Ads by Google X

رواية شمس الياس الفصل الخامس 5 بقلم عبد الرحمن احمد الرداد

الصفحة الرئيسية

  رواية شمس الياس الفصل الخامس  بقلم عبد الرحمن احمد الرداد

 رواية شمس الياس الفصل الخامس 

ارتفع صوت أذان الفجر ليشق صمت الليل ويبث الأمل والطمأنينة في قلوب المستيقظين لأداء الصلاة. في هذا الوقت نهض «خلف» من كرسيه وتوجه إلى من يعتبرهما أبنائه فالنوم لم يعرف طريقًا إليهما. اقترب منهما وردد بصوت هادئ:
- الفجر أذن يا ولاد، يلا بينا نصلي وندعي لياسر بالرحمة والمغفرة
نهضا الاثنان من مكانهما وتوجها لأداء صلاة الفجر مع الحاج «خلف». دلفوا جميعًا إلى المسجد وقاموا بالوضوء قبل أن يقفوا خلف الإمام الذي بدأ في تلاوة آيات الذكر الحكيم بصوت جميل.

بعد مرور الوقت انتهوا من الصلاة ونهض «إلياس» من مكانه ثم توجه إلى صديقه و«خلف» الذي كان يجاوره وقال بنبرة جادة:
- أنا فيه مشوار لازم أعمله، لو جد جديد وسمحولنا ناخد ياسر اتصلوا بيا
وقبل أن يرحل ردد «مراد» بنبرة تحمل القلق:
- رايح فين يا إلياس! مشوار ايه اللي هتعمله في مكان مش مكانك
نظر إلى صديقه لبعض الوقت ثم هتف بانكسار:
- كان مكاني في يوم من الأيام، رايح أزور قبر أمي وأبويا هزور قبرهم لأول مرة في حياتي
ضيق ما بين حاجبيه وأردف بتساؤل:
- أنت تعرف فين المقابر
هز رأسه بالإيجاب وأجاب على الفور:
- أعرف فين قبر أمي أما قبر أبويا فهو أكيد جنبها لأن دي كانت وصيته
وضع يده على كتفه واستعد للنهوض من مكانه قائلًا:
- طيب رجلي على رجلك، هاجي معاك مش هسيبك لوحدك
ابتسم وحاول تثبيته في مكانه قائلًا:
- لا يا مراد خليك أنت مع الحاج خلف علشان لو جد جديد، أنا مش هتأخر إن شاء الله
وقبل أن يعتدل ليرحل أمسك «خلف» معصمه وهو يقول بهدوء:
- قول الاذكار يابني في طريقك علشان ربنا ينجيك
أومأ رأسه بالإيجاب وهتف بجدية:
- إن شاء الله

نهض وسار إلى خارج المسجد ثم استقل سيارة أوصلته إلى عنوان المقابر الذي يتذكره جيدًا فكيف ينساه وبه من عاش عمره على أمل زيارتهم، ترجل من السيارة وسار طريق طويل حتى وصل إلى المقابر ثم تقدم إلى الداخل، تغير المدخل كثيرًا لكنه عرف الطريق وسار بهدوء حتى وصل إلى قبر والدته، زادت نبضات قلبه بشكل كبير وتقدم حتى لمس قبرها بعدم تصديق، انهمرت دموعه وردد بصوت خافت:
- أمي حبيبتي وروحي وأكتر حاجة حلوة وجميلة حصلت في حياتي، مش مصدق نفسي إني بعد 18 سنة واقف قصادك، نفسي احضنك وأعيط في حضنك، نفسي اشتكيلك من العالم كله، نفسي اسمع صوتك ولو لمرة واحدة، اتحرمت من حنيتك يا أمي، اتحرمت من حضنك وابتسامتك، اتحرمت من حياتي لأنك حياتي، لو قعدت أوصفلك قد ايه وحشاني مش هتصدقيني، لو قعدت اعيط عمري كله مش هعرف أشبع عياط عليكي يا أغلى من عنيا، اتحرمت منك بدري أوي بس اللي مصبرني إني هقابلك في الجنة إن شاء الله، الحياة وحشة أوي من غيرك يا نور عيني، مضطر أقف على رجلي وأعافر وأبقى متماسك علشان محدش ياكلني، معظم الناس بقت وحشة أوي، كنتي الحاجة الجميلة والحلوة في العالم ده، كنتي بتهوني عليا كتير، عشت في حضنك أجمل 10 سنين من حياتي
ضم كلتا يديه إلى صدره وكأنه يتخيل نفسه يحضنها ثم تابع بنبرة باكية:
- مستعد استغنى عن الدنيا كلها علشان احضنك حضن واحد بس، وحشتيني أوي يا أمي
لم يستطيع تمالك نفسه وزاد صوت بكائه بشكل كبير فهو كتم الحزن بداخله لسنوات طويلة والآن حان وقت البكاء والحزن.

فرد ذراعيه على قبرها ثم قبل تلك الحجارة وهو يقول:
- نفسي أفضل جنبك كل عمري يا حبيبتي، نفسي والله بس مضطر اسيبك، أوعدك إني اجيلك تاني، أوعدك يا حبيبتي

ترك قبرها بصعوبة كبيرة واتجه إلى قسم الرجال وبالفعل وجد اسم والده «هادي رأفت مرجان»، لم يصدق أنه يراه الآن للمرة الأولى بداخل قبره بعد أن كان المشهد الأخير له احتضاره، سند بكفيه على القبر ونظر إلى الأسفل وهو يقول بضعف وانكسار:
- يا حرقة قلبي عليك يا ضهري وسندي، ضهري اتكسر بعدك يا بابا، حياتي مبقاش ليها معنى، مش هنسى كل اللي عملته ليا، مش هنسى تضحيتك علشان تنقذني، مش هنسى اللي عملوا فيك كدا، أقسم بالله ما هخليهم يموتوا بهدوء، هخليهم يموتوا من الحسرة زي ما حسروني عليك، جيه وقت الحساب وهنا مش هيبقى فيه رحمة، عايزك تستريح يا حبيبي واعرف إن حقك هيرجع إن شاء الله، جيه وقت نهاية الظلم، أوعدك إني ارجع تاني يا بابا بس ساعتها وأنا واخد حقك بما يرضي الله

ظل على تلك الحالة يتذكر الماضي ويبكي حتى شعر بحركة خلفه فالتفت على الفور ليجد شاب في مثل عمره، ظهرت علامات الدهشة على هذا الشاب الذي كان يرى الحزن والدموع في وجه «إلياس» لكنه ظل صامتًا حتى تحدث الآخر قائلًا بتساؤل:
- أنت مين
تقدم هذا الشاب خطوتين وأجاب على سؤاله قائلًا:
- أنا عمر، وكنت جاي أزور قبر الراجل اللي كان ليه فضل كبير عليا بعد ربنا إني أبقى الشخص اللي قدامك ده
ضيق نظراته بعدم فهم وسأل سؤال آخر:
- مش فاهم، هو عمل ايه؟
تذكر «عمر» الماضي وبدأ في سرد ما حدث لهذا الشخص ظنًا منه أنه من أحد أقاربه:
- من سنين طويلة كنت طفل وحالتنا المادية كانت صعبة جدا، حرفيا كانت تحت الصفر لغاية ما ربنا بعتلنا الراجل المحترم ده وربنا جعله سبب في إننا نرجع للحياة تاني، اتبرعلنا بمبلغ كبير جدا ودلوقتي بقيت ظابط شرطة يعني لحم كتافي من خيره ومن ساعتها كل سنة باجي أزوره وأدعيله بالرحمة والمغفرة لأنه يستحق
رغم دموعه التي ملأت وجهه ابتسم ونظر إلى قبر والده مرة أخرى وهو يقول:
- ما شاء الله، ربنا يرحمك يا حبيبي
تقدم «عمر» عدة خطوات أخرى وحرك رأسه بتساؤل:
- أنت ابنه؟
جفف دموعه التي جعلت وجهه مُبتلًا ثم حرك رأسه بمعنى "لا" وهو يجيبه:
- لا أنا زيك بالظبط، غير حياتي وجيت أزوره، همشي أنا بعد اذنك
وقبل أن يرحل أوقفه قائلًا بحيرة:
- بس من شكلك باين عليك الزعل جامد جدا لدرجة إن أي حد يفتكرك ابنه
التفت له حتى واجهه وقال بجدية:
- ابنه قالوا عنه إنه مستحملش الزعل على موت والده وهرب ولغاية دلوقتي محدش يعرف مكانه، أنا زي ما قولتلك، ربنا يرحمه زي ما غير حياة ناس كتيرة
حرك الآخر رأسه بالإيجاب وقال:
- اللهم آمين

تركه ورحل وسط حيرة «عمر» لكنه لم يضع الأمر بداخل رأسه ووقف ليقرأ الفاتحة أمام قبر «هادي».

***

نزل الدرج الطويل الموجود بداخل القصر الخاص به فهو يكون أكبر إخوته وأكثرهم مالا وثروة. وصل أخيرا إلى الطابق السفلي ووجه بصره إلى صف كامل من الخدام حيث بلغ عددهم العشرون منهم المتخصص في الطبخ ومنهم المتخصص في تحضير الوجبات والآخر متخصص في الخدمات الأخرى منهم الرجال ومنهم النساء.

سار أمامهم وهو يضع كلتا يديه في سترته الشتوية التي يرتديها ونظر بجمود إلى كلٍ منهم قبل أن يتوقف ليجلس على مقعد ضخم يقابلهم ثم وضع قدما فوق الأخرى وهو يقول بجدية:
- طبعا مش محتاج أقولكم النهاردة اليوم مهم قد ايه، أخواتي وأسرهم كلهم معزومين يعني هيبقى فيه عدد كبير والخدمات هتبقى مضاعفة، مش عايزهم يشتكوا من أي حاجة، عايزهم يفتكروا عمرهم كلوا اللي حصل في القصر هنا وواجب الضيافة اللي حصل معاهم، مش عايز غلطة واحدة، عايز شغل مظبوط محصلش قبل كدا مفهوم؟
رددوا جميعهم في صوت واحد:
- مفهوم سعادتك

أشار بيده لكي يرحلوا فنفذوا أوامره وبعد أن انصرفوا جميعهم حضر «إسماعيل» ليقول بجدية:
- أوامر سعادتك يا مرزوق بيه
اعتدل في جلسته قبل أن يوجه الأوامر له قائلًا:
- عايز كل حاجة تبقى بيرفكت يا إسماعيل، أي حاجة غلط هيبقى أنت اللي في وشي علطول
هز رأسه بالإيجاب وقال بهدوء:
- متقلقش سعادتك كل حاجة هتتم زي ما عايز وأحسن

في تلك اللحظة نزل الدرج «هاني» الابن الأكبر لرجل الأعمال الكبير والمليونير وعضو مجلس الشعب « مرزوق رأفت مرجان» فهو قد عاد من سفره بالأمس بعد سنوات طويلة قضاها بالولايات المتحدة الأمريكية ليتلقى تعليمه.

- Hi dad
قالها «هاني» بعد أن توقف أمام والده ليرفع الثاني رأسه ويقول بابتسامة:
- أول حاجة هعلمهالك بعد ما جيت مصر هي إنك متتكلمش بالنبرة دي مع حد هنا هيفتكروك حاجة تانية، أنا عارف إن دي الطريقة اللي بيتكلموا بيها في أمريكا بس مش هنا
ضحك الابن وجلس بجوار والده قبل أن يقول مازحًا:
- الكلام ده بجد! كنت فاكره في الأفلام بس
ضحك الأب ووضع يده على فخذ ابنه الذي يجاوره وأردف:
- لا بجد وبعدين صحيح مقولتليش عملت ايه في مشروع تخرجك
ابتسم وأجاب بحماس:
- هو ده سؤال يتسأل بردو يا بوب، طبعا نجحنا وخدنا المركز الأول فيه واحتمال كبير المشروع يترشح إنه ياخد جوايز عالمية كتير هبقى احكيلك بعدين بس قولي صحيح هو أنا ليه شايف كر وفر في القصر وكلو رايح جاي؟
أجابه والده بعد أن وضع قدمًا فوق الأخرى:
- عمامك معزومين النهاردة هم واسرتهم عندنا
رفع أحد حاجبيه بتعجب قبل أن يميل برأسه إلى الأمام وهو يقول بحيرة:
- اللي أعرفه إن العلاقات مقطوعة مع عمامي، ايه اللي رجع المياة لمجاريها؟
ابتسم «مرزوق» ووضع يده على كتف ولده وهو يجيبه بمكر:
- المصلحة، طول ما ليا مصلحة عندك لازم تبقى حبيبي، أنت مش هتفهم حاجة دلوقتي، قولي أنت كنت رايح فين كدا
رفع كتفيه وهو يقول بحيرة:
- كنت رايح النادي، أنت عارف بقالي كتير اوي مش بروح ووحشني صحابي جدا
اعتدل في جلسته ونظر إليه بحب ليقول بهدوء:
- روح أنت مشوارك ومتنساش ترجع على الغداء علشان تقابل اعمامك وولادهم
نهض من مكانه بحماس شديد وهو يردد:
- شور داد
- بردو داد؟

***

ترجل من سيارة الأجرة ودلف إلى داخل المشرحة الموجود بها صديقه وتوجه إلى حيث يوجد «خلف، مراد» قبل أن يقول بهدوء:
- لسة مفيش جديد؟
هنا جاء صوت الضابط من خلفه حيث قال بهدوء:
- لا فيه، طلع تصريح بدفن صاحبك
هنا التفت «إلياس» وقال بجمود شديد:
- امتى هنستلم جثته؟
رفع كتفيه وقال على الفور:
- دلوقتي لو عايز، عربية من المستشفى هتنقله للقاهرة كمان
هنا شعر بالراحة كثيرًا وردد بنبرة هادئة:
- شكرا لسعادتك
ابتسم «طارق» وتقدم خطوتين تجاهه وهو يقول بنبرة ذات معنى:
- متشكرنيش، مبقيناش محتاجين للجثة ده غير إني مش هخليك تسافر معاهم، عايزك تشرف مكتبي شوية
ضيق ما بين حاجبيه بتعجب قبل أن يشير إلى نفسه قائلًا بحيرة:
- أنا؟
هنا تحرك «خلف» تجاههما وهو يقول بجدية:
- ايه اللي بتقوله ده يا باشا، إلياس مفيش تهمة عليه
هنا تحدث «مراد» أيضا بعد أن وصل إلى حيث يقفون:
- إلياس لازم يروح معانا يا باشا، مش فاهم ايه اللي سعادتك بتقوله ده
هنا ابتسم «إلياس» ابتسامة غضب ولم يستطع التحكم في غضبه ليقول بنبرة تحمل السخرية:
- واضح إن الباشا مش عارف يمسك القاتل فقال اطلع غضبي على صاحب القتيل أهو نتسلى
تبدلت تعابير وجه «طارق» وتحولت إلى الغضب الشديد قبل أن يقول:
- واضح إنك نسيت أنت بتكلم مين، على العموم أنت هتشرفنا
ارتفع صوت «إلياس» ليقول بغضب شديد:
- بتهمة؟
في تلك اللحظة حضر الضابط «عمر» ومعه إثنان من رجال الأمن وهو يقول:
- خير يا طارق؟
هنا تحدث «طارق» وأشار إلى «إلياس» قائلًا:
- خده على البوكس، هيشرفنا النهاردة
هنا وجه «عمر» بصره تجاه «إلياس» ليتفاجئ به؛ فهو الذي كان يبكي أمام قبر «هادي» منذ وقت قصير. ضيق ما بين حاجبيه بحيرة وردد بتعجب:
- أنت؟
هنا تحدث «إلياس» هو الآخر وردد بهدوء:
- عمر باشا!
وجه «عمر» بصره باتجاه صديقه وقال متسائلًا:
- عمل ايه يا طارق
- معملش بس أنا شاكك فيه ده غير توتره من ساعة ما جيه هنا وعصبيته الزايدة، زي ما يكون عامل مصيبة
نظر «عمر» إلى «إلياس» ثم عاد ببصره مرة أخرى إلى صديقه ليقول بهدوء:
- هو ده اللي كلمتني عنه بليل! أكيد يعني ملهوش علاقة بأي شيء لأنك لما كلمتني بليل قولت إنه جاي من سفر وبعدين ده صاحب عمره اللي مات طبيعي يبقى متوتر ومتعصب، متكبرش الموضوع يا طارق
ثم وجه بصره تجاه «إلياس» وقال بجدية:
- امشي معاهم وروح ادفن صاحبك
هنا صرخ «طارق» ليقول بعدم رضا:
- ايه اللي بتعمله ده يا عمر
نظر إليه وواجهه ليقول بجمود:
- مش ده اللي المفروض تدور عليه، القاتل الحقيقي برا لسة وده اللي المفروض تدور عليه
ثم التفت وقال بجدية:
- أنت لسة واقف! يلا اتكل على الله

***

على الجانب الآخر فتحت عينيها بعد أن استمعت إلى صوت طرقات على الباب مما جعلها تنهض من مكانها بصعوبة ثم اتجهت إلى حجابها وثبتته على رأسها. خرجت من غرفتها واتجهت إلى الباب ثم فتحته بهدوء وهي تقول:
- مين
جاء صوت «اماني» التي قالت بصوت مرتفع:
- افتحي يا إيلين ده أنا
أكملت فتحها للباب ورددت بإستياء:
- أيوة يا أماني فيه حاجة؟
ابتسمت ابتسامة واسعة وتقدمت إلى الداخل بوقاحة قبل أن تقول:
- أنا قولت اجي اتطمن عليكي بما إن إلياس مش موجود، أصله موصيني عليكي
رفعت أحد حاجبيها وقالت بتساؤل:
- إلياس وصاكي عليا؟
جلست على المقعد الموجود خلفها وهي تجيبها بتلك الابتسامة التي لم تغادر وجهها:
- شور، قالي ابقي شقري عليها لأنه بيثق فيا
أخفت غضبها الشديد الناتج عن تلك الكلمات التي سمعتها من تلك التي تبغضها كثيرا ورسمت ابتسامة هادئة لتقول:
- فيكي الخير ياختي أنا بخير الحمدلله، تحبي اعملك شاي؟
نهضت من مكانها مرة أخرى ورسمت ابتسامة هادئة لتقول وهي تستعد للرحيل:
- لا يا حبيبتي تسلمي أنا هنزل بقى علشان اجيب فطار، تحبي اجيبلك معايا
ابتسمت وقالت بنبرة أغضبتها كثيرًا:
- لا يا قلبي مش جعانة، مش بيجيلي نفس آكل وإلياس برا البيت، هستناه وناكل مع بعض
اخفت غضبها واتجهت إلى باب المنزل وهي تقول:
- طيب، اسيبك بقى سلام

***

وصل إلى الشركة وتوجه إلى مكتب والده لكنه قبل أن يطرق على الباب عاد بظهره ليرى «دورا» لكنه تفاجئ بخلو مكتبها لذلك اعتقد أنها بمكتب والده. تحرك مرة أخرى بإتجاه مكتب والده وطرق الباب ليقول والده من الداخل:
- ادخل
فتح الباب ونظر حوله لكنه لم يجدها مما جعله يتقدم باتجاه والده وهو يقول بتعجب:
- أومال فين دورا! عديت على مكتبها ملقتهاش قولت يبقى أكيد هنا
تبدلت تعابير وجه والده وقال بغضب شديد:
- الهانم فاكرة نفسها شغالة في بقالة، قال ايه أمها تعبانة وهتروح بيها المستشفى، أنا قولتلها مش عايز اشوف وشك في الشركة تاني، مش ناقصين قرف، أنا هجيب حد يشوف شغله كويس
هنا أسرع «كرم» ليعارض والده قائلًا:
- ايه اللي بتقوله ده يا بابا؟ بتقولك أمها تعبانة وهتروح بيها المستشفى تقوم طاردها من شغلها! إزاي بس
ضرب المكتب بيده قبل أن يردد بصوت مرتفع:
- هنا عايز انضباط مش مرقعة وقلة أدب، خليها مع أمها بقى
لوح بيده في الهواء أمام والده ليقول باعتراض شديد:
- حرام اللي بتعمله ده يا بابا، دي بني آدمة زيي وزيك مش جارية علشان تعاملها بالشكل ده، لنفترض مثلا إني في يوم تعبت وروحت المستشفى وحالتي صعبة هتسيبني وتيجي على الشركة ولا هتبقى جنبي! رد بعد إذنك
رفع أحد حاجبيه قبل أن ينهض من مكانه وهو يقول بعدم رضا:
- أنا مش عارف جايب الخيبة ورقة القلب والسذاجة دي منين، ليه مطلعتش قلبك جامد زي أبوك كدا
التف حول المكتب واقترب منه ليجيبه بهدوء:
- دي مش سذاجة ولا خيبة، دي اسمها رحمة، الرحمة اللي لازم تبقى عندنا كلنا، يا بابا بعد إذنك متبقاش من اللي ربنا قال عليهم «ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً»
ابتسم بسخرية ورمقه بنظرة غير راضية قبل أن يُعطيه ظهره وهو يقول:
- قصدك تقول عليا قلبي حجر، خلاص مبقاش عندك احترام لأبوك
التف حول والده لكي يواجهه وما إن أصبح مقابلًا له حتى قال بجدية:
- أنا لو فعلا مش بحترمك يا بابا كنت هوافقك على أي حاجة تقولها لكن احترامي وحبي ليك هم اللي بيخلوني اتكلم معاك وانصحك، علشان خاطري يا بابا رجعها واديها إجازة بمرتب لغاية ما والدتها تخف
رمقه بنظرة مطولة ليفكر في طلبه حتى ابتسم «كرم» فلم يتحمل مما جعله يحرك رأسه بالإيجاب قائلًا:
- طيب يا كرم هعمل كدا أما نشوف اخرتها معاك ومعاها
ابتسم بسعادة ثم مال على يد والده ليُقبلها بحب قبل أن يقول:
- تسلم يا بابا، خير ما عملت
تركه واتجه إلى مقعده ثم رفع رأسه ليقول بصوت واضح:
- روح بقى واجهز وخلي والدتك وأختك يجهزوا علشان ساعتين بالظبط وهكون عندكم علشان نتحرك وأوعى تنسى الهدية اللي جبتها
هز رأسه بالإيجاب وردد بابتسامة:
- متقلقش يا بابا الهدية في العربية معايا، يلا أنا هروح دلوقتي

***

- أنت قولتلي الواد ده اسمه ايه؟
قالها الضابط «عمر» لصديقه «طارق» الذي أجابه بعدم رضا لما قام به:
- إلياس، اشمعنا بتسأل ليه
حرك رأسه بعشوائية قبل أن يُجيبه بهدوء:
- لا مجرد سؤال بس
هنا نهض «طارق» واستعد للرحيل قائلًا:
- طيب أنا هروح اتابع التحريات وصلت لأيه
- تمام

رحل «طارق» بينما رفع «عمر» سماعة هاتف مكتبه وردد بجدية:
- عايزك دلوقتي في مكتبي يا جلال
ثم وضع السماعة مرة أخرى وهو يقول:
- لو اللي في دماغي صح ألغاز كتير أوي هتتحل
في تلك اللحظة سمع طرقات على الباب فرفع صوته قائلًا:
- ادخل
هنا دلف «جلال» وهتف بجدية:
- اؤمر يا عمر باشا
نهض من مقعده والتف حول مكتبه حتى وقف مقابلًا له ليقول:
- عايزك تعرفلي كل حاجة عن ابن «هادي رأفت مرجان»، اللي معروف إنه هرب بعد موت والده لأنه مستحملش يخسر والدته ووالده مع بعض، أنا عايزك تجيبلي كل حاجة عنه من ساعة ما اتولد لحد ما هرب وأهم حاجة في كل ده هي اسمه، عايز اعرف اسمه ايه 
يتبع الفصل السادس اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية شمس الياس" اضغط على أسم الرواية
google-playkhamsatmostaqltradent