رواية المعلم الفصل الثالث بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل الثالث
تعالت ضحكات علي واقترب من ريان هامساً بمزاح :-
_ الله ينور عليك يا ريان أصل بقولها أنها تافهة مش مصدقة
_ اقتربت هاجر من زوجها ولكزته في كتفه بقوة :-
_ بقا كده يا علي ماشي ، لينا بيت يلمنا
_ شعرت دينا بالحرج من أسلوب ريان الفظ معها أمام هاجر وزوجها وبدت منزعجة بعض الشئ لعدم اكتراثه لمظهرها أمام الجميع ،
_ فتحت الباب بغيظ عارم عندما رأت تجمعهم حول ريان ، فهي كانت تريد استقباله بمفردها لكن لم يشئ القدر تلك المرة ، مهلاً عزيزي سنتذوق من العشق نفسه عاجلاً ، شكلت ابتسامة علي ثغرها ومن ثم رحبت بهم بحفاوة :-
_ البيت نور يا هجورة ، أزيك يا علي
_ ابتسمت هاجر وأجابتها بود :-
_ منور بأهله يا رينو
_ بينما أجابها علي بإقتضاب فهي لما تروق له لطلاما حاولت إثارة الجدل نحوها دوماً بتصرفاتها البلهاء :-
_ الحمد لله
_ ولج الجميع الي الداخل وتعمدت رنا التباطئ حتي تسير بجانب ريان ، كاد ريان أن يغلق الباب عند ولوج الجميع الي الداخل ولكنه تفاجئ بتلك اليد الموضوعة عليه لتغلق الباب بدلاً عنه أو معه لا يدري ،
_ سحب يده مسرعاً بعد أن رمقها بنظرات مشتعلة وولج للداخل ، حاولت رنا السيطرة علي نبضات قلبها التي ازدادت عن معدلها الطبيعي بسبب لمسته الخشنة لطلاما تمنت الشعور بمذاقها المختلف منذ زمن ..
_ اجتمع الجميع حول مائدة الطعام بعد أن شرعت كلاً من هاجر ودينا في إعداد الفطور ، ترأس الطاولة ماهر وبجانبه رنا وهاني وعلي ، بينما جلس ريان مقابل والده وبجانبه دينا وهاجر ويحيي بالجهة المقابلة لهم ..
_ تبادلا الجميع أطراف الحديث أثناء تناولهم للطعام وما إن انتهوا حتي نادي ماهر بصوت جهوري علي ريان ،
_ ولج لداخل غرفته حتي يتحدث معه بخصوصية ، جلس ماهر علي الفراش وأشار لريان بالجلوس أمامه ، ثم بدأ في الحديث مباشرة :-
_ ريان يابني عايز اكلمك بخصوص الشقة اخوك محتاجها و...
_ قاطعه ريان بنبرة حادة وانعكست تعابير وجهه الي الغضب وتحدث بنبرة صارمة :-
_ لو سمحت يا حج مش قصدي اقاطع حضرتك ، بس الموضوع مفروغ منه ، الشقة دي أنا وعدت يحيي بيها مينفعش اخلف بوعدي معاه ، عمري ما خلفت وعدي مع حد عشان اخلفه مع أخويا ، وبعدين انا مش مقصر مع هاني شغل ومشغله معايا وبيقبض أضعاف مضاعفة مقارنة بالعمال اللي زيه ويمكن هما بيشتغلوا عنه كمان ، غلطاته كتيرة أوي في الشغل وبيسببلي خسارة كبيرة وبعدين وبينزل ويطلع علي كيفه ومش مهتم أصلا لشغله ولا خايف علي مصلحتي ، وبعدي كل ده وعمري ما ظهرتله اني مضايق أصلا ، رغم أن واحد غيره بيقبض المرتب اللي بياخده ده كان عاش ملك بجزء منه وجزء حوشه لحد ما يجمع تمن شقة تلمه هو ومراته ، بلاش كل ده هاني لو كان حسسني لمرة أنه خايف علي مصلحتي وعايز يجتهد عشان يكبر ومقدرش وجه طلب مساعدتي مكنتش اترددت لحظة إني أشتريله عمارة كاملة مش حتة شقة لا راحت ولا جت بس انا مبشوفش منه غير استغلال وبس أنا آسف في اللي هقوله بس انا بحسه طمعان فيا وعايز ياخد من غير مقابل ، والشقة دي بالذات مينفعش ياخدها أنا وعدت وعمري ما هخلف بوعدي ، ياخد تمنها ويروح يدورله علي شقة برة أو يبني فوق المهم دي بالذات لأ ، أنا لا يمكن ازعل يحيي علي حساب واحد اناني ومش بيفكر غير في نفسه ،
_ ضحك ريان بتهكم وتابع مضيفاً :-
_حتي دي أشك فيها ، هو بيعمل اللي يريح الهانم ..
_ نهض ريان بعصبية وأبي أن يصغي أكثر من ذلك لتلك الهراءات وأنهي الحوار بدلوفه خارج الغرفة ،
_ أنتبه له الجميع وقد لاحظوا تعابير وجهه التي لاتبشر الخير ، نهضت دينا خلفه ونادت عليه لكنه لم يتوقف وطرق الباب خلفه بعنف ، أسرع يحيي خلفه وأشار لدينا بعيناه :-
_ متقلقيش أنا معاه
_ أجبرت دينا شفاها علي الابتسام ممتنة له ، ثم عادت لمكانها مرة أخري ، تفاجئت بعيناي تلك البغيضة تراقبانها وهي تبتسم بتشفي لعدم اكتراث ريان لندائتها ،
_ نهضت رنا وتمايلت بدلال واقتربت من زوجها التي كاد يغادر المنزل ، وضعت يديها علي صدره وأردفت بميوعة :-
_ مع السلامة يا روحي
_ عقد هاني ما بين حاجبيه بغرابة لما تفعله تلك الفتاة به ، لم يعد يستطيع فهمها بشتي الطرق ، منذ قليل كانت تطالبه بتجنبها والآن هي من تأتي وتتدلل عليه والآحر من ذلك ميوعتها في الحديث معه ، وكأن جسده يلبي نداءتها له ، وتمني لو يحملها ويولج بها الي غرفتهم حيث يشبع من بتلك الفتاة التي أذابت قلبه وسلبت منه عقله وبات يهوي فارغاً إلا منها ..
_ ابتعدت سريعاً عنه قبل أن تؤثر عليه أكثر فهي تعلم جيدا ماذا تفعل به كلماتها ولمساتها ، اقترب هاني منها وانحني ليقبلها في وجنتيها بسعادة ، الفتت برأسها لتنظر إلي دينا مُشكلة بسمة خبيثة وكأنها تريها الفارق الكبير بين العلاقتين التي ودت دائماً علي أن تحصل بمثل معاملة ريان الجافة لكن طلاما معه هو وليس مع ذلك الرجل البغيض ..
_ عادت رنا بأدراجها الي حيث مجلسها بعد أن غادر هاني ، ومن ثم يليه علي وهم بالمغادرة بعد أن رفض تقبيل هاجر كما اعتاد حتي لا يسبب لـ دينا الحرج أكثر ..
_ تعمدت رنا الضحك عالياً وأردفت متصنعة الحب :-
_ هاني بيموت فيا ، بجد بخاف اطول معاه في حضن برئ يقلبها جد
_ تعالت ضحكاتها بينما خجلت كلاً من دينا وهاجر من جرأتها أو ربما وقاحتها ، نهضت كلتاهما وولجن داخل المطبخ ، وشرعتَ في إعداد وجبة الغداء عدا رنا التي لم تبرح مكانها ..
_________________________________________________
_ دخل مكتبه وأغلق الباب بعنف ، جاب الغرفة ذهابا وجيئا ، فلقد بلغ ذروة تحمله ، لكنه بالاخير أخيه ماذا سيفعل معه ،
_ أزفر أنفاسه بضجر بائن وجلس علي الأريكة الجلدية ، أستلقي بجسده عليها ومدد قدميه علي الطاولة ، أسند رأسه علي حافة الأريكة في تعب إنهال منه ،
_ اعتدل في جلسته عندما سمع طرقات علي الباب ، سمح للطارق بالدخول ، لم يتفاجئ بوجود يحيي فهو من يأتي خلفه دائماً ويسانده في حالاته العصيبة ، جلس بجانبه وربت علي فخذه وأردف بحنو :-
_ مالك يا كبير شايل طاجن ستك ليه ؟
_ شهيق وزفير فعل ريان بإرهاق و أجابه وهو يحاول كبح غضبه :-
_ يارتني شايل طاجن ستك كان أهون من اللي أنا شايله ده
_ تنهد يحيي في آسي حيال أخيه ثم سأله بإهتمام أخوي :-
_ طيب قولي مالك يمكن يكون عندي حل وأساعدك بيه
_ رمقه ريان بنظرات ثاقبة مطولة وهو يحاول قدر الإمكان أن ينتقي بعناية كلماته حتي لا يسبب عدواة بين أشقائه ،
_ أخذ زفيرا عميقاً ومال بجسده بالقرب من يحيي وقال بنبرة متريثة :-
_ أنا هحكيلك بس مش عشان عايز منك حلول ولا مساعدة لأن الموضوع ده مفروغ منه أصلا ، هحكيلك عشان تكون عارف اللي فيها مش أكتر ..
_ صمت لبرهة ثم نهض وواصل حديثه المسترسل وهو يجوب الغرفة ذهاباً وإياباً :-
_ هاني طلب مني الشقة اللي وعدتك بيها
_ صمت ريان عله يستشف تعابير أخيه لكن لا يوجد اي تعابير تدل علي الضجر او ربما الموافقة فقط يري لامبالاة مُشكلة علي ملامحه ، نهض يحيي هو الآخر ووقف أمام ريان وأردف بنبرة تريد الخلاص :-
_ وانا موافق يا ريان
_ رد عليه مسرعاً وهو يؤمأ برأسه وعلامات الرفض تتجلي علي ملامحه :-
_ قولتلك مش بحكيلك عشان تقولي حلول ولا تديني موافقة أنا رفضت والموضوع اتقفل خلاص انتهي
_ توجه ريان الي مقعد مكتبه وجلس عليه بينما اقترب يحيي منه وأردف بنبرة لحوحة :-
_ انت عارف إني كنت هجيلك من قبل ما أعرف الكلام ده واقولك إدي هاني الشقة !
_ رمقه ريان بنظرات متعجبة وسأله مندهشاً :-
_ ليه ؟
_ جلس يحيي علي المقعد المقابل لريان وحاول جاهدا أن يتريث في كلماته :-
_ ريان أنا مش عارف اوضح لك ازاي ومش عارف اذا كان صح ولا غلط اتكلم عن أخويا ومراته كده بس انا مضطر أعرفك عشان تقتنع بوجهة نظري ، أنا بشوفهم كتير في أوضاع مينفعش حد يشوفها بين راجل ومراته وصراحة بكون مضايق منهم لأنهم المفروض يراعوا الناس اللي عايشين معاهم وبرجع أقول طيب ما دا من حقهم وبضايق لأنهم مش عندهم الخصوصية الكاملة لحياتهم وبحاول علي أد ما أقدر مرجعش البيت غير في وقت متأخر عشان ياخدوا مساحتهم وميكنش في إحراج وحاجات كتير متنفعش تحصل ، تخليني اوافق اديهم الشقة وأنا مغمض ..
_ كان يصغي إليه بإهتمام شديد وكل حواسه تسأل بفضول عما يتحدث عنه الجميع ، ماذا يحدث بين رجل وامرأته يستحق كل هذا التوتر والجدل ،
_ شعر ريان بالحيرة من أمره ، فوضع مقارنة بين علاقته بـ دينا التي لا تتعدي حدود العلاقة الروتينية ، ما هذه الأمور التي لا يعلم عنها شئ ، شعر بالإهانة في حقه كرجل لأنه لا يعلم أقل الأمور حتي ..
_ أزفر أنفاسه بضجر بائن ثم نظر إلي يحيي وقال بنبرة متجهمة :-
_ كله إلا الشقة دي ، هشوف لهم شقة تانية إنما دي لأ
_ كاد يحيي أن يعارضه إلا أنه صمت بإشارة تحذيرية موحية من سودتاه ، تابع ريان مضيفاً بنبرة صارمة :-
_ مش عايز كلام كتير في الموضوع ده ، ده اللي عندي مش عاجبهم يفضلوا مكانهم ..
_ وجه كليهما النظرات نحو الباب مباشرةً عندما سمعَ طرق عليه ، سمح ريان للطارق بالدخول فإذا به هاني يدلف مُشكل ابتسامة زائفة علي شفتيه :-
_ ايه يا ريان خدت في وشك وجريت برة البيت ومردتش علي حد فينا ، حصل ايه لكل ده ؟
_ حاول ريان قدر الإمكان بألا تفلت أعصابه كما يحاول جاهداً علي كبح غضبه الذي ود لو يثور فيه ربما يهدأ قليلاً ، حمحم يحيي ونهض من مكانه ، سار بالقرب من هاني وأمسك بذراعه :-
_ تعالي يا هاني عايزك في موضوع مهم ..
_ حرر هاني ذارعه من بين قبضتي أخيه الصغير واقترب من ريان ورمقه بنظرات تحمل اللوم :-
_ كل ده عشان حتة شقة ؟ دي نقطة في بحر مملكتك يا معلم ريان ، علي العموم الشقة دي حقي أصلا يعني بموافقتك أو غيرها أنا هخدها ، أنا هنا أخوك الكبير يعني كلامي اللي يمشي ، ومش حتة العيل ده اللي ياخد شقة وانا لأ اعدل بين إخواتك يا معلم ريان ..
_ تركه ودلف خارج المكتب بتذمر بينما حلت صدمة جلية علي وجه ريان ويحيى وخصوصا يحيي فهو لم يتوقع تلك الوقاحة من شقيقه الأكبر الذي من المفترض أن يكون قدوة وعوناً لهم وليس العكس ،
_ نظر إلي ريان وكاد أن يتحدث لكنه أجبره علي الصمت بإشارة من يده وأردف بعصبية :-
_ ولا كلمة روح شوف انت رايح فين ..
_ ولج يحيي الي الخارج بعد تردد طال لبرهة كيف سيترك ريان في تلك الحالة المذرية ، استنشق زفيرا عميقاً ثم عاد بأدراجه الي عمله في الفرع الآخر لهذا المعرض ..
_________________________________________________
_ وقفت علي باب الطائرة وهي تستنشق الهواء العليل لتلك البلدة الجديدة ، وكأنه مختلف كلياً عن غيره ،شكلت إبتسامة علي ثغرها وهي ما زالت محتضنة صورتهما ،
_ هبطت الأدراج وسارت بداخل صالة الإنتظار ، ختمت أوراقها ودلفت خارج المطار وهي متحفزة لرؤية عائلتها ، انتبهت لذلك الصوت الذي يناديها بعفوية :-
_ My name is Aziz, I am at the service of tourists, where are you going ? ( اسمي عزيز ، في خدمة السائحين إلي أين انتي ذاهبة ؟ )
_ تقوس ثغرها بإبتسامة لأسلوبه الطريف وأجابته بحماس وهي تريد معرفة ردة فعله عندما تحادثه بلهجتها العربية :-
_ عايزة أروح العنوان اللي في الورقة ده !
_ صدمة جلية حلت علي تعابير وجهه ، سحب من يديها الحقائب وتمتم بـضجر :-
_ مصرية ، come يووه قصدي تعالي
_ لم تستطيع تفسير ملامحه التي انعكست تماماً عن ذِي قبل ، فهي أردات أن تجيبه بلغته لكي لا تصعب عليه وسيلة التفاهم بينهم ، لكن لماذا بدي وكأنه منزعج ؟
_ جلست في المقعد الخلفي و رفعت الصورة الفوتوغرافية تتآملها بإفتقاد ، ترقرت بعض الدموع عليها وانهمرت في بكائها في صمت ..
_________________________________________________
_ دلف ريان إلي الخارج ودفع تكلفة سيارة النقل التي حملت أثاثه من المصنع الخاص به الي المعرض القانط فيه ، رمق الاثاث بنظرة سريعة متفحصة ثم آمر عُماله بصرامة :-
_ يلا يابني انت وهو دخلوا الحاجة دي جوة
_ لمح تلك الهيئة تقترب منه أزفر أنفاسه في ضيق وتمتم بداخله :-
_ هي ناقصاك علي الصبح
_ أجبر شفاه علي الابتسام ورحب به قائلاً :-
_ ياسر اخبارك ايه ؟
_ مد الآخر يداه ليصافحه مُشكلاً إبتسامة عريضة علي ثغره قائلا بحفاوة :-
_ بخير يا معلم ريان
_ قهقه ريان عالياً وأردف :-
_ معلم ، اومال لو مكنش أبوك إبن عم أبويا
_ ضحك ياسر هو الآخر ليجيبه بنبرة فخورة :-
_ ده انت سيد المعلمين يا ريان والله ، كفاية أنك مشغل الحتة كلها ومش سايب حد عاطل ، ربنا يبارك لك
_ إلتوي ثغر ريان بتهكم ثم أولاه ظهره وهو يآمره :-
_ تعالي نقعد جوة في المكتب
_ أجابه ياسر مسرعاً قبل أن يولج ريان لداخل مكتبه :-
_ لا لا أنا مش فاضي في طلبية موبليا بيت كامل ولازم تتسلم قبل آخر الشهر ، أنا كنت جاي أسأل عليك وامشي علي طول ..
_ تنهد ريان وقد شعر ببعض السعادة التي تغلغلت بداخله ، واخيراً أحدهم يحبه دون مقابل ، سار نحوه بخطوات ثابتة وربت علي كتفه بإمتنان :-
_ تسلم يا ياسر ، ثواني هطلب لك عصير
_ أماء ياسر رأسه برفض تام وأردف ممتناً :-
_ لا لا أنا ماشي ، خيرك سابق يا ابن عمي
_ أمسك ريان ذراعه حتي يقيد حركته وتحدث بإصرار :-
_ والله أبدا لازم تشرب حاجة ، عايز تزعلني ولا ايه خمس دقايق مش هيفرقوا معاك وهكلم لك ياعم المعلم بتاعك استأذنه
_ انفجر كليهما ضاحكين فريان المعلم نفسه ، رد عليه ياسر من بين ضحكاته :-
_ ماشي يا معلم سماح خمس دقايق
_ آمر ريان أحد عُماله بأن يحضر مياه غازية مع بعض الحلوي ، اهتز هاتف ياسر معلناً عن اتصال ، جذب هاتفه من جيب بنطاله وضغط علي زر الرد واجاب بشموخ :-
_ السلام عليكم يا امي ، خير في حاجة ؟
_ انتفض ياسر من مكانه بذعر ، نهض ريان هو الآخر وسأله بتوجس :-
_خير يا ياسر في ايه ؟
_ اغلق ياسر الخط واجاب ريان بنبرة متلعثمة :-
_ أبويا ، تعبان أنا لازم أروح له ، بعد أذنك
رد عليه ريان سريعاً قبل أن يختفي ياسر من أمامه :-
_ طيب استني هاجي معاك
_ وما إن أنهي جُملته حتي ولج داخل مكتبه وجذب مفاتيحه وهاتفه ثم دلف الي الخارج مسرعاً ، أشعل محرك سيارته وانطلق بها علي أعلي سرعة لديه الي منزل إبن عم أبيه ..
_ صف سيارته أمام المنزل ، وما إن توقف حتي ترجل ياسر من السيارة بخطي مهرولة وصعد الأدراج في درجة واحدة ،
_ طرق الباب حتي فتحت له والدته وعلامات القلق تعتلي ملامحها :-
_ أبوك تعبان اوي يا ياسر أنا خايفة يجراله حاجة
_ ولج ياسر داخل غرفة والده وذعر من حالته المذرية ، جسده كان يرتجف بشدة ، تبعه ريان هو الآخر واتسعت عيناه بذعر عندما رأه بتلك الحالة ،
_ أسرع نحوه ووضع راحتي يده علي جبينه وشهق بصدمة :-
_ ده سخن مولع لازم دكتور حالاً مش هيقدر ينزل في حالته دي
_ انهمرت ( سعاد ) زوجة ( منصور ) والد ياسر في البكاء ، توجست خيفة خشية أن يحدث لزوجها مكروه فهي لن تتحمل فراقه ، نظرت إلي ريان بتوسل :-
_ متسيبناش يا بني خليك معانا مش هنعرف نعمل حاجة لوحدنا
_ أماء ريان رأسه ودلف للخارج يهاتف طبيب العائلة ، وبعد حوالي أربعون دقيقة ، دلف الطبيب خارج الغرفة ونظر الي ريان :-
_ أنا اديت الحج حقنة نزلت الحرارة لأنها كانت مرتفعة فوق المعدل الطبيعي ، الأدوية دي ياخدها بإنتظام ويقعد في مكان رطب بلاش مكان مقفول ، حمد لله على سلامته
_ تنهد الجميع براحة ، وأجابه ريان ممتناً وأعطاه بضعة ورقات نقدية :-
_ متشكرين يا دكتور ، اتفضل
_ اخذ الطبيب مستحقاته وهم بالمغادرة سريعاً ، نظرت سعاد إلي ريان وعلامات الخجل جلية علي وجهها :-
_ متشكرين يابني ديما تعبينك معانا مش عارفة أردلك جميلك ده ازاي
_ ابتسم ريان بتهكم وأردف :-
_ جِمِيل ايه ياست الكل ده عم منصور في مقام الحج ، المهم بس يقوم لنا بالسلامة
_ شكرته سعاد مراراً ثم ولجت لزوجها تطمئن عليه بينما اقترب ياسر من ريان في حرج بائن :-
_ مش عارف أشكرك ازاي يا معلم ، بس انا اول ما اقبض هردلك فلوسك علي طول
_ عقد ريان ما بين حاجبيه بتعجب :-
_ بعيداً عن الكلام العبيط ده هو انت إزاي ماشي من غير فلوس ده إحنا لسه في نص الشهر ؟
_ نظر ياسر في الفراغ أمامه هارباً من تلك العينين المثبتة عليه ، تنهد وأجابه بحرج :-
_ انت عارف إن أبويا يوم شغال ويوم لأ فأنا اللي بصرف علي البيت وعلي نفسي وعلي تعليم اختي
_ دني ريان منه في عدم استيعاب :-
_ أبوك بيشتغل يوم اه ويوم لأ ازاي وأحنا يوميا بيخرج من عندنا بالـ ١٠٠ اوضة ؟
_ حمحم ياسر وهو يحاول أن ينتقي كلماته بعناية حتي لا يتسبب في أذي شخص ما :-
_ مهو الأوسطا رِفعت بيبعت لابويا اوضة من ضمن الـ ١٠٠ دول ،
( منصور والد ياسر يعمل في تجهيز وتهيئة الأثاث إستعداداً للرش ( استروجي )
_ تشنجت ملامح ريان وبرزت عروق عنقه بغضب عارم ، كاد أن يغادر لكن لحق به ياسر وأمسك ذراعه مجبراً إياه علي الوقوف وأردف بتوسل :-
_ ريان أنا مش عايز أكون سبب في قطع رزق حد وخصوصاً لو الحد ده رب عملي بعد منك طبعاً
_ سحب ريان ذراعه ونظر إليه لبرهة كيف له أن يكون لين القلب هكذا ؟ كيف يخاف أن يكون سبباً في قطع رزق الشخص ذاته الذي يقطع رزق والده ؟
_ شهيق وزفير فعل ريان بعدما فشل في استيعاب تلك الشخصية الواقفة أمامه ، لم يدري من أين يأتي بتلك الطيبة التي لم يعد لها أثر في هذا الزمن ، رد عليه محاولا استيعاب قصده :-
_ انت عايزني اعمل معاه ايه أتغاضي عن اللي عمله ؟
_ اؤما ياسر رأسه في رفض وأجابه بنبرة متريثة :-
_ لأ عاتبه ، حذره اقرص ودنه علي الهادي بس بلاش تقطع رزقه وياريت متعرفوش انك عرفت مني لانك كده هتربي عدواة بينا وانا مش عايز كده
_ كاد أن يجيبه لكن قرع الباب أجبر ريان علي الصمت ، بينما توجه ياسر لفتح الباب ، تفاجئ بفتاة غريبة يجهل هويتها تقف أمامه ..
_ انتي مين ؟
" سألها بإستفسار بعد أن رمقها بنظرات متفحصة عله يعرفها لكن لا لم يري هذا الوجه الملائكي من قبل والا كان عرفها من الوهلة الأولي ..
_ استنشقت نفساً عميق ثم تحدثت بنبرة رقيقة :-
_ ده بيت منصور العراقي ؟
_ أماء راسه مؤكداً سؤالها لتتابع هي مضيفة :-
_ أنا عنود سيف الدين العراقي واونكل منصور يبقي عمي ممكن أقابله ؟!
_ اتسعت حدقتي ياسر بدهشة انتهت بإبتسامة علي ثغره لم تستطيع عنود تفسيرها ، تنحي ياسر جانبا ليسمح لها بالدخول مرحباً بحفاوة :-
_ اتفضلي، أنا إبنه ياسر أهلا بيكي
_ مد ياسر يده ليصافحها لكنها أبت وابتعدت عنه بتوجس :-
_ معلش أنا مبسلمش
_ انتبه ريان لذاك الحديث الجانبي التي لفت انتباهه عدم مصافحة الفتاة التي لا يعلم هويتها وتمتم بداخله متعجباً :-
_ هو في حد لسه كده ؟
_ هز رأسه طارداً أفكاره التي ليست في آوانها ، واقترب من ياسر :-
_ بعد اذنك يا ياسر أنا مضطر أمشي لو احتجت لحاجة كلمني متترددش
_ إلتوي ثغر ياسر بإبتسامة عريضة وأردف بإمتنان :-
_ خيرك سابق يا معلم ريان متشكرين علي وقفتك معانا
_ غادر ريان المنزل سريعاً ، بينما عاد ياسر يقف أمام تلك الفتاة التي خطفت قلبه ، أو ربما عينه ، ملابسها الفضفاضة التي لا تظهر اي انش من جسدها قد راق إليه كثيراً ،
_ شعر بإنجذاب قوي لتلك البندقتين التي تنظر بهم بـ براءة ، لا يدري ماذا فعلت به تحديداً لكنه متأكد من شئ واحد وهو أنه يشعر بالسعادة التي دقت طبول قلبه
_ أخذ زفيراً عميقاً وهو ينظر إليها بحماس لم يذق طعمه من قبل ثم ولج لغرفة والده وابتسم له عندما رآه بحالة افضل وتحدث بنبرة متلهفة :-
_ في واحدة برة بتقول أنها بنت عمي سيف الدين ..!
_________________________________________________
_ عاد ريان الي منزل والده عنوة ، لا يود رؤية شقيقه إلا أنه عاد فقط من أجل شقيقته وزوجها ، فهو من أصر علي حضورهم ولابد من وجوده بينهم ،
_ وقفتا كلاً من هاجر ودينا يحضرا الطعام ، ولجت رنا إليهم وأخذت الصحون الخاصة بريان ما إن رأته يجلس علي الطاولة بمفرده ، فهي أقسمت الا تدع الامر يطول أكثر من ذلك ،
_ رمقتها دينا بغرابة شديدة عندما رأتها تأخذ الصحون وما إن اختفت من أمامهم حتي لكزت هاجر في ذراعها متسائلا بغرابة :-
_ هي رنا مالها ؟
_ قهقهت هاجر علي منظر دينا واجابتها بمزاح :-
_ تلاقيها بتمشي رجليها
_ انفجرت كلتهما ضاحكتين بينما وضعت رنا الصحون أمام ريان مُشكلة ابتسامة عريضة علي شفاها الورديتان التي تعمدت وضع أحمر شفاه عليهم حتي تجذب انتباهه
_ اتفضل يا ريان "
_ قالتها بدلال مبالغ ، لكنها تفاجئت بعدم اكتراثه لوجودها وكأنها نكرة أمامه ، سحقت ما بين أسنانها بغضب مما يفعله هذا الريان بها ،
_ركضت مهرولة من أمامه وهي في قمة انفعالها ، ولجت داخل المطبخ لكن ليس لمساعدتهم بل للانتقام من تلك اللعينة التي تستحوذ علي عقل حبيبها
_ ناولتها دينا بحذر صحن الحساء الساخن بعدما أفرغت به قدر كبير ، أمسكته رنا وابتسمت بخبث عندما رادوتها خطة داهية ، سكبت الحساء علي جسد دينا متعمدة وهي تصرخ بـ :-
_ اااه ده سخن اوي
_ صرخات دينا المتتالية جمعت جميع من في المنزل اثرها ، شهقت هاجر بهلع واقتربت من دينا بتوجس :-
_ ينهار أسود ايه الي انتي عملتي ده يا رنا مش تاخدي بالك
_ ولج ريان إليهم ودفع برنا بعيدا وأردف بحدة :-
_ ابعدي كده
_ اقترب من دينا في هلع وتسائل بإهتمام :-
_ في ايه حصلك حاجة ؟
_ حاولت دينا السيطرة علي أعصابها التي ارتخت تماما وتحدثت بنبرة موجوعة :-
_ الطبق وقع من أيدي ، مش قادرة أنا لازم اطلع فوق أغير هدومي ..
_ لا يدري لما لم يقتنع بما قالته دينا ، بالتأكيد هناك تلاعب في الأمر ، رمق رنا بنظرات احتقارية مشتعلة ليجد الخبث يشع من خضرواتاها ، لعن تلك الفتاة التي بالتأكيد لها يد في إصابة زوجته
_ مش خير يا ريان يابني ولا حصل حاجة ؟
_ تسائل ماهر بقلق عارم ، بينما أجابه ريان بهدوء ممزوج بالغضب :-
_ خير يا حج أن شاء الله
_ خرج ريان خلف دينا التي تحاول جاهدة أن تتماسك حتي لا تُفسد رونقة اليوم علي الجميع ،
_ انت متأكد انها مش محتاجة تروح المستشفي يا ريان ؟
_ تسأل علي بنية المساعدة بينما أجابته دينا مسرعة :-
_ لا لا بسيطة ، مش مستاهلة
_ دلفت دينا للخارج ومن ثم تبعها ريان ، صعد إلي طابقهم وما أن وصدت الباب حتي اجهشت في البكاء لتلك الحرارة الساخنة التي انتشرت في جسدها ، رباه ما هذا الألم ؟ لابد وأن هناك حل له مفعول سريع فهي لن تتحمل ذلك الألم لوقت أطول
_ اقترب منها ريان وهو يسحق أسنانه بغضب :-
_ مش تاخدي بالك يا دينا ؟
_ تعالت شهقاتها الموجوعة بينما دني منها أكثر :-
_ طيب أهدي بس
_ انخفض ريان بجسده وجلس القرفصاء وأمسك بطرف ثوبها وكاد أن يرفعه إلا أنها أبت بشدة وابتعدت عنه متسائلا بحرج :-
_ انت هتعمل ايه ؟
_ هطمن عليكي عشان لو الحرق محتاج مستشفي نروح
_ قالها ريان بنبرة مهمومة بينما وضعت دينا يديها علي عباءتها متملكة منها وأردفت :-
_أنا هشوفه ، خليك هنا
_ ولجت دينا داخل غرفتها لتطمئن علي جسدها ، بينما نظرات ريان لم تفارقها الي ان اختفي طيفها خلف الباب ، هل تخجل منه بعد زيجة طالت لـ خمسة أعوام ؟
_ هل لذلك ترتدي تلك العباءة اللعينة التي لا تفارقها مطلقاً أو ربما تبدلها بغيرها لكنه لا يلاحظ فهي بالاخير نفس الهيئة ،
_ أزفر أنفاسه بضيق واعتدل في وقفته ، سار الي أقرب أريكة وجلس عليها قيد انتظار دلوفها للخارج ..
_ ولجت إليه بعباءة أخري لا تظهر اي من جسدها ، اقتربت منه وطبعت إبتسامة علي ثغرها قائلة :-
_ أنا خلصت ، الحرق بسيط حطيت مرهم للحروق وحسيت براحة شوية ، يلا بينا ننزل عشان الناس اللي مستنيانا دي أكيد جاعوا
_ نهض ريان واقترب منها :-
_ لو تعبانة خليكي هنا وبلاش تنزلي مش مهم النهاردة
_ يا خبر لأ طبعاً مينفعش أسيب عيلتك واقعد هنا وبعدين أنا مش تعبانة أنا أهو قدامك كويسة
_ أردفت بها دينا وهو تحاول جاهدة بألا تظهر آلامها التي لم تخف بعد ، ابتسم ريان لها بإمتنان ودلف الي الخارج ، تبعته هي إلي أن هبط إلي منزل والده ،
_ حمد لله علي سلامتك يا دينا
_ قالتها هاجر وهي ترمق رنا بنظرات مشتعلة ، أجابتها دينا بإبتسامة زائفة لكي لا تظهر شعورها الداخلي :-
_ الحمد لله بسيطة ، يلا يجماعة معلش أخرتكم علي الأكل
_ لا لا أخرتينا ايه المهم انك تكوني كويسة
_ أردف بهم ماهر فتابع يحيي مضيفاً :-
_ المهم انتي مش مهم الاكل
_ إلتوي ثغر دينا بإبتسامة ممتنة لإهتمامهم ، جلس الجميع حول المائدة وشرعَ في الاكل في صمت طال لمدة ،
_ قاطعه ريان وهو ينظر بإتجاه والده قائلا بصوت أجش :-
_ أنا كنت عند عم منصور يا حج لأنه تعبان ابقي أسأل عليه في التليفون
_ ماله منصور يابني تعبان ماله ؟
_ تسائل ماهر بقلق بينما أجابه ريان بهدوء :-
_ دور سخنية بس جامد شوية ، عارف يا حج شوفت مين وانا هناك ، مش هتصدق
_ انتبهت حواس الجميع ونظروا لريان قيد إنتظار متابعته للحديث ، استنشق نفساً ثم واصل حديثه بتريث :-
_ بنت عم سيف الدين !
_ لم تتغير ملامح الجميع كثيراً فالبعض لا يعرف من يكون سيف الدين والبعض الآخر لا يعبأ له ، وأخرين يريدون معرفة هويته ..
_ يااااه وده ايه اللي فكره بإخواته بعد كل السنين دي ؟
_ قالها ماهر متعجباً بينما تسائل يحيي بفضول :-
_ مين سيف الدين ده وحكايته ايه ؟
_ ابتسم ماهر وبدأ يعرفهم هوية سيف الدين كما روي أيضاً قصته :-
_ ده إبن عمي ، اخو عمكم منصور وعمكم مؤنس ، بس ده بقاله زمن مسافر أمريكا يجي ٢٠ سنة كده او أكتر ، كان سافر يشتغل هناك مع خاله وشاف واحدة امريكانية وحبها ، ولما قال كده لعمي الله يرحمه عمي قلب الدنيا يومها ازاي يتجوز واحدة مش من بلده وكمان مش على دينه
_ شهق الجميع بصدمة جلية فيتابع ماهر حديثه مضيفاً :-
_ ولما عارضوه ورفضوا اتجوزها وانقطعت أخباره ومحدش يعرف عنه حاجة ، بس أن جيتوا للحق عمكم سيف الدين ده كان اطيب واحد في اخواته
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية