رواية سحر سمرة الفصل الرابع والعشرون بقلم أمل نصر
رواية سحر سمرة الفصل الرابع والعشرون
دلف " سليمان " الى منزله وهو يهتف بصوتٍ عالى :
- بت يا" رضوى " انتى فين يابت ؟
أتت زوجته على صوت ندائه وتلتها ابنتها التى خرجت من غرفتها مجفلة :
- في ايه يابوى مالك بتنده عليا ليه ؟
جلس الرجل على اريكته يرد عليها بحماس :
- خطيبك رجع البلد يابت .
أجفلت تسأله بلهفة :
- انت جصدك على " قاسم " يابوى؟
ضحك الرجل بمرح :
- هو انت مخطوبة لحد غيره يامخبلة ؟ ايوه " قاسم " ياختى.. توى على طول سامع انه وصل البلد مع صاحب الندامة " محسن " واض المرحوم صابر .
جلست بجواره " نعيمة " كى تسأله :
- طب وانتوا ماعرفتوش هما كانوا جاعدين الفترة اللى فاتت دى كلها فين ؟
اجابها الرجل وعيناهُ على ابنتهُ التى لجمتها المفاجأه عن الكلام :
- ياستى انا على حسب ما سمعت من " رفعت " جبل كده انهم كانوا بيدورا على مجصوفة الرجبة " سمرا" .
نعيمة بقلق :
- طب وصلوا لحاجة على كده ؟ ولا غيبتهم طلعت على فاشوش؟
- معرفش بس كل حاجة هاتبان لما نجعد معاه ونشوفه وبالمرة كمان نسأله عن موضوع جوازتوا ب" رضوى " المعلجة .. واحنا معارفينش راسنا من رجلينا .
تحركت " رضوى " بألية تذهب الى غرفتها ..وقد اكتست ملامحها بالحزن بعد هذه اللهفة الغريبة التى شعرت بها فور علمها بخبر وصوله .. مازال قلبها الخائن يشتاق الى رؤيته .. اعمى البصر والبصيرة الذى لم ولن يرى سواها هذه المحظوظة دائماً "سمره "!
................................
خرج " رفعت " من غرفته على هذه الاصوات الصادره بداخل المنزل.. فوجد والدته وهى متشبثه باحضان " قاسم " بشوق :
- كده برضوا يا" قاسم" تغيب ولا تسأل .. انت هاتفضل لحد امتى بس تاعب جلبى ياولدى ؟
كان يطوق والدته بذراعيه وهو يربت بكفه على ظهرها متجهم الوجه صامتاً .. اقترب منه رفعت مرحباً :
- حمد الله عالسلامة .. توك ما جيت ياسبع البرومبة .
رفع حاجبه يرد على اخيه متهكماً :
- الحق عليا .. انى كنت بادور ليل نهار وواجع جلبى عشان اعرفلك مكان المحروسة .
بشبه ابتسامة ساخرة اردف " رفعت " :
- لا فيك البركة والله .. متشكرين لتعبك معانا ياعم " قاسم " !
احتدت نبرته فى القول :
- انت مش مصدقني يا" رفعت " ؟ ولا شكلى المبهدل ده مش موضحلك كد ايه انا تعبت فى الايام اللى فاتت و عشان مين ؟ مش عشان خاطرك انت وسمعتك وسمعة العيلة
خرجت " نفيسة " من أحضان ولدها وهى تنظر له بتقيم :
- صح ياولدى .. هو انت ايه اللى حصل معاك عشان تتبهدل كده ؟
اومأ برأسه لولدته يقول :
- هاجولك ياما ماتخافيش بس اريح جسمى شوية .. انتى يابت جهزيلى لجمة على مااطلع من الحمام واتسبح .
قالها مخاطباً " مروة " التى كانت واقفة بجوارهم مكتفة ذراعيها .. زفرت حانقة من أسلوبه المتعجرف بصوت غير مسموع ..همت لتجادله وترفض .. فأومأ لها " رفعت " لتذهب وتتجنبه ولكنه عاد ل" قاسم " أمراً :
- جبل ما تتسبح ادخل شوف ابوك الاول.. اللى بيسأل عنك بجالوا يومين .
بابتسامة ماكرة :
- عنيا ياباشا .. هادخل اشوف ابويا واتسبح واكل عشان اتكلم معاك على رواجة ولا أجولك .. ماتخليها مشوار بالمرة لنسايبنا اصل انا كمان عايزهم فى كلام مهم وضروري.!!
...............................
سافر !!
قالتها بتشتت وعيونٍ شارده وهى جالسة امامه على الكرسى المقابل للمكتب ..عقد هو حاجبيه بتعجب :
- هو انتى زعلتي على سفره ولا ايه ؟
هزت برأسها تنفى :
- لاطبعاً .. هازعل ازاى يعنى ؟ بس انت متأكد انه سافر ؟
تعجبه ازداد اكثر :
- ومتأكدتش ازاى بس وانا خليت ناس يراقبوه هو صاحبه من اول اما خرج مطرود من عندنا هنا لحد اما سافر ووصل بلدكم .. بس انتى مالك وشك اتخطف كده ليه ؟ بصراحة انا مش فاهمك ؟
تنهدت بعمق وهى تُغمض عيناها بتعب :
عشان عارفة اللى هايحصل هناك دلوك ! ..هايروح ويجول لاهلى على مكانى ويزود كلام من مخه على سمعتى وشرفى .. ومش بعيد بكره الصبح الاقيهم هنا فى البيت .
رجع بظهره للمقعد بابتسامة واسعة قائلاً :
- ودا بقى اللى مخوفك وقالقك اوى لدرجادى .
علت الدهشة وجهها تقول:
- طبعاً اومال ايه ؟ دا كده ممكن يموتونى عشان بس هربت.. من غير حجة ولا بينة على جريمة ارتكبتها .. انا لازم اقوم وامشى من هنا عشان اشوفلى مكان تانى بعيد عن هنا .
قالتها وهى تنهض وقبل ان تتحرك خطوة واحدة اوقفها بحزم قائلاً :
- استنى عندك ..انتى هاتمشى كده هالطول من غير ماتاخدى رأيي ولا تستأذنينى !
- أستأذنك!
- ايوه تستأذنينى... اقعدى يا" سمره " واسمعى انا هقولك ايه ؟
جلست مرة ثانية لتستمع فتابع هو :
- انا عندى حل هايريح الكل وهايخليكى ترفعى راسك قدام ناسك وتقابليهم كمان بقلب مليان من غير اى ذرة خوف .
حدقت اليه بعينيها تسأله باهتمام :
- ايه هو الحل ده اللى هايخلينى اقابل اهلى بجلب مليان ومن غير خوف .
بابتسامة واثقة قال :
- تتجوزيني !
..............................
جالساً على طرف فراش ابيه وهو ينظر اليه صامتاً بتفحص بعد ان اخرج الجميع ولم يبقى سواهما فى الغرفة..
- خبر ايه يابوى ؟ بجالك ساعة بتبص فى وشى وبس .. أيه ياابورفعت انتى هاتاخدلى صورة ؟
قالها بابتسامة مصطنعة خبئت فور ان تكلم ابيه :
- انت ليك يد فى هروب " سمره " يا" قاسم " ؟
اجفل من سؤال والده المباغت ولكنه استدرك نفسه :
- ليه ان شاء الله ؟ كنت انا اللى هربتها لا طفشتها قبل فرحها على اخويا ؟
بلهجة حكيمة :
- طفشتها يا" قاسم " مش هربتها .. فى فرق بين الاتنين وانا جلبى حاسس ان الأولى هى اللى صح ؟
هب منتفضاً عن الفراش :
- طفشتها !!! .. ليه ان شاء الله ؟ وانا راجل خاطب وكنت هاتجوز معاهم فى ليلة واحدة.. رضوى " بت خالها !
تبسم العجوز بمرارة مع هذه النظرات الكاشفة للماثل امامه :
- اوعى تفتكر انى كلامك خال عليا يا" قاسم " ؟ انا عارف ومتاكد ان عمرك ماشيلت " سمره" من تفكيرك .. حتى لما رجعتلنا وجولت انك ندمت على عمايلك السودة اللى كانت مسؤه سمعتنا فى كل مكان وعايز تعيش نضيف وتخطب بت خال "سمره" .. عمرى ماصدجتك ياولدى ..اخوك خالت عليه عشان طيب وماصدق انه يحقق حلم عمره فى جوازه منها وامك واختك دول غلابة.. لكن انا لفيت ودورت ياولدى اكتر منك كمان .. والمرض بس اللى هدنى.
وضع يده على خصره مضيقاً عينيه :
- وعلى كده بجى انت عارف انا عملت ايه معاها عشان تطفش ؟
تنهد الرجل بقلة حيلة :
- لا ياولدى مش عارف باللى عملته .. بس انا عجلى هو بيمشينى وعجلى ده متأكد انك ورا اللى حصل ؟
ضحك بصوتٍ عالى وغريب:
- طيب جول لعجلك الناصح ده ان البت طلعت خاينة وبتعلب على كل الحبال ياابورفعت هههههه
ظل يضحك هكذا حتى خرج من الغرفة .. تاركاً ابيه ينظر لأثرهِ بدهشة وقلبهُ يُخبره بالاشياءالسيئه !
............................
غرت فاهها قبل ان تسأله ببلاهه :
- تتجوزنى ازاى يعنى ؟
اطلق ضحكة عالية بمرح :
- بقولك اتجوزك ..يعنى مأذون وشهود .. دى بقى فيها ازاى ؟
هزت برأسها تستنكر:
- يارؤوف بيه .. انا مقدرة انك عايز تساعدني بس مش لدرجادى يعنى .. انا اهلى صعبين وماضمنش اللى هايحصل وانت راجل محترم و......
- بس انا عايز كده ..
قالها بمقاطعة اجفتلتها ولجمتها عن المجادلة فنهض هو عن مقعده خلف المكتب يجلس امامها فى الكرسى المقابل وتابع :
- انتى امبارح سألتيني .. انت بتعمل كده ليه وتعرض حياتك للخطر ؟ وانا بقى بقولهالك ياستى .. انا قابل كده عشان بحبك .
داهمها شعور الصدمة وظهر جلياً على ملامحها .. اقترب هو برأسه اليها يتحدث بصوتٍ اجش .
- ايوه يا" سمره " انا بحبك ومستعد اضحى بعمرى كله عشانك .. انا عارف انك مخضوضة من كلامى بس انا بقالى مدة نفسى اكلمك وماصدقت الاقى فرصة ..عايزك تفكرى كويس فى عرضى .. وانا معاكى فى اى قرار تاخديه الا انك تبعدي عنى ولا عن نطاق حمايتى .. سمعانى يا" سمره " .
هزت برأسها وهى زامة شفتيها .. فتحت فمها أخيراً لتقول :
- ممكن اروح اشوف " لبنى " هانم ميعاد دواها قرب .
بابتسامة جلية قال :
- روحى يا" سمره " .. بس متنسيش تفكرى كويس فى عرضى عشان الوقت .
هزت برأسها مرة اخرى وهى تنهض عن مقعدها مرتبكة لدرجة جعلتها تتعثر فى خطواتها ولكنها تداركت نفسها قبل ان تقع !
..................................
بعد ان اخبرتها والدتها بقدوم " قاسم " وأخيه لمنزلهم .. ورغم فتور الحماسة لديها من مقابلته ولكنها لم تستطع كبح نفسها فى ان تتزين وترتدى اغلى ملابسها حتى يراها فى ابهى صورة علٌه يشعر ولو مرة واحده بها .. ومع سماعها لصوت السيارة نظرت من نافذتها فوجدته يترجل هو اولا منها قبل اخيه .. امعنت النظر جيداً فى هيئته الخاطفة لانفاسها .. فهو ابيض البشرة عكس معظم الرجال فى قريتها وذلك لانه لم يشقى فى حياته بسبب ثراء عائلته.. لقد ورث العيون العسلية من والدته وملامح رجوليه جذابة من والده .. على الرغم انه يُشبه كثيراً لاخيه " رفعت " ولكنه يتميز بجاذبية وحيوية يفتقدها الاَخر بسبب المسؤلية التى القت على عاتقه مبكراً ولكن " قاسم " يبدوا ان سر انجذابها اليه هو روح الاجرام لديه وقلبه الميت الذى لا يخشى شئ وأفعاله المجنونة دائماً .. تابعته حتى دلف لداخل المنزل ثم القت نظرة اخرى للمراَه للتأكد جيداً من زينتها وملبسها .. اخذت شهيق طويل قبل ان تخرج من غرفتها لتنزل اليه
وبداخل غرفة الاستقبال جلس " سليمان " وأخيه " حسن " مع " رفعت " و" قاسم " بناءً على رغبة الاخير .
سليمان مرحباً :
- يامرحب ياقاسم يامرحب يا" رفعت " .. نورتونا والله .
اومأ قاسم برأسه اما " رفعت " فوضع كفيه على صدره يرد التحية:
- تُشكر ياعم " سليمان " .. الله يحفظك يارب .
تدخل " حسن " يسأل مباشرةً :
- عاش من شافك يا" قاسم " .. خبر ايه ؟ كنت مختفى فين ياراجل ؟
هم ليتكلم ولكنه اجفل لطرق الباب ودلوف " رضوى " بكامل زينتها ؟
- مساء الخير
قالتها وهى تتقدم نحوهم .. صافحت " رفعت " اولاً وبعدها اقتربت منه لتصافحهُ باعين يملؤها الشوق :
- ازيك يا" قاسم "عامل ايه ؟
ضغط على كفها بجرأه معتاده منه ولكنه كان متجهم الوجه ولم يكلف نفسه حتى عناء ابتسامة بسيطة تروى ظمأها .
تحدث سليمان بصفو نية :
- اجعدى يابتى معانا دول عيال عمك .. ولا اجولك ماتاخدى " قاسم " واجعدوا فى الجنينة شوية .. تلاجيكم عايزين تتكلموا.. ..
- انا مش فاضى لاحديت الخطاب دلوك .
وكأن دلواً من الماء البارد سقط على رأسها من مقولته الجافة.. فتكلمت بكرامة مهدورة وصوتٍ مبحوح :
- انا كنت جاية اعمل بأصلى واسلم .. عن اذنكم .قالتها وخرجت على الفور حدق اليه " رفعت " بغضب وتبادل سليمان مع اخيه هذه النظرات الحانقة فهتف هو فى الجميع :
- لا مش وجت نظراتكم دى خالص ..عشان انا جاي فى مهمة محددة وهى ان اعرفكم على مكان المحروسة بتكم الهربانة !!
.................................
بتتكلمى جد يا" سمره " والنبى انتى صادقة فى كلامك ومابتهزريش ؟
قالتها " سعاد" بفرحة عارمة وعيون تملأها قلوب حمراء .
.. حدقت اليها" سمره " وهى مستندة بمرفقيها على طاولة السفرة الكبيرة تتحدث بيأس :
- شوفتى اديكى انتى نفسك مش مصدجة ؟ اصدق ازاى انا بجى ؟
شهقت بسعادة وهى تجلس بجواره :
- لأ ياختى انا مصدقة و قلبى حاسسها من زمان كمان .. بس هى المفجاه اللى برجلتنى فى الأول .
فغرت فاهها وهى ناظرة اليها ثم مالبثت ان تهز برأسها ااستنكاراً :
- يا"سعاد "بلاش كلامك ده ؟ قلبك كان حاسس ومن زمان كمان..ليه بجى ان شاء الله ؟
رفعت حاجبيها تتحدث بزهو :
- ياحبيبتى انا بفهمها وهى طايرة وسى " رؤوف " بيه كان باين من نظرته ليكى .. انا حبيبة قديمة يابنتى والحاجات دى ياما وردت عليا
مرة ثانية سألتها بعدم تصديق:
- والنبى !! ياعنى بذمتك انتى شوفتيها فى عنيه ؟.
سعاد بابتسامة واسعة :
- والنبى ياختى مش انا بس.. لا دا انا متأكده ان كل اللى شغالين معاكى هنا واخدين بالهم كمان .. دا عيونه فاضحاه ياحبيبتى .. مش زكاوة منى يعنى .. فضحاه عارفة ياعنى ايه فضحاه ..
- مساء الخير يا" سعاد "
شهقت " سمره " ومعها " سعاد " ايضاً حينما أجفلن لرؤيته بعد ان قالها وهو خارج من مكتبه بابتسامة ماكرة
تداركت " سعاد "نفسها فوراً :
- يامساء النور .. يامساء الهنا ياسعادة الباشا ..
اومأ لها بكفه قبل ان يصعد الدرج وابتسامه ازدادت اضعاف .
حدقت اليها" سمره "بلونٍ مخطوف وهى تشير بسبابتها :
- هو ماله بيضحك كده ليه .. يانهار اسود ليكون سمعك يا"سعاد "؟
ابتسمت لها الاَخرى غير عابئة :
- ياختى ومايسمع .. هو اللى بيزمر بيخبى دقنه .. طب دا انا نفسى ارعقها زغروته دلوقتى اصحى بيها الناس النايمة ... حتى تحبى اوريلك اهو ..
اوقفتها "سمره " بكفها :
- لا والنبى يا" سعاد " .. وحياة عيالك ياشيخة ماتعمليها .. هو انا لسة رديت من اساسه ؟
خبئت ابتسامتها تسألها بريبة :
- ليه يا" سمره " ؟ هو انتى مش هاتردى بالموافقة على طول .
تنهدت بتعب وصوت عالى :
- بصراحة مش عارفة يا" سعاد " .. انا حاسة فكرى مشوش ومش قادرة اخد اى قرار
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية سحر سمرة" اضغط على اسم الرواية