رواية سحر سمرة الفصل التاسع عشر بقلم أمل نصر
رواية سحر سمرة الفصل التاسع عشر
ينفث الدخان الاخضر من سيجارته المحشوة بالحشيش وهى بين اطراف اصابعه ..وهو مضيقاً عينيه بتفكير صامتاً .. ليقول أخيراً :
- مش فاهم !!
ابتسم الاَخر بمكر يقول :
- لا انت فاهم وكويس جوى كمان .. دا انت المعلم " ممدوح " اللى بتجيبها وهى طايره .
تنهد بصوت مسموع وهو يشيح بعينيه بعيداً ليعود اليه سائلاً :
- وانت ايه اللى مخليك متأكد اوى كده ؟ مش يمكن سعاد متعرفش !
ضحك بسخريه :
- ياارجل جول كلام غير ده ؟ اشحال ان ماكنت شوفت بنفسك شدتها وهى بتطردنى من بيتك .. دى عارفه وعارفه وعارفه.
صمت مرة اخرى وهو محدقاً اليه بعينيه لبرهة من الوقت ثم مالبث يخرج عن صمتهِ قائلاً :
- بصراحه انا مش فاهمك .. منين تبقى انت اخو خطيبها وهاتموت وتعرف مكانها ؟ .. طب لامؤاخذه يعنى اخوك اللى هو خطيبها نفسه .. مش معاك ليه فى الليله دى ؟ هو عاجز ؟
اجفل قاسم من فراسته فصمت قليلاً هو الاَخر قبل ان يجيب بحده :
- لا مش عاجز ياممدوح .. ودى حكاية طويلة وانا مش ملزم احكيهالك.. انا راجل بعرض عليك عرض وانت جبلته اهلا وسهلا.. ماجبلتش خلاص .. انا هاعرف طريجها سوا بمساعدتك او من غير مساعدتك .
رفع احدى حاجبيه قائلاً بمكر :
- ايوه بس انت شوفت بنفسك طليقتى شديده ازاى .. يعنى لا يمكن هاتعرفنى مكانها.
اقترب برأسهِ منه يقول :
- وانت زكائك ومفهوميتك راحوا فين يامعلم "ممدوح "؟ اعرفلى مكانها وانا هاديك فلوس تشبعك العمر كله وتغنيك عن تجارة البرشام والحشيش عشان تبجى مواطن صالح وترجعلك مرتك وعيالك من تانى بفلوس حلال !
............................
الله يا" سعاد " دا انتى زوقك حلو جوى ؟
قالتها سمره بسعاده وهى تقلب فى مشتريات الملابس الموضوعه امامها على الفراش ..
سعاد وهى جالسه امامها على طرف الفراش :
- يعنى بجد عجبوكى ياسمره ؟
- انتى زكية يا " سعاد " وعرفتى نظامى فى اللبس اللى بمشى عليه واللى بيعجبنى .
قالتها سمره وهى ممسكه بأحدى القطع .. فاتسعت ابتسامة "سعاد "لتردف بتفاخر
- طبعاً ياحبيبتى .. انا خبرة وبقالى سنين بلبس ستات اشكال والوان وانتى ياحبيبتى ماشاء الله عليكى .. زيك زى الهوانم اللى بلبسهم يعنى مغلبتس فى لبسك.
اشارت بسبابتها نحوها تقول :
- انا هانم !! ...الله يحظك يا"سعاد ".
قالت الاخيره وهى تهز برأسها استنكاراً بعد ان نزلت بعيناها على الملابس مرة اخرى .. فاجفلتها " سعاد " بضربه خفيفة على يدها .
- ارفعى راسك يا" سمره " وبصى فى مرايتك كويس ياحبيبتى دا انتى بجمالك دا احلى من كل الهوانم كمان ..
مالت زاوية فمها بابتسامة ساخره تقول :
- ما انتى لو شوفتى الست " صافيناز " واللى عملته معايا امبارح من تهزيق وبعترة فى كرامتى ماكنتيش جولتى كده.
شهقت سعاد :
- غيرانه منك ياعنيا .. لما شافت حلاوتك وشياكتك دى .
اومات بسبابتها مره اخرى بدهشه :
- غيرانة منى انا.. انتى بتتكلمى ازاى بس ياسعاد ؟.
- يابت متبقيش عبيطه والنعمة غيرانه .. خايفه ل" رؤوف " بيه يبصلك وهى عينها عليه بقالها سنين .. اسالينى انا ياحبيبتى.. دا انا ياما سمعت كلامها مع صاحباتها عليه !
- حتى لو كان صح كلامك ده ..دى تبجى عبيطه جوى اجى ايه انا فيها دى.. بلبسها اللى يجنن ولا شعرها الاصفر ولا لون عنيها الاخضر ..
- والنبى انتى اللى عبيطه ومش عارفه قيمة نفسك .. بس انا اللى عجبنى فى الموضوع دا كله بقى ان رؤوف بيه خدلك حقك الا هو فين صحيح؟
- مع "لبنى " هانم فى اؤضتها..
.................................
جالس امامها وهو يطعمها قطع الفاكهة الواحده تلو الاَخرى بسعاده وذلك بعد ان اطمأن لتحسن حالتها .
- عينى بارده عليكى ياست الكل .. انتى النهارده وشك مورد وزى القمر .
تناولت القطعه الصغيرة من التفاح ومصغتها جيداً وهى تتأمله قبل ان تقول :
- وانت كمان انا شيفاك اتغيرت ورجعت رؤوف بتاع زمان .
ضحك غامزاً :
- بجد .. يعنى صغرت كده عشر سنين ولا اكتر فرحينى ياتيته وقوليلى .
لبنى بدهاء :
- وافرحك ليه ؟ يهمك اوى انك تصغر يعنى؟
التفت لطبق الفاكهة بخجل :
- جرا ايه ياتيته انتى هاتخدى كلامى جد ولا ايه انا بهزر ياست الكل .
ضيقت عينيها بابتسامه ماكره :
- اممم وكمان بقيت تتكسف يارؤوف.. طب ماتتحرك ياحبيبى بقى وفرحنى وفرح نفسك .
رفع انظاره اليها باستفهام :
- افرحك بأيه؟
زمت شفتيها مستنكره :
- انت هاتستهبل ياولد .. انت فاهم قصدى ايه ! ياللا بقى روح كلم البنت وحدد معاه ميعاد الفرح دى ما هتصدق .
هز برأسه سائلاً :
- بنت مين اللى احدد معاها ميعاد الفرح وهى ما هتصدق ؟
حدقت اليه حانقه :
- لا دا انت بتستهبل بجد بقى ؟ هو احنا نعرف حد تانى غير صافى !
- اه
قالها وهو يعود يومئ برأسه فتابعت هى :
- شد حيلك ياحبيبى بقى وسرع بجوازك منها .. خلينى اشوف ولادك قبل ما اموت..
- بعد الشر عليكى ما تقوليش كده؟
قالها بمقاطعه وهو يومئ بكفه ثم تابع
- واوعدك انى هافرحك قريب بأذن الله .
لبنى بلهفه:
- بتتكلم بجد يارؤوف ولا بتضحك عليا.
- بجد والله ياتيته.. بس مش لازم " صافى " يعنى ؟
قال الاخيره بصوتٍ خفيض فسألته هى .
- انت بتقول ايه؟
- ما بقولش حاجه ياقمر.. ياللا بقى عشان تخلصي الطبق ده .
....................
جلس " محسن " على احدى المقاعد الخشب للقهوه الشعبيه يتنفس بصوتٍ عالى مع تصبب قطرات العرق على جبهته ووجهه امام " قاسم " الذى يحدق اليه بازدراء يردف :
- خبر ايه ياض بتنهت كده ليه؟ هو انا كنت مشغلك فاعل ؟
محسن بسخط :
- يعنى مستكتر عليه التعب كمان يا" قاسم " .. دا بت اللذين طلعت عينى فى المشاوير وهى من مواصله لمشى لمسافات بعيده على رجليها.. عاملة زى القرده بت اللذين مابتتهدش واصل .
- هى برضوا اللى قرده والا انت نى .
اشاح بنظره عنه وهو يلوح بيده :
- اباى عليك يا" قاسم "وعلى كلامك التجيل .
ابتسم بسماجه يقول :
- طب خلاص متزعلش المهم دلوك جولى .. انت شوفت كل البنته اللى فى المحل وعرفت اساميهم .
- والله شوفتهم كلهم وعرفت اساميهم ومافيش واحده فيهم حتى تشبهلها.
صك على اسنانه بغيظ وهو ينظر فى الفراغ :
- انا عارف من الاول انك مش هاتوصل لحاجه.. البت دى مش ساهله .. دى بت سوج ولافه ودايره .
- طب احنا دلوك هانعمل ايه ؟
سألها محسن وقبل ان يجيبه " قاسم " صدح هاتفه بصوت اتصال من اخيه فعقد " قاسم " حاجبيه يقول :
- واه دا "رفعت ".. دا نسيته خالص .
تناول الهاتف ليجيب على اخيه برزانه امام نظرات الدهشة من صديقه .
- الوو .. ايوه يا" رفعت " ياخوى .
رفعت وهو يصيح بصوت غاضب :
- اهلا بيك يا" قاسم " باشا ياللى مش سائل فى اهلك وسايب الدنيا تضرب تجلب .
- ليه بس ياخوى انا عملت ايه لدا كله .
قالها بمسكنه أثارت اخيه الذى كاد ان يفقد اعصابه :
- ايه هو اللى ليه يابارد ؟.. انتى مختفى فين ياض ؟
سمع من اخيه ليرد بحزن متصنع :
- الله يسامحك يا"رفعت ".. يعنى هاكون مختفى فين بس ؟ مش بدور زى شباب العيلة على خطيبة اخويا اللى......
اغمض رفعت عينيه بتعب والم :
- ولما انت بتدور .. مش جايلنا ليه على مطراحك .. ومش بتيجى تطمن ليه على امك واختك ؟
- معلش ياخوى عدت عليا .. بس انا بدور فى كل البلاد اللى حوالينا وبطل على جرايبنا فى اى حته يمكن اللمحها عند حد منيهم.
مسح رفعت بكفه على وجهه وهو يحاول التحدث بهدوء :
- طب اخلص سيب اللى فى يدك وتعالى بسرعه عشان نرسى على رأى محدد فى موضوع فرحك اللى فى اَخر السبوع ده على رضوى .
- رضوى مين يا"رفعت "هو احنا كمان هنعمل فرحات فى الظروف المجندله دى .. مافيش فرح ولا زفت .
بعد ان برع فى اتقان دوره مع اخيه حتى انتهاء المكالمة.. نظر الى " محسن " الذى كان يحدق اليه بتركيز وهو مستند بمرفقه على الطاولة الصغيره واضعاً كفه على وجنته .
- مالك ياض بتبصلى كده ؟
انتصب فى جلسته يجيب :
- بصراحة معجب بيك عشان عرفت تبلف اخوك وتخليه يصدق ان انت حزين وبتدور عليها عشان خاطره .
- امال فاكرنى اهبل زيك وهاغرق فى شبر مية ..
............................
عادت " سعاد " للمبنى السكنى الذى تقطنه وقبل ان تصعد الدرج سمعته يهتف :
- حمد الله عالسلامه ياقلبى .
- بسم الله الرحمن الرحيم؟
قالتها " سعاد " وهى واضعه يدها على قلبها مجفله فصاحت عليه غاضبة بعد ذلك :
- فى ايه ياممدوح ؟ دى المرة التانيه فى يوم واحد ! جرى ايه ياعنيا ؟
- يعنى هايكون جرى ايه بس ياسعاد .. انا قلقت عليكى لما اتأخرتى.
وضعت يدها على خصرها ساخره :
- قلقت عليا ! ودا من امتى ان شاء الله ؟ ما انا ياما اتأخرت !
- دا لان دايماً كنت مطمن عليكى ياقلبى بس انا المرة دى خوفت اوى .. عشان العيال المعسكربن بره الحاره دى .؟
- ربتت بيدها على كتفهِ :
- لا ياحبيبي ماتقلقش .. مراتك بمية راجل وما يتخافش عليها .
- طبعاً امال ايه ؟ انا متأكد من كده كمان .. بس تعملى ايه بقى فى قلب المحب اللى بيخاف على محبوبه .
رددت خلفه مندهشه
- مُحب ومحبوبه !! على العموم متشكرين اوى ياسيدى عن اذنك بقى .
قالت كلماتها لتصعد الدرج ولكنه اوقفها :
- انا بتكلم من قلبى وانتى عارفه كده كويس ،
اللتفتت اليه مستنكره :
- احنا هانعيده تانى .. ما احنا اتكلمنا الصبح بقى ولا هى شغلانه ؟
اومأ براسه :
- ماشى ياسعاد انتى حره .. المهم دلوقتى البنيه اللى كانت مبيته عندك هنا بقالها يومين وهربانه من اهلها .. اطمنت عليها وعرفتى مكانها فين ؟ دى مهما كان برضو غريبه هنا فى البلد ومتعرفش حاجه ؟!
...........................
بداخل حديقة المنزل الكبير كانت جالسة على احدى المقاعد تتحدث مع ابنة خالها " شيماء " التى اخبرتها بعودة اباها وشقيقه " سليمان " ومعهم رفعت من القاهره بعد رحلة البحث عنها وفشلهم فى العثور عليها ..فسالتها مندهشه:
- طب وهما عرفوا منين عنوان ابويا .. انا مش كذا مرة اسألهم ويجولوا انهم مايعرفوش عنوانه بالظبط .
- ابويا بيجول رفعت هو اللى وصلهم وجالهم انه ياما زار عمى ابو العزم اللى هو ابوكى هناك .
- رفعت كان بيزور ابويا طب ليه ؟
- والله ما اعرف دا اللى سمعته من ابويا .. بس بصراحه بعد ما شوفته صعب عليا جوى يا" سمره " .. استاذ رفعت مايستاهلش منك كده ؟
تنهدت بعمق تقول :
- اللى حصل بجى يا" شيماء " ربنا يعوضه باللى احسن منى ..
- يااارب
- امى طيب يا" شيماء " اخبارها ايه فى بعدى ؟
- رايجه يا" سمره " وزينه .. ما انتى عارفة عمتى " بسيمه "جوية .
اومأت برأسها تقول
- عارفها جويه يا" شيماء" وجوية جوى كمان ؟ المهم انتى خلى بالك منها .. وياريت لو تكترى زيارات لمروة اخت رفعت دى طيبه جداً يا شيماء.
- عارفه انها طيبه هى ووالدتها واستاذ رفعت كمان.
- ايوه ياشيماء.. رفعت طيب جوى وراجل بمعنى الكلمة يابخت اللى تتجوزه.
- مين هى اللى تتجوزوا ؟
شهقت مفزوعه حينما سمعتها من احد الأشخاص الذى قالها بجانب رأسها بصوتِ خفيض .. وقبل ان تلتفت وجدته جلس امامه على الطاولة بسرعة البرق .
- اسف ان كنت خضيتك؟
اذدردت ريقها الجاف بتوتر :
- بصراحه انا فعلاً اتخضيت .. ياريت يا استاذ " تيسير " ماتكررهاش تانى .
مال برأسه يقترب منها :
- مش هكررها تانى .. بس انا عايزك تعرفى كويس اوى .. انا الهزار التقيل دا بيبقى مع الناس القريبه منى واللى قلبى بيرتاح لهم .
- بيرتاح لهم ! طب عن اذنك بجى انا جايمة
قالتها وهو تنهض عن مقعدها فأوقفها هو ممسكاً بكفها
- طب قايمة ليه ؟ ماتقعدى شوية هى الدنيا طارت ؟
نزعت كفهِ المطبقة على كفهِا بسرعه .
- اسفه بس انا عايزه اروح اطمن على " لبنى " هانم عن اذنك .
قالتها وهى ترتد بخطواتها لتذهب ولكنه اجفلها حينما جذبها من ذراعها يقول :
- وهى لبنى هانم هاتطير .. ما تجبري بخاطرى واقعدى شويه معايا بقى .
هنا جذبت ذراعها تصيح بغضب :
- لو سمحت بجى انا مسمحلكش تكررها تانى
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية سحر سمرة" اضغط على اسم الرواية