رواية شمس الياس الفصل السابع بقلم عبد الرحمن احمد الرداد
رواية شمس الياس الفصل السابع
سار الشارع الطويل المؤدي إلى منزله وكانت علامات الدهشة تسيطر على وجهه بسبب خلو هذا الشارع الذي اعتاد على ازدحامه كل يوم، ظل ينظر يمينًا ويسارًا عله يجد أحد لكنه لم يجد ما يتمنى حتى وصل إلى منزله ليجد صديقه «ياسر» الذي زينت تلك الابتسامة وجهه، كان وجهه مُنير وملابسه خضراء اللون مما جعل «إلياس» يقول بصدمة وعدم تصديق:
- ياسر! أنت لسة عايش؟ أنا وصلتك لقبرك بإيدي!
اتسعت ابتسامته أكثر ورفع يده اليمني في الهواء بإشارة منه أن يقترب أكثر فتقدم «إلياس» على الفور وضمه إلى صدره وهو يقول:
- مش مهم، المهم إنك عايش وشوفتك
ظلت تلك الابتسامة ولم تغادر وجهه حتى ابتعد عنه قليلًا ليقول بتعجب:
- مش بترد عليا ليه يا ياسر! أنت زعلان مني؟
حرك رأسه بمعنى "لا" ونطق أخيرا بعد صمت طويل:
- عمري ما زعلت منك يا إلياس، أنت قلبك أبيض وجدع علشان كدا جيتلك أنت، جيتلك علشان أقولك أوعى تصدقهم يا إلياس، خليك واثق في صاحب عمرك، أنا عمري ما اشتغلت في حاجة تغضب ربنا، ربنا شاهد على براءتي
هنا وضع كفيه على كتفيه ليقول بصوت مرتفع:
- عمري ما هصدق حد يقول عنك كلمة وحشة يا ياسر، لو هم ميعرفوش مين ياسر فأنا أعرف
رسم ابتسامة هادئة على وجهه وردد قائلًا:
- اتكتب عليك يا إلياس تعاني وتعيش واقع مؤلم بس ده اختبار من ربنا ليك وأنا عارف إنك هتصبر وتتحمل، طريق الشيطان هم مشيوه من زمان أوي ودلوقتي اتكتب عليك تواجه وتصد، واقع هتعيشه، لازم تعيشه يا إلياس بس أوعى في يوم تنسى أصلك ودينك علشان بس تواجه
ضم ما بين حاجبيه بتعجب وحيرة فهو لم يفهم القصد من تلك الكلمات لذلك ردد بتساؤل:
- أنا مش فاهم حاجة، أنت بتقول ألغاز ولا ايه!
عاد جملته الأخيرة مرة أخرى قائلًا:
- اتكتب عليك تواجه وتصد، واقع هتعيشه، لازم تعيشه يا إلياس بس أوعى في يوم تنسى أصلك ودينك علشان بس تواجه
وفي تلك اللحظة اختفى من أمامه فالتفت حوله بصدمة ليقول بصوت مرتفع:
- ياسر! ياسر أنت روحت فين؟ ياسر رد عليا
وأثناء التفاته تفاجئ بوالده أمامه، كان يرتدي تلك الملابس التي كان يرتديها في تلك الليلة التي حدث فيها كل شي. لم يصدق عينيه وتقدم بخطوات هادئة نحوه وكأن ما يحدث هو حلم جميل طالما تمنى حدوثه، اقترب أكثر وأكثر حتى أصبح مقابلًا له تمامًا فابتسم والده قائلًا:
- ايه موحشتكش، أنا وحشني حضنك
في تلك اللحظة ارتمى بين ذراعيه وبكى بصوت مرتفع كأنه طفل تائه منذ سنوات طويلة والآن قد عاد إلى بيته من جديد، حضنه بقوة وكأنه يُشبع حاجته وحبه إلى والده وأثناء ذلك ردد بصوت باكي:
- وحشتني اوي يا بابا، وحشتني فوق ما تتخيل، وحشتني يا احن أب في الدنيا، أكيد ده حلم مش حقيقة بس تصدق أنا عايز الحلم ده يطول للأبد، عايز افضل معاك علطول يا بابا، متسبش ابنك لوحده تاني، علشان خاطري متسبنيش
ظل هكذا لبعض الوقت قبل أن يبعده والده بهدوء ويضع يده على كتفه قائلًا بابتسامة:
- كل واحد ليه مهمة بيأديها في حياته يا إلياس، أنا مهمتي انتهت لكن أنت مهمتك يعتبر في بدايتها، مهمتك اصعب من مهمتي واصعب من مهمة كتير لكن اللي اعرفه إنك تقدر، أنت هتكمل وهتواجه ولازم تتحمل يا إلياس
حرك رأسه بمعنى "لا" وردد بحزن وضعف واضحين:
- مبقتش قادر اتحمل يا بابا، الحمل تقيل أوي
هنا جاء رد والده:
- الصبر والتحمل هما اللي هيساعدوك تتخطى ده، ده قدر ربنا ولازم تصبر وتتحمل، أنت قوي وإيمانك لازم يبقى قوي، طريقهم طريق شيطان ونسيوا سبب وجودهم من زمان، هم اللي هيدوروا عليك مش أنت اللي هتدور وده اللي هيصعب مهمتك، خليك ثابت يا إلياس، خليك ثابت
وفي تلك اللحظة اختفى والده هو الآخر فنظر حوله وهو يردد بصوت مرتفع:
- بابا أنت روحت فين، مشيت ليه ملحقتش اشبع منك، بابا رد عليا، بابا
كان يتفوه بتلك الكلمات أثناء نومه وهي تجلس أمامه تبكي على حاله فهو على حالته تلك منذ أكثر من ثلاثة أيام ولا يوجد تحسن وأثناء بكائها تحركت يده التي كانت تقبض عليها فانتبهت إلى وجهه الشاحب لتجده أخيرًا قد فتح عينيه وأول ما قاله بضعف كان اسمها:
- إيلين!
اعتدلت في جلستها وقبضت أكثر على يده لتقول بلهفة واضحة:
- إيلين جنبك يا إلياس، أنت حاسس بايه؟ تعبان
حرك رأسه بمعنى "لا" وحاول النهوض وهو يقول:
- عايز الحق العزاء بتاع ياسر
منعته من النهوض ورددت بنبرة هادئة:
- العزاء خلص يا إلياس، أنت بقالك أكتر من 3 أيام تعبان
اتسعت حدقتاه بصدمة مما تقول وجلس على الفور وتحمل ألام عظامه ليقول بعدم رضا:
- إزاي يعني يا إيلين! ده عزاء أعز صحابي ومحضروش؟ مقومتينيش ليه
ابتسمت ومسحت على رأسه بهدوء لتجيب:
- مش بمزاجي أنت حرفيا كنت تعبان جدا ومش في وعيك، الـ ٣ أيام دول كانوا صعبين جدا لدرجة إنك مكنتش بتفوق وجيبنالك دكتور حتى بص للمحاليل اللي متعلقة ولأيدك، ربنا يكرمه مراد مسابكش لحظة وكان كل لحظة بيتطمن عليك وهو اللي جاب الدكتور
شعر بالصدمة مما يسمعه وعاد لينام مرة أخرى وعلامات الحزن تسيطر على وجهه فهو لم يقف في عزاء صديقه، لم يكن يتوقع أن هذا سيحدث.
شعرت هي بحزنه لذلك ربتت على يده بهدوء قبل أن تقول:
- متزعلش يا إلياس ده كان غصب عنك، صدقني الحارة كلها كانت بتدعيلك تقوم بالسلامة والحمدلله أنت فوقت أهو
نظر إليها وابتسم وهو يقول:
- طبعا ممسكتيش الكتاب طول الأيام اللي فاتت دي
رفعت أحد حاجبيها قبل أن تعقد ذراعيها أمام صدرها قائلة:
- وأنت كنت عايزني أذاكر أو حتى أقوم من جنبك وأنت تعبان كدا؟ ده أنا كنت هموت من الخوف عليك
فرد ذراعه ليمسك يدها ويردف قائلًا:
- بعد الشر عنك، بجد مش عارف اقولك ايه، مكذبتش لما قولت إنك الشمس اللي نورت حياتي بعد ما كانت ضلمة، أنتي الشمس اللي نورت طريقي، أنتي شمس إلياس
ابتسمت وقبضت هي الأخرى على يده لتقول بحب:
- لو أنا شمس فأنت كل حاجة حلوة في حياتي، أنت النفس اللي بتنفسه، مجرد إني أشوفك تعبان ومش بترد عليا قدامي ده لوحده مشهد صعب جدا، اوعى تبعد عني يا إلياس وتسيبني لوحدي
نظر إليها بجمود ليقول بثقة:
- مش هبعد عنك إن شاء الله يا إيلين، أنتي الحاجة اللي أنا عايش علشانها أصلا، ربنا يعدي الأيام الجاية على خير
***
"قـبـل ثـلاثـة أيـام"
صافح الجميع بعد وصوله وقبل أن يجلس استمع لصوت ينادي عليه من الخلف فالتفت وتوجهت الأبصار نحو هذا الصوت ليجدوا «مريم» التي اقتربت من «كرم» ورددت بابتسامة:
- ازيك يا كرم، عاش من شافك محدش بيسمع حاجة عنك ليه!
ابتسم بهدوء ليجيب على سؤالها:
- الحمدلله بخير وأنتي اخبارك ايه يا مريم
ابتسمت وجذبته من ذراعه بعيدًا عنهم وهذا ما ضايقه كثيرًا لتجيبه بهدوء:
- أنا كويسة تعالى بس بعيد علشان عايزة اتكلم معاك واخد رأيك في كام حاجة
عاد «سليم» إلى حيث يجلسون وعلى وجهه علامات الغضب بينما نظر إليه والده نظرة سخرية فهو قد أخبره أنه سينجح في كسب قلبها والآن جاء وهو يجر أذيال الخيبة خلفه بينما كانت علامات السعادة والفرحة على وجه «بكار» وزوجته الذان تحقق مرادهما والآن هي من جاءت إليه بعد أن كانت تجلس مع «سليم».
على الجانب الآخر توقف «كرم» الذي قال بحيرة:
- مش فاهم، ده بيزنس خاص بيكي ناوية تعمليه وجميل وكل حاجة بس ايه علاقتي بكل ده
ابتسمت واقتبرت خطوة منه حتى أصبحت قريبة منه للغاية وتحدثت بحب:
- ما ده اللي بكلمك علشانه، عايزاك تدير أنت الشغل ده ومش عايزاك تفهمها بمعنى تاني وهو الإهانة، أنا بقولك ده علشان أنت ابن عمي وبثق فيك ده غير إن الشغل ده هيبقى اكنه بتاعك أنت ولو عايز تبقى شريك معايا اوك اللي يريحك
ابتسم ابتسامة هادئة وابتعد قليلًا عنها وهو يقول بثقة:
- أنا اتربيت على شغلي في شركة بابا وده اللي اتعلمته وبقيت شاطر فيه وكمان فيه مثل بيقول اللي يسيب شغله وكاره يتقل مقداره، ده غير إني حابب الشغل في الشركة ولو على الفلوس فأنا مش بفكر فيها، أنا عايز اللي يكفيني ويعيشني بس لكن كترها مش بحبه
نظرت إليه بتعجب لبعض الوقت محاولة إيجاد وجه شبه واحد بينه وبين ابن عمها الآخر «سليم» لكنها لم تجد لذلك ابتسمت قائلة:
- أنت غريب أوي يا كرم، بحس كل أفراد العيلة دي مُتصنعين وسطحيين لكن أنت مختلف، على طبيعتك، في الوقت اللي الكل بيدور فيه على فلوس تغرقه وتضمن مستقبله هو وولاده وأحفادة أنت بتقول الفلوس مش مهمة
ابتسم ورفع كتفيه ليقول ببساطة:
- لأن الفلوس مش كل حاجة، شوية ورق والكل بيموت بعض علشانها، أينعم وجودها شرط من شروط الحياة لكن كترها ضرر، وبعدين شخصيتي اللي مستغرباها دي المفروض تكون شخصية أي حد بس أنتي اللي اتربيتي في بيئة كل اللي فيها طماعين شوية ومش قصدي اغلط في حد بس دي الحقيقة
نظرت إليه بإعجاب قبل أن تصر على طلبها منه:
- طيب ايه رأيك تخش شريك معايا في المشروع ده وتكمل في شغلك عادي، والمكسب اللي هيطلع تطلع نصه للفقراء وتفيد أسر كتيرة
بعد أن كان يرفض تلك الفكرة تمامًا أقنعته جملتها الأخيرة نسبيًا فهو دائمًا ما كان يتمنى مساعدة الفقراء بأي صورة والآن تلك المناسبة هي الفرصة التي كان يتمناها لكنه بموافقته على مشاركتها ستصبح أقرب منه من أي وقت مضى وهو يراها ابنة عمه فقط وليس كما تفكر هي وعائلته.
مضى الوقت وحضر «مرزوق» ليقف الجميع في استقباله وما إن انتهوا جميعًا من مصافحته حتى قال بجدية:
- معلش اتأخرت عليكم بس كنت بخلص شغل وجيت علطول، يلا نتغدى وبعدين نتكلم
بالفعل جلسوا جميعهم على سفرة الطعام وبدأ الخدم في وضع الطعام المتنوع والمُجهز لهذه المناسبة. أشار «مرزوق» لهم ببدأ الطعام وبالفعل بدأ كلٍ منهم في تناول صنف محدد وكانت نظراتهم لبعضهم البعض محملة بالحقد والكره، وجودهم هنا لغاية واحدة وهي المنفعة العائدة عليهم وليس من أجل لم شمل تلك العائلة.
***
"في الوقت الحالي"
دلف «مراد» إلى الغرفة وصاح بسعادة:
- يا عيني يا عيني، قومنا وبقينا زي القرود أهو
ضحك على ما قاله صديقه وردد بابتسامة:
- يااه أنت ليك نفس تهزر
رفع أحد حاجبيه بعد أن جلس على الفراش أمامه ليقول مازحًا:
- ايه ياعم أنت بتقر ولا ايه، وبعدين أهو بحاول أخرج من المود، طمني أنت عامل ايه؟
اختفت تلك الابتسامة ونظر إلى الفراغ قائلًا:
- أنا الحمدلله حاسس إني بخير لكن جوايا فيه حرب، يعني مش كفاية خسرت ياسر لا ده أنا موقفتش في عزاه كمان
وضع يده على فخذه وردد بنبرة تحمل الجدية:
- ده مش ذنبك يا إلياس، أنت تعبت وتعب مش طبيعي وبعدين مين اللي راح وجابه من السفر ودفنه مش أنت بردو، متحملش نفسك أكتر من طاقتها يا إلياس، ادعيله ربنا يرحمه
- يارب
ثم وجه بصره إليه وردد بنبرة ذات معنى:
- ياسر اتقتل ولازم اعرف مين اللي عمل ده
رفع أحد حاجبيه ليسأل بتعجب:
- ده شغل الشرطة، عايز تعرف ليه؟
زفر بقوة وأردف:
- الشرطة مش هتوصل للي عمل كدا، اللي عمل كدا حد واصل وأنا واثق من اللي بقوله لك بس الطريقة اللي أنا هستخدمها هي اللي هتوصلنا للقاتل
هز رأسه بعدم فهم ورفع كتفيه قائلًا:
- مش فاهمك، طريقة ايه أنت بتتكلم بلغة الألغاز ليه ما تخليك صريح ياعم
هنا أشار إلى جهاز الحاسوب الذي كان على مكتب صغير بتلك الغرفة وردد:
- ناولني اللاب توب وهفهمك
بالفعل نهض من مكانه ليُحضر إليه الحاسوب المتنقل وأثناء ذلك تابع «إلياس» حديثه:
- يوم الجمعة لما روحت لياسر السايبر لقيت وليد قاعد مكانه ولما سألته قالي إنه راح مشوار وراجع، المشوار ده ليه علاقة باللي حصل لياسر ولو قدرنا نشوف تسجيل كاميرات المنطقة من برا هنعرف ياسر راح فين وقابل مين في الوقت ده
اقترب «مراد» منه قبل أن يضع الحاسوب أمامه وهو يقول باستفهام:
- واحنا المفروض نروح لكل محل في المنطقة ونشوف تسجيلات الكاميرات صح كدا؟
ابتسم ورفع شاشة الحاسوب وهو يقول بثقة:
- ده شغل الشرطة إنما أنا هعمل ده وأنا قاعد مكاني، هخترق كل شبكات المنطقة وهجيب كل التسجيلات
رفع حاجبيه بإعجاب لكنه تذكر شيء وأردف:
- بس الكاميرات اللي مش متوصلة على شبكة دي مش هتعرف توصلها لأنها محلي يادوب تسجل بس
ابتسم وضغط على عدة أزرار في لوحة التحكم قبل أن يقول:
- مش لازم الكاميرات تكون متوصلة على شبكة، الجهاز نفسه اللي بيتسجل عليه الفيديوهات لو واصله نت هقدر اخترقه وأجيب اللي أنا عايزه
- بس ده اعتقد صعب
ترك الحاسوب ونظر إلى صديقه ليقول بثقة:
- أنا ممكن اخترق قناة تلفزيون عالمية في اقل من نص دقيقة وأقوى security أقدر اخترقه في أقل من خمس دقايق، اللي هعمله ده أ ب اختراق، الله يرحمه ياسر هو اللي علمني كل ده ودلوقتي جيه الوقت اللي استخدم فيه كل ده علشان اجيب حقه
***
"قـبـل ثـلاثـة أيـام"
انتهوا من تناول الطعام وتناول الحلوى ثم نهض «مرزوق» وتوجه إلى مكتبه ليتبعه بقية اخوته ومعهم «سليم» فقط بعد أن رفض «بكار» دخول «كرم» معهم. في تلك اللحظة جلست «مريم» بجواره ورددت بتساؤل:
- ليه لما بيجتمعوا بيقفلوا على نفسهم المكتب وبياخدوا سليم وأنت لا؟
رفع كتفيه ليقول بعدم فهم:
- مش عارف، يمكن بيتكلموا في حاجة أنا مش فاهمها
على الجانب الآخر بداخل المكتب المغلق كان يوجد الثلاثة اخوة ومعهم «سليم» ليبدأ هو الحديث قائلًا:
- ايه المناسبة دي يا عمي، متحاولش تفهمني إنها للم شمل الأسرة لأني مش هصدق
ابتسم «مرزوق» ومال ليسند على المكتب أمامه وهو يقول:
- أنت عارف ايه اللي بيخليني اقعدك معانا رغم إني مش بحب اجتمع غير مع اخواتي بس؟ علشان أنت نفس الطينة بتاعتنا وكمان ذكي، أيوة مش للم شمل الأسرة، علشان هنعمل بيزنس كبير أوي مع بعض الفترة الجاية، كبير أوي فوق ما تتخيلوا
انهى جملته تلك وصمت ثوانٍ ليتابع الأنظار المعلقة به ثم تابع بسخرية:
- أهم حاجة سيبكم من الشغل التعبان اللي بتعملوه
هنا نظر إلى «جمال» وأردف:
- أنت وابنك وبكار سيبكم من شغل إنكم تأجروا حد يخترق البنوك وتقفشوا الفلوس، البزنس اللي هنعمله سوا ده هيخليكم تعوموا في الفلوس ومش هتعرفوا تعدوها
هنا عاد «جمال» بظهره إلى الخلف وردد بسخرية:
- وايه بقى بيزنس الأحلام ده! وبعدين مالها الشغلانة اللي بنعملها مش ده اللي متعلمينه منك بردو
نظر إلى شقيقه وعلى وجهه ابتسامة هادئة وما إن انتهى حتى قال بثقة:
- الإنسان بيبقى صغير وأحلامه وشغله بيبقوا صغيرين معاه، مع مرور الزمن البني ادم بيكبر وبتكبر أحلامه وبيكبر شغله، مش هتفضلوا طول الوقت في لعب العيال ده
- وايه هو البيزنس اللي هيخلينا نستغنى عن اللي بنعمله ده!
بدأ «جمال» في شرح العمل الذي سيجمعهم في الفترة القادمة وسط صدمة الجميع عدا «سليم» الذي زينت الابتسامة وجهه لكن «جمال» صرخ فيه باعتراض:
- ايه اللي بتقوله ده يا مرزوق! أنت عارف اللي بتقوله ده ممكن يلف حبل المشنقة حوالين رقبينا كلنا بمجرد أصلا ما نفكر نعمله ده غير شوف كام واحد هيموت
هنا انفجر «مرزوق» ضاحكًا قبل أن يهدأ ويقول بنبرة تحمل التهديد:
- والشغل اللي شغالينه ميلفش حبل المشنقة حوالين رقبينا؟ طيب سيبك من الشغل خلينا في البيه اللي قتلته أنت وسليم من يومين بدم بارد، ده بردو ميلفش حبل المشنقة على رقبتك أنت وهو؟
في تلك اللحظة اتسعت حدقتا «جمال» بصدمة مما سمعه فتابع «مرزوق» بابتسامة:
- متفتكرش إنك هتعمل حاجة وأنا مش هعرفها يا جمال، أنا أعرف عنكم اللي متعرفهوش عن نفسكم، بدأنا الطريق ده سوا وهنكمله وننهيه سوا، كدا كدا في كل الحالات النتيجة واحدة ده لو حصل اللي في دماغكم لكن لو مشيتوا زي ما بقول محدش هيندم
في تلك اللحظة عاد «سليم» بظهره إلى الخلف ليقول بثقة كبيرة:
- أنا شايف الكلام اللي بيقوله عمي مظبوط، إحنا اشتغلنا في كل حاجة ممنوعة، قتلنا بدم بارد، محدش همنا ده غير مركزنا مش هيخلي حد ينخرب ورانا، مش هنيجي عند الفرصة دي ونقول لا، يموت اللي يموت أهم حاجة مصلحتنا
"بــعــد مــرور أســبــوع"
استمع «جمال» لطرقات على باب مكتبه فردد بصوت مرتفع:
- ادخل
هنا دلف «وليد» الذراع الأيمن له. رفع الأول رأسه ليقول بتساؤل:
- ها فيه جديد في موضوع الواد ده؟
وضع ملف أمام مكتبه قبل أن يجلس مقابلًا له وهو يقول:
- مش هتصدق يا باشا لقيت ايه، اقرب واحد للواد ده يبقى اسمه إلياس وكان بيروحله السايبر كتير ويقضي وقت جوا طويل ولما سألت عرفت إنه يبقى ليه في شغل الهاكر والكمبيوتر زي ياسر لأن ياسر اللي معلمه بس مش دي المشكلة، المشكلة في إني لما عرفت اسمه كامل في البطاقة لقيت اسمه «إلياس هادي رأفت مرجان»
- ياسر! أنت لسة عايش؟ أنا وصلتك لقبرك بإيدي!
اتسعت ابتسامته أكثر ورفع يده اليمني في الهواء بإشارة منه أن يقترب أكثر فتقدم «إلياس» على الفور وضمه إلى صدره وهو يقول:
- مش مهم، المهم إنك عايش وشوفتك
ظلت تلك الابتسامة ولم تغادر وجهه حتى ابتعد عنه قليلًا ليقول بتعجب:
- مش بترد عليا ليه يا ياسر! أنت زعلان مني؟
حرك رأسه بمعنى "لا" ونطق أخيرا بعد صمت طويل:
- عمري ما زعلت منك يا إلياس، أنت قلبك أبيض وجدع علشان كدا جيتلك أنت، جيتلك علشان أقولك أوعى تصدقهم يا إلياس، خليك واثق في صاحب عمرك، أنا عمري ما اشتغلت في حاجة تغضب ربنا، ربنا شاهد على براءتي
هنا وضع كفيه على كتفيه ليقول بصوت مرتفع:
- عمري ما هصدق حد يقول عنك كلمة وحشة يا ياسر، لو هم ميعرفوش مين ياسر فأنا أعرف
رسم ابتسامة هادئة على وجهه وردد قائلًا:
- اتكتب عليك يا إلياس تعاني وتعيش واقع مؤلم بس ده اختبار من ربنا ليك وأنا عارف إنك هتصبر وتتحمل، طريق الشيطان هم مشيوه من زمان أوي ودلوقتي اتكتب عليك تواجه وتصد، واقع هتعيشه، لازم تعيشه يا إلياس بس أوعى في يوم تنسى أصلك ودينك علشان بس تواجه
ضم ما بين حاجبيه بتعجب وحيرة فهو لم يفهم القصد من تلك الكلمات لذلك ردد بتساؤل:
- أنا مش فاهم حاجة، أنت بتقول ألغاز ولا ايه!
عاد جملته الأخيرة مرة أخرى قائلًا:
- اتكتب عليك تواجه وتصد، واقع هتعيشه، لازم تعيشه يا إلياس بس أوعى في يوم تنسى أصلك ودينك علشان بس تواجه
وفي تلك اللحظة اختفى من أمامه فالتفت حوله بصدمة ليقول بصوت مرتفع:
- ياسر! ياسر أنت روحت فين؟ ياسر رد عليا
وأثناء التفاته تفاجئ بوالده أمامه، كان يرتدي تلك الملابس التي كان يرتديها في تلك الليلة التي حدث فيها كل شي. لم يصدق عينيه وتقدم بخطوات هادئة نحوه وكأن ما يحدث هو حلم جميل طالما تمنى حدوثه، اقترب أكثر وأكثر حتى أصبح مقابلًا له تمامًا فابتسم والده قائلًا:
- ايه موحشتكش، أنا وحشني حضنك
في تلك اللحظة ارتمى بين ذراعيه وبكى بصوت مرتفع كأنه طفل تائه منذ سنوات طويلة والآن قد عاد إلى بيته من جديد، حضنه بقوة وكأنه يُشبع حاجته وحبه إلى والده وأثناء ذلك ردد بصوت باكي:
- وحشتني اوي يا بابا، وحشتني فوق ما تتخيل، وحشتني يا احن أب في الدنيا، أكيد ده حلم مش حقيقة بس تصدق أنا عايز الحلم ده يطول للأبد، عايز افضل معاك علطول يا بابا، متسبش ابنك لوحده تاني، علشان خاطري متسبنيش
ظل هكذا لبعض الوقت قبل أن يبعده والده بهدوء ويضع يده على كتفه قائلًا بابتسامة:
- كل واحد ليه مهمة بيأديها في حياته يا إلياس، أنا مهمتي انتهت لكن أنت مهمتك يعتبر في بدايتها، مهمتك اصعب من مهمتي واصعب من مهمة كتير لكن اللي اعرفه إنك تقدر، أنت هتكمل وهتواجه ولازم تتحمل يا إلياس
حرك رأسه بمعنى "لا" وردد بحزن وضعف واضحين:
- مبقتش قادر اتحمل يا بابا، الحمل تقيل أوي
هنا جاء رد والده:
- الصبر والتحمل هما اللي هيساعدوك تتخطى ده، ده قدر ربنا ولازم تصبر وتتحمل، أنت قوي وإيمانك لازم يبقى قوي، طريقهم طريق شيطان ونسيوا سبب وجودهم من زمان، هم اللي هيدوروا عليك مش أنت اللي هتدور وده اللي هيصعب مهمتك، خليك ثابت يا إلياس، خليك ثابت
وفي تلك اللحظة اختفى والده هو الآخر فنظر حوله وهو يردد بصوت مرتفع:
- بابا أنت روحت فين، مشيت ليه ملحقتش اشبع منك، بابا رد عليا، بابا
كان يتفوه بتلك الكلمات أثناء نومه وهي تجلس أمامه تبكي على حاله فهو على حالته تلك منذ أكثر من ثلاثة أيام ولا يوجد تحسن وأثناء بكائها تحركت يده التي كانت تقبض عليها فانتبهت إلى وجهه الشاحب لتجده أخيرًا قد فتح عينيه وأول ما قاله بضعف كان اسمها:
- إيلين!
اعتدلت في جلستها وقبضت أكثر على يده لتقول بلهفة واضحة:
- إيلين جنبك يا إلياس، أنت حاسس بايه؟ تعبان
حرك رأسه بمعنى "لا" وحاول النهوض وهو يقول:
- عايز الحق العزاء بتاع ياسر
منعته من النهوض ورددت بنبرة هادئة:
- العزاء خلص يا إلياس، أنت بقالك أكتر من 3 أيام تعبان
اتسعت حدقتاه بصدمة مما تقول وجلس على الفور وتحمل ألام عظامه ليقول بعدم رضا:
- إزاي يعني يا إيلين! ده عزاء أعز صحابي ومحضروش؟ مقومتينيش ليه
ابتسمت ومسحت على رأسه بهدوء لتجيب:
- مش بمزاجي أنت حرفيا كنت تعبان جدا ومش في وعيك، الـ ٣ أيام دول كانوا صعبين جدا لدرجة إنك مكنتش بتفوق وجيبنالك دكتور حتى بص للمحاليل اللي متعلقة ولأيدك، ربنا يكرمه مراد مسابكش لحظة وكان كل لحظة بيتطمن عليك وهو اللي جاب الدكتور
شعر بالصدمة مما يسمعه وعاد لينام مرة أخرى وعلامات الحزن تسيطر على وجهه فهو لم يقف في عزاء صديقه، لم يكن يتوقع أن هذا سيحدث.
شعرت هي بحزنه لذلك ربتت على يده بهدوء قبل أن تقول:
- متزعلش يا إلياس ده كان غصب عنك، صدقني الحارة كلها كانت بتدعيلك تقوم بالسلامة والحمدلله أنت فوقت أهو
نظر إليها وابتسم وهو يقول:
- طبعا ممسكتيش الكتاب طول الأيام اللي فاتت دي
رفعت أحد حاجبيها قبل أن تعقد ذراعيها أمام صدرها قائلة:
- وأنت كنت عايزني أذاكر أو حتى أقوم من جنبك وأنت تعبان كدا؟ ده أنا كنت هموت من الخوف عليك
فرد ذراعه ليمسك يدها ويردف قائلًا:
- بعد الشر عنك، بجد مش عارف اقولك ايه، مكذبتش لما قولت إنك الشمس اللي نورت حياتي بعد ما كانت ضلمة، أنتي الشمس اللي نورت طريقي، أنتي شمس إلياس
ابتسمت وقبضت هي الأخرى على يده لتقول بحب:
- لو أنا شمس فأنت كل حاجة حلوة في حياتي، أنت النفس اللي بتنفسه، مجرد إني أشوفك تعبان ومش بترد عليا قدامي ده لوحده مشهد صعب جدا، اوعى تبعد عني يا إلياس وتسيبني لوحدي
نظر إليها بجمود ليقول بثقة:
- مش هبعد عنك إن شاء الله يا إيلين، أنتي الحاجة اللي أنا عايش علشانها أصلا، ربنا يعدي الأيام الجاية على خير
***
"قـبـل ثـلاثـة أيـام"
صافح الجميع بعد وصوله وقبل أن يجلس استمع لصوت ينادي عليه من الخلف فالتفت وتوجهت الأبصار نحو هذا الصوت ليجدوا «مريم» التي اقتربت من «كرم» ورددت بابتسامة:
- ازيك يا كرم، عاش من شافك محدش بيسمع حاجة عنك ليه!
ابتسم بهدوء ليجيب على سؤالها:
- الحمدلله بخير وأنتي اخبارك ايه يا مريم
ابتسمت وجذبته من ذراعه بعيدًا عنهم وهذا ما ضايقه كثيرًا لتجيبه بهدوء:
- أنا كويسة تعالى بس بعيد علشان عايزة اتكلم معاك واخد رأيك في كام حاجة
عاد «سليم» إلى حيث يجلسون وعلى وجهه علامات الغضب بينما نظر إليه والده نظرة سخرية فهو قد أخبره أنه سينجح في كسب قلبها والآن جاء وهو يجر أذيال الخيبة خلفه بينما كانت علامات السعادة والفرحة على وجه «بكار» وزوجته الذان تحقق مرادهما والآن هي من جاءت إليه بعد أن كانت تجلس مع «سليم».
على الجانب الآخر توقف «كرم» الذي قال بحيرة:
- مش فاهم، ده بيزنس خاص بيكي ناوية تعمليه وجميل وكل حاجة بس ايه علاقتي بكل ده
ابتسمت واقتبرت خطوة منه حتى أصبحت قريبة منه للغاية وتحدثت بحب:
- ما ده اللي بكلمك علشانه، عايزاك تدير أنت الشغل ده ومش عايزاك تفهمها بمعنى تاني وهو الإهانة، أنا بقولك ده علشان أنت ابن عمي وبثق فيك ده غير إن الشغل ده هيبقى اكنه بتاعك أنت ولو عايز تبقى شريك معايا اوك اللي يريحك
ابتسم ابتسامة هادئة وابتعد قليلًا عنها وهو يقول بثقة:
- أنا اتربيت على شغلي في شركة بابا وده اللي اتعلمته وبقيت شاطر فيه وكمان فيه مثل بيقول اللي يسيب شغله وكاره يتقل مقداره، ده غير إني حابب الشغل في الشركة ولو على الفلوس فأنا مش بفكر فيها، أنا عايز اللي يكفيني ويعيشني بس لكن كترها مش بحبه
نظرت إليه بتعجب لبعض الوقت محاولة إيجاد وجه شبه واحد بينه وبين ابن عمها الآخر «سليم» لكنها لم تجد لذلك ابتسمت قائلة:
- أنت غريب أوي يا كرم، بحس كل أفراد العيلة دي مُتصنعين وسطحيين لكن أنت مختلف، على طبيعتك، في الوقت اللي الكل بيدور فيه على فلوس تغرقه وتضمن مستقبله هو وولاده وأحفادة أنت بتقول الفلوس مش مهمة
ابتسم ورفع كتفيه ليقول ببساطة:
- لأن الفلوس مش كل حاجة، شوية ورق والكل بيموت بعض علشانها، أينعم وجودها شرط من شروط الحياة لكن كترها ضرر، وبعدين شخصيتي اللي مستغرباها دي المفروض تكون شخصية أي حد بس أنتي اللي اتربيتي في بيئة كل اللي فيها طماعين شوية ومش قصدي اغلط في حد بس دي الحقيقة
نظرت إليه بإعجاب قبل أن تصر على طلبها منه:
- طيب ايه رأيك تخش شريك معايا في المشروع ده وتكمل في شغلك عادي، والمكسب اللي هيطلع تطلع نصه للفقراء وتفيد أسر كتيرة
بعد أن كان يرفض تلك الفكرة تمامًا أقنعته جملتها الأخيرة نسبيًا فهو دائمًا ما كان يتمنى مساعدة الفقراء بأي صورة والآن تلك المناسبة هي الفرصة التي كان يتمناها لكنه بموافقته على مشاركتها ستصبح أقرب منه من أي وقت مضى وهو يراها ابنة عمه فقط وليس كما تفكر هي وعائلته.
مضى الوقت وحضر «مرزوق» ليقف الجميع في استقباله وما إن انتهوا جميعًا من مصافحته حتى قال بجدية:
- معلش اتأخرت عليكم بس كنت بخلص شغل وجيت علطول، يلا نتغدى وبعدين نتكلم
بالفعل جلسوا جميعهم على سفرة الطعام وبدأ الخدم في وضع الطعام المتنوع والمُجهز لهذه المناسبة. أشار «مرزوق» لهم ببدأ الطعام وبالفعل بدأ كلٍ منهم في تناول صنف محدد وكانت نظراتهم لبعضهم البعض محملة بالحقد والكره، وجودهم هنا لغاية واحدة وهي المنفعة العائدة عليهم وليس من أجل لم شمل تلك العائلة.
***
"في الوقت الحالي"
دلف «مراد» إلى الغرفة وصاح بسعادة:
- يا عيني يا عيني، قومنا وبقينا زي القرود أهو
ضحك على ما قاله صديقه وردد بابتسامة:
- يااه أنت ليك نفس تهزر
رفع أحد حاجبيه بعد أن جلس على الفراش أمامه ليقول مازحًا:
- ايه ياعم أنت بتقر ولا ايه، وبعدين أهو بحاول أخرج من المود، طمني أنت عامل ايه؟
اختفت تلك الابتسامة ونظر إلى الفراغ قائلًا:
- أنا الحمدلله حاسس إني بخير لكن جوايا فيه حرب، يعني مش كفاية خسرت ياسر لا ده أنا موقفتش في عزاه كمان
وضع يده على فخذه وردد بنبرة تحمل الجدية:
- ده مش ذنبك يا إلياس، أنت تعبت وتعب مش طبيعي وبعدين مين اللي راح وجابه من السفر ودفنه مش أنت بردو، متحملش نفسك أكتر من طاقتها يا إلياس، ادعيله ربنا يرحمه
- يارب
ثم وجه بصره إليه وردد بنبرة ذات معنى:
- ياسر اتقتل ولازم اعرف مين اللي عمل ده
رفع أحد حاجبيه ليسأل بتعجب:
- ده شغل الشرطة، عايز تعرف ليه؟
زفر بقوة وأردف:
- الشرطة مش هتوصل للي عمل كدا، اللي عمل كدا حد واصل وأنا واثق من اللي بقوله لك بس الطريقة اللي أنا هستخدمها هي اللي هتوصلنا للقاتل
هز رأسه بعدم فهم ورفع كتفيه قائلًا:
- مش فاهمك، طريقة ايه أنت بتتكلم بلغة الألغاز ليه ما تخليك صريح ياعم
هنا أشار إلى جهاز الحاسوب الذي كان على مكتب صغير بتلك الغرفة وردد:
- ناولني اللاب توب وهفهمك
بالفعل نهض من مكانه ليُحضر إليه الحاسوب المتنقل وأثناء ذلك تابع «إلياس» حديثه:
- يوم الجمعة لما روحت لياسر السايبر لقيت وليد قاعد مكانه ولما سألته قالي إنه راح مشوار وراجع، المشوار ده ليه علاقة باللي حصل لياسر ولو قدرنا نشوف تسجيل كاميرات المنطقة من برا هنعرف ياسر راح فين وقابل مين في الوقت ده
اقترب «مراد» منه قبل أن يضع الحاسوب أمامه وهو يقول باستفهام:
- واحنا المفروض نروح لكل محل في المنطقة ونشوف تسجيلات الكاميرات صح كدا؟
ابتسم ورفع شاشة الحاسوب وهو يقول بثقة:
- ده شغل الشرطة إنما أنا هعمل ده وأنا قاعد مكاني، هخترق كل شبكات المنطقة وهجيب كل التسجيلات
رفع حاجبيه بإعجاب لكنه تذكر شيء وأردف:
- بس الكاميرات اللي مش متوصلة على شبكة دي مش هتعرف توصلها لأنها محلي يادوب تسجل بس
ابتسم وضغط على عدة أزرار في لوحة التحكم قبل أن يقول:
- مش لازم الكاميرات تكون متوصلة على شبكة، الجهاز نفسه اللي بيتسجل عليه الفيديوهات لو واصله نت هقدر اخترقه وأجيب اللي أنا عايزه
- بس ده اعتقد صعب
ترك الحاسوب ونظر إلى صديقه ليقول بثقة:
- أنا ممكن اخترق قناة تلفزيون عالمية في اقل من نص دقيقة وأقوى security أقدر اخترقه في أقل من خمس دقايق، اللي هعمله ده أ ب اختراق، الله يرحمه ياسر هو اللي علمني كل ده ودلوقتي جيه الوقت اللي استخدم فيه كل ده علشان اجيب حقه
***
"قـبـل ثـلاثـة أيـام"
انتهوا من تناول الطعام وتناول الحلوى ثم نهض «مرزوق» وتوجه إلى مكتبه ليتبعه بقية اخوته ومعهم «سليم» فقط بعد أن رفض «بكار» دخول «كرم» معهم. في تلك اللحظة جلست «مريم» بجواره ورددت بتساؤل:
- ليه لما بيجتمعوا بيقفلوا على نفسهم المكتب وبياخدوا سليم وأنت لا؟
رفع كتفيه ليقول بعدم فهم:
- مش عارف، يمكن بيتكلموا في حاجة أنا مش فاهمها
على الجانب الآخر بداخل المكتب المغلق كان يوجد الثلاثة اخوة ومعهم «سليم» ليبدأ هو الحديث قائلًا:
- ايه المناسبة دي يا عمي، متحاولش تفهمني إنها للم شمل الأسرة لأني مش هصدق
ابتسم «مرزوق» ومال ليسند على المكتب أمامه وهو يقول:
- أنت عارف ايه اللي بيخليني اقعدك معانا رغم إني مش بحب اجتمع غير مع اخواتي بس؟ علشان أنت نفس الطينة بتاعتنا وكمان ذكي، أيوة مش للم شمل الأسرة، علشان هنعمل بيزنس كبير أوي مع بعض الفترة الجاية، كبير أوي فوق ما تتخيلوا
انهى جملته تلك وصمت ثوانٍ ليتابع الأنظار المعلقة به ثم تابع بسخرية:
- أهم حاجة سيبكم من الشغل التعبان اللي بتعملوه
هنا نظر إلى «جمال» وأردف:
- أنت وابنك وبكار سيبكم من شغل إنكم تأجروا حد يخترق البنوك وتقفشوا الفلوس، البزنس اللي هنعمله سوا ده هيخليكم تعوموا في الفلوس ومش هتعرفوا تعدوها
هنا عاد «جمال» بظهره إلى الخلف وردد بسخرية:
- وايه بقى بيزنس الأحلام ده! وبعدين مالها الشغلانة اللي بنعملها مش ده اللي متعلمينه منك بردو
نظر إلى شقيقه وعلى وجهه ابتسامة هادئة وما إن انتهى حتى قال بثقة:
- الإنسان بيبقى صغير وأحلامه وشغله بيبقوا صغيرين معاه، مع مرور الزمن البني ادم بيكبر وبتكبر أحلامه وبيكبر شغله، مش هتفضلوا طول الوقت في لعب العيال ده
- وايه هو البيزنس اللي هيخلينا نستغنى عن اللي بنعمله ده!
بدأ «جمال» في شرح العمل الذي سيجمعهم في الفترة القادمة وسط صدمة الجميع عدا «سليم» الذي زينت الابتسامة وجهه لكن «جمال» صرخ فيه باعتراض:
- ايه اللي بتقوله ده يا مرزوق! أنت عارف اللي بتقوله ده ممكن يلف حبل المشنقة حوالين رقبينا كلنا بمجرد أصلا ما نفكر نعمله ده غير شوف كام واحد هيموت
هنا انفجر «مرزوق» ضاحكًا قبل أن يهدأ ويقول بنبرة تحمل التهديد:
- والشغل اللي شغالينه ميلفش حبل المشنقة حوالين رقبينا؟ طيب سيبك من الشغل خلينا في البيه اللي قتلته أنت وسليم من يومين بدم بارد، ده بردو ميلفش حبل المشنقة على رقبتك أنت وهو؟
في تلك اللحظة اتسعت حدقتا «جمال» بصدمة مما سمعه فتابع «مرزوق» بابتسامة:
- متفتكرش إنك هتعمل حاجة وأنا مش هعرفها يا جمال، أنا أعرف عنكم اللي متعرفهوش عن نفسكم، بدأنا الطريق ده سوا وهنكمله وننهيه سوا، كدا كدا في كل الحالات النتيجة واحدة ده لو حصل اللي في دماغكم لكن لو مشيتوا زي ما بقول محدش هيندم
في تلك اللحظة عاد «سليم» بظهره إلى الخلف ليقول بثقة كبيرة:
- أنا شايف الكلام اللي بيقوله عمي مظبوط، إحنا اشتغلنا في كل حاجة ممنوعة، قتلنا بدم بارد، محدش همنا ده غير مركزنا مش هيخلي حد ينخرب ورانا، مش هنيجي عند الفرصة دي ونقول لا، يموت اللي يموت أهم حاجة مصلحتنا
"بــعــد مــرور أســبــوع"
استمع «جمال» لطرقات على باب مكتبه فردد بصوت مرتفع:
- ادخل
هنا دلف «وليد» الذراع الأيمن له. رفع الأول رأسه ليقول بتساؤل:
- ها فيه جديد في موضوع الواد ده؟
وضع ملف أمام مكتبه قبل أن يجلس مقابلًا له وهو يقول:
- مش هتصدق يا باشا لقيت ايه، اقرب واحد للواد ده يبقى اسمه إلياس وكان بيروحله السايبر كتير ويقضي وقت جوا طويل ولما سألت عرفت إنه يبقى ليه في شغل الهاكر والكمبيوتر زي ياسر لأن ياسر اللي معلمه بس مش دي المشكلة، المشكلة في إني لما عرفت اسمه كامل في البطاقة لقيت اسمه «إلياس هادي رأفت مرجان»
يتبع الفصل الثامن اضغط هنا
الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة: "رواية شمس الياس" اضغط على أسم الرواية