رواية سحر سمرة الفصل التاسع والعشرون بقلم أمل نصر
رواية سحر سمرة الفصل التاسع والعشرون
زواج رجل الأعمال الشاب رؤوف الصيرفي على المدعوة سمره ابو العزم " هذا كان أول عنوان قرأه عن زواجهم وبنظرة سريعه قرأه على بضع مواقع اخرى بصيغ مختلفة لم يركز فيها .. فعيناه تسمرت عليها وهى بداخل احضانه بجمالها الخاطف وابتسامتها زادتها روعة وجعلتها قبلة للأعين .. تنهد بثقل مع رؤيتها والم موجع شق قلبه نصفين ..رفع عيناه أخيراً اليهم .. وصوته بالكاد يخرج منه وارتجافه بداخله يحاول السيطرة عليها بصعوبة مع نظرته الحادة اليها كالسهام :
- لكن الصورة دى جديدة وكتب الكتاب كان النهاردة بالظبط .. الأيام اللى فاتت بجى كانت معاك بصفة ايه ؟ دا لو هنمشى على كلامك !
- خرج صوتها بارتعاش للدفاع عن نفسها ولو قليلاً :
- انا جيت هنا أساساً جليسة ل" لبنى " هانم جدة "رؤوف" وهو اتعرف عليا هنا ؟
حسن وهو يميل برقبته امامها بسخرية :
- ياماشاء الله .. دا انتى طلعلك صوت أخيراً اها .. بعد ما كنتى من الصبح سيباه هو يتكلم بالنيابة عنك وبصراحة الباشا جايم بالواجب وزيادة .. اخص عليكى وعلى تربيتك يابت ابو العزم .. ياريتها دفنتك جبل ماتشوف اليوم ده .
صاح " رؤوف " بصوتٍ عالى :
- ما كفاية بقى ياأخينا انت .. انا ساكتلك من الصبح ومصبر نفسى عليك لكن اقسم بالله.......
- هاتعمل ايه ؟........
قالتها " بسيمة " بمقاطعة بعد فترة طويلة من الصمت اجفلت الجميع .. فتحركت بخطواتها امامهم جميعا وامام " سمره " وقفت بتحدى وعيناه تحدق اليها واليه أيضاً فتابعت بصوتٍ منخفض ومريب وهى تخاطب " سمره " :
- طول عمرك شايفانى جاسية عليكى وشديدة .. ومش حنينة زى ابوكى مدرس الرسم خايب الرجا اللى ضيع حجه فى ورث ابوه على كلام فاضى .. كان بيجلع فيكى ليل ونهار وهو مفهمك انك اميرة ومحدش من عيلتك ولا اهلك وناسك كلها يناسب جمالك وحسنك .. سابك ليا وانت عمر ١٣ سنة حاولت اصلح اللى خسروا ابوكى فيكى عشان تتواضعى وتعيشى عيشة اهلك لكن ماعرفتش .. عارفة ليه يابت بطنى ؟ عشان ماعملتش كده ؟
ضربة قوية بكف يدها هوت على بها وجه" سمره " فخرجت صرختها بصوت عالى وجعلتها تترنح لولاً ذراع " رؤوف " التى سندتها ليضمها اليه وهو يصرخ على والدتها بغضبِ جحيمى وقد فقد السيطرة على اعصابه :
- اقسم بالله لولا انك والدتها وواحدة ست لكان ليا تصرف تانى معاكى .
تقدم " سليمان " يجذب شقيقته من ذراعها متمتماً بصوت خفيض :
- تعالى يابت ابوى مالوش لزوم تتعبي نفسك على الفاضى .
- في ايه يا" رؤوف " ؟ ومين دول بالظبط ؟.
قالتها " لبنى " وهو تنزل على الدرج بخطواتٍ بطيئة:
اجابها و" سمره " وجهها مدفون بصدره ودماعتها بللت قميصه مع شهقاتها المكتومة :
- ثوانى ياجدتى وهاقولك .
اللتفت اليهم بحزم وشده يومئ برأسه ناحية جدته :
- دى تبقى " لبنى " هانم جدتى .. اللى كانت " سمره " جليسة ليها .. اظن ان كل وضحت الاَن وانا مش هازود اكتر من كده ..انا النهاردة كتبت كتابى عليها وبعد اسبوعين من دلوقتى هاعمل فرح مصر كلها تشهد عليه .. هاتيجوا الفرح تشرفوا وتأنسوا ..مش هاتيجوا انتوا حرين ونورتونا !
...........................
وبأسفل القصر وداخل حجرة ضيقة كان يصرخ بجنون يطرق بقوة على بابها بكفيه المفتوحتين :
- افتح الباب ياض.. افتح بدل مااندمك انت وسيدك على اليوم اللى شفتونى فيه .افتح ياض بدل ما اكسر الباب .
انفتح الباب فجأة ليطل عليه " صفوت" الحارس و الذى توقف ليدخل سيده مكفهر الوجه عاقداً حاجبيه بشر ..وبمجرد رؤيته صاح عليه " قاسم " بصوتٍ عالى :
- اهلاً بالباشا اللى متحامى فى كلا..... عشان يحرسوه منى ؟
تقدم اليه ليقف امامه بتحدى وثبات :
- ادينى واقف قدامك اهو وانت حر ومش متكتف زى المرة اللى فاتت .. جرب ياللا ورينى شطارتك ولا انت بتشوف نفسك عالحريم وبس .
هدر عليه بصوت جهورى رافعاً قبضته امامه فى الهواء :
- لم نفسك ياجدع انت .. انا مش عايز اتهور عليك دلوك عشان مطلعش روحك فى يدى .
لم يهتز شعرة وهو يأمره بجدية:
- لو راجل انزل بيها وجرب تضربنى .. عشان اعرفك بجد من " رؤوف " الصيرفى .
ضرب بكفه على طاولة خلفه وهو يصرخ بجنون
- انت عايز منى ايه ياجدع انت ؟ وحبستنى ليه دوناً عن كل ناسى اللى جم معايا؟.
اقترب منه برأسه بلهجة محذرة :
- جينا للمفيد .. اسمع بقى ياافندى انت ..عشان مكررش كلامى كتير ..اياك ثم اياك ثم اياك تفكر تانى فى " سمره " ولا تقربلها عشان انا مضمنش نفسى المرة الجاية هاعمل معاك ايه .. سمره خط احمر فاهم ولا احب افهمك .
صك على اسنانه بفحيح :
- ليه بجى خط احمر ؟ افهم ايه السر اللى مخليك بتعمل كده مع واحده شغالة عندك .. وربنا المعبود لو عرفت انها فرطت فى نفسها معاك لاكون ...
لم يكمل جملته فقد باغته " رؤوف " بضربه براسه جعلته يترنح ليمسكه من ذراعه ويثنيه خلف ظهره بقوة لم يستطع " قاسم "االفكاك منه فحاصره فى الحائط
- انا حرجت عليك ان ماتجيبش سيرتها ياحيوا....." "سمره" اتكتبت على اسمى واللى يمسها يمسنى فهمت ولا افهمك .
صاح " قاسم " بصوته الخارج بصعوبة من محاصرة الحائط :
- تتجوز مين يابن ال .. ؟ دى مكتوبة على اسمى .. يعنى ماحدش ليه حق فيها غيرى .
ضغط بكفه المطبقة على ذراع قاسم بشدة جعلته اَلمه يزداد اكثر :
- انا ماسك نفسى عليكى بالعافية عشان ماافضحكش قدام اهلك بناءً على رغبة " سمره " لكن ودينى لو ماكنيت مكانك لاكون مطلع عليك كل اللى عملته مع " سمره " جديد ولا قديم .
قال الاَخيره وهو يدفعه بقوه ليسقطه أرصاً فتلقاه " صفوت " ينهض به عن الارض .
صاح بصوته وهو ينفض عن ثيابه الاتربة:
- انت فتحت على نفسك طاجة جهنم باللى عملته دلوك .. وعد منى مش هاخليك تتهنى بيها ولو على موتى .
تحدث من بين اسنانه يخاطب " صفوت " بأنفاسٍ لاهثة :
- ارميه بره القصر حالاً يا" صفوت " انا عايزه يخرج لاهله سليم قبل ما اتهور واقتله بأيدى .
..............................
وفى الخارج كان الثلاث رجال واقفين بجوار السيارة فى انتظار خروج " قاسم كما وعدهم " رؤوف " و" بسيمة " جالسة بالداخل.
رفعت كان مكتفاً ذراعيه ناظراً امامه بجمود .. اما " حسن " فكان يثرثر بغيظ :
- اه يانارى . من الواض ابن الفرطوس ده اللى لفنا كلنا وطلعنا من بيته يد ورا ويد جدام .. بجى البت تعمل عملتها السودة دى وانا اشوفها جدامى كده وماجدرش اطبق فى رجبتها ولا اكسر عضمها بيدى ..
رد عليه اخيه " سليمان " بحنق :
- واه يا" حسن " يعنى كنا هانعمل ايه بس معاه بعد مابجت مرته ؟ وانت شوفت بنفسك صورها الى ماليه الدنيا .. ودا راجل مش هين عشان ناخد منه مرته كده جدام عينه .
نظر الى اخيه وهو يطبق بكفيه غيظاً:
- يعنى بت ايو العزم عجزتنا وكتفت يدينا ورجلينا كمان .. اه يانارى لو اشوفها جدامى دلوك ؟!
نكزه "سليمان "بخفة وهو يومئ له بطرف عينه ناحية " رفعت " المتجهم كى يفهم ويراعى شعوره .. صمت " حسن " على مضض وادار رأسه ناحية القصر فى انتظار " قاسم " الذى خرج بعد قليل بشراره ونيرانه المستعرة بداخله .. حتى اذا وصل اليهم هتف عليهم :
- واقفين هنا ليه من غير ماتجيبوها معاكم ؟ واقفين وبتكم جاعدة جوا مع راجل غريب ؟
اجفل " حسن " من تهكمه فمسح بكفه على وجهه حتى يستطيع التحكم فى اعصابه..
رد عليه " سليمان " ببعض الهدوء:
- براحة يا" قاسم " وبلاش كلامك الواعر ده .. دى بجت مرته خلاص يعنى مش غريب عليها..
قفز عن الارض يتحدث بجنون :
- انت كمان بتجول مرته .. بدل ما تطلع بندجيتك دلوك وتبندجه ابن ال...... طب عالاقل اسحبها من شعرها وهاتها معاك دى شرفك ولا انت نسيت .
قال الاخيرة بصرخة أثارت حنق الشقيقين وهما يحدقان الى بعضهم غير مصدقين ماوجه اليهم ..
صرخ عليه " رفعت " بغضب :
- واذا كان هما خوالها سكتوا ورضوا باللى حصل ؟ انت بجى متعصب ليه ولا يكونش دمك احمى منيهم؟
استدار الى اخيه ينظر اليه بأعين مطلقة شررا وكأنها حممٍ بركانيه..فبادله " رفعت " النظر مضيقاً عينيه بغموض .
خرج صوت " بسيمة " من السيارة اجفلهم جميعاً وهى تهتف بغضب :
- ما تخلصونا بجى خلونا نمشى من هنا ونحصل بيوتنا .. تاعبين نفسكم عالفاضى .. انا بنتى ماتت وخلاص على كده فوضوها بجى .
تقدم " قاسم "من نافذة السيارة ينظر اليها بتفحص قبل ان يخاطبها قائلاً :
- خالتى " بسيمة " ...ازيك ياغالية دا انا كنت ناسيكى!!
.................................
وفى الداخل
فى البهو الكبير للمنزل كانت " لبنى " جالسة على الأريكة الكبيرة وهى حاضنة " سمره " تهدهدها بحنان .. وهى التى لم تجف دماعتها ولم يصمت شهيقها بعد .. وهى تبكى بمرارة .. دلف اليهم " رؤوف " بعد ان انهى مهمته مع " قاسم " متحدثاً بألم :
- هى لسة مابطلتش عياط ؟
ردت عليه " لبنى "بحزن :
- الله يكون فى عونها يابنى .. دى امها طلعت ست شديدة قوى.
تنهد بقوة وهو يجلس بجوارها فجذبها من ذراعها كى تخرج من أحضان " لبنى " وتلتفت اليه :
- قومى ياحبيبة قلبى قومى .. وبلاش تحرقى قلبى عليكى بالشكل ده .
حدق بعيناه الى وجهها الذى اصبح كتلة حمراء ملتهبة وهى تطبق عيناها عن رؤيته بكسرة موجعة .
اخرج محرمته يكفكف دمعاتها وهو يخاطب جدته :
- خلاص اطلعى ياتيته انتى اؤضتك ..عشان ترتاحي وانا هاعرف ازاى اهديها .
تحاملت المرأه على عكازها كى تنهض عن مقعدها :
- انا فعلاً تعبت اوى النهاردة .. خلى بالك منها يا" رؤوف " .
صعدت " لبنى " الدرج فتناول هو يدها يجذبها كى تنهض معه .
- تعالى معايا قومى .. انا هاعرف ازاى اخليكى تفكى وتخرجى من حزنك .
................................
وفى مكانٍ اخر باحدى الملاهي الليليه .
كانت جالسة تنظر إلى هذه الضوضاء والاجساد العاريه التى تتراقص مع الشباب على اصواتٍ الموسيقى الصاخبة .. تحتسى فى المشروبات المذهبة للعقل بكثرة .. علٌها تنسيها هذا العشق الذى تمكن منها واصبح كالمرض بقلبها وعقلها ..اجفلت على صوت احدى الشباب الذى خاطبها بلباقة وهو يدنو بوجهه منها :
- قاعد لوحدك ليه ياقمر؟ .. ماتيجى ترقصى معايا وتهيصى .
نظرت اليه بازدراء من راسه لأخمص قدميه تنفث دخان سيجارتها بوجهه باستعلاء :
- ماليش مزاج ارقص مع حد مش عاجبني .
اعتدل فى وقفته يرد عليها بحنق :
- براحتك ياختى خليكى قاعدة وانا كمان ماليش مزاج ارقص معاكى ولا ابص فى وشك حتى.
تناولت الكأس من الطاولة تشرب ماتبقى منه وهى ناظره فى اثره دون مبالاه .. فجلس " تيسر " بجوارها ضاحكاً :
- عملت ايه يامصيبة انتى فى الواد ؟ دا ماشى من عندك يبرطم بكلام مش مفهوم وشكله ياعينى دمه محروق .
فغرت فاهها بترنح :
- ما يتحرق فى دمه ولا يغور فى داهية حتى انا مالى ! قال ارقص معاه قال ؟ هو احنا هانعيل كمان ،
تحدث وعيناه على التى تتراقص امامه بميوعة :
- ومالهم بس ياصافى العيال؟ ماتعيشى حياتك معاهم ودورى على غيرهم بعد ما تزهقى واهو التغير حلو برضوا .
تحولت بعيناها لما ينظر اليه فردت بعصبية :
- يعنى انا يبقى من نصيبى العيال والفلاحة الهربانة تتجوز " رؤوف " حلم كل البنات.
تأفف بصوت خفيض:
- وبعدين بقى يا" صافى " انتى مزهقتيش من البكا والعويل فى الموضوع ده ..حتى ان كنت جايبك هنا فى وسط اليغمة دى عشان تفكى برضوا مافيش فايدة .
تنهدت بأسى وعيونٍ شاردة :
- اااه يا" تيسير " انا كل ماافتكر ابقى هاتجنن .. ياترى هو بيعمل ايه معاها دلوقت ؟
ضحك بسخرية من سؤالها قبل ان يتمتم مع نفسه :
- دى بتسأل بيعمل ايه معاها ؟ ودى محتاجة سؤال مع واحدة زى دى عاملة زى الصاروخ ؟.. دا تلاقيه عايش معاها دلوقتى احلى الليالى .
..............................
محاوطاً وجهها بكفيها يلتقط بابهامه كل دمعة متساقطة او على وشك السقوط على وجنتيها التى يلامسها بحنان:
- خلاص بقى ياحبيبتى انسى ومتزعليش .. انا قولتلك انى مش هاخلى حد فيهم يلمسك.. بس والدتك دى بصراحة فاجئتني وانا لولا خايف على زعلك لكنت دفعتها تمن القلم دا كتير قوى .
تكلمت اخيرا مابين دماعتها :
- انا مش واجعنى ضربة القلم على الرغم ان دى اول مرة اتهان فيها واتضرب .. انا اللى واجعنى نظرت الاتهام فى عيونهم وكأنى واحدة خاطية مش بنتهم الى ربوها وياما افتخروا بتربيتها وتعليمها جدام الناس الغريبة .
قبلها على جبهتها متحدثاً بثقة :
- وحياتك عندك لاخليهم يرجعوا ويفتخروا بيكى زى الاول واكتر .. دا هايبقى شغلى الشاغل الايام اللى جاية دى .. انا كان هاين عليا النهاردة اتكلم وافضح الزفت ده اللى اسمه " قاسم " بس عشان خاطرك انتى بس سكت مع ان ده ضد رغبتى .
.رفعت عيناها ترد بحزن يسكن اعماقها
- مكانش ينفع تتكلم النهارده جدام اهلى .. رفعت اول واحد كان هايتجرح فى كرامته لو الموضوع دا اتفتح جدامهم .
اللتوت زاوية فمه بامتعاض:
- رغم انى مش متفق معاكى فى انك تشيلى الحمل دا كله لوحدك .. بس انا برضوا مش هزعلك .
ابتسمت اليه بامتنان :
- على فكره انا متشكره جوى يا" رؤوف " عالى عملتوا معايا .. جميلك ده مش هنساه ابداً لما دافعت عنى جدامهم .
دنا بوجهه يوزع قبلاتٍ رقيقه على وجهها وهو يتحدث بصوت متحشرج:
- متشكره على ايه بس هو انا عملت حاجة ؟ دا انا ادافع عنك قدام الدنيا دى كلها وبرضوا قليل .
ارتبكت من حديثه وقبلاته اخجلتها وهى تحاول إزاحة كفيه فعجزت عن النطق .
افلت هو كفيه عن وجهها فجأه مبتعداً عنها لناحية المكتب وهو يقول:
- شوفتى بقى ... اديكى نستينى المفاجأه اللى عملاهالك..دى هتعجبك قوى.
اجفلت متفائلة بدهشة :
- مفاجأة ايه ؟ انا مش فاهمة .
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية سحر سمرة" اضغط على اسم الرواية