رواية شمس الياس الفصل السادس بقلم عبد الرحمن احمد الرداد
رواية شمس الياس الفصل السادس
وصلت سيارة الإسعاف إلى تلك المنطقة الشعبية وسط وقوف الكثير من الأهالي لتلقي جسد «ياسر» الذي وُلد وعاش بينهم لسنوات طويلة، من ذا الذي يصدق أن هذا الذي كان يتمتع بالشباب قد ذهب بلا عودة، كان موته صدمة للجميع بلا استثناء.
وقفت سيارة الإسعاف وخرج من داخلها «خلف» وتبعه «إلياس» و«مراد» وظهرت علامات الحزن والحسرة على وجه كلٍ منهما، توجه إليهما شابان آخران من أهالي المنطقة ليساعداهما على حمل نعش «ياسر» وبالفعل بدأوا في رفع هذا النعش بينما كانت تتابع «إيلين» ما يحدث من الأعلى وكانت عبراتها لا تفارق وجهها حُزنًا على هذا الشاب الجيد وأيضًا حزنًا على حزن «إلياس» على صديقه المقرب.
تحركوا بهذا النعش إلى المسجد وبعد مرور ساعتين كانوا قد انتهوا من كل شيء ليُرفع آذان العصر، في تلك اللحظة توجه جميع الرجال إلى المسجد لأداء صلاة العصر وأيضًا صلاة الجنازة مما جعل المسجد يمتلأ بالمصلين وهذا ما جعل البقية يفترشون الشارع من الخارج ليكون لهم الحق في الصلاة.
***
"قــبــل ســاعــات قــلــيــلــة"
خرج من الشركة ثم اتجه إلى سيارته ليستقل المقعد الأمامي خلف المقود، هنا رفع هاتفه ونقر على رقم هاتفها ثم وضع الهاتف على أذنه وبعد وقت قليل أجابت قائلة:
- أيوة يا مستر كرم
أسرع وسأل عن موقعها:
- أنتي فين، أنهي مستشفى يعني
تعجبت من سؤاله المفاجئ لكنها أجابت بهدوء وأخبرته عن عنوان تلك المشفى وأنهت حديثها قائلة:
- اشمعنا يا مستر كرم؟
هنا أدار سيارته ليقول بجدية واضحة:
- هتعرفي، سلام دلوقتي
أنهى المكالمة معها وتحرك بسيارته قبل أن يهاتف شقيقته التي أجابت قائلة:
- أيوة يا كيمو
- أيوة يا سما، بقولك ايه اجهزي بقى أنتي وماما علشان بابا ساعتين وهيجي يلاقيكم جاهزين
رفعت أحد حاجبيها لتقول بحيرة واضحة:
- وأنت! مش هترجع ولا ايه؟
نظر إلى الطريق أمامه وأجاب على سؤالها بهدوء:
- هرجع بس رايح مشوار بسرعة كدا وجاي، المهم اجهزوا بس
- تمام ماشي
أنهى المكالمة معها واتجه إلى العنوان الذي أخبرته به «دورا» وما إن وصل حتى توجه إلى الداخل ووصل إليهما بعدما سأل أحد العاملين. توجه بإستياء إلى غرفة والدة «دورا» وما إن وصل حتى تفاجئ بوجود العديد من المرضى بغرفة واحدة بالإضافة إلى سوء المعاملة وعدم نظافة المشفى منذ دخوله في البداية، بحث بعينيه في المكان ليجدها أمام سرير والدتها المتهالك بدون وجود أي معدات طبية، هنا توجه إليها وقال بدون مقدمات:
- ممكن دقيقة بس
تفاجئت به أمامها لكن جديته في الحديث أقلقتها بشكل كبير مما جعلها تتحرك معه إلى الخارج في صمت وما إن أصبحا وحدهما حتى قال بانفعال:
- معلش ممكن اعرف ايه المستشفى اللي جايبة والدتك فيها دي؟ دي تجيب المرض مش تعالجه!
نظرت إلى الأسفل بحرج فشعر هو بالحزن من نفسه لإحراجها بهذا الشكل مما جعله يقول بهدوء:
- أنا آسف مقصدش بس اتعصبت لما لقيت المنظر ده، حاجة زي كدا اتواصلي معايا ومتشيليش هم
رفعت رأسها بهدوء وهددت عبراتها بالانفجار في وقت قريب لتقول بحزن:
- كل حاجة حصلت بسرعة ومكانش قصادي حل، حتى لما اتواصلت مع مستر بكار قالي مجيش الشركة تاني وإني مطرودة
شعر أنها لن تتحمل وستبكي أمامه لذلك ردد بابتسامة:
- طيب اهدي وكل حاجة هتتحل إن شاء الله، الأول ننقل والدتك لمستشفى تانية غير دي ونتطمن عليها وبعدين نتكلم في موضوع الشركة
***
"الــوقــت الــحــالــي"
انتهت صلاة الجنازة واتجه «إلياس» و معه «مراد» و «خلف» وإثنان آخران إلى النعش ليحملوه على أكتافهم ثم اتجهوا إلى خارج المسجد وخلفهم العشرات من الحضور حيث امتلأ الشارع عن آخره وساروا إلى المقابر التي كانت قريبة. وصلوا إلى قبر «ياسر» ونزل «إلياس» إلى الأسفل ومعه «مراد» ليتسلما جثة صديقهما ثم اتجهوا إلى الأسفل حيث الظلام ومعهم من يُنير لهما الطريق. وضعوه أرضًا بالشكل الصحيح وفعلوا كل شيء ثم اعتدل «إلياس» ورمقه بنظرة أخيرة ليودعه بعد أن تسللت عبرة إلى عينيه، هنا ردد بصوت غير مسموع:
- ربنا يرحمك يا ياسر، اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة، مع السلامة يا حبيبي
هنا وقف «مراد» إلى جانبه ووضع يده على ظهره وهو يقول بحزن:
- ربنا يرحمه ويصبرنا على فراقه
صعدوا جميعهم وتم إغلاق القبر ثم بدأ أحد الشيوخ في الدعاء بصوت مرتفع وخلفه الكثير يأمنون على دعائه واستمر هكذا لعشر دقائق قبل أن يقرر الجميع الرحيل.
عاد «إلياس» ومعه «مراد» إلى المنزل وصعدا الدرج ليقول الأول بهدوء:
- هخش اخد دش واريح شوية ساعتين كدا وبعدين ننزل علشان العزاء، كويس إن الحاج خلف كلم حد يجيب كراسي للعزاء علشان حرفيا أنا مش قادر أقف على رجلي
ربت على كتف صديقه بهدوء ليقول هو الآخر بإرهاق:
- عندك حق، مين قادر يقف على رجله، نريح ساعتين وننزل نقف في العزاء
بالفعل اتجه كلٍ منهما إلى باب شقته وطرق «إلياس» الباب لتفتح «إيلين» على الفور وهي تقول بلهفة:
- إلياس حمدالله على سلامتك
دلف إلى الداخل وألقى بجسده على المقعد القطني المجود أمامه ثم أغلق عينيه بتعب شديد فأسرعت «إيلين» وجلست على ركبتيها قبل أن تمسك بيديه قائلة بخوف ولهفة:
- مالك يا حبيبي! تعبان؟
هز رأسه بالإيجاب وتحدث بنبرة خافتة لا يظهر منها صوته جيدًا:
- دايخ ومش شايف قصادي، مطبق من امبارح مع السفر رايح جاي قضى عليا
في تلك اللحظة وضعت يدها على جَبِينه فوجدت حرارته مرتفعة للغاية فصرخت بصدمة:
- يلاهوي أنت سخن أوي، تعالى معايا
ساعدته على النهوض ثم قادته إلى سريره ففرد ظهره عليه بتعب شديد وأغلق عينيه قبل أن تنهض هي وتسرع إلى الخارج لكي تجلب مياة مثلجة وقطعة من القماش لتساعد على انخفاض حرارته وبعد وقت قليل عادت وجلست على طرف فراشه وهي تقول بلهفة:
- إلياس حبيبي حاسس بايه؟
لم يجيبها فهو قد غرق في نوم عميق وربما فقد وعيه بسبب تعبه الشديد، في تلك اللحظة شعرت بالخوف كثيرًا ووضعت قطعة القماش في الماء المثلج ثم قامت بوضعها على جبينه بهدوء.
في خلال وقت قصير كانت تلك القطعة قد سخنت بشدة وهذا ما بث الرعب بداخل قلبها لذلك وضعتها بداخل الماء المثلج مرة أخرى ثم أعادتها إلى جبينه وما إن انتهت حتى نهضت وارتدت حجابها ثم ركضت إلى شقة «مراد» وطرقت الباب وما هي إلا ثوانٍ قليلة حتى فتحت «كريمة» الباب لتصرخ «إيلين» في وجهها قائلة:
- الحقيني يا ماما إلياس حرارته مرتفعة جدا ومش بيرد عليا، أنا مش عارفة اعمل ايه
اتسعت حدقتاها بخوف وتحركت معها إلى الشقة وخرج «مراد» على هذا الصوت فركض خلفهما إلى شقة صديقه.
اقتربت «كريمة» من «إلياس» ووضعت يدها على جبينه فوجدت حرارته مرتفعة للغاية وليس هذا فقط بل كان جسده يرتعد بصورة مخيفة. في تلك اللحظة وصل «مراد» وهتف بقلق واضح:
- فيه ايه يا ماما إلياس ماله
اعتدلت بجسدها ورددت بنبرة تحمل الخوف والقلق:
- انزل بسرعة الصيدلية وهاتله حقن للسخونية وللبرد، واضح إن جاله برد في السفر ومع التعب وقلة النوم أثر بالشكل ده عليه، بسرعة يا مراد متتأخرش
تحرك «مراد» بسرعة كبيرة وركض إلى الأسفل ومنه توجه إلى الصيدلية الموجودة على الطريق الخارجي أما عن «إيلين» فكانت في حالة إنهيار بسبب حالة «إلياس» الذي لم تراه هكذا من قبل. نظرت إليها «كريمة» ورددت بهدوء:
- اهدي يا إيلي هيقوم بالسلامة إن شاء الله، دلوقتي مراد يجي ويديله الحقنة وهيبقى بخير
رددت من بين بكائها الشديد وهي تضع كلتا يديها على وجهها:
- خايفة اوي يا ماما يحصله حاجة، إلياس هو كل حاجة في حياتي مش بس ابن خالتي، ده أبويا وأخويا وسندي
شعرت بحزنها مما جعلها تنهض وتتجه إليها وهي تردد بنبرة هادئة لتبث الطمأنينة والسكينة بداخل قلبها:
- إلياس قوي وهيبقى بخير إن شاء الله، متعيطيش وساعديني نعمله كمادات تهدي السخونية شوية عقبال ما مراد يجي، يلا يا حبيبتي
هزت رأسها عدة مرات بالإيجاب وتوجهت إلى قطعة القماش وبدأت في وضعها بالمياة المثلجة ثم قامت بوضعها على جبينه بينما تحركت «كريمة» وجلبت بعض قطع الثلج ووضعتها بالإناء.
***
نجح في نقل والدة «دورا» إلى مستشفى أخرى مجهزة بأحدث المعدات الطبية وتحدث مع طبيب صديق لوالده بتعيين فريق طبي لمعالجتها ومتابعة حالتها الصحية وما إن انتهى حتى اتجه إلى الخارج حيث «دورا» التي تحركت بإتجاهه وهي تقول بإحراج:
- المكان هنا مختلف خالص، دي مستشفى خاصة والتكاليـ...
رفع يده أمام وجهها ليوقفها عن تكملة حديثها ثم قال بهدوء:
- أولا كل التكاليف دي بابا اللي هيدفعها لأنه ملزم بده مع أي حد شغال معانا ثانيا بقى مش عايزك تشيلي أي هم من ناحية الشغل لأن بابا رجعك الشغل تاني وهيديكي إجازة بمرتب لغاية ما تطمني على والدتك
رفعت حاجبيها بدهشة وعدم تصديق وهزت رأسها بتعجب قائلة:
- بس ده كتير أوي وبعدين مستر بكـ...
قاطعها مرة أخرى وتابع بجدية:
- مش كتير ولا حاجة ده حقك، معلش بقى هضطر أمشي علشان عندي ميعاد واتأخرت، ألف سلامة على والدتك
ابتسمت ورددت بنبرة خافتة:
- الله يسلمك
في تلك اللحظة تركها واتجه إلى الخارج حيث سيارته لكنه قبل أن يستقلها دس يده بجيب بنطاله ليُخرج هاتفه الذي لم يكف عن الرنين وضغط على زر الإجابة ليقول بانفعال:
- ايه يا ماما سبعين مكالمة، مردتش عليكي في المرة الأولى يبقى اكيد مشغول أو بعمل حاجة
هنا ظهر صوت «ابتسام» ليعبر عن غضبها وعدم رضاها:
- إحنا المفروض كنا هنتحرك معاك في عربيتك لهناك ده غير إننا كنا عايزين نوصل بدري شوية علشان تلاقي فرصة تتكلم فيها مع بنت عمك مريم قبل ما سليم ابن جمال يجي ويخطفها منك لكن بالتأخير ده كل حاجة باظت وأنا واختك خلاص قربنا نوصل
لوى ثغره بإستياء من تفكير والدته ودلف إلى داخل سيارته وهو يقول:
- يا ماما قولتلك مريم دي مش في دماغي، خلي سليم يخطفها حلال عليه
- ايه اللي بتقوله ده، أنت لو اتجوزت مريم هتكسب وابوك هيكسب، أنت نسيت إن عمك عضو مجلس الشعب وأغنى حد في العيلة دي يعني ...
أدار سيارته وتحرك بها قبل أن يقاطع حديثها في هذا الموضوع الذي لا يحبه على الإطلاق:
- ماما أنا عاجبني حالي كدا، ميفرقش معايا مراكز ولا فلوس، كلها مظاهر كدابة أهم حاجة القلب وأنا مش هتجوز غير اللي قلبي يختارها، سلام بقى علشان داخل على لجنة وهتاخد مخالفة
***
وصل «مراد» إلى المنزل وأخرج الحقن الخاصة بصديقه ثم أخبرهم بالخروج بعد أن قام بتجهيزها وما إن خرجا حتى قام بإعطائه إياها وعدل من وضعية جسده مرة أخرى قبل أن يسحب الغطاء ويلفه حول جسده وهو يقول:
- اجمد يا إلياس، إن شاء الله تقوم بالسلامة
ثم اتجه إلى باب الغرفة وفتحه مرة أخرى ليقول بهدوء:
- أنا اديته الحقنة وإن شاء الله السخونية هتروح وأول ما يفوق لازم ياخد العلاج ده
هزت «إيلين» رأسها بالإيجاب ورددت بامتنان:
- شكرا يا مراد أنت وماما معلش تعبتكم
هنا تحدثت «كريمة» لتقول باعتراض:
- متقوليش كدا يا إيلين، إلياس ده يبقى ابني زي مراد بالظبط
هنا ابتسم «مراد» ليقول هو الآخر:
- وبما إنه ابنها يبقى أخويا أنا كمان، لما يفوق طمنينا عليه وأنا هبقى اتطمن كل شوية عليه إن شاء الله
وقبل أن يتحرك تحدثت «كريمة» مرة أخرى:
- خليكي جنبه وأنا هعمل الغداء النهاردة وبكرا لغاية ما يتحسن، هعمله شوربة خضار تخليه زي الحصان
ابتسمت «إيلين» ورددت بحب:
- تسلمي يا ماما ربنا ميحرمناش منك أبدا
***
وصلت عائلة «جمال» في البداية إلى قصر «مرزوق» وترجل هو وزوجته وابنه من سيارته ليجد الكثير من الخدم يقفون في صفين متقابلين لاستقبالهم، في تلك اللحظة مال الأب على ابنه وقال بصوت غير مسموع:
- طبعا أنت عارف هتعمل ايه يا سليم، مريم عايزها خاتم في صباعك
ابتسم ووضع كلتا يديه في سترته قبل أن يقول بثقة كبيرة:
- اتفرج يا بابا وشوف بنفسك
هنا تحدثت «خلود» زوجة «جمال» وقالت بإستياء شديد:
- شايف عازمنا وحتى مش مكلف نفسه يقف يستقبلنا
ابتسم «جمال» وقال بتعالي وهو ينظر أمامه:
- حقه، الراجل عضو مجلس الشعب وأغنى واحد في العيلة، سيبيه يتبسط باليومين دول علشان بعد كدا إحنا اللي هنركب وساعتها محدش هيعرف ينزلنا
قاطعهم «سليم» في تلك اللحظة وردد بجدية:
- يلا نخش علشان محدش يقول حاجة
بالفعل تقدموا للداخل وسط إستقبال حافل من العاملين بالقصر وكان في استقبالهم من الداخل «اسماء» زوجة «مرزوق» التي ابتسمت ورحبت بهم قائلة:
- نورتوا القصر، اتفضلوا اتفضلوا
دلفوا إلى الداخل وتوجهوا إلى حديقة القصر الضخمة والتي كانت مُعدة ومجهزة من أجل هذا الحفل الصغير. جلست معهم «اسماء» وبدأت في الحديث معهم حول بعض الأحداث التي حدثت من قبل واستمرت في الحديث حتى قال «جمال» بحيرة:
- أومال فين مرزوق، شايف يعني إنه مش موجود ولا حتى استقبلنا
رسمت ابتسامة هادئة على وجهها لتجيبه بثقة:
- مرزوق بيجهز كام حاجة مهمة، أظن هو هيقولكم عليها النهاردة بعد الغداء، متقلقش يا جمال دي مفاجأة هتعجبكم جدا
في تلك اللحظة ظهرت «مريم» التي كانت تسير بعيدًا عنهم مجاورة للمكان المخصص للسباحة فنهض «سليم» الذي ردد بجدية:
- بعد اذنكم هتمشى شوية
تركهم واتجه صوبها وما إن اقترب منها حتى رسم ابتسامة مزيفة على وجهه ليقول بنبرة هادئة:
- ازيك يا بنت عمي، أول ما شوفتك سيبتهم بالكلام اللي بيقولوه وجيت، بقالنا كتير مقعدناش مع بعض زي زمان
ابتسمت ابتسامة هادئة قبل أن تجلس مكانها وهي تقول:
- ازيك يا سليم، عاش من شافك
جلس هو الآخر بجوارها ونظر إلى حيث تنظر ليقول:
- أنا الحمدلله بخير، على فكرة أنا كنت مسافر لشغل مهم بس لما عرفت إننا معزومين عند عمي مرزوق لغيت كل حاجة علشان ابقى موجود واشوفك، الصراحة لسة قمر زي ما أنتي
اتسعت ابتسامتها ونظرت إليه لتقول هي الأخرى:
- وأنت لسة حلواني كلام زي ما أنت
ضحك على ما قالته ومال إلى الخلف ليسند بكلتا يديه على الأرض قائلًا:
- مش مع أي حد على فكرة ده غير إن الكلام ده بيبقى خارج من القلب مش مجرد كلام، سيبك من ده كله وقوليلي عاملة ايه في الكلية بتاعتك
مالت هي الأخرى إلى الخلف وأجابت على سؤاله:
- اتخرجت السنة دي، أنت نسيت إني توأم هاني وهاني اتخرج السنة دي يعني أنا كمان اتخرجت وأنت عامل ايه في شغلك وحياتك
ابتسم ونظر أمامه قبل أن يجيبها:
- زي الفل، ماشي بمبدأ هو اللي اتعلم خد ايه ما الدنيا كدا كدا هتحط عليه
ضحكت ونظرت إليه لتقول باهتمام:
- مش ندمان إنك سيبت التعليم من ثانوية عامة!
حرك رأسه بمعنى "لا" وأجاب على سؤالها بسخرية:
- تؤ تؤ، التعليم ده للفقير اللي بيدور على شهادة تخليه يشتغل، مقصدش انتي أو هاني طبعا لأنكم حالة خاصة بس عن نفسي أنا معايا فلوس وغني، مش محتاج الشهادة دي في حاجة، كل اللي عايز اتعلمه هو البيزنس والشغل وبس
على الجانب الآخر وصلت عائلة «بكار» ولكن بدون «كرم» الذي لم يأتي معهم لسبب لا يعرفوه. ترجلوا من السيارة ووجدوا استقبال حافل من العاملين بالقصر، هنا نظرت «ابتسام» إلى زوجها وقالت بعدم رضا:
- عاجبك اللي بيعمله ابنك كرم ده؟ أهو سليم وصل من بدري وزمانه خطف مريم دلوقتي
لوى ثغره بإستياء وقال بهدوء وهو يستعد للدخول:
- أنتي عارفة إن كرم دماغه ناشفة وبيعمل اللي على مزاجه بس، عمره ما فكر زي ما بفكر أنا أو أنتي حتى أخته طالعة له
هنا رفعت «سما» أحد حاجبيها لتعبر عن عدم رضاها قائلة:
- الله وليه التهزيق ده على الصبح، وربنا اسيبلكم البيت وارجع، أنا جاية بالعافية أصلا
تقدموا إلى الداخل واستقبلتهم «اسماء» وعائلة «جمال» عدا «سليم» الذي كان يجلس مع «مريم» بحديقة القصر. جلسوا جميعهم بالحديقة وبدأوا الحديث فيه عدة موضوعات.
على الجانب الآخر نظرت «مريم» إلى سليم ورددت بتساؤل:
- غريبة يعني عمك بكار وعيلته وصلوا بقالهم نص ساعة ومقومتش تسلم عليهم
ابتسم بسخرية ونظر إلى المياة أمامه قبل أن يقول:
- اليوم طويل ولسة فيه غداء وحكاوي نبقى نسلم ساعتها ولا أنتي زهقتي من قعدتي؟
في تلك اللحظة ظهر «كرم» الذي دلف إلى الحديقة وصافح الجميع، هنا نهضت «مريم» بعد أن تبدلت تعابير وجهها إلى الفرح ورددت بسعادة:
- ايه ده كرم وصل
تركته وتحركت بسرعة تجاه «كرم» وسط غضب «سليم» الذي لم يصدق ما فعلته فهي لم تهتم به كما فعلت الآن عند وصول «كرم»، ضغط على أسنانه بغضب وقال بعدم رضا:
- قولي بقى إن عينك من كرم، اوعي تفتكري نفسك حاجة ولا أنا ميت في دباديبك، أنا أصلا وجودي هنا علشان المصلحة وشغلي بس، ماشي نشوف مين هيكسب أنا ولا كرم باشا التافه
***
كان جسده يرتعد ويتصبب العرق من جبينه بصورة مخيفة ومرعبة إليها فهي لم تراه في تلك الحالة من قبل، كان يتحدث بكلمات مفهومة تارة وغير مفهومة تارة أخرى ومن بين تلك الكلمات المفهومة كان يقول:
- إيلـ..ين، بابا أنا آسف، آسف مقدرتش احميك منهم، آسف يا ماما مقدرتش احمي بابا، ابعدي عنهم يا إيلين، ابعدي عن الطريق الضلمة ده
في تلك اللحظة أمسكت بيده وانهمرت دموعها وهي تقول بصوت باكي:
- أنا جنبك يا إلياس، جنبك يا حبيبي، علشان خاطري قوم ورد عليا
لم يجيبها فهو كان كالغريق الذي استحال انقاذه مما جعلها تبكي بصوت مرتفع وقررت أن تصلي وتدعوا الله بأن يشفيه وبالفعل نهضت من مكانها وتوضأت ثم عادت إلى تلك الغرفة ووقفت لتصلي وما إن سجدت حتى أجهشت بالبكاء وطلبت من الله أن ينقذه مما هو فيه فهو كل شيء بالنسبة لها.
***
طرق الباب بهدوء فرفع «عمر» صوته من الداخل قائلًا:
- ادخل
دلف «جلال» الذي كان بيده عدة أوراق ووضعها على المكتب أمام «عمر» قبل أن يقول:
- إلياس سعادتك، ابن هادي رأفت مرجان اسمه إلياس واختفى فعلا في اليوم اللي هو مات فيه ومحدش عرف يوصله تاني من ساعتها، فيه ناس بتقول مات وفيه بيقولوا سافر لكن لما دورت عن اسمه كامل لقيت فعلا فيه بطاقة بالاسم ده وصاحبها هو إلياس وعايش في القاهرة وكل حاجة عندك في التقرير يا عمر باشا
نهض من مكانه بعد أن احتلت تعابير الصدمة والدهشة وجهه ليقول بثقة:
- اللي في دماغي حصل يا جلال وطلع عايش
ثم التف حول مكتبه وسار وهو يقول بذهول:
- معقولة بعد السنين دي كلها يظهر بالشكل المفاجئ ده! يعني لولا موت صاحبه كان هيفضل ميت في نظر ناس كتير
ضم «جلال» ما بين حاجبيه بعدم فهم ليقول بتساؤل:
- مش فاهم سيادتك، قصدك ايه؟
التفت «عمر» ليجيبه على سؤاله قائلًا:
- إلياس هو اللي صاحبه ياسر اتقتل وبالصدفة حققت في القضية دي مع طارق اللي قالي إنه شاكك فيه والنهاردة الصبح قابلته في المقابر عند هادي رأفت مرجان وكان بيعيط، ساعتها سألته أنت ابنه قالي إن ابنه هرب ومحدش يعرف مكانه وإنه حد هادي كان ليه فضل عليه وبالصدفة روحت المشرحة لقيته قصادي وعرفت إن اسمه إلياس، علشان كدا خليتك تعرف كل حاجة عن ابن هادي وفعلا اتأكدت
- فهمت سعادتك
تحرك مرة أخرى في المكان وهو يفكر ويعبر عن تفكيره بحديثه قائلًا:
- طيب ليه اختفى السنين دي كلها؟ ليه مش عايز حد يعرف بوجوده رغم إن ده هيديه مكانة كبيرة بسبب عيلته! فيه لغز عند إلياس ولازم أحل اللغز ده...لازم
يتبع الفصل السابع اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية شمس الياس" اضغط على أسم الرواية