رواية ليتني مت قبل هذا الفصل السادس بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل السادس
كانت غزل تجلس إلي جوار السيدة كاريمان تسند يديها أسفل خديها وتستمع إلي حكاياتها التي أصبحت جزءاً هاماً من يومها لتقول: أفهم من كده إنك فضلتي تحبيه رغم اللي كان بيعملوا فيكي و رغم إنه إتجوز عليكي!
أومأت كاريمان بإبتسامه تمتزج بها آلام الذكريات وقالت: لله يرحمه مكانش سايبلي إختيار غير إني أحبه كل يوم أكتر من اللي قبله، طول عمره كان حنين عليا و عمره ما كان قاسي.
تسائلت غزل بتعجب وقالت: كل ده و مكانش قاسي!! هي القسوة بالنسبة لك إيه؟!
نظرت كاريمان أمامها بشرود و أردفت: القسوة ليها معاني كتيرة يا غزل غير اللي إنتي فاهماها، أو يمكن أنا عشان كنت بحبه أوي كنت ببص للأمور من زاوية تانيه غير كل الناس، القسوة بالنسبه لي هي مش إنه يضرب و يهين و يخاصم و يجافي، لأ، القسوة بالنسبه لي كانت لو جيت في يوم بكيت و ممسحش دموعي، لو لقاني عايزة أعيط و محضنيش، لو حسيت لمسته ليا راح منها الدفا اللي كان ملازمها، لو نبرة صوته وهو بيتكلم معايا مبقاش فيها نفس اللهفه اللي بيتكلم بيها.
ثم نظرت إلي غزل وقالت: لو هنحسب القسوة بالمقاييس بتاعتي يا غزل فهو عمره ما كان قاسي عليا.
لم يَسعها سوي أن تبتسم لتلك الكلمات التي مست قلبها لتردف الأخري بتأكيد وقالت: القساوة قساوة القلب يا غزل مش أي حاجة تانيه.
نظرت إليها غزل وقالت: إنتي غريبه أوي يا ماما كاريمان، للدرجه دي كنتي بتحبيه!! وهو إزاي مقدرش إنك بتحبيه الحب ده كله وراح إتجوز عليكي؟!
نظرت كاريمان للجانب و لمعت عيناها بألم وقالت: الله يرحمه كان مهووس بالستات، كان دايماً يقوللي دي حاجه غصب عني و الحب حاجه و الجواز حاجه تانيه.
سألتها غزل بفضول: هو إتجوز كام مرة!
_6مرات!
نطقتها كاريمان بإبتسامه ساخره لتجد غزل وقد إتسعت عيناها بدهشه وقالت: 6 مرات وإنتي علي ذمته و موافقه و راضيه!
أومأت أن نعم وقالت: كنت خايفه عليه يعمل حاجه حرام و خصوصاً إني تأكدت إن الستات بالنسبه له زي مرض هو مش عارف يتعالج منه، عمره ما كان ضعيف قدام حاجه غير الستات.
قالت غزل بإمتعاض: بس ده مش مرض، دي فراغة عين و طفاسه، طالما مكانش قادر يكتفي بيكي يبقا كان لزمته إيه الحب اللي بينكوا!
ثم أضافت بقوة: إسمحيلي أقوللك إنك كنتي مغيّبه وهو كان بيستغل حبك ليه أبشع إستغلال.
قالت كاريمان بنفي: لا أبداً متقوليش كده، عمره ما إستغلني أنا كنت راضيه بكل حاجه وهو مغصبش عليا ولا مرة إني أوافق أو أقبل بالوضع ده.
جادلتها غزل قائلة: لأنك مكنتيش محتاجه للضغط أو الغصب أساساً هو وصلك لمرحلة من الإبتزاز العاطفي خليتك مهيأه لكده، إنك تدوري علي راحته و سعادته علي حساب راحتك و سعادتك و... و كرامتك كمان!
نطقت الأخيرة بقوة لتنظر لها كاريمان بضيق وتقول: إطلبي لي أكرم إبني!
قامت بالإتصال بولدها الذي أتي في غضون دقائق لتنصرف غزل علي الفور فقالت له: أنا مش عايزة البنت دي تاني.
نظر لها إبنها بتعجب وقال: ليه يا أمي مالها ضايقتك في إيه؟!
أردفت بغضب: من غير ليه.. مش عيزاها تيجي هنا تاني!
زم شفتيه بحيرة وقال: حاضر يا ست الكل اللي تشوفيه.
ثم قام بالإتصال بـ غزل التي أجابت علي الفور متسائلة بإهتمام فقالت: أيوة يا باشمهندس، خير في حاجه؟!
تتنحنح قائلاً بحرج: مساء الخير يا آنسه غزل، الحقيقه مش عارف أجيبهالك إزاي بس والدتي مبقتش عايزة حد ييجي يقعد معاها.
إبتسمت ببساطه وقالت: كنت متأكده إنها هتاخد مني موقف بعد اللي حصل النهارده.
ليتسائل مستفهماً فقال: إيه هو اللي حصل النهارده؟!
أجابت غزل ببساطة: أبداً، كانت بتحكيلي عن والدك الله يرحمك و إنه كان راجل مزواج و إنها كانت راضيه و موافقه فأنا قولتلها إنه كان بيستغلها و بيستغل حبها ليه.
ضحك قائلاً: يعني إنتي اللي جنيتي علي نفسك، أصل بابا الله يرحمه يستي من المحظورات عندها مبتسمحش لحد يقول عليه حرف مش علي هواها، بتحبه بجنون زي منتي شايفه كده فإنتي كنتي بتلعبي في الثوابت عندها عشان كده هي قالت تلحق نفسها و تستغني عنك قبل ما تتأثر بكلامك.
إبتسمت غزل وقالت: عالعموم حصل خير، ربنا يخليهالك و يديها الصحه وطول العمر.
تمتم قائلاً: االلهم آمين يارب، أتمني تتفهمي موقفي و متكونيش متضايقه.
أردفت بهدوء: لا أبداً مفيش حاجه، مع السلامه.
أنهت الإتصال بعدها لتذهب بخيالها إلي مؤنس وحدتها و رفيق أحلامها الأوحد وقد أنّ قلبها شوقاً إليه لتتمتم قائلة: الله يرحمك يا يـحيي.
مر أسبوع وقد نفذ صبر سليمان وهو ينتظر جواب يُسر التي أهلكت أعصابه بغنجها الزائد ليقرر أنه سيقوم بالإتصال بها اليوم و ليكن ما يَكُن.
أمسك بهاتفه بأيدٍ مرتجفه وقام بمهاتفتها لتتجاهل هي إتصاله مرات و مرات لتجيب أخيراً فقالت بصوتٍ ناعس راقه كثيراً: ألو، أيوة يا عمو.
تنحنح قائلاً: أيوة يا يُسر إنتي كنتي فين كل ده؟
_معلش مسمعتش التليفون، كان في حاجه؟!
قال بضيق: أيوة في، فات أسبوع علي آخر مكالمة بيننا و قولتيلي هتفكري و تردي عليا و بردو مردتيش لا بـ آه ولا بـ لأ، ممكن أعرف ده تجاهل ولا طناش ولا رفض ولا إيه بالظبط؟!
قالت بهدوء: لا والله أبداً لا تجاهل ولا طناش.
ضيّق عينيه قائلاً: يبقا رفض!
زفرت مطولاً وقالت: بص يا عمو بصراحه أنا فكرت في الموضوع ده لقيت إني كده هظلم صافيه و أنا مش هقدر أظلمها لأني مشوفتش منها حاجه وحشه....
قاطعها قائلاً: لااا لو صافيه هي اللي شغلاكي متقلقيش أنا إتفاهمت معاها وهي موافقه.
تمتمت بصدمه: موافقه؟! موافقه إننا نتجوز؟!
قال مؤكداً: أيوة موافقه، هي عارفه إننا بنفكر في مصلحة العيال و بس.. لو علي صافيه متحمليش هم.
أردفت بتفكير و تمهل: طيب و بابا الحج خد خَبَر؟
_أيوة طبعاً عارف هو أنا معقول هخطي خطوه من غير عِلمه و مباركته كمان، إطمني هو كمان موافق.
صمتت ليتابع هو قائلاً: أظن كده مبقاش في أي موانع! هااا بقا موافقه ولا مش موافقه؟!
=موافقة. نطقتها بتمهل ليبتهج وجهه و يعلوه البِشر و السرور فقال مسروراً: علي خيرة الله.. أنا هبلغ الحج و نكتب الكتاب علي آخر الأسبوع إن شاء الله.
تمتمت بموافقة: ماشي بإذن الله.
أنهي الإتصال وقلبه يتراقص طرباً و سعادة بهذا الخبر السعيد ثم قام بالإتصال بصديقه قائلاً: ألو، إزيك يا أبو يونس.
_سليمان إيه أخبارك عاش من سمع صوتك يا راجل.
=بخير الحمدلله والله، إسمعني، عايزك تجهز لي طقم دهب كامل مكمّل بس تكون حاجه نقاوة علي ذوقك، و هفوت عليك بالليل إن شاءلله آخده.
_إيه ناوي تتجوز ولا إيه؟!
مسح سليمان جانب فمه بإبهامه و أردف بِزَهو فقال: أاه، عقبال عندك.
قال الآخر متعجباً: بتتكلم جد؟! ده أنا كنت بهزر! عالعموم ربنا يتمم بخير يا ريّس.
شكره سليمان قائلاً: تسلم يا غالي عقبال أولادك.
و أنهي المكالمه ليغلق مِتجره و يعود إلي البيت ثم دلف إلي شقة والده ليجده قائماً يصلّي فإنتظر حتي فرغ من صلاته وقال: حرماً يا حج.
_جمعاً بإذن الله.
قالها والده وهو يجلس إلي مقعده ليبادر سليمان بالحديث قائلاً: يُسر وافقت يابا.
نظر إليه والده و هز رأسه بهدوء علامةٍ منه في عدم رغبته بالحديث ليتابع سليمان قائلاً: و صافيه كمان إتفاهمت معاها و خدت منها الموافقه.
أعاد والده النظر إليه وقال بإقتضاب: علي خيرة الله يا سليمان.
ذهب سليمان و جثا علي ركبتيه أمام مقعد والده و أمسك بيده يقبلها قائلاً: إنت مش مبسوط يابا؟! صدقني لو مش عاوز الموضوع ده أنا هصرف نظر عنه للأبد، أهم حاجه رضاك.
ربت والده علي كتفه قائلاً: اللي ميغضبش ربنا ميغضبنيش يبني، أهم حاجه متظلمش يا سليمان!
نظر إليه سليمان مستفهماً ليردف والده قائلاً: متميلش لواحده علي حساب التانيه يا سليمان، لازم تعدل بينهم علي قد ما تقدر، و تراعي إن يُسر هتيقا مراتك زي صافيه بالظبط يعني الإتنين ليهم نفس الحقوق.
أفتر ثغره عن إبتسامه حتي تبينت نواجزه ليقول بحماس: من الناحيه دي متقلقش يابا.
أومأ والده موافقاً وقال: علي بركة الله.
_إن شاءلله كتب الكتاب يوم الخميس.
قالها سليمان لينظر إليه والده ويقول: بإذن الله علي خير.
_ياارب، هطلع بقا أبلغ صافيه.
ثم إنصرف صاعداً نحو شقته ليجد صافيه تجلس متجهمة الوجه فبدأ هو بإرتداء قناع الحزن و دخل يجر قدميه جراً و تهاوي بجسده إلي الأريكه التي تجلس عليها صافيه منتظراً أن تبادر هي بالحديث كعادتها كل يوم متسائلة عن حاله أو عن سبب ضيقه ليجدها آثرت الصمت دون النبس بكلمة واحده لينظر إليها متعجباً و تتبدل الأدوار ليبادر بالحديث قائلاً: مالك يا صافيه؟! قاعدة سرحانه كده ليه؟
قالت بإقتضاب دون النظر إليه: مفيش حاجه.
زاد تعجبه ليجلس مقابلاً لها و يمسك بيدها قائلاً: مفيش إزاي؟! أكيد في حاجه مضايقاكي.
نظرت إليه بقوة و أردفت: إيه أخبار العروسه الجديدة؟!
نظر إليها بتعجب وقال: العروسه الجديده؟!
أومأت بموافقه وقالت: أيوة، أصل أنا بقالي كذا يوم مشوفتهاش، أما إنت علي إتصال معاها عشان كده بسألك إنت عنها.
قال مستفهماً: علي إتصال معاها؟! مين اللي قاللك كده؟!
أجابت بحدة: زينب اللي قالتلي، كانت عندها و شافت موبايلها بيرن بإسمك.
قال مغتاظاً: و إنتي معيّنه مخبرين عليا ولا إيه يا صافيه؟! جري إيه، إنتي هتخيبي ولا إيه؟!
قالت بضيق: و انا من إمتا كنت بعمل كده يا سليمان ولا هو ده طبعي أصلاً؟!
قال مستفهماً: أومال في إيه؟!
_الحكايه و ما فيها إن زينب كانت فوق بالصدفه و شافت إسمك علي تليفونها و كمان وقفت تتصنت عليها وهي بتكلمك و سمعتها بتقولك جواز و مش جواز، و إنت عارف زينب مبتصدقش خبر و بتحب تعمل خير أوي، نزلت تجري تبلغني.. وأنا قعدت قدامها زي العيله الصغيره مش عارفه أرد عليها أقول إيه.
ثم أردفت بحزن: أنا إتحطيت في موقف وحش أوي يا سليمان.
تأفف قائلاً: صاااافيه، عشان خاطر ربنا أنا مش ناقص لت حريم ملوش عازة، كفايه عليا القرف اللي أنا فيه، مش عارف هلاقيها من الشغل اللي مضروب ولا من أبويا اللي بيضغط عليا في الطالعه و النازله و مش راضي يتكلم معايا الا أما أعمله اللي هو عايزه، ولا منك إنتي كمان وأنا شايفك بتضغطي علي نفسك عشان تريحيني وأنا مش عارف أخفف عنك إزاي.
ثم قال وهو يضع رأسه بين كفيه: حراام كل ده والله، ده فوق طاقتي بجد.
لم يَفشل يوماً في إبتزازها عاطفياً ليجعلها هي من تقدم له الحلول التي يريدها علي طبق من فضه بالإضافه إلي شعورها بالذنب تجاهه أيضاً لكونها أفصحت عن ما بها من ضيق و إستياء.
إقتربت أكثر منه لتجذبه إلي صدرها وتمسح علي رأسه وقالت: خلاص يا سليمان أنا آسفه، حقك عليا مش هتكلم معاك في الموضوع ده تاني، إسمع كلام أبوك و أكسب رضاه وأنا عليا الإستحمال.
إحتضنها بشدة وأردف قائلاً: مش عارف أعمل إيه يا صافيه، تعبت، وأبويا مش راحمني، ده حتي لسه وأنا طالع بيقولي إعمل حسابك كتب الكتاب يوم الخميس!
إبتلعت غصه في حلقها وقالت بألم: معلش يا سليمان، الخميس من الجمعه مفرقتش طالما كده كده مصمم علي حاجه هيعملها.
أومأ متنهداً ليمنح جبينها قبله عميقه ويقول: معلش يا صافيه يا بنت الأصول، وضع و كلنا مجبرين نتقبله، ربنا يسامحه أبويا بقا.
إبتسمت هي ببشاشه هلي عكس ما يعتمل بداخلها من ألم و حسرة وقالت: ولا يهمك يا حبيبي، يلا إدخل غير هدومك و تعالي نتعشي، عملالك كل الأكل اللي بتحبه.
أومأ مبتسماً لتنصرف هي بإتجاه المطبخ فـ زفر براحه وهو يمنّي نفسه بإقتراب مراده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تجلس شارده كعادتها تفكر بهِ فكيف لها أن تنساه وهو من أول من داعب قلبها و إنتزع إبتساماتها فلطالما عشقته و إنتظرته ولكنها أبت ان يبدو ذلك عليها فهي كانت لا تزال صغيرة وتراه قد لا يلتفت لها يوماً فكيف لها أن تطمح في ذلك وقد يراها طفلة في نظره، فـ كبتت مشاعرها بينها وبين نفسها وعانت من لوعة الحب الصامت الذي لم يُلهب إلا وجدانها وحدها.
كانت تأمل أن ربما بداخله شيء نحوها هو الآخر ولم ير منها شيئا يدفعه لأن يصرّح لها بما داخله فإنتظرته ليالٍ طوال.
هكذا قيدت غزل تلك المشاعر و دعتها تكبر داخلها فقط هي وحدها حتى فوجئت بخبر زواجه من يُسر لتنسحب علي الفور من وسط ذلك الجمع الغفير وهي تحبس دمعاتها لأنها لم تحمل داخلها إلا لوعة الحب والفراق.
مسحت دمعاتها التي طفقت تسبح فوق وجنتيها و أسبلت جفنيها توّد النوم حتي تنعزل به عن عالمها المُهلك ولكن أنَّي لها ذلك.
رأت يحيـي يجلس مبتسماً لها وهي تدنو بخطواتها منه حتي إقتربت منه و توقفت أمامه لتجده ما زال ينظر بإتجاهها و يبتسم ولكن ليس لها فنظرت خلفها لتجد يُسر في مكتمل أنوثتها تقف وعلي ثغرها إبتسامه فاتنه و يحيـي ينظر لها و يبتسم ثم نهض عن مقعده و سار إليها حتي توقف أمامها ليجد أنها لا تنظر له ولا زالت تبتسم فنظر خلفه ليجد سليمان وقد بدا وسيماً للغايه يختلط شعره بسواد الليل و بياض الفجر معاً ينظر لـ يُسر و يبتسم ثم سار نحوها ليحتضنها علي مرأي عينيّ يحيـي ليسقط هو أرضاً من هول الصدمه و يضرب الأرض حزناً بيديه و ينتحب بشدة فهرولت هي ناحيته لتجد قدميها وقد تثبتت بالأرض لا تقوي علي رفعهما وكإنهما قد إلتصقتا بالأرض لتقف هي حزينه تبكي علي ما آل إليه حال يحيـي وهو يجلس بمكانه ينظر لـ زوجته و شقيقه وهما يتعانقان و ينظران نحوه بحقد و يضحكان بسخريه لتنتفض هي من نومها بفزع وراحت تتمتم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
خرجت من غرفتها لتجد والدها ما زال مستيقظاً ويدخن السجائر وهو شارد لتقترب منه وقالت: لسه صاحي ليه يا بابا؟!
نظر إليها قائلاً: مفيش حاجه يا غزل إنتي إيه اللي مصحيكي لحد دلوقتي؟!
زفرت بتوتر وقالت: قلقت مفزوعه، كنت بحلم حلم وحش أوي!
نظر إليها قائلاً بإهتمام: خير اللهم اجعله خير، إقعدي و إحكيلي.
قصّت له ما رأته ليبتسم متهكماً ويقول: ده مش حلم ده حقيقه!
نظرت إليه بتعجب وقالت: حقيقه إزاي مش فاهمه؟!
سحب نفساً من سيجارته وأردف: عمتك صافيه كانت بتكلمني دلوقتي و قالتلي إن سليمان هيتجوز مرات يحيـي الله يرحمه.
فعرت فاها بصدمه وقالت: معقول؟! و إزاي يُسر توافق علي حاجه زي دي؟! و إزاي عمتي صافيه تقبل بالوضع ده؟
زفر قائلاً: عمتك مغلوبه علي أمرها يا غزل، منتي عارفه هي بتحب جوزها قد إيه، وبعدين هو هيعمل كده بأمر من أبوه عشان عيال أخوه يتربوا وسط أهلهم، يعني هو كمان مغلوب علي أمره.
نظرت إاي والدها بعدم إقتناع وقالت: مفيش حاجه إسمها مغلوب علي أمره، هو مش عيل صغير، و كمان هي مسمهاش مغلوبه علي أمرها لا دي إسمها سذاجه و ضعف و إستسلام....
قاطعها قائلاً: متحكميش علي حاجه إنتي مش عايشه فيها ولا مجرباها يا غزل ربنا يعين كل حي علي حاله.
أومأت بهدوء وقالت: معاك حق، هدخل أنا أكمل نوم، تصبح على خير.
دخلت إلي غرفتها و لم يكحل النعاس جفنيها فبقت شارده تسب و تلعن يُسر التي سرقت منها يحيي أولاً و عادت لتسرق سليمان من عمتها ثانيةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتي الموعد المنتظر علي أحرّ من الجمر ليستقبله سليمان بفرحة و سرور جاهد أن يخفيها و لكنه فشل مما أثار خوف صافيه من القادم ولكنها حاولت التحلّي بالصبر حتي لا تتسبب في أي شئ قد يفسد ذلك اليوم فبدأت بتحضير ثياب سليمان والذي كان يستعد أتم الإستعداد.
_صافيه، أنا طالع عايزة حاجة؟!
نطقها ببساطه حتي أنه قد نسي أن يتصنّع الحزن لتنظر صافيه له بألم ثم قالت: عاوزة سلامتك.
طبع قبلةً باردة علي رأسها و إنصرف للأعلي مسرعاً متخذاً سبيله إلي شقتها هرولةً ثم دق الباب دقات متلهفه ليفتح له زياد فحمله و قبّل وجنته قائلاً: ماما فين يا زيزو؟
_ماما في الأوضه، أناديلها؟!
=قوللها عمو سليمان جه بره.
قال الطفل بعفوية: هو إنت جاي عندنا ليه؟!
لم يعرف بما يجيبه ليقول: يلا إدخل قوللها اللي قولتهولك.
دخل زياد إلي غرفتها و أبلغها بقدوم سليمان ثم خرج ليرتفع بعدها جرس الباب مسفراً عن قدوم المأذون و علي و عبدالقادر.
فتح سليمان الباب لهم ليرمق كلاً منهم بنظرات خاطفه تبيّن منها عدم رغبتهم في تلك الزيجه ليدخل المأذون و يبدأ في تحضير الأوراق بينما جلس سليمان إلي جانب أخيه و أبيه ينتظرون قدوم يُسر التي خرجت بعد أن تسائل المأذون قائلاً: العروسه فين؟!
_أنا أهو يا حضرة المأذون.
برز صوتها وهي تتهادي بخطواتها الممشوقه لينتبه عليها الحضور و بالأخص "علي" الذي رمقها بنظرات متفحصه أسفرت عن تحليل صائب لموقفها و إنطباعها عن تلك الزيجه مما جعله يتعجب بشدة.
كانت يُسر ترتدي ثوباً أبيض يرسم قوامها الفتّان ببراعة و تضع من الزينه ما يكمل جمالها الذي حباها به الله فأقبلت عليهم تمشي بثقه ثم جلست مقابل سليمان الذي كاد فاه أن يسقط أرضاً من فرط إعجابه بها.
عُقد القران بشهادة عبدالقادر و علي لينصرف كلاً منهم برفقة المأذون و بقي سليمان مع يُسر بشقتها ليقف أمامها ويقول مبتسماً: مبروك يا يُسر.
تمتمت بهدوء: الله يبارك فيك يا عمو.
إبتسم بإقتضاب قائلاً: لأ عمو إيه بقا مبقاش ليها لزوم عمو دي.. كفايه سليمان و بس!
أومأت بموافقه ليفاجئها هو عندما أخرج من الجيب الداخلي لسترته علبة قطيفه حمراء اللون وقام بفتحها أمامها لتتسع عيناها بدهشه و إعجاب وتقول بسعادة لم تنجح في إخفاؤها: الله!! تحفففه بجد.
ثم نظرت إليه وهي تلتقط العلبه من بين يديه وقالت: متحرمش منك يا عمو.. الطقم فظيع أوي.
سُرّ قلبه وقال مبتهجاً: دي أقل حاجه، إنتي تستاهلي أحلي من كده بكتير.
ثم نزع الإسوار من العلبه و قال: إيدك بقا عشان ألبسهالك.
بسطت كف يدها بسعادة ليقوم بإلباسها الإسوار ثم تلاه الخاتم ثم أمسك بالكوليه وهو ينظر لها ليتفاجأ عندما وجدها تستدير و تولّيه ظهرها و ترفع حجابها ليتقدم هو منها أكثر و يقف خلفها ويقوم بإلباسها العقد و قلبه يكاد يتوقف من فرط شغفه بها لتستدير هي سريعاً وتنظر إلي العقد الذي يزينها و من ثَمّ نظرت إلي سليمان بغبطة وقالت: شكله حلو عليا مش كده!
نظر إليه سريعاً وقال: حلو جداً، تعيشي و تدوبي.
إبتسمت و أومأت بهدوء لينظر إليها قائلاً: طب إيه مش هنتعشي ولا إيه؟! حتي العيال يتعشوا معانا.
قالت بأسف: إيه ده! أنا نسيت أجهز عشا، أصلي مكنتش عامله حسابي إنك هتفضل معانا بعد كتب الكتاب يعني.
ضحك قائلاً: وهو يصح أنزل يعني في ليلة زي دي!
أخفضت بصرها أرضاً ليردف قائلاً: عالعموم مش مشكله، هطلب أكل من بره، أساساً مكانش ينفع إنتي اللي تطبخي.
قام بالإتصال بخدمة توصيل الطعام للمنازل و طلب عشاءً فاخراً وقال: نص ساعه و الأكل هيوصل.
أسرع زياد بإتجاهه و قال: عمو هو إنت قاعد عندنا ليه؟!
نظر إليه باسماً وقال: إيه يا زياد باشا عايزني أمشي؟!
أومأ زياد نافياً وقال: هو إنت هتتعشي معانا؟!
قال سليمان ضاحكاً: ده لو مش هيضايق حضرتك.
أضاف زياد متسائلاً: و هتنام عندنا؟!
نظر سليمان إلي يُسر وقال: ده لو ماما تسمح.
أكمل زياد وصلة تساؤلاته فقال: ليه هو إنت بابا ولا إيه؟
إنقبض قلبها لتقول بحدة طفيفه: زياد بطل كلام كتير و يلا عشان تغير هدومك.
ذهبت لتساعد أطفالها في تبديل ملابسهم بينما دق جرس الباب ليفتح هو و يقوم بتحضير طعام العشاء علي الطاوله فخرجت الأطفال ليجلس زياد إلي جانبه و نورا علي قدمه فإذ به ينظر تجاه غرفة يُسر لتجدها تخرج وقد بدلت ثيابها إلي رداء رياضي "ترينج" مُحكَم مكوّن من قطعتين ثم جلست إلي جانبهم و بدأوا جميعاً بتناول العشاء وسط جو لا يخلو من المزاح بين سليمان و الطفل زياد.
فرغ الجميع من طعامهم لتقول يُسر: أنا ممكن أنام مع زياد و نور في الأوضه بتاعتهم و إنت تنام علي السرير الكبير لوحدك.
أردف بلهفه قائلاً: لالا..بلاش الأوضه دي.
طالعته بتعجب ثم أضافت قائلة: خلاص أنا هاخدهم معايا في الأوضه بتاعتي و إنت نام في أوضتهم.
زم شفتيه وقد خابت آماله بأن يبيتا سوياً فقال: خلاص ماشي.
إنصرف كلاً منهم إلي غرفته وهو يرقد علي السرير كمن يفترش الجمر من أسفله و يتمتم بحسرة: بنت الإيه زي لهطة القشطة .. آاااه بقا بعد ده كله أنام في أوضه و هي في أوضه! يعني بيننا حيطه واحده ومش عارف أطولها.
ثم قال مؤازراً نفسه: الصبر يا سليمان.. الصبر.
أومأت كاريمان بإبتسامه تمتزج بها آلام الذكريات وقالت: لله يرحمه مكانش سايبلي إختيار غير إني أحبه كل يوم أكتر من اللي قبله، طول عمره كان حنين عليا و عمره ما كان قاسي.
تسائلت غزل بتعجب وقالت: كل ده و مكانش قاسي!! هي القسوة بالنسبة لك إيه؟!
نظرت كاريمان أمامها بشرود و أردفت: القسوة ليها معاني كتيرة يا غزل غير اللي إنتي فاهماها، أو يمكن أنا عشان كنت بحبه أوي كنت ببص للأمور من زاوية تانيه غير كل الناس، القسوة بالنسبه لي هي مش إنه يضرب و يهين و يخاصم و يجافي، لأ، القسوة بالنسبه لي كانت لو جيت في يوم بكيت و ممسحش دموعي، لو لقاني عايزة أعيط و محضنيش، لو حسيت لمسته ليا راح منها الدفا اللي كان ملازمها، لو نبرة صوته وهو بيتكلم معايا مبقاش فيها نفس اللهفه اللي بيتكلم بيها.
ثم نظرت إلي غزل وقالت: لو هنحسب القسوة بالمقاييس بتاعتي يا غزل فهو عمره ما كان قاسي عليا.
لم يَسعها سوي أن تبتسم لتلك الكلمات التي مست قلبها لتردف الأخري بتأكيد وقالت: القساوة قساوة القلب يا غزل مش أي حاجة تانيه.
نظرت إليها غزل وقالت: إنتي غريبه أوي يا ماما كاريمان، للدرجه دي كنتي بتحبيه!! وهو إزاي مقدرش إنك بتحبيه الحب ده كله وراح إتجوز عليكي؟!
نظرت كاريمان للجانب و لمعت عيناها بألم وقالت: الله يرحمه كان مهووس بالستات، كان دايماً يقوللي دي حاجه غصب عني و الحب حاجه و الجواز حاجه تانيه.
سألتها غزل بفضول: هو إتجوز كام مرة!
_6مرات!
نطقتها كاريمان بإبتسامه ساخره لتجد غزل وقد إتسعت عيناها بدهشه وقالت: 6 مرات وإنتي علي ذمته و موافقه و راضيه!
أومأت أن نعم وقالت: كنت خايفه عليه يعمل حاجه حرام و خصوصاً إني تأكدت إن الستات بالنسبه له زي مرض هو مش عارف يتعالج منه، عمره ما كان ضعيف قدام حاجه غير الستات.
قالت غزل بإمتعاض: بس ده مش مرض، دي فراغة عين و طفاسه، طالما مكانش قادر يكتفي بيكي يبقا كان لزمته إيه الحب اللي بينكوا!
ثم أضافت بقوة: إسمحيلي أقوللك إنك كنتي مغيّبه وهو كان بيستغل حبك ليه أبشع إستغلال.
قالت كاريمان بنفي: لا أبداً متقوليش كده، عمره ما إستغلني أنا كنت راضيه بكل حاجه وهو مغصبش عليا ولا مرة إني أوافق أو أقبل بالوضع ده.
جادلتها غزل قائلة: لأنك مكنتيش محتاجه للضغط أو الغصب أساساً هو وصلك لمرحلة من الإبتزاز العاطفي خليتك مهيأه لكده، إنك تدوري علي راحته و سعادته علي حساب راحتك و سعادتك و... و كرامتك كمان!
نطقت الأخيرة بقوة لتنظر لها كاريمان بضيق وتقول: إطلبي لي أكرم إبني!
قامت بالإتصال بولدها الذي أتي في غضون دقائق لتنصرف غزل علي الفور فقالت له: أنا مش عايزة البنت دي تاني.
نظر لها إبنها بتعجب وقال: ليه يا أمي مالها ضايقتك في إيه؟!
أردفت بغضب: من غير ليه.. مش عيزاها تيجي هنا تاني!
زم شفتيه بحيرة وقال: حاضر يا ست الكل اللي تشوفيه.
ثم قام بالإتصال بـ غزل التي أجابت علي الفور متسائلة بإهتمام فقالت: أيوة يا باشمهندس، خير في حاجه؟!
تتنحنح قائلاً بحرج: مساء الخير يا آنسه غزل، الحقيقه مش عارف أجيبهالك إزاي بس والدتي مبقتش عايزة حد ييجي يقعد معاها.
إبتسمت ببساطه وقالت: كنت متأكده إنها هتاخد مني موقف بعد اللي حصل النهارده.
ليتسائل مستفهماً فقال: إيه هو اللي حصل النهارده؟!
أجابت غزل ببساطة: أبداً، كانت بتحكيلي عن والدك الله يرحمك و إنه كان راجل مزواج و إنها كانت راضيه و موافقه فأنا قولتلها إنه كان بيستغلها و بيستغل حبها ليه.
ضحك قائلاً: يعني إنتي اللي جنيتي علي نفسك، أصل بابا الله يرحمه يستي من المحظورات عندها مبتسمحش لحد يقول عليه حرف مش علي هواها، بتحبه بجنون زي منتي شايفه كده فإنتي كنتي بتلعبي في الثوابت عندها عشان كده هي قالت تلحق نفسها و تستغني عنك قبل ما تتأثر بكلامك.
إبتسمت غزل وقالت: عالعموم حصل خير، ربنا يخليهالك و يديها الصحه وطول العمر.
تمتم قائلاً: االلهم آمين يارب، أتمني تتفهمي موقفي و متكونيش متضايقه.
أردفت بهدوء: لا أبداً مفيش حاجه، مع السلامه.
أنهت الإتصال بعدها لتذهب بخيالها إلي مؤنس وحدتها و رفيق أحلامها الأوحد وقد أنّ قلبها شوقاً إليه لتتمتم قائلة: الله يرحمك يا يـحيي.
مر أسبوع وقد نفذ صبر سليمان وهو ينتظر جواب يُسر التي أهلكت أعصابه بغنجها الزائد ليقرر أنه سيقوم بالإتصال بها اليوم و ليكن ما يَكُن.
أمسك بهاتفه بأيدٍ مرتجفه وقام بمهاتفتها لتتجاهل هي إتصاله مرات و مرات لتجيب أخيراً فقالت بصوتٍ ناعس راقه كثيراً: ألو، أيوة يا عمو.
تنحنح قائلاً: أيوة يا يُسر إنتي كنتي فين كل ده؟
_معلش مسمعتش التليفون، كان في حاجه؟!
قال بضيق: أيوة في، فات أسبوع علي آخر مكالمة بيننا و قولتيلي هتفكري و تردي عليا و بردو مردتيش لا بـ آه ولا بـ لأ، ممكن أعرف ده تجاهل ولا طناش ولا رفض ولا إيه بالظبط؟!
قالت بهدوء: لا والله أبداً لا تجاهل ولا طناش.
ضيّق عينيه قائلاً: يبقا رفض!
زفرت مطولاً وقالت: بص يا عمو بصراحه أنا فكرت في الموضوع ده لقيت إني كده هظلم صافيه و أنا مش هقدر أظلمها لأني مشوفتش منها حاجه وحشه....
قاطعها قائلاً: لااا لو صافيه هي اللي شغلاكي متقلقيش أنا إتفاهمت معاها وهي موافقه.
تمتمت بصدمه: موافقه؟! موافقه إننا نتجوز؟!
قال مؤكداً: أيوة موافقه، هي عارفه إننا بنفكر في مصلحة العيال و بس.. لو علي صافيه متحمليش هم.
أردفت بتفكير و تمهل: طيب و بابا الحج خد خَبَر؟
_أيوة طبعاً عارف هو أنا معقول هخطي خطوه من غير عِلمه و مباركته كمان، إطمني هو كمان موافق.
صمتت ليتابع هو قائلاً: أظن كده مبقاش في أي موانع! هااا بقا موافقه ولا مش موافقه؟!
=موافقة. نطقتها بتمهل ليبتهج وجهه و يعلوه البِشر و السرور فقال مسروراً: علي خيرة الله.. أنا هبلغ الحج و نكتب الكتاب علي آخر الأسبوع إن شاء الله.
تمتمت بموافقة: ماشي بإذن الله.
أنهي الإتصال وقلبه يتراقص طرباً و سعادة بهذا الخبر السعيد ثم قام بالإتصال بصديقه قائلاً: ألو، إزيك يا أبو يونس.
_سليمان إيه أخبارك عاش من سمع صوتك يا راجل.
=بخير الحمدلله والله، إسمعني، عايزك تجهز لي طقم دهب كامل مكمّل بس تكون حاجه نقاوة علي ذوقك، و هفوت عليك بالليل إن شاءلله آخده.
_إيه ناوي تتجوز ولا إيه؟!
مسح سليمان جانب فمه بإبهامه و أردف بِزَهو فقال: أاه، عقبال عندك.
قال الآخر متعجباً: بتتكلم جد؟! ده أنا كنت بهزر! عالعموم ربنا يتمم بخير يا ريّس.
شكره سليمان قائلاً: تسلم يا غالي عقبال أولادك.
و أنهي المكالمه ليغلق مِتجره و يعود إلي البيت ثم دلف إلي شقة والده ليجده قائماً يصلّي فإنتظر حتي فرغ من صلاته وقال: حرماً يا حج.
_جمعاً بإذن الله.
قالها والده وهو يجلس إلي مقعده ليبادر سليمان بالحديث قائلاً: يُسر وافقت يابا.
نظر إليه والده و هز رأسه بهدوء علامةٍ منه في عدم رغبته بالحديث ليتابع سليمان قائلاً: و صافيه كمان إتفاهمت معاها و خدت منها الموافقه.
أعاد والده النظر إليه وقال بإقتضاب: علي خيرة الله يا سليمان.
ذهب سليمان و جثا علي ركبتيه أمام مقعد والده و أمسك بيده يقبلها قائلاً: إنت مش مبسوط يابا؟! صدقني لو مش عاوز الموضوع ده أنا هصرف نظر عنه للأبد، أهم حاجه رضاك.
ربت والده علي كتفه قائلاً: اللي ميغضبش ربنا ميغضبنيش يبني، أهم حاجه متظلمش يا سليمان!
نظر إليه سليمان مستفهماً ليردف والده قائلاً: متميلش لواحده علي حساب التانيه يا سليمان، لازم تعدل بينهم علي قد ما تقدر، و تراعي إن يُسر هتيقا مراتك زي صافيه بالظبط يعني الإتنين ليهم نفس الحقوق.
أفتر ثغره عن إبتسامه حتي تبينت نواجزه ليقول بحماس: من الناحيه دي متقلقش يابا.
أومأ والده موافقاً وقال: علي بركة الله.
_إن شاءلله كتب الكتاب يوم الخميس.
قالها سليمان لينظر إليه والده ويقول: بإذن الله علي خير.
_ياارب، هطلع بقا أبلغ صافيه.
ثم إنصرف صاعداً نحو شقته ليجد صافيه تجلس متجهمة الوجه فبدأ هو بإرتداء قناع الحزن و دخل يجر قدميه جراً و تهاوي بجسده إلي الأريكه التي تجلس عليها صافيه منتظراً أن تبادر هي بالحديث كعادتها كل يوم متسائلة عن حاله أو عن سبب ضيقه ليجدها آثرت الصمت دون النبس بكلمة واحده لينظر إليها متعجباً و تتبدل الأدوار ليبادر بالحديث قائلاً: مالك يا صافيه؟! قاعدة سرحانه كده ليه؟
قالت بإقتضاب دون النظر إليه: مفيش حاجه.
زاد تعجبه ليجلس مقابلاً لها و يمسك بيدها قائلاً: مفيش إزاي؟! أكيد في حاجه مضايقاكي.
نظرت إليه بقوة و أردفت: إيه أخبار العروسه الجديدة؟!
نظر إليها بتعجب وقال: العروسه الجديده؟!
أومأت بموافقه وقالت: أيوة، أصل أنا بقالي كذا يوم مشوفتهاش، أما إنت علي إتصال معاها عشان كده بسألك إنت عنها.
قال مستفهماً: علي إتصال معاها؟! مين اللي قاللك كده؟!
أجابت بحدة: زينب اللي قالتلي، كانت عندها و شافت موبايلها بيرن بإسمك.
قال مغتاظاً: و إنتي معيّنه مخبرين عليا ولا إيه يا صافيه؟! جري إيه، إنتي هتخيبي ولا إيه؟!
قالت بضيق: و انا من إمتا كنت بعمل كده يا سليمان ولا هو ده طبعي أصلاً؟!
قال مستفهماً: أومال في إيه؟!
_الحكايه و ما فيها إن زينب كانت فوق بالصدفه و شافت إسمك علي تليفونها و كمان وقفت تتصنت عليها وهي بتكلمك و سمعتها بتقولك جواز و مش جواز، و إنت عارف زينب مبتصدقش خبر و بتحب تعمل خير أوي، نزلت تجري تبلغني.. وأنا قعدت قدامها زي العيله الصغيره مش عارفه أرد عليها أقول إيه.
ثم أردفت بحزن: أنا إتحطيت في موقف وحش أوي يا سليمان.
تأفف قائلاً: صاااافيه، عشان خاطر ربنا أنا مش ناقص لت حريم ملوش عازة، كفايه عليا القرف اللي أنا فيه، مش عارف هلاقيها من الشغل اللي مضروب ولا من أبويا اللي بيضغط عليا في الطالعه و النازله و مش راضي يتكلم معايا الا أما أعمله اللي هو عايزه، ولا منك إنتي كمان وأنا شايفك بتضغطي علي نفسك عشان تريحيني وأنا مش عارف أخفف عنك إزاي.
ثم قال وهو يضع رأسه بين كفيه: حراام كل ده والله، ده فوق طاقتي بجد.
لم يَفشل يوماً في إبتزازها عاطفياً ليجعلها هي من تقدم له الحلول التي يريدها علي طبق من فضه بالإضافه إلي شعورها بالذنب تجاهه أيضاً لكونها أفصحت عن ما بها من ضيق و إستياء.
إقتربت أكثر منه لتجذبه إلي صدرها وتمسح علي رأسه وقالت: خلاص يا سليمان أنا آسفه، حقك عليا مش هتكلم معاك في الموضوع ده تاني، إسمع كلام أبوك و أكسب رضاه وأنا عليا الإستحمال.
إحتضنها بشدة وأردف قائلاً: مش عارف أعمل إيه يا صافيه، تعبت، وأبويا مش راحمني، ده حتي لسه وأنا طالع بيقولي إعمل حسابك كتب الكتاب يوم الخميس!
إبتلعت غصه في حلقها وقالت بألم: معلش يا سليمان، الخميس من الجمعه مفرقتش طالما كده كده مصمم علي حاجه هيعملها.
أومأ متنهداً ليمنح جبينها قبله عميقه ويقول: معلش يا صافيه يا بنت الأصول، وضع و كلنا مجبرين نتقبله، ربنا يسامحه أبويا بقا.
إبتسمت هي ببشاشه هلي عكس ما يعتمل بداخلها من ألم و حسرة وقالت: ولا يهمك يا حبيبي، يلا إدخل غير هدومك و تعالي نتعشي، عملالك كل الأكل اللي بتحبه.
أومأ مبتسماً لتنصرف هي بإتجاه المطبخ فـ زفر براحه وهو يمنّي نفسه بإقتراب مراده.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت تجلس شارده كعادتها تفكر بهِ فكيف لها أن تنساه وهو من أول من داعب قلبها و إنتزع إبتساماتها فلطالما عشقته و إنتظرته ولكنها أبت ان يبدو ذلك عليها فهي كانت لا تزال صغيرة وتراه قد لا يلتفت لها يوماً فكيف لها أن تطمح في ذلك وقد يراها طفلة في نظره، فـ كبتت مشاعرها بينها وبين نفسها وعانت من لوعة الحب الصامت الذي لم يُلهب إلا وجدانها وحدها.
كانت تأمل أن ربما بداخله شيء نحوها هو الآخر ولم ير منها شيئا يدفعه لأن يصرّح لها بما داخله فإنتظرته ليالٍ طوال.
هكذا قيدت غزل تلك المشاعر و دعتها تكبر داخلها فقط هي وحدها حتى فوجئت بخبر زواجه من يُسر لتنسحب علي الفور من وسط ذلك الجمع الغفير وهي تحبس دمعاتها لأنها لم تحمل داخلها إلا لوعة الحب والفراق.
مسحت دمعاتها التي طفقت تسبح فوق وجنتيها و أسبلت جفنيها توّد النوم حتي تنعزل به عن عالمها المُهلك ولكن أنَّي لها ذلك.
رأت يحيـي يجلس مبتسماً لها وهي تدنو بخطواتها منه حتي إقتربت منه و توقفت أمامه لتجده ما زال ينظر بإتجاهها و يبتسم ولكن ليس لها فنظرت خلفها لتجد يُسر في مكتمل أنوثتها تقف وعلي ثغرها إبتسامه فاتنه و يحيـي ينظر لها و يبتسم ثم نهض عن مقعده و سار إليها حتي توقف أمامها ليجد أنها لا تنظر له ولا زالت تبتسم فنظر خلفه ليجد سليمان وقد بدا وسيماً للغايه يختلط شعره بسواد الليل و بياض الفجر معاً ينظر لـ يُسر و يبتسم ثم سار نحوها ليحتضنها علي مرأي عينيّ يحيـي ليسقط هو أرضاً من هول الصدمه و يضرب الأرض حزناً بيديه و ينتحب بشدة فهرولت هي ناحيته لتجد قدميها وقد تثبتت بالأرض لا تقوي علي رفعهما وكإنهما قد إلتصقتا بالأرض لتقف هي حزينه تبكي علي ما آل إليه حال يحيـي وهو يجلس بمكانه ينظر لـ زوجته و شقيقه وهما يتعانقان و ينظران نحوه بحقد و يضحكان بسخريه لتنتفض هي من نومها بفزع وراحت تتمتم: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
خرجت من غرفتها لتجد والدها ما زال مستيقظاً ويدخن السجائر وهو شارد لتقترب منه وقالت: لسه صاحي ليه يا بابا؟!
نظر إليها قائلاً: مفيش حاجه يا غزل إنتي إيه اللي مصحيكي لحد دلوقتي؟!
زفرت بتوتر وقالت: قلقت مفزوعه، كنت بحلم حلم وحش أوي!
نظر إليها قائلاً بإهتمام: خير اللهم اجعله خير، إقعدي و إحكيلي.
قصّت له ما رأته ليبتسم متهكماً ويقول: ده مش حلم ده حقيقه!
نظرت إليه بتعجب وقالت: حقيقه إزاي مش فاهمه؟!
سحب نفساً من سيجارته وأردف: عمتك صافيه كانت بتكلمني دلوقتي و قالتلي إن سليمان هيتجوز مرات يحيـي الله يرحمه.
فعرت فاها بصدمه وقالت: معقول؟! و إزاي يُسر توافق علي حاجه زي دي؟! و إزاي عمتي صافيه تقبل بالوضع ده؟
زفر قائلاً: عمتك مغلوبه علي أمرها يا غزل، منتي عارفه هي بتحب جوزها قد إيه، وبعدين هو هيعمل كده بأمر من أبوه عشان عيال أخوه يتربوا وسط أهلهم، يعني هو كمان مغلوب علي أمره.
نظرت إاي والدها بعدم إقتناع وقالت: مفيش حاجه إسمها مغلوب علي أمره، هو مش عيل صغير، و كمان هي مسمهاش مغلوبه علي أمرها لا دي إسمها سذاجه و ضعف و إستسلام....
قاطعها قائلاً: متحكميش علي حاجه إنتي مش عايشه فيها ولا مجرباها يا غزل ربنا يعين كل حي علي حاله.
أومأت بهدوء وقالت: معاك حق، هدخل أنا أكمل نوم، تصبح على خير.
دخلت إلي غرفتها و لم يكحل النعاس جفنيها فبقت شارده تسب و تلعن يُسر التي سرقت منها يحيي أولاً و عادت لتسرق سليمان من عمتها ثانيةً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أتي الموعد المنتظر علي أحرّ من الجمر ليستقبله سليمان بفرحة و سرور جاهد أن يخفيها و لكنه فشل مما أثار خوف صافيه من القادم ولكنها حاولت التحلّي بالصبر حتي لا تتسبب في أي شئ قد يفسد ذلك اليوم فبدأت بتحضير ثياب سليمان والذي كان يستعد أتم الإستعداد.
_صافيه، أنا طالع عايزة حاجة؟!
نطقها ببساطه حتي أنه قد نسي أن يتصنّع الحزن لتنظر صافيه له بألم ثم قالت: عاوزة سلامتك.
طبع قبلةً باردة علي رأسها و إنصرف للأعلي مسرعاً متخذاً سبيله إلي شقتها هرولةً ثم دق الباب دقات متلهفه ليفتح له زياد فحمله و قبّل وجنته قائلاً: ماما فين يا زيزو؟
_ماما في الأوضه، أناديلها؟!
=قوللها عمو سليمان جه بره.
قال الطفل بعفوية: هو إنت جاي عندنا ليه؟!
لم يعرف بما يجيبه ليقول: يلا إدخل قوللها اللي قولتهولك.
دخل زياد إلي غرفتها و أبلغها بقدوم سليمان ثم خرج ليرتفع بعدها جرس الباب مسفراً عن قدوم المأذون و علي و عبدالقادر.
فتح سليمان الباب لهم ليرمق كلاً منهم بنظرات خاطفه تبيّن منها عدم رغبتهم في تلك الزيجه ليدخل المأذون و يبدأ في تحضير الأوراق بينما جلس سليمان إلي جانب أخيه و أبيه ينتظرون قدوم يُسر التي خرجت بعد أن تسائل المأذون قائلاً: العروسه فين؟!
_أنا أهو يا حضرة المأذون.
برز صوتها وهي تتهادي بخطواتها الممشوقه لينتبه عليها الحضور و بالأخص "علي" الذي رمقها بنظرات متفحصه أسفرت عن تحليل صائب لموقفها و إنطباعها عن تلك الزيجه مما جعله يتعجب بشدة.
كانت يُسر ترتدي ثوباً أبيض يرسم قوامها الفتّان ببراعة و تضع من الزينه ما يكمل جمالها الذي حباها به الله فأقبلت عليهم تمشي بثقه ثم جلست مقابل سليمان الذي كاد فاه أن يسقط أرضاً من فرط إعجابه بها.
عُقد القران بشهادة عبدالقادر و علي لينصرف كلاً منهم برفقة المأذون و بقي سليمان مع يُسر بشقتها ليقف أمامها ويقول مبتسماً: مبروك يا يُسر.
تمتمت بهدوء: الله يبارك فيك يا عمو.
إبتسم بإقتضاب قائلاً: لأ عمو إيه بقا مبقاش ليها لزوم عمو دي.. كفايه سليمان و بس!
أومأت بموافقه ليفاجئها هو عندما أخرج من الجيب الداخلي لسترته علبة قطيفه حمراء اللون وقام بفتحها أمامها لتتسع عيناها بدهشه و إعجاب وتقول بسعادة لم تنجح في إخفاؤها: الله!! تحفففه بجد.
ثم نظرت إليه وهي تلتقط العلبه من بين يديه وقالت: متحرمش منك يا عمو.. الطقم فظيع أوي.
سُرّ قلبه وقال مبتهجاً: دي أقل حاجه، إنتي تستاهلي أحلي من كده بكتير.
ثم نزع الإسوار من العلبه و قال: إيدك بقا عشان ألبسهالك.
بسطت كف يدها بسعادة ليقوم بإلباسها الإسوار ثم تلاه الخاتم ثم أمسك بالكوليه وهو ينظر لها ليتفاجأ عندما وجدها تستدير و تولّيه ظهرها و ترفع حجابها ليتقدم هو منها أكثر و يقف خلفها ويقوم بإلباسها العقد و قلبه يكاد يتوقف من فرط شغفه بها لتستدير هي سريعاً وتنظر إلي العقد الذي يزينها و من ثَمّ نظرت إلي سليمان بغبطة وقالت: شكله حلو عليا مش كده!
نظر إليه سريعاً وقال: حلو جداً، تعيشي و تدوبي.
إبتسمت و أومأت بهدوء لينظر إليها قائلاً: طب إيه مش هنتعشي ولا إيه؟! حتي العيال يتعشوا معانا.
قالت بأسف: إيه ده! أنا نسيت أجهز عشا، أصلي مكنتش عامله حسابي إنك هتفضل معانا بعد كتب الكتاب يعني.
ضحك قائلاً: وهو يصح أنزل يعني في ليلة زي دي!
أخفضت بصرها أرضاً ليردف قائلاً: عالعموم مش مشكله، هطلب أكل من بره، أساساً مكانش ينفع إنتي اللي تطبخي.
قام بالإتصال بخدمة توصيل الطعام للمنازل و طلب عشاءً فاخراً وقال: نص ساعه و الأكل هيوصل.
أسرع زياد بإتجاهه و قال: عمو هو إنت قاعد عندنا ليه؟!
نظر إليه باسماً وقال: إيه يا زياد باشا عايزني أمشي؟!
أومأ زياد نافياً وقال: هو إنت هتتعشي معانا؟!
قال سليمان ضاحكاً: ده لو مش هيضايق حضرتك.
أضاف زياد متسائلاً: و هتنام عندنا؟!
نظر سليمان إلي يُسر وقال: ده لو ماما تسمح.
أكمل زياد وصلة تساؤلاته فقال: ليه هو إنت بابا ولا إيه؟
إنقبض قلبها لتقول بحدة طفيفه: زياد بطل كلام كتير و يلا عشان تغير هدومك.
ذهبت لتساعد أطفالها في تبديل ملابسهم بينما دق جرس الباب ليفتح هو و يقوم بتحضير طعام العشاء علي الطاوله فخرجت الأطفال ليجلس زياد إلي جانبه و نورا علي قدمه فإذ به ينظر تجاه غرفة يُسر لتجدها تخرج وقد بدلت ثيابها إلي رداء رياضي "ترينج" مُحكَم مكوّن من قطعتين ثم جلست إلي جانبهم و بدأوا جميعاً بتناول العشاء وسط جو لا يخلو من المزاح بين سليمان و الطفل زياد.
فرغ الجميع من طعامهم لتقول يُسر: أنا ممكن أنام مع زياد و نور في الأوضه بتاعتهم و إنت تنام علي السرير الكبير لوحدك.
أردف بلهفه قائلاً: لالا..بلاش الأوضه دي.
طالعته بتعجب ثم أضافت قائلة: خلاص أنا هاخدهم معايا في الأوضه بتاعتي و إنت نام في أوضتهم.
زم شفتيه وقد خابت آماله بأن يبيتا سوياً فقال: خلاص ماشي.
إنصرف كلاً منهم إلي غرفته وهو يرقد علي السرير كمن يفترش الجمر من أسفله و يتمتم بحسرة: بنت الإيه زي لهطة القشطة .. آاااه بقا بعد ده كله أنام في أوضه و هي في أوضه! يعني بيننا حيطه واحده ومش عارف أطولها.
ثم قال مؤازراً نفسه: الصبر يا سليمان.. الصبر.
يتبع الفصل التالي: اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على أسم الرواي