رواية صفقة حب الفصل الثاني والعشرون بقلم شيماء جوهر
رواية صفقة حب الفصل الثاني والعشرون
أصبحت غرفة الإجتماعات فارغة، لم يتبقى بها سوى هاشم ومحمود .. منذ بداية الإجتماع وهو في حالة من الصدمة الشديدة ولا يعرف ماذا يقول، لا يجد الكلمات المناسبة في مثل هذا الموقف الذي يعتبر أخر شئ يمكن أن يتوقعه في هذه الصفقة .
من الواضح إنها ليست بفكرة سديدة حتى يوافق عليها هاشم منذ البداية، كان يشعر بشيئًا ما غير منضبط .. أكان يشعر بما سوف يترتب عليه ذلك العقد أي في لحظتنا هذه ؟ ..
فما كان له أن يرفض في بادئ الأمر بعد إقناع هاشم له بأنها صفقة مربحة وما شابه، وسوف تنقل الشركتي نقلة كبيرة في عالم صناعة الأدوية والربح سوف يتضاعف بنسبة جيدة .. فمضى في طريقه إلى أن أنصبت عليهم اللعنة جميعاً .
اللعنة التي قضت على شابين لا ذنب لهم إلا أن أحد أبويهم لا يهمه سوى السلطة والنفوذ وجمع الأموال .. أي كان من سوف يدفع ثمن هذه اللعنة ولكن النتيجة المربحة سوف توؤل له .
ولكن بكل آسف ليست هذه اللعنة الأولى في حياة هاشم الجوهري .. بل حلت الكبرى والأسوء التي بمثابة نقلة كبيرة في عائلته وبالأخص أبناءه، ليكسب المزيد من الملايين خسر أعز الناس إلى قلبه .. خسر شريكة حياته، من تحملت معه كل لحظة قاسية ومريرة .. من وقفت بجانبه في أعز أزماته زوجته السيدة فريدة ..
تلك الحسناء التي أحبها ليس من النظرة الأولى .. بل من التعامل الأول بينهم، جذبته برقتها وحسن تعاملها، فقد كانت سيدة أعمال ناجحة للغاية وذكية .. جميع أصدقائه حسدوه عليها، تقدم لها الكثير ولكنها فضلته عليهم فقد أحبته بصدق وشعرت بحبه نحوها وبعد مدة ليست بطويلة تزوجا وأنجبت له أول مولود لهم، وبعد أن رزقهم الله بسلمى بسنوات تبدل حال محمود تدريجيًا وقد لاحظته فريدة ذلك وحاولت التقرب منه لتعرف سر التغير العجيب الذي حدث، فكان يهرب منها بأنشغاله في الشركة والمصنع .. فلم تيأس أو تستسلم بل ظلت بجانبه حتى النهاية .. تلك النهاية المؤلمة التي كانت مكافأة لها على كل ما قدمته لأجله، وكان وفاتها صدمة كبيرة على الكل .
عاتبه محمود بشدة بأنه لم يصونها ولم يحافظ عليها بل أستغل طيبتها ومحبتها له وها هي كانت النتيجة .. أبتعاده أكثر عن أبناءه في أكثر وقت أحتياجاً له ..
حزين للغاية على تلك المسكينة التي دفعت خطيئة أبيها للمرة الثانية ولا يعرف إلى أين ذهبت، ولكن لماذا فعلت ذلك فهي كانت على أتفاق مع طارق في أخر أجتماع لهم وبناء على رغبتهم حسم الأمر، ما الذي جد في الأمر ؟.. رفع رأسه وصاح بهاشم بعنف وغضب :
- عجبك إللي حصل ده .. اودي وشي فين من الناس
صاح هاشم هو الأخر فلم يحتمل النبرة التي يتحدث بها محمود :
- هو أنا إللي قولتلها تهرب .. مش هي وابنك كانوا متفقين على كل حاجة وأقتنعوا خلاص بجوازهم .. يبقى أكيد عملها ولا قالها حاجة خلتها تهرب
أتسعت عيناه دهشة لم يصدق ما يسمعه، فقط يعلق أخطاءه على غيره وهو السبب في كل ما حدث لهم بموافقته على هذا الشرط وعلى هذا العقد منذ البداية .. فنهض وقال بخيبة أمل وحزن :
- للآسف مفيش فايدة فيك .. عمرك ما هتتغير .. فوق بقى يا أخى فوووق
خرج سريعًا بخطوات أشبه بالركض وأغلق الباب خلفه بشدة وعنف، صوت أرطدامه أشبه بزلزال مخيف حل على الغرفة .
*****************
أستقل سيارتها وقاد بطريقة جنونية يفكر في حل للكارثة التي حلت عليهم فجأة دون أي مقدمات، ثم ترددت ملمات هاشم في مخيلته .. أيكون طارق يد في أمر أختفاءها وهل حدث بينهم شيء ؟ .
بسرعة تناول هاتفه وأتصل بطارق كي يفهم منه ما حدث بالضبط حتى يستطيع المدافعة عن ابنه جيدا .. فهو متأكد كل تأكيد بأن طارق ليس له دخل في حادث هروبها ولكن يجب أن يتأكد بنفسه شخصيًا كي يرد على هاشم بثقة .. حاول مرارًا ولم يجد رد فقرر العودة إلى المنزل ليفكر هو وتهاني، فلم يستطع أن يهاتفها ويشرح لها ما حدث هكذا ..
وصل محمود إلى الفيلا ودخل في إستقبال الخادم الذي تناول منه حقيبته، أكد عليه مناداة تهاني إلى مكتبه على الفور .
دقائق وجاءت تهاني قلققة للغاية تريد وتتحرى شوقًا أن تعرف سر هذا الإجتماع المفاجئ، ولماذا عاد إلى هنا مرة أخرى .. دخلت وجلست قبله في لهفة وتوتر كبير ظهر على وجهها وهي تقول :
- طمني يا محمود ..من ساعتها وأنا مش قاعدة على بعضي .. إجتماع إيه ده وحصل إيه ؟
شابك أصابع يداه ورفع رأسه وهو يقول لها بجمود وهدوء شديد :
- سلمى هربت
شهقت تهاني وضربت صدرها بيداها بصدمة وهي تقول بدهشة وعدم تصديق :
- هربت ! أنت بتقول إيه يا محمود هربت ازاي وليه ؟
صاح بها بغضب مكبوت :
- ازاي وليه ده إللي منعرفوش لحد دلوقتي ولا قادرين نفهم السبب .. أنا لغاية دلوقتي مش قادرة أصدق أن سلمى تعمل كده .. وليه مادام هي وطارق متفقين .. ليه !!
شردت تهاني في حزن وصدمة وعدم تصديق لما حدث، تشعر بأنها في حلم غريب حل على عائلتها .. فنظرت له والدموع متحجرة في عيناها :
- طب والعمل دلوقتي يا محمود .. الناس بليل على وصول والشركة بتاعة الصفقة هتعملوا فيها إيه .. كل حاجة متوقفة على الجوازة دي
صاح بها بغضب وعنف شديد :
- مش عارف يا تهاني مش عارف .. أنا من الأول مكنتش موافق على الجوازة دي بالشكل ده أبدًا .. مفيش حد في الدنيا ممكن يقبل أنه يتجوز بمقايضة ورغم كده سلمى قبلت علشان الشركات مضعش وعشان خاطر أبوها قبل أي حاجة .. والشركة التانية شكلها عرفت تضغط على هاشم بالجوازة دي.. دي بنته ليه مضغطتش بابنه مثلًا .. ليه سلمى ؟
نظرت له تهاني والوجع أحتل قلبها .. فتركت دموعها تنسدل على وجنتيها بحرية وقالت بجدية وألم :
- عشان البنت طول عمرها محل ضغط عن الولد .. عشان عارفين إنه لو ضغكوا عليه بالولد مش هيتأثر .. نسيت فريدة ولا إيه يا محمود
نظر لها بصدمة وعدم إستيعاب بشكل صحيح أم ما تم إستيعابه هو الصحيح .. فأردف بتأكيد :
- قصدك تقولي أنه بيحصل لسلمى زي ما حصل مع فريدة !!
أكملت بنفس النبرة :
- ويا عالم إيه السر في موت فريدة تاني احنا منعرفوش .. المفروض إللي حصلها يديه عظة ويخلي باله من بنته بس واضح إنه مش عارف يسيطر على الصفقة دي والنتيجة إنه بيغامر بيها زي أمها
طرق على سطح مكتبه بقوة وعنف بعدما استوعب جيدا .. الآن بدأ يفهم تصرفات هاشم الغير مفهومة منذ سنوات .. ها قد أتضحكت الرؤية تدريجيًا :
- دي مصيبة يا تهاني مصيبة وحلت على البنت المسكينة دي .. أنتِ فاهمة معنى إللي بتقوليه ده إيه ؟!
صاحت به تهاني لتقول بجدية :
- ايوة فاهمة .. أنا قعدت مع نفسي وفكرت بالطريقة إللي راحت فيها فريدة الإختلاف مش كبير .. على الرغم إني مصدومة ولغاية دلوقتي مش مستوعبة إللي حصل، بس هروب سلمى أنقذها من أبوها
جلس ووضع رأسه بين يداه بصدمة وعدم تصديق ليقول :
- ياااااا يا هاشم .. ده احنا صحاب من زمان أوي .. عمري ما كنت أتصور أن تفكيرك يوصل لكده .. ده معندوش تفكير أصلًا .. والعمل يا تهاني ؟
تنهدت تهاني بحزن شديد للغاية .. حزينة ومتألمة على تلك المسكينة التي لا ذنب لها من تصرفات أبيها ومن زوجها والكارثة التي حلت عليه بعدما علم بأمر المكيدة التي كادت أن تنصب .. فربتت على يداه وهي تقول :
- نقول أن الفرح أتأجل .. أخترع أي حجة يا محمود مش لازم حد يعرف أن سلمى هربت لغاية ما نلاقيها ونشوف حل في إللي حصل .. وربنا يستر
نظر لها وكأن شرارة أمل فتحت أمام عيناه .. كان لديه حق عندما قرر العودة إلى المنزل والتحدث مع زوجته، فهي تسانده في كل ما يحتمل ولا يحتمل :
- عندك حق .. هي فكرة كويسة بس يا ترى حجة إيه دي تتقال تحجب الكارثة دي .. المهم أنا لازم أرجع على الشركة حالاً عشان نشوف حل مكنش ينفع أشرحلك في التليفون .. أشوفك بليل
ودعته تهاني بإبتسامة حزينة وهي تقول :
- ماشي يا حبيبي .. ربنا يستر
خرج محمود وأستقل سيارته سريعًا وعاد إلى الشركة .
*******************
بعد ذهابه قرابة عشر دقائق وصل إيهاب الفيلا وطلب من الخادم إبلاغ السيدة تهاني بوجوده .. رحل الخادم وجاءت تهاني التي يبدو عليها الحزن الشديد .. شعور مغاير ومعاكس في تلك المناسبة السعيدة .. زواج ابنها على الرغم من الطريقة ذاتها
تنهد إيهاب ليقول باسمًا :
- ازيك يا طنط .. طارق فوق ؟
ردت تهاني ساهمة والحزن كسى وجهها :
- الحمد لله يابني .. لا مش هنا إتصل بيه شوفه فين هو دلوقتي محتاجك
تبدلت تلك البسمة الصغيرة التي كانت تزين محياه إلى جهوم وقلق ارتسم على وجهه، كان من المفترض عودته إلى هنا فإلى أين ذهب يا ترى ؟ .. بالإضافة إلى نبرة صوت تهاني وهي تتلفظ تلك الجملة كرجاء له، دبت القلق في قلبه .. فصاح بقلق :
- خير إللي حصل ؟
زفرت تهاني بقوة وهي تقول بنفاذ صبر :
- مفياش طاقة للكلام يا إيهاب .. كلم صاحبك وهتفهم منه إللي حصل، عن أذنك محتاجة أطلع أستريح شوية
رد سريعًا :
- أتفضلي يا طنط
*******************
لم يفهم شيئًا ولكن من الواضح بأنه قد حدث شيئًا كبير .. خرج مسرعًا وأستقل سيارته وقاد بعقل منشغل للغاية، أثناء ذلك قام بالإتصال بطارق عدة مرات ولكنه لا يجيب الهاتف مغلق أو غير متاح .. حاول قرابة عشرون مرة وكانت نفس النتيجة، فزاد قلقه عليه فلم يعد مطمئن على الإطلاق .. أخيرًا بعد محاولة سمع رنين الهاتف فهدأ خفقان قلبه قليلًا إلى أن جاءه صوت طارق فصاح به بقلق وغضب :
- أنت فين يا بني آدم أنت قافل فونك ليه ؟ شوف رنيت عليك كام مرة .. إللي حصل كلام مامتك مطمنيش أبدًا، ومروحتش على البيت ليه زي ما أتفقنا
الصدمة التي تعرض لها طارق وصموده في إنفعالاته نوعا ما جعلته يصيح به بشدة وغضب :
- إيهاب بقولك إيه مش ناقصك دلوقتي وفيا إللي مكفيني .. كلمة زيادة وهتزعل بجد مني
شعر بالقلق وحالته العصبية توحي بوجود كارثة قد حدثت بالفعل، حاول تهدئة روعة قليلاً حتى يستطع الفهم .. تنهد بعمق وأردف بلهفة وهدوء :
- خلاص خلاص أهدى .. أنت فين دلوقتي ؟
زفر طارق بعمق وشدة وهو يستغفر ربه، وحاول الرد بهدوء نوعًا ما :
- مش عارف .. بلف بالعربية وخلاص ومخنوق
أردف إيهاب سريعًا :
- طيب نتقابل في الكافيه بتاعنا .. ربع ساعة وهكون عندك يلا سلام
أنهى المكالمة وزاد سرعته إلى وجهته .
وصل إيهاب وبعد عشر دقائق حضر طارق .. أخذ يتجول بعيناه بين الجالسين عنه حتى لمحه إيهاب ولوح له بيداه .. ذهب إليه وجلس قباله في هدوء، كسر إيهاب هذا الصمت الذي دام قرابة خمس دقائق، تنهد وقال بإهتمام وقلق :
- ممكن أفهم مالك ! إللي حصل ؟ .. شكل فيه مصيبة أهدى كده ومن غير نرفزة وعصبية
زفر بشدة ثم قال بمنتهى الهدوء :
- مفيش فرح يا إيهاب
رفع إحدى حاجبيه بدهشة وقال بعدم فهم :
- نعم !! هو إللي مفيش فرح
صاح به طارق بضيق :
- زي ما سمعت كده مفيش فرح .. سلمى هربت يا إيهاب فاهم يعني إيه هربت ؟! ..ومن غير رغي كتير عشان أنا مش حمل حكاوي معرفش راحت فين ولا إيه إللي حصل .. فجأة نور بتعمل مكالمة دخلت ملقتهاش موجودة فص ملح وداب .. كلمتها مليون مرة قافلة فونها ومحدش عارف يوصلها .. وأنا هتجنن معرفش ليه عملت كده في يوم زي ده
أتسعت عين إيهاب بشدة من الصدمة ولا يعرف ماذا يقول .. لا يستطيع تصديق ما سمعه للتو، إنها حقًا كارثة وحلت عليهم جميعًا، ماذا يقولون للمدعوين الحاضرين مساءًا .. أو ما هو رد فعل الشركة صاحبة الشرط ؟ .
فرد بحيرة وهو عاجز عن الكلام :
- يا نهار زي بعضه أنا مش عارف أقول إيه بصراحة .. وهتعمل إيه في المصيبة دي ؟
رد بهدوء وشرود :
- محتار ومش عارف أفكر .. كل إللي شاغلني هو سلمى بعيداً عن أي حاجة ممكن تحصل .. معرفش هي فين دلوقتي ولا بتعمل إيه .. وهروبها ده لوي دراع ولا إيه بالظبط وده إللي مجنني بزيادة .. مبقتش فاهم أي حاجة خالص
قال إيهاب بعد تفكير :
- تعرف أن ده كويس ومش كويس
نظر له طارق بعدم فهم وهو يقول :
- ازاي يعني مش فاهم
أردف إيهاب قائلًا :
- يعني كويس بهروبها ده إنك كده مش هتدبس في الجوازة دي وكل حاجة أتفركشت .. ومش كويس لأن هتحصل مشاكل كتيرة على عدم جوازكوا .. والشركة دي باينها مش ساهلة
تنهد طارق وهو يفكر في حديث إيهاب، معه حق فيما يقول .. ولكنه لا يعرف لماذا لا يشعر بالفرح والسعادة من إنتهاء تلك الزيجة كما قال، وفي الوقت ذانه شديد القلق على موقف الشركة بعدما حدث .
ظلوا يتحدثون كثيرًا وهم يناقشون الوضع الحالي من جميع الجهات والوصول إلى حل مناسب .. ولكن طارق كان يفكر بها بين الحين والآخر ونسى تمامًا سارة .. التي بنفس اللحظة قامت بالإتصال به، فلم يكن على إستعداد لدخول مناقشة معها في هذا الوقت تحديدًا وهو بهذه الحالة، نعم أشتاق إليها قليلًا ولكن تتصل في وقت غير مناسب كالعادة .. وإن لم يرد عليها الآن سيواجه مشاحناتها وغضبها وعتابها المستمر له، فحسم القرار وقام بالرد :
- ألو .. وحشتيني
كانت سارة على إستعداد الشجار معه ولكن عندما سمعت رقة صوته وعذوبيته تراجعت سريعًا .. فردت بحزن مصطنع به نوعًا من الدلال :
- يا سلام هو أنت لسة فاكر تسأل فيا .. شوف أنا كلمتك أمتى
إبتسم طارق وهو يقول :
حقك عليا أنشغلت جدًا وجاتلي مكالمة مهمة جدًا من نور وبعدها نسيت نفسي أنا شخصيًا
ردت سارة متسرعة وقالت بثقة :
- اها بالحق قلبي عندك يا حبيبي
قال بعدم فهم :
- تقصدي إيه ؟
ردت بنفس التسرع :
- مش سلمى هربت
قضب جبينه وقال بشك وقلق :
- عرفتي ازاي ومين قالك ..
********************
شعر بالملل ألم تستطع السيطرة على دموعها بعد ما سمعته من اخيها، كانت تود أن تخرج وتقول له أنا هنا وتركض نحوه وتحتضنه وتبكي في صدره ولكنها لم تستطع .. قدماها كانت متخشبة في الأرض ولا تستطيع الحراك، ما يصعب عليها كل هذا الأمر هو شقيقها التي تعلم بأنه يتألم مثلها ولها .. بأنه قلق عليها للغاية وسوف يعود ببحثه عنها في كل مكان، يا لو تستطع أن تمنع شقائه .. تتمنى أن ترتمي في صدره وتبكي بشدة وتطرد كل ما بداخلها من قهر وألم وعذاب .. لكن لا يجب أن لا تستسلم بعد كل ما وصلت إليه، يجب أن يدركوا جميعاً بأنها ليست سلعة تباع وتشترى وخاصًة أبيها .. يجب أن يشعر بها وبمعاناتها ولكن هي تدرك مهما قالت ومهما فعلت لن يغير من قراره شيء، فهذه هي الفرصة الوحيدة لرد إعتبارها وحريتها من جديد، التي سلبت منذ سنوات .
بعد أن ودعت يوسف جلست على الأريكة تفكر في الحديث الذي دار بينهم وحال ابن اخيها .. إقتربت منها سلمى وجلست بجوارها تبكي في صمت وهي تنظر لها نظرة رجاء تستنجد بها، شعرت بها سميحة فجذبتها إليها وضمتها إلى صدرها فأنهمرت بالبكاء، ربتت سميحة على ظهرها بعطف وحنان فتمسكت بها سلمى بشدة وهي تحتضنها كأنها لا تريد الإبتعاد عنها أبدًا .. هنا وجدت الأمان والحنان بعد وفاة فريدة .
تنهدت بعمق وحيرة وهي تقول :
- وبعدين يا سلمي يابنتي .. هتفضلي على الحال ده كتير ؟
مسحت دموعها وهي تقول بجدية :
- وأنا في أيديا إيه أعمله ومعملتوش ..(أبتعدت عنها وهي تقول) لو مضايقك وجودي هنا أنا ممكن أقعد في اوتيل لحد ما ربنا يفرجها
حزنت سميحة وهي تقول معاتبة :
- بقى كده يا سلمى .. ده كلام يتقال ؟! لو مشالتكيش الأرض تشيلك رموش عينيا
إبتسمت سلمى وقبلت جبينها وهي تقول بحب :
- متحرمش منك يا رب .. أنت إللي بقيالي بعد ماما ويوسف
تنهدت بحزن عندما تذكرت الحوار الدائر بينهم :
- يوسف هيموت من الخوف والقلق عليك يا سلمى .. قلبي وجعني على منظره .. متتخيليش شكله كان عامل ازاي
أردفت سلمى بحزن :
- أنا كمان يا عمتو والله ومش عارفة أعمل إيه ولا عارفة أنا عملت كده ازاي .. حاجة جوايا خلتني أهرب .. حاجة بتقولي أنتِ مستنية إيه؟ تبقى أسيرة للمرة التانية .. لما رتبت أولوياتي حسيت أن أنا بضيع نفسي وعمري ومفيش تقدير للشخص إللي هعيش معاه ولا حب حتى .. مكنش عندي حل إلا كده للآسف ومش عارفة أخرة إللي أنا فيه ده إيه
تنهدت بحزن وحيرة :
- بس أنا مش معاكِ في إللي أنت عملتيه ده .. تسيبي بيتك وتهربي في يوم فرحك !!
نظرت لها سلمى بغضب وصاحت :
- اومال كنت عايزاني أعمل إيه .. أتجوز واحد ولا بطيقه ولا بيطقني ومفيش تفاهم بينا .. أنا عارفة إني غلطانة ومعترفة بيه بس غصب عني .. كنت حاسة إني متنومة مغناطيسي وحاجة بتتحكم فيا .. ثم أنا مخترتوش ده أتفرض عليا جبر عشان شرط الشركة المتخلفة إللي متعاقدين معاها
زفرت بغضب ثم قالت بضيق شديد :
- أقول إيه بس يا ربي ... ربنا يهدي أبوكِ إللي شيطان راكبه ده ... مش عايز يفهم أن الفلوس مش كل حاجة .. في حاجات لما بنروح مبتتعوضش ولو بكنوز الدنيا دي كلها .. إنما العمل عمل ربنا يا بنتي مفيش في أدينا غير إننا ندعيله بالهداية
زفرت سلمى بحزن شديد وقلبها يعتصر من الألم :
- يا رب يا عمتو يسمع منك .. يا رب
دقائق من حديثهم وسمعا صوت فتح الباب .. ليدخل شاب في منتصف العشرينات زادت وسامته في ذلك الزي الأبيض .. إقترب منهن دون معرفة من بالداخل مع والدته .. رفع عيناه وجدها أمامه فإندهش بشدة لرؤيتها، أتسعت عيناها بدهشة عن رؤيته هي الأخرى وقالت بدهشة وفزع :
- أمير !!
يتبع ..
الحلقة الثانية والعشرون
"مصير مفقود"
نهضت منتفضة عند رؤيته أمامها وقلبها يدق بشدة وسرعة عالية .. تنظر لعيناه البنيتان بترقب وقلق، ترتجف بداخلها وتحاول أن تتصنع الجمود والصلابة من الخارج بقدر من الإمكان، ولكن قسمات وجهها وعيناها بالتحديد تخونها بنفس سرعة دقات قلبها .. ظلت مكانها جامدة ولم تتفوه بكلمة .
لم ينكر بأنه شعر بالفرحة في قلبه عند رؤيتها بالإضافة إلى الدهشة وتساؤلات كثيرة لا يوجد لها أجابة سوى لديها .. فنظرة عيناها له تقول لا تقول رجاء لا تفعل .. بها خوف وإرتباك، هل أنكشف أمرها أمامه بعد وجاء لأخذها ؟، بهذه السهولة أدركوا مكانها ؟ .. قطع الصمت صوت أمير وهو يقول بهدوء وشرود :
- ازيك يا سلمى ؟
أبتلعت غصتها بصعوبة وردت بتوتر ملحوظ :
- الحمد لله .. أخبارك أنت يا أمير ؟
نظر لها بتركيز شديد أزاد ارتباكها ثم قال بنبرة يشوبها الشك :
- الحمد لله ماشي الحال .. أنت بتعملي إيه هنا ؟!
أتسعت عيناها بشدة بخوف وإرتباك شديد هي وسميحة التي أمسكت يداها المرتعشة لكي تطمئنها، ثم نظرت إلى أمير لتقول بعتاب :
- أنت اتجننت يا أمير !! ازاي تقول لبنت خالك كده .. بتطردها عيني عينك كده ؟!
توترت سلمى ونظرت إلى سميحة ثم أمير الذي شعر بالآسف والحزن من ضيق والدته، فلم يقصد أي شيء مما حطر على بالها أو ما تفوهت به للتو .. فأردف سريعا كي يصحح الوضع :
- لا لا أبدًا يا أمي مش إللي في دماغك خالص .. هي حصلت أطرد سلمى من البيت .. أنا بس أستغربت وجودها هنا مش أكتر
هدأ روع سلمى نوعًا ما لشيئًا ما بداخلها ووقفت تترقب نظرات وكلام أمير في حذر وقلبها يزداد علو وهبوط .. فردت سميحة بشدة وثبات :
- مش مسموحلها تزور عمتها ولا إيه !
رد أمير بعدم فهم :
- لا طبعًا تنور البيت في أي وقت .. بس مش النهارده فرحها ولا إيه .. المفروض بتلبس وتجهز .. كده يعنى !!
توترت سلمى وإرتبكت نظرت إلى عمتها سريعًا وركضت إلى الداخل وهي تكتم أنين بكاءها .
أندهش أمير من رد فعلها للغاية فلم يعد يفهم أي شيء .. نظر إلى سميحة ليقول بعدم فهم :
- هو في إيه يا أمي .. هي مالها ؟ أنا مش فاهم حاجة
توترت سميحة بشدة ولا تعرف ماذا تقول .. فردت سريعًا :
- تعالى أقعد بس الأول
جلس أمير بجانبها وهو ينظر إليها بإهتمام وهو يراقب إنفعالاتها جيدًا ويشعر بوجود شيئًا ما خفي عنهم ليقول :
- خير يا أمي قلقتيني .. في إيه ؟
فركت يداها وهي تقول بتوتر :
- هو في حد بعتك ؟
قضب جبينه بدهشة ونظر لها يفكر ليقول بعدم فهم :
- نعم !! حد باعتني .. حد مين وباعتلي ليه ؟!
زفرت سميحة براحة وطمأنينة عندما تأكدت من الشىء الذي سبب لها القلق والإرتباك .. فتبدلت حالتها وقالت بهدوء وراحة يشوبه الإرتباك من نظراته المتفحصة لها التي أعتادت عليها، يفهم ما تخفيه ويشعر بها فهو ضابط شرطة :
- ولا حاجة .. ولا حاجة يا حبيبي أنا هقوم أشوف سلمى
قالتها وهي تنهض وكادت أن تتحرك إلا أن أمير أمسك معصمها ليقول بحدة وجدية :
- مش هتمشي من هنا غير لما أفهم في إيه .. وسلمى بتعمل إيه هنا في يوم زي ده مش المفروض إنها هتتجوز النهارده !!
صمتت سميحة بقلق وهي تفرك بيداها بشدة وإرتباك شديد والدموع متحجرة في عيناها .. حتى قطع الصمت وهو يصيح بها بغضب :
- ما تردي عليا يا أمي مخبية عليا إيه !!
لا تعرف من أين تبدأ .. التردد يسيطر عليها ولكن حسمت الأمر وقرر مصارحته لتقول سريعًا :
- سلمى هربت يا أمير .. مفيش فرح ولما شافتك راجع في الوقت ده أفتكرت أنك عرفت وكلموك عشان تدور عليها وترجعها .. فهمت بقى سلمى ليه هنا ؟
جلس والذهول يسيطر على وجهه، لا يصدق الكلام الذي تتحدث عنه والدته .. سلمى تهرب يوم زفافها !!
فقال بإهتمام وجدية :
- ليه يا أمي إللي حصل خلاها تعمل كده ؟ سلمى طول عمرها بنت عاقلة
تنهدت سميحة بحزن شديد وقالت :
- والله يابني مش عارفة أقولك إيه .. على الرغم إني ضد إللي عملته ده بس تصرفات أبوها هي إللي وصلتها لكده غصب عنها .. هي رافضة الجوازة دي من البداية
قضب جبينه وقال :
- ليه هي مش بتحب عاصم ؟ دول مخطوبين بقالهم تلات سنين
أجابت سميحة سريعًا :
- هي مش هتتجوز عاصم أساسًا
قضب جبينه أكثر وأردف بعدم فهم :
- نعم ! اومال هتتجوز مين ؟
ردت بحزن :
- طارق الإبياري
صاح أمير بتعجب وهو يرفع حاجبه مستنكرًا :
- هو أنا أخلص من عاصم يطلعلي طارق .. ومين ده كمان ؟!
قصت سميحة له كل ما حدث وكيف سلمى وطارق تعرفا على بعضهما البعض والصفقة التي تمت على حسابهم .
يستمع أمير حكي أمه بعد تصديق أو إستيعاب .. كيف تحملت سلمى أن تكون لرجلان دون إرادة منها أو أخيار ؟ ما كان رد فعلها يا ترى عندما وضعت تحت طائلة هذه المقارنة .. لا يصدق بأن من فعل هذا بأبنته هو خاله .. لماذا وكيف طاوع قلبه على تلك الفعلة ولأجل من ؟! .
أمسك رأسه بألم بين يديه وهو يفكر في هذا الحكي العجيب، مقدر تماما الحالة التي تبدو عليها سلمى، ولكن ليس معها في شأن هروبها .. رفع رأسه وهو ينظر لسميحة ويقول بإنفعال وغضب :
- أنا مش قادر أصدق إللي بتقوليه ده .. معقولة خالي يوصل بيه الدرجة ويتاجر ببنته !! هي صفقة ولا إيه .. وفين يوسف في ده كله متحركش ليه .. حسابه معايا بعدين أنا هكلمه
نهض أمير وقام بأخراج هاتفه من بنطاله، أنتفضت سميحة في زعر وقلق سريعا قبل أن يقوم بالإتصال بلهفة شديدة :
- سايق عليك النبي يا أمير ما تكلمه .. ده إللي كانت سلمى خايفة منه إنه يحصل .. كان هنا من شوية وبيسأل عليها .. يوسف ملوش ذنب يا حبيبي ياما أتكلم مع أبوه ووقف في وشه لكن أنت عارف خالك مادام حط حاجة في دماغه يلا السلامة ومش هيسمع لحد أبدًا .. أستهدى بالله وأقعد
جلسا معا ومسح على شعره وهو يحاول أن يزن إنفعالاته ليقول بضيق ونفاذ صبر :
- أستغفر الله العظيم .. لا حول ولا قوة إلا بالله .. هو إيه إللي بيحصل ده .. كانت تقوللي يا أمي وأنا أحاول أتصرف .. وبعدين إيه العمل دلوقتي ؟
تنهدت سميحة وقالت بحزن وقلة حيلة :
- العلم عند الله يابني .. سلمى صعبانة عليا أوي تلاقيها منين ولا منين .. زمانهم دلوقتي قالبين الدنيا عليها ومش هيسكتوا إلا لما يلاقوها وهي مستحيل ترجع
تنهد أمير ونظر إلى سميحة ليتسائل بحذر :
- هي مبتحبش طارق ؟
ردت بضيق :
- ولا بتطيقه .. على طول في خناق ومشاكل
شعر أمير براحة نوعا ما ثم قال وهو ينهض :
- طيب يا أمي أنا هدخل أستريح شوية عشان نازل تاني .. حضريلي لقمة أكلها قبل ما أنزل وأفكر نشوف نعمل إيه في المشكلة دي
نهضت سميحة وهي ترلت على منكبه باسمة :
- ماشي يا حبيبي .. ربنا يسهلك الحال أن شاء الله
********************
أثناء ذلك الوقت كانت سلمى تجلس في أحدى الغرف تسير ذهابًا وأيابًا في خوف وتوتر شديد للغاية وهي تفرك في يداها بعصبية .. تبكي بصمت وهي تفكر بأشياء كثيرة يمكن أن تحدث وتخشى من رد فعل أمير كثيرا ولا تعرف ماذا تفعل إذا كان قد جاء في هذا التوقيت لها أو إذا علم وقرر رجوعها .. إنها كارثة بالفعل ولا تعرف ماذا تفعل ..
بين الحين والآخر كانت تذهب عند الباب لتستمع لما يقولون لعلها تفهم شيئًا أو تعرف ما ينوي عليه أمر ..
في أحدي المرات سمعته ينوي باﻹتصال بيوسف .. فأتسعت عيناها بخوف وقلق، تخشى بأنه لن يصمت بكل تأكيد وإن لم يتصل بيوسف فبالتأكيد سوف يذهب لأبيها وبالتالي سيخبره بمكانها .. ومرة أخرى وهو ذاهب إلى غرفته كي يستريح ثم يعود مرة أخرى لعمله ليجد حل في هذه الكارثة .. ماذا يحدث يا ترى وما الذي يفكر فيه أمير بالضبط .. إنها لكارثة حقا إن عزم على ذلك .. يجب أن تتصرف يجب أن تجد حل .
ظلت تسير ذهابًا وأيابًا ثم وقفت بعدما خاطرت لها فكرة ونظرت للفراغ بشرود تام .
*********************
تفاجئ طارق بشدة من كلام سارة بشأن هروبها .. لم يتداول الخبر بهذه السرعة كي يأتي إلى مسامعها وتعرف بهذه السرعة الكبيرة لها، لأنها لا شأن لها بعلاقته بسلمى ولا زواجه منها .. ولا أحد يعرف سوى والده وهاشم ونور ويوسف فقط لا غير .. من أين لها المعرفة إذا ؟ ..
أنابه الشك وقال سريعًا :
- عرفتي ازاي ومين قالك يا سارة ؟
توترت سارة وأدركت بأنها وضعت نفسها في مأزق .. فردت بتوتر كبير :
- عادي يعني يا طارق هي دي حاجة تستخبي .. شركاتكوا كبيرة ومعروفة فحاجة زي دي هتتعرف بسهولة مثلًا يعني
لم يقتنطع طارق بمبررها على الإطلاق، لإنه بكل بساطة غير منطقي .. بالإضافة إلى نبرة صوتها المرتعشة والقلوقة تبين عكس ما تحاول أن تظهره من ثقة .. فصاح بها بحدة وجدية :
- كلامك مش منطقي يا سارة الموضوع ده حصل من كام ساعة بس ومحدش يعرفه غيرنا .. لحق ينتشر ويوصلك أنت بالتحديد .. ليه ؟!
أبتلعت غصتها بصعوبة شديدة ولا تعرف ماذا تقول .. فكرت سريعًا ثم بررت قائلة وهي متلعثمة :
- إيهاب .. إيهاب هو إللي قاللي
قضب حاجبيه بشدة وهو ينظر إلى إيهاب ليقول بغرابة :
- إيهاب !! وإيهاب هيعرف منين حاجة زي دي وهو معايا من الصبح
شعرت سارة بأنها يمكنها اللعب من هذه الزاوية وتحاول إقناعه بهذه الفكرة .. فردت بخبث :
- شوف أنت بقى عرف منين .. يمكن هي مثلًا !!
شعر طارق بإحساس غريب من لهجتها في الحديث، فلم يسترح لها على الإطلاق فأردف بحدة وجدية :
- شوفي يا سارة متعمليش حاجة وتلبسيها في غيرك تمام .. لإني إللي متأكد منه إن إيهاب ملهوش علاقة بسلمى وعمره ما شافها غير مرة .. ولما تبقى تقولي عرفتي منين يبقى ساعتها هرد عليك .. سلام
نعم وبكل تأكيد سمع إيهاب تلك المكالمة التي دارت بين طارق وسارة وأدرك أن المشادة بينهم له علاقة بها .. لم يتصور أن تتهمه سارة بأنه له علاقة بسلمى والسبب وراء هروبها، ماذا فعل كي تتهمه بالباطل بهذا الشكل .. لهذه الدرجة كان منخدع بها ؟ .
تجهم وجهه للفزع والدهشة وهو يفكر في نتائج تلك المكالمة .. ما تفكير طارق فيما قالت له سارة، أطمئن من رده ودفاعه عنه ولكنه قلق في ذات الوقت .
بعد إنهاء المكالمة عم الصمت عليهم بشكل غريب وكل منهم يفكر بحيرة كبيرة بداخلهم .. قطع الصمت إيهاب، يجب أن يقوم بسؤاله كي يستريح من داخله :
- أنت بجد مصدق الكلام إللي قالته سارة ده
ألتفت إليه طارق فجأة وهو يرفع أحدى حاجبيه مستنكرًا لما يقول :
- أنت أتجننت يا إيهاب ولا إيه ... سمعت كويس أنا قلت إيه
رد إيهاب بضيق مبررًا :
- ايوة بس إللي خلاها تتهمني إتهام زي ده .. لا أتجننت رسمي
طارق بتفكير أردف قائلًا :
- مش عارف .. ردها مش مريحني ولا أعرف خبر زي ده وصلها ازاي .. مكنش موجود في المكتب غير أنا وأبويا أستاذ محمود ونور ويوسف هما إللي بلغونها الخبر .. معتقدش حد منهم له علاقة معاها خاصًة نور لإني عارف إنها مش بتطيقها
إيهاب بتعجب :
- اومال تفتكر عرفت منين ؟
رد طارق بتفكير :
- مش عارف وده إللي هحاول أوصله .. بس أوصل لسلمى الأول وأشوف أخرة المصيبة دي إيه
حاول اﻹتصال بها هذه المرة لعلها تستجيب ولكن الهاتف مازال مغلق أو غير متاح .. يشعر بالغيظ الشديد من ذلك الموقف السخيف الذي وضعته فيه سلمى، ليس هو فقط بل الجميع .
********************
أنهت سارة المكالمة بوجه مجهوم .. خائف، تشعر بأن طارق شك بأمرها فهو على حق والحجة التى تم أختراعها لم تجدي نفعًا ولم تخيل عليه .. فسوف يؤثر ذلك على علاقتها به ولا تعرف كيف تقول له الحقيقة .
نظرت إلى عاصم بغضب وهي تصيح به :
- عجبك كده !!
رد بتهكم وبرود :
- وأنا مالي هو أنا إللي قولتلك تنسحبي من لسانك وتتكلمي عن سلمى ولا تلبسي التهمة في صاحبه ؟!
نظرت له بغضب شديد لتقول :
- بقى أنا إللي غلطانة بعد كل ده يا عاصم !! كنت عايزة أطمن عليه وأعرف إللي حصل
ضحك وقال ساخرًا :
- لا حنينة ياختي .. قلبك عليه أوي
نظرت له بغيظ أشد وهي تصيح بإنزعاج :
- طبعًا يا حبيبي ما أيديك في الماية الباردة لو الشركة خسرت بح .. ثم تعالى هنا مش شركتكوا بردو هتضر من إللي حصل ولا ده مش في حساباتك أصلًا
نظر لها وقال ببرود وثقة :
- سلمى لازم تظهر وتتجوز طارق
صاحت به بل أنفجرت كالصاروخ لتقول غاضبة :
- أنت بتقول إيه أنا ماصدقت الجوازة فركشت من عندها تقوللي يتجوزوا !!
ضحك بشدة على إنفعالها وقال بغرور :
- يا هبلة كل ده لمصلحتك .. أنا عايز سلمى والشركة وأنت عايزة طارق .. أنا هقولك الخطة ماشية ازاي .. شوفي يا ستي ..
******************
إلى أين يمكن أن تذهب يا ترى بعدما بحث عند عمته ولم يجدها ؟ .. بالتأكيد شعرت بأنها من الممكن العثور عليها بكل بساطة والتفتيش عنها لديها .
لا يستطيع أن يبحث عنها عند بقية أقاربه نعم لا يستطيع، فالسيدة سميحة تعتبر أقرب ما لديهم وتزورها سلمى بأستمرار حتى قبل وفاة السيدة فريدة .. فليست بالغباء أن تذهب إلى شخصًا آخر يصون وجودها في يوم مثل هذا .
بحث كثيرًا في كثير من المشفيات لعل يجدها، بحث عنها في أي مكان كانت تتردد فيه، لم يوجد لديها أي صديقة يمكن الذهاب إليها في هذا الموقف سوى نور .. عقله شت فذهب إلى النادي فهو جنون يعرف ذلك .. ولكنه لم يجدها أيضًا ..
وهنا أخيرًا رد على الهاتف بعد تفعيله بوضعية الصامت .
إنها نور، هي بالفعل نور الذي أضاء له الطريق لإنه لم بنسى لها بعد ما فعلته وهي بالمشفى، يقدر لها ذلك كثيرًا .. أخبرها بمكانه وهي كانت على مقربة منه فلم تستغرق سوى عشر دقائق حتى وصلت إليه .. فمن القلق صاحت به أول ما رأته يجلس على أحدى الطاولات يفكر وشريد للغاية، وهي تقترب منه مندفعة لتقول :
- ممكن أفهم مبتردش عليا ليه؟ وأختفيت فجأة ليه ؟ هو أنا ناقصة يا يوسف
نظر لها بعدما تفاجئ بإنفعالها وقدر رد فعلها وهو يشعر بالآسف نحوها .. فقال لها بهدوء وهو يشير لها على المقعد أمامه :
- طيب أقعدي الأول بس أرتاحي
نظرت له بغرابة على هدوئه وبروده لتقول وهي ترفع أحد حاجبيها متعجبة :
- أقعد ! أقعد إيه في إللي احنا فيه ده .. ثم إيه البرود ده !!
تنهد ثم أندفع بصدره إلى الأمام ليقول بضيق :
- عايزاني أعمل إيه يا نور أنا من ساعتها هايج ومش على بعضي وعصبي لأقصى درجة ولفيت كل المستشفيات ورحت لعمتي لعل ألاقيها هناك ومفيش فايدة بردو .. وما صدقت هديت عشان أعرف أفكر بهدوء تقومي تيجي وتقوليلي برود !!
شعرت بأنها ثقلت عليه حقا وهو محمل بالمتاعب، فليس من الوقت عتابه وهو بهذه الحالة .. تنهدت بقوة وجلست أمامه على الطاولة وأردفت بحزن وآسف :
- طيب خلاص أهدى
صاح بغضب وهو ينظر إليها بتعجب :
- أهدى ! ما أنا كنت هادي من شوية مش عاجب وقولتي بارد أتعصبت بردو مش عاجب
على الرغم ما يحدث حولهم فلم تحتمل نور شكله وهو في هذه الحالة بعدما أثارت غضبه دون أن تقصد .. فضحكت دون أرادة منها .. ضحكت بشدة، تعجب يوسف كثيرًا حقًا من رد فعلها ولكنه لأول مرة يراها جميلة هكذا وهي تضحك، لأول مرة يقرب منها بشدة ويراها بهذا الشكل، شعر بخفقان قلبه وإبتسم رغم عنه على شكلها وروحها الطفوليين .. فعقد ذراعه وإنتظرها حتى تنتهى، شعرت بأنها مراقبة من قبل نظراته فسكتت على الفور بخجل وهي تنظر إلى الأرض في حياء منه
- سوري بجد مقدرتش أمسك نفسي بصراحة .. خلاص بقى
ضحك يوسف فقال بمرح :
- طيب أقعدي ساكتة خلينا نفكر هتكون راحت فين .. (ثم أردف بجدية) مسبتش حتة إلا لما دورت عليها هتكون راحت فين يا ربي
تنهدت بحزن وقالت :
- إن شاء الله نلاقيها قريب .. خليك وراها أهم حاجة لحد ما ترد
تنهد ثم نظر لها بهدوء :
- يلا تعالي أوصلك
نظرت له بتعجب وقالت معترضة :
- لا يا يوسف أنا هفضل معاك لحد ما نلاقيها
أردف بضيق :
- لا طبعًا أنت من الصبح بتشتغلي وغير إللي حصل بوظلك أعصابك ومحتاجة تريحي شوية .. ثم هتدوري فين يا نور دلوقتي .. روحي بس وأنا هتصرف لو في أي جديد هكلمك
لم يطاوعها قلبها أن تتركه وحده في هذه المحنة، ولكنه محق لا يوجد مكان تبحث فيه عنها .. أستسلمت وقالت :
- عندك حق .. بس بالله عليك أي جديد متتأخرش عليا ألا أنا أعصابي باظت
أردف لها بطمأنينة :
- حاضر والله متقلقيش ..
قالت نور بتوتر :
- طيب هتعمل إيه دلوقتي ؟
تنهد بتفكير ثم قال :
- في حاجة في دماغي هعملها قبل ما أروح وهبقى أقولك عليها .. يلا بينا
أصطحبها يوسف إلى سيارتها وأستقل هو سيارته وذهب كل منهم في سبيله والحزن والحيرة تملئ قلوبهم وتكسي وجوههم .
******************
وصلت نور إلى الفيلا .. دلفت إلى الداخل بإرهاق شديد جدًا، حزينة ومنطوية والدمع متحجر في عيناها تريد البكاء .. صعدت إلى غرفتها وبدلت ملابسها سريعًا ثم ألقت بجسد على الفراش وهي تزفر بشدة، أغلقت عيناها وهي تحاول أن تقنع نفسها بأنها في حلم وسوف تستيقظ منه عما قريب .
خرجت تهاني من الحديقة إلى البهو وسألت أحد الخدم عن الطارق، فأجابها بوصول نور .. تنهدت بحزن وصعدت لغرفتها، قرعت على الباب ودخلت عندما سمعت الأذن لها بالدخول ..
دخلت تهاني وجلست على فراشها تنظر إليها بحزن ولا تعرف من أين تبدأ .. تنهدت وهي تقول :
- حمد الله على سلامتك يا حبيبتي .. إيه الأخبار .. لقيتوها ؟!
ردت بهدوء شديد :
- لا يا ماما مفيش أي جديد .. يوسف قلب عليها الدنيا وملاقهاش .. أدعيلنا يا ماما نلاقيها كويسة
أردفت تهاني بحزن وعتاب :
- بس يصح إللي عملته صاحبتك ده يا نور !!
أعتدلت نور جلستها وهي تقول مدافعة :
- لا طبعًا مش عاجبني إللي عملته .. بس إللي حصل حصل ومحدش كان يتوقع إنها ممكن تعمل كده .. بس نلاقيها الأول والعتاب يكون بعدين .. أنا ضد الجوازة دي من الأول غصب لو كان برضاهم كان أحسن وحضرتك عارفة إن طارق مبيحبش سلمى ولا هي كمان بتحبه وعلى طول في خناق .. أبنك بيحب سارة ومرتبط بيها حتى دلوقتي بيكلمها .. ويمكن يكون حاسس بالراحة شوية عشان الجوازة دي هتتفشكل والله أعلم بقى .. وعلى فكرة أنا مش بدافع عن سلمى وكفاية بقى إللي هي فيه
تنهدت بحزن وضيق وهي تقول :
- مبحبش أدعي على حد بس الله يسامحك يا هاشم من إللي بتعمله في عيالك .. هما إللي بيدفعوا التمن في الآخر
نظرت إلى نور وأكملت :
- أخليهم يحضرولك الغدا يا حبيبتي ؟
ألتفتت إليها في ضيق وقالت :
- لا مليش نفس ﻷي حاجة .. سيبيني أنام لو سمحتي دماغي وجعاني
قالت تهاني معاتبة :
- يعني هتفضلي من صباحية ربنا كده من غير أكل !!
صاحت بها بضيق لتقول :
- يووو بقى يا أمي ما قلتلك مش عايزة أكل .. شوية كده هروق وأكل .. معلش
زفرت تهاني بضيق شديد فنهضت وقالت وهي تذهب إلى الباب :
- والله أنت غلبتيني يا نور .. تصبحي على خير
أثناء الحوار الدائر بين تهاني ونور كان طارق يستمع لكل كلمة بإهتمام شديد .. فبعد حديثه مع إيهاب تركه ومضى في طريقه إلى المنزل، وهو مار إلى غرفته سمع صدفة حوارهم .
أختفى سريعًا من جانب الغرفة ودخل غرفته قبل أن تراه تهاني .. وهو يفكر هل هو كذلك وهل حقًا لا يحب سلمى وهي لا تحبه ؟ .. نفى كل هذه التساؤلات التي تدور في مخيلته ويمنع قلبه من التعلق بأوهام، فهو صريح منذ البداية هو لا يحتملها بسبب جفاء أسلوبها معه وطريقتها الحادة التي لا يعرف سببها حتى الآن لما تتعامل معه هكذا .. فمن المستحيل أن يرتبط بشخصية مثلها وإن كانوا خارج هذه الصفقة .
********************
ألغى هاشم كل مواعيده عاد إلى المنزل .. لا شعور لديه في الإستمرار في العمل بعد ذلك الخبر المشئوم، أبنته قد هربت وتركت كل شئ .. جلبت له العار كما يقول والخبر سوف ينتشر في كل مكان على مسامع الناس وسوف تتأثر شركته بذلك .
ولا يعرف ماذا يفعل عندما تعرف الشركة المقابلة بأن العروس قد هربت ولا يوجد زواج .. فتقوم بتزويج سلمى كما مبين بالشرط .
لا يعرف كيف يجبرهم على الإستمرار في هذه الزيجة بعد كل ما حدث .. يجب سلمى أن تتزوج طارق بأسرع ما يمكن وألا النتيجة لن تكون بصالحه .. فجأة تذكر فريدة وما حدث لها وهي تلتقط أنفاسها الأخيرة بين يداه .. لا يجب أن تكون نهاية ابنته على يداه هي الأخرى لن يتحمل هذا أبدًا .
وصل المنزل وكان متوقع عدم وجود أي من أبناءه هناك .. كان لديه شعور داخلي بأنها في المنزل، سوف يفتح باب غرفتها ويراها بداخلها تستعد للزفاف، شعور مسيطر عليه ..
صعد سريعًا وفتحت باب الغرفة تفاجئ بوجود يوسف يجلس على فراشها، ممسكا بين يديه منشفتها وكان يبكي على فقدانها .. رفع وجهه ونظر في وجه أبيه بغضب شديد، يوجه إليه نظرات عتاب كثيرة بها ألم وشجن .
عنما وصل إلى المنزل لم يستطع دخول غرفته فأتجه إلى غرفتها، فتحها بهدوء شديد كأنه يخشى أن يوقظها من النوم .. شعر بأنها بالداخل ويقوم بإيقاظها وتدليلها كما يفعل كي تستيقظ من النوم .. ولكنه وجد الغرفة فارغة .. تركت كل شيء في مكانه ورحلت .. جلس على فراشها وأمسك بالمنشفة ودفنها على وجهه وأجشع في البكاء .. لقد أشتاق إليها حقًا أشد أشياق، لا يعرف بأنه يحبها لهذا القدر إلى أن فقدها .. نظر لجانبه وجد شيء لم يلاحظه من قبل .. وجد الدبلة الخاصة بها، أمسكها بتعجب وهو يتسائل هل بهذه الصورة تقطع كل صلة بينها وبين طارق ؟ لهذه الدرجة تكره هذه الزيجة ؟ هل بسبب إجبار والدهما على ذلك أم بسبب آخر .. قبل الدبلة وأحتضنا بشدة ثم وضعها في جيب بنطاله .
نهض يوسف وكان بمواجهة هاشم الذي يتعجب من نظراته له التي تحمل العتاب واللوم والغضب ليقول :
- ها مبسوط دلوقتي يا هاشم بيه .. (صفق ساخرًا) برافو بجد عملت إللي أنت عايزه وأدي كانت النتيجة .. بنتك هربت يوم فرحها .. وليه ؟ عشان مجبورة ولأسباب تانية محدش يعرفها غيرها .. كده أرتحت .. انبسطت ؟
صاح به هاشم غاضبًا :
- وبعدين معاك يا يوسف هو أنا فايقلك ! مش لما نشوف الكارثة إللي أحنا فيها دي الأول
نظر له بتعجب ثم صاح بعنف :
- كارثة ! هي فعلا كارثة .. بس تقدر تفهمني أي نوع من الكوارث تقصد ؟! .. شركاتك وصفقاتك ولا بنتك إللي منعرفلهاش طريق .. ها رد عليا
صاح هاشم بعنف هو الآخر :
- ولد ! أنت ازاي بتكلم أبوك كده .. مش بدل ما تروح تدور على اختك وتشوف راحت فين عشان نتصرف في الكارثة والمصيبة إللي وقعتنا فيها دي .. جاي بتعاتبني أنا
أتسعت عيناه دهشة وعدم إستيعاب لما يقول .. ما حالة البرود التي يبدو عليها بهذا الشكل، بعد كل ما حدث ولا يفكر سوى بالشركة والصفقة ولا يهتم بما حدث لابنته .. فإنفجر فيه قائلًا :
- أنت إيه يا اخي .. لولا أني مقدر تعبك وأنك ممكن تقع زي المرات إللي قبل كده كان هيبقى فيه كلام تاني .. مدورش عليها أنت ليه مش أبوها !! .. أها صحيح أفتكرت أبوها هههههههه بأمارة ما بتاجر فيها صح .. أنا مسبتش مكان ألا لما روحته حتى عند عمتى سميحة ملهاش أثر
رد بعنف وكأنه لم يتأثر لما قال :
- إيه !! أنت روحت عند سميحة من غير ما تقولي !! يادي الفضايح
أردف يوسف بنفس حالة الهياج التي يبدو عليها :
- فضايح إيه إللي بتتكلم عنها .. أومال هدور عليها فين ولا احنا لينا مين أصلًا .. أنا عارف أن الكلام مش هيجيب نتيجة معاك .. نلاقي سلمى بس ونطمن عليها ومش قاعدلك في البيت ده دقيقة واحدة
خرج من الغرفة مسرعًا بعدما أرتطدم الباب بشدة وهاشم ينادي عليه .. أستقل سيارته وقاد مسرعًا .
*********************
جهزت سميحة الطعام ودخلت غرفة أمير كي تخبره بأنها أنتهت من إعداده .. دخلت الغرفة ووجدت ممددوعلى فراشه شريد في السقف .
تنهدت بحزن وهي تقول :
- يلا يا حبيبي عشان تاكلك لقمة قبل ما تنزل
نهض وهو يقول بهدوء :
- مش هتنادي سلمى تاكل هي كمان ؟!
إبتسمت من حنية أميرة على أبنة خاله .. فهي تعلم بأنها لم يهون ويتركها في هذه الحالة :
- هناديها تاكل .. حبة عيني من صباحية ربنا على لحم بطنها .. يلا تعالى
دخلت غرفتها وهي تناديها :
- يلا يا قلب عمتو عشان ..
لجم لسانها عندما وجدت الغرفة فارغة .. قلقت قليلًا ثم ذهبت إلى الحمام كي تطمئن من وجودها، قرعت أكثر من مرة لا من مجيب .. حسمت أمرها وفتحت الباب لا توجد بالداخل، دب الشك في قلبها وركضت في أنحاء الشقة تبحث في كل الغرف فلم تجدها قط .. أيقنتما كانت تخشاه .
فصاحت بأعلى صوت :
- ألحقني يا أمير سلمى أختفت ..
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية صفقة حب" اضغط على اسم الرواية