ثواني لم يتغير وضعها كما لم يقل ذهولها وتمتمت في محاول منها أن تصل لنهاية الحوار :-
_ اه كنتي في رحلة ذهاب وعودة يعني صح ؟!
_ تعجبت عنود من عدم اقتناعها لحديثها كأن ثقتها منعدمة فيمن أمامها ، تنهدت مستاءة وأردفت بفتور :-
_ أنا مولودة هناك
_ ازدادت هالة ذهولاً وتسائلت ببلاهة :-
_ يعني معاكي الجنسية الأمريكية ؟!!
_ هزت عنود راسها بإنكار شديد لتلك الفتاة التي لم تروق لها ولا تحب هذا النوع من أسئلتها المريبة ، سحبت نفساً عميق وأجابتها بإقتضاب :-
_ طبيعي يعني !
_ أولاتها هالة ظهرها واعتدلت في جلستها وجابت المارة بنظراتها في محاولة منها على استيعاب ما قالته تلك الفتاة لها ، بينما تعجبت عنود كثيراً من أمرها وانتظرت رد فعل تفهم منه سر اندهاشها الشديد ذاك ..
_ أردفت هالة محدثة نفسها بذهول :-
_ وأنا اللي كنت خايفة تطلع من المعادي طلعت من لوس انجلوس
_ التفتت هالة إليها وضيقت عينيها علي عنود وسألتها بعدم اقتناع :-
_ انتي ازاي مولودة في دولة أجنبية وبتتكلمي مصري أحسن مني ؟
_ لا لن تتحمل لأكثر ، يكفي هذا القدر من الحماقة والتطفل ، كادت عنود أن تنهض وتترك لها المدرج بأكمله لكن ولوج أحد اساتذتهم أجبرها علي الإنتظار فقط لنهاية المحاضرة وحينذاك ستنجو بحياتها من هذا التطفل المريض ..
___________________
_ أنا آسفة ، أنا عارفة إنك مش هتسامحني بس يكفيني أنك تصفي من نحيتي لو مش الوقتي يبقي بعدين المهم انك تسامحني في الآخر
_ هتفت بهم سعاد وهي تجهش في البكاء بمرارة ، قالتهم وهي تتمزق حزناً علي ما سببته من جرح لفلذة كبدها لا يمكن أن يُدواي بسهولة ،
_ أشلائها تتقطع إرباً إرباً لرؤيته حزين ومنكسر بهذا الشكل ، أين بهجة قلبه وإشراقة وجهه ، أين رونق نبرته التي اعتادتها أين ؟ لقد دمراه بفعلتهم ، اعمي الشيطان أعينهم ولم يروا سوء نتائج أفعالهم قبل أن يفعلوا ..
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية