رواية المعلم الفصل السابع والعشرون بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل السابع والعشرون
جابت المكان ببصرها سريعاً ثم التفتت إليه وسألته بعدم فهم :-
_ إحنا جاين هنا ليه ؟
_ صف ريان سيارته والتفت إليها مُشكلاً ابتسامة عذبة علي محياه وأردف موضحاً :-
_ هنشتري هدوم ليا وليكي !
_ عقدت عنود ما بين حاجبيها بغرابة وأسرعت بالحديث :-
_ بس انا عندي هدومي مش محتاجة هدوم جديدة
_ هز ريان رأسه بإيماءة خفيفة وهتف مازحاً :-
_ لا هدومك اللي هناك دي متنفعش واحدة ست متجوزة تنفع بنوتة وانت خلاص كبرتي وبقيتي ست قد الدنيا
_ احتدت ملامح عنود عليه وهتفت بغيظ عارم :-
_ متقولش ست تاني أنا لسه زي ما أنا بنوتة صغيرة !
_ شهق ريان بذهول وردد بتهكم :-
_ بنوتة! علي كده بقا أنا كيس جوافة ..
_ هزت عنود رأسها مستنكرة حديثه وسألته بعدم فهم :-
_ ليه يعني ؟
_ اعتدل ريان في جلسته وسحب مفتاح السيارة ودسه في جيبه واجابها موضحاً :-
_ لما تبقي انتي بنوتة يبقي أنا كيس جوافة مليش لازمة يعني ..
_ تعالت ضحكات عنود حيث قابلتها نظراته الثاقبة ، لكنها لم تستطيع التوقف ، ترجل ريان من السيارة وتوجه نحوها ، فتح بابها بملامح جامدة وهتف بحنق :-
_ انزلي ..
_ انتبهت عنود الي نبرته التي تحولت إلي الجدية و ترجلت هي الأخري وهي تطالعه بغرابة وسألته باهتمام :-
_ انت زعلت ؟
_ إلتوي ثغره بإبتسامة وهتف مازحاً :-
_ حد يكره يكون جوافة دي حتي بطري علي القلب كده في الحر
_ انفجرت ضاحكة علي داعبته ثم تشبثت بيده وتوجها الي أحد المولات التجارية لكي يتسوقا سوياً ، وقفت عنود أمام الثياب المنزلية المرسوم عليها شخصيات كرتونية وكادت أن تجذب أحدهم لكنها تفاجئت بقبضتيه تمنعها من أخذه ،
_ استدارت إليه وقد عقدت حاجبيها بتذمر قائلة :-
_ حلوين اوي
_ أعاد ريان وضع ما جذبته وهتف بفتور :-
_ دول اجيبهم لجني بنتي مش لمراتي
_ سارت بجواره بتذمر فتابع ريان حديثه مضيفاً :-
_ ايه رأيك أنا أختار لك هدومك وانتي تختاريلي هدومي ؟
_ إلتمعت عينيها بوميض مختلف كلياً واقتنعت بفكرته ورمقته مبدية إعجابها وهتفت بسعادة :-
_ that's good idea
_ أسبل ريان عينيه عليها بعشق ، اكتشف ان ابتسامتها ليست مجرد ابتسامة عابرة ، بل قوي تحرك كيانه وتهز مشاعره ، لقد تحكمت بكل انش به وليس فقط بنبضاته ،
_ أشارت بيدها أمام وجهه متسائلة بحيرة :-
_ Hey what's wrong?
_ أسرع ريان بجذب يدها عفوياً منه وقبل كفيها برقة ، تفاجئت عنود بتصرفه أمام الجميع فتوردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة خجلاً منه ، لكنها لم تستطيع منع نظراتها التي كانت تطالعه بشغف شديد ، شعور قوي قد هز كيانها وعلمت بأن الله وضعها في المكانة التي تستحقها ،
_ خرجت من حبال شرودها علي صوته العذب :-
_ أنا بقول نمشي من هنا عشان المول كله بيتفرج علينا !
_ جابت عنود المكان سريعاً بأنظارها وتفاجئت بأعين الجميع مُسلطة عليهم ناهيك عن ابتسامتهم التي تغزو شفاهم ، حمحمت بحرج وأردفت بصوت متحشرج :-
_ أنا برده بقول كده ..
_ تابعوا كليهما السير بخطي مهرولة لكي يفرا من أنظار الجميع المُسلطة عليهم ، بعد ساعات عدة قد مرت عليهم ركبت عنود السيارة ب إرهاق قد انهال منها وتمتمت بنبرة متعبة :-
_ ياه اخيراً خلصنا ..
_ أسند ريان رأسه علي الطارة بتعب شديد قد تملك من جسده كما شعر بألم قوي يعتلي رأسه ، تنهد بإرهاق والتفتت الي عنود قائلا بنبرة متعبة :-
_ أنا مش قادر اسوق تعالي مكاني ..
_ اتسعي ثغرها بإبتسامة عريضة مرحبة بفكرته ثم ترجلت سريعاً وبدلا كليهما الأماكن ، وما إن وضع ريان رأسه علي نافذة السيارة حتي غفي سريعاً ، رمقته عنود بنظرات تحمل بين طياتها الشفقة علي حالته والحب لكونه ولاها القيادة علي الرغم من أنه تصرف غير محبب به في عُرفهم ويعتبر شئ مهين للرجال ..
____________________
_ زمت شفاها بحزن كما عقدت ذراعيها بتذمر ، لا تريد أن تصغي لهرائاته السخيفة ، لا تريد رؤيته الآن فهي غاضبة منه بشدة ،
_ تنهد بضجر لعدم ردها عليه ثم جلس مقابلها وهتف بحنق :-
_ ينفع تردي عليا بعد اذنك يعني !
_ التفتت إليه وصاحت بغضب شديد :-
_ نعم ؟
_ ألقت بكلمتها ثم عادت لوضعها مرة أخري ، تأفف خالد بضجر وصاح بها بنبرة محتقنة :-
_ زي ما أنا محبش حد يشوفك في الوضع ده انا برده مرداش اني اشوف غيري علي وضع مليش حق اني اشوفه فيه !
_ التفتت إليه أية وأردفت بنبرة سريعة غير مفهومة :-
_ أنا قولتك غيرت رأيي ، أنا ذنبي ايه انت اللي عاندت معايا
_ نهض خالد بغضب وصاح بها هدراً :-
_ عاندت معاكي لانك مش هتمشيني علي مزاجك يا أية قوم ننزل يبقي ننزل حالا وفجاءة خلاص مش عايزة انزل خليها وقت تاني مش لعبة في ايدك أنا
_ ترقرقت الدموع في عيناي أية وزمت شفاها بحزن تحاول التماسك أمامه ، سحبت نفساً بطئ لكي تستطيع مواصلة الحديث معه دون أن تزفر دموعها وأردفت بنبرة حزينة :-
_ أنا قولت كده عشان متدخلش وتشوفهم انت اللي ما صدقت عشان نمشي ، انت اصلا معتش بتحبني كل اهتمامك وأولوياتك بقت لصاحبك ومراته!
_ اقترب منها خالد بخطي متهملة كما اتسعت حدقتيه وحذرها بحدة من بين أسنانه المتلاحمة :-
_ أية ، ريان خط أحمر متحاوليش توقعي بيني وبينه بكلامك السخيف ده ، وبعدين ما انتي طول عمرك متأقلمة علي الوضع وعمرك ما اشتكيتي اشمعنا الوقتي ، عارفة ليه عشان مراته! مش عارف انتي مالك يتجوز ولا لا أصلا ، هو حر يعمل اللي هو عايزه انتي هتحاسبيه؟
_ أتسعت مقلتي أية بذهول لحديثه اللاذع معها ، وتمتمت بحنق :-
_ أحاسبه! ايه الكلام الغريب ده ؟
_ هز خالد ريان رأسه مستنكراً تصرفاتها وتابع حديثه مضيفاً :-
_ حاجتين ملهمش تالت إما انتي غيرانة منها إما انتي خايفة اني اعمل زيه وبلاش بقا جو زعلانة علي صحبتي ده عشان مش آكل معايا ..
_ صعقت آية من حديثه الذي يفاجئها به كلما تحدث ، أشارت علي نفسها ورددت بعدم تصديق :-
_ غيرانة منها! أنا هغير منها ليه وانا من امتي غيرت من حد أصلا ؟
_ رمقها خالد بنظراته الحادة وأردف بإقتضاب :-
_ يبقي انتي خايفة اتجوز عليكي!
_ لقد بلغت ذروة تحملها وقد انحطت قدرتها علي مواصلة الحديث معه ، جهشت في البكاء وجلست علي الأرض بإهمال وهتفت من بين بكائها بنبرة غير مفهومة :-
_ أيوة خايفة وايه اللي يطمن يعني ؟ ريان ومستقر مادياً وعنده بنت ومراته طيبة ومش ناقصه اي حاجة وفي الآخر اتجوز ، انت ايه اللي هيمنعك بقا مش يمكن تعمل زيه!
_ ارتخت ملامح خالد علي تفكيرها الساذج ، وهز رأسه مستنكراً تفكيرها الذي ليس له أساس من الصحة ، سحب نفساً عميق وجلس القرفصاء مقابلها واحتضن يدها بين قبضتيه كما رفع وجهها نحوه بيده الاخري وهتف بثقة :-
_ أنا عندي أكبر مانع ، اني بحبك بس انتي اللي معتيش بتثقي في حبي..
_ اتسعت حدقتي أية بذهول ورددت بدهشة :-
_ أنا مش بثق فيك ! خالد حط نفسك مكاني لو سمحت ، واحد معندوش أي أسباب لأنه يتجوز تاني واتجوز والشخص ده أقرب واحد لجوزي وتقريبا وقتك وحياتك كلها معاه تفتكر انا وقتها هفكر في حب ولا ثقة!
_ إلتوي ثغر خالد بإبتسامة سعيدة وضمها برفق الي حضنه ، ملس علي خصلاتها بنعومة وأردف بنبرة حنونة مازحاً :-
_ معنديش بنت عم ولا بنت خال عشان اتحط في ظروف زي اللي ريان اتحط فيها متخافيش ، هو نصيبه كده مينفعش نعترض ده ترتيب ربنا !
_ انسحبت أية من بين قبضتيه ورمقته لبرهة وأردفت :-
_ ولو نصيبك انت كمان كده انا وقتها هعمل ايه ؟
_ انفجر خالد ضاحكاً ، لم يستطيع السيطرة علي ضحكاته التي زادت الأمر سوءاً ، عقدت آية ذراعيها بتذمر قائلة بفتور :-
_ الموضوع شكله جه علي هواك !
_ ازدادت قهقهاته بصورة شديدة وأردف بصعوبة بالغة من بين ضحكاته :-
_ دي تبقي عال اوي ، الواحد هيلاقي الدلع نازل نار ..
_ أتسعت حدقتي أية بصدمة ولكزته بقوة في صدره هاتفة بحنق :-
_ بجد والله !
_ أدمعت عيناي خالد من فرط الضحك ثم حاول جذبها إليه مراراً لكنها أبت ، جمع هو قوته وضمها الي حضنه بعدما سيطر على ضحكاته وردد مازحاً :-
_ أن شاء الله ميكنش نصيبي كده اهدي بقا ..
_ كانت تشعر بالخوف الشديد في مشاركة امرأة أخري فيه ، تحاول جاهدة بأن تطرد أفكارها التي لا تسبب سوي ألم قلبها لكنها تفشل دوماً حتي وان كانت بين أحضانه يطمئنها بنفسه ، ماذا وإن كان القدر يخبئ لها ما تخشاه ؟
_ تنهدت بضجر عارم ودفنت راسها في صدره ربما تنجح في إزالة ذاك الشعور المريب التي يجتاحها من لا شئ ..
____________________
_ صفت السيارة أسفل البناية والتفتت إلي ريان وهمست له بصوت خافت لكي يستيقظ :-
_ ريان
_ أعادت تكرار منادته بهدوء حتي فتح عيناه بثقل ورمقها بغرابة وسألها بصوت ناعس :-
_ في ايه ؟
_ شكلت ابتسامة عذبة علي محياها وأردفت بنبرة رقيقة :-
_ وصلنا !
_ اعتدل ريان في جلسته وجاب المكان بانظاره سريعاً وهتف بصوت متحشرج :-
_ أنا محستش بنفسي ونمت كل ده !
_ هزت رأسها بإيماءة خفيفة مؤكدة حديثه ، كاد أن يترجل ريان من السيارة لكنها أوقفته ووجهت بصرها مباشرة علي ذاك المنزل القديم التي ترك عليه الزمان بصماته ، نظر ريان إلي حيث تنظر ، وقع بصره علي منزل ابن عم والده بالتأكيد تريد التحدث مع ياسر ،
_ تنهد بضيق ثم التفت إليها وهتف بحنق :-
_ مش وقته ..
_ قطبت عنود جبينها وأردفت بنبرة متسولة ناعمة :-
_ لُطفاً!
_ عقد ريان ما بين حاجبيه بغرابة فهو لم يفهم ما قالته لتوها وسألها بعفوية :-
_ ايه؟ لُطفاً!
_ أماءت رأسها مشكلة ابتسامة عريضة علي ثغرها وأردفت برقة :-
آه يعني ارجوك بالتركي ، و Please بالاجنبي تحب اقولها لك بأي لغة انت عايزها عشان توافق ؟
_ تأفف ريان بتذمجر ورمقها بنظرات متهكمة وصاح بها بتجهم :-
_ عنود قولت مش وقته احترمي كلامي !
_ رمقته بنظرات مشتعلة ثم التفتت برأسها مبدية تذمرها ، فتحت الباب لكنه أسرع بمسك يدها واردف بنبرة حنونة :-
_ طلاما قولتلك هتقابليه يبقي هتقابليه احترمي كلامي وانا هعملك اللي انتي عايزاه
_ ضغطت هي علي شفاها السُفلية بحرج ، طالعته بندقيتاها اللامعة وأردفت نادمة :-
_ Sorry ..
_ إلتوي ثغره بإبتسامة وأردف مازحاً :-
_ بلاش الكلام المايع ده ، انشفي كده بدل ما انتي جيباني الأرض بمياعتك دي ..
_ ضغطت علي شفاها مُشكلة ابتسامة سعيدة ممزوجة بالخجل ، بينما أسرع ريان بالحديث :-
_ بطلي تعملي الحركة دي قدامي بتخليني عايز اا...
_ ضيقت عيناها عليه وسألته بفضول :-
_ بتخليك عايز ايه ؟
_ هز ريان رأسه مستنكراً اسئلتها وردد :-
_ اللهم اغزيك يا شيطان انزلي يابت
_ ترجلت عنود من السيارة واقتربت منه فاغرة فاهها بذهول وأردفت بعدم تصديق :-
_ بت! أنا بت ؟
_ لم يعقب ريان الي حديثها وتوجه نحو صندوق السيارة وجذب جميع الحقائب ثم سار بإتجاه المصعد وتبعته هي بخطي سريعة ، وضع ريان الحقائب أرضاً لثقلهم واقترب منها ، وضع يديه علي الحائط محاوطاً إياها لتكون هي حبيسة ذراعيه وأردف بحنق :-
_ بقا أنا كيس جوافة ؟
_ تقوس ثغرها بإبتسامة عريضة وأماءت رأسها مؤكدة ما قاله بمزاح ، بينما تفاجئ هو بإيماءة رأسها وهمس أمام شفاها :-
_ ممم نشوف الموضوع ده في بيتنا ..
_ فتح باب المصعد عندما وصلا إلي الطابق المقصود ، انحني ريان بجسده وحمل الحقائب مرة أخري ووضعها داخل المنزل ثم استدار بجسده الي عنود ، اقترب منها بضعة خطوات ووضع يده علي وجنتيها يتحسسها بنعومة وأردف مختصراً :-
_ هنزل أخلص كام حاجة ضرورية وأرجعلك تاني متناميش ..
_ أماءت رأسها بطاعة بينما وضع هو قبلة علي طرفي شفاها ، كاد أن يغادر لكنه توقف واستدار نحوها من جديد ، سحب العقد من جيب بنطاله واقترب منها آسفل نظراتها عليه ، أجبرها علي الالتفاف ليكون ظهرها ملاصق لصدره ، شعرت عنود بشئ ما يُحاوط عقنها ، تفاجئت بالعقد ذاته التي تناثرت حباته من قبل ، تقوس ثغرها ببسمة عذبة ثم عانقته بكل قوتها ممتنة :-
_ بحبك قد جنة ربنا
_ تفاجئ ريان بما قالته وضمها بقوة ربما يكتفي منها وعندما فشل أبتعد عنها مردداً :-
_ ابعدي عني عشان ثانية كمان ومش نازل لمدة شهر
_ قهقهت عنود علي حديثه بينما ارسل لها قبلة في الهواء وهو يقترب من الباب وما أن أغلق الباب خلفه حتي تحولت تعابير وجهه الي الحدة والتجهم وهبط الدرج وهو يسحق أسنانه بغضب شديد ...
____________________
_ نفخ خالد بضجر بائن وهتف بنبرة غاضبة :-
_ فهمني بس انت عايز ايه وانا هساعدك !
_ تأفف هاني بضجر ثم وضع قدم علي الأخري بتعالي وأردف بجمود :-
_ انا صاحب المكان واعمل فيه اللي أنا عايزه متدخلش انت وروح شوف شغلك
_ ضرب خالد بيده علي المكتب بكل ما أوتي من قوة مستنكراً تصرفاته ذاك البغيض التي يحاول جاهداً أن يخلق شجاراً معه ، صاح به هدراً بعد أن رمقه بنظرات مشتعلة :-
_ هاني أنا مش عايز اتعصب لأنك في مقام أخويا الكبير بس انا مش فاضي أنا ورايا شغل كتير ومحتاج المكتب عشان اخلصه ..
_ نهض هاني وأستند بيديه علي المكتب ورمق خالد بتحدي وأردف بنبرة محتقنة :-
_ روح خلص شغلك بعيد عني أنا عجباني القعدة هنا ..
_ عاد هاني لجلسته وأولي خالد ظهره ، بينما تأفف خالد بضجر بائن ودلف للخارج وهو في أعلي مراتب غضبه ولا يدري ما عليه فعله ، لقد رفض تلك الوكالة مراراً من أجل تلك السخافات التي كان علي علم بحدوثها ، لكن هيهات لريان الذي لا يستمع إليه مطلقاً ويفعل فقط ما يريد ويحلو له ..!
_ أطلق هاني ضحكاته عالياً فلقد نجحت أول خطوة في مخططاته ..
___________________
_ طرق الباب علي عجالة وكما تمني تماماً ، هي من فتحت له الباب ، إلتوي ثغره بإبتسامة لم تستطيع هي استيعابها بعد ، بينما أردف هو بنبرة شغوفة :-
_ حد موجود غيرك هنا ؟
_ أتسعت مقلتي رنا بذهول وتمتمت بعدم تصديق :-
_ انت بتكلمني أنا !
_ أماء ريان رأسه بالايجاب ولازالت ابتسامته تغزو شفاه بينما بادلته هي ابتسامة سعيدة غير مصدقة أنه يحادثها بتلك النبرة وأسرعت بالحديث :-
_ مفيش غير عمي ماهر !
_ ازدادت ابتسامة ريان وهتف بسعادة :-
_ عال اوي عشان نعرف ناخد راحتنا !
_ فغرت رنا فاها بدهشة معانقة للصدمة ، أوصدت عينيها مراراً لكي تتأكد بحقيقة ما يحدث وأنه ليس حلم ، أخرجت تنهيدة بطيئة مليئة بالأشواق والافتقاد وهتفت :-
_ أنا مش مصدقة عنيا أنا حاسة إني بحلم !
_ هز ريان رأسه بنفي واردف مؤكداً ما يحدث :-
_ مش بتحلمي يا رنا أنا اهو واقف قدامك بشحمي ولحمي جاي اقولك اني موافق أديكي فرصة !
_ لقد هرب الأكسجين من رئتيها حتماً سيقضي عليها ذاك الرجل بكلماته ، تود أن تصرخ عالياً لكي تصدق ما يحدث ، ظلت ترمقه كثيراً في محاولة منها علي استيعاب الأمر لطلاما تمنت حدوثه منذ زمنٍ بعيد ،
_ أمسكت بيده وجذبته إلي الداخل مُشكلة إبتسامة عريضة علي ثغرها ، فلقد دقت اسارير السعادة قلبها في ذلك الحين ، لا تريد رؤية غيره كما لا تريد سماع شئ سوي نبرته التي تعشقها وتخفق نبضاتها لها ،
_ وقفت أمامه تطالعه بخضروتاها بشغف وتمني وأردفت مُصرِحة :-
_ يااه انت عارف بقالي قد إيه بتمني اللحظة دي انا اتجوزت هاني بس عشان اكون قريبة منك لما فشلت أنك تبصلي ، ريان أنا بحبك اوي قلبي أتوجع كتير اوي في غيابك وكان بيتوجع أكتر لما كنت بترفضني ، أنا عارفة إن الوضع غلط بس مش قادرة استحمل بعدك عني ، أنا هعيش لك خدامة طول عمري بس انت تكون ليا ..
_ إلتوي ثغره بإبتسامة عريضة فهذا ما يريد الحصول عليه لكن ابتسامته اختفت وتحولت تدريجياً إلي الذعر الشديد عندما صغي الي نبرة والده الجهورية :-
_ رياااان !
_ صعق كلاً من ريان ورنا التي انكمشت في نفسها بخوف شديد ورمقت ريان بنظرات متوجسة بينما لم يعيرها ريان اي إهتمام بل كان شاغله الوحيد في تلك اللحظة هو والده ،
_ سحب ريان نفساً عميق واقترب منه بخطي متمهلة وأردف بتوجس :-
_ نعم يا حج ؟
_ شعر ريان بحرارة تلك الصفعة التي دوت علي وجهه من فرط شدتها ، أوصد عيناه بعصبية ووقف أمام والده كأنه مُجرد من الثياب ، صعد صدره وهبط بصورة عنيفة وظل موصد العينين لا يريد مواجهة والده ..
_ إلتوي ثغر ماهر بتهكم شديد وأردف بآسي :-
_يا خسارة تربيتي فيك..
_ وقبل أن ينهي ماهر جملته كان قد سقط أرضاً فاقد وعييه ، فتح ريان عينيه علي صوت ارتطام جسد والده وأسرع نحوه بتوجس :-
_ يا حج..
_ أعاد تكرار منادته لكن دون جدوي ، لقد بات والده في عالم آخر لا يدري ان كان سيعود منه أم لا ، لكن ما يعلمه جيداً بأنه لن يسامح نفسه إذا حدث مكروه لأبيه من خلفه ،
_ انسحبت رنا بهدوء الي غرفتها ثم استلقت علي الفراش ودست الغطاء أعلاها متصنعة النوم ، شعر ريان وكأنما بات الكون خالياً الا منه ، فقط يستمع لوتيرة أنفاسه التي تزداد كلما أطال النظر إلي والده ولا يعلم ما عليه فعله ..
__________________
_ الأجواء مشحونة بطاقة سلبية مليئة بالخوف والتوتر ، تجلس هاجر علي مقعد الإنتظار مستندة برأسها علي كتف علي الذي يواسيها ويأزرها ، كما يقف كلاً من خالد ويحيي بجوار بعضهما مستندين علي حائط المشفي ،
_ بينما تجلس دينا علي المقعد المقابل لهاجر وزوجها واضعة يدها أعلي بطنها تحاولة جاهدة منع ألم ذاك المغص الي يراودها من هول الصدمة التي تلقتها من خلف وقوع العم ماهر من التسلل الي تعابيرها فليس بحين ينشغل أحدهم بها ..
_ كما تجلس رنا علي أبعد مقعد لكي تكون بعيدة عن أنظار الجميع ، منكمشة في نفسها بخوف عارم تفرك أصابعها بإرتباك شديد وتدعي ربها بألا يكشف أمرها ،
_ وأخيراً يقف ريان أمام باب غرفة الطوارئ قيد إنتظار ولوج أحد الأطباء من الداخل لكي يطمئن علي والده ، فقط يريد الاطمئنان عليه وليحدث ما يحدث بعد ذلك ، تقف عنود علي الجهة المقابلة له من الباب تريد الإقتراب منه ومواسته لكنه يرفض اي تدخل من الجميع
_ ظلت تطالعه بحزن جلي ، لا تملك سوي الدعاء لوالده وأن الله يربت علي قلب ريان لأنها لا تتحمل رؤيته حزين هكذا ، كان الجميع ينتظر في حالة لا يرثي لها ، مشاعر مختلطة تجتاحهم ، شعور من الخوف لفقدانه وشعور من الخوف الممزوج بتأنيب الضمير ، وشعور الخوف من المواجهة ..
_ ركض الجميع نحو الطبيب عندما دلف الي الخارج ، ابتلع ريان ريقه وسأله بخوف عارم :-
_ أبويا حصله ايه يا دكتور ؟
_ أجابه الطبيب بنبرة عملية :-
_ المريض كان جاي في شبه جلطة علي المخ لكن الحمد لله قدرنا نسيطر علي الوضع وحالته في تحسن حالياً بس مش عايز إجهاد نهائي
_ أسرع ريان بالحديث بنبرة متوسلة :-
_ ينفع اشوفه ؟
_ مرر الطبيب أنظاره بينهم واردف بجدية :-
_ هو طالب يشوف واحدة اسمها عنود ..
_ وقع بصر الجميع علي عنود متعجبين من طلب والدهم ، لماذا عنود ؟
_ سارت بخطي متمهلة بالقرب من الطبيب وسألته بعدم تصديق :-
_ طلب يشوفني أنا !
_ أماء الطبيب رأسه مؤكداً حديثها وأردف محذراً :-
_ لو سمحتي خمس دقايق بس عشان الكلام غلط عليه ..
_ أماءت عنود رأسها بالايجاب ثم رفعت بصرها علي ريان الذي لم يخفض بصره قط من عليها وقال :-
_ قوليلوا اني عايز أتكلم معاه ضروري..
_ شدت عنود علي يده ثم أزفرت أنفاسها وولجت داخل الغرفة سريعاً ، خفق قلبها بألم عندما رأته يتوسط الفراش الطبي منهمك بين تعبه ،
_ تنهدت بحرارة ثم سارت نحوه بخطي خجولة إلي أن وصلت إليه ، انتبه ماهر لخطوات أحدهم وفتح عينيه ثم شكل إبتسامة لم تتعدي شفاه وأشار إليها بالجلوس ، سحبت عنود مقعد وجلست أمامه وانحنت بجسدها إلي الأمام قليلاً حتي تصغي بعناية الي حديثه الخافت ..
____________________
_ دلفت خارج الغرفة حيث ركض الجميع نحوها وتلقت العديد من الأسئلة :-
_ بابا كويس ، هو مسألش عليا ، كان عايزك في ايه ، ينفع ندخله ، وغيرهم من ذلك القبيل...
_ تنهدت عنود ورفعت بصرها علي ريان وأردفت بملامح خالية من المشاعر :-
_ هو كويس ..
_ شعر ريان بوخزة قوية في قلبه اثر نظراتها التي لا يفهم معناها ، هل والده قص عليها ما سمعه لذا تقابله بتلك الملامح الجامدة أم في الأمر خبايا أخري لا يعلمها !
_ أمسك بذراعها وهتف بإقتضاب :-
_ تعالي معايا ..
_ حررت عنود يديها من بين قبضتيه ثم توجهت إلي أبعد مقعد وجلست عليه بمفردها ، تريد إعادة التفكير بكل شئ ، فالأن بات علي عاتقها حمول ثقيلة يجب تنفيذها ، أخرجت تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم ثم نهضت لكي تصلي ركعتين لله ربما يلهمها الصواب ..
_ تبعها يحيي دون أن يشعر به أحدهم ، سار خلفها ببطئ ثم انتظر مكان خالي من الجميع ونادي عليها بصوته الأجش :-
_ عنود!
_ توقفت عن السير واستدارت إليه بينما اقترب هو منها وواصل حديثه :-
_ شكل الحج زعلك ، ينفع اساعدك ؟
_ هزت عنود رأسها مستنكرة حديثه لطلاما حادثها بتلك النبرة عدة مرات ، أزفرت أنفاسها بضجر وهتفت بحنق :-
_ تساعدني بصفتك إيه ؟
_ كاد يحيي أن يبوح بما يسكن في قلبه لكن صمت عندما تدخل ريان مقاطعاً حديثهم بصوته الأجش :-
_ واقفين بتعملوا ايه ؟
_ التفت يحيي إليه واجابه بإقتضاب :-
_ كنت بطمن علي الحج منها ..
_ أماء ريان رأسه بتفهم ثم وجه بصره علي عنود التي كانت تطالعه بعتاب شديد ، شعر بخنقة شديدة قد اجتاحته من خلف نظراتها عليه ، هم يحيي بمغادرة المكان علي مضضٍ وتركهم بمفردهم ،
_ اقترب منها ريان لكنها تراجعت للخلف سريعاً مبدية تذمرها من قربه وأردفت بحنق :-
_ لو سمحت متقربش!
_ تفاجئ ريان بطلبها ، ثبت أنظاره عليها بذهول قد تملك منه ، إلي أين يذهب إذا لم تسمح بقربه منها ، فهي مسكنه الوحيد الذي يلجئ إليه في أضعف حالاته ، طالعها بنظرات موحية تحمل بين طياتها العتاب كأنها اقترفت أمر عظيم
_ وضع يده علي يسار صدره عندما شعر بوخزة قوية في قلبه ، أوصد عينيه لبرهة في محاولة منه علي ضبط وتيرة أنفاسه المضطربة ثم فتح عينيه وأردف معاتباً إياها :-
_ انتي بتعملي معايا كده ليه ، لما انتي تمنعني عنك هروح لمين ؟
_ شعرت بغصة مريرة في حلقها ، كلماته أثرت بها للغاية ، نظراته المتخاذلة تؤلم قلبها بشدة ، تريد أن تضمه بكل ما أوتيت من قوة فقط لكي يتحسن ويعود ريان كما تعرفه وتشعر هي ببعض الراحة ، لكن ليس قبل أن تعاتبه علي ما اقترفه ..
_ أخرجت تنهيدة مهمومة وهتفت بآسي :-
_ ليه قربت منها وقولتلها الكلام ده ؟
_ زم ريان شفاه بحزن واردف موضحاً :-
_ أنا كنت بسجلها كنت عايز أخلص منها قرفت من كل الي بتعمله ..
_ هزت عنود راسها مستنكرة فعلته وأسرعت بالحديث بنبرة ساخرة :-
_ تسجلها! مفيش طريقة أقذر من كده ؟
_ فغر ريان فاهه ببلاهة وألقي حديثه مضيفاً :-
_ مش انتي اللي قولتيلي حط حدود بينكم!
_ سحبت عنود أكبر قدر من الأكسجين لكي تواصل حديثها معه علي الرغم من إنهاك عقلها الذي يأبي اي تحدث في ذاك الحوار لكن عليها مواصلة حديثها فقط من أجل إنهائه ، رمقته لبرهة وقالت مستاءة :-
_ أنا قولت حط لها حدود آه بس مش بالطريقة دي أبدا ، كان ممكن تخوفها ، تهددها ، اي طريقة غير دي انت عارف انت عملت ايه ؟
_ صمتت وطالعته بآسي بينما ظل هو مثبت بصره عليها تماماً كـطفل صغير لا يعلم مآواه ، فقط يريدها أن تنهي حديثها الذي يؤلم قلبه لكي يسرع ويلقي بنفسه بين أحضانها ، لا يهم ماذا تقول وماذا اقترف هو يريد الاطمئنان لا يريد غيره في ذاك الحين ..
_ تابعت عنود حديثها مضيفة بنبرة صارمة حادة :-
_ والدك كان ممكن يموت بسبب تصرفك ده ..
_ هزت رأسها مرارا مستاءة من تصرفه ثم أولاته ظهرها وسارت إلي الأمام بخطي سريعة ، بينما تبعها هو متسائلا باهتمام :-
_ أنتي راحة فين ؟
_ أجابته بحنق وهي علي نفس وجهتها :-
_ هصلي ..
_ للمرة الذي لا يعلم كم ، يتعجب من صلاتها التي تظهر في أوقات ليست بوقتها ، فلقد أدت فروضها الخمس إذا ماذا ستصلي إذا ؟
_ سحب نفساً عميق وهتف متسائلا :-
_هتصلي ايه ده وقت صلاة!
_ تصلبت عنود مكانها في ذهول شديد ، حاولت استيعاب ما قاله لكن أبي عقلها هضمه بشتي الطرق ، استدارت بجسدها نحوه وكادت أن تنفجر به لكنها تحلت بالصبر لكي لا يقع علي عاتقها وزر من خلفه ،
_ سحبت نفساً عميق لكي تواصل حديثها بهدوء واردفت موضحة :-
_ ربنا أحق من كل حاجة ممكن تشغلنا في حياتنا ، النعم اللي انت فيها دي بفضل ربنا والدك قام من جلطة وده برده بفضل ربنا ، كونك واقف قادر تتكلم معايا من غير صعوبة فضل من ربنا ، وانا اتعودت ألجئ لربنا في كل وقت عشان يدبرلي امري و أعرف أنا عايزة إيه من غير ما اكون واقفة تايهة زيك كدا ، انت مستنيني اخدك في حضني بس مش ده اللي انت محتاجه يا ريان انت محتاج توقف بين ايدين ربنا وتتكلم معاه وانت هتلاقي نفسك وحيرتك هتتحل بفضله برده ، ياريت تروح تصلي انت كمان ..
_ أنهت عنود حديثها ثم غادرت سريعاً قاصدة بخطاها مسجد المشفي ، بينما وقف ريان يتابع طيفها إلي أن اختفت هي من أمامه ، شعور غريب قد تغلغل داخل قلبه ، كأنه عاري تماماً ويريد الاختباء بين يدي الله لعله يجد نفسه من جديد..
_ جاب المكان بأنظاره وهو يشعر بخلو جوفه ، كأنما بات خالياً من المشاعر والإحساس ، يصغي لوتيرة أنفاسه المتعالية كما يشعر بنبضاته التي ازدادت اضطراباً ، ربما قد حان الوقت لأن يسجد لله لكي يشعر بما أخبرته عنه عنود ، جر قديمه أمامه بثقل وتوجه الي مسجد المشفي الخاص بالرجال ..
_ توضأ ثم جدد نواياه علي أداء ركعتان ، أدي ركعة تلو الأخري الي أنهي الأربع ركعات ، سلم من الصلاة ويريد أداء المزيد ، انهمر ريان في أداء المزيد والمزيد من الركعات الي أن شعر بسكون قلبه ، وخلو عقله من تعقيدات أفكاره الذي كان يتخبط بينهم منذ قليل ، هو الآن يشعر براحة قوية اجتاحته من خلف صلاته لله ..
_ رباه! أكان المهرب الوحيد من جميع همومه بين يديه ولم يفعله!
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية