رواية المعلم الفصل الثالث والثلاثون بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل الثالث والثلاثون
استيقظ ريان علي صوتها الأنثوي الرقيق الذي يحثه علي النهوض ، فتح عينيه بكسل ثم ابتسم بتكلف ، عدل من نومته وطالعها بتفحص ، لقد كانت واقفة أمامه بكامل ثيابها الخارجية ، عقد ما بين حاجبيه بغرابة وهز رأسه مشيراً بيده إليها فاستشفت قصده وأسرعت بالحديث موضحة :-
_ هروح الكلية كفاية غياب طول الوقت اللي فات وبعدين حضرتك مش ناوي تيجي معايا ولا ايه ؟
_ هز ريان رأسه برفض كما أشار إليها بأنه قد حول جامعته منزلية لكي لا ينشغل بها في منتصف مشاغله ، تنهد بحرارة وهو يتذكر أنه بات خالياً من المشاغل والمسؤوليات ، أخفض رأسه وأخرج تنهيدة بطيئة مليئة بالحزن الشديد بينما أضافت هي بنبرة عفوية :-
_ عملت لك فطار يجنن يارب يعجبك
_ نهض وسار خلفها وتفاجئ بالطعام المتنوع علي الطاولة ، ابدعت في تحضيره كأنها ترسم لوحة وليس طعام سوف يُأكل ، كانت تتابعه عنود باهتمام لكي تري تعابير وجهه وعندما رأت اندهاشه تشكلت ابتسامة سعيدة علي محياها دون وعي منها ،
_ حمحمت ثم جلست بينما ترأس ريان الطاولة وبدأت هي في بالحديث :-
_ طبعاً كل اللي انت شايفه ده يرجع لهاجر هي اللي قالتلي بيطبخ ازاي !
_ أمسك ريان يديها الموضوعة علي الطاولة ورفعها الي فمه ووضع قبلة رقيقة عليها وطالعها بعشق كما بادلته هي نظرات خجولة ثم شرع كليهما في تناول الفطور ، كانت تقطع عنود ذاك الصمت من حين إلي آخر بإخباره عن حماسها لأول مشاركة لهم في المذاكرة ، كان ينصت لها بحزن وعدم رغبة لكن حماسها المنعكس علي نبرتها يرغمه علي السعادة ومشاركتها الحديث حتي لو بنظرة منه ..
_ انتهت من تناول الفطور ثم وضعت الصحون في المطبخ وقامت بتنظيفهم سريعاً ركضت نحو الباب عندما سمعت رنين الجرس ، أنها هالة كما توقعت تماماً ، تبادلن الفتيات بسمة سعيدة لكونهم سيتشاركن السير والمواصلات وأيضاً العودة معاً ، اقترب ريان من عنود ووضع قُبلة علي وجنتها فاثار خجل الفتاتان ، توردت وجنتي عنود بالحمرة الصريحة لكنها حاولت أن تبدو طبيعية قدر المستطاع ثم ودعته وغادرت ..
_ توقفن حينما صف يحيي سيارته امامهن ، ترجل منها وأخذ نفساً وابتسم حينما رأي إشراقة وجه عنود قد عادت من جديد ، اقترب منهم بخطي متمهلة وأردف بصوته الأجش :-
_ صباح الخير ايه النشاط ده كله ؟
_ كان يتحدث وعيناه تطالع عنود ولا تري سواها بينما كانت هالة تختلس النظر إليه بحياء شديد لا تدري ما الذي أصابها عندما رأت سيارته وشعرت بقربه منها ، ازدردت ريقها بخجل وتعجبت من نظراته علي عنود كأنه لا يري سواها ، تنهدت ثم طردت أفكارها الشيطانية وحمحمت بخفة مصدرة صوت لكي تجذب انتباهه إليها بينما أجابته عنود بإختصار :-
_ صباح النور جاي لريان ؟
_ أجابها يحيي بعفوية :-
_ لأ جايلك احم.. اقصد جاي اطمن علي ريان واخدك في طريقي للكلية
_ تقوس ثغرها بتهكم وأردفت مسرعة :-
_ لا إحنا هنروح مواصلات
_ أسرعت هالة بالحديث قائلة وهي تطالع يحيي بشدة :-
_ وليه نتمرمط في المواصلات لما في مواصلة محترمة قدامنا
_ انتبه يحيي بالاخير لوجود هالة بينهم ورفع بصره عليها وهتف مؤكداً :-
_ ده الكلام!
_ لم تشعر بإلبسمة التي تشكلت علي محياها أثر كلماته كأنه يغازلها ، تعجب يحيي من ابتسامتها البلهاء وأبعد بصره عنها وصاح مهللاً :-
_ يلا عشان منتأخرش
_ ركبت الفتاتان في المقعد الخلفي ، انهمرت عنود في ضبط منبه هاتفها علي مواعيد أودية ريان لكي تذكره بهم ، بينما لم ترفع هالة بصرها عن يحيي الذي يختلس النظر إلي عنود من حين لآخر في المرآة ، لماذا ينظر إليها بذاك الوميض اللامع الذي يشع من عينيه ؛ هل يشفق علي أحوالها مع شقيقه ام أن هناك أمور أخري تجهلها ..
_ أنهيي الجميع يومهم الدراسي سريعاً وحرصت عنود علي إرسال تذكير لريان بمواعيد الدواء كما ترسل ملصقات إلكترونية تعبر عن مدي اشتياقها له ،
_ دلفت كلتهما خارج الجامعة يبحثن علي وسيلة مواصلات قبل أن يقابلن يحيي ويصر عليهن بالركوب معه ، كاد أن يتجاوزن الطريق لكن سيارة أحدهم أجبرتهم علي التنحي جانباً قبل أن تصطدم بهم ،
_ فُتح بابها وترجلت منها رنا بثياب فاخرة ، اقتربت منهم وخلعت نظراتها الشمسية وطالعت عنود بغرور وتعالي ، أطلقت ابتسامة متعجرفة وأردفت بنبرة أكثر هدوءاً وهي تلوح بيدها في الهواء :-
_ هاي!
_ تشنجت تعابير عنود لكنها تحلت بالصمود قدر المستطاع لكي لا تكون فريسة لغريمتها بينما اقتربت رنا من عنود أكثر فأكثر إلي أن التصقت بها وهمست بجانب أذنها :-
_ متفرحيش كتير ريان اتعود علي حياة الرفاهية ومش هيستحمل الفقر معاكي!
_ ابتعدت عنها ورمقتها بتشفي وتابعت حديثها مضيفة :-
_ وانا اللي هكون الحل الوحيد عشان يرجع فلوسه وهيسيبك ويجيلي أنا ، يجي ينام في حضني أنا وانتي هتكوني لوحدك انتي والتخينة التانية اللي محسوبة علي الستات ..
_ أطلقت رنا ضحكات سمجة ثم أولتها ظهرها وعادت الي حيث سيارتها ، في تلك الأثناء رأي يحيي رنا وأسرع نحو عنود التي كانت تقف جامدة لا تبدي أي مشاعر ، تنهد وصاح متسائلاً :-
_ كانت عايزة منك ايه ؟
_ لم تهتز خصلة من عنود ، صمتها يثير قلقهم فأسرعت هالة بالنداء عليها :-
_ ايه يا بنتي قالتلك ايه خلاكي في الحالة دي؟
_ سحبت عنود أكبر قدر من الهواء ثم أسرعت خطاها بعيد عنهم ، تريد الاختفاء من أمامهم بأي وسيلة ، أسرع يحيي خلفها لكنها كانت اختفت بين الطرق الجانبية ، وقف مكانه يتمتم بالسُباب ويلعن تلك الرنا البغضية
_ بتحبها؟
_ هتفت بها هالة متسائلة والغيرة تتملكها ، التفت إليها يحيي وعيناه تشع منهم الشرار وهتف بغضب :-
_ بحب مين ؟
_ سارت هالة بالقرب منه وأردفت بحزن :-
_ عنود!
_ طالعها يحيي لبرهة ولم يستطيع إنكار حديثها ، إلتوت شفاها مُشكلة ابتسامة متهكمة وأخفضت رأسها بحزن جلي سكن فؤادها وأردفت :-
_ دي مرات أخوك بتحبها ازاي ؟
_ هز يحيي رأسه في إنكار شديد لسؤالها الذي ليس في أوانه وفر هارباً من أمامها ، ركب سيارته وغادر سريعاً ، حركت هالة رأسها عفوياً مع حركة سيارته إلي أن اختفت ، أخرجت تنهيدة بطيئة ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها وقامت بالاتصال علي عنود التي لم تجيبها قط ،
_ أزفرت هالة أنفاسها بضجر ثم قررت العودة الي منزلها ، وصلت عنود الي منزلها سيراً علي الأقدام ، طرقت الباب خلفها بعنف وتوجهت إلي المطبخ مباشرةً لكي لا تري ريان وتنفجر به ،
_ نهض من علي الفراش اثر طرقها للباب وتوجه الي خارج الغرفة باحثاً عنها إلي أن وقع بصره عليها وهي تقف في منتصف المبطخ تزفر أنفاسها بصوت عالٍ وقع علي مسامعه ، اقترب منها ووضع يده علي كتفها فنفرت منه وتراجعت الي الخلف خطوة
_ عقد ما بين حاجبيها بغرابة من أمرها وهز رأسه بتعجب لكي تخبره حقيقة تذمرها منه ، تذكرت عنود حديث رنا الذي لم يفارق عقلها فتشنجنت تعابيرها وتحولت إلي الغضب ، اقتربت من الطاولة الرخامية وحطمت جميع ما عليها
_ أسرع ريان نحوها يحاول تهدئتها لكنها أبت وابتعدت عنه وصرخت عالياً :-
_ انت ممكن تسيبني وتروح لرنا؟
_ عقد ريان حاجبيه مستنكراً حديثها وهز رأسه وحاول الاقتراب منها مرة أخري لكنها دلفت إلي الخارج و ولجت داخل الغرفة وأفرغت غضبها في كل ما يظهر أمامها
_ اقترب منها ريان وأحكم قبضتيه علي ذراعيها لكي يجبرها علي التوقف لكنها كانت تلوح بجميع جسدها لكي تتحرر من قبضتيه ، سار بها ريان نحو الفراش واجبرها علي النوم وحاصرها و مازال مقيد حركتها وأردف بنبرة منخفضة :-
_ اهدي
_ لم تبالي له ولا حتي لكونه تحدث ، لازالت تعافر من أجل أن تتخلص منه فغضبها يفوق الوصف كلما تذكرت حديث رنا ،
_ بقولك اهدي ، اهدي بقا!
_ هتف بهم ريان بنبرة غاضبة ، شعر باستكانتها فطال النظر إليها وتفاجئ بدموعها تنسدل بغزارة ، انخفض إلي مستواها وأوصد عينيه يشعر بأنفاسها الحارة من شدة غضبها ، وسمح لنفسه بالخوض مع شفاها وأردف من بين قبلته :-
_ أنا مش هروح غير ليكي انتي وبس!
_ إلتمعت عينيها بشغف وعادت دموية وجهها كما كانت سابقاً وقالت بنبرة متحشرجة :-
_ يعني انت م...
_ قاطعها ريان حينما إلتهم شفاها مرة أخري بين شفتيه ، مرت مدة ليست بقصيرة أبتعد عنها حينما خفق قلبه بشده ولم يعد يستطيع التحمل لأكثر ، ماذا تفعل به تلك الفتاة ؟ لماذا تربكه وتوتره ؟ لماذا كلما تقرب منها تعود له مشاعره الأولي معها من جديد ؟
_ أستلقي بجسده علي الفراش واجبرها أن تنام على صدره هي ، فرد ذراعيه علي الفراش فنظرت هي إليه بحياء وأردفت متسائلة بنبرة خجولة :-
_ ايه ؟
_ ظهرت شبح ابتسامة علي محياه وهتف بثقة :-
_ اعملي اللي يثبتلك اني ملكك انتي!
_ ابتلعت عنود ريقها بصعوبة كما توردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة وسرت رجفة قوية في أوصالها الساكنة ، ازدادت نبضاتها عنفواناً بسبب ما قاله وما يريده ، بالتأكيد ستفشل ولن تفعل اي شئ فهي مازالت تخجل منه ولا تستطيع!
_ أخذ ريان يدها ووضع قبلة في كفها ثم وضعها علي صدره أعلي قلبه وهتف :-
_ ايه مفيش اي حاجة تثبت اني ملكك؟
_ ساعدها هو علي اخفاء خجلها تدريجياً إلي أن باتت هي في عالم آخر يُسمي ريان ..
____________________
_ مساءاً ...
_ خرجت عنود من شرودها حينما عانقها ريان من الخلف ، وضع كوبان من النسكافيه علي سور البناية ودفن رأسه في عنقها فأثار رجفتها ، أمسكت هي بالكوب خاصتها وارتشفت منه القليل ، شعور لا يضاهي بثمن ، مشروب ساخن أسفل النجوم وبين أحضان حبيبها ، كما تتغلغل البرودة ثيابها لا تستطيع وصف ذاك الشعور سوي بأنه السُكنة!
_ استدارت عنود بجسدها ورفعت بصرها عليه مُشكلة إبتسامة عريضة علي ثغرها وأردفت :-
_ في آية جميلة جدا مكنتش فاهمة معناها بس فهمتها حالا!
_ هز ريان رأسه وسألها بفضول :-
_ آية ايه ؟
_ وضعت عنود الكوب علي السور وأردفت :-
_ { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
_ حاوط ريان خِصرها بيده حينما انتهت من تلاوة الآية وهتف متسائلاً :-
_ معناها إيه ؟
_ ابتسمت عنود وأسرعت في شرحها بسلاسة :-
_ نفوسنا تكون مطمنة بالطرف التاني وتسكن ، وانا مطمنة أوي يا ريان انت معني الآية انتي سكني!
_ ضمها ريان بكل ما أوتي من قوة الي صدره وظل يستنشق عبير رائحتها الزكية كما أوصد عينيه مستمتعاً بتلك اللحظة الثمينة ..
_ نفخ بضجر حينما سمع قرع الباب ، أبتعد عنها ودلف الي الخارج ، تبعته هي لكن لم تخرج من الغرفة بل وقفت خلف الباب لكي تعلم هوية الطارق ، فتح ريان الباب وتفاجئ بوقوف دينا أمامه ، هادمة اللذات تلك الدينا ..
_ أجبر شفاه علي الابتسام واردف بحفاوة :-
_ اتفضلي
_ تقوس ثغر دينا بإبتسامة عريضة عندما استمعت إلي نبرته التي افتقدتها كثيرا وهتفت بسعادة :-
_ اتكلمت!
_ هز ريان رأسه مؤكداً حديثها ، تنحي جانباً لكي يترك لها مجال للدخول ، أغلق الباب ونظر إليها كانت قد جلست في إنتظار جلوسه بجوارها ، جلس ريان مقابلها فاثار ضجرها منه ، ألا يفتقدها ؟
_ حمحمت هي وألقت الحديث دفعة واحدة :-
_ ريان انا محتاجاك ، عايزة اكون جنبك ، انت في بيت وانا في بيت وكل واحد عنده حياة مختلفة عن التاني وأحنا المفروض شخص واحد وده مضايقني وخانقني..
_ أخفضت دينا رأسها بعصبية تحاول تهدئة روعها لكي لا تعقد الأمور ، تفاجئ ريان بحديثها وبعد تفكير طال لعدة دقائق أردف :-
_ أنا لو واثق انكم هتتفاهموا مع بعض مش هتردد لحظة وهجيبك هنا ، مستعدة تعيشي معاها في نفس البيت ؟
_ رفعت دينا عينيها عليه بدهشة وأسرعت في الحديث :-
_ أكيد لأ بس ممكن تيجي يوم عندي ويوم هنا!
_ إلتوي ثغر ريان بتهكم وأردف بنبرة حادة :-
_ انتي عايزاني اعيش مع مراتي عند اهلها ؟
_ تنهدت دينا مستاءة لعدم وجود حل وتابعت حديثها مضيفة :-
_ ده ذنبي اني قاعدة عند أهلي يا ريان ؟
_ فرك ريان وجهه بعصبية وحاول التحلي بالهدوء وواصل حديثه :-
_ مش ذنبك بس مش بإيدي حل تاني اقدمه لو عندي حل مش هتردد وهعمله
_ عدلت دينا من جلستها لتكون أقرب له وصاحت به :-
_ يعني واحدة نايمة قايمة جنبك والتانية مش طايلة حتي نظرة منك ده عادي بالنسبة لك يعني مش شايف انك ظالمني ؟
_ سحب ريان نفساً عميق واجابها مختصراً :-
_ البيت اللي احنا قاعدين بنتكلم تحت سقفه ده متأجر بفلوسها وإيجاره هيدفع بفلوسها برده يعني أنا مليش اي تلاتين لازمة لا في حياتك ولا في حياتها يدوب اسم علي الفاضي مش قادر اقدم أي حاجة ويارب تكوني مبسوطة انك خلتيني اقول الكلام ده !
_ لم تستطيع دينا الرد عليه وفضلت الصمت ، بينما داخل الغرفة كانت تقف عنود علي احر من الجمر وهي تري دينا منفرده مع ريان وتطالبه بحقوقها ، نفخت بضجر بائن وتمتمت بغضب :-
_ الصبح رنا وبليل دينا!
_ عدلت من هيئتها ودلفت الي الخارج وأردفت علي مضضٍ :-
_ ريان أنا موافقة أنها تقعد هنا معنديش مانع
_ تفاجئ ريان من حديثها ، أيضاً لم تكن دينا أقل دهشة من ريان لكنها أسرعت بالقول :-
_ ومين قالك اني عايزة أقعد معاكي في نفس البيت أنا عايزة اقعد مع جوزي مش معاكي!
_ تعالت أنفاس عنود باضطراب وكادت أن تجهش باكية فهي بالأساس أدلت بإقتراحها علي مضضٍ ، لم تكن راضية عن ما قالته لكن حبها لريان أجبرها علي الموافقة لكي لا تكون عائق بينه وبين زوجته التي اوصاها العم ماهر بها ..
_ صاح ريان بصوت مرتفع :-
_ دينا ، كفاية لحد كده!.
_ اقتربت منه دينا وتعلقت في ذراعه وازفرت دموعها متحسرة علي حالها وأردفت متوسلة :-
_ ريان طلقها وارجعي لي ، أرجع لمراتك وبنتك ، تعالي نرجع بيتنا ونعيش زي الأول..
_ سحب ريان ذراعيه من بين يديها ورمقها بنظرات متهكمة وصاح بها هدراً :-
_ بيتنا! هو فين بيتنا هو انتي مش حاسة أنا في ايه ؟ مش شايفة أنا مرمي فين ؟ ولا انتي مبقتيش تشوفي غير نفسك وبس ، مش عايزة غير اني ارجع لك وبس مش مهم الظروف اللي اتحطيت فيها اللي لسه متقبلتهاش دي مش مهم اي حاجة المهم الهانم ترجع جوزها وتطلقه من مراته التانية اللي محاولتش مرة تقولي اطلقك زي ما انتي بتستغلي كل الفرص وتقوليلي طلقها ، مش هطلقها يا دينا عارفة ليه لاني مقدرش أستغني عنها يارب تفهمي كده ونخلص من الموال اللي كل مرة تعمليه ده!
_ طالعته دينا بأعين لامعة تترقرق منها الدموع ثم ركضت إلي الخارج وغادرت المنزل ، وضع ريان إحدي يديه في منتصف خصره والاخري خلف رأسه يفركها بشدة ،
_ سارت عنود ببطئ الي أن وصلت إليه وسرقت عناق منفرد لم يشارك هو فيه لكن يكفي انها تصغي الي نبضات قلبه أسفل أذنها كما تشعر بصعود وهبوط صدره كدليل علي غضبه الذي يحاول كبحه
_ عايز أنام ..
_ هتف بهم ريان ثم ابتعد عنها دون أن ينظر إليها وولج داخل غرفته ، بينما طالعته هي الي أن اختفي خلف باب الغرفة ، لم تبرح مكانها بل مكثت مدة طويلة علي وضعها ثم جرت قدميها الي أقرب أريكة وألقت بجسدها عليها بارهاق ..
________________________________________
_ صباحاً ..
_ استيقظت عنود وفركت عينيها بكسل ثم رمقت المكان التي تمكث فيه لقد غفت في الردهة ، إذاً أين ريان ؟
_ نهضت بذعر وولجت داخل الغرفة تبحث عنه لكنها لم تجده ، خفق قلبها متوجسة خيفة من أن يكون قد أصابه مكروه ، جذبت هاتفها وقامت بالاتصال عليه ، صغت إلي رنين هاتفه خلفها ، استدارت بجسدها وأغلقت عينيها بعصبية عندما وجدت هاتفه في المنزل ، رباه أين انت الآن ؟
_ هرولت إلي الخارج مسرعة ما إن وقع رنين الجرس علي مسامعها ، فتحت الباب وإذا به يقف أمامها ، وقفت تستنشق الصعداء ما إن رأته سليم لا يوجد به سوء ،
_ ابتعلت ريقها وسألته بقلق :-
_ كنت فين ؟
_ ولج ريان الي الداخل واجابها مختصراً :-
_ بدور علي شغل!
_ تنهدت عنود مستاءة من ذاك الوضع الذي بات عليه ، اقتربت منه وعانقته من ظهره وأردفت بحنو :-
_ ولقيت ؟
_ هز رأسه بانكار ثم ألقي بجسده علي الأريكة وهتف بتهكم :-
_ مش هتروحي الكلية ؟
_ جلست علي قدميه وقالت بنبرة حنونة :-
_ أكيد هروح ، مش ناوي تيجي معايا ؟
_ إلتوي ثغر ريان مستاءً من إصرارها الدائم عليه ، وهتف بنبرة حادة :-
_ الظاهر اني كنت غلطان لما قدمت فيها كان لازم افهم أن نصيبي اكون معلم طول عمري
_ صمت وابتسم بسخرية وتابع حديثه مضيفاً :-
_ حتي دي كمان راحت وبقيت ريان العاطل اللي عايش عالة (عائل) علي مراته!
_ علي الرغم من حزنها علي حالتها إلا أنها استنكرت حديثه الذي يردده دوماً وأسرعت بالحديث معاتبة إياه :-
_ انت ليه عامل فرق بينا ، ليه علي طول بتتكلم علي اني شخص وانت شخص تاني مش المفروض اننا شخص واحد من يوم ما اسمي اتكتب علي إسمك ؟
_ لم يعرف ريان للحديث سبيل فهي بالاخير لن تفهم ما يقصده ، أنه رجل شرقي لا يعترف بأن تعوله امرأته وهو يجلس في المنزل دون عمل بعد أن كان سبباً في فتح منازل عدة ، اكتفي بإخراج تنهيدة بطيئة مليئة بالهموم والآسي علي حاله ، لم تعلق عنود علي صمته المبهم بالنسبة إليها واقتربت منه ثم وضعت قبلة رقيقة علي وجنته وصاحت بثقة :-
_ Iam sure أن ده تدبير ربنا لحاجة إحنا لسه مش عارفينها..
_ أنهت جملتها وولجت داخل غرفتها لكي ترتدي ثيابها وتهم بالذهاب إلي الجامعة ، لم يهتم ريان كثيرا لكلماتها التي ترددها من حين لآخر فبالاخير هي فقط تواسيه ليس إلا !
_ اصطحبت عنود هالة إلي الجامعة ، تعجبت هالة من عدم ظهور يحيي إلي الآن وعدم نفيه لحديثها ، عقلها كله معه ومع تصرفاته نحو عنود ، هل يحبها فعلاً ؟ أم تلك أفكار من محض خيالها لا اصل لها ؟ كم تتمني أن يظهر وينكر حبه لعنود ، لا تدري لماذا تتمني ذلك لكن حتماً سيُحَطم قلبها إن أكد لها حدسها
_ لوحت عنود بيديها أمام وجه هالة لكي تجذب انتابها ، خرجت هالة من شرودها علي تلويح عنود إليها وتسائلت :-
_ في حاجة ؟
_ ابتسمت عنود بتهكم وأردفت :-
_ اعترفي وقولي بتفكري في مين ؟
_ تفاجئت هالة من سؤال عنود كما أتسعت مقلتيها بخوف لم تدركه هي وتمتمت :-
_ قصدك ايه ؟ مش بفكر في حد!
_ انفجرت عنود ضاحكة علي حالتها المبهمة وهتفت من بين ضحكاتها :-
_ خلاص اهدي هعمل نفسي مصدقاكي بس هزعل لو طلع فيه ومقولتيش!
_ طالعتها هالة لبرهة ثم انتبهت لصوت مُعلم مادتهم ونظرت إليه بإمتنان لكونه أنقذها من هجوم عنود عليها ،
_ أنهت كلتاهما جميع محاضرتهن ووقفن خارج الجامعة قيد انتظار مرور إحدي وسيلة مواصلات ، تفاجئت هالة بوقوف يحيي علي بُعد منهم ، شعرت بأنه بحاجة إليها من نظراته عليها ، سحبت نفساً عميق ونظرت حيث تقف عنود وأردفت :-
_ أنا افتكرت حاجة بابا طلبها مني من السوق هجيبها قبل ما اروح
_ أجابتها عنود بعفوية :-
_ تمام انا معاكي
_ أسرعت هالة بالحديث :-
_ لا لا خليكي انتي عشان متتأخريش علي ريان أنا يمكن أتأخر
_ هزت عنود رأسها متفهمة ثم ودعتها وغادرت في الطريق المعاكس لجهة هالة ، انتظرت هالة حينما تأكدت من مغادرتها في احدي السيارات ثم اقتربت من يحيي علي حياء شديد فقط تريد أن تُطمئِن قلبها ..
_ وقفت أمامه وهي تطالعه بنظراتها المليئة بالأسئلة التي تتمني أن يجيبها عليهم ..
_ أنا بحبها فعلا ..
_ خفق قلبها بشدة من بعد جملته تلك ، كاد قلبها أن يخترق جسدها من هول المفاجأة ، أزدردت ريقها بتوتر ورمقته لبرهة ثم هربت بعينيها بعيداً عنه ، كم شعرت بالإهانة علي الرغم من أنه لم يصرح لها يوماً عن إعجابه بها بل هي من باردت بالاعجاب به الي أن وقعت في حبه ، أياً يكن لا يجدر عليه أن يحب عنود إنها زوجة أخيه فكيف يسمح لنفسه أن يقع في حبها كيف ؟
_ تشنجت تعابير وجهها ولم تشعر بنفسها سوي وهي تندفع به بغضب عارم :-
_ بتحبها ؟ انت عارف انت بتقول ايه ؟ بتحب مرات أخوك ومش مكسوف كمان وبتقولها في وشي! في وشي أنا يا يحيي ملقتش غيري تقوله كده!
_ أخفض يحيي رأسه في حرج كم شعر بالندم لكونه أفصح عن حبه لعنود ، لكن هو يريد المساعدة يريد أن يدله أحدهم علي الصواب هو يقع في حبها أكثر كلما حاول الإبتعاد عنها ولا يعلم ما عليه فعله ؟
_ انتبهت هالة هي الأخري لكلماتها ولعنت غبائها علي ما قالته ، كانت علي وشك الاعتراف بحبها له يا لك من فتاة غبية !
_ قطبت جبينها بعصبية وانتبهت لكلماته عندما قال :-
_ عايزك تساعديني!
_ رفعت بصرها عليه وصاحت به هدراً :-
_ أساعدك! اروح اقولها اطلقي من جوزك واتجوزي أخوه عشان بيحبك ولا ايه مش فاهمة ؟
_ تنهد يحيي مستاءً من أسلوبها الفظ معه واجابها بنبرة حادة :-
_ لا طبعاً أنا محتاج حد يقولي اعمل ايه ومتقوليش أبعد عنها وانساها عشان حاولت وفشلت لدرجة اني نسيت أنها مرات اخويا أنا عايزة حل ومش لاقي حد يساعدني ، لما واجهتيني امبارح حسيت قد ايه انا بني آدم قذر واللي بعمله غلط بس مش عارف ، هتساعديني ؟
_ أبعدت هالة بصرها عنه فهي تريد أن تجهش في البكاء لقد حطم قلبها الي أشلاء تكاد تُري بالعين المجردة لاعترافه بكل وقاحة بحبه لصديقتها المقربة ،
_ شهيق وزفير فعلت هالة ثم هتفت دون أن تنظر إليه :-
_ هساعدك..
_________________________________________________
_ تلقت عنود مكالمة هاتفية من رقم مجهول الهوية أثناء عودتها إلي المنزل فأجابت بهدوء :-
_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
_ أجابها الطرف الآخر متسائلاً :-
_ مدام عنود العراقي ؟
_ هزت عنود رأسها بعفوية وأردفت بتوتر :-
_ أيوة أنا مين حضرتك
_ أجابها بنبرة عملية :-
_ أنا سامح من معمل التحاليل ببلغ حضرتك أن تحاليل حضرتك طلعت ياريت تيجي تستلميها ..
_ لا تدري لما خفق قلبها بتوجس ، شعرت بتلاحق انفاسها التي ازدادت لدرجة أنها وقعت علي مسامعها ، لا تصغي لشئ سوي أنفاسها ،ابتعلت ريقها وأردفت بخوف :-
_ تمام أنا جاية حالا ..
_ طلبت من السائق تغير مساره والذهاب الي المشفي ، ظلت طيلة الطريق تهدئ من روعها فالأمر لا يحتاج كل ذلك الخوف ، ربما ارتفاع في ضغط الدم لا اكثر او ربما إرهاق أو ربما..
_ أمسكت برأسها ربما توقف أفكارها اللعينة التي تزيد من خوفها ، وباتت تردد بعض الآيات لكي يطمئن قلبها ، وصلت إلي المشفي وترجلت من السيارة ببطئ مبالغ ، تقدم قدم وتؤخر الأخري ، وقفت أمام الباب الرئيسي للمشفي وسحبت نفساً عميق ثم سارت الي الداخل بخطي سريعة كما تعمدت إلغاء عقلها في تلك الأثناء لكي لا تفكر في الاسوء ..
_ استلمت التحاليل وقرأت تشخيص حالتها الصحية ، رفعت عينيها عن الأوراق التي بيدها وطالعت المكان بأعين لامعة وعقل يأبي تصديق ما قرأته لتوها ، أعادت ما قرأته مراراً ربما أخطأت لكن لا القراءة صحيحة ، وضعت يدها علي قلبها عندما شعرت بالحرارة المتدفقة في جسدها فسببت خفقان نبضات قلبها بصورة قاسية
_ بعد برهة ، انتبهت لصوت إحدي الممرضات :-
_ انتي كويسة ؟
_ رمقتها عنود ثم أولتها ظهرها وجرت قدميها أمامها بثقل ، وما إن دلفت خارج المشفي حتي جشهت في البكاء ، ازداد نحيبها بمعدل مضاعف ، تجمع جميع من حولها أثر حالتها المذرية ، لم تنصت لأي من أسئلتهم بل ركضت إلي الأمام ولم تتوقف قط إلي أن قادتها قدميها الي منزلها ..
_ وقفت أمام باب المنزل وطرقت عليه بخفة ، فتح لها ريان وفزع من الحالة التي تبدو عليها ، شحوب قاسٍ في وجهها ناهيك عن تورم جفنيها وشفاها حتماً من البكاء ، دني منها وحاوط ذراعيها بكلتي يديه وهتف متسائلاً بتوجس :-
_ في ايه مالك ؟
_ رفعت بندقيتاها عليه وبعد بكاء طال لدقائق سبب في فزع ريان أكثر لكنه تحلي بالهدوء لكي لا يخيفها من عصبيته أن أفرغها عليها لكنه كان يموت في كل ثانية تمر دون أن تُصرح عن سبب بكائها ، جمعت قواها وهتفت بنبرة مهزوزة :-
_ أنا عندي كانسر!
_ كانسر ماذا! لوهلة لم يستوعب عقله ما تفوهت به لتوها ، استوعب عقله جملتها بعد مدة ، سرت رجفة قوية في أوصاله ، بالتأكيد تمزح معه لكي تعلم مدي حبه لها ،
_ إلتوي ثغر ريان بإبتسامة وأردف :-
_ عنود بلاش الحركات دي متقوليش كده علي نفسك
_ توقفت عنود عن البكاء وولجت الي الداخل أسفل أنظاره المُسلطة عليها ، أغلق الباب وتبعها الي الغرفة في صمت عم المكان ، أزاحت عنود حجابها ووقفت أمام المرآة تطالع صورتها المنعسكة ، حررت خصلاتها وتلاعبت بهم بحركات هادئة للغاية ، انسدلت بعض القطرات من عينيها ورددت بعدم استيعاب :-
_ شعري هيقع!
_ خفق قلب ريان عندما أردفت جملتها ، لم يكن لديه القدرة علي التحرك فلقد تصلبت قدميه بالأرض وظل يتابعها في صمت ، ارتفع صوت بكاء عنود عن ذي قبل وهي تطالع صورتها بتحسر وألم شديد ، استدرات بجسدها ونظرت إلي حيث يقف ريان وأردفت :-
_ أنا مش عايزة أموت
_ بربك ما هذا الهراء ؟ لن يأخذك الموت مني انتي ملكي ولن أسمح لأحد غيري أن يمتلكك ، هز ريان رأسه مستنكراً تفكيره واستغفر ربه سريعاً ، ركض نحوها وضمها بكل ما أوتي من قوة الي حضنه وقال :-
_ مفيش موت متقوليش كده تاني
_ ابتعدت عنه عنود وجذبت التحاليل وناولته إياها وأردفت من بين بكائها :-
_ شوف بيقول كانسر من الدرجة الأخيرة يعني مفيش امل حتي اني اتعالج!
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية