رواية المعلم الفصل الثامن والعشرون بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل الثامن والعشرون
تقابل كليهما في الممر المشترك لمسجد الرجال والنساء ، أزفرت أنفاسها بحرارة لا تعلم حقاً ما عليها فعله ، فلقد وضع العم ماهر عبئ ثقيل للغاية علي أكتافها ، لا تدري أين وجهتها الأن ، ما عليها فعله أولاً ، لماذا هي فالجديرين بحمل تلك المسؤلية كُثر ، لماذا هي بالتحديد ؟
_ أخرجت تنهيدة بطيئة تحمل بين طياتها التشتت الشديد ، رمقته كثيراً ثم اقتربت منه بخطي متمهلة ، ابتلعت ريقها وهتفت دون أن ترفع بصرها عليه :-
_ محتاجة أتكلم معاك
_ أماء رأسه بالايجاب وكاد أن يسير معها للخارج لكن صوت يحيي قد دوي في أرجاء المكان من شدته :-
_ ريان..
_ خفق قلب ريان بتوجس عارم خشية أن يتلقي خبر مصرع والده ، لا يريد الالتفات إليه ، فقط يريد الهروب قبل أن يصغي لما يخشاه ويأباه عقله ، لكن ما باليد حيله مُجبر هو الإصغاء ، سحب أكبر قدر من الأكسجين ثم استدار إليه بخوف
_ وقف يحيي يلتقط أنفاسه التي هربت من رئتيه ثم هتف بنبرة متلهفة سريعة :-
_ دينا ، دينا تعبانة اوي
_ أزفر ريان أنفاسه التي كان يكتمها داخله ، ثم ركض خلفه بخطي مهرولة غير مستقيمة إلي أن وصل إلي الغرفة الموجودة بها ، ركض نحوها بخوف وتسائل بإهتمام :-
_ في ايه حاسة بإيه ؟
_ تشبثت دينا في ذراعه بقوة وأردفت وهي تبكي بألم شديد :-
_ ريان انا بموت مش قادرة استحمل الوجع ..
_ شد ريان علي يدها وقد خفق قلبه بخوف شديد عليها وأسرع بالحديث هاتفاً :-
_ متقوليش كده هتكوني كويسة أن شاءالله ..
_ التفتت ريان الى حيث يقف يحيي وصاح به مندفعاً :-
_ انت واقف ليه روح جيب دكتور بسرعة
_ وما أنهي ريان جملته حتي حضر علي بالطبيب الذي ركض لمنادته ، ولج الطبيب نحو دينا بخطي سريعة وسألها بعملية :-
_ حضرتك حاسة بإيه؟
_ سحبت دينا قدر من الأكسجين لكي تستطيع محادثته وأردفت بنبرة متلعثمة :-
_ مغص جامد و...
_ صمتت دينا من تلقاء نفسها عندما شعرت بتسلل سائل أسفلها ، مررت بصرها بين ريان والطبيب بخوف عارم ، تشوشت رؤيتها وبالكاد تستطيع رؤية صور باهتة مغشوشة ، ظلت تقاوم إلي أن تغلب عليها مرضها وأجبر كامل قواها علي الارتخاء إلي أن باتت في ظلام حالك لا تشعر بما يدور حولها ..
_ كثرت منادته التي تحثها علي الاستيقاظ لكن دون جدوي ، أبعده الطبيب بعيداً عنها قائلا بنبرة آمرة :-
_ لو سمحت سيبنا نتصرف
_ أبتعد ريان علي مضضٍ ووقف بجوار الجدار يتابع ما يحدث في صمت كما رافقته هاجر ووالدة دينا وشقيقتها وآية زوجة خالد اللواتي جئنَ علي عجالة لكي يطمئنوا علي حالة العم ماهر وقد لقيا مصرعهم مع تدهور صحة دينا ..
_ وقفت عنود تراقب ما يحدث من الخارج ، مشاعر عدة تجتاحها وتتخبط بينهم لا تدري أيهما الصحيح ، تريد أن تشدد من أزر ريان لكن شعور قوي بداخلها يأبي الاقتراب منه ، تشعر أنها المتسببة فيما يحدث للجميع ، ناهيك عن تأنيب ضميرها الذي لا يكف عن لومها ..
_ كم هي بحاجة إلي حضن والدتها وحكمة والدها في ذلك الموقف التي لا تحسد عليه ، لا تشعر بنظرات يحيي التي تطالعها بشفقة ، هو وحده من يشعر بها فهي واقعة في الأمر ذاته الذي وقع هو فيه ولا يعلم كيفية الخروج منه بطريقة صحيحة دون خسارة أحدهم ..
_ استطاع الطبيب السيطرة علي النزيف لكنه لم يتكمن من إيفاقتها ، أنها مسألة وقت لا أكثر ، تنهد الطبيب والتفت الي ريان وأردف بعملية :-
_ قدرت اسيطر علي النزيف بس هي لسه في خطر ، لو عدي ٢٤ ساعة من غير ما يحصل مضاعفات الخطر هيعدي ، لكن لو النزيف اتكرر تاني هنضطر نجهد الجنين ..
_ شهقت والدة دينا بصدمة ورددت بتوجس :-
_ اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ..
_ ظلت تُتمتم بتلك العبارة وهي تملس بيدها علي حجاب دينا بخوف شديد ، بينما تصلب ريان في مكانه من هول الصدمة ، اقتربت منه هاجر تأزره وربتت علي ذارعه بحنو وهتفت :-
_ أن شاء الله خير اطمن
_ مال ريان برأسه عليها في حالة لا يرثي لها ، ثم أقترب بخطاه نحوها بتهمل جلس بجوارها وشد علي يدها بحزن شديد ، بينما شعرت عنود بغصة مريرة لما يحدث أمام مرأى عينيها ، شعرت بعدم انتمائها لذاك المكان كأنها عزول احمق ويجدر عليه الانسحاب من بينهم ،
_ ماذا فعلت هي لقد خربت كل شئ ، اقتحمت حياته وهدمتها بحماقتها وغبائها مدعية بأن الله قد وضعها في تلك المكانة ، لكن الله لا يقبل بهدم حياة الآخرين ، حتماً ستنال أشد العقاب لهذا الأمر الفادح التي اقترفته ..
_ أدمعت عيناي عنود وفرت هاربة الي الخارج ، دلفت خارج المشفي وانحنت بجسدها مستندة بكفيها علي ركبيتها في محاولة منها علي استيعاب الأمور ، لكن دون جدوي فما تفعله لا يقلل من فرط ما تشعر به
_ وقفت كمن انحشرت أنفاسها بداخلها ولا تستطيع إخراجها ، صعد صدرها وهبط بصورة أشد عنفاً ، جرت قدميها بثقل إلي أن وصلت إلي أقرب مقعد إنتظار ظهر أمامها ، جلست عليه بإهمال ونظرت إلي الاعلي منادية ربها :-
_ يارب
_ لا تشعر انها بخير ، فقط صورة ريان وهو ممسك بيد زوجته لا تريد الاقتلاع من عقلها ، غيرة شديدة قد اجتاحتها من خلف تصرفاته التي تدل علي خوفه الشديد عليها ، لكن هل عليها حقاً أن تغار ؟ وهي من شاركتها في زوجها لطلاما اكتفت هي به لأعوام عدة ، هل عليها أن تحزن لتقربه من امرأة أخري وهي من سرقته من بين عائلته ..
_ تخبط شديد قد وقعت في براثينه وازداد الأمر سوءاً ، فلقد فاق حزنها تلك المرة الأرضية بمن عليها ، فقط تريد العودة إلي عائلتها ومحاوطة أمانهم وحبهم لها ،
_ شعرت بحرارة دموعها التي انسدلت علي وجنتيها دون وعي منها ، كفكفت عبراتها بأناملها لكن دموعها تنسدل بغزارة ولا تريد التوقف ، ولم تكفي أناملها لتسمحهم ..
_ اتفضلي
_ هتف يحيي بآسي لحالتها المذرية وهو يناولها مناشف ورقية ، التفتت عنود برأسها ورمقته لبرهة ثم سحبت منه المناشف وأسرعت بمسح عبراتها ، اعتدل يحيي في جلسته وطالع الفراغ أمامه في هدوء من قبل العاصفة ..
_ سحب قدراً من الأكسجين وهتف :-
_ الموضوع صعب مش كده؟
_ التفت كليهما وطالعة بعضهما البعض بنظرات مؤلمة وأخري لا تعي شئ من خلف كلماتهه التي بدت مبهمة لها ، أخرج يحيي تنهيدة بطيئة مليئة بالأشواق وتابع حديثه مضيفاً :-
_ صعب انك تقفي تشوفي اللي بتحبيه مع شخص تاني ، وقتها بتحسي أنك عزول بينهم والمفترض تنسحبي وفي نفس الوقت مش عارفة ، الموضوع صعب فعلا!
_ انسدلت قطرات عينيها رغماً عنها فلقد وصف كل ما تشعر به بسهولة ، مسحت عبراتها سريعاً وقالت بنبرة موجوعة :-
_ يحيي ممكن توصلني للبيت ..
_ تقوس ثغره بإبتسامة لم تتعدي شفاه ثم نهض ومد يده إليها كعون لها في تلك الأثناء ، رمقته عنود شزراً ثم نهضت ولازالت تبكي لكن في صمت ، سارت خلفه الي أن وصلا الي السيارة ، تعمدت عنود الجلوس في الخلف بمفردها بينما لم يعقب يحيى علي تصرفها والتزم الصمت ..
_ عندما شعرت عنود بقرب وصولهم رمقت يحيي في المرآة وأردفت بنبرة حزينة :-
_ يحيي ممكن نروح معرض ريان
_ عدل يحيي من وضعية المرآة علي وجهها وسألها بغرابة :-
_ المعرض! ليه ؟
_ أزفرت عنود أنفاسها بحزن وهي تتذكر بعض الذكريات لها هناك ، أخرجت تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم وأردفت :-
_ محتاجة أكون لوحدي هناك ..
_ أماء يحيي رأسه بالإيجاب وفعل ما أمرته به ، صف سيارته أمام المعرض وفتح لها بابها ثم استدارت عنود إليه مانعة إياه من الدخول :-
_ ينفع اكون لوحدي ، مش هتأخر
_ علي الرغم بعدم ترحيبه لفكرتها إلا أنه لا يملك سوي الموافقة دون اعتراض ، سحب نفساً عميق وعاد بأدراجه الي سيارته قيد انتظار خروجها ، بينما ولجت هي الي الداخل واتجهت إلي مكتب ريان مباشرةً بخطي متمهلة ..
_ ولجت داخل المكتب وهي تتفحص معالمه جيداً ، ثم سارت للامام وتذكرت أول عناق بينهم ، لم يكن بمثابة عناق حينها لكن كان تقربه لذيذ للغاية حيث اجتحاتها مشاعر عدة حينها ، خليط من الخجل والتوتر صانعين مزيج قوي من اللذة ..
_ إلتوي ثغرها بإبتسامة باهتة ثم اتجهت نحو مكتبه ، تحسسته كما لو كانت ستفارقه ، فلقد فعلت هذا عند وفاة والديها ، هل هي من ستفارق الآن ؟
_ انسدلت دموعها بغزارة فهي تتمني الموت ولا تريد الافتراق عنه ، جلست علي مكتبه وظلت تتفحص كل انش به ، إلي أن وصلت إلي دفتر موضوع في أحد الادراج التي قامت بفتحهم ، جذبته واستكانت في جلستها وفتحت أولي صفحاته المدونة بها كلمة ( عناق )
_ لم تفهم كثيراً إلي ماذا ترمز تلك الكلمة لكنها أثارت فضولها حول البقية ، نهضت وسارت إلي الأريكة الجلدية وجلست عليها ثم بدأت في قراءة ما دونه بيده ..
_ والجدير بالذكر أن الأمان قد خلق من ضلع عناق فقط
' عناق ' ..
_ كنت شخصاً جامداً إلي أن مزقت قويا بعناقها لطلاما افتقدته كثيراً ..
_ { تائه كـمتشرد لا يعرف السبيل ، وأين السبيل لطلاما كنتي دوماً ملجئي الوحيد ؟ }
_ تشرق شمس أيامي عندما يتقوس ثغرها الصغير بإبتسامة تهز كياني ..
_ سطع قمر لياليَٰ بؤنسها! ..
_ يتعافي المرأ بطرق عدة بينما تعافيت أنا بها ..
_ الجميع يخشي الحب وانا اخشي فراقها ..
_ فغرت فاها بذهول شديد وهي تقرأ ما دونه من أجلها ، تلاحقت ضربات فؤادها المتدفق في الادرينالين المندفع في شرايينها من فرط السعادة التي دقت طبول قلبها ، أعادت قراءة كلماته وهي تتحسسها بيدها بلطف ثم نهضت ووضعت الدفتر مكانه ودلفت الي الخارج مسرعة
_ اقتربت من باب يحيي وقامت بفتحه بتلهف شديد وأردفت بنبرة مليئة بالحيوية عكس نبرتها منذ قليل :-
_ يحيي رجعني المستشفي تاني
_ رمقها يحيي بنظرات متعجبة ، ما سبب ذلك التحول الكبير في أسلوبها ، تنهد مستاءً لأنه لا يفهم شئ مما يحدث وهتف بإقتضاب :-
_ تمام
_ أسرعت نحو الباب الخلفي وجلست تراقب الطريق وهي تعد الثواني التي تمر عليها بفروغ الصبر ..
____________________
_ ولجت اماني إلي المنزل ، أوصدت الباب خلفها ثم ركضت مهرولة الي حيث يجلس والدايها وأردفت بنبرة متلهفة :-
_ إلحق يا بابا عمو ماهر تعب والاسعاف خدته من شوية ..
_ أنتبه منصور الي حديث أبنته وقام بإغلاق صوت التلفاز ثم عدل وضعية جسده لكي يكون مقابلها واردف متسائلاً :-
_ يا ساتر يارب ايه اللي حصل ؟
_ رفعت اماني كتفيها اللي الاعلي مبدية عدم علمها بحقيقة الأمر بينما رمق منصور سعاد وأردف :-
_ واجب نروح نطمن عليه
_ أماءت سعاد رأسها بالايجاب كما وافقته رأيه وهتفت :-
_ ياريت يا منصور حتي تزيح العداوة ياخويا من بينكم وابنك يخرج من حالته دي ..
_ أخرج منصور تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم وهو يطالع غرفة والده الذي لم يري نور الشمس منذ أكثر من شهر ، نهض بتعب وتوجه الي غرفة ياسر ، طرق بابه برفق ثم ولج الي الداخل ،
_ وقف أمامه وأردف بحنق :-
_ انت هتفضل قاعد في البيت كده كتير قوم انزل شوف مصلحتك !
_ رفع ياسر بصره عليه وقد تفاجئ منصور بحالته المذرية التي آلمت قلبه ، شحوب قاسي بادي علي ملامحه ناهيك عن تدهور حالته كما خسر الكثير من الوزن وبات نحيفاً ولا يوجد به اي ملامح لياسر الذي يحفظ ملامحه جيداً ..
_ إلتوي ثغر ياسر بإبتسامة باهتة وأردف بنبرة ثقيلة لعدم قدرته علي النطق :-
_ ااا انزل ؟
_ صعق منصور من عدم قدرته علي التحدث ، فغر فاهه بصدمة جلية وهتف بنبرة موجوعة :-
_ انت بتتكلم كده ليه ؟
_ سحب ياسر نفساً عميق لكي يستطيع مواصلة الحديث مع والده وأردف بحنق :-
_ ياااا رب تـ كون ممـ بسوط !
_ خفق قلب منصور بألم شديد بسبب تدهور حالته الصحية ، ترقرت العبرات في عينيه حزناً علي ما تسبب فيه ، لم يستطيع مواصلة الحديث معه حتماً سينهار باكياً إن تابع حديثه معه علي تلك النبرة الثقيلة ، نهض ودلف الي الخارج وشعور الندم يتغلغل داخله ..
_ لكن ماذا سيفعل ندمه الآن لقد بات كل شئ رماد ، أوصد باب المنزل وحزم أمره علي الذهاب الي إبن عمه ربما يوطد العلاقات مرة أخري ..
____________________
_ ترجلت عنود من السيارة وكادت أن تسير مهرولة داخل المشفي لكن رنين هاتفها الذي صدح اوقفها مكانها ، جذبت هاتفها من حقيبتها وإذا بها هالة صديقتها التي تهاتفها منذ الصباح ولا تجيب عليها لابد أن تجيبها ويكفي وقاحة إلي هذا الحد
_ سحبت نفساً واستدارت بجسدها إلي حيث يقف يحيي ، كان قد أغلق السيارة لتوه ، حمحمت بحرج وأردفت :-
_ أنا هكلم واحدة صحبتي الأول
_ تفهم يحيي ما ترمي إليه وتركها بمفردها علي مضضٍ فهو لا يريد تضيعة اي فرصة في التقرب منها ، حسناً سيقف بعيداً لكنه لن يغادر خشية عليها من متطفلي السبيل ، سار علي بعد منها وجلس علي مقعد إنتظار آخر لا تراه من خلاله لكنه يراها بوضوح ..
_ جلست عنود علي مقعد خشبي وقامت بالاتصال علي صديقتها ، لم تنتظر لثانية بل اجابتها هالة هاتفة بحنق :-
_ مش بتردي عليا ليه يا هانم ؟
_ أزفرت عنود أنفاسها في ضيق وهتفت بنبرة محتقنة :-
_ محتاجلك اوي يا هالة ..
_ هبت هالة واقفة في ذعر لنبرة صوتها الحزينة ناهيك عن جملتها التي آلمت قلبها ، سحبت نفساً وتسائلت بإهتمام :-
_ في إيه يا روحي مالك ؟
_ استكانت عنود في جلستها وجابت حولها بنظرة سريعة لكي تتأكد من عدم وجود أحدهم وبدأت تقص عليها ما حدث منذ بداية عودتهم من الجامعة بصورة غير لائقة إلي المنزل ثم إلي ذلك الحين كما حرصت عنود علي عدم ذكر سبب الجدل الذي خلق بينهم لكي لا تشعرها بالحرج ..
_ طالت المكالمة ما يقرب الاربعون دقيقة تبكي كلتهما معاً متشاركين آلامهم سوياً ، شعرت عنود بظل أحدهم ظهر فجأة أمامها ، رفعت رأسها للاعلي وتفاجئت بها تقف أمامها..
_ هالة!
_ هتفت بها عنود بصياح غير مصدقة أنها تقف أمامها حقاً ، نهضت وألقت بنفسها بين أحضانها واطلقت العنان لدموعها في النزول بمرارة ما تشعر به
_ بعد مدة ليست بقصيرة جلسن الفتيات بجوار بعضهما البعض ، تحتضن هالة يد عنود بين قبضتها وأردفت :-
_ موقفك صعب اوي حماكي حطك في وضع تقيل جدا اشمعنا انتي ؟
_ هزت عنود رأسها بإيماءة خفيفة ، ابتلعت ريقها وهي تنظر في الفراغ أمامها وهتفت بحزن :-
_ I don't know
( لا أعلم )
_ تركت هالة يد عنود واقتربت منها ثم وضعت راس عنود علي كتفها وأردفت :-
_ مش فاهمة ازاي هو عايزك تكوني جنب ابنه وفي نفس الوقت تصلحي علاقته بمراته الأولي!
_ انسدلت بعض القطرات علي مقلتي عنود بقلة حيلة ورددت بمزاج غير سوي :-
_ أنا مش عايزة علاقته تتوتر مع مراته بالعكس أنا ضميري بيأنبني ودايما حاسة بالذنب ، بس مش لدرجة أن أنا اللي أصلح علاقتهم ..
_ اعتدلت عنود في جلستها ورمقت هالة لبرهة وتابعت حديثها مضيفة بنبرة متعلمثة :-
_ تخيلي كده بقول لجوزي سيبني عشان واحدة تانية ، أنا متفهمة أنها مراته وهو من حقها زيي بس ريان اللي يصلح علاقتهم بنفسه مش انا اللي اعمل كده !
_ جهشت باكياً ووضعت يديها أمام وجهها ، تشعر بالضياع لا تدري أهي ستصمد للأخير أم ستنهار قواها قبل أن تبدأ في شئ ، لم يكن في استطاعة هالة سوي احتوائها بين أحضانها وتهدئة روعها بكلماتها الحنونة ..
_ نهض ريان من مقعده ووجه بصره علي الجميع وهتف بنبرة جامدة :-
_ قومي يا حجة فاطمة روحي بيتك شكلك تعبانة
_ أماءت فاطمة والدة دينا بالرفض وأسرعت بالقول :-
_ لا يابني ومين اللي هيقعد بيها ؟
_ أزفر ريان أنفاسه بضجر بائن وأردف مختصراً :-
_ أنا
_ إلتوي ثغرها علي الجانب مُشكلة حركة بشفاها مبدية سخريتها منه وهتفت بحنق :-
_ زي ما وعدتني أنك هتكون جنبها الفترة اللي فاتت دي ومن وقتها وانت معتبتش البيت ولا تعرف عن بنتي حاجة..
_ رمقها ريان بفتور وهتف بإقتضاب وهو يتوجه بخطي مهرولة الي الخارج :-
_ اعملوا اللي انتوا عايزينه
_ أوصد الباب خلفه وجاب المكان بنظرة متفحصة باحثاً عن صغيرته ، لم يراها منذ انشغاله بمرض دينا ، سأل الجميع عنها لكنهم أجمعوا بعدم رؤيتهم لها ، سار متجهاً الي الخارج وقد رأي يحيي جالساً علي أحد المقاعد منهمرا في تفكيره ، اقترب منه علي عجالة من أمره وسأله بقلق :-
_ شوفت عنود ؟
_ أماء يحيي بالايجاب وأشار بيده إلي حيث تجلس ، لم ينتظر ريان لأكثر وسار نحوها ، تعجب من تلك الفتاة التي تحاوطها بذراعيها بحميمية ، أسرع خطاه إليهم ووقف مقابلهم بحنق لذلك الوضع الذي نهاها عنه ..
_ ارتخت ملامحه عندما رأي ملامحها شاحبة ناهيك عن دموعها التي لا تتوقف عن النزول ، خفق قلبه بألم لحالتها التي حتماً هو المتسبب بها ، جلس القرفصاء أمامها وأمسك بيدها وأردف بتوجس :-
_ في ايه مالك ؟
_ لم تبرح عنود مكانها وظلت مستكينة علي كتف هالة ويدها بين قبضتي ريان ، سحبت نفساً وهتفت بصوت متحشرج :-
_ أنا تمام ، اخبار دينا ايه ؟
_ حسناً لقد فهم الأمر الآن ، نهض ثم جلس بجوارها وجذبها برفق الي حضنه ثم طبع قُبلة علي جبينها وأخري داخل كفيها ، تنهد وأردف بنبرة حنونة :-
_ أنا بستقوي بيكي فلما تكوني انتي بالضعف ده انا اعمل ايه ؟
_ صمت كليهما ثم تابع ريان حديثه مضيفاً بنبرة رخيمة :-
_ عارف ان الوضع صعب عليكي بس مش بإيدي دي مرا...
_ اعتدلت عنود في جلستها ورفعت بصرها عليه وقاطعته هاتفة بتفهم :-
_ خليك جنبها!
_ قطب ريان جبينه بغرابة وردد :-
_ انتي اللي بتقولي خليك جنبها!
_ هزت رأسها بإيماءة خفيفة واضافت بنبرة تبدو طبيعية عكس ما تشعر به داخلها :-
_ هي أحق مني بيك في الوقت ده هي محتجاك اكتر مني ومش الوقت ده بس ، واحدة فجاءة لقت جوزها في واحدة مشاركاها فيه وانت طول المدة اللي فاتت كنت معايا في اكتر وقت كانت محتاجة تطمن منك وتتعافي بوجودك جنبها ، ده مش فضل مني علي فكرة ربنا سبحانه وتعالى قال
( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم، ذلك أدنى ألا تعولوا).. يعني واجب عليك تعدل بينا !
_ لن ينكر أن نبرتها التي تحاول جاهدة في إخفاء حزنها آلمته كثيراً ، لكن تفكيرها المتفهم الذي يبدو اكبر من عمرها يعجبه ويروق له ، تحسس وجهها بنعومة وهتف بحب :-
_ بحبك وبحب قلبك وبحب عيونك وبحب شف...
_ صمت ريان من تلقاء نفسه عندما شعر بفداحة ما كاد أن يتفوه به ، بينما حمحت هالة بحرج ثم أولاتهم ظهرها وقد توردت وجنتيها بالحُمرة خجلاً منهم ..
_ اعتدل ريان في جلسته ورمق هالة سريعاً وردد بحرج :-
_ أنا آسف يا آنسة هالة علي آخر موقف بينا بس انا..
_ قاطعته هالة بتفهم وأردفت بحرج :-
_ مفيش حاجة يا باشمهندس عنود فهمتني مشكلة حضرتك في الشغل ..
_ تقوس ثغر ريان بإبتسامة عندما استشف عدم علمها لسبب تذمره حينها ، شعر ببعض الراحة لكون فتاته لم تخبرها حتماً كان سيشعر بالحرج حيالها ، حمحم وهتف بصوته الأجش :-
_ تعالوا ندخل جوة الجو برد هنا
_ أسرعت هالة بالحديث مبدية رفضها لما قاله وأردفت موضحة :-
_ أنا لازم أمشي أنا خرجت من غير ما أعرف والدي ولازم أرجع البيت قبل ما يصحي ويحس اني مش موجودة
_ التفتت إليها عنود مندهشة من تصرفها وهتفت معاتبة إياها :-
_ ليه عملتي كده ؟
_ زمت هالة شفاها بحزن وأردفت موضحة بنبرة حنونة :-
_ مقدرتش أسمعك وانتي بتعيطي ومكنش جنبك!
_ اتسعت مقلتي عنود بذهول وعانقتها بقوة متأثرة من حديثها ، شعر ريان بالغيرة الشديدة نحو هالة لكونها تحظي بحضن فتاته الصغيرة ، لم يستطيع التحمل لأكثر وحمحم مصدراً نبرة تحثها علي الابتعاد عن صديقتها ،
_ استشفت عنود ما يرمي إليه وابتعدت عن هالة لكن بلُطف لكي لا تشعرها بالحرج ، نهض ثلاثتهم وهمت عنود قائلة :-
_ ريان لو سمحت ممكن يحيي يوصل هالة؟
_ أسرعت هالة بالحديث مبدية رفضها التام لفكرة عنود :-
_ لا لا بيتي قريب من هنا و..
_ قاطعتها عنود بنبرة صارمة :-
_ لا مش هسيبك تمشي في وقت متأخر زي ده لوحدك
_ تنهد ريان وأردف موافقا علي حديث عنود :-
_ عنودك معاها حق مينفعش تمشي لوحدك في وقت زي ده!
_ وما أن أنهي جملته حتي سحب هاتفه من جيب بنطاله وقام بالاتصال علي يحيي بينما ظلت هالة تطالع عنود بنظراتها التي تحثها علي التوقف عما ينويان فعله ، وعندما فشلت في إيقافهم وقفت تبحث ببصرها علي ذاك المدعو يحيي ، لا تريد الاختلاط به بعد آخر موقف بينهم ..
_ رأته يقترب منهم بخطي مهرولة فتلاحقت ضربات فؤادها وازدادت نبضات قلبها ، كيف لها أن ترافقه في السيارة ذاتها بمفردهم؟ نفخت بضجر بائن استشفته عنود من نظراتها علي يحيي وهتفت متسائلة بفضول :-
_ مالك مضايقة ليه كده ؟
_ سحبت عنود نفساً عميق وهمست بحنق :-
_ انتي مشوفتيش كان بيتعامل معايا ازاي وانا بسأله عليكي، بني أدم مستفز ..
_ انفجرت عنود ضاحكة كما شاركتها هالة الضحك ، في تلك الأثناء قد أمر ريان يحيي بتوصيل هالة إلي منزلها ، أبدي يحيي موافقته علي مضضٍ فهي لم تروق له تلك الفتاة ولا يريد الاحتكاك بها لكن ما باليد حيلة أنه أمر وواجب التنفيذ ..
_ ولج ريان برفقة عنود التي تشبثت في ذراعه بعدما تحرك يحيي بالسيارة خارج المشفي ، عادوا الي حيث غرف ماهر ودينا ، وقف ريان بمنتصف المرر بشموخ وأردف بنبرة صارمة :-
_ أنا شايف إننا عاملين زحمة في المكان علي الفاضي ، ياريت كله يروح وانا قاعد هنا معاهم ..
_ نهضت هاجر وأبدت رفضها التام وهتفت بحنق :-
_ لا مش هقدر أمشي واسيب بابا في الحالة دي ؟
_ التفت اليها ريان وأردف وهو يحك مؤخرة رأسه :-
_ ابوكي في العناية يا هاجر يعني محدش هيقدر يدخل له غير في أوقات الزيارة روحي شوفي ابنك بدل القاعدة هنا ..
_ لم تقتنع هاجر بحديث ريان وكادت أن تعارضه لكن تدخل علي قائلا :-
_ ريان عنده حق يا هاجر هنروح الوقتي ونيجي بكرة بدري قبل معاد الزيارة ..
_ وافقت هاجر تحت إصرار كبير من ريان وعلي عليها ، بدأ الجميع في الانسحاب واحد تلو الآخر الي أن بات المرر خالياً الا من ريان وعنود ، استدار ريان بجسده ورمق باب غرفة دينا بإقتضاب فهو ليس علي استعداد بمجادلة والدتها الآن ، نفخ بضيق ثم شعر بيدها تربت علي ذراعه وأردفت بنبرة حنونة :-
_ خليك جنبها النهاردة وانا هقعد هنا ..
_ سحب ريان نفساً عميق واجابها مختصراً :-
_ مش عارف ليه رفضتي ترجعي البيت ؟
_ أجابته عنود مختصرة حديثها :-
_ مش عايزة ابعد عنك!
_ تقوس ثغره بإبتسامة عذبة ، جاب المكان ببصره وعندما تأكد من خلوه اقترب منها وطبع قُبلة علي طرف شفاها ، سرت رجفة قوية في أوصالها الساكنة من خلف قبلته التي يتعمد الإطالة بها فقط ليثير الجدل في نبضاتها كما أنها لم تعتاد تصرفاته بعد ..
_ شعرت بالحرارة المنبعثة من وجهها حتماً من فرط خجلها ، تنهد ريان بحرارة وأردف :-
_ هرجع لك تاني
_ أماءت رأسها بخفة ثم أولاها ريان ظهره وكاد أن يولج الي الداخل لكنها لحقت به وأمسكت بيده ، استدار إليها ريان وتفاجئ بها تلقي بنفسها بين أحضانه ، تشبثت بعنقه بقوة فانحني هو بجسده وحاوط خصرها بيده ورفعها عن الأرضية وضمها بكل ما أوتي من قوة
_ وكأن كليهما يستمد القوي من الآخر ، مرت مدة ليست بقصيرة ثم انزلها ريان وأردف :-
_ هتروحي مع يحيي لما يرجع أنا مش هقدر اسيبك قاعدة برا لوحدك!
_ أماءت رأسها بالايجاب علي الرغم من رفضها التام لذهابها لكن لا تريد أن تكون حمل عليه يكفي هذا القدر من الأعباء يتحمله ، ابتسم لها ريان ثم ولج الي الداخل بعد أن طرق الباب ..
_ مرر أنظاره علي من بالغرفة في نظرة سريعة واردف موجهاً حديثه إلي والدة دينا :-
_ مش هسييها لوحدها متقلقيش عليها قومي روحي ..
_ أخرجت فاطمة تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم وهتفت بحنق :-
_ مش عايزة بنتي تتعرض لاذي يابني وانت مش بتعمل حاجة غير انك بتإذيها بتصرفاتك مرة تتجوز ومرة تسيبها وتهملها كأنها مش مراتك وليها حق عليك وفي الآخر اهي نايمة مش عارفين هتقوم كويسة بلي في بطنها ولا لأ وده كله من زعلها منك ، عايزني اسيبها معاك بعد كل ده ؟
_ أخفض ريان بصره بحرج ممزوج بالندم الشديد ، لم يعقب علي حديثها لأن معها كل الحق ، أزفر أنفاسه بضيق قد اعتلاه ثم ردد :-
_ أنا مش هبرر لنفسي حاجة عشان معاكي حق في كل اللي قولتيه بس انا هكون جنبها ومش هسيبها أبدا صدقيني أنا مش هعمل اي حاجة تزعلها ، أنا ريان يا حجة فاطمة انتي لسه هتعرفيني ولا ايه لما بقول كلمة بكون قدها ..
_ نهضت فاطمة من مقعدها ووقفت مقابله وأضافت :-
_ مش هنكر أني بحبك واعتبرتك ابني من اليوم اللي دخلت فيه بيتنا وحبيت فيك شهامتك وجدعنتك بس انت طول عمرك جامد وانا مكنتش شايفة إن ده عيب بالعكس كنت فرحانة أن جوز بنتي راجل حمش والكل بيعمله ألف حساب ، بس انت اتغيرت من بعد جوزاتك ، اتحولت لريان تاني مش قد كلمته وبيهرب علي طول وبقيت بتفكر في نفسك اكتر من اللي حواليك وانا عمري ما هطمن علي بنتي تاني معاك ..
_ تنهدت اسراء مستاءة من حديث والدتها فهي علي علم بتقصير شقيقتها ولابد من التدخل لكي تكف والدتها عن لوم ريان وحده ، فهو ليس العامل الأساسي فيما يحدث ،
_ سحبت نفساً عميق وأسرعت بالحديث قائلة :-
_ ماما لو سمحتي خلينا نمشي دينا أكيد محتاجة اكل وهدوم وريان مش هيعرف يتعامل لوحده وكمان جني اللي احنا سايبنها مع جارتنا لازم نمشي عشانها وبكرة هنيجي بدري ..
_ رمقتها فاطمة مستاءة من تصرفها فهي لا تريد الذهاب وترك ابنتها الكبري مع ذلك الرجل الذي فقدت الثقة به ، لكن ما باليد حيلة حديث اسراء صحيح ولابد من فعله ، مررت بصرها بين دينا النائمة علي الفراش والتعب منهمك منها وبين ريان وأردفت :-
_ بنتي أمانة عندك علي لما أرجع بس وبعد كده هتكون في امانتي أنا ..
_ لم يعقب ريان علي حديثها هو فقط يريد مغادرتها سريعاً ، وجه بصره علي إسراء ورمش بعيناه ممتناً لها كما بادلته هي أيضا إبتسامة لم تتعدي شفاها ثم هما بالمغادرة بعدما أمر ريان يحيي بعودته إليه لكي يرافقهم الي وجهتهم .
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية