رواية سحر سمرة الفصل الثلاثون بقلم أمل نصر
رواية سحر سمرة الفصل الثلاثون
دنا برأسه يبحث فى ادراج مكتبه عن شئٍ ما .. يبدوا إنه كان يعرف وجهته .. فلم يستغرق فى البحث الا دقيقة او اقل ليخرج ممسكاً بكفيه علبة انيقة من القطيفة وهو يتقدم بخطواته اليها .. تبسمت باكتفاء :
- تانى برضوا هدايا .. مش كفاية العقد اللى يجنن ده وانا لابساه !
ابتسامته اتسعت اكثر وهو يفتح العلبة مردفاُ لها :
- ياحبيبتى العقد دا كان هدية عادية .. لكن دى شبكتك ياقلبى.
قال الاَخيرة وهو يتناول كف يدها يضع أسوراة من الالماظ الحر على معصمها وتبعه خاتماً ومحبساً لاصابعها من نفس الطقم .. رفع يدها الى فمه طابعاً عليها قبلة عليها بحنان .
- يارب يكون عجبوكى !
ارتعاشة من الفرح والارتباك انتابتها وهى تردف بخجل :
- انا مش عارفة اجولك ايه ؟ بس انت بتعاملنى كملكة ودا كتير عليا جوى .
جذبها من كفه التى مازلت بيده ليقربها اليه فوضع الثانية على خصرها وعيناه تحاصر خاصتيها بتملك :
- انتى فعلاً ملكة وتستاهلى اكتر من كده بكتير .. وعلى فكرة يا" سمره " انا مفجأتى الحقيقية لسة هاتشوفيها بكره بعينك .
عقدت حاجبيها بتساؤل :
- وليه بكرة مش دلوك يعنى ؟ طب حتى جولى ايه هي وبعدين اشوفها .
هز برأسه بحركة مداعبة :
- متحاوليش معايا عشان مش هاقولك .. اصبرى لبكرة احسن .. ودلوقتى خلينا فى المهم.
- ايه هو المهم ؟
قالتها ببلاهة قبل ان تصمت مرغمة حينما لامست شفتاه شفتيها برقة وقبل ان يتعمق فى قبلته ابتعدت بوجهها بتوتر اجفله .
- مالك يا" سمره" ؟ هو انتى اتضايقتى ؟
اطرقت بوجهه خجلاً قبل تجاوبه :
- ممكن تقبل طلبى وتسمعني الاول .
افلت ذراعيه عنها وهو يجلى حلقة قبل ان يومئ براسه موافقاً :
- اتفضلى اتكلمى براحتك وانا سامعك .
تلاعبت باصابع يدها بحركة مكشوفة لتوترها وعيناها لا تقوى على النظر اليه وقد جلس امامها على حافة المكتب ينصت اليها باهتمام .. فخرج صوتها بصعوبة :
- بصراحة انا طول عمرى بحلم بالفستان الابيض وليلة فرح جميلة زى كل البنات .. ومع عمايل " قاسم " معايا الحلم ده بجى بعيد جوى .. بس انا لما سمعتك من شوية وانت بتجول لاهلى على فرح .. الحلم رجع من تانى يداعبنى من تانى .
اومأ بيده امامها :
- وانا صادق فى كلامى على فكرة .. وهاعملك فعلاً فرح حقيقى تتحاكى عليه مصر كلها .
عضت على شفتها باحراج قبل ما تردف بصوت خافت يكادُ ان يُسمع :
- طيب هو ممكن تبجى فرحتى كاملة ونأجل ...اممم كل حاجة لوقتها الطبيعى بعد الفرح ؟
فعر فاههه بخيبة امل ليردف أخيراً:
- يعنى انتى عايزانى استنى اسبوعين لميعاد الفرح ؟
هزت برأسها تؤكد على كلامها بحرجٍ متزايد ... فصمت هو ناظراً اليها بصدمة وتفكير فترة قاربت الدقائق .. ثم ما لبث ان يرد بيأس :
- للأسف مقدرش اقولك لأ .. حتى دا لو كان ضد رغبتى .. لكن الأهم عندى دلوقتى هى فرحتك .. اللى انتى عايزاها مكتملة زي ما بتقولي .
رفعت قبضتها تدارى هذه الابتسامة المتسعة عن عينيه قائلة بامتنان :
- متشكرة جوى ليك انك فهمت موقفى
اومأ برأسه بابتسامة ساخره:
- خلاص يا" سمره " ماتشكرنيش وروحى دلوقتى نامى .. ينوبك فيا ثواب ياشيخة !
...............................
وفى اليوم التالى
خرجت " نفيسة " من غرفتها فى الصباح الباكر كى تصلى فرضها.. فاتفاجأت بشبح فردٍ جالس على مقعدٍ صغير فى بهو المنزل معطياً لها ظهره بلاحركة كالصنم او قطعة من الاثاث .. اقتربت منه بهدوء لتتبين وجهه .
- بسم الله الرحمن الرحيم .. هو انت يا"رفعت "؟
قالتها بجزع وهى واضعة يدها على قلبها .. رفع انظاره اليها ولم يرد فتابعت هى :
- هو انت رجعت امتى ؟ و جاعد لوحدك كده ليه من غير ولاحركة ولا حس ؟
خرجت الكلمة من فاهه بصعوبة :
- انا راجع يدوبك من شوية .. مطولتش يعنى !
اقتربت منه كى تجلس بجواره وتساله بتوجس :
- مالك ياولدى شكلك مايطمنش خالص .. هو ايه اللى حصل بالظبط ؟ هو انتوا لجيتوها بت " بسيمة " ولايكونش عملتوا فيها حاجة ياولدى؟ اوعى تكون غلطت معاهم واَذيتها.. هما خوالها وحرين فيها لكن احنا ملناش دعوة.....
- ماَذيتهاش ياما ولا سطيتها....
قالها بمقاطعة لوالدته التى اجفلت من حدتها ..فتابع هو :
- المحروسة اتجوزت واحد كبير فى مصر وغنى جوى من اللى بيجوا فى التليفزيون .. وانا وخوالها وامها وقفنا جدامه زي العيال واحنا ماعرفينش نكلمها وهو بيدافع عنيها ويهددنا بعين جويه ..دا احنا دلوك مانقدرش حتى نبصلها فهمتى ياما .
تحدثت المرأه مستنكرة :
- واه يابت " بسيمة ".. ودى عترت عليه فين دى ؟ ولا هربت معاه ولا ايه بالظبط؟
ضرب بكفه على حافة المقعد بقوة قبل ان ينهض عن مقعده بغضب مردفاً لوالدته من بين اسنانه :
- انا رايح على اؤضتى اريح جسمى شوية ومعنديش مرارة للحديث تانى .. ماحدش يدخل عليا يصحيني خالص .
اوقفته " نفسيه " قبل ان يصل لغرفته :
- طب واخوك " قاسم " مجاش معاك ليه ؟
اجاب والدته وهو واضعاً يده على مقبض الغرفة قبل ان يفتحها :
- ولدك بعد ما ركب معانا .. نزل فى نص السكة قبل مانطلع من مصر .. قال عليه دين لواحد صحبه وعايز يرده ؟!
...................................
دخل غرفته بنيرانه المستعرة داخل قلبه وقد انقشع عنه قناع الجمود بعد ان أصبح وحده ولا يراه أحد فتناول صورتها من تحت وسادته .. يحدثها بصوت متألم :
- عملتى فيا كده ليه؟ طعنتينى فى ضهرى بعزم مافيكى بسكينه تالمه ليه ؟ انا كان عيبى ايه ؟ دا انا كنت قايلدلك صوابع العشرة شمع .. كان ايه مبررك عشان تدبحينى ؟ ايه كان مبررك ؟
قالها الاَخيرة بصرخة وهو يلقى بيده كل ماتواجد على مكتبه ليسقط جميعهم على الارض من ملفات واوراق مهمة وحاسب اَلى صغير ( لاب توب ) يخصه .. وبعض الاشياء الأخرى فلمح من بينها هاتفها الذى اعطاه لها سابقاً فى بداية خطبتها كهدية .. ترك الصورة فتناول الهاتف بعنف يتفحصه فوجده لم يتأذى الا ببعض الخدوش البسيطة :
- اما اشوف نمرته عندك ولا انتى تعرفيه من امتى ؟
قالها وهو يتفحص الهاتف وسجله ورسائله!
......................................
خرج من المنزل القديم المتهالك بالحارة الضيقة يجلى حلقه المتحشرج وهو يسعل بقوة كعادته كل صباح .. بفضل المكيفات التى يتعاطاها .. تفاجئ بهذا الواقف امامه على قدم واحدة والآخرة مستند بها على الحائط ..
- اسم النبى حارسك انت جيت ياحيلتها ؟
اعتدل بوقفته وهو يجاوبه بنظره محذرة ؟
- لم نفسك ياممدوح بدل مااعملها معاك .. انت عارفنى مجنون ومابخافش .
بصق على الارض وهو يتقدم بخطواته اليه حتى اصبح امامه تماما فخاطبه قانطاً وهو يمد اليه برأسهِ :
- لهو انت كنت فاكرنى هاقابلك بالاحضان ولا اقولك متشكرين .. بعد ماهربت وكلت حقى .
ابعده قليلاً ليتجنب انفاسه :
- طب بعد شوية كده .. مش متحمل ريحة الهباب اللى طالعة منك .
صاح بصوته عليه :
- ياعم وانا كمان قرفان من وشك .. ادينى حقى ويادار مدخلك شر .. انت تروح لحالك وانا اروح لحالي.
تنهد قاسم قبل ان يخرج من جيب سترته رزمة كبيرة من المال فوضعها بكف ممدوح :
- يرضوك دول ولا عايز اكتر ؟
ازدرد ريقه بأعين منبهرة وهو ينظر إلى المال قبل ان يرفع راسه مُجيباً :
- هو في حد يكره الزيادة ياعم " قاسم " انا معاك ياباشا فى اللى تطلبه ومن ايدك دى لايدك دى .
اومأ براسه مردفاً :
- كويس خالص .. يبجى تسمع اللى هاقولهولك وتنفذه بالحرف .
................................
""أنت فعلا مجنون .. مين جالك انى ملكك ؟! .. مين اداك الحج فيا ؟! .. اخوك ماطلبش الجواز منى غير لما عرف انى لا يمكن هارضى بيك .. اخوك عمل اللى مجدرش حد فى البلد يعملوا .. خوفا منك ومن عمايلك .. بعد ما وجفت حالى بالسنين .. انت ايه يا اخى ؟!.. لا بترحم ولا بتخلى رحمة ربنا تنزل .
- لأ يا " سمره " .. وهاجولهالك تانى .. انتى ملكى وانا هدافع عن ملكى ان شالله حتى بالدم ""
كان هذا اَخر نص التسجيل الذى سمعه " رفعت " بعد ان تفحص الهاتف جيداً بحثاً عن دليل لخيانتها له ولكن تفاجأ بهذه الرسائل المسجلة بصوت اخيه وقبلها استمع لتسجيل اَخر بصوتها هى فى رسالة اخرى .
برقت عيناه تطوف بالغرفة بغير هوادة وهو فاغراً فاهه بصدمة .. شاعراً بثقلٍ يجثم على انفاسه .. يهذى بكلماته وكأنه فقد عقله :
- ياوجعتك المطينة يا" رفعت " .. ياعنى انا كنت حمار وكل دا بيحصل من ورا ضهرى ؟ انا كنت حمار انا كنت حمار .. عندها حج تسيبني وتطفش بعيد .. كان عندها حق تدور على اللى يحميها بدل منى .. ركبتنى العار يا قاسم " ركبتنى العار ياواض ابوى .. مابجاش راجل لو مخدتش حجى منك .مبجاش راجل ولا اتحسب عالرجال لو مدافعتك تمن عملتك دى غالى جوى غالى جوى ياقاسم .
صمت بأنفاسٍ لاهثة من فرط انفعاله يستمع لتسجيلها مره اخرى .
"" السلام عليكم.. يارب تكون وصلت للتسجيل يارفعت عشان تعرف حقيقة اللى حصل معايا وخلانى ابعد واسيب البلد كلها ".
.................................
انت بتقولى ايه؟ بتتكلمى جد ولا بتهزرى ؟
سألتها " سعاد " بزهول بعد ان قصت عليها " سمره " ماحدث
ناولتها فنجان من القهوة اعدته وهى تجلس امامها على طاولة صغيرة فى المطبخ قبل ان تجيبها بابتسامة مشرقة .
- بصراحة عندك حق ما تصدجيش .. اصل اللى حصل كان كتير جوى على استيعابى انا شخصياً .
وبحركة مفاجئة زمت " سعاد " شفتيها وهى تنظر إلى "سمره " صامتة بغموض مما اجفلها فعقدت حاجبيها تسألها بدهشة :
- مالك سكتي ليه ؟ونظرتك بقت غريبة ؟
اجابتها " سعاد " باستحياء :
- اصلك قدمتيلى القهوة اللى عملاها بايدك وانتى ناسية ان دا واجب عليا .. عشان انا اللى شغالة عندك مش العكس.
بابتسامة ودودة ضربتها بخفة على كفها المسنودة على الطاولة:
- ما تجوليش كده عشان مزعلش منك .. واياكى تعملى فرق بينى وبينك فاهمانى كويس ولا اعيد من تانى ..انا " سمره " بتاعة امبارح وعمرى ما هاتتكبر على اصلى ولا عليكى يابنت الأصول .
تبسمت " سعاد " تردف بامتنان :
- انتى طيبة اوى يا" سمره " وعشان كده دايماً ربنا بينجيكى ويحفظك .. شالله دايماً يارب.
هزت برأسها ضاحكة :
- انتى بتجولى فيها.. طب وربنا المعبود انا مكانش يجى فى خيالى ابداً ان اهلى يشوفونى كده جدامهم .. من غير ما يخلصوا عليا ولا يخطفوني ويدبحونى بعديها .. بس بجى " رؤوف " ربنا يحفظه كان واجف جدامهم زى الاسد وهو بيدافع عنى .
سعاد وهى رافعة يدها فى الهواء بسعادة :
- يارب يا" سمره " يابنت" بسيمة " يفضل دايماً كده سندك طول العمر ويجعله ابو عيالك بحق جاه النبى .. الا هو فين صحيح ؟ انا من ساعة ما دخلت ماشوفتوش !
اجابتها بعفوية :
- هو طلع بدرى النهاردة وراح شغله .
ضربت على صدرها شاهقة:
- يالهوى عليا.. وهان عليه يسيبك فى يوم صباحيتك !
بضحكة مكتوفة اهتزت لها اكتافها :
- ماهو مافيش صباحية اساساً .
غرت فاهاها بنظرة مستنكرة وهى تهتف :
- عملتى ايه يا" سمره " خليتى الراجل يطفش ؟
....................................
كان " رؤوف " بغرفة مكتبه فى الشركة منكباً فى مراجعة بعض الاوراق والعقود .. حينما اقتحم عليه " تيسير " هاتفاً :
- اقسم بالله ماصدقت لما قالولى انك موجود فى المكتب
اجفل شاهقاً من حماقة صديقه :
- يخربيتك يااخى خضتنى .. وماصدقتش ليه بقى ان شاء الله ؟
اقترب بخطواته يجلس امامه وبلهجة زات مغزى :
- برضوا دا كلام بقى تيجى الشغل النهاردة وانت دخلتك كانت امبارح يامعلم ؟
تحمحم بتوتر وهو يظبط رباط عنقه :
- لا ماهى مكانتش دخلة .. دا كان كتب وبس والفرح بعد اسبوعين بأذن الله .
بنبرة متشككة :
- يااارجل ....مكانش دا كلامك امبارح وانت واقف مش على بعضك وبتمشينى بقلة زوق من القصر عندك !
زم شفتيه وهو يتلاعب بقلمه يردف بضيق :
- اصلها رغبة العروسة ياسيدى .. عايزة فرح وهيصة الاول .
ابتسامته ازدادت مشاكسة :
- وانت بقى هاتصبر اسبوعين وهى قاعدة قصادك و فى نفس البيت كمان ؟
زفر حانقاً :
- ماخلاص يا" تيسر " ماتعصبنيش يااخى اكتر من كده .. المهم بقى انا عايزك تراعى الشغل عشان خارج بدرى النهاردة وعندى مشوار مهم!
- مشوار ايه ؟
- ملكش فيه .. انت تسمع وبس .
..............................
وفى المساء بداخل القصر .
كانت "سمره " جالسة بغرفتها حينما سمعت صوته منادياً بمرح :
- سمره .. ياسمره .. انتى فين ياقلبى ؟
خرجت من غرفتها مجفلة على صوته لتجده بمدخل القصر واقفاً ينتظرها :
- انا جيت اهو يا" رؤوف " .. حمد الله عالسلامة.
بابتسامة ولا اروع وهو مقيماً لها متأملاً بجمالها بعد ان فردت شعرها الحريري الأسود على ما ترتديه من ملابس متحرره بعض الشئ عن ما سبق .
- مساء الجمال على احلى " سمره " .
تبسمت بخجل وهى مطرقة رأسها:
- مساء الفل ياسيدى .. ايه انت هاتفضل واجف كتير عندك جمب الباب ؟
ازدادت اتساع ابتسامته مردفاً :
- فى الحقيقة انا مستنى المفجأه الى وعدتك بيها هى اللى تدخل .
عقدت حاحبيها كى تسأل ولكنه اجفلها وهو يردف بصوتٍ مسرحى :
- ادخل وبان عليك الأمان .
شهقت وهى فاغره فاهها برهبة حينما رأته يدلف امامها بجسده الهزيل وملامحه الوسيمة رغم هذه التجعيدات الحديثه التى ظهرت على بشرته وشعر رأسه الذى اكتسى بالبياض لم تدرى بنفسها وهى تركض اليه هاتفه بصوتٍ مشتاق
-" ابويا "!
ارتمت باحضانه تشهق من البكاء ودموعها تنزل بغرازة لالم الاشتياق :
- وحشتيني يابوى وحشتنى جوى ..
شدد " ابو العزم " من احتضانها يقبل قمة رأسها :
- وانا اكتر ياعيون ابوكى .. ربنا وحده العالم انى ما بعدنيش عنيكى غير الشديد الجوى.
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية سحر سمرة" اضغط على اسم الرواية