رواية روح بلا مأوى الفصل الثاني بقلم سارة فتحي
رواية روح بلا مأوى الفصل الثاني
الهدوء ليس دائمًا معناه اننى بخير
لكن هناك هدوء نتيجة التخدر من الألم
****
كانت تجلس شاحبة الملامح تجلس فى الفراغ تحت السلم، ارتفع حاجبها بترقب وهو يقف امامها كالطود،
رمقته بنظرة واحدة كدليل على عدم اهمية وجوده
فهى ضائعة بين افتراضيات تعلم انها ستعيشها، اغمضت
عيناها الحارقتين من شدة التفكير، بينما هو رفع حاجبه
مستنكراً رد فعلها فتابع :
- انت مش سمعتينى؟!
وبعدين أيه اللى مقعدك هنا ؟!
نظرت نحو الأرض ثم اجابته بحزن يخيم عليها :
- انا ما اخدتش حاجة من فوق وكل حاجة زى ما هى
دلوقتى عايز أيه ؟!
وتغلغلت الدموع داخل عيناها ولم يكن لديها القدرة الكافية على اجابته ولا على حتى النظر فى وجهه
فهى فى نظره سارقة تمتمات صغيرة خرجت منها
لتنهى النقاش :
- الدنيا ليل خوفت أمشى دلوقتى مستنية الصبح
يطلع وامشى
حاول التحدث معها بلطف :
- طب ممكن نطلع فوق نتكلم ؟!
- لأ طبعا مش هطلع معاك الشقة انت فاكرنى أيه
هزت رأسها ثم اجابته بم يشبه الانفعال
تأفف بضجر قائلًا :
- طب ممكن تقومى نروح مكان عام نتكلم فيه مش
هنتكلم فى بير السلم كدة
انهى كلماته تاركًا اياها لتفكر، ثوانٍ قليلة وهزت رأسها
بالإيجاب كالمغيبة ربما يكون اخر قشة نجاة
****
-أيه رأيك فى العرض اللى عرضته ؟!
تلك الجملة التى نطقها كنان
ارتفع حاجبيها بسخط لكنها هدأت نفسها عن التلفظ بأى
كلمة خاطئة وردت باستنكار :
- حضرتك تعرفنى عشان تطلب تتجوزنى، بلاش
ده المفروض انك جيت ولقتنى واخدة شقتك ولا تكون
فاكرنى واحدة رخصية بقى .. بعدين انت تعرف ايه عنى
تابع محاولًا اقناعها بدون الكشف عن نواياه :
- ولا ده ولا ده الحكاية كلها إنى محتاج الشقة كام
اسبوع وانتى صعبانة عليا هتروحى فين ومينفعش
تقعدى معايا من غير مسمى .. وبعدين مش انتى
قايلة للناس كلها انك مراتى فين المشكلة والأهم
من كل ده انى هكتب الشقة باسمك مع ورقة طلاقك
ولو على اللى معرفوش عنك عرفينى انتى
رمشت عدت مرات وبدأت تهز ساقيها بتوتر قائلة :
- مفيش حاجة عنى ممكن تعرفها اصلًا
بعدين انت مستفاد أيه من ده كله
نظراته كانت تقتحم اسوارها وهو يجيبها بنبرة صوته الخشن :
- ولا حاجة بس فى حاجة اسمها ضمير
هساعدك بس مش اكتر بلاش نظراتك دية لو عايز حاجة
غلط ماكنتش قولت اتجوزك
لو موافقة هنكتب الكتاب بكرة وعند مأذون عشان تبقى
مطمنة
لم يكن طلبه منطقيًا او يدل على شخص سوى
لكنها ليس لديها رفاهية الرفض اين ستذهب
او بالاحرى ستذهب لمن فهى تتعامل طيلة
حياتها كأنها ستلوث من حولها
الخيبة ظهرت بائنة على وجهها كل ما تشعر به
الحيرة والخوف من العواقب لكنها كانت وستظل
اقوى من اى عقبة فى طريقها، ردت بثبات دون ان
يطرف لها رمش :
- انا موافقه بس امضى عقد الشقة مع عقد الجواز
ارجع جسده على المقعد وهو يجيبها باريحية :
- ديل
*****
فى اليوم التالى
كانت تجلس على المقعد وسط مشيخة الأزهر وامامها المنضدة وفى الجهة المقابلة يجلس المأذون يقوم بتدوين
البيانات، أخذت كيان شهيقًا لتمد رئتيها بالاكسجين
اكسجين لا ترغب به ولا بالحياة حياة تمدها بندبة جديدة فى قلبها، رفعت عيناها للجهة الأخرى برهبة وخوف حيث كان يقف هو مع شخص اخر لكن هى ليس
لديها خيار اخر ربما تكون الحياة عقدت معاها هدنة
على الجانب الأخر حدجه ضياء بنظرات ذهول
قائلًا بدهشة :
- انت بتهزر صح طب ما تكتب الشقة ليها من غير
جواز انت تعرفها ؟! طب فين اهلها دية ؟!
التوت شفتيه وتأفف قائلًا :
- مش غريبة إنى اكتب الشقة ليها وامشى ما كدة هى هتعرف ان وراها سبب ولو حاولت تدور كدة ابقى بورط
.بابا اكتر ادعيلى القى المقاول ده، انجز وهات بطاقتك
اطرق ضياء رأسه بخزى :
- معايا الباسبور ينفع اصلك كلمتنى ونزلت بسرعة
جز كنان على اسنانه قائلًا باستهزاء :
- لا الباسبور ده خليه ابقى....
صمت للحظة ثم قال وهو يغمز له :
- اتجوز بيه انت
توجه كنان يجلس على مقعده بكل هدوء بملامح غامضة، بينما هى تحدجه بنظرات ريبة شديدة والإرتباك جلى على ملامحها تحدث كنان بنبرة رجولية:
- كل حاجه تمام يا حضرة الشيخ
هز رأسه بابتسامة هادئة :
- تمام بإذن الله
بعد فترة قصيرة انهى المأذون اجراءات الزواج واصبحوا
زوج وزوجة رسميًا، كان ضياء يراقب الموقف ببلاهة
صديق عمره تزوج فى لمح البصر فتحمحم قائلًا :
- فى مناسبة زى دية انا المفروض احضنك ولا اواسيك
ولا اوبخك
رفع كنان حاجبه الايسر قائلًا بتحذير :
- تسكت خالص فاهم
التو ثغره بسخرية وتوجه نحو كيان ليمد يده بسلام
قائلًا :
- مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا
امتقع وجهها ثم نظرت ليده الممدود ونظرت له قائلة ببرود :
- انا اعرفك ايه عشم ابن خالتى ده .. انا مبسلمش على حد
سريعًا التقط ضياء يد كنان ليبارك له لحفظ ماء الوجه
وهو يهمس بجانب اذنه :
- ماشاء الله مش بس حرامية لا وكمان لسانها طويل
طلقها وانفد بجلدك احسن
*****
ولجوا لداخل الشقة وهى تقبض على حقيبة يديها
بقوة فهى بداخلها نجاتها، عقدين سيحددوا مصير
حياتها عقد قرانها وعقد الشقة امانها وسندها فى
الحياة لكن هل هو حبل نجاة ام دوامة أخرى
طاحنة ستواجهها بمفردها ازدردت ريقها واستدارت له تهتف بنبرة تحمل
التهديد والتحذير كى تخفى خوفها :
- بص بقى اما اقولك الجواز ده تحت ظروف
معينة والشقة بقت باسمى يعنى هتقعد هنا
بشروطى .. واوعى تفكر إنى هخدمك اه
او اصرف عليك كمان اصلا مش مرتحالك
اقترب منها كنان بخطوات بطيئة ثم مال عليها متسائلًا
بخفوت مرعب :
- انتى اتجنتتى انتى بتكلمينى كده ازاى؟!
اوعى نبرة صوتك تعلى تانى مين اللى يرتاح لمين ده انتى هجامة
رجفة بسيطه سرت بداخلها ثم استعادت ثباتها الزائف
وهى تضيق عيناها متسائلة :
- إلا بالحق انت شغال اية ؟!
ضيق كنان ما بين حاجبيه قائلًا باستنكار :
إلا بالحق ؟!! ايه اللغة دية ؟!!
انا دكتور تجميل .. جراحة تجميل
تشدقت كيان بغطرسة قائلة : - دكتور نفخ يعنى ايه التناكة دية
سقطت كلماتها عليه كصاعقة من السماء فوقف كصنم فى مكانه فاغر فمه وعيناه يحاول استيعاب الكلمة :
- عيدى تانى قولتى ايه انا دكتور ايه
اجابته بكل بساطه وهى ترى تحوله :
- دكتور نفخ معروفة
اقترب منها يجذبها من معصمها يهمس من بين اسنانه
بنبرة تحذير وتهديد :
- اسمعى بقى اما اقولك مش معنى انى سكت على السرقة انك تتمادى .. كلها كام يوم هخلص وامشى
بالنسبة لحوار الجواز ده بس عشان يكون فى مسمى
لقعدتنا هنا مع بعض مش عشان لسانك الطويل
فاهمة !! مش عايز دوشة !!
ترك معصمها ثم توجه صوب غرفته واخذ معه حقيبته
واغلق الباب بعنف فى وجهها انتفض جسدها على إثر
الخبطة ثم رفعت وجهها للأعلى تهمس بتضرع :
- يارب انا خايفة ومش عارفة اللى عملتوا صح ولا غلط
بس مش عايزة اترمى فى الشارع يارب ماليش غيرك
ثم استرسلت : ربنا يستر من دكتور النفخ ده
****
على صعيدًا اخر .. سارت تنظر حولها بانبهار منظر
الاشجار والنافورة والمياة وهدوء المكان يبعث فى نفسها
الراحه والطمائنينة ثم استدرات للذى يقف خلفها تهتف
بحماس :
- المكان هنا رووعة اوى يا طاهر تحفففة خالص
هو ده مكان المكتبة خلاص وكمان الإفتتاح هيبقى هنا
انا عايزة شغل دعاية جامد والحفلة كلها مسئوليتك
اجابها بابتسامة واسعة :
- بس كدة اوى اوى بس الست بيلا تؤمر واحنا ننفذ
الحفلة كلها تجهيزات اكل شرب ديزاينر كله عليا
تمتمت تؤكد على كلامه لكن كان هناك اعتراض بسيط :
- ميرسى اوى يا طاهر تعبتك معايا وعارفة ان فى حاجات مش تخصصك وانت عملتها عشانى بس
بلاش الأكل ده انا اعرف بنوتة من فترة وهى شاطرة اوى وهخليها تتولى موضوع الأكل ..
ابتسم لها بحنو ثم قال :
- متأكدة ده انا هتفق مع اكبر شيفات المطاعم حاجة
تليق بيكى
- البنت دية ممتازة مش هتصدق انها مش شيف فى اكبر المطاعم هتدوق وتحكم بنفسك فى الاحتفال
اجابها فى هدوء مشجع :
- رغم إنك عارفة مبحبش حد يتدخل فى شغلى بس
تمام اوى ندوق ونحكم
*****
قضت ليلتها ولم يغمض لها جفن، راقدة على الفراش
منكمشة على نفسها تنظر فى اللاشئ، فهى دائمًا فى
مواجهة صريحة مع الحياة، حتى انها من كثرة الصعاب
افقدتها القدرة على التمسك بغريزة الحياة، ابتلعت
ريقها بصعوبة بالغة فهى تخشى عواقب فعلتها وافقت
على الزواج كطفل صغير يريد العبث بشعلة الشمعة
المضيئة ولكنه لا يعى عواقب فعلته عواقب اللعب
بنار تشعر بالبؤس صبغ حياتها نهضت جالسة على
الفراش وهى تفرك وجهها بيدها عندما تسللت
اشعة الشمس لغرفتها فهى لم تستطيع النوم مع
شخص غريب داخل الشقة
****
فى صباح اليوم التالى وقف هو امام النافذة يتحدث بنبرة
صوت منخفضة اشبه بالهمس قائلًا :
- قولتلك يا ماما انا اللى فى دماغى ده مش جنان
ده واحد ورط اسم ابويا ومش هسكت حتى لو
عرفنا ننوم الموضوع بردوا مش هسكت
ثم تنهد بثقل يهمس : مش لازم تعرفى انا فين
ايوة بخير ارجوكى انا مش عيل صغير سلام
واستدار فخبط بها فتأوهت بخفوت وهى تعض على
شفتيها باستيحاء اقترب منها وهو يلقى نظرة متفحصه
إلى منامتها وحجابها الغير منضبط فهتف بنبرة غليظة
حادة :
- انتى واقفة عندك ليه انتى بتتجسسى عليا
انا مش قولت متقربيش من ناحيتى تانى
هندمت من وضع حجابها سريعًا وهى تحاول أن تظهر بدور الفتاة القوية فهتفت وهي مدعية البراءة :
- انا كنت معدية عادى من هنا وبعدين انت صوتك واطى ليه ها ؟!
جز على شفتيه وهمس من بين شفتيه :
- معدية عادى منين دية اوضتى ازاى تدخلى كده
اجابته مستنكرة :
- اه اوضتك بس فى شقتى انت نسيت
بعدين موطى صوتك كده وكلامك غريب هو انت
عليك تار يا كابتن ؟!
توسعت عيناه بذهول وهو يشير باصبعه لصدره هامسًا بشراسة :
- انا كابتتتن !!!
تمتمت فى برود مستفز قاصدة اثارة حنقه اكثر :
- ده انت كابتن وسيد الكباتن كلهم مالك بس
-اطلعى بره ... بره
قبل ان ينهى جملته دق الجرس فأولته ظهرها بكل غرور
واندفعت صوب الباب وادارت المقبض فطالعت وجه
ضياء وهو يحمل باقة زهور فامتعضت ملامحها وهى تهز رأسها متسائلة عن سبب وجوده ففطن لسؤالها
ومده يده بباقة الزهور :
- مبروك انا جاى ابارك ولا انا جيت فى وقت مش
مناسب هو كنان فين
مدت يديها تأخذ منه الباقة فى استغراب شديد
ووجه متجهم قائلة :
- انت عبيط جاى تبارك على أيه وامشى من هنا
ولو على صاحبك ابقى رنله ينزلك على القهوة
شعرت بخيال من خلفها وسمعته يغمغم بهدوء مخيف :
- امشى ادخلى جوا حالًا
تجاوز ضياء كنان وولج للداخل قائلًا :
- عنوفة اوى المدام
تجهمت ملامح وجهه ثم انقبضت وهى تعكس انقباض
مخيفً ثم تمتم مزمجرًا :
- مدام اية بس ؟!
قهقه بنبرة ماكرة وهو يغمز له بطرف عيناه قائلًا بنبرة
ذات مغزى :
- ايه ده انت بتعانى من مشاكل ولا حاجة ؟!
قول احنا ستر وغطا على بعض
صاح كنان بغضب هادر :
- ضييياء مش فايقلك على الصبح
رفع ضياء يديه عاليًا علامة الاستسلام وهو يكتم ضحكته
****
فى الظهيرة فى مكتب بيلا
تجلس وامامها كيان تسجل كل ملحوظه باهتمام جلى
حتى انتهت ورفعت رأسها إليها بابتسامة واسعة :
- ميرسى اوى لاختيارك ليا وثقتك فيا يا أنسة بيلا
ابتسمت بيلا بهدوء :
- اولا بيلا بس .. ثانيًا وده الأهم انا مش بجاملك فى
الشغل انتى بجد اكلك روعة ومتأكدة إنك هتشرفينى
قدام المدعوين المكتبة دية حلم عمرى يا كيان
المهم الديزاينر بتاع الحفلة جاى عشان تظبطوا مع بعض
نهضت كيان بابتسامة صافية قائلة :
- إن شاء الله اكيد .. بس ممكن الديزاينر اقابله يوم
تانى عندى محاضره وضرورى احضرها
أومأت بيلا براسها بهدوء بينما اندفعت كيان مسرعة
واولتها ظهرها وخرجت من المكتب، سارت فى
الردهة مندفعة حتى اصطدمت بصدر عريض فارتبكت
معتذرة وحاولت ان تتجاوزه فوجدته يعترض طريقها
ويقف امامها وعيناه مثبتة على وجهها قائلًا :
- طاهر حسين وحضرتك
رفعت اصبعها السبابة فى وجهه محذرة :
- امممم.. طريقة جديدة للشقط.. ابعد عن وشى بالطريقة الرخيصة دية
وهمت بالرحيل ثم اعترض طريقها مجددًا :
- مش بعاكس على فكرة انتى متأكده اننا منعرفش بعض قبل كدة
تأففت بضجر وانطلقت فى طريقها بينما هو ظل يحدق
بها وهو يهمس :
- الشبه الجامد ده حقيقى يخلق من الشبه اربعين !!
لكن هناك هدوء نتيجة التخدر من الألم
****
كانت تجلس شاحبة الملامح تجلس فى الفراغ تحت السلم، ارتفع حاجبها بترقب وهو يقف امامها كالطود،
رمقته بنظرة واحدة كدليل على عدم اهمية وجوده
فهى ضائعة بين افتراضيات تعلم انها ستعيشها، اغمضت
عيناها الحارقتين من شدة التفكير، بينما هو رفع حاجبه
مستنكراً رد فعلها فتابع :
- انت مش سمعتينى؟!
وبعدين أيه اللى مقعدك هنا ؟!
نظرت نحو الأرض ثم اجابته بحزن يخيم عليها :
- انا ما اخدتش حاجة من فوق وكل حاجة زى ما هى
دلوقتى عايز أيه ؟!
وتغلغلت الدموع داخل عيناها ولم يكن لديها القدرة الكافية على اجابته ولا على حتى النظر فى وجهه
فهى فى نظره سارقة تمتمات صغيرة خرجت منها
لتنهى النقاش :
- الدنيا ليل خوفت أمشى دلوقتى مستنية الصبح
يطلع وامشى
حاول التحدث معها بلطف :
- طب ممكن نطلع فوق نتكلم ؟!
- لأ طبعا مش هطلع معاك الشقة انت فاكرنى أيه
هزت رأسها ثم اجابته بم يشبه الانفعال
تأفف بضجر قائلًا :
- طب ممكن تقومى نروح مكان عام نتكلم فيه مش
هنتكلم فى بير السلم كدة
انهى كلماته تاركًا اياها لتفكر، ثوانٍ قليلة وهزت رأسها
بالإيجاب كالمغيبة ربما يكون اخر قشة نجاة
****
-أيه رأيك فى العرض اللى عرضته ؟!
تلك الجملة التى نطقها كنان
ارتفع حاجبيها بسخط لكنها هدأت نفسها عن التلفظ بأى
كلمة خاطئة وردت باستنكار :
- حضرتك تعرفنى عشان تطلب تتجوزنى، بلاش
ده المفروض انك جيت ولقتنى واخدة شقتك ولا تكون
فاكرنى واحدة رخصية بقى .. بعدين انت تعرف ايه عنى
تابع محاولًا اقناعها بدون الكشف عن نواياه :
- ولا ده ولا ده الحكاية كلها إنى محتاج الشقة كام
اسبوع وانتى صعبانة عليا هتروحى فين ومينفعش
تقعدى معايا من غير مسمى .. وبعدين مش انتى
قايلة للناس كلها انك مراتى فين المشكلة والأهم
من كل ده انى هكتب الشقة باسمك مع ورقة طلاقك
ولو على اللى معرفوش عنك عرفينى انتى
رمشت عدت مرات وبدأت تهز ساقيها بتوتر قائلة :
- مفيش حاجة عنى ممكن تعرفها اصلًا
بعدين انت مستفاد أيه من ده كله
نظراته كانت تقتحم اسوارها وهو يجيبها بنبرة صوته الخشن :
- ولا حاجة بس فى حاجة اسمها ضمير
هساعدك بس مش اكتر بلاش نظراتك دية لو عايز حاجة
غلط ماكنتش قولت اتجوزك
لو موافقة هنكتب الكتاب بكرة وعند مأذون عشان تبقى
مطمنة
لم يكن طلبه منطقيًا او يدل على شخص سوى
لكنها ليس لديها رفاهية الرفض اين ستذهب
او بالاحرى ستذهب لمن فهى تتعامل طيلة
حياتها كأنها ستلوث من حولها
الخيبة ظهرت بائنة على وجهها كل ما تشعر به
الحيرة والخوف من العواقب لكنها كانت وستظل
اقوى من اى عقبة فى طريقها، ردت بثبات دون ان
يطرف لها رمش :
- انا موافقه بس امضى عقد الشقة مع عقد الجواز
ارجع جسده على المقعد وهو يجيبها باريحية :
- ديل
*****
فى اليوم التالى
كانت تجلس على المقعد وسط مشيخة الأزهر وامامها المنضدة وفى الجهة المقابلة يجلس المأذون يقوم بتدوين
البيانات، أخذت كيان شهيقًا لتمد رئتيها بالاكسجين
اكسجين لا ترغب به ولا بالحياة حياة تمدها بندبة جديدة فى قلبها، رفعت عيناها للجهة الأخرى برهبة وخوف حيث كان يقف هو مع شخص اخر لكن هى ليس
لديها خيار اخر ربما تكون الحياة عقدت معاها هدنة
على الجانب الأخر حدجه ضياء بنظرات ذهول
قائلًا بدهشة :
- انت بتهزر صح طب ما تكتب الشقة ليها من غير
جواز انت تعرفها ؟! طب فين اهلها دية ؟!
التوت شفتيه وتأفف قائلًا :
- مش غريبة إنى اكتب الشقة ليها وامشى ما كدة هى هتعرف ان وراها سبب ولو حاولت تدور كدة ابقى بورط
.بابا اكتر ادعيلى القى المقاول ده، انجز وهات بطاقتك
اطرق ضياء رأسه بخزى :
- معايا الباسبور ينفع اصلك كلمتنى ونزلت بسرعة
جز كنان على اسنانه قائلًا باستهزاء :
- لا الباسبور ده خليه ابقى....
صمت للحظة ثم قال وهو يغمز له :
- اتجوز بيه انت
توجه كنان يجلس على مقعده بكل هدوء بملامح غامضة، بينما هى تحدجه بنظرات ريبة شديدة والإرتباك جلى على ملامحها تحدث كنان بنبرة رجولية:
- كل حاجه تمام يا حضرة الشيخ
هز رأسه بابتسامة هادئة :
- تمام بإذن الله
بعد فترة قصيرة انهى المأذون اجراءات الزواج واصبحوا
زوج وزوجة رسميًا، كان ضياء يراقب الموقف ببلاهة
صديق عمره تزوج فى لمح البصر فتحمحم قائلًا :
- فى مناسبة زى دية انا المفروض احضنك ولا اواسيك
ولا اوبخك
رفع كنان حاجبه الايسر قائلًا بتحذير :
- تسكت خالص فاهم
التو ثغره بسخرية وتوجه نحو كيان ليمد يده بسلام
قائلًا :
- مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا
امتقع وجهها ثم نظرت ليده الممدود ونظرت له قائلة ببرود :
- انا اعرفك ايه عشم ابن خالتى ده .. انا مبسلمش على حد
سريعًا التقط ضياء يد كنان ليبارك له لحفظ ماء الوجه
وهو يهمس بجانب اذنه :
- ماشاء الله مش بس حرامية لا وكمان لسانها طويل
طلقها وانفد بجلدك احسن
*****
ولجوا لداخل الشقة وهى تقبض على حقيبة يديها
بقوة فهى بداخلها نجاتها، عقدين سيحددوا مصير
حياتها عقد قرانها وعقد الشقة امانها وسندها فى
الحياة لكن هل هو حبل نجاة ام دوامة أخرى
طاحنة ستواجهها بمفردها ازدردت ريقها واستدارت له تهتف بنبرة تحمل
التهديد والتحذير كى تخفى خوفها :
- بص بقى اما اقولك الجواز ده تحت ظروف
معينة والشقة بقت باسمى يعنى هتقعد هنا
بشروطى .. واوعى تفكر إنى هخدمك اه
او اصرف عليك كمان اصلا مش مرتحالك
اقترب منها كنان بخطوات بطيئة ثم مال عليها متسائلًا
بخفوت مرعب :
- انتى اتجنتتى انتى بتكلمينى كده ازاى؟!
اوعى نبرة صوتك تعلى تانى مين اللى يرتاح لمين ده انتى هجامة
رجفة بسيطه سرت بداخلها ثم استعادت ثباتها الزائف
وهى تضيق عيناها متسائلة :
- إلا بالحق انت شغال اية ؟!
ضيق كنان ما بين حاجبيه قائلًا باستنكار :
إلا بالحق ؟!! ايه اللغة دية ؟!!
انا دكتور تجميل .. جراحة تجميل
تشدقت كيان بغطرسة قائلة : - دكتور نفخ يعنى ايه التناكة دية
سقطت كلماتها عليه كصاعقة من السماء فوقف كصنم فى مكانه فاغر فمه وعيناه يحاول استيعاب الكلمة :
- عيدى تانى قولتى ايه انا دكتور ايه
اجابته بكل بساطه وهى ترى تحوله :
- دكتور نفخ معروفة
اقترب منها يجذبها من معصمها يهمس من بين اسنانه
بنبرة تحذير وتهديد :
- اسمعى بقى اما اقولك مش معنى انى سكت على السرقة انك تتمادى .. كلها كام يوم هخلص وامشى
بالنسبة لحوار الجواز ده بس عشان يكون فى مسمى
لقعدتنا هنا مع بعض مش عشان لسانك الطويل
فاهمة !! مش عايز دوشة !!
ترك معصمها ثم توجه صوب غرفته واخذ معه حقيبته
واغلق الباب بعنف فى وجهها انتفض جسدها على إثر
الخبطة ثم رفعت وجهها للأعلى تهمس بتضرع :
- يارب انا خايفة ومش عارفة اللى عملتوا صح ولا غلط
بس مش عايزة اترمى فى الشارع يارب ماليش غيرك
ثم استرسلت : ربنا يستر من دكتور النفخ ده
****
على صعيدًا اخر .. سارت تنظر حولها بانبهار منظر
الاشجار والنافورة والمياة وهدوء المكان يبعث فى نفسها
الراحه والطمائنينة ثم استدرات للذى يقف خلفها تهتف
بحماس :
- المكان هنا رووعة اوى يا طاهر تحفففة خالص
هو ده مكان المكتبة خلاص وكمان الإفتتاح هيبقى هنا
انا عايزة شغل دعاية جامد والحفلة كلها مسئوليتك
اجابها بابتسامة واسعة :
- بس كدة اوى اوى بس الست بيلا تؤمر واحنا ننفذ
الحفلة كلها تجهيزات اكل شرب ديزاينر كله عليا
تمتمت تؤكد على كلامه لكن كان هناك اعتراض بسيط :
- ميرسى اوى يا طاهر تعبتك معايا وعارفة ان فى حاجات مش تخصصك وانت عملتها عشانى بس
بلاش الأكل ده انا اعرف بنوتة من فترة وهى شاطرة اوى وهخليها تتولى موضوع الأكل ..
ابتسم لها بحنو ثم قال :
- متأكدة ده انا هتفق مع اكبر شيفات المطاعم حاجة
تليق بيكى
- البنت دية ممتازة مش هتصدق انها مش شيف فى اكبر المطاعم هتدوق وتحكم بنفسك فى الاحتفال
اجابها فى هدوء مشجع :
- رغم إنك عارفة مبحبش حد يتدخل فى شغلى بس
تمام اوى ندوق ونحكم
*****
قضت ليلتها ولم يغمض لها جفن، راقدة على الفراش
منكمشة على نفسها تنظر فى اللاشئ، فهى دائمًا فى
مواجهة صريحة مع الحياة، حتى انها من كثرة الصعاب
افقدتها القدرة على التمسك بغريزة الحياة، ابتلعت
ريقها بصعوبة بالغة فهى تخشى عواقب فعلتها وافقت
على الزواج كطفل صغير يريد العبث بشعلة الشمعة
المضيئة ولكنه لا يعى عواقب فعلته عواقب اللعب
بنار تشعر بالبؤس صبغ حياتها نهضت جالسة على
الفراش وهى تفرك وجهها بيدها عندما تسللت
اشعة الشمس لغرفتها فهى لم تستطيع النوم مع
شخص غريب داخل الشقة
****
فى صباح اليوم التالى وقف هو امام النافذة يتحدث بنبرة
صوت منخفضة اشبه بالهمس قائلًا :
- قولتلك يا ماما انا اللى فى دماغى ده مش جنان
ده واحد ورط اسم ابويا ومش هسكت حتى لو
عرفنا ننوم الموضوع بردوا مش هسكت
ثم تنهد بثقل يهمس : مش لازم تعرفى انا فين
ايوة بخير ارجوكى انا مش عيل صغير سلام
واستدار فخبط بها فتأوهت بخفوت وهى تعض على
شفتيها باستيحاء اقترب منها وهو يلقى نظرة متفحصه
إلى منامتها وحجابها الغير منضبط فهتف بنبرة غليظة
حادة :
- انتى واقفة عندك ليه انتى بتتجسسى عليا
انا مش قولت متقربيش من ناحيتى تانى
هندمت من وضع حجابها سريعًا وهى تحاول أن تظهر بدور الفتاة القوية فهتفت وهي مدعية البراءة :
- انا كنت معدية عادى من هنا وبعدين انت صوتك واطى ليه ها ؟!
جز على شفتيه وهمس من بين شفتيه :
- معدية عادى منين دية اوضتى ازاى تدخلى كده
اجابته مستنكرة :
- اه اوضتك بس فى شقتى انت نسيت
بعدين موطى صوتك كده وكلامك غريب هو انت
عليك تار يا كابتن ؟!
توسعت عيناه بذهول وهو يشير باصبعه لصدره هامسًا بشراسة :
- انا كابتتتن !!!
تمتمت فى برود مستفز قاصدة اثارة حنقه اكثر :
- ده انت كابتن وسيد الكباتن كلهم مالك بس
-اطلعى بره ... بره
قبل ان ينهى جملته دق الجرس فأولته ظهرها بكل غرور
واندفعت صوب الباب وادارت المقبض فطالعت وجه
ضياء وهو يحمل باقة زهور فامتعضت ملامحها وهى تهز رأسها متسائلة عن سبب وجوده ففطن لسؤالها
ومده يده بباقة الزهور :
- مبروك انا جاى ابارك ولا انا جيت فى وقت مش
مناسب هو كنان فين
مدت يديها تأخذ منه الباقة فى استغراب شديد
ووجه متجهم قائلة :
- انت عبيط جاى تبارك على أيه وامشى من هنا
ولو على صاحبك ابقى رنله ينزلك على القهوة
شعرت بخيال من خلفها وسمعته يغمغم بهدوء مخيف :
- امشى ادخلى جوا حالًا
تجاوز ضياء كنان وولج للداخل قائلًا :
- عنوفة اوى المدام
تجهمت ملامح وجهه ثم انقبضت وهى تعكس انقباض
مخيفً ثم تمتم مزمجرًا :
- مدام اية بس ؟!
قهقه بنبرة ماكرة وهو يغمز له بطرف عيناه قائلًا بنبرة
ذات مغزى :
- ايه ده انت بتعانى من مشاكل ولا حاجة ؟!
قول احنا ستر وغطا على بعض
صاح كنان بغضب هادر :
- ضييياء مش فايقلك على الصبح
رفع ضياء يديه عاليًا علامة الاستسلام وهو يكتم ضحكته
****
فى الظهيرة فى مكتب بيلا
تجلس وامامها كيان تسجل كل ملحوظه باهتمام جلى
حتى انتهت ورفعت رأسها إليها بابتسامة واسعة :
- ميرسى اوى لاختيارك ليا وثقتك فيا يا أنسة بيلا
ابتسمت بيلا بهدوء :
- اولا بيلا بس .. ثانيًا وده الأهم انا مش بجاملك فى
الشغل انتى بجد اكلك روعة ومتأكدة إنك هتشرفينى
قدام المدعوين المكتبة دية حلم عمرى يا كيان
المهم الديزاينر بتاع الحفلة جاى عشان تظبطوا مع بعض
نهضت كيان بابتسامة صافية قائلة :
- إن شاء الله اكيد .. بس ممكن الديزاينر اقابله يوم
تانى عندى محاضره وضرورى احضرها
أومأت بيلا براسها بهدوء بينما اندفعت كيان مسرعة
واولتها ظهرها وخرجت من المكتب، سارت فى
الردهة مندفعة حتى اصطدمت بصدر عريض فارتبكت
معتذرة وحاولت ان تتجاوزه فوجدته يعترض طريقها
ويقف امامها وعيناه مثبتة على وجهها قائلًا :
- طاهر حسين وحضرتك
رفعت اصبعها السبابة فى وجهه محذرة :
- امممم.. طريقة جديدة للشقط.. ابعد عن وشى بالطريقة الرخيصة دية
وهمت بالرحيل ثم اعترض طريقها مجددًا :
- مش بعاكس على فكرة انتى متأكده اننا منعرفش بعض قبل كدة
تأففت بضجر وانطلقت فى طريقها بينما هو ظل يحدق
بها وهو يهمس :
- الشبه الجامد ده حقيقى يخلق من الشبه اربعين !!
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية روح بلا مأوى" اضغط على أسم الرواية