رواية المعلم الفصل السابع عشر بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل السابع عشر
كانت تصغي بإهتمام لحديثه مع شعورها بالشفقة لمعاناته طيلة الأعوام الماضية إلي أن فاجئها بقوله :-
_ لوقت ما ظهرتي انتي !
_ اتسعت مقلتي عنود بدهشة كبيرة لم تصدق أذنيها ما سمعته بينما نهض ريان واعتدل في جلسته وواصل حديثه وهو يتعمد النظر إلي عينيها قائلا :-
_ حضنك قلِب كياني ، حسيت وقتها أن روحي بتتسحب مني كأني بموت وتدريجياً حسيت بهدوء جوايا كل الغضب اللي كان فيا وقتها اتبخر ، كل الزعل راح مفيش أثر لأي إحساس غير اني مرتاح ، راحة محستهاش من سنين ، وبعد ما بعدتي تأثيرك كان ناقص كان محتاج يكمل عشان كده حضنتك وقتها ، عشان أداوي أي حزن جوايا ، عشان أشحن طاقتي اللي استنزفت من ١٦ سنة ، انتي بحضنك ده خلتيني اكتشف أن مشاكلي وهمومي كلها كانت هتتحل بحضن صافي زي حضنك ، أنا كنت مستهلك لدرجة اني اتأقلمت مع حالتي لوقت ما اثبتي انتي العكس ، انا طول الاسبوعين اللي فاتوا كنت بنام واصحي علي امل أنك تعيدي نفس اللي عملتيه تاني ، كنت بستني حضنك عشان احس بس براحة بس انتي مكرريتهاش تاني ..
_ ترقرت الدموع في عيناي عنود وضغطت علي شفاها بخجل ممزوج بالألم ، لم تدري كيف تصف شعورها حينها لكنه شعور قوي كما أنه قاسي أيضاً ، لن تنكر أنها سعيدة بنجاحها في إبعاده عن كل ماهو منكر لكنها تشعر بشيء آخر يؤلمها ربما هي من بـ حاجة إلي عناق يداوي ألم تلك الأيام الماضية التي لم تشعر بثقلهم مثل الآن ..
_ انهمرت دموعها كالشلال وهي تقرض أظافرها بتوتر وارتباك ، لم يعي ريان حقيقة أمرها لكنه اراد تهدئة روعها بالطريقة ذاتها ، اقترب منها وضمها بقوة إلي أن استكانت بين قبضتيه ، بعد مدة ليست بقصيرة شعر ريان بإرتخاء جسدها بين ذراعيه ألهذا الحد تأثيره شديد عليها ! لكنه شعر بالقلق حيال هدوئها المبالغ ، أبعدها عنه فتفاجئ بها موصدة العينين ، خفق قلبه خوفاً وضرب علي وجهها بخفة قائلا :-
_ عنود !!
_ تحدثت بصوت ناعس :-
_ عايزة أنام ..
_ تعجب ريان من أمرها أهذا بوقت نوم ! بعد اعترافه لها والبوح عما بداخله تجيبه بغفوها ؟! يا لك من فتاة غريبة الأطوار علي الرغم من أنه لم يفهم شخصيتها بعد إلا أن تصرفها ذاك فاق توقعه ، لم يصور له عقله بأنها سـ تبات في ثبات عميق قبل حتي أن تعانقه لمرة أخري ..
_ فقط آراد عناق !!
_ ليس الأمر بعسير لهذا الحد إذاً ما كل تلك الصعوبة في وصوله !
_ تنهد بضيق عندما لم يجد تلبية لـ طلبة ونهض بخفة حيث عدل من وضعية جسدها علي الفراش ووقف يلقي ببصره عليها قليلا ثم غادر الغرفة ..
_ لم يروق له المكان بينما لم تكن هي موجودة به ، لطلاما تحمل الأيام الماضية فقط لشعوره بأنفاسها تَحُوم حوله في المكان ، لكن الآن هي غافية بالداخل وهو يقف بالخارج لا يدري ماذا يفعل !
_ سحب نفساً عميق وبدأ يعيد ترتيب أفكاره ، بدايةً ماذا يريد منها ؟ ولما يشعر بالوحدة ما لم تكن قريبه منه ؟ كما أنه يشعر بالضياع الآن بعد أن صرح بكل عبء كان يكمن في قلبه ، بدا كالتائه الذي يريدها دليل لـ سبيله ، وهي فقط من يمكنه اجتياز سبيله معها !
_ تنهد مستاءً ثم ولج داخل المطبخ يجوب المكان بأنظاره ثم رادوته فكرة جنونية بالنسبة لشخصيته بدت متناقضة بعض الشئ ، فهو لم يصنع الشاي من قبل كيف له أن يُعِد كعكة ؟!
_ يجدر عليه البحث علي مساعدة خارجية ، سحب هاتفه من جيب بنطاله وهاتف هاجر التي أجابته سريعاً وقالت مفتقدة :-
_ يااه من زمان مسمعتش صوتك !
_ شعر ريان بالحرج حيالها فهو قد غفل عنها تماماً ، أبتسم بتهكم وقال :-
_ عارف اني مقصر معاكي بس هظبط نفسي معاكي تاني متزعليش ..
_ قهقهت هاجر وقالت من بين ضحكاتها :-
_ يابني انت فهمت ايه ، أنت وحشتني ومصدقتش نفسي لما لقيت أسمك علي الموبايل وفرحت جدا بس قولي إيه اللي فكرك بيا ومتقوليش بسأل عليكي والجو الهابط ده ..
_ تعالت ضحكات ريان لتبادله هي الأخري بضحكاتها ثم قال متسائلا :-
_ هاجر فاكرة كيكة الشكولاتة اللي كنتي بتعمليها قبل ما تتجوزي ؟
_ ابتسمت هاجر واجابته بحب :-
_ ايوة يا حبيبي فاكرة مالها ؟
_ حمحم ريان وردد بحرج :-
_ بتعمليها إزاي ؟
_ لم يتفاجئ ريان من ضحكاتها الساخرة بل كان يتوقع ذلك ، حاولت هاجر جاهدة أن تتوقف لكن تَخيُلِه يقف بالمريلة يطهو كعكة يسبب لها الضحك كثيراً ،
_ اغتاظ ريان منها وقال بإسيتاء :-
_ خلاص مش عايز منك حاجة ، سلام
_ أسرعت هاجر بالرد عليه قبل أنا ينهي المكالمة قائلة :-
_ استني ، هقولك علي طريقتها ..
_ بعد فترة ، أنهت هاجر وصفها للمقاديرة والطريقة بدقة للمرة الخامسة علي التوالي وتسائلت باستفسار :-
_ ها ، حفظت المرة دي ؟
_ تأفف ريان بضيق لم يفهم تلك المفاهيم الأنثوية وقال :-
_ هاجر خليكي معايا علي الخط عشان مبوظش الدنيا ..
_ ضحكت هاجر وقالت مازحة :-
_ تمام أنا معاك خطوة بخطوة ..
_________________________________________________
_ أيوة بقا وبقيت صاحب املاك يا خلودي " أردفت بهم آية مازحة لكنها تفاجئت برد خالد الغاضب :-
_ ايه اللي انتي بتقوليه ده يا آية دي أملاك ريان ولا يمكن أتصرف في أي حاجة فيهم وهفضل زي ما انا خالد بنفس المرتب ..
_ ابتسمت آية وقالت بحكمة :-
_ أنا بهزر يا حبيبي ، دي أمانة ولازم تكون قد المسؤلية ربنا يعينك عليها ..
_ شعر خالد بالامتنان لكونها زوجته وقال بحب :-
_ أنا آسف اني اتعصبت عليكي بس انا لسه مش مستوعب الحمل اللي اتحط علي اكتافي ، اعذريني الأيام دي ..
_ أبتسمت أية وقالت متفهمة تغير مزاجه :-
_ ربنا يعينك يا حبيبي
_ كادت أية أن تغلق الهاتف لكن خالد أسرع بحديثه قبل أن تغلق قائلا :-
_ آية ابعتي العيال عند مامتك عايزك في موضوع مهم جدا ..
_ قهقهت آية عالياً واجابته متصنعة عدم فهمها :-
_ موضوع ايه ؟
_ رد عليها وهو يجوب المكتب ذهاباً وإياباً :-
_ مش هينفع يتقال في الموبايل ده لازم يتقال Face to Face ..
_ تعالت ضحكاتهم ثم أغلق كليهما الهاتف وعاد كلا منهما الي عمله ..
_________________________________________________
_ انتي مالك باردة ليه كده ؟ "
_ صاح بهم هاني بغضب ونهض وهو يتمتم بالسباب لاعناً تلك الزوجة التي لا تبادله عاطفة احتياجاته ، رمقها كثيراً ثم ألقي بحديثه دفعة واحدة :-
_ انتي مالك ها ؟ بقالك فترة متغيرة وباردة ومبقتيش تحسي ، فين رنا اللي كنت بنسي نفسي لما تضحك فين ؟؟
_ نهضت هي الأخري ووقفت أمامه وقالت بجمود شديد :-
_ مش يمكن أنا باردة من زمان بس انت اللي مكنتش شايف ده !
_ رفع هاني أحد حاجبيه بغرابة وتسائل بعدم فهم :-
_ قصدك ايه ؟
_ أبتسمت رنا ساخرة ثم أجابته وهي تبتعد عنه :-
_ أنا تعبانة ومحتاجة أرتاح فترة وطول ما انا وانت في نفس الاوضة مفيش حاجة هتتغير ..
_ ازدادت حيرته من حديثها المبهم ، بينما واصلت هي بعد أن التفتت إليه قائلة بحدة مباغتة :-
_ هاني لازم تشوف لك مكان تاني تنام فيه غير الاوضة دي !
_ اتسعت مقلتي هاني بصدمة ممزوجة بالذهول وأعاد ما قالته بعدم تصديق :-
_ انام في اوضة تانية ؟
_ سحبت رنا نفساً عميق لتستطيع مواصلة حوارهما والوصول الي ما تريده بالنهاية ، اقتربت منه بملامح جامدة وقالت بتهكم :-
_ اعتبرها فترة نقاهة ، كل واحد ياخد نفسه شوية إنت بقالك كتير اوي منزلتش من البيت وقاعد في الاوضة وطاقتي كلها خلصت معاك عشان تكون راضي ومش مهم أنا ، ووقت ما حسيت اني مش متفاعلة معاك اتعصبت كأني عملت جريمة ، أنا بقولك اهو أنا زهقت وعايزة أخد راحة منك ، وسواء وافقت أو موافقتش هتنام في حتة تانية غير هنا وده آخر كلام عندي ..
_ أنهت رنا حديثها وسحبت عبائتها ودلفت للخارج متأففة بتذمر ، جلست علي أريكة أسفل النافذة وظلت تتأمل النجوم الساطعة التي تزيد بهجة للسماء ،
_ زفير وشهيق فعلت هي ربما تشعر بتحسن قليل لكن محاولاتها بائت بالفشل ، ماذا كانت تنتظر ؟ أن يركض خلفها فقط لأنها أغرته بجسدها الذي هو ملك لرجل آخر كما أنه أيضاً شقيقه ، كانت حمقاء منذ أن أوقعت هاني في شباك حُبها وهي لم تحبه يوماً ، ألم يكن لديها عقل حينها لتفكر برفض ريان لها ، ريان ذو الأخلاق الحميدة واللسان الطيب ، والقلب المعطاء ناهيك عن عقله المدبر والاذكي بين جنسه ، كما لديه كاريزما خاصة وقعت في عشقه من ورائها ، كما أنه يقربها عمراً ! تحبه بجميع صفاته ، فقط تمنت أن ينظر إليها بنظرة مختلفة، نظرة مُحب لا اخوة ، لكن كيف وكل محاولاتها تفشل وتفشل إلي أن تزوج بأخري كـ إثبات صريح لعدم رؤيته لها وعدم تقبلها بالمرة ..
_ انسدلت قطرات عينيها رغماً عنها وهي تتخيله بين ذراعي زوجاته وليست هي ، علي الرغم انها من تستحق تلك المكانة وليسوا هم !!
_________________________________________________
_ استيقظت عنود بثقل وألم شديد يعتلي جسدها ، نهضت بصعوبة بالغة وبحثت ببصرها عنه لكنها لم تراه في الغرفة ، سحبت نفساً لتتفاجئ بألم يفوق الوصف في صدرها ، سارت ببطئ الي المرآة فتفاجئت بتورم شفتيها كما يغزو منتصف شفتها السُفلي جرح من شدة التورم ، ناهيك عن تورم عينيها كما تنتشر علامات زرقاء تميل إلي اللون البنفسجي على سائر جسدها
_ تنهدت بإرهاق وجرت قدميها بثقل أمامها الي أن دلفت للخارج باحثة عن بعض المياه لتروي ظمئها وأيضاً تبلل حلقها الجاف ..
_ صعقت من منظر المطبخ المبعثر ، لم تبرح مكانها من هول المنظر ، وقفت تتابعه وهو يتحدث بالهاتف قائلا :-
_ خلاص يا هاجر أنا خلصت هحطها في الفرن ونشوف هتطلع ايه ، لو احتجتك تاني هكلمك ، سلام ..
_ أغلق الهاتف وحمل الصينية ووضعها في الفرن ثم نهض ورفع ذراعيه للأعلي وصفق بإنتصار قائلا :-
_ اخيرا خلصت ، شاطر يا ريان ..
_ لم تتحمل هذا المشهد الطريف وانفجرت ضاحكة ولكن سرعان ما أطلقت أنة موجوعة بسبب انشقاق شفاها ، أنتبه ريان لصوتها واستدار إليها بحرج بائن ، اغمض عيناه لبرهة يحاول هضم أنها رأته بتلك الحالة الحمقاء ثم فتح عيناه ليتفاجئ بالدماء تنسدل من شفاها بغزارة ، أسرع نحوها بتوجس وقال متسائلاً :-
_ ايه الدم ده ؟
_ وضعت عنود يدها علي فمها فتفاجئت بالدماء علي أصابعها ، سحب ريان بعض المناشف الورقية واقترب من شفتاها ووضع المناشف عليها ليمنع تدفق الدماء ،
_ تقابلا كليهما في نظرة طالت لدقائق شعر فيهما بمشاعر خاصة تلك المرة ، مشاعر أكثر جرأة عن ذي قبل ، لكن بالطبع لم تخلو من الخجل ، هربت عنود ببصرها بعيداً عنه بينما ظل هو مثبت عينيه عليها لا يستطيع النظر لشئ آخر غيرها ، كم تمني وبشدة أن يعانقها في تلك الأثناء ويروي افتقاده إليها بهذا العناق الذي بالتأكيد سـ يُحِطم به ضلعوها من شدته ،
_ مرت مدة ليست بقصيرة ثم أبعد يده عنها ليتأكد من توقف الدماء وعندما رأي أن الأمور علي ما يرام أبعد المناشف عنها فتفاجئ بتورم عينيها كأنه لم يره منذ قليل ، تعجب من حالتها فهي لم تكن هكذا منذ آخر لقاء بينهم ، ماذا الذي حدث فجاءة ؟
_ ايه اللي في وشك ده ؟
_ سألها ريان بنبرة حنونة آذابت قلب عنود ، فلم يحنو عليها أحد منذ فراق أحبتها ،
_ أطالت النظر إليه بحب وامتنان كبير ثم أجابته هاتفة :-
_ أنا عندي متلازمة ( Gardner-Diamond Syndrome ) جاردنر دايموند بتحصلي لما بزعل أو بتوتر جامد ..
_ عقد ريان ما بين حاجبيه بغرابة فهو لم يسمع عن تلك المتلازمة من قبل ، حمحم بحرج وقال :-
_ أنا مش فاهم اوي بس هي حاجة بسيطة ولا خطيرة ؟
_ أبتسمت عنود لإهتمامه وأردفت موضحة :-
_ بسيطة ، هي بتكون متعبة فترة وجودها في جسمي بس بعد كده عادي
_ بادلها ريان ابتسامة رقيقة ، جابت عنود ببصرها علي جسده بالكامل وهي تكتم ضحكاتها بداخلها ، نظر ريان إلي حيث تنظر وتفاجئ بتناثر الطحين علي ثيابه ، رفع عيناه عليها فنفجرا كليهما ضاحكين ..
_ تسائلت عنود بعفوية من بين ضحكاتها :-
_ انت كنت بتعمل ايه وبهدلت نفسك كده وبهدلت المطبخ بالشكل ده ؟
_ أولاها ريان ظهره وهو يجيبها بتلقائية :-
_ الموضوع بسيط يعني مش زي ما انتي متخي...
_ توقف ريان من تلقاء نفسه عندما صدم مما رآه ، لقد بعثر اشلائه بالكامل ، بالكاد يُسمي قطعة خردة وليس مطبخ !
_ عاد ببصره نحوها ويكسو الخجل وجهه مما فعله وقال :-
_ انا موت المطبخ !
_ انفجرت عنود ضاحكة عليه ولم تتوقف تلك المرة بسهولة ، حاولت السيطرة علي ضحكاتها ورددت :-
_ انت كنت بتعمل ايه ؟
_ كنت بعمل كيكة
_ أردف بهم ريان ثم تذكر أنه نسيها تماماً ، اتسعت عينيه بصدمة وركض الي الفرن وتفاجئ بها كعكة محترقة لعدم ضبط حرارتها المطلوبة ،
_ أخرجها من الفرن وتحولت تعابير وجهه إلي الحزن ، فلقد آراد صنعها فقط من أجلها وها هو قد نجح في إعداد كعكة محترقة ، انتبهت عنود لتشنج ملامحه وخمنت أنها لم تنجح كما آراد
_ سارت نحوه لتتأكد من حدسها كما آرادت فعل شئ له لتمحي ذاك الحزن من علي تعابيره ..
_ بحثت بعينيها في المطبخ فوقع بصرها علي صوص شكولاتة قد اعده وتركه علي الطاولة الرخامية ، أسرعت نحوه واخذت تضع منه علي الكعكة ثم نظرت إليه مُشكلة ابتسامة علي ثغرها وقالت :-
_ ممم أنا جعانة جدا ينفع تقطعها علي لما اخد شاور وأغير هدومي ؟!
_ رد عليها ريان بإسيتاء :-
_ بس دي محروقة !
_ ابتسمت له وقالت بعاطفة حنونة :-
_ انت متعرفش أنا بعشق كيك الشكولت قد ايه فلو وقفت تتكلم كتير هاكلها بالصنية ..
_ تركته وهرولت مسرعة من أمامه ، ولجت داخل المرحاض لكي تنعم بإستحمام دافئ ربما تقلل من ألم جسدها ، أنهت حمامها ودلفت للخارج وارتدت قميص قطني قصير بعض الشئ أحمر اللون وعليه رسومات كرتونية ، جففت شعرها بالمجفف الكهربي وتركته متحرراً كما وضعت أيضاً عطرها الخاص ثم ألقت نظرة سريعة متفحصة علي نفسها قبل أن تدلف للخارج ، ترددت كثيراً كيف ستقابله بهذه الثياب القصيرة ؟ لابد أن تبدلها في الحال ..
_ طرق ريان باب غرفتها فأسرعت هي خلف الباب وفتحته قبل أن يولج هو للداخل ، أخرجت رأسها متسائلة بخجل :-
_ محتاج حاجة ؟
_ هز ريان رأسه بعدم فهم لتصرفها المبهم معه وتسائل بلُطف :-
_ تشربي نسكافيه ولا صودا ؟
_ لم يكن هناك داعي للتفكير فقط هي تعلم ما تريده جيداً ،
_ أجابته بتلقائية عابثة :-
_ نسكافيه طبعاً !
_ ابتسم ريان لسرعة ردها وقال محاولا إظهار بعض الاهتمام :-
_ كنت عارف بس حبيت أتأكد !
_ تشكلت ابتسامة علي محياها كما دقت طبول قلبها طرباً لاهتمامه بها ، لم تجرب هذا النوع من المشاعر من قبل وما يزيده جمالاً أنه حلالها ناهيك عن أسباب لقائهم لكنهم بالنهاية معاً كزوجة له وكزوج لها ..
_ أوصدت الباب بعدما تأكدت من مغادرته ثم توجهت نحو الخزانة لتبدل ثيابها ، لكن شئ ما كان يؤخر مد يديها عن جذب الثياب البديلة ، لا تدري لما يروادها شعور البقاء بهذا المظهر !
_ أثار فضولها حول نظرات ريان اليها عندما يراها لأول مرة بـ ثياب قصيرة ، لكن خجلها يهاجم فضولها ، كيف ستقف أمامه بقدمان عاريتان ، كما أن ذراعيها لا يخفيهم شئ عارية تماماً ، تناقض شديد باتت هي بينه ، لا تعلم ماهو الصحيح
_ سحبت نفساً عميق واقتربت من المرآة بخُطي ثابتة خجولة ونظرت إلي صورتها المنعكسة حيث تشكلت ابتسامة علي ثغرها وهي تصور مشاهد عدة لرؤياه لها ،
_ سرت رجفة قوية في بدنها من شدة حيائها ، لم تختبر رجل من قبل وبعد تعقيدات كثيرة وضعتها لكي تمنع ظهورها أمامه بتلك الحالة إلا أن فضولها الأنثوي هو من فاز وعزمت أن تظهر أمامه بحالتها كما هي ، لكن ليس قبل تمشيط خصلاتها المحررة مع وضع قدر كبير من العطر ،
_ زفير وشهيق فعلت للمرة العاشرة علي التوالي ثم فتحت الباب وهرولت إلي الخارج قبل أن تعترض فكرتها التي عزمت علي فعلها ، فقط تريد رؤية ردة فعله كيف ستكون ؟
_ بحثت عنه عندما لم تجده في المطبخ ، فأتاها صوته الرخيم قائلا :-
_ أنا في البلكونة تعالي ..
_ ابتلعت ريقها مراراً ثم خطت بقدم واحدة والاخري تريد أن تعود بأدراجها الي الغرفة سريعاً وتبدل ثبايها ، أوصدت عينيها وقالت مشجعة :-
_ مش هيحصل حاجة يا عنود ده جوزك يعني مش حرام ، مرة واحدة بس هشوف ردة فعله ومش هكررها تاني !
_ عزمت أمرها وسارت بالقُرب منه لكن لم تكن بتلك الشجاعة التي تصورتها ، تراجعت عائدة لكنه نادي عليها بصوته الأجش :-
_ انتي راحة فين ؟
_ أوصدت عينيها بإرتباك لاعنة حماقتها التي أوقعت بها في فخه ، استدارت إليه وقد كَست الحمرة الصريحة وجهها خجلاً منه ، بينما لم يعبأ ريان الي خجلها فقط يريد التمتع بهذا المنظر الأنثوي ، غاص في قوامها وجمالها الصارخ رغم صِغر عمرها ، يا حبذا هذا الجمال الذي حُرم من انحرافه معه من قبل ، انحراف ! ما تلك الوقاحة التي يفكر بها , ألم يري إمرأة من قبل ؟ بالتأكيد لم يري فمن فرضت نفسها عليه لم يستطيع أن ينجرف معها لأنها زوجه أخيه بينما من تقف أمامه زوجته يَحِل له أن يري ما يحلو له حينما يشاء ،
_ ظهرت إبتسامة علي محياه ولم يشعر بقدماه التي قادته نحوها ، وقف أمامها لا ينبس بشئ ، فقط يتآمل ملامحها الرقيقة التي بدت خجولة ، ود لو ينعم بعناق الآن ليشعر قلبه بالدفئ والطمأنينة لطلاما افتقدهم منذ آخر عناق بينهم ،
_ وعندما باتت محاولاته في ضمها لحضنه بالفشل ، سحب نفساً عميق محاولا تغير مسار أفكاره وقال بصوت متحشرج :-
_ احم ، النسكافيه هيبرد !
_ أماءت رأسها بطاعة وسارت خلفه بخطي غير مستقيمة إلي أن وصلا إلي شُرفة أحد الغرف ، وقفت عنود أمام الباب ورمقته بغرابة كيف سترافقه بـ ثيابها تلك في تلك الواجهة الخارجية ؟
_ أستشعر ريان ترددها وقد فهم ما تفكر به ، حيث قال مبرراً نيته الحسنة :-
_ تعالي ، إحنا أعلي مكان في المنطقة ومحدش هيشوفك متقلقيش !
_ ترددت لبرهة ثم خطت بتمهل إلي أن تأكدت من عدم رؤية أحد لها ، جلست أمامه وحرصت علي أن تشد طرف ثوبها القصير لكي لا يُرفع عند جلوسها ،
_ كان يتابعها بإهتمام وتفحص شديد ، هز رأسه طارداً أفكاره ، ومد يده يناولها قطعة ال الكيك ، اخذتها بحرج كما حرصت أن تبعد بصرها عنه لكي لا يتقابلا ويزداد خجلها أضعافاً ،
_ شرعت في آكلها مظهرة مدي استمتاعها بالكيك المُغطي بصوص الشيكولاته ، بينما قطع ريان قطعة صغيرة بالشوكة ووضعها في فمه لكنه سرعان ما لفظها
للخارج وقال بتقزز :-
_ طعمها مقرف اوي انتي بتاكليها ازاي ؟
_ ابتسمت عنود وأجابته بعدما تناولت قطعة أخري منها :-
_ طعمها إلي حد ما مقبول مش وحشة يعني !
_ وضع ريان الصحن علي الطاولة وقال :-
_ مش مجبرة تاكليها أنا مش هزعل يعني لانها فعلا وحشة !
_ أنهت عنود القطعة بالكامل ولم يظهر علي محياها أي علامة تدل علي سوء مذاقها عكس ما تشعر به تماماً ، لقد تشنجت معدتها الصغيرة رافضة لتلك الكعكة المحترقة لكنها تجبرها علي هضمها لكي لا تشعره بالحرج ،
_ وضعت الصحن علي الطاولة أمامها بعدما انهته بالكامل ، ثم اخذت تلملم المتناثر من الكعكة حول فمها لتثبت له جدارته في الطهي ،
_ تعجب ريان من تصرفاتها التي تحاول بها إثبات نجاحه في الطهي وهو يعلم جيداً مدي بشاعتها ، لكنه لم يكن مزعوج مما تفعله فقد ترك نفسه يتمتع بأول من يساعد في رفع معنوياته المحطمة ..
_ أبتسم وتسائل وهو يرمق تلك العلامات التي تنتشر في سائر جسدها :-
_ ليه كده ؟
_ تفهمت ما يلقي إليه من خلف نظراته علي العلامات التي تغزو جسدها وأردفت بألم :-
_ لو بتسأل عن سبب العلامات دي فأنا قولتلك اني لما بزعل أو بتعرض لصدمة بيحصلي كده ، ولو بتسأل حصلت ليه في الوقت ده هقولك اني من يوم وفاة أهلي وانا كنت قوية لدرجة أنا مكنتش اتخيلها ، أي إنسان بيفقد أهله بيتعرض لصدمة بس انا كنت قوية اوي كنت متقبلة اللي حصل رغم فجعته ، نزلت مصر واتعرضت لمواقف بشعة وكنت قوية ومكملة وساندة نفسي ، لوقت ما...
_ ابتلعت ريقها بخجل وواصلت حديثها وهي تفرك أصابعها بتوتر شديد :-
_ لوقت ما حضنتني النهاردة ، وقتها اكتشفت أن قوتي دي كانت تمثيل يمكن لأني كنت لوحدي ومينفعش أقع ، أو مفيش وقت أنهار فيه ، مش هلاقي اللي يسندني ويقويني فكنت بقوي نفسي او كنت شايفة كده ، أنا اكتشفت اني ضعيفة جدا وجوايا انهيار اكتشفت بس النهاردة وانا لما بتعرض لأي صدمة أو حزن بسيط بلجئ للنوم وبعدها بقوم بالشكل ده !
_ أزفرت أنفاسها بحرارة وهي تحاول ألا تنهمر في بكائها وتابعت مستاءة :-
_ الموضوع مؤذي نفسياً اكتر ما هو أذي جسدي ، صراع بين اني بحاول مزعلش عشان متعبش وبين اني مش قادرة أواجه زعلي فـ بضطر أنام عشان اهرب منه فبصحي بالمنظر ده !
_ كان يصغي لها بإهتمام دون أن يكل من كل حرف تنبس به ، كما ازداد إعجاباً لتعبيراتها ذات المعاني القوية التي تكبرها عمراً ،
_ رمقها بآسي وأردف :-
_ من اسبوعين كنت شايفك طفلة ولو كنت اتجوزت بدري كنت خلفت بنت او ولد في عمرك ، بس انتي أثبتيلي أنك اكبر من عمرك بكتير ، تفكيرك واسلوبك وقبل كل ده حضنك اللي قدر يحتوي واحد عنده ٣٤ سنة ، قدر يداوي همومه اللي عاش فيها ١٦ سنة ، هو ممكن يبان لك حاجة بسيطة بس أقسم بالله اني أدفع كل اللي حيلتي مقابل راحة من اللي حسيتها في حضنك ، انتي قدرتي تعملي كده ازاي ؟
_ علي الرغم من حيائها الشديد التي وقعت في براثينه إلا أنها قاومت واجابته بعقلانية لكن لم تخلوا نبرتها من التعرقل والتعلثم :-
_ اييه ، اتعلمته من اهلي ، ده كان أسلوب حياتنا ، أي شخص فينا لما كان بيتعرض لضغط كبير كنا بمنتهي الهدوء بنقدمله حضن ، الحلول والتبريرات دي ملهاش لازمة أكيد انسان ناضج عارف يحل مشاكله ازاي ، بس هو بيكون محتاج هُدنة ، صفاء ذهني ، حالة من السُكون لفترة وده بينطبق علي الحضن !
_ ينفع أجربه تاني ؟
_ قالها ريان بنبرة مُلحة تحمل من التوسل والافتقاد قدراً كبير ، بينما تفاجئت عنود من طلبه ، ولم تستطيع رفع بصرها عليه ، لابد وأنه يمزح ، ويحك أيها الرجل لما لا ترأف بعذرية مشاعرها التي تخوض تجاربها للمرة الأولي ، لكن بالتأكيد لا يسعها الرفض حيال طلبه ، سوف تفعلها فقط من أجله لا تعلم كيف لكن حسناً ستتحلي بالشجاعة وتعانقه لطلاما هي بحاجة شديدة إلي عناق !
_ تنهدت بحرارة ثم قالت بنبرة خجولة :-
_ أنا هنا دايماً ..
_ ابتسم لها ريان كما بادلته هي ابتسامة رقيقة علي ثغرها ثم تذكرت شئ ما وقالت متسائلة بفضول :-
_ مش هتقولي كنت بتعمل ايه في الكلية النهاردة ؟
_ إلتوي ثغر ريان بإبتسامة باهتة ، ليعود به حنينه إلي جميع ذكرياته لطلاما تمناها ولازالت هي شاغله الوحيد ،
_ سحب نفساً وقال بيأس :-
_ بلاقي نفسي هناك !
_ لم يتضح لها حقيقة قصده ورمقته متعجبة فواصل هو حديثه موضحاً :-
_ كان حلمي أن أدخل هندسة وللأسف محصلش نصيب ، من ضمن أسباب إصراري أنك تقعدي هنا أنك متخسريش حلمك زيي ، ده غير اني كنت في ضهر يحيي علي طول عشان يحقق حلمه ومييآسش ، كنت بوفره كل اللي يحتاجه عشان يكون هدفه واحد وميفكرش غير فيه ..
_ أحبت فيه حنيته التي لم تري عكسها منذ أول لقاء بينهم ، لازالت تذكُر ملامحه الرجولية المتعجبة عندما أبت أن تصافح ياسر عند لقائهم الأول ، كما تذكُر موقف المصعد وذهوله لرفضها في الصعود معه وغيرها من المواقف النبيلة التي قدمها سواء لها أو لـ ياسر ، باتت تحفظ نبرته الرخيمة كأنها سيمفونية تُعزف لها خصيصاً ، لن تنكر أنها أعجبت بشخصيته المعطاءة التي تتشابه كثيراً مع شخصية والدها ، هل لأنهم من دماً واحد ؟ لكن لا فـ منصور الأقرب لوالدها ولا يتحلي بذرة من شهامة اخيه ،
_ سحبت نفساً وقالت ربما تفيده بنصيحتها :-
_ ما تكمل تعليمك !
_ التفت اليها ريان ضاحكاً بسخرية :-
_ اكمل تعليمي ، انتي بتهزري صح ؟
_ أماءت رأسها بنفي قائلة بتأكيد :-
_ لا مش بهزر ، فين المشكلة ؟
_ تجمدت تعابير وجهه لبرهة ثم أسند رأسه علي حافة المقعد متأملاً النجوم ، استنشق اكبر قدر من الهواء ثم أردف بحنين :-
_ أنا مش مراهق لسه عشان اكمل تعليمي ، أنا راجل كبير عنده مسؤوليات وبيت وعيال فات أوان الكلام ده ..
_ تركت عنود الكوب من يدها ووضعته علي الطاولة واعتدلت في جلستها وواصلت حديثها بحماس :-
_ ناس كتير الحياة مسمحتش يكملوا تعليمهم وبعد سنين كتيرة سمحت ظروفهم وكملوا تعليمهم في سن أكبر منك ، مفيش عائق قدامك انت اللي عائق لنفسك ولأحلامك !
_ نهض ريان وأستند بمرفقيـه علي حـافة سور الشُرفة وأردف مستاءً :-
_ الكلام ده مينفعش هنا ، مجتمعنا غير مجتمعكم خالص ، مينفعش المعلم يتحول لمهندس بعد العمر ده ، كل اللي بنيـته هيضيع !
_ لم تقتنع قط بتفكيره ، ونهضت هي الأخري ووقفت بجانبه قائلا بإصرار :-
_ انت مش عايز تحقق حلمك عشان كلام الناس ! مش انت قولتلي أن محدش وقف جنبك في اكتر وقت كنت محتاج أيد تساعدك فيه يبقي ليه تفكر في ناس مش بتفكر غير في نفسها!
_ اقتربت منه أكثر وربتت علي ذراعه قائلا بإلحاح شديد :-
_ المعلم ممكن يتحول لمهندس بسهولة لو فكرت بأنانية شوية عشان نفسك ..
_ مرر ريان أنظاره بين ذراعه الذي بين قبضيتها الصغيرة وبين ملامحها التي تحثه علي تحقيق حلمه بإصرار ، ثم انفجر ضاحكاً عندما تخيل رجل مثله يُكمل تعليمه في هذا العمر !
_ انتي مشكلة والله !
_ صاح بهم من بين ضحكاته ، بينما فهمت عنود سبب قهقهاته التي لا تتوقف وقالت مستاءة من ضحكاته :-
_ رياااان ، بطل ضحك !
_ كانت المرة الأولي لها أن تهتف بإسمه بتلك العفوية التي آذابت قلبه ، استدار إليها وابتسم بسعادة وقال متمنياً أن تعيد نُطق إسمه ثانيةً :-
_ رياااان!
_ ضغطت عنود علي شفاها بخجل ، ثم هربت من أمامه ركضة الي الخارج فتعالت قهقهات ريان بتكيف لتصرفاتها التي يختبرها للمرة الأولي ،
_ أسرع خلفها بخطي ثابتة عازم أمره أن يفعل ما يُطالب به قلبه وكل انش به ، وصل إليها بعدما تريث في غرفتها ، جذبها من ذراعها بكل ما أوتي من قوة وضمها لاحضانه المفتقرة لعناق ..!
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية