رواية المعلم الفصل التاسع بقلم تسنيم المرشدي
رواية المعلم الفصل التاسع
قرع رنين هاتفه يعلن عن اتصال شخص ما ، جذب هاتفه من جيب بنطاله وأزفر أنفاسه بضيق ، ضغط علي زر الايجاب وأردف بفتور شديد :-
_ في حاجة يا أمي ؟
_ نظرت إلي زوجها الذي يجلس بجوارها حيث اماء رأسه مشجعاً إياها لتواصل ما بدأته لتوها ، تنهدت ثم هتفت بحنو امومي :-
_ ياسر يا حبيبي انت فين ؟
_ لم تروق له تلك اللهجة التي تتحدث بها وخمن أنها تفتعل ذلك حتي ترجعه عما ينوي فعله ، لكن لا سيصمد للأخير ، تنهد بضجر وأجابها قائلا مستاءً من تصرفها :-
_ محتاجة حاجة ؟
_ علمت أنه لا يود أن يفصح عن مكانه فتحدثت قبل أن يغلق الخط وتقفد الامل في إعادة ولدها فلذة كبدها إليها مرة أخري :-
_ بصراحة أنا قولت لابوك علي جوازك ولقيته معترضش ولا رفض وقال هو حر يعمل اللي هو عايزه طلاما هيكون مبسوط بس هو زعلان اوي انك هتتجوز من وراه يا ياسر تعالي راضيه بكلمتين يا بني ده رضا الأب جنة ، هتيجي يابني صح ؟
_ لم يقتنع كثيراً مما قالته لكن ما باليد حيله ، هو والده مهما حدث من خلافات بينهم ، تنهد بحرارة وهتف مختصراً :-
_ طيب أنا جاي حالا ..
_ أغلق الخط ونظر الي حيث تقف عنود وتحدث بحرج بائن :-
_ امي بتقول أن أبويا وافق علي جوازنا بس لازم أراضيه لأنه زعلان مني أنا مش هتأخر علي لما المأذون يوصل هكون وصلت معاه ،
_ أبتسم ابتسامة عذبة وهو يعد الدقائق التي تمر بفروغ الصبر حتي تصبح تلك الصغيرة امرأته ملكه وحده ، غادر المكان سريعاً بينما استنشقت عنود الصعداء لأنه غادر ، كم تمنت أن يحدث أمراً يعترض تلك الزيجة التي ستقع بها ،
_ تنهدت ونظرت إلي ريان قائلا بنبرة سريعة :-
_ ممكن اطلع فوق في حاجة ضرورية محتاجة اعملها
_ أماء رأسه بتفهم وهتف مرحباً :-
_ اه طبعاً اتفضلي
_ لم تنتظر إجابته بل ركضت مهرولة الي الداخل وولجت داخل المصعد وضغطت علي زر الإقلاع للطابق القاطن به ريان ..
_ تعجب ريان كثيراً من تلك الفتاة ماهو الشئ الضروري التي تحدثت عنه ، وما أهميته حتي تركض بهذه الطريقة البلهاء ؟..
_ اضطر لأن يصعد الأدراج بمفرده ، لم يتفاجئ عندما فُتح باب منزل والده ودلفت منه رنا ، أوصد عيناه بضيق عارم وتابع صعوده للاعلي دون أن يعيرها إهتمام ،
_ أعادت تكرار منادته مراراً لكنه لم يعبأ لها أيضاً ، لم يكن أمامها سوي ان تقطع طريقه بوقوفها أمامه بل سكونها بين أحضانه ، لقد تعمدت أن تلتصق بصدره حتي تنعم بدفئه لطلاما تمنته كثيراً ،
_ شعرت بحرارة شوقها اليه ، ابتسمت له بشغف وتمني ، تراجع هو خطوة إلي الخلف واضطر أن ينظر إليها لكي ينهي ذاك الوضع السخيف الذي وقع فيه
_ سحبت نفساً عميق شاعرة بسعادة غامرة لسكونه وعدم هروبه من أمامها وعدلت من وقفتها لتزداد غروراً كأنها ملكت الأرض ومن عليها ، لا تعلم أنه وقف فقط حتي ينهي ما بدأته هي ،
_ إلتوي ثغرها بتهكم وهتفت متسائلة بحنق :-
_ البت اللي كانت معاك الصبح دي قاعدة في بيتك ليه ، ليه مش عند أهلها اشمعنا انت يعني ؟
_ هز رأسه في إنكار ثم صعد وأجبرها علي التنحي جانباً وتابع صعوده كأنه لم يراها من الأساس ، تفاجئ بتلك الصغيرة تقف أمامه وتأكد أنها رأت ما حدث ، أغمض عينيه بضجر بائن لا يريد أن يراه أحد في وضع كهذا ، هو كبيراً بما يكفي في نظر نفسه والجميع ولن يسمح لأن تهتز صورته مطلقاً ،
_ اللي شوفتيه ده ، انا ..
_ هتف بهم بتلعثم ، هرب الحديث من لسانه أيعقل أنه لا يستطيع أن يبرر ما حدث أمامها ،
_ حمحم بحرج وهو يجوب المكان بأنظاره لكي يهرب من عينيها وقال بصوت متحشرج :-
_ أنا مليش ذنب و..
_ قاطعته عنود بنبرة متفهمة :-
_ مش مضطر تبرر حاجة
_ رمقها ريان بنظراته لبرهة في محاولة منه علي استيعاب الأمر ، تنهد وردد موضحاً :-
_ أنا بس مش بحب حد ياخد عني فكرة مش كويسة أنا مش كده
_ أبتسمت بتكلف وأردفت بنبرة ناعمة :-
_ مممممم
_ ضيق عيناه عليها في عدم تصديق وهتف بحنق :-
_ أنا بقول الحقيقة علي فكرة
_ أماءت رأسها له وهتفت وهي تطالعه بثقة :-
_ أنا عارفة انك بتقول الحقيقة
_أطال النظر اليها بعدم اقتناع لما تفوهت به فلم يسبق وأن صدقه أحدهم بتلك السهولة بالتأكيد تسايره حتي تنهي الحوار بينهم لكن ليس قبل أن يقنعها بحُسن نواياه ، أزفر انفاسه بضجر بائن وهتف بنبرة مندفعة :-
_ وعارفة منين بقا ؟ مش يمكن اكون بكذب ؟
_ وانت هتكذب ليه ؟
_ تسائلت بإهتمام بينما أجابها ريان بإندفاع أكبر :-
_ يمكن اكون بكذب عشان أداري علي نفسي وميطلعش شكلي وحش قدامك ؟
_ إلتوت شفاها مُشكلة ابتسامة لاندفاعه معها في الحديث وأردفت بكل هدوء لكي تهدئ من روعه :-
_ انت قولتلي أنك بتقول الحقيقة وانا مصدقاك لو بتكدب بقي دي حاجة ترجع لك متخصنيش!،
_ شعر بإضطرارات غريبة عصفت بخلاياه الساكنة ، حقاً ما تلك الفتاة ؟ من أين جاءت ولما ظهرت أمامه في ذاك الحين خصيصاّ ، غريبة عجيبة مُحبة حنونة وغيرهم من الصفات التي اكتشفها بها ، لأول مرة يشُعر بالامتنان لشخص لكونه لم يُحضر العديد والعديد من صفحات كاملة من التبريرات لكي يصدقوه ، جاءت هي وبكل هدوء صدقته بدون بذل مجهود ،
_ أحيانا لا نصدق عفوية الآخرين الصادقة التي قد تبدو أنها مبالغة بعض الشئ ، فليس من الطبيعي أن تُقابل هجوم طيلة الوقت وتتعايش معه وكأنه روتين في حياتك ويظهر شخص دون سابق إنذار وبلا ترتيب يفاجئك بتلك السهولة الباحتة ،
_ أبتسم ريان بعفوية ثم أقترب من الباب ليفتحه لها ، اقتربت عنود قليلا منه وقالت بثقة :-
_ بس انا فعلا مصدقاك!
_ التفت إليها ريان وقد ازدادت ابتسامته إشراقا ، كاد أن يتحدث لولا ظهور دينا المفاجئ أجبره علي الصمت حيث هتفت وهي تطالهم بغيظ :-
_ انتو كنتو فين ؟
_ أسرعت عنود بالرد عليها قائلة بنبرة رقيقة :-
_ كنت بقدم في الكلية وياسر طلب من ..
_ تلعثمت وتوقفت عن الحديث وهي تبحث عن كنية تنادي ريان بها ، لا يوجد كأن عقلها شل تماماً ، ابتعلت ريقها بحرج بائن وأخفضت رأسها عندما شعرت بأنظارهم مسلطة عليها قيد انتظار مواصلة حديثها ، توردت وجنتيها بالحُمرة الصريحة وضغطت علي شفاها السُفلي بإرتباك خجل ،
_ استشعر ريان خجلها من تورد وجنتيها وواصل هو حديثها التي لم تكمله حتي يخفف ولو قليلاً من خجلها :-
_ كانت بتقدم في الجامعة وياسر مش فاضي فأنا وصلتها ..
_ أماءت دينا رأسها بتفهم ثم تنحت جانباً لتسمح لهم بالمرور إلي الداخل ، تحرك كليهما سوياً دون إدراك منهم حتي اتصدم كتفها في ذراعه ، ارتجف جسدها ورفعت بصرها عليه بخجل قد اعتلاها ،
_ هربت ببصرها سريعاً وأخفضت رأسها لكي لا يثير ارتباكها بنظراته عليها ، بينما ظل هو يطالعها بتعجب ، لن ينكر أن ارتباكها منه يثير إعجابه ،
_ أبتسم ابتسامة لم تتعدي شفتاه وهم بالدخول تبعته هي دون أن ترفع بصرها عن الأرضية ، استأذنت وولجت داخل الغرفة التي تمكث بها بعد أن توضأت ووقفت بين يدي ربها تناجيه بما يسكُن في قلبها ، أنهت صلاتها ورفعت يديها للاعلي قائلة والدموع تنهمر علي مقلتيها :-
_ يارب أنا مش معترضة بس انا قلبي مقبوض ومش مطمنة وانا طلبت منك حاجة تظهرلي ، تبين لي لو كان ياسر خير ولا شر ليا اي حاجة يارب تطمن قلبي ، أنا اتعودت اني استخيرك وبعدها اطمن للحاجة اللي مقُبلة عليها بس المرة دي مفيش راحة كل مادا بتخنق من الموضوع أكتر ، يارب ساعدني ..
_ انتي بتكلمي مين يا آبلة؟
_ تسائلت جني ببراءة عندما رأتها تتحدث بمفردها ، بينما شكلت عنود ابتسامة علي ثغرها واجابتها وهي تجذبها برفق من ذراعها وأجلستها علي قدميها قائلة بنبرة رقيقة :-
_ بكلم ربنا !
_ عقدت الصغيرة ما بين حاجبيها فهي لم تعي ما قالته وتسائلت بفضول طفولي :-
_ مين ربنا يا آبلة ؟
_ ابتسمت عنود بسعادة قد تغلغلت إلي أعماق قلبها فـ ياحبذا لها أن تُسأل مثل هذا السؤال ، تنهدت ونظرت للأعلي وقالت بنبرة سلسلة :-
_ ربنا ده كبير اوي وجميل جدا ، كل لما تكوني عايزة حاجة بصي لفوق وقوليله يارب واطلبي الحاجة اللي انتي عايزاها
_ أمسكت الصغيرة بوجه عنود لتجبرها علي الانحناء والنظر إليها ثم تسائلت ببراءة :-
_ وهيجبهالي علي طول ؟
_ أزدادت ابتسامة عنود لأسئلة الصغيرة واجابتها بسلاسة بعد أن وضعت يدها علي قلب جني :-
_ لو أنني عايزاها اوي اوي يعني ربنا مش هيزعلك وهيديكي الحاجة اللي انتي عايزاها
_ انشرح قلب الصغيرة لما أخبرتها عنه عنود ، تقوس ثغرها الصغير بإبتسامة سعيدة صاحت مهللة :-
_ ربنا ده جميل اوي يا آبلة
_ اقتربت منها عنود وقبلتها من وجنتها بُحب ثم نهضت وجذبت من حقيبتها حلوي وأعطتها لها ، أمسكت بهم جني وركضت الي الخارج مهرولة بسعادة عارمة ،
_________________________________________________
_ أحضر لك الغدا ؟
_ هتفت بها دينا متسائلة بإهتمام ، أجابها ريان بإقتضاب ساخراً :-
_ ايه ده انتي مهتمة بيا!
_ عقدت دينا ما بين حاجبيها بغرابة من أمره فهي لم تعي ما قاله وسألته بفضول ممزوج بالضجر من اسلوبه الساخر :-
_ انت بتتريق يا ريان ؟
_ قهقه ريان عالياً ثم أجابها بفتور شديد :-
_ أنا بقالي يومين غايب عن البيت يدوب بنام وامشي وانتي حتي مفكرتيش تسألي انت فين وباكل ازاي ؟ وجاية الوقتي تسألي أنا بتريق ولا لأ ؟
_ نهضت دينا ووقفت مقابله ، وضعت يديها في منتصف خِصرها وصاحت بنبرة حادة :-
_ هو انت مش بتنزل شغلك ؟ هسألك انت فين ليه وانا عارفة مكانك ؟
_ سحق ريان أسنانه بغضب فهي لا تعبأ له ولا تكترث لأمره ناهيك عن ردها الجامد الذي أغضبه للغاية ، نهض هو الأخر وفتح فمه لكي يلقي مافي جوفه لها لكن طرقات الباب منعته من التحدث ، اكتفي برمقها بنظراته الثاقبة المشتعلة وهتف بنبرة صارمة :-
_ هنتكلم بعدين ..
_ توجه نحو الباب وأمسك بمقبضه وقام بفتحه ، تفاجئ بـ يحيي وبجانبه رجل لا يعرف هويته ..
_ المأذون
_ صاح بها يحيي لكي يملئ فضول ريان بينما بادله ريان ابتسامة متهكمة وهتف بحفاوة :-
_ آه أهلا وسهلا
_ التفت ريان الي حيث تقف دينا وأشار بعيناه إليها أمراً إياها بالولوج إلي غرفتها ، هرولت الي غرفتها وهي في قمة غضبها منه ، كيف يتهمها بأنها لا تهتم به ولا تكترث له ، فخدمته وخدمة عائلته شاغلها الأساسي ألا يري ذلك ، يا لك من رجل ناكل للمعروف ،
_ رحب ريان بالمأذون ثم توجه نحو غرفة صغيرته وطرق الباب ، وقف علي الجانب تارك بعض المسافة بينه وبين الباب ، فتحت عنود الباب فتلاحقت نبضات قلبها ما أن رأت ريان أمامها ، لا تعلم سبب تلك الاضطرابات التي تشعر بها أمامه فهي لأول مرة تتعرض لمثل تلك المواقف ، أخفضت رأسها بحياء ، بادلها ريان ابتسامة علي خجلها الدائم معه ، حمحم بحرج وهتف بصوته الأجش التي حفظت نبرته جيداً :-
_ المأذون برا!
_ تفاجئ ريان بنظراتها التي طالعته بصدمة جلية علي تعابير وجهها ، كأنها تستنجد به ، تُطالِب بمساعدته تريد أن يمد يد العون لها ، كم تمنت أن تختفي في تلك اللحظة حتي لا تخطو تلك الخطوة ، ليست علي أتم استعداد لفعل هذا ، بل لا تريد أن تربط حياتها علي إسم رجل لا تعرفه حتي ، لم تكن تلك ما خططت له ولا حتي تمنته
_ رأي ريان الخوف مرسوم علي تقاسم وجهها ، كم تمني أن توليه رفض تلك الزيجة فقط لكي يمحي ذاك الخوف اللعين من علي تعابيرها وتعود لمعة بؤبؤة عينيها كما رأها سابقاً ،
_ هي بمثابة شقيقته الصغيرة ولا يتمني لها الوقوع في أمر غير محبب إليها بالمرة ، لا يحب أن يري أمامه من هو مجبور علي شئ ، دائما يبادر بالمساعدة لأنه يري نفسه فيهم ، يري ظلم الحياة له ولا يريد لأحدهم أن يعيش قدره ، تنهد بحرارة عندما طالعته ببندقيتاها وزم شفتيه بحزن وهتف بآسي :-
_ جاهزة؟
_ لأ ، قصدي آه
_ هتفت بها عنود بتلعثم ثم زفرت أنفاسها واعتدلت في وقفتها وقالت بتأكيد :-
_ جاهزة ، هو ياسر جه ؟
_ هز ريان رأسه بنفي وأجابها وهو يطالع الباب :-
_ لأ لسه ، هكلمه استعجله ..
_ أماءت رأسها في حزن قد تبدد في قلبها واعتلي تقاسيم وجهها ثم سارت خلف ريان وجلست علي أبعد أريكة لتكون أبعد ما يكون عن ثرثرة الجميع ، بينما وجه ريان بصره الي يحيي وردد بصوت خافت :-
_ انزل هات الحج وتعالي
_ نهض يحيي لتلبية ما أمر به ريان بينما تعالت أصوات قرع الجرس ، نهض ريان وهم بإتجاه الباب ليعلم هوية الطارق وإذا به خالد صديقه ، ابتسم له وقال بحفاوة :-
_ خلود تعالي أكيد ياسر جايبك شاهد
_ أماء خالد رأسه مؤكداً تخمين صديقه ، رحب به ريان وأمره بالدخول حيث ألقي خالد التحية قائلا :-
_ السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
_ رد عليه التحية كلاً من المأذون وريان في آن واحد بينما ردت عنود في داخلها :-
_ وعليكم السلام ورحمه الله وبركاته
_ جلس خالد بجوار ريان بعد أن رمق عنود بنظرة سريعة ، مال برأسه ليكون أقرب إلي ريان وهمس بنبرة خافتة :-
_ دي شكلها صغير اوي
_ إلتوي ثغر ريان بإبتسامة باهتة واجابه بتجهم :-
_ عندها ١٨ سنة عايز شكلها يكون إيه ؟
_ شهق خالد بصدمة جلية وتمتم بلا وعي :-
_ ايه ؟
_ اتسعت حدقتي ريان علي آخرهم محذراً إياه بينما أعتذر خالد وعاد لوضعه ولم يكف عن رمق عنود التي تفرك اصابعها بتوتر بائن ،
_ طرق يحيي الباب ثم ولج للداخل بصُحبة والده ، نهض كلا من ريان وخالد ورحبوا به بحفاوة شديدة ثم جلس الجميع في أماكنهم بعد أن حضر صديق ياسر وأحد عاملي ريان لكي يكون الشاهد الثاني علي زواج صديقه ،
_ ياسر فين يا ريان ؟
_ تسائل ماهر باهتمام بينما نظر ريان إلي عنود عندما رأها تنظر إليه النظرة ذاتها عندما أخبرها بحضور المأذون ، يشعر بالذنب حيالها لكن ليس بيده بشئ طلاما لم ترفض بنفسها أو أقلها تخبره بعدم قُبولها لزيجتها من ياسر ،
_ تنهد مستاءً ثم أجاب والده قائلا بإقتضاب :-
_ رجع البيت وقال مش هيتأخر هكلمه اشوفه فين ؟
_ نهض ريان وابتعد عن الجميع ووقف في زاوية لا يراه أحد لكنه يراهم جيداً وخاصة تلك الفتاة التي يشع منها الحزن الصريح وهي تحاول جاهدة أن تخفيه ، هز رأسه بإنكار لما يحدث ثم هاتف ياسر ووقف قيد إنتظار إجابته ...
_________________________________________________
_ افتحوا الباب ده ، بقولكم افتحووووو
_ صاح ياسر وهو في أعلي مراتب غضبه ، ثار ويثور ولا أحد يصغي له بأي حق يفعلوا ذلك ؟!
_ يا بابا لو سمحت افتح الباب اللي انت بتعمله ده غلط ، أنا مش صغير عشان تحبسني زي العيال بالشكل ده ، افتحوا الباب بقا
_ هتف بعصبية عارمة وهو يركل الباب بكل ما أوتي من قوة ولا فائدة مما يفعله ، فـ قوة بدنه ليست بتلك القوة اللازمة لكي يدفع باب خشبي ضخم كهذا ، لم يكن بيده سوي الصراخ والطرق علي الباب ربما يحنو عليه ،
_ أنا خايفة يكون اللي عملناه ده غلط يا منصور
_ أردفت بهم سعاد وقلبها يعتصر ألماً علي صراخ ولدها البكري ، كما خفقت نبضات قلبها بشدة من فرط الخوف ، رمقها منصور بنظرات مشتعلة صارمة كما برزت عروق عنقه بغضب وصاح بها :-
_ إحنا لو معملناش كده حتة البت اللي لا راحت ولا جت هتاخده مننا وبعدين انتي جاية الوقتي تنخي وقلبك يحن ؟ مش انتي اللي جيتي وقولتيلي اتصرف وانا اتصرفت اهو جاية تندمي الوقتي ، ابنك لو كنا ضامنين وجوده معانا ١٪ وهو متجوز البت دي فلو خرج الوقتي أنسي إنه يعرفنا تاني وبكده نكون سهلنا لها أنها تاخده من غير تعب ، اللي بدأناه لازم نكمله يا سعاد ،
_ اتسعت مقلتي سعاد بصدمة وضربت علي صدرها بصدمة وهتفت نادمة :-
_ لا لا أنا عايزة ابني أنا معاك وهعمل كل اللي تقولي عليه ..
_ تنهد منصور براحة ثم مرر أنظاره بين الباب الذي يأتي من خلفه اصوات ياسر الغاضبة الممزوجة بالتوسل وبين زوجته ، أخرج تنهيدة تحمل بين طياتها الكثير من الكره والحقد وأردف بخبث :-
_ يبقي نعمل اللي اتفقنا عليه ، اللي هنعمله ده هيخليها تسيب البلد وتقول ياما نفسي
_ هزت سعاد رأسها مراراً ثم دلفوا الي الخارج لكي يشرعوا في تنفيد ما خططوا إليه طويلاً ،
_ أزفر ريان أنفاسه بضجر وتأفف وهو يتمتم :-
_ مش بيرد هيكون راح فين ده ؟
_ لمح ابتسامتها التي اخفتها سريعاً قبل أن يراها أحدهم ، لا تعلم أنه يتابع كل تصرفاتها المرتبكة والخجولة وأخيراً ابتسامتها التي لمست شئ ما في قلبه ، لا يدري من أين أتي ذاك الشعور الذي تملكه منذ ابتسامتها لكن حتماً ليس مزعوج
_ أنتبه الجميع لطرقات أحدهم علي الباب ، ظنوا أنه قد حضر ياسر بينما انعكست تعابير وجه عنود وقد اعتلاها الخوف الشديد مما هو أتٍ ، رحب ريان بإبن عم والده بحفاوة :-
_ البيت نور يا عم منصور اتفضلوا
_ ولج منصور وزوجته الي الداخل حيث قابل ترحيب من الجميع ، دلف ريان للخارج وجاب بأنظاره المكان يميناً ويساراً باحثاً عن ياسر ، ثم ولج الي الداخل عندما فشل في رؤيته وسألهم بحنق :-
_ هو ياسر مش معاكم يا عمي ؟
_ نظر إليه منصور وإدعي الحرج ثم قال بنبرة خجولة :-
_ ريان يابني لو سمحت عايزين نتكلم مع العروسة قبل كتب الكتاب
_ عقد ريان ما بين حاجبيه متعجباً من هذا الطلب الغريب ، بينما ازدادت نبضات قلب عنود بتوجس لذاك الطلب المبهم الذي لم يروق لها لكنها مضطرة ، نهضت ونظرت إلي حيث يقف ريان ، لا تعلم لما تنظر إليه بشكل دائم كأنها تشكوا إليه مما يحدث ، أو ربما لأنها رأت فيه نظرات التفهم في عينيه ، لا تدري السبب الحقيقي لكنها تشعر ببعض الطمأنينة عندما تطالع عيناه ،
_ ولجت عنود بداخل أحد الغرف وصاحبها منصور وزوجته ، حمحم منصور ثم قال بنبرة جدية حادة :-
_ بصي بقا يا بنتي أنا مش هقولك اني موافق علي الجوازة دي ، لا مش موافق خالص مهو ده ابني الوحيد برده واللي شوفناه من أمك زمان يخلينا نخاف منك انك تاخدي ابننا مننا ، وبصراحة في موضوع تاني وده السبب الأكبر أني مش موافق!
_ ازدادت وتيرة أنفاس عنود بخوف عارم و رمقته ببندقيتاها التي تتلألأ فيهم الدموع ، تابع منصور حديثه بحدة قاسية :-
_ انتي بنت أجانب يعني لا تعرفوا دين ولا شرع وحاجة آخر قذارة ومن حقي أعرف اللي هتكون مرات ابني بنت بنوت ولا لأ
_ اتسعت مقلتي عنود بصدمة ، وقد بدأ صدرها في الصعود والهبوط أثر أنفاسها التي ازدادت بإضطراب ،
_ يلا يا سعاد شوفي شغلك
_ هتف بهم منصور بنبرة آمرة وهو يرمق عنود بتشفي وخبث ، اتسعت مقلتي عنود بذهول لا تصدق ما يحدث ، هل حقاً هم أُناس حقيقيون يقفون أمامها وبمنتهي الوقاحة يطالبونها بشئ.. شئ أقل ما يقال عنه شنيع ،
_ خرجت عنود من حبال شرودها عندما رأت تلك المرأة البدينة تقترب منها ، تراجعت هي الي الخلف دون أن تنبس بشئ ، صدمتها كبيرة ولم يستوعبها عقلها بعد ،
_ اقترب منها منصور ووضع يده علي فم عنود لكي يكتم صراخها ولا تستطيع الصراخ عالياً ويُفضح أمرهم قبل أن يلقنها درساً لن تنساه بحياتها وربما يترك أثراً تتذكرهم من خلاله مدي حياتها
_ دفع بها علي الفراش ومازالت يده تكتم صرخاتها التي تحاول جاهدة أن تدفع بهم لعل أحدهم ينقذها من بين أيديهم ، اقتربت منها سعاد ورفعت ثوبها ويديها ترتجف بشدة ، لم تبغي فعل ذلك لكن حُب ولدها أحق بالتفكير من إيذاء تلك الصغيرة ،
_ بدأت في خلع ثيابها تحت مقاومات عديدة وشرسة من قِبل عنود ، نجحت في إزاحة يدي منصور من عليها وصرخت بأعلي حنجرتها :-
_ الحقوووووني
_ ازدادت صرخاتها عالياً حتي تسللت إلي أذان جميع من بالخارج ، نهض ريان بذعر وركض نحو الغرفة التي يصدر منها الصراخ ، ودفع بالباب بكل قوته ،
_ صُدم حينما رأي ذلك المنظر الشنيع أمامه ، ماذا يفعلا بها ، تصلبت عروق عنقه من شدة الغضب الذي وصل لذُروته ، اقترب من منصور ولم يشعر بنفسه إلا وهو يدفعه بعيداً عنها ، بينما ابتعدت سعاد مسرعة يكفي تلك النظرات التي اخترقتها وكادت أن تحرقها من شدة حدتها والغضب البادي بها ،
_ نهضت عنود سريعاً وعدلت من حالتها غير المهندمة ووقفت خلف ريان تبكي ، بل تجهش في البكاء بصوت مرتفع يصل الي أذان جميع الحاضرين ،
_ أنا عايز اعرف ايه اللي أنا شوفته ده ؟
_ صاح بهم ريان بنبرة اهتزت لها أرجاء الغرفة من ارتفاعها وحدتها ، ارتعبت سعاد للغاية وتراجعت للخلف بضعة خطوات بتوجس من غضب ريان بينما لم تهتز خُصلة واحدة من منصور الذي كان يرمقه بنظرات جامدة وقال ببرود قاتل :-
_ بطمن علي اللي هتكون مرات ابني ولا أسيبه يتجوزها علي عماه ؟
_ كز ريان أسنانه المتلاحمة ورمقه شزراً لا يصدق وقاحته التي تعدت حدودها وصاح به هدراً :-
_ تطمن عليها ازاي يعني ؟
_ اقترب منه منصور وجذب عنود من ذراعها بعنف ثم صفعها علي وجهها بكل ما أوتي من قوة وهتف بتشفي :-
_ ده جزاء اللي يفكر إنه يضحك علي ابني يا تربية الأجانب
_ صعق ريان مما رآه ، تصاعدت الدماء في عروقة وسببت بروزها بشدة ولم يشعر بيداه التي جذبت منصور من تلابيب قميصه ورفع يده للاعلي حتي يصفعه مثلما فعل مع ابنة أخيه
_ ريان !
_ هتف بها ماهر بنبرة دوت في أرجاء الغرفة ، نظر إليه ريان وهو يكاد ينفجر من شدة غضبه ، تابع ماهر حديثه متسائلا :-
_ في ايه ؟
_ مرر ريان بصره بين والده وبين ذاك المختل منصور ثم دفعه بقوة قائلا بحدة باحتة :-
_ أقسم بالله هو اللي نجدك من تحت ايدي ، اخس علي اللي عملك راجل!
_ اتسعت حدقتي منصور بصدمة جلية واقترب من ريان لكنه دفعه بعيداً خشية أن يصل الي عنود مرة أخري ، تدخل كلا من خالد ويحيي مُشكلين حاجز بين منصور وريان
_ وضع خالد كلتي يديه علي صدر ريان مانعاً إياه من الوصول إلي منصور وردد :-
_ اهدي يا ريان مينفعش اللي انت بتعمله ده ، ده مهما كان ابن عم أبوك وفي مقام وال..
_ قاطعه ريان بحدة ممزوجة بالاشمئزاز :-
_ اوعي تكملها ده من أشباه الرجال ده ، اللي يعمل كده في بنت أخوه اللي من لحمه ميبقاش في مقام حد
_ لم يُعجب ماهر بنبرة ريان فهو لا يعلم ماذا حدث ولا يريد أن يكون إبنه بقلة الحياء تلك مهما كان الأمر ، تنهد مستاءً وهتف بصوت رخيم :-
_ ريان أتكلم بإحترام ده عمك منصور انت نسيت ولا ايه ؟
_ كاد أن يجيبه ريان لكن حديث منصور اوقفه وصاح به هدراً :-
_ وانت محموق لها اوي كده ليه بنت أخويا وناقصة رباية وانا بربيها انت بتدخل بصفتك ايه ؟
_ لقد بلغ ريان ذورة تحمله من ذاك الرجل الذي ود لو يفتك به ويفرغ ما بداخله عليه ، أمسك بيد عنود التي تقف خلفه تبكي في صمت ، تفاجئت من فعلته و نظرت إلي يده بذهول ثم رفعت بندقيتاها عليه تلومه علي جرأته معها لكنه لم يترك لها أي مجال للتحدث وجذبها خلفه ودلف الي الخارج وهو لا يريد سوي الانتقام من ذاك المنصور ويتشفي فيه ،
_ اكتب الكتاب يا سيدنا..
_ صاح ريان بنبرة تريد الخلاص بينما صعق الجميع مما سمعوه لتوهم ، نظرت إليه عنود بصدمة كبيرة اعتلت ملامح وجهها الذي بدي برئ جدا ، ماذا يقول هذا أي قِرآن سيُعقد ،
_ انت ، انت بتقول ايه
_ هتفت عنود متسائلة بنبرة متلعثمة بينما أجابها ريان بنبرة صارمة :-
_ شششش انتي تقولي اللي هقولك عليه وبس انتي فاهمة !
_ حاولت التملص من بين يداه لكنه تشبث بذراعها بقوة لكي لا تستطيع الفرار منه واجبرها علي الجلوس وهو مازال متشبث بها وجلس بجوارها ورمق الماذون بنظرات مشتعلة وصاح به هادراً :-
_ انت هتفضل تبصلي كتير ، بقولك اكتب الكتاب
_ ازدرد الماذون خوفاً من نبرة ريان وقال بتلعثم :-
_ بس انا محتاج صور و...
_ قاطعه ريان بنبرة أكثر غضباً :-
_ كل ده بعدين ، قول الكلام اللي بيتقال الكلام المهم!
_ ابتلع المأذون ريقه ثم بدأ بمراسم عقد القران تحت ضغط شديد من ريان علي عنود حتي تقبل به زوجاً لها ناهيك عن إجبار خالد صديقه والصديق الآخر لياسر لكي يكونا شاهدي عدل ،
_ بارك الله لكما وبارك فيكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير
_ أنهي بها المأذون عقد القِران أسفل ذهول شديد بائن علي وجوه الجميع ، صدمة جلية حلت علي دينا التي تقف بصمت تراقب ما يحدث خلف الباب ، لم تروق لها منذ النظرة الأولي لكنها لم تتوقع قط أنها في الأخير ستكون زوجة لزوجها ،
_ ستكون امرأة له ، لا لا والف لا لن تسمح بهذا ، لكن كيف ؟ كيف وهي باتت زوجته فعلياً ، تلك الصغيرة بل تلك اللعينة سرقت زوجها سلبت حياتها ، دمرت عالمها التي كانت تكتفي به ،
_ سحبت حجابها أعلي رأسها ودلفت للخارج مهرولة ، أجبرت خطواتها الجميع علي التنحي جانباً لكي يفسحَ لها الطريق ، وقفت مقابل ريان وهي تحاول جاهدة أن تتماسك ولا تزفر دموعها أمامه حتي لا تظهر كضلع ضعيف في تلك العلاقة ،
_ تنهدت بحرارة ولم تستطيع السيطرة علي دموعها التي انسدلت كالشلال وهي تقف أمامه وتحدثت بنبرة متلعثمة :-
_ انت ، انت اتجوزت عليا!
_ بكاء شديد حل بها وبائت محاولات التماسك بالفشل الذريع ، أزفرت أنفاسها لكي تواصل حديثها بنبرة واضحة لكنها فشلت وهتفت بنبرة موجوعة :-
_ ريان أنا حاسة إني بحلم ، ريان طلقها وقول أنك بتهزر وعامل مقلب فيا ، ريان مش هستحمل كتير قول أنك بتهزر
_ ابتلع ريان ريقه وهو يشعر الآن بفداحة ما فعله ، لم يفكر بأي شئ سوي الانتقام لتلك الفتاة اليتيمة والقصاص من منصور المختل ، لوهلة شعر وكأنه يحلم ماذا فعل ؟ مرر أنظاره بين الجميع ليري الصدمة علي وجوهم تتحدث عن نفسها ، لما لم يوقفه أحد ، بل حاولوا مراراً لكنه لم يصغي لهم لم يري الا ما يريده فقط ،
_ عاد ببصره الي دينا التي تجهش في البكاء بمرارة لم يسبق له وأن رآها بتلك الحالة المزرية من قبل ، كيف له وأن يجرحها بهذا الشكل الأليم ، نعم لم تقوم بدورها كزوجة كاملة له كأي امرأة لكنها ليست سيئة هي من تتحمل عبئ المنزل علي اكتفاها ناهيك عن رعاية والده وأشقائه وهي ليست ملزمة من الأساس ، ماذا فعل لها في الاخير ، أتي لها بزوجة أخري ، يالا حماقته اللامحدودة
_ نظر إلي حيث تقف عنود التي التزمت الصمت بعد أن أجبرها علي عقد قرانهم عنوة ، باتت خالية من أي تعابير تدل علي عدم موافقتها أو حتي حزنها لا يظهر عليها سوي الهدوء حتماً نفسه هدوء ما قبل العاصفة ، ما ذنب تلك الصغيرة فيما فعله ذاك الابله لقد ورطها في علاقة لم تريدها ،
_ أزفر أنفاسه بضجر بائن ووقف يتنفس الصعداء ، فتح بعض ازرار قيمصه لعله ينعم ببعض الأكسجين الذي هرب من رئتيه ..
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية المعلم" اضغط على اسم الرواية