رواية ليتني مت قبل هذا الفصل السابع عشر 17 بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل السابع عشر
باتت ليلتها تمنّي نفسها بتلك السعادة التي طالما حلمت بها و كانت تتخيلها رُغم إحساسها الشبه مؤكد بأنها لن تحصل عليها أبد ما حيت و مهما فعلت.
لكنها اليوم ها هي تنال ما تمنّت طويلاً و يا لهناءها لقد نالت إرضاء القدر أخيراً و سَمَح بأن يجمعهما مكاناً واحداً هي و من شَغَل العقل و القلب.
لَمحت هاتفها الصامت مثل قلبها الغَرّ يضئ معلناً عن إتصال وارد من يحيـي ليرجف قلبها بين أضلعها وهي تجيب الإتصال حيث تهادي صوتها الناعم خَجِلاً وقالت: ألو.
_أيـوة يا غـزال.
إبتسمت بسعادة وافرة وقالت: أيوة يا يحيـي، في حاجه؟!
تسائلت بالأخيرة وهي تحاول فض الحرج المكنون بداخلها و تغيير مجري الحديث الدائر بينها وبين قلبها ليقول هو: أه في.. باباكي مقالكيش ولا إيه؟!
إتشح صوته بالضيق قليلاً مما أثار تعجبها و ضيقها أيضاً لتقول: مال صوتك؟ إنت مضايق ليه كده؟!
_لا أبـداً مفيش حاجه..يمكن شوية إرهاق بس.
أومأت بتفهم وقالت متخذه الجدية سبيلها: بابا قاللي يا يحيى.
_و إيه رايك طيب، أنا مش عايزك تفهمي موقفي غلط، أنا...
قاطعته قائلة: من غير تبرير يا يحيـي أو تفسير لموقفك أنا متفهمه كل حاجه، و موافـقة.
نطقت بالأخيره ما بين خجلٍ و فرح ليبتسم هو بسعادة و راحه ثم قال: تعرفي بالرغم من إني كنت خايف إنك تفهميني غلط أو والدك يأثر عليكي إلا إني كنت شبه متأكد إنك هتوافقي.
قالت بتعجب: إشمعنا؟
أضاف شارحاً: كنت حاسس إن غلاوتي عندك هتأثر علي كل الأسباب التانيه اللي ممكن تخليكي ترفضي..طول عمري غالي عندك زي منتي غاليه عندي كمان يا غزل، و عايز أوعدك إني وحيات ولادي عمري ما هزعلك مني ولا هتشوفي منى غير كل طيب و كل معروف.
تسارعت دقات قلبها معلنه عن كم الفوضي العارمه التي تحتويها.
ثمة أحاسيس ومشاعر متناقضه تشعر بها الآن.. الفرحه، اللهفه، الخـوف، التوتر، الترقب و آخرها و أهمها الرضـا.
لم تمنحه أي رد مقابل كلماته اللطيفه سوي أنها إلتزمت الصمت ليستأنف حديثه ويقول: يلا تصبحي علي خير دلوقتي، و بكره بإذن الله هكلم عمي إبراهيم أشوف رده إيه.
_وإنت من أهل الخير.
أنهت حديثهما الذي كانت تتمني أن يمتد حتي الصباح لتتدثر بعدها بغطاءها و تسبح في نومٍ عميق.
أنهي إتصاله معها ليتلقي بعدها مكالمه من قاسـم الذي بدأ حديثه قائلاً: إنت ندل!
ضحك يحيـي ثم قال: عارف والله..بس الدنيا ملخبطه معايا اليومين دول و في كذا حوار كده ..كنت ناوي أحكيلك بكرة بس إنت املي سابق بخطوة.
_الدنيا ملخبطه ليه يبني؟! العيال كويسين؟!
=أه الحمدلله كويسين وبخير بس أنا اللي مزاجي مش كويس الايام دي، عالعموم مش وقته الكلام ده، كنت عايزك معايا في مشوار.
_خير؟!
=هخطب غزل!
_غزل اللي حكيتلي عنها؟! مش دي الsitter بتاعة زياد و نور؟
=أيوة بالظبط هي.. إتقدمتلها النهارده و وافقوا، بس لسه متكلمناش كلام رسمي، هكلم باباها بكرة و أشوف رده إيه ولو تمام إن شاءالله هحدد ميعاد نعمل خطوبه و كتب كتاب علي الضيق كده.
_بسم الله ماشاء الله..إيه القرارات السريعه دي؟! عالعموم يبني ربنا يصلحلك الحال و انا معاك في أي وقت تحبه.
=حبيبي يا قاسم متحرمش منك.. بإذن الله بكرة هجيلك أقعد معاك شويه و أبقا أعرفك عملت إيه..يلا سلام.
أنهي المكالمه بإيجاز و أغمض عيناه دون تفكير ليغط في النوم سريعاً.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في حين كان الجميع غارق بالنوم قرير العين كانت هي تنزوي في فراشها تذرف دموع الندم و القهر.
عاد للتو إليها عقلها الذي كان مغيباً عنها و بدأت تستدرك ما كانت غافله عنه.
_ يا ريتني كنت مت ولا سمعت كلامك يا إسماعيل الزفت، ربنا ينتقم منك!
تمتمت يُسر بتلك الكلمات التي لا تَسمن و لا تغني من جوع بندم وهي تتمني أن تعود بها الساعات..فقط الساعات لتتراجع عن ما فعلت.
الآن فقط تيقنت أنها قد خسرت يحيي إلي الأبد ولا يوجد للرجوع إليه سبيل.
نهضت عن فراشها بتعب وهي تجر قدميها جراً كـ المكبّل بالأغلال قاصده طريقها نحو المغسل لتصطدم بزوج والدتها علي باب غرفتها.
_بسم الله الرحمن الرحيم، فجعتني!
نطقت بها وهي تضع يدها موضع قلبها الذي قفز بغتةً من الخوف لتجده يطالعها بنظرات متفحّصه ثاقبه لم تروقها أبداً مما جعل الوچل يعرف طريقه نحو قلبها فإبتلعت لعابها بتوتر وقالت: في إيه مالك؟! بتبصلي كده ليه؟!
إبتلع لعابه هو الآخر وهو ينظر إليها بخبث و أردف بصوتٍ مهزوز: أصل..أصل بصراحه أنا كنت جاي أشوفك لسه زعلانه مني ولا لأ.
أشاحت بوجهها بعيداً وهي ترجع للخلف تحاول تلاشي نظراته الماكرة ثم قالت: زعلانه؟! إنت بتتكلم كده ولا كإنك خربت حياتي و دمرتها بأفكارك الزباله الخايبه اللي شيهك.
و أردفت بحزن: بس الحق مش عليك، الحق عليا أنا اللي مشيت وراك شبه العيال الصغيره، لا فكرت ولا راجعتك حتي!.. أنا يُسر اللي كانت دماغي توزن بلد أقع في فخ أهبل زي ده يخسرني كل حاجه.
دنا منها أكثر ليقف أمامها مباشرةً و عاد يزدرد لعابه بتوتر وهو ينظر إليها بثبات وقال: بقوللك إيه يا سوسو.. ما تسيبك من يحيي بتاعك و خليكي معايا أنا....
قاطعته بحدة و إستنكار وقالت: أخليني معاك إزاي يعني؟! تقصد إيه؟!
" فـي إيه يا يسر؟!"
هنا برز صوت والدتها التي دلفت إلي الغرفه تتسائل بإستفهام ليضطرب هو بشدة و يحمحم مجيباً بتوتر: إيه ده إنتي صحيتي إمتا..تعالي يختي شوفي بنتك اللي مموته روحها من العياط عشان الأفندي بتاعها، داخل اشرب لقيتها بتتنهنه قولت آجي أطيب خاطرها بكلمتين كانت هتاكلني زي منتي شايفه كده.
نظرت إليه يُسر بتعجب بينما توارت نظراته عنها بوچل وقال: أنا رايح أكمل نوم.. تصبحوا علي خير.
غادر الغرفه مسرعاً ليعود إلي غرفته بينما تقدمت والدتها منها وقالت: لسه بتعيطي يا يُسر؟ مش قولتلك يبنتي فوضي أمرك لله.
أومأت يُسر بموافقة وقالت بشرود: و نعم بالله.
ربتت والدتها علي كتفها وقالت: يلا يا حبيبتي روحي نامي و إستريحي و سيبيها لله.
غادرت والدتها الغرفه لتسرع هي و تغلق الباب من الداخل بالمفتاح و عادت إلي فراشها و إستسلمت إلي النوم.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد حصوله علي موافقة إبراهيم و تحديد موعد يوم غد لإقامة حفل الخطوبه و عقد قرانهما كان يستعد لإنهاء ما يشغله من أعمال ليمكنه التفرغ إلي ذلك اليوم.
كان يقبع خلف مكتبه يطالع الأوراق الموجوده أمامه بتفحص و تركيز قبل أن تدلف هند السكرتيره الخاصة به و تقوم بإبلاغه: في واحد عايز يقابل حضرتك بره بيقول إنه أخوك عبدالقادر.
إرتبك قليلاً و شرد مفكراً لثوانٍ معدودة ثم قال: دخليه بسرعه.
دلف عبدالقادر علي الفور وهو يتقدم بخطوات متسعه تجاه يحيي الذي قابل لقاؤه الحار المتلهف ببرود مصطنع ثم قال بقلق لم ينجح في إخفاؤه: أبوك كويس؟
_أبوك تعبان و نفسه يشوفك يا يحيي! مبينامش بسبب غيابك إنت و سليمان اللي منعرفش عنه حاجه خالص و كل يوم صحته في النازل.. روحتلك عند شركة قاسم عبدالرحمن كذا مرة محدش يرضي يقوللي العنوان بتاعك هنا لحد ما جيبته في الآخر بمعرفتي.
نظر إليه يحيي و ضحك متهكماً ثم قال:, و يا تري عملت إي؟! فتحت المندل ولا قرأت الفنجان؟
نظر إليه عبدالقادر بحزن و قال: للدرجه دي يا يحيي تعب أبوك مش فارق عندك؟! بقوللك تعبان و عايز يشوفك!
تنهد يحيي بثقل وقال: إن شاءالله هاجي أشوفه، يومين بس أخلص الزحمه اللي أنا فيها دي و هاجي لحد عنده أشوفه.
زفر عبدالقادر بملل من أسلوب أخيه ثم قال: طب طمني إنت عامل إيه؟و العيال عاملين ايه؟!
أومأ يحيي بإقتضاب حيث هز رأسه بتأكيد وقال: كله كويس.
_ آاااه.. إنت شكلك مش فاضي.. طيب أنا همشي أنا و أبقا أجيلك وقت تاني تكون فاضي بإذن الله.
إنصرف عبدالقادر كما أتي، أصابه اليأس فقد كان أن يرجع إلى والده بالبشري و لكن يحيـي خيّب آماله بتعسفه.
أنهي يحيي عمله ومن ثمّ عاد إلي عمله ليقوم علي الفور بإعداد الطعام إلي أولاده.
توالت الساعات سريعاً ليأتي الغد حاملاً معه بداية جديده ستضاف إلي أيامه القادمه.
بعد أن إنتهي من إعداد أولاده للذهاب برفقته، ذهب هو إلي غرفته سريعاً ليستعد فإرتدي حلةً سوداء فاخرة من ماركة " توكسيدو" ذات الطابع الإيطالي و التي أضفت إليه وقارً و فخامة و جاذبيه أيضاً ثم إختار ربطة عنق باللون الرمادي، و أخيراً نثر زخات من عطره الأرميني الفوّاح الفجّاج الذي منحه حضور قوي و طاغي.
إصطحب أولاده و ذهب إلي منزل قاسم والذي كان بإنتظاره ثم إستقل السياره برفقته و ذهبوا جميعهم إلي بيت غزل.
كان الحفل مقتصراً عليهم و علي عائلة غزل الصغيره فقط فلم يحضر سواهم.
خرجت صافيه تقدّم العصير و الحلوي إليهم لينظر قاسم إلي يحيي و يلكزه بقدمه ثم يقول: هي دي العروسه؟!
_عمتها.
أجابه يحيي بإقتضاب ليعاود الآخر تساؤلاته قائلاً: عمتها؟! إزاي؟! هي دي اللي أخوك كان متجوزها؟!
أومأ يحيي موافقاً ثم قال: أيوة دي.
_مش معقول! بقا أخوك يسيب دي و يبص لواحده تانيه؟!
نظر إليه يحيي بضيق إستخلصه هو فقال: يلا ربنا يصلح حال الجميع.
وضعت صافيه الآنيه أمامهما وهما ينظران نحوها ثم قالت بإبتسامة متسعه: شرفتونا يا جماعه والله.. مبروك يا يحيي.
إبتسم يحيي و أومأ موافقاً ثم قال: الله يبارك فيكي يا صافيه،، أومال فين غزل؟
_حالاً جايه.
فور ما إن أنهت جملتها حتي إنفرج الباب لتظهر غزل من خلفه وهي تتهادي بخطواتها الرشيقه الهادئه ثم إقتربت منه قبل أن تمنحه إبتسامه لطيفه حييّه و تصافحه بخجل و توتر ومن بعدها صافحت قاسم الذي قال: و مين دي؟!
_غزل!
=أيوة غزل ..و كل أبيات الغزل كمان مش بيت واحد.
إستوقفه يحيي بنظره محذره ،مستنكره ليقطع علي الفور حديثه العابث ذلك متمتماً بالإعتذار.
قدّم يحيي إلي غزل علبةً قطيفه من اللون الأحمر المخملي باطنها حريرياً و بها طقماً كاملاً من الذهب سعدت هي بهِ كثيراً.
حمحم إبراهيم قائلاً: بص يبني، هلا هلا عالجد و الجد هلا هلا عليه، أنا مش طالب أي حاجة زيادة عن السايد و المعروف، الأصول مفيش أحسن منها وأنا عايز كل حاجه بالأصول، و في نفس الوقت أنا مش هشرط عليك بحاجه إنت شوف اللازم إعمله ،أهم حاجه عندي اضمن حق بنتي بما يرضي الله ثم بما يرضيني و يطمني كأب.
نظرت غزل إلي يحيي بترقب تنتظر رد فعله لتجد الإبتسامه وقد علت شفتيه وهو ينظر إليها ثم إلي والدها بتقدير وقال: حضرتك غزل في عنيا قبل أي ضمانات و كلمتي لوحدها ضمان.. لكن حفظاً لحقوقها أنا همضي علي المؤخر اللي حضرتك تطلبه و هكتبلها شقة بإسمها و أي حاجة تانيه أنا عنيا ليها..هي تشاور بس.
إبتسمت غزل بفرحه و سرور إزدادا عندما أتي المأذون ليعقد قرانهما.
كانت تجاهد كي تمسك دمعاتها الوفيره ألا تتساقط أمام الحضور، فرحتها كانت تكفي الكون كله و تزيد، تنظر إلي والدها وهو يضع يده بيد يحيي و يزوجها إليه بمنتهي السعادة التي من الممكن أن يحصل عليها أحدهم حتي إرتقي صوت الزغاريد من حولها لتنظر إلي عمتها بفرحه و إحتضنتها بسعادة غامرة.
وقف إبراهيم أمامها يطالعها بفرحه و حزن في آنٍ واحد ثم قال: هتسيبيني خلاص يا غزل؟ هيهون عليكي أبوكي؟
نظرت إليه بأعين دامعه وقالت: عمرك ما تهون عليا يا بابا..هجيلك في كل وقت و هتصل بيك كل شويه..إدعيلي يا بابا.
نطقت بالأخيره بصوتٍ مهزوز لينظر إليها بتأثر ويقول: ربنا يسعدك يبنتي و يروق بالك و يجعل أيامك كلها فرحه.
إحتضنت والدتها بشدة وهي تحاول التماسك، فراقه يصعب عليها كثيراً ولكن ما يطمأنها أنها ستكن بجوار من سكن فؤادها.
ودّعت والدها و عمتها بالأحضان المختلطه بالعَبرات ثم غادرت بيتها إلي بيت يحيي و الذي سيصبح بيتها و ملاذها الأخير.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
فور أن وطأت قدماها أرض البيت حتي شغرت بأنفاسها تضطرب و قلبها يقفز في صدرها بتوتر و راحت تتطلع نحوها بأعين شاردة.
_ إتفضلي يا غزل إدخلي غيري هدومك و إرتاحي في أوضتك لو حابه.
أخرجها يحيي من شرودها وهو يشير إلي الغرفه الموجودة بين غرفته و غرفة أطفاله لتهز رأسها بإيجاب و دخلت إلي غرفتها و قامت بتبديل ملابسها لأخري رسميه قليلا ً ولكنها مريحه أكثر.
خرجت من الغرفه لتجد يحيي يساعد زياد و نور في تبديل ملابسهما فتقدمت منهم وقالت: سيبهم يا يحيي أنا هغيرلهم هدومهم.. روح إنت غير هدومك.
أومأ موافقاً و ذهب إلي غرفته بهدوء و جلس علي جانب الفراش واضعاً رأسه بين كفيه و أغمض عينيه شارداً.
_أنا إيه اللي عملته في نفسي و في غزل ده؟! مش عارف أنا صح ولا غلط، أنا أناني و إختارت نفسي و مصلحة ولادي بس.
تمتم في نفسه بذلك الحوار الصامت قبل أن تطرق غزل الباب فأذن لها بالدخول فدخلت وقالت: إيه ده إنت لسه بهدومك يا يحيي؟
نظر إليها بإرهاق وقال: كنت هغير أهو.
_طيب تحب أحضرلك عشا مع نور و زياد؟!
أومأ نافياً وقال: لا مش هقدر أكل أي حاجة، لو جعانه إنتي كلي معاهم، أنا هغير و أنام علطول لإني هصحي بدري عشان ورايا شغل متلتل.
أومأت بإبتسامه هادئه وقالت: ماشي.. تصبح على خير.
غادرت الغرفه متجهمة الوجه و قامت بإعداد الطعام لهم و إنتظرت معهم حتي خلدوا إلي النوم ومن بعدها دلفت إلي غرفتها و جلست في فراشها شاردة بحيرة.
_ متكدبيش علي نفسك و تقولي إنك كنتي مستنيه حاجه غير كده تحصل، إنتي وافقتي و عارفه إنها خطوة مش سهله و قرار مش بسيط، لازم تكوني مستعده للجاي و تبقي صبورة أكتر من كده .. و متقلقيش.. اللي قادر يخلي يحيي يكون من نصيبك بعد ده كله قادر يزرع حبك في قلبه بين ليله والتانيه.
هكذا واست نفسها بتلك الكلمات لتسبل أجفانها و تغرق في سبات عميق.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في مساء اليوم التالي دخل يحيـي برفقة قاسم إلي ذلك المكان الذين إعتادوا السهر به أحياناً ليجلسوا حول طاوله صغيرة مستديره حيث هرع النادل نحوهم يقدم لهم المشروب الذين يتناولوه كعادتهم و بدأا يتجاذبان أطراف الحديث قبل أن ينظر يحيي أمامه فاغراً فاه بصدمه عندما رأي آخر شخص كان يتوقع أو يتمني رؤيته ليتمتم بدهشة:سليمان؟!!
نظر قاسم إلي حيث شرد يحيي بعيناه و قال:في إيه مالك؟
دون أن يجيبه نهض فوراً عن مقعده و إتجه نحو المسرح حيث يقف سليمان متراقصاً برفقة الفتيات وهو يمسك بزجاجة خمر كان قد إحتسي القليل منها و سكب الباقي منها فوق رأسه و ظل يتمايل وسط تلك المنفلتات ثملاً قبل أن يستوقفه يحيي قائلاً بضجر: بتعمل إيه بس!
قال كلمته وهو ينتزع من بين يديه تلك الزجاجه الفارغه إلا من قليل و ألقاها بعيداً ليمسك بيدي أخيه يساعده علي النزول من علي المسرح و العدول عن تصرفاته الهوجاء تلك.
نظر إليه سليمان وقال و هو يترنح يميناً و يساراً: إيه ده ؟! أبيه يحيي؟!
نظر إليه يحيي بثبات و قوة و لم يتفوه بكلمه ثم عاد ليمسك بيده وهو يحاول ثنيه عن تلك التصرفات الطائشه لينتزع سليمان يده من بين قبضتي يحيي بقوة و يصيح به متشنجاً بعصبيه بالغه و يقول:إبعد إيدك دي عني، متلمسنيش أنا بقوللك أهو.
نظر يحيي نحوه بترقب يدقق التركيز في تصرفاته تلك ليعود سليمان ويقول مشيراً إليه بسبابته: إنت السبب في كل حاجه.
إنقبض قلب يحيي وهو يخشي أن يسمع من أخيه ما يشعره بالندم ليجفل جسده عندما قال: إنت إيه اللي رجعك؟!
أغمض يحيي عيناه يحاول منع عَبراته التي تأبي الإنتظار قهرً و صدمةً أودت بحياته للمرة الثانيه و تمتم بحزن: أنا آسـف، أنا غلطان إني رجعت فعلاً، كنت فاكر إن ليا أهل فارق معاهم و مكنتش أعرف إنهم كانوا يتمنوا موتي من زمان عشان ياخدوا مكاني.
نظر إليه سليمان شارداً وهو لا يَعِي ما يقوله يحيي ثم قال بصوت مضطرب غير متزن فجاء أقرب للهذيان: كانت كل حاجه ماشيه كويس!..كانت بتحبني و نسيتك.
سالت دمعات يحيي قهراً و هواناً وهو يستمع إلي حديث أخيه الصادق رغم ثمالته ليستطرد سليمان حديثه قائلاً بحزن طاغي: و فضـل!
نظر إليه يحيى بإنتباه حيث أكمل قائلاً: فضل كان جاي خلاص، إنت عارف إني كنت بستناه من عشرين سنه، و لما جيت إنت هو راح!
تبدٌل شعور يحيي بين الغضب و الصدمه و الحزن و الشفقه ليقترب أخيه منه ببطء ويقول: إنت أناني يا يحيي!
حملق به يحيي مصدوماً ليكمل حديثه ويقول: أيوة أناني، عايز يبقا معاك كل حاجه، ست جميله و عيال و فلوس و......
_بسسس يا سليمان!
نطقها يحيي وهو يضغط علي فكّيه بقوة مغمضاً عيناه ،يطبق عليهما بشده حتي كاد يعتصرهما من شدة الغضب و أردف قائلاً: كفايه كده يا سليمان و يلا من هنا
نظر إليه سليمان ضاحكاً بسخريه ثم قال:يلا؟!يلا فين؟!يلا إنت ،أمّا أنا معنديش مكان أروحه.
قبض يحيي علي معصمه بقوة وهو يجبره علي السير معه ويقول: هتيجي معايا، يـلا.
منصاعاً خلف أوامره، سـار سليمان برفقته غير واعٍ بما يفعل لينظر يحيي نحو قاسم و الذي كان يهز رأسه متسائلاً ليجيبه يحيي و يقول: سليمان أخويا و واخده معايا علي البيت، أشوفك بكرة.
خرج من الملهي مسرعاً و قام بغتح باب السيارة الأمامي المجاور له ليركب سليمان إلي جواره ملتزماً الصمت بينما إنطلق يحيي بسيارته متجهاً نحو البيت.
وصل يحيي أمام منزله و ترجل من سيارته ليفتح الباب الآخر و هو يساعد سليمان ليترجل بدوره من السيارة ثم وضع يحيي يد سليمان علي كتفه و أحاط خصره بيده و باليد الأخري يمسك بيده التي تحيط عنقه بإحكام حتي لا يسقط مترنحاً و صعد إلى شقته طارقاً الباب بقوة ففتحت غزل علي الفور وهي تقول: إيه يا يحيي إتأخر.........يلهوي عمو سليمان؟!!!
لم يجيبها يحيي و دخل إلي غرفته و ساعد أخيه ليستلقي علي الفراش ملقياً بجسده بقوةً قبل أن يغط سريعاً في النوم.
وقف يحيي متخصراً بيديه وهو يطالع ذاك المسچيّ فوق فراشه فأطلق تنهيدةً عميقه ثم إقترب من الفراش مجدداً و قام بخلع فردتيّ حذاء سليمان و ألقاهما أرضاً بجوار الفراش ثم ذهب و أخرج ملابس للنوم و أخذها و خرج من الغرفه ليجد غزل تقف تنظر إليه بحيرة و إقتربت منه فور أن خرج من غرفته لتتسائل بلهفه فقالت: في إيه يا يحيي؟ قابلته فين؟!
نظر إليها زافراً بتعب وقال: مش وقته يا غزل الكلام ده، بكرة نبقا نتكلم،إدخلي نامي في أوضة زياد و نور و إقفلي عليكوا كويس بالمفتاح من جوه، و أنا هغير هدومي و أنام علي طول لإني هلكت.
لم تجادله كثيراً فأومأت بموافقة وقالت: طيب أعمل لك تاكل؟
هز رأسه أن لا و قال: لا مليش نفس، يلا تصبحي علي خير.
إنصرفت غزل و دلفت إلي غرفة نور و زياد ثم قامت بإحكام غلق الباب من الداخل كما أمرها يحيي و تدثرت بغطائها إلي جانب نور و بقت شارده طوال ليلتها تفكر فيما جرت إليه الأمور.
كان يحيي يجلس بالخارج علي الأريكـة ممسكاً بملابس نومه في يده، شارداً فيما قاله سليمان وهو يسترجعه بعقلٍ شارد و قلبٍ ينزف دماً.
"إنت إيه اللي رجعك؟!"
بقت تلك الكلمات تتردد علي عقله مراراً و تكراراً لتنهال دمعاته فوق خديه وهو يشعر بمزيج من المشاعر السيـئه التي بإمكانها أن تجعله ينهي حياته علي الفور و لكنّه أغمض عينه بألم وهو يحاول الخلود إلي النوم كي يتوقف عقله عن التفكير في حديث سليمان لتقفز إلي مسامعه كلمات سليمان حيث قال: "إنت أناني، عايز يبقى معاك كل حاجه،ست جميله و عيال و فلوس"
وقتها فقط شَعُر يحيي بـ كم الحقد الدفين الذي يملأ صدر شقيقه تجاهه مما جعله ينخرط في بكـاءٍ مرير و لأول مرة يبكي هكذا وقد بات يشعر أنه قد جاء شيئاً فريّاً عندما قرر العودة إلى بيته و أهله ثم أسبل جفنيه مستسلماً لـسلطان النوم.
في الصباح أفاق سليمان من نومه وهو يمسك برأسه بين يديه بتعب شديد ثم راح يتطلع نحو المكان المحيط بهِ متعجباً قبل أن يستعيد ما حدث ليلة أمس عندما قابل يحيـي ليتذكر ما تفوٌه بهِ ثَمِلاً فأغمض عيناه بقوة نادماً علي ما صدر منه ثم نهض من الفراش الوثير من أسفله و قام بكتابة مكتوب خاص إلي يحيي ثم وضعه علي الفراش و أخذ حذائه و سترته ثم خرج من الغرفه بهدوء وهو يمشي على أطراف أصابعه قبل أن يتوقف أمام يحيي الذي كان نائماً علي الأريكه ليقف أمامه مطولاً ثم فتح باب الشقة مغادراً وهو ينوي الفرار إلي الأبد .
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على اسم الرواية