رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الواحد والعشرون 21
أغلق الباب خلفها و وقف يحاول تنظيم أنفاسه لبرهه قبل أن يعود إلى غرفته مجدداً..
دلف إلي الغرفة ليجدها تقبع فوق فراشه بشرود فما كان منه إلا أن ذهب و جلس إلي جوارها علي حافـة الفراش وقال بصوتٍ خافت: مشيتها.
دون أن تنظر إليه أومأت بهدوء وقالت: ادخل لـ زياد و نور، حاول تراضيهم أو شوف هتتصرف معاهم إزاي.
نهض علي الفور و ذهب إلي غرفتهم لينتفضا فجأةً فور أن دلف أبيهم إلي الغرفه فتقدم نحوهم بأسف وقال لـ زياد الذي كان يحتضن أخته: ممكن أنام جمب منكو شوية؟!
نظر إليه الصغير بعينان باكيتان و أومأ برأسه أن نعم فدخل يحـيي إلي الفراش بجانبهم و أحاطهم بذراعه وقال بنبرة آسفه: أنا آسف متزعلوش مني .. مكنتش أقصد أخليكوا تخافوا.
_إنت ضربت ماما ليه يا بابا؟!
تسائل زياد بحزن و خوف فتنهد يحيي بألم و حزن وقال: في حاجات مش هتفهمها مش زياد.. إنتوا لسه صغيرين لما تكبروا و تفهموا هبقا أحكي لكوا كل حاجه.
_يعني هي مش هتيجي هنا تاني؟!
تسائل مجدداً فـ زفر والده بحيرةٍ من أمره وقال: خلونا نتعشي دلوقتي و ننام عشان بكرة محضر لكوا مفاجأة هتعجبكوا أوي..
حاول أن يبدو صوته متحمساً كي يثير حماسهم و لكنه فشل فتنهد بيأس وقال: طيب إنتوا عايزين إيه دلوقتي وأنا أعمله؟!
قالت الصغيرة بصوتٍ باكٍ: عايزة ماما.
إحتضنها بقوة وقال متسائلاً: و بابا لأ؟!
أومأت بلطف وقالت: و بابا كمان.
قبّل وجنتيها بعمق وقال بصوت يتخلله الحزن و الحسرة: أنا بحبك يا روح بابا، و بحب زياد كمان.
ثم نظر إلي زياد و إحتضنه بقوة مماثله وأضاف: عايزين تسيبوني لوحدي؟!
أومأ كلاهما نافياً فقال بإبتسامة: طيب يلا عشان نتعشا كلنا و أنا اللي هعمل العشا كمان.. و بعد ما نتعشا هقولكوا علي المفاجأه اللي عاملها لكوا.
نهض و حملهما كلاً علي ساعديه و خرج من الغرفه إلي غرفته و أطلّ برأسه ليجد غزل ما زالت تجلس كما كانت فتسائل بقليل من المرح وقال: ممكن يا غزوله تيجي تساعدينا ؟! عشان إحنا خايبين خالص.
رسمت إبتسامه لطيفه علي شفتيها و نهضت علي الفور وقالت: ممكن، يلا بينا.
دلفوا جميعاً إلي المطبخ بحماس مصطنع و كلاً منهم يحاول خداع الآخر بسعادته و حماسه المزعوم ...
عكصت شعرها إلي الأعلي بواسطة أُنشوطه صغيره و إرتدت مريول المطبخ بينما شمّر هو ساعديه و وقف متخصراً بيديه بعد أن وضع أطفاله فوق مقاعدهم الخاصه و نظر إليها قائلاً: هاا هتعملي إيه عشان أساعدك؟
نظرت إلي الأطفال و تسائلت: تحبوا تتعشوا إيه؟! اللي هتطلبوه هنعمله أنا و بابا.
رفع زياد يده قائلاً: أنا عاوز بيتزا زي اللي عملتيها قبل كده .
_ و أنا كمان!
أضافت نور فقالت غزل متوجهه بحديثها لـ يحيي: هات العلبه اللي فيها الدقيق من فوق يا يحيى علي ما أجهز بقية الحاجات.
مد ذراعيه للأعلي يلتقط علبة الطحين وهو ينظر إليها قائلاً: إيه اللي مطلعها فوق أو....
لم يكمل جملته حين سقط محتوي العلبه بأكمله فوق رأسه و ملابسه التي إتشحت كاملةً بالبياض بينما نظرت إليه غزل بصدمة و تمتمت: سلامُ قولاً من رب رحيم!!
نظر إلي زياد و نور اللذان إنفجرا صارخين و خرجا من المطبخ مسرعين ليلحقهم وهو يركض خلفهم بينما إرتفعت ضحكاتهما وهما يركضان أمامه وهو يحاول اللحاق بهما و إخافتهم.
كانت غزل تقف على باب المطبخ تستند بجزعها وهي تطبق كلتا يديها علي بعضهما تشاهد مرحهم و ضحكهم بإبتسامه فَرِحه قطعتها عندما ظهر يحيي من خلفها فجأة لتنتفض بمكانها فجأة بفزع مما جعله ينفجر ضاحكاً بشدة فقال: أنا هطلب دليفري وعلي ما يوصل أكون خدت شاور.
دلف إلي غرفته بينما بدأت هي بتنظيف المطبخ و من بعدها تناولوا العشاء و خلد الأطفال إلي النوم.
كان يقف بالشرفه يدخن سيجارةٍ فرآها تتجه إلى غرفتها فناداها بإهتمام: غـزل..رايحه فين؟!
أجابته ببساطه: هدخل أنام.. محتاج حاجه؟
سحب نفساً عميقاً من السيجارة لتلقي حتفها بين يديه ثم ألقاها في المنفضه و تقدم من غزل وقال: و هتنامي هنا ليه؟
نظرت إليه بعدم فهم وقالت: مش فاهمه.. اومال أنام فين؟
_تنامي في أوضتك.. معايـا!
أجابها ببساطه لتتلعثم هي قليلاً وتقول: ملوش داعي.. خليك براحتك طالـ......
قاطع حديثها وهو يجذبها من يدها و يدلف بها إلي الغرفه صافقاً الباب خلفه وقال وهو يتقدم بها تجاه الفراش: مفيش حاجه اسمها ملوش داعي.. دي اوضتك و هتنامي معايا هنا من هنا ورايح.. مفهوم؟
أومأت بموافقه لتجده وقد دخل إلي الفراش وقال: يلا نامي.. انتي تعبتي النهارده.
فتحت جانب فراشها و دلفت إليه و تمددت بإنهاك قائلة: تصبح على خير.
أغمضت عينيها بتعب و كادت أن تغوص في أبحر من النوم العميق قبل أن يقترب منها فجأه ويقول: غزل..
فتحت عينيها مسرعه و نظرت إليه متسائلة ليقول: لسه زعلانه؟!
أطالت النظر إليه ثم هزت رأسها بنفي وقالت: لا يا يحيـي مش زعلانه.
زم شفتيه بهدوء وقال: أنا متشكر جداً علي كل حاجه عملتيها عشاني و علي كل حاجه لسه بتعمليها، أنا مديونلك بكتير أوي يا غزل.
أسعدها حديثه الممتن كثيراً فـ منحته إبتسامة صافيه ثم قالت: مفيش حاجه تستاهل الشكر يا يحيى، أنا مش بقف جمب حد غريب.. أنا بقف جمب جمب جوزي!
نظر إليها مبتسماً و إقترب منها بغتةً ثم طبع قبلةً عميقه بطيئة متمهله علي وجنتها جعلت لهيب عشقها يشتد ضراوةٍ عن ذي قبل، ناهيـك عن قلبها الذي إضطربت دقاته و إرتفعت و كإنها طبول حرب قد دُقّت لتوّها معلنةً عن بدء النزال.
إبتعد عنها ببطء وهو يراقب إنفعالات وجهها ليجدها وقد إستكانت تماماً فنظر إلي عيناها لتوصدهما خجلاً و خوفاً مما جعله في حيرةٍ من أمره.
كان قلبها يهتز بين أضلاعها و قد شحب وجهها كشحوب وجه الميت من فرط الخجل و التوتر.
إقترابه المهلك منها أودي بها و أطاح بما تبقي لديها من ثبات لتجده يهمس بإسمها قائلاً: غزل.
فرّقت بين أجفناها و همهمت بتساؤل ليقول هو: بتحبيني بجد؟!
إزدردت لعابها تحاول تهدئة إنفعالاتها المتلاحقه ثم حمحمت تجلي حلقها و همّت بقول شئٍ ما ليسبقها قائلاً: غزل أنا عندي سؤال عايز أعرف إجابته منك بس أتمني إنك تفهمي قصدي صح.
أومأت بموافقه وقالت: سؤال إيه؟!
نظر إليها لا يحيد ببصره عنها وقال: لو كنت إتقدمتلك قبل كده ، أو لو في ظروف غير ظروفنا دي كنتي هتوافقي؟!
إبتسمت وقالت: بس إنت بتصيغ السؤال غلط يا يحيـي، إنت قصدك تقول لو كنت إتقدمتلي في ظروف غير ظروفي دي كنت هوافق ولا لأ.. مش كده؟!
أومأ بتأكيد وقال: بصراحه أيوة.. يعني لو كنت إتقدمتلك وإنتي لسه بنت كنتي هتوافقي بواحد في ظروفي؟! مطلق و مخلف و حياته ملخبطه!!
نظرت إليه بإمعان وقالت: طيب خلينا نعكس الموقف، لو إنت كنت شاب أعزب مسبقلوش الجواز قبل كده هل كنت هتقبل بواحده مطلقه؟!
مطَّ شفتيه قائلاً: بصي.. هو أكيد كل شاب بيفرق معاه إنه يتجوز بنت يكون هو أول حد في حياتها زي ما هي هتكون أول حد في حياته.. و أكيد هكون سعيد لو مراتي مسبقلهاش الجواز قبلي.. بس بردو في حاجات تانيه هراعيها و ههتم إني ألاقيها في مراتي قبل الموضوع ده.. يعني العذريه بالنسبه لي مش كل حاجه و مش من ضمن أولوياتي يعني طالما أنا واثق و متأكد إن الإنسانه دي عفيفه.. فـ وقتها هتغاضي عن كونها إتجوزت قبل كده طالما فيها الصفات التانيه اللي هتخلينا نعيش مرتاحين مع بعض.
أضافت: وأنا زيك..حتي لو كنت متجوزتش قبل كده كنت هتغاضي عن كونك متجوز قبلي أو لأ.. طالما شخصيتك مناسبه لشخصيتي و فيك الصفات اللي تخلينا نعيش مرتاحين و مبسوطين.
_يعني لو مكنتيش إتجوزتي كنتي هتوافقي تتجوزيني بردو وأنا مطلق و عندي اولاد؟!
تسائل يريد منها تأكيدً و إبراماً و إقراراً فأومأت بقوة وقالت: ايوة يا يحيى ، حتي لو كنت متجوزتش قبل كده كنت هوافق أتجوزك حتي لو كنت متجوز قبلي خمسه مش بس واحده.
نظر إليها بعين الرضا و الإمتنان ثم قال: أنا مش انا مش لاقي كلام اقوله بجد.. إنتي هديه من ربنا ليا يا غزل.
تراقص قلبها فرحاً بين أضلاعها و إتسعت إبتسامتها قبل أن تنقشع بغتةً عندما إقترب منها ببطء و وضع رأسه فوق صدرها يحيط خصرها بكلتا يديه قائلاً: تصبحي علي خير.
غابت الكلمات عن شفتيها للحظات حتي تمتمت بشرود قائلة: وإنت من أهل الخير.
إحتضنها بقوة فما كان منها إلا أن أحاطت عنقه بيدها الحرة و أغمضت جفنيها مستسلمة للنوم.
^^^^^^^^^^^^^^^
بعد عودتها إلي منزلها أسرعت إلي غرفتها متجاهله نداء والدتها و زوجها اللذان كانا يتسائلان بإلحاح عن اليومين المنصرمين فيما و أين قضتهم.
صفقت الباب خلفها بحدة و غيظ يتملك منها لتنفجر صارخه بغضبٍ كبير يملؤها و راحت تسير في الغرفه ذهباً و جيئةٍ تفكر أنّي لها أن تنتقم منهم و تشفي غليل قلبها.
أمسكت بهاتفها و طلبت رقماً ما كانت تدسه في ورقةٍ معها إلي أن حان وقت حاجته فأجاب صاحب الرقم قائلاً:
_ألو؟
سرعان ما سالت دموع التماسيح خاصتها وقالت بإنهيار متقن: أيوة يا سليمـان، أنا يُسر!
صمت سليمان لبرهة و أجابها ساخراً: يسر؟! خير؟! وقعتي ولا الهوا رماكي؟!
تجاهلت سخريته وقالت بحزن تجيد تأديته: أنا محتاجالك يا سليمان، الدنيا ضاقت بيا ومش عارفه أروح لمين يا سليمان و قولت أكيد محدش هيحس بيا ولا يحبني غيرك!
بنرت حديثها الهزلي عندما إستمعت إلي ضحكاته المتتابعه وهو يقول: ده من إمتا الكلام ده؟! دلوقتي بس إفتكرتي سليمان؟! طب ما إنتي بقالك شهور و ايام بتدوري حوالي يحيـي زي الكلبه وهو مش معبرك!
صدمها نعته المهين لها ليستطرد قائلاً: دلوقتي لما لقيتي نفسك هتخسري الجلد و السقط بتدوري في دفاترك القديمه؟!
_سليمان إسمعـ.....
=إسمعيني إنتي يا يُسر، إنتي شيطانه وأنا خسرت بسببك كتيير أوووي، خسرت كل حاجه بسببك و بسبب طمعي فيكي، متحاوليش تكلميني تاني ولا أقوللك؟ أنا هغير الرقم ده تاني عشان مسمعش صوتك النجس ده تاني!
ألقي كلماته القاسيه الصارمه و أنهي المكالمه بغضب ليلقي بالهاتف إلي الطاوله من أمامه بضيقٍ شديد وهو يسب تحت أنفاسه لاعناً تلك اللحظة التي رنا إليها ببصره فيها.
أمسكت بالهاتف بين يديها وهي تنظر إليه بصدمه و عير تصديق، لم تكن تتوقع ردة فعله الهجوميه تلك بالمرة و لكن علي الأغلب أن ساعة حظها قد ولّت و إنتهي زمنها.
رمت المرآة من أمامها بالهاتف لتتهشم و تتحول إلي جزيئات صغيرة لينفرج الباب بقوة و تدلف والدتها بلهفه و تسائلت: بسم الله الحفيظ.. مالك يبنتي؟!
نظرت إليها يُسر بحنق و سرعان ما إنفجرت باكية وهي تقول بغضب قد أطاح بعقلها: مالي؟! كل اللي أنا فيه ده ومش باين مالي؟! أنا إنتهيت و إتدمرت و خسرت كل حاجه.. خسرت بيتي و جوزي و عيالي.. كل ما أحاول أصلحها من ناحيه تخرب بزيادة.. قوليلي دلوقتي أنا عايشه لزمتي إيه؟!
إقتربت منها والدتها تحاول تهدأتها وقالت: معلش يا حبيبتي كل واحد بياخد نصيبه....
_نصيب؟! نصيب إيه؟! و كان فين كلامك ده من الأول؟! ليه مقولتليش كده من الأول علي الأقل كنتي زرعتي جوايا الرضا اللي أنا محرومه منه!! طول عمرك تقوليلي نقي يا يُسر، إختاري يا يُسر، المِقرش يا يُسر، اللي معاه فلوس و عنده شئ و شويات يا يُسر، إنتي تتاقلي بالدهب يا يُسر!!
نطقت بالأخيره بصراخ مقهور و تابعت:إنتي السبب، إنتي اللي ربتيني علي الطمع و الإستغلال!
نظرت إليها والدتها بتعجب و ذهول وقالت: أنا يا يُسر؟! ده جزاتي إني كنت عايزة أطلعك واعيه و ميتضحكش عليكي؟!
أفلتت منها ضحكه ياخرة مقتضبه وقالت: هه، و مبسوطه دلوقتي؟! حالي عاجبك دلوقتي وأنا عايشه لوحدي ؟! نفعني بإيه إني بقيت واعيه و ميتضحكش عليا؟!
نظرت والدتها أرضاً لتصيح بها يسر بحدة قائلة: ردي عليا!! ساكته ليه ؟!
صاح إسماعيل صارخاً بقوة و صوتٍ جهور: في إيه يا بت ما تلمي نفسك شويه، هو سكتناله دخل بحماره ولا إيه؟! بقالك ربع ساعه نازله سلخ في الوليه و كإن هي اللي قالتلك تحومي علي أخو الراجل و تتجوزيه، ماهو طمعك و فراغة عينك دول هما اللي جابوكي ورا.
تقدمت منه بتحفز و رمقته بسخط وقالت: إنت بالذات متتكلمش نص كلمه، الأنطاع اللي زيك ميفتحوش بؤهم بنص كلمه أساساً، و متنساش إني إتجوزت سليمان عشان أصرف عليكوا إنت و أمي و إخواتي اللي ممشيهم في الإشارات بورد و مناديل عشان إنت نططططع و عايز اللي يصرف عليك.
إغتاظ بشدة من كلماتها الفظة و نظر إليها بقسوة قائلاً: بقا أنا نطع يا روح أمك؟! طيب نطاعه بنطاعه بقا ملكيش قعاد في البيت ده!
قبض علي شعرها بقوة يكاد يقتلعه بين يديه وهو يجرها إلي الخارج وسط صرخاتها و صرخات والدتها التي تستجديه أن يتركها ليصرخ بها بصرامه قائلاً :إخرسي خالص وإلا هتحصليها في الشارع إنتي و عيالك!
دفع يُسر خارج المنزل لتصرخ ببكاء قائلة: طيب خليني أخد هدومي و أمشي.
_ولا فتله حتي هتاخديها معاكي، شوفي لك خرابه بقا إقعدي فيها و إياكي أشوف وشك هنا تاني.
صفق الباب بوجهها و دخل لتبقي هي تتطلع حولها بشرود و تيه و ضياع لا تدري أين تذهب ولا لمن تلجأ الآن!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
إستيقظت صباحاً لتجده ما زال يحتضنها وهو غافٍ بعمق فـ هزته برفق حتي أفاق.
_صباح الخير.
=صباح النوور.. إحنا إمتا دلوقتي؟
_الضهر أذن من ربع ساعه.. مرضيتش أصحيك لإنك قولت مش هتروح الشركه النهارده!
=أيوة صح.. أنا وعدت زياد و نور إننا هنقضي اليوم سوا.
_طيب يلا قوم نفطر عشان زمانهم مستنيين من بدري.
نهضا كلاً منهما فذهب هو إلي المغسل و بدأ للإستعداد بينما كانت هي تقوم بتحضير طعام الإفطار ليتناولوا جميعاً فطورهم و يبدلوا ملابسهم منطلقين نحو السيارة فقال يحيى وهو ينظر إليهم متسائلاً بحماس: هااا تحبوا تروحوا فين؟!
قال زياد: غزل اللي تختار!
إنبسطت أساريرها لتنظر إلي يحيي وهو يقول متسائلاً: هاا يا غزال، نروح فين؟
حاولت السيطرة علي إنفعالاتها المبتهجه وقالت بهدوء: خلينا نروح مكان مفتوح و فيه هوا و شمس، و لو حابين مكان تاني قولوا إنتوا.
أدار يحيي محرك السيارة قائلاً: نروح علي البحر ، من زمان مقعدناش في مكان مريح للأعصاب .
أومأت بتأييد لينطلق بالسيارة نحو طريق البحر ثم قام بتشغيل أغنية "قولوله" لـ "عبدالحليم حافظ" و راح يختلس النظر إليها بين كل فينةٍ و الأخري بينما هي كانت شارده بهِ تحاول التحكم في إنفعالاتها المضطربة و دقات قلبها الثائرة معلنةً عن وقوعها بالحب للمرة الإلي مالا نهائية.
وصلوا إلى البحر.. إستقبلها البحر بهواءه الطلق و الذي يحمل تلك الرائحه الأقرب إلي قلبها فرائحة اليود دائماً تبعث إلي قلبها بالذكريات المحببه منذ الصغر و قبل أن تتوفي والدتها.
إنطلق الصغار بفرح يلعبون و يمرحون بسعادة بالغه بينما شردت هي بالمكان من حولها.
أحاط ذراعها بيده و تسائل فقال: سرحانه في إيه؟!
رنت بعينيها ناظرةً سريعاً إلي يده التي تحيط ذراعها ثم نظرت أمامها مجدداً وقالت: سرحانه في البحر.. هوا البحر و ريحته دايما بيفكروني بماما الله يرحمها.. كانت بتحب قعدة البحر أوي.
_ربنا يرحمها.
تمتم بتأثر ثم قال: إيه رأيك تكلمي صافيه تيجي تقضي معانا اليوم.
نظرت إليه بحماس وقالت: تصدق دي هتنبسط أوي.
أومأ موافقاً وقال: وأنا هكلم قاسم و أخليه ييجي و تبقا فرصه يقعدوا مع بعض.
قام بالإتصال بـ قاسم الذي هرول إليهم مسرعاً و لحقت بهِ صافيه بعدها بقليل من الوقت.
صافحت صافيه الجميع و جلست تحت أنظار قاسم الذي كان يتفحصها بلهفه وهو ينتظر الفرصه لمحادثتها وجهاً لوجه.
نظر إليه يحيـي ليبادله الآخر نظرات مستغيثه فقال: قومي يا غزل نشوف الغدا و قاسم و صافيه يفضلوا هنا علي ما نيجي.
أدركت مغزي نظراته فنهضت معه و ذهبا لطلب الغداء بينما ظل قاسم برفقة صافيه ينتظران عودتهما.
_الجو لطيف أوي النهارده، مش كده؟
تسائل قاسم يحاول تجاذب أطراف الحديث مع صافيه لتومأ بموافقه هادئه وتقول: فعلاً.
_واضح إنك بتحبي الهدوء و الإستجمام!
=دي حقيقه.
زمّ شفتيه بإستياء من ردودها المقتضبه ثم عاد ليقول: لو حابه تقعدي لوحدك و تستجمي أنا ممكن أستأذن عادي...
_لا أبداً حضرتك مش مضايقني في حاجه.. أنا بس مبعرفش أتكلم مع حد مش عارفاه أو مفيش بيننا سايق كلام يعني، إنما وجودك مش مضايقني خالص.
أومأ بهدوء و تفهم ثم تسائل: إنتي مش مرتبطه؟!
قطبت حاجبيها بتعجب و أضافت بهدوء: منفصلة.
_بصرة!
قالها مبتسماً بمزاح لتبتسم هي بهدوء فقال: أكيد الموضوع كان فيه طرف تالت.
نظرت إليه بإنتباه و أومأت بإقتضاب فقال متنهداً : الواحد زي ما يكون بيمد إيده في الزباله و ينقي الناس اللي يعرفهم.
ضحكت علي تشبيهه ليضحك بدورهِ قائلاً: سيبك إنتي.. ضحكتك دي بالدنيا ومفيش حد يستاهل تزعلي عشانه.
أطالت النظر إليه وقد لمست كلماته شِغاف قلبها و ألجمت لسانها عن النطق و التعبير.
عمّق النظر إلي عينيها وهو يتمني لو أصبح و أمسي ينظر إليهما دون حراك بينما كانت هي تتلاشي نظراته الثاقبه تلك و التي تشعر بأنها تكاد تخترقها.
نظر أمامه شارداً و بدأ يتمتم بكلمات أثرت إنتباهها و چُل إهتمامها فراحت تستمع إليه بقلبها لا بأذنيها..
لا تبكها ذَهَبَت ومات هواها
في القلبِ متسعٌ غَداً لِسواها
أحببتُها وطويتُ صفحتَها وكم
قَرَأَ اللبيبُ صحيفةً وطواها
يا شاطئَ الأَحزانِ كم مِن موجةٍ
هَبها ارتطامةَ موجةٍ وصداها
تلك الوليدةُ لم تَطُل بُشرَاها
لمَّا تكَد تطأُ الثرى قدماها
زفَّ الصباحُ إلى الرمالِ نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
هاتِ اسقني واشرب على سرِّ الأسى
وعلى صبابةِ مهجةٍ وجواها
مهلاً نديمي كيفَ ينسى حبَّهَا
من ينشدُ السلوى على ذكراها
ما زلتَ تسقيني لتنسيني الجوى
حتى نسيتُ فما أدركتُ سواها
كانت لنا كأسٌ وكانت قصةٌ
هذا الحبابُ أعادَهَا ورواها
كأسي وشمسُ هوايَ والساقي الذي
عَصَرَ الشعاعَ لمهجتي وسقاها
الآنَ غَشَّاها الضبابُ وها أنا
خَلفَ المدامعِ والهمومِ أراها
غالَ الفناءُ حبابَهَا وضبابَهَا
وتبخرت أحلامُهَا ورؤاها
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد عودتهم إلى البيت مساءً بعد قضاء يوم ملئ بالحركه و الحماس قامت غزل بمساعدة زياد و نور ليأخذا حماماً ساخناً و من ثم خلدا إلي النوم سريعاً.
دلفت غزل إلي المغسل لكي تحصل على قسطاً من الراحـة بواسطة المياه الدافئة ثم إرتدت منامةً خاصه بها وخرجت لتجد الغرفه فارغه.
صففت شعرها و دخلت إلي فراشها لينفرج الباب و يدلف
يحيي مبتسماً فتقدم نحو الفراش و دلف إليه و إقترب منها دون أي مقدمات و أحاط خصرها بيده و بالأخري كان يمسح علي شعرها بحنان.
نظرت إليه بتعجب فإبتسم متفهماً سبب تعجبها و تجاهل تساؤلها و تعجبها وقال: إتبسطي النهارده؟
أومأت بحماس وقالت: كان يوم حلو جداً و زياد و نور غيروا جو و اتبسطوا كمان.
_فعلاً حتي نفسيتهم إتحسنت شويه.
= توقعت إنك هتاخدنا بيت العيله.
قطب حاجبيه بإستغراب وقال: إشمعنا؟! إيه اللي فكرك ببيت العيله دلوقتي؟
=عادي، بس أصل أكيد العيال هيفرق معاهم انهم يقضوا يومين مع جدهم و عيال عمهم .. و أظن إنت كمان محتاج تشوف ابوك و تطمن عليه.
ثم قالت بترقب: إيه رأيك نرجع بيت العيله تاني؟
نظر إليها بتعجب شديد وقال: نرجع بيت العيله؟! ليه؟!
رفعت كتفيها ببساطه وقالت: يعني.. الأحسن إنك تبقا وسط أهلك و نور و زياد كمان.. جايز ده يخفف عنهم إن أمهم مش معاهم.. و انت كمان محتاج تحس إن أهلك حواليك زي زمان.
_وإنتي مفيش عندك مانع تعيشي مطرح ما هي كانت عايشه؟!
تسائل بسخريه فقالت: مش الفكرة.. بس أكيد علي الأقل هنغير عفش البيت أو نقفل الشقه خالص و نعيش في الشقه الفاضيه.
_لأ مش هينفع!
=ليه.. إيه المانع؟! عايز تقنعني إنك مبتحنش لأهلك ؟
أشاح بوجهه بعيداً وقال: بيتهيألك.
إعتدلت بمقعدها و جلست بنفس مستوي جلسته وقالت: لأ مش متهيألي يا يحيى.. إنت مهما حصل عمرك ما هتقدر تبعد عن أهلك.. و خصوصاً عمي علي.. ده أبوك يا يحيي....
_أبويا هو أكتر واحد ظلمني فيهم!
قالها بحدة لتنفجر الدماء بوجهها غضباً وقالت: كفايه بقاا.. كل شويه تقول إنه ظلمك كنت عايزه يعمل إيه يعني؟! ما هو كمان أبنه زي ما انت ابنه.. حط نفسك مكانه و انت هتعذره.
لم يجيبها فقالت : كل اللي انت فيه ده بتحاول تغطي بيه فشلك في انك تنساها يا يحيي.
نظر إليها متجهم الوجه لتستكمل حديثها وتقول: دي الحقيقه.. برغم كل اللي عملته فيها بس إنت من جواك مش قادر تنساها.. هي قالتلي إنك هتفضل ملكها و قلبك معاها هي بس أنا حاولت أنكر كلامها حتي بيني وبين نفسي.. كنت رافضه أقتنع بكلامها ده و قولت لأ أكيد نسيتها بس أنا اللي طلعت غلطانه.
_نامي يا غزل.
قالها وهو يستدير للجانب الآخر لتتشبث بذراعه تجبره علي مواجهتها وقالت: مش كل مره يا يحيي هتبدأ الكلام و تنهيه بمزاجك.. أنا كمان لازم أنكلم و تسمعني زي ما أنا بسمعك في كل الأوقات.
نظر إليها متعجباً ثورتها المفاجأه ليجلها تجلس متأهبه للجدال وقالت: أنا لازم أفهم موقفي بالتحديد، أنا تعبت من الوضع ده و مبقاش عندي قدرة أستحمل، مش عارفه إنت معايا ولا معاها، جسمك هنا بس عقلك و قلبك و روحك لسه معاها..
_مش صحيح....
=لأ صحيح يا يحيي.
قالتها ببكاء و أضافت: صحيح.. أنا يأست، حاسه اني مهما اعمل مش هعرف اخليك تحبني ولا تحس بيا.
ثم اقتربت منه وقالت بإستجداء: خليك صريح معايا يا يحيي و قوللي.. لو أنا مش هقدر أخليك تحبني يبقا قوللي أوفر علي نفسي كل اللي بعمله ده.
إلتزم الصمت و نظر إليها نظرات فارغه لم تفهم هي مفادها لتومأ هي بيأس وقالت: جوابك وصلني يا يحيي.. إنت مش محتاج تتكلم خلاص.
نهضت من الفراش فجأة و خرجت من الغرفه و منها إلي غرفتها ثم غطت في النوم سريعاً في حين قضي ليلته شارداً بحديثها الذي قالته و حديثه الذي لم يتسني له قوله.
~~~~~~~~~~~~~~
إستيقظت صباحاً وعلي وجهها آثار البكاء و الإعياء و لكنها حاولت إخفاؤهما قدر إستطاعتها و بعد أن أنهت أعمالها دلفت إلي غرفته وقالت: أنا عايزة أروح أشوف بابا.
قال بهدوء: خير هو تعبان ولا حاجه؟
أومأت بنفي وقالت: لأ الحمدلله كويس.. بس عايزة أقعد معاه يومين أغير جو.
قطب حاجبيه بتعجب وقال: يومين؟! ليه يومين؟!
_عادي.. كده كده زياد عنده كامبينج تبع المدرسه و هيفضلوا مخيمين يومين و نور هاخدها معايا.
=لأ مش هينفع.. سيبيها وأنا هاخد أجازة لحد ما ترجعي.
_ماشي براحتك.
قالتها بإقتضاب مما أزاد حيرته و تعجبه ثم قال: إنتي هتمشي من هنا زعلانه؟! ولا عشان تشوفي باباكي فعلا؟!
_لا أبداً مفيش زعل ولا اي حاجه.. بس بابا عاتب عليا إكمني من يوم ما اتجوزنا وانا مبقيتش اروح اشوفه ولا اقعد معاه فـ قولت فرصه بصراحه ان زياد مش هنا و اخد نور معايا و نقضي يومين هناك .. يومين بس و هنرجع ان شاءالله.
أومأ موافقاً وقال: بإذن الله.. بس سيبي نور معايا عشان تكوني براحتك و تريحي اعصابك.. أنا كظان هاخد أجازه النهارده و بكرة و لما ترجعي ان شاءالله أبقا أنزل.
_تمام ماشي.. أنا هروح ألبس بقا و أنزل.
=تمام ..علي ما تلبسي هتلاقيني مستنيكي بالعربيه.
_لا معلش..أنا حابه أروح أنا و أشوف الشوارع زي الأول و أركب تاكسي.. يعني.
=ماشي .. علي راحتك، محتاجه حاجه؟!
_لأ متحرمش منك.
بدلت ثيابها و صافحته و التقطت حقيبتها مغادرة إلي بيت والدها.
دقت الباب ففتح والدها و الذي تعجب قدومها و حقيبتها تلك التي تحملها بين يديها!
إحتضنت والدها فور أن رأته و تحاملت علي نفسها كي لا تنخرط في بكاءٍ مرير و لكن قلب الأب!
_إنتي زعلانه مع جوزك؟!
تسائل إبراهيم بقلق فرسمت إبتسامة صافيه علي وجهها وقالت: جرا إيه يا هيما هو أنا مينفعش أجي هنا غير وأنا زعلانه ولا إيه؟!
ربت علي كتفها وقال: لا أبداً يا حبيبة أبوكي، بيتك و تيجي في أي وقت و كل وقت.. ادخلي.
دلفت فنادي هو قائلاً: صافيه.. تعالي شوفي مين هنا.
خرجت صافيه من المطبخ لتفاجأ بوجودها فقال وهي تسرع ناحيتها تحتضنها: يا حبيبتي يا غزل.. البيت نور من تاني والله.
إحتضنتها غزل بشدة وقالت بمرح: عايزاكوا بقا تأكلوني علي قد ما تقدروا و تدلعوني علي قد ما تقدروا.. عايزة أستجم اليومين اللي أنا قعداهم هنا.
_هتقعدي يومين؟! يبقا أكيد في حاجه.
قالها إبراهيم بإستنتاج فقالت بإبتسامه: أمشي عشان تصدق إن مفيش حاجه؟! والله يا بابا إحنا كويسين الحمدلله و كله تمام.. كل الحكايه إن زياد هيخيم يومين مع المدرسه بتاعته فأنا قولت أجيب نور و أجي نقعد هنا يومين فرصه يعني.. بس يحيي قاللي لأ أنا كده كده مفيش عندي حاجه مهمه اليومين دول و مش ناوي أنزل خليها معايا.. بس.
_يعني مش زعلانين سوا؟!
تسائل بتأكيد فقالت: لا والله أبداً.. حتي هو قاللي ممكن ييجي يتعشا معانا بكرة و نروح سوا.
أومأ والدها موافقاً وقال: طيب الحمدلله.. يلا ادخلي غيري هدومك و تعالي عشان نقعد في البلكونه سوا و تعمليلي قهوة زي زمان.
قالها بإبتسامه لتبتسم هي أيضاً و ذهبت لتبدل ملابسها و من ثم ذهبت لتجلس برفقته في الشرفه يتجاذبان أطراف الحديث.
في المساء.. حيث كانت تجلس برفقة صافيه في غرفتها و كلاً منهما تفضي ما بجعبتها للأخري.
أطلقت تنهيدةٍ متعبه و محمله بالآلام وقالت: بابا كان عنده حق يا عمتو.. للأسف أنا مهما أعمل مش هقدر أخليه يحبني، أنا عذراه لإن قلبه مش ملكه و الحب مش بالقوة.. بس أنا تعبت ، حاسه إني زي البي بينفخ في إربه مخرومه عالفاضي.. مفيش جديد بيحصل ولا هيحصل.
ربتت صافية علي يديها وقالت بحزن: معلش يا غزل ،إنتي وافقتي من ابأول و إنتي عارفه إنك هتتعبي و هتعاني لحد ما تكسبي قلبه.
قاطعتها غزل قائلة:كان عندي أمل وقتها بس دلوقتي لأ، زهقت و يأست .. عمره ما حس بيا ولا هيحس...
_لا هيحس...اللي زي يحيي ده بليد.. محتاج اللي يحركه و يخليه ينتبه للي جواه.
نظرت إليها غزل بإستفهام وقالت: إزاي؟!
_لازم إحنا اللي يخليه يتلحلح و ينطق و يحس بيكي..
ضحكت غزل بتهكم وقالت: هه، هشحت منه الحب كمان؟!
_مش هتشحتي.. كل الحكايه إنك هتلفتي نظره.. هتخليه يحس انك مش موجوده زي الاول، وقت ما يحس بغيابك صدقيني هيخاف و هيبدأ يتحرك.
=وأنا هخليه يحس بغيابي إزاي؟! ده أنا عشان هقعد يومين بابا مش مقتنع إننا مش زعلانين.
_يا خايبه مش شرط غيابك يكون وكل واحد في مكان، ممكن تحرميه منك و إنتوا في نفس البيت، اتجاهليه، اتقلي عليه، خليكي بعيده علي قد ما انتي قريبه.. أقوللك؟!
همهمت بتساؤل: هممم؟!
شردت قليلاً بتفكير وقالت: خليه يغير!!
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على اسم الرواية