رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثالث بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثالث
_أنا مين؟! مش عـارف!
نطقها يحيـي بضياع ليطالعه الآخر مشدوهاً ويقول: مش عارف؟! مش عارف إزاي يعني؟!
نظر إليه يحيـي مجدداً وهو يعتصر رأسه لكي يجيب سؤاله و لكنه قد شَعَر ويكأنه قد وُلد لتوّه فتمتم بشرود: أنا مش فاكر أي حاجة ولا عارف حاجه، أنا حاسس إن دماغي صفحة بيضا!
نظر إليه مصعب مذهولاً وقال: معقول تكون فقدت الذاكرة!
إرتفعا حاجبيّ يحيي بصدمة ليستطرد مصعب حديثه و يقول: أكيد الضربه اللي خدتها علي دماغك أثرّت علي الذاكرة.
تسائل يحيي قائلاً: ضربة إيه؟! مين اللي ضربني أنا مش فاهم حاجه.
ليقصّ عليه مصعب ما رآه قائلاً: إمبارح لقيناك مرمي علي الأرض و غرقان في دمك و كان في شابين كده بيجروا ملحقناش نشوف وشّهم أكيد هما اللي ضربوك.. إنت مش فاكرهم؟!
أومأ يحيـي نافياً وقال: لأ مش فاكر حاجه خالص!
زمّ مِصعب شفتيه آسفاً وتابع قائلاً: أكيد ضربوك عشان يسرقوك لأن إحنا وإحنا بنغير لك هدومك مكانش فيهم أي حاجه ولا فلوس ولا تليفون، ده حتي مفيش معاك بطاقة ولا أي إثبات شخصية!
حملق بهِ يحيـي بدهشة وقال: يعني إيه؟! يعني هفضل تايه كده و مش عارف أنا مين!
أخذته سَوْرةٍ من الغضب ليقول مِصعب محاولاً تهدأته: إصبر بس و إستهدي بالله، إنت عشان الجرح لسه جديد و دماغك مش موزونه لسه مش فاكر حاجه بس يومين تلاته وإن شاءلله كل حاجه هتبقي زي الفل.
إنتبه علي دخول والدة مِصعب للغرفه وهي تمنحهم إبتسامة بشوشه ثم دَنت منهما لتجلس إلي جوار يحيـي و تقول بفرحة: إنت فوقت يا ضنايا، حمدلله على السلامة.
إبتسم لها لا إرداياً وأومأ قائلاً: الله يسلمك يا حجه.
ربتت علي ظهرهِ بحنان وقالت: هعملك بقا حاجه تتقوت بيها عشان تعوض الدم اللي نزل منك...
قاطعها قائلاً: لالا مش عايـز.
أردفت ببساطة: لا مفيش حاجه اسمها مش عايز، ولو علي الفطار يسيدي إبقا عوّضه بعد رمضان، ليس علي المريض حرج.
قطَب حاجبيه متعجباً وقال: هو إحنا في رمضان؟!
نظرت إليه السيده بإستغراب ثم نظرت إلي وَلَدِها لينظر إليها بأسف ويقول: الباشمهندس مش فاكر حاجه ياما.
أعادت النظر إليه بحسرة وقالت: يا حبيبي يبني! أكيد الضربه اللي خدتها في دماغك دي هي اللي خلتك تنسي، منهم لله اللي أذوك ربنا يأذيهم في نور عنيهم.
لم يجيبها يحيي بل ظل ينظر إلي الفراغ شارداً لتربت علي كتفه بمواساة وقالت: ولا يهمك يا حبة عيني، يومين إن شاء الله و هتبقي زي الفل.. بس أهم حاجه تاكل و تتغذي عشان تسترد عافيتك بسرعة، وأنا هعمللك شوية أكلات كده و خلطات من اللي بتقوي الذاكرة....
ليقاطعها يحيـي مردفاً بتهكم: و يفيد بإيه اللي هيقوي الذاكرة وهي مش موجوده أساساً.
ثم ربت علي كفها قائلاً: ريّحي نفسك يا حجه و متعمليش حاجه.
نظرت إليه بحزن و أسي وقالت: طيب متزعلش نفسك يا حبيبي و سيبها على الله و بإذن الله هتبقي زي الفل.
أومأ موافقاً و منحها إبتسامة هادئة ثم قال: ونعم بالله.
عادت لتقول بإصرار: وأنا هجيبلك دلوقتي تاكل، و يسيدي بكرة إبقي صوم معانا.
ثم إنصرلت لتحضر له الطعام بينما قال هو مخاطباً مِصعب: هو النهارده كام رمضان؟!
_النهارده 3 رمضان، متخافش هتلحق تصوم إن شاءلله.
أومأ بهدوء لينظر إليه مِصعب ويقول: إمبارح وإحنا بندوّر في هدومك لقينا ده.
قالها وهو يتجه. نحو خزانته و يخرج منها شيئاً ليضعه بيد يحيـي الذي تطلّع إليه وقال: مصحف!
أومأ مِصعب قائلاً: لقيناه في جيب الچاكيت من جوه، يا عالم إنت مريت بإيه و ربنا نجاك بسبب المصحف ده.
أومأ يحيـي موافقاً وقال: معاك حق.
دخلت والدة مصعب تحمل آنية الطعام ليحملها إبنها عنها ويضعها أمام يحيـي قائلاً: يلا بسم الله.
بدأ يحيي بتناول طعامه شارداً بما آل آليه حاله منشغلاً بما هو آت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت الأيام كفيله بأن تضمّد جراح الجميع و تشفي علّاتهم حيث عاود الجميع إلي ممارسة حياته الطبيعيه و التأقلم علي أن يحيـي لم يعد موجوداً بينهم.
باشرت يُسر حياتها بهدوء و قد بدأت إستعادة حياتها السابقه فنزلت إلي شقة صافيه و طرقت الباب لتفتح لها صافيه وهي تبتسم بلطف وقالت: إزيك يا سوسو، تعالي إدخلي.
أعطتها يُسر طفلتها نور وهي تقول: لأ معلش مش فاضيه دلوقتي، خلي نور معاكي علي ما أروح أشوف ماما و أرجع.
أومأت صافيه بموافقه وقالت: وماله يا حبيبتي، هو إحنا عندنا كام نوارة يعني، يلا روحي إنتي و إبقي سلّمي علي مامتك.
_الله يسلمك. قالتها يُسر وهي تنزل درجات السلم لتصطدم بـ سليمان الذي قال ضاحكاً: علي مهلك كنتي هتقعي، رايحه فين كده و مستعجله.
إبتسمت يُسر و أردفت: رايحه عند ماما.
قال بنبرة ودودة: طيب تعالي أوصلك.
_لاا شكراً مش عايزة أعطلك، أنا هروح و أجي طوالي إن شاء الله.
قال معترضاً: لأ والله مينفعش، تعالي أوصلك بسرعه.
نزلت خلفه لتستقل السيارة إلي جواره ليبادر هو بالحديث قائلاً: زياد رجع من الحضانه ولا لسه؟!
_أيوة جه و قاعد مع جده، كان مصمم ييجي معايا بس أنا مرضيتش لأنه شقي و مش بيسكت، و إنت عارف الوضع هناك مش مستحمل أصلاً.
حك ذقنه بإبهامه بتفكير وقال: و إيه أخبار جوز أمك و إخواتك؟
تنهدت لتردف: والله ماعرف عنهم حاجه من زمان، أديني رايحه أطمن عليهم، كنت عايزة أشتري لهم شوية حاجات قبل ما أروح بس لقيت الفلوس اللي معايا مش هتكفي، قولت مرة تانيه بقا.
علي الفور إستل جزدانه من جيب سرواله و أخرج منه الكثير من النقود ليمد يده إليها وهو يقول: مش عيب عليكي تكونوا محتاجين حاجه و تخبي! خدي هاتيلهم اللي هما عاوزينه كله.
تصنعت الحرج وقالت: لأ طبعاً إيه اللي حضرتك بتقولوا ده يا عمو؟! أنا مش ممكن آخد الفلوس دي أبداً.
أوقف السيارة و رفع يده عن المقود لينظر إليها بضيق قبل أن يردف قائلاً: إيه اللي إنتي بتقوليه ده؟! هو إنتي مش مسئولة مننا زي نور و زياد ولا إيه؟! و إخواتك زي ما كانوا مسئولين منك أيام يحيـي الله يرحمه هيفضلوا مسئولين منك دلوقتي بردو و اللي يعوزوه يجيلهم.
إلتقطت النقود من بين يديه وهي تتصنع الضيق وقالت: بس دي أول و آخرة، بعد كدا مش هقدر آخد حاجه منك.
_يستي لما نبقا نيجي لبعدين ربنا يساويها، يلا وصلنا اهو.
نظرﭢ إلي جانبها وأعادت النظر إليه وقالت: هديلهم الفلوس بقا و هما يجيبوا اللي عاوزينه لأني مش هلحق أشتري لهم حاجه، بجد مش عارفه أقوللك إيه يا عمو!
مسح جانبي شاربه العريض بإصبعيه الإبهام و السبابه وأردف بزهو فقال: متقوليش حاجه خالص، سلمي عليهم بس.
أومأت بإبتسامه لتردف بعدها بلطف وتقول: يوصل، عن إذنك.
ترجلت من السيارة ليتطلع هو في أثرها بشغف و يتفحصها بإعجاب لم تخفيه نظراته ليقول: رهوان يخربيت أبوكي!
حمحم بعدها بقوة ليستعيد همّته قبل أن يدير طارة القيادة عائدا إلي المنزل.
*********************
ذهبت يُسر إلي بيت أهلها ليستقبلها أشقائها الصغار بفرحة عارمه و هم يتسارعون إليها لتخرج هي الحلوي و الهدايا من حقيبة يدها قبل أن تري والدتها التي تتقدم نحوها بخطوات متباطئه متثاقله فنهضت هي تستقبلها لتحتضنها بإشتياق كبير ثم قالت: مالك يا ماما بس صحتك في النازل و مش راحمه نفسك بردو.
تمتمت والدتها بتعب وقالت: مفيش يا حبيبتي أنا كويسه، إنتي عامله إيه و عيالك عاملين ايه؟
أومأت يُسر بهدوء وقالت: كويسين، زياد مع جده و نور مع صافيه و أنا قولت آجي أشوفكوا و أطمن عليكوا.
ربتت أمها علي قدمها وقالت: شافتك العافيه يا حبيبتي.
نظرت حولها وقالت: أومال سبع البرمبه فين النهارده؟! جاتله مصيبه خدته ولا إيه؟!
ضحكت والدتها بإقتضاب وقالت: بره عالقهوة.
تسائلت يُسر: ليه معندوش شغل بردو؟! أومال بتاكلوا و تشربوا منين؟!
قالت أمها بحزن: لولا القرشين اللي بتديهوملي كل مرة كان زمان إخواتك ماتوا من الجوع.
قالت يُسر بضيق: و إنتي بتصرفي عليه من الفلوس دي يا ماما؟! أنا مش بقولك الفلوس دي لعلاجك و عشان لو إخواتي إحتاجوا حاجه؟!
_هعمل إيه يا يُسر؟! أهي أيام و بتعدي زي ما تعدي.
أومأت يُسر وفتحت حقيبتها لتخرج الكثير من المال و تعطيه لوالدتها التي جحظت عيناها بتعجب وقالت: إيه كل الفلوس دي يا يُسر؟! دول زيادة عن كل مره، جبتي الفلوس دي كلها منين؟!
=جبتها من مطرح ما جبتها يا ماما تشغليش بالك، أهم حاجه تجيبي علاجك و تدفعي الدروس لإخواتي و متصرفيش منهم مليم علي البأف اللي إنتي متجوزاه.. فاهمه؟!
أومأت والدتها بموافقه وقالت: إن شاءلله يا حبيبتي، إنتي ماشيه دلوقتي ولا إيه؟!
=أيوة يدوب ألحق أروح قبل ما نور تكتشف غيابي و تعيط، و هبقا أجيلك قريب أتطمن عليكي.
صافحت والدتها مودعه ايّاها قبل أن تخرج لتصطدم بزوج والدتها علي الباب ليبتسم بنظرات خبيثه ويقول: أهلاً بالجميل، وأنا أقول البيت منور بزياده كده ليه! أتاري الكروان حط علي عشنا، يا بختنا يا بختنا.
قال الأخيرة وهو يراقص حاجبيه بمشاكسه لتطالعه هي بتأفف وتقول بتهكم: كروان وإنت موجود يا جوز أمي؟! ده حتي ميصحش.
همّت بالخروج ليعترض طريقها قائلاً: علي فين يا سوسو؟!
قالت بنبرة حادة: ماشيه يا جوز أمي، وسع بقا.
أفسح لها الطريق لتنصرف مغادرة قبل أن يهرول هو بإتجاه زوجته ويقول: هااتي!
_أجيب إيه؟!
=هتجيبي إيه يعني؟! إيش تاخد الريح م البلاط يا حسرة، إيدك عالفكه يا وليه، المعلوووم.
لتخرج هي المال الذي أعطته لها يُسر و تعطيه له لينظر لها بذهول ويقول: أيوووووه، هي ناهبه نهيبه المرة دي ولا إيه؟!
إمتدت يدها لتأخذ النقود من بين يده قبل أن يسرع هو و يقوم بتخبأتهم لتقول: دي فلوس العلاج و دروس العيال.
_إيدك لأقطعهالك، بلا علاج بلا عيال، وبعدين يومين و قوليلها خلصوا هي يعني هتحتار تجيب منين؟! ما كله من خير علي الهنداوي و ولاده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان سليمان يجلس بمتجره الخاص بالأقمشه شارداً بتلك التي خطفت أنظار الجميع حتي أنهم يتقدمون إليه يريدون خطبتها منه منذ أن رأوها برفقته اليوم ليفيق من شروده علي إتصال هاتفي من رقم مجهول ليجيب هو قائلاً: ألو.. مين معايا؟!
_أيوة يا حج سليمان، أنا زايد أبو كبير.
=أهلاً يا حج زايد إزي صحتك؟!
_بومب والحمد لله، وكنت بكلمك تشوفلي عروسه نحيتك.
قضم سليمان شفتيه بغضب مخللاً خصلات شعره الأسود بضيق ثم قال: أااه، طب وأنا عندي عرايس منين يا حج زايد منتا عارف.
حمحم زايد بقوة وقال: إزاي بقا، و أرملة المرحوم يحيي راحت فين؟!
إستشاط غضباً و عبس وجهه ليزمجر قائلاً: أرملة أخويا مش ناويه تتجوز يا حج زايد وبعدين حتي لو إتجوزت مش هتتجوز راجل قد أبوها لامؤاخذه، و عن إذنك دلوقتي عشان جايلي شغل.
أنهي المكالمه ليلقي بالهاتف أرضاً بتشنج و عصبيه بالغه قبل أن تلتقطها عيناه تمر من أمام المتجر ليستوقفها منادياً بإسمها فقال: يا أم زيااد، لحظه بس.
أقبلت عليه تتهادي خطواتها بخفه و غنج غير مصطنع لتتوقف أمامه وهي تبتسم بعذوبه فقالت: نعم يا عمو؟
لم يعرف ماذا يقول ليتنحنح بقوة وقال: أهلك عاملين إيه؟
أخفضت وجهها أرضاً وقالت: الحمدلله علي كل حال.
قال بتساؤل: إيه مالك، حد منهم تعبان ولا حاجه كفالله الشر؟
تنهدت بضيق وأردفت قائلة: والله يا عمو حالهم يصعب علي الكافر، ماما تعبانه و كل الفلوس اللي بديهالها بتصرفها علي العلاج و إخواتي طلباتهم كتير و أبوهم جبله مبيحسش ولا بيهون عليه يشتغل و يأكلهم.
زم شفتيه بأسف وقال: لا حول ولاقوة الابالله.. خلاص متشيليش هم من هنا ورايح علاج أمك و مصاريف إخواتك كامله مكمله مسئوليتي أنا طول مانا عايش إن شاء الله.
تهلل وجهها مستبشرةً لتمنحه إبتسامه مشرقة فعلت به الأفاعيل ثم أردفت: ربنا يخليك لينا يا عمو و ميحرمناش منك.
و قبل أن يجيبها قالت: هطلع بقا عشان أشوف زياد و نورا.. عن إذنك.
إنصرفت بسرعه بينما تركته هو غارق في شـروده و التفكير يعصف به.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرت الأيام عليها وكأنها دهوراً لا تعد ولا تحصي، أهلكت قلبها و أودت بحياتها مراتٍ و مرات و لكنها لم تنجح في القضاء عليها.
لطالما تمنت الموت علّها تكون بجوارهِ ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه!
كانت تجلس بغرفتها كعادتها في الآونه الأخيرة منعزله دائماً، منطوية عن الجميع قبل أن تستمع إلي طرقات علي باب غرفتها لتقول: إتفضل يا بابا.
إنفرج الباب ليظهر والدها من خلفه مبتسماً ببشاشة فإعتدلت هي بجلستها ليجلس إلي جوارها ويقول: وبعدين معاكي يا غزل هانم، هتفضلي لوحدك كده كتير؟!
إبتسمت غزل بوهن وقالت: مش لوحدي يا بابا، أنا بس كنت نايمه شويه، منا قاعدة زهقانه طول اليوم مش لاقيه حاجه اعملها.
قال باسماً: طب واللي يقعدك زهقانه كده إيه؟!
قالت بتهكم: يعني مش عارف يا سي بابا؟! حضرتك مقعدني جمبك زي ما أكون آخر واحده من نوعي و خايف عليا من الإنقراض.
إرتفعت ضحكاته مردفاً: لأ خلاص يستي مش هقعدك جمبي تاني.
تهللت أساريرها فقالت: يعني إيه؟! الحصار إتفك؟!
_حصار إيه يا بت الكلب إنتي هو أنا حابسك ولا إيه؟!
إحتضنته قائلة: لا متقولش كده يا برهومي،إنت جميل إنت.
مسح علي شعرها بحنان وقال: طيب يستي، من بكره تنزلي تقدمي في المركز اللي فاتح جمبنا بتاع جليسات الأطفال ده، مش ده حلم عمرك؟!
طالعته بدهشه وقالت: وحياة أبوك يا بابا بتتكلم جد؟!
قهقه عالياً وقال: آه ورحمة أبويا بتكلم جد.
نظرت إليه وقالت: إيه ده؟! المركز اللي جمبنا ده اللي علي أول القِمّه؟!
اومأ موافقاً فلوت شفتها بنزق وقالت: يعني يوم ما ربنا يكرمني و أشتغل و أخرج للدنيا، أشتغل جمب البيت!!
_خلاص بلاها خالص لا جمب البيت ولا جمب الغيط...
قاطعته قائلة: لااا يا حجوج متبقاش قفوش كده، ومالو جمب البيت إن شالله يبقي فوق السطوح حتي أهم حاجه أشتغل.
=طيب يا لمضه يلا نامي بقا عشان تصحي بدري و تنزلي تقدمي ورقك.
علي الفور تدثرت بغطاءها وهي تمنّي نفسها بما سيحدث غداً لتخلد سريعاً إلي نومٍ عميق.
**********
رأته يدنو منها مبتسماً و لكن هيئته بدت مخيفة بالنسبة لها، وجهه يكسوه السواد، عيناه جاحظتان وكأنهما جفّتا من الدموع، يداه مكبّلتان بالأغلال و قدماه أيضاً فكان يسير يجر قدماه جراً كمن يسير الهوينا حتي توقف أمامها وقد سالت العَبَرات من عينيه ليتمتم بكلماتٍ لم تصل إلي مسامعها فصاحت تخبره أنها لم تسمع ما قاله ليعاود حديثه مرةٍ أخري و لكنها كذلك لم تتمكن من سماعه لتصرخ بغضب و ضيقٍ في آن واحد قبل أن يستدير هو موليّاً ظهره لها ثم إنصرف.
فَزِعَت يُسر من نومها وهي تنهث كأنها كانت تركض أثناء نومها لتجد جسدها يتصبب عرقاً و راحت تتذكر ذلك الكابوس لتشعر بأنه وقد جفّ حلقها فإنحنت علي جانب الفراش تلتقط كوباً من الماء لتقع عيناها علي صورته برفقتها يوم زفافهما لتلتقطها بيمناها وراحت تتفحّصها بأعين باكية وهي تقول: وحشتني يا يحيـي! حياتي مبقاش ليها طعم من غيرك و الأيام بقت شبه بعضها، أنا مبقاش ليا لزمه من بعدك يا يحيـي لا أنا ولا ولادك، بقيت مجرد واحدة زي أي واحدة في البيت بعد ما كنت بشوف نفسي عليهم بـ حُبك ليا و دلعك فيا!
إنحنت لتطبع قبلةً توّاقه علي صورته ثم تمتمت: الله يرحمك يا يحيـي و يحسِن إليك.
ثم نزلت في فراشها مرةً أخري وهي تمسك بصورته تضمها إلي صدرها حتي خلدت مجدداً في النوم!.
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا