رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثاني والعشرون 22 بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثاني والعشرون 22
_يغيـر؟!
برز بها صوت غزل بإستنكار شديد فأومأت صافيه وقالت: أيوة، معظم الرجالة بتحس بالغيره قبل الحب، يعني ممكن يكون هو جواه حب ليكي بس مش عارف يظهره، إحنا بقا هنخليه يظهره!
إبتسمت غزل بتهكم وقالت: هنظهره إزاي بقا يا شارلوك هولمز زمانك؟! ده بليد زي ما قولتي ولا هيتهز.
راحت صافيه تدق بسبابتها فوق ذقنها بتفكير ثم نظرت إليها بحماس وقالت: قاسـم صاحبه!
نظرت إليها غزل بتعجب و إستفهام لتستطرد صافيه وهي تشرح لها قائلة: جوزك مش مصاحب غير ده و مش هنعرف نستعين بحد غير ده بردو...
قاطعتها غزل قائلة: وإنتي عيزانا نقول لـقاسم إننا هنعمل علي يحيي حوار عشان نخليه يغير عليا؟!
لوت صافيه شفتيها بنزق وقالت: بصي متشيليش هم النقطه دي أنا هحلها، لازم قاسم يكون عنده علم باللي ناويين نعمله عشان يقدر يساعدنا و ميفهمش غلط او يحصل لَبس و يظنك بتتمايعي بجد ولا حاجه..
_أتمايع؟! نطقتها غزل بإستنكار وقالت: هي حصلت المياعه كمان؟!
=أومال هنخليه يتلحلح إزاي إنتي كمان، مياعه خفيفه كده مش هتأڤوري يعني.. بصي هاتيلي رقم قاسم إنتي بس و أنا هتصرف في الباقي.
_ماشـي ،سهله.
=إنتي هتمشي إمتا؟!
_بكرة المفروض.
_تمام أوي، من هنا لبكرة متخليهوش يسمع صوتك، إقفلي موبايلك أحسن و لما يسألك إبقي قوليله فصل شحن، لازم تشغليه كده و تخليه يفكر فيكي و يقعد يقول يا تري .
_ماشي، ربنا يسترها بقا و ملبسش في حيطه.
=عيب عليكي يبنتي ده شغل محترفين مش هواة.
قالتها صافيه بمرح و ضحكت لتشاركها غزل الضحك ثم قالت: هقوم أنا أنام بقا ، تصبحي علي خير.
إنصرفت صافيه إلي غرفتها بينما ظلت غزل تتقلب في مضجعها بتوتر و حيرة ......و إشتياق أيضاً !
علي الجانب الآخر.. كان يحيـي يجاهد كي ينعم بقسطٍ من الراحه بعد تلك المعاناه التي عاناها مع طفلته العنيده علي مدار اليوم.
أسبل أجفانه محاولاً الخلود إلي النوم ولكن قفزت صورتها بغتةً إلي عقلهِ ليفتح عيناه مجدداً و ينهض قائماً ممسكاً بهاتفه في محاولة منه للإتصال بها و لكنه تعجب عندما وجد هاتفها مغلقاً!
أعاد المحاوله مرةً ثانية و لكن دون جدوى ليعود إلى النوم سريعاً مستسلماً بعد يومٍ شاق.
_______________________
بدأ الضوء يزحف ببطء نحو الغرفة ليفيق يحيـي من نومه بتثاقل علي غير عادته، ظل يلاطف طفلته حتي إستيقظت و منحته إبتسامةً حنونه و قبلة ودوده ليحملها و يخرج بها من الغرفة تجاه المطبخ و بدأ بإعداد طعام فطورها.
بينما كان يحتسي قهوته حاول مراراً أن يتصل بـ غزل ولكن هاتفها ما زال مغلقاً.
إنتابهُ القلق و همّ بالإتصال بـوالدها و لكنه تراجع في آخر لحظة ليترك الهاتف من بين يده ثم نهض و بدّل ملابسه و إصطحب طفلته متجهاً نحو بيت غزل.
كانت قد إستيقظت للتو من نومها و تتجه نحو المغسل ليرتفع رنين جرس الباب، رآها والدها تتجه نحو الباب فأشار لها بالتوقف قائلاً: أنا هفتح.
دلفت إلي المغسل قبل أن يصل إلي مسامعها صوت يحيـي فخرجت علي الفور و قلبها يتلهف شوقاً لرؤيته و لكنها توقفت تسترجع ما أخبرتها به صافيه فعادت إلي المغسل مجدداً و تعمدت أن تستغرق وقتاً طويلاً بالداخل بدءً في تفعيل خطتها.
كان إبراهيم يجلس حاملاً نور علي قدمه يلاطفها بقلبٍ حنون ونظر إلي يحيي قائلاً: عقبال ما أشيل عيالك إنت و غزل يبني.
تلجلج يحيـي قليلاً ولكنه أخفي توتره و قال بابتسامة هادئة مع زمّة شفاه مقتضبه: بإذن الله يا عمي.
ثم حمحم وهو يرنو ببصره سريعاً من حوله وقال: أومال غزل لسه نايمه ولا إيه؟
_لأ صحيت.. ياا غزل!
ناداها والدها فخرجت من المغسل سريعاً و إتجهت نحوهما بإبتسامه لطيفه و قالت: صبـاح الخيـر.
مدّت يدها تصافح زوجها و حملت نور تقبلها ثم جلست إلي جواره و وجهت حديثها إلي الصغيرة وقالت: وحشتيني أوي يا نور.
_وإنتي كمان علي فكرة.
باغتها يحيي بتلك الكلمات لتنظر إليه مبتسمة بهدوء دون أن تعقّب فنظر إلي والدها وقال: بصراحه إحنا معرفناش نقعد من غير غزل.. البيت ممل و كئيب من غيرها.
قال الأخيره وهو ينظر نحوها فإبتسمت كالبلهاء رغماً عنها وقد تسلل الفرح إلي قلبها بفعل كلماته البسيطه جداً.
إبتسم إبراهيم قائلاً: فرصه تقضي معانا اليوم و بالليل إبقا خد مراتك و إمشوا من غير مطرود.
إعترض قائلاً: لاا معلش خليها مرة تانيه....
_لا تانيه ولا تالته، خلينا نقضي اليوم سوا و بالليل لو عايزين تمشوا مش همسك فيكوا، إنما مش هتمشوا دلوقتي ،مفيهاش جدال دي.
تهادي صوت صافيه التي قالت بعد أن صافحته و جلست: طب إيه رأيكوا نقضي اليوم كلنا عالبحر، الجو النهارده جميل و فرصه يا إبراهيم تخرج معانا مرة من نفسنا.
قاطعها قائلاً: لاااا.. اعذروني أنا مليش في الجو ده..
_عشان خاطري يا بابا!
قالتها غزل بإستجداء ليبتسم قائلاً: نن عين أبوكي إنتي، ماشي يستي عشان خاطرك.
إستعد الجميع و أولهم كانت صافيه التي قامت بالإتصال برقم قاسم والذي أعطته لها غزل ليلة أمس.
~~~~~~~~~~~~~~~~~
بينما كان قاسم جالساً بمكتبه، منهمكاً بعمله و الذي تراكم مع غياب يحيي رنّ هاتفه برقم غير مسجل فتجاهله مرات عديدة حتي بعثت له صاحبة الرقم برساله كان مضمونها " أنا صافيه عمة غزل لو فاكرني، كنت محتاجه أكلم حضرتك ضروري لو تسمح"
فور أن قرأ الرساله أسرع بالإتصال بها و هو يفكر مليّاً بسبب الإتصال قبل أن يصله صوتها الشجيّ تقول: مساء الخير يا أستاذ قاسم، آسفه لو عطلتك عن شغلك.
تنحنح بلهفه وقال: مساء النور يا مدام صافيه، لا أبداً مفيش حاجه أنا بس مش برد علي أرقام معرفهاش وأنا في الشغل.
أضافت بهدوء: أه حصل خير، كنت محتاجه مساعدة حضرتك في موضوع شخصي شويه.. هو مش خاص بيا يعني هو خاص بـ يحيي و غزل.
قطب حاجبيه بتعجب وتسائل: يحيي و غزل؟! خير في حاجه ولا إيه؟!
تنهدت الصعداء وقالت: الحقيقه يا أستاذ قاسم هي حاجة خاصه جداً و إحنا لولا عارفين إنك أقرب حد ليه و هو بيعتبرك أخ ليه كمان مكناش كلمنا حضرتك...
قاطعها بتوتر قائلاً: خير يا مدام صافيه، أنا مش فاهم حاجه.!!
_بص بصراحة يحيي من النوع التقيل شوية..
بترت كلماتها لا تجد ما تقوله ثم إستكملت وقالت: بص من الآخر .. إحنا عايزين نحركه، يعني عايزينه ينتبه لحب مراته، يواجه نفسه بالحب اللي جواه و يعترف بيه...
قاطعها قائلاً بمرح: عايزينه يتلحلح يعني!
_إسم الله علييييييك.
ألقتها بمرح مشابه ليضحك كثيراً ثم قال: فهمت قصدك، و طبعاً أنا اللي هخليه يتلحلح!
_لو مفيش عندك مانع طبعاً.
=مفيش مانع أكيد بس إيه المقابل؟!
_نعم؟!.. تسائلت بحدة ليضحك بقوة قائلاً: يستي بهزر مالك قفشتي ليه كده.. عالعموم أنا تحت أمركوا و مستعد أعمل اي حاجه تطلبوها مني.
=شكراً جداً ليك.. طيب إحنا خارجين دلوقتي هنقضي اليوم عالبحر كلنا.. يضايقك لو تيجي تقعد معانا شويه؟!
_لا أبدآ بالعكس.. إنتي بس عرفيني هتقعدوا فين وأنا هتصرف و أجي.
=تمام لما نروح و نقعد هقوللك إحنا فين، بس طبعاً مش محتاجه أقوللك إن يحيي ميعرفش حاجه بالمكالمه دي.
_مفهوم مفهوم متقلقيش.. هستني منك رساله بمكانكوا و الباقي سهل إن شاءالله.
أنهت الإتصال و بدأت بالإستعداد ثم إنصرفوا جميعاً منطلقين بسيارة يحيـي تجاه البحـر.
جلسوا جميعاً حول طاولةٍ أمام البحر مباشرةً و بدأوا بترتيب أغراضهم و طعامهم فأرسلت صافيه برسالة إلي قاسم وضحت له فيها مكانهم بالتفصيل فبعث لها رسالة كان مفادها أنه في طريقه إليهم.
كانت غزل تجلس بجانب يحيي شاردةً أمامها تصُب كل إنتباهها و مشاعرها للبحر فإنتبهت علي صوت يحيي هامساً إليها: كلمتك إمبارح كتير و النهارده بس تليفونك كان مقفول!
أومأت بموافقه وقالت: أنا كنت قفلاه.
قطب حاجبيه متعجباً وقال: إنتي اللي كنتي قفلاه؟! أنا تخيلت إنه فصل شحن مجاش في بالي إنك قفلتيه.
نظرت أمامها مجدداً وقالت بهدوء ينافي العاصفه الموجودة بداخلها: كنت عايزة أفصل من كل حاجه حواليا، كنت حاسه إني متلخبطه و محتاجه أبعد عن كل حاجه!
_حتي أنا؟!
تسائل بترقب فلم يحصل سوي علي إيماءه موافقه مقتضبه مما أصابه بالذهول فـ آثر الصمت و راح ينظر أمامه بهدوء مماثل.
=إيه ده ؟! مش ده قاسم عبدالرحمن صاحبك يا يحيي؟!
قالتها صافيه وهي تشير بإتجاه قاسم الذي كان يسير علي بُعد خطوات منهم فأومأ يحيي بتأكيد وقال: أيوة هو، ثواني أشوفه و جاي.
قال إبراهيم بلطف: لأ يبني ميصحش، نادي له يتغدي معانا طالما إحنا اللي شوفناه.
ناداه يحيي و دعاه للجلوس برفقتهم فتقدم منهم و صافح الجميع بإحترام ثم قال: سبحان الله لينا نصيب نشوف بعض، أنا كنت جاي أتغدي هنا و ماشي، أصلي ساعات بحب أقعد عالبحر لوحدي بعيد عن زحمة الشغل و الإجتماعات وكده.
ثم نظر إلي إبراهيم و تابع: تلاقيني بحب أهرب كل فترة كده و أغير جو ، أو بمعني أدق بجدد نشاط يعني.
أومأ إبراهيم بلطف وقال: طب إتفضل اقعد ، إحنا كنا بنجهز الأكل و ليك نصيب تاكل معانا.
_لا معلش اعذرني، مرة تانيه.
=لااا والله ما يحصل، اقعد دي اللمه مفيش أحسن منها و خصوصاً لمة البحر و الجو العظيم ده.
نظر الجميع إليه بتعجب وقالت غزل: ده علي أساس إننا مكناش بنتخايل عليك عشان تنزل معانا؟!
غمزها بمرح ليضحكوا جميعهم بألفه و من ثم بدأتا غزل و صافيه تقمن بإعداد الطعام وسط جو ملئ بالمرح و البهجه.
بادر قاسم بالحديث قائلاً: بقالك يومين يا يحيي بيه أجازة و رامي الحِمل كله عليا لحد ما إتنفخت، حتي معنديش وقت أنام.
برز صوت يحيي قائلاً: أنا عارف والله، من بكرة بإذن الله هتابع الشغل و أشوف الإجتماعات المتأجله.
أومأ قاسم موافقاً وقال: ماشي يسيدي براحتك، عالعموم معذور، المدام حلوة بقا و وخداك مننا!
ألقاها ببساطة ليسعل يحيي بغتةً وقد توقف الطعام بحلقهِ و راح يتطلع نحوه يتفحص مدي جدية حديثه ليجده وقد شرع في تناول طعامه مرة أخري مسلطاً بصره بالطبق من أمامه و كأن شيئاً لم يكن.
تغاضي عن ما حدث و إستأنف تناول طعامه تحت نظرات إبراهيم الثاقبه المتفحصه والتي تلتقط و تراقب كل إنفعالاته و تدرسها و تحللها بعينٍ خبيرة بينما كان هو منشغلاً بالنظر إلي قاسم بمنتهي التحفز و الإنتباه.
_أكيد غزل هي اللي عاملة الأكل ده!
قالها قاسم بإبتسامه متسعه وهو ينظر إلي غزل التي إبتسمت بتوتر و لطف في آنٍ واحد وقالت: الحقيقه مش أنا لوحدي، أنا و عمتو.
قال وهو لا يحيد ببصره عنها: واضح إن نَفَسك في الأكل هايل، لازم يحيي يعزمني في بيتكوا و آكل من إيديكي تاني.
زفر يحيي بضيق و ألقي بالملعقه من بين يديه بحدة إلتفت لها الجميع فإبتلعت غزل لعابها بقلق وهي تري ملامح الغضب قد تسللت إلي محيّاه بوضوح.
كان إبراهيم يجلس صامتاً، ما عليه سوي أنه يراقب إنفعالات الجميع من حوله بتريث و هدوء ولا يعـقّب!
إختلس قاسم النظر إلي يحيي ليجد عيناه وقد إتقدت و تجمّرت بلهيب الغضب فعلم أنه أصاب الهدف بنجاح و لكن مهلاً ؛ لا بُدّ أن يثبت كفائته فيما وُكّلَ إليه!
أخرج علبة سجائره الخاصه و قدّمها نحو إبراهيم الذي أومأ نافياً وقال: لأ النوع ده شديد علي صدري، أنا معايا السجاير بتاعتي.
قدمها نحو يحيي الذي رفض بفظاظة قائلاً: مش عايز.
بدأ بتدخين السيجاره بصمت ثم تسائل قائلاً: فين زياد صح؟!
أجابت غزل تلقائياً ببراءه: زياد المدرسه بتاعته عاملين كامبينج وهو كان متحمس جداً إنه يشارك معاهم لاول مرة و كده.. فـ يحيي وافق إنه يروح معاهم، بقاله يومين أهو.
أومأ بإبتسامه ثم قال: الأنشطه اللي من النوع ده مفيده جداً لتعزيز ثقة الطفل بنفسه و بتعلمه إنه يتعود يكون إنسان مسئول كمان.
أومأت الأخري بتأكيد وقالت: دي حقيقة.
_عمرك خيّمتي قبل كده؟!
تسائل وهو ينظر إليها بإهتمام فقالت: مرة واحده أيام ثانوي، كان أسبوع في نويبع تبع المدرسه بتاعتي....
و نظرت إلي والدها وقالت بضحك: فاكر يا بابا أيامها لما كنت رافض إني أروح معاهم المخيّم و فضلت أتحايل عليك أنا و عمتو؟!
أومأ ضاحكاً ثم قال: كنت حاسس إنك ولا اللي رايح الجيش.. مكنتش هوافق أبدآ لولا قعدتي تعيطي و صعبتي عليا.
أضافت بحماس صادق وهي تسترجع ذكريات ذلك اليوم: و يومها إشتريتلي الصاعق المنحوس ده و من وقتها ملازمني في الرايحه و الجايه.
أومأ موافقاً وقال: كنت خايف عليكي...
و نظر إلي يحيي وقال: يومها هي جت الصبح تقوللي فريق من المدرسه رايحين يعملوا تخييم في نويبع و عايزة أجرب و أطلع معاهم .. في البدايه كنت متردد و شبه موافق، جيتلك بالليل -كنا يوم خميس- بفتحmbc2 علي فيلم السهرة لقيت الفيلم بتاع شوية العيال اللي راحوا يقضوا اسبوع في مخيم قال إيه في الغابه و ماتوا واحد ورا التاني.. يومها أنا شيلت فيشة التلفزيون من هنا و جري علي اوضتها من هنا قولتلها إصرفي نظر خاالص.
كان يسرد ما حدث وسط نوبةٍ من الضحك تسيطر عليه لينفجر الجميع ضاحكاً ما عدا يحيـي الذي إغتصب إبتسامةٍ علي شفتيه و أومأ بوجه مقتضب و ملامح متجهمه بدت واضحه و ملفته للكل.
إعتراه ضيقٍ شديد و ألّم بهِ الغضب من كل حدبٍ و صوب، فراح يهز قدميه بعصبيه مفرطه كان يحاول إخفائها بكل ما أوتي من قوة فأخرج علبة السجائر خاصّته و أشعل واحدةٍ و بدأ بتدخينها بـِنَهم وهو ينقل بصره بين قاسم و غزل بقوة.
أضاف قاسم جرعةً أخري من غلظتهِ وقال: هاا مكملتيش يا غزل....
ليقاطعه يحيـي بحدة هادراً: هو مفيش في القعده غير غزل ولا إيه؟!
ألقاها بحدة و صوتٍ جهور ليقول قاسم متصنعاً التعجب: نعم؟! مش فاهم تقصد إيه؟!
نهض واقفاً بضيق وقال: مقصدش حاجه، عن إذنك يا عمي إبراهيم أنا هستأذن عشان الجو بدأ يبرد و نور عندها حساسية صدر.. لو خلصتوا قعدتكوا إتفضلوا أروحكوا..
قال إبراهيم بتفهم: لا يبني الله يصلح حالك، إحنا هنفضل شويه إتفضل إنت من غير مطرود...
أومأ مقتضباً و نظر إلي غزل بحدة و عينان يفيض منهم الشر و تسائل: هتيجي معايا ولا هتخليكي؟!
قبل أن تنطق قال والدها: قومي مع جوزك يا غزل و أستاذ قاسم هيوصلنا.
أومأت بهدوء و نهضت ليقف قاسم مبتسماً بسماجه و يقول وهو يمد يده إليها: مع السلامه يا غزل، إبقي خلينا نشوفك.
ضغط علي أحرف إسمها متعمداً إثارة غيظ ذاك الذي كان علي وشك الإنفجار فأومأت غزل دون أن تتفوه و ثافحت والدها و صافيه و إنصرفت مع زوجها بصمت في طريقهم نحو السيارة.
إستقلٌت السيارة برفقته وهي تصطك ببعضها من فرط الوچل، كانت تنتظر إنفجاره و ثورته بترقب و قلق لكنه لم ينبس بكلمة واحدة.
بينما كانت تحمل نور علي قدميها نظرت إليه وقالت: يا حرام، نور راحت في النوم قبل ما تاخد شاور.
سدد إليها نظرةً واحدة كانت كافيه لبث الرعب في نفسها مما جعلها تزدرد ريقها بتوتر وقد علمت بأن الليله لنزتمر مرور الكرام!
توقفت السيارة أمام المبني لتتوقف معها نبضات قلبها وهي تستعد لإقتراب أچلها.
ترجل من السيارة بهدوء و فتح الباب المجاور لها ليلتقط نور من بين يديها ثم إبتعد لتنزل هي بدورها وهي تتلاشي نظراته الغاضبه التي تكاد تفتك بها ثم صعدت برفقته إلي بيتهما.
دلف إلي الشقه و دلفت بعده فذهب إلي غرفة نور و وضعها علي فراشها ثم نظر إليها حيث كانت تقف علي بُعد
خطوات منه وقال بنبرة متحفظه لا تنَمّ عن الخير أبداً:
_ تعالـي!
قالها بإقتضاب و دلف إلي غرفته فشعرت وكأن الأرض تميد بها ، تقدمت من الغرفه و دلفت لتجده يدير ظهره إليها وقد بدأ بحلّ أزرار قميصه فقالت: محتاج حاجه؟! أنا هدخل آخد شاور و أنام،تصبح علي خير.
ألقتهم تباعاً و همّت بالخروج من الغرفه ليستوقفها قائلاً: إستني!
نظرت إليه بإستفهام ليمد النظر إليها بغموض قبل أن يقترب منها بخطوات متزنه هادئه أزادت من وطأة قلقها و توقف أمامها مباشرةً وقال: ممكن أفهم إيه اللي كان ببحصل من شوية ده؟!
_هو إيه؟!
قطبت حاجبيها و تصنعت البلاهه ليقضم هو شفتيه و راح يجول بعيناه في جميع أنحاء الغرفة قبل أن ينظر إليها مجدداً ويقول: هو إيه؟! هو إنتي هتستعبطي ولا إيه؟!
عبس و صاح بعصبيه مفرطه متسائلاً بصرامه بينما إضطربت هي و راحت تتلمس الخلاص من هذا المأزق بينما يحدق هو بها تحديق الموتي!
سيطر عليها الإضطراب الشديد فقالت: أستعبط إيه أنا مش فاهمه بجد هو في إيه؟! هو أنا عملت حاجه ضايقتك؟!
نفرت عروقه وقال بغضب: حاجه؟! حاجه واحده؟! إنتي كل اللي عملتيه عك في عك أصلاً.. إنتي الظاهر ناسيه إنك متجوزه أساساً.
نظرت إليه بحيرةٍ من أمره وقالت: لأ مش ناسيه إني متجوزه أكيد، بس ممكن أفهم إيه اللي عملته بالتحديد خلاك مضايق مني أوي كده.
_ مضايق؟! أنا مش طايقك أساساً دلوقتي.
ألقاها بغضب لتتسع عيناها بحزن وقالت: عادي يا يحيي و إيه الجديد؟! أنا هدخل أنام..تصبح على خير.
تحركت إنشاً واحداً ليمسك بذراعها يمنعها من المغادرة وقال: رايحه فين؟! هو أنا مش بكلمك؟! ولا أنا مش مالي عينك؟!
_يوووه يا يحيي في إيه بقا؟! هو تلاكيك وخلاص؟!
قالتها بنفاذ صبر وهي تنزع يدها من بين قبضته ثم نظرت إليه و إنفجرت بغضب تقول: علي فكرة أنا مش ناقصه تعب أعصاب ولا حرقة دم، لو هتقول بوضوح إيه اللي مضايقك هسمعك، مش هتتكلم يبقا سيبني أنام.
_دلوقتي عايزة تنامي؟! تسائل بتهكم و أضاف: أومال من نص ساعه بس كنتي مفرفشه عالآخر و عماله تضحكي و تهزري و تحكي ذكريات طفولتك كمان إنتي و الهباب اللي إسمه قاسم ولا إنتي مراعيه الخروف اللي قاعد ولا كإنك متجوزه أساساً.
إرتفع حاجبيها بتعجب مصطنع وقالت: هو ده اللي مضايقك؟! أنا مستغرباك بصراحه.. فيها إيه لما إتكلمنا و ضحكنا و هزرنا شويه، حضرتك لو لاحظت إحنا كنا قاعدين عالبحر مش قاعدين في meeting يعني الطبيعي و اللي بيحصل في الاوقات اللي زي دي ان الناس تضحك و تهزر مع بعضها.. و بعدين هو إحنا كنا قاعدين نحب في بعض ما كنا بنتكلم كلام عادي جداً و قدامكوا كلكوا.
أشهر سبابته بوجهها وقال بتحذير: غزل إتكلمي كويس و خلي ليلتك تعدي على خير.
و أضاف بسخرية قائلاً: وبعدين إنتي ليه أصلاً تتكلمي معاه ولا تهزري ؟! هو إنتي ملكيش راجل؟! ده أنا بسحب الكلمه منك بطلوع الروح.. نِفسك إتفتحت للكلام ساعة ما جه هو بس!
نظرت إليه شزراً و لم تجيب ليمسح وجهه بغضب و تمتم مستغفراً وقال: هتخليني أقول كلام ميتقالش!! بقوللك إيه يا غزل إدخلي نامي، إنتي قلة الكلام معاكي أحسن.
هنا إحتدت و إغناظت و عبست و زمجرت لتنفجر به بحدة و قد فاض الكيل بها فقالت بدموع مختنقه: بردو زي كل مرة، عالز إنت اللي تتحكم في كل حاجه، إنت اللي تبدأ الحوار و إنت اللي تنهيه، و أنا عليا أسمعك و بس و لما تزهق من الكلام تقوللي قلة الكلام معاكي أحسن.
طالعها بصمت لتتابع قائلة: تعرف يا يحيي؟! كل حاجه قلتها معايا أحسن مش الكلام بس، إنت بتجبر نفسك عليا ليه و مستحملني ليه أنا مش عارفه!! إنت مهما حاولت هتفشل يا يحيي، لا عارف تحبني ولا تفهمني ولا تسمعني ولا تشاركني حتي أي حاجة بحبها، و زيادة فوق كل ده عايزني أخرس خالص في وجودك و غيابك، ممنوع أتكلم مع حد ولا أهزر ولا اضحك بس عشان شكلك قدامه.
_شكلي قدامه؟! هو ده اللي وصلك و فهمتيه؟!
تسائل بذهول لتتسائل هي بأمل: أومال إنت قصدك إيه يا يحيي؟!
همّ بقول شئٍ ما ليبتر كلماته ويقول: مش قصدي حاجه.
تراجعت آمالها و خابت ظنونها الحالمه و نظرت إليه بيأس و خذلان ثم طفقت عيناها تبكي من جديد بحسرة و نظرت إليه بثبات وقالت: طلقني يا يحيي!
فرغ فاه بصدمه وقال: إيه؟! اطلقك؟!
_أيوة طلقني، إعمل فيا معروف و طلقني، طلقني عشان أنا تعبت، حاولت أكتر من مرة و إتنازلت أكتر من مرة و فشلت، جيت علي كرامتي عشانك و إستحملت كتير و كله عالفاضي، طلقني عشان أنا لو فضلت معاك هموت بالبطئ و أنا مستاهلش كده.
=كل ده جواكي مني يا غزل؟!
تسائل بذهول شديد فأومأت بقوة وقالت: إحنا عمرنا ما هنتلاقي ما طريق واحد يا يحيي، أنا في الشرق و إنت في الغرب بالرغم من وجودنا في نفس المكان، إنت عمرك ما هتحبني ولا هتحس بيا صدقني....
اقترب منها خطوةً وقال: إنتي مش فاهمه حاجه.....
تراجع عن تتمة حديثه لتكمل هي قائلة: طبيعي إني أبقي مش فاهمه، إنت مش عايز تفهمني، مش عايز تتعب نفسك و تتكلم معايا...
_مش عارف يا غزل..
قالها بقلة حيله وأضاف: مش عارف أتكلم، أنا بطبعي مبعرفش أتكلم، يمكن في قلبي كتير بس مش عارف أخرجه بالكلام...
= ولا هتعرف.. لإنك مش عايز أساساً، متكدبش علي نفسك يا يحيي إنت مبتحاولش أصلاً عشان إذا كنت تنجح أو تفشل!! عارف ليه؟!
نظر إليها بإستفهام فقالت: عشان عمرك ما حبتني، ولا هتحبني.
ألقتها بإقتضاب ثم قطعت المسافه بينهما وقالت وهي تنظر إلي داخل عيناه وتقول: إنت لحد ما تموت هتفضل تحبها هي، أما أنا للأسف مهما أحاول كله عبث!!
أغلق عيناه بألم و ضيق لتقول: ساكت ليه؟! كلامي غلط؟! قوللي و واجهني مش هزعل؟! صارحني باللي في قلبك؟! حاول تنكر حتي.. أو إثبتلي إنك بطلت تحبها!!
لم يجيبها ليحتد صوتها وقالت: ساكت ليه؟! هو أنا بكلم نفسي؟! إنطق قول أي حاجه أنا تعبت!!
بقي يلتزم الصمت فقالت بإستسلام: أقوللك؟! خليك ساكت، أنا حتي مبقيتش عايزة أسمعك، أنا متنازله عن حقي فيك يا يحيي و خلاص جه الوقت اللي لازم أعترف فيه إني حاولت و فشلت، سكوتك مش هيغير حاجه ولا كلامك حتي....
رفعت عيناها إلي عينيه وهي تلقي بنظراتها الأخيره و كأنها الوداع ليقول: غزل أنا.....
صمت لبرهه فقالت:إنت إيه يا يحيي؟!
زفر مطولاً لتبتسم بسخريه علي غباءها و تقدمت من الباب خطوتين لتجده وقد جذبها من ذراعها بغتةً وأحاط خصرها بكلتا يداه حتي كاد يعتصرها لينقضّ علي شفتيها بهجومٍ عاتٍ وهو يضمها إليه بقوة مغمضاً عيناه و كإنه مغيباً عن الواقع الآن!!
كنتِ تريدين إثباتاً.. ها أنا أثبت لكِ !.
كنتِ تبحثين عن تفسيراً.. ها أنا أقدمه إليكِ !.
كنتِ تودّين توضيحاً.. ها أنا أشرح لكِ بكل تمهل و تروّي !.
رفعها عن الأرض بحب وهو يقربها نحوه أكثر و كإنما يؤكد لها أنه لا يعشق سواها.
أحاطها بتملك وهو يبثها عشقه المكنون طويلاً بقلبه و قد أصبح كل شيئاً علي مرأي و مسمع منها الآن فلا طاقه و لا حاجه له بأن يخفي عنها حبه بعد الآن.
أحاطت عنقه بيديها تتشبث به كما يتشبث الغريق بطوقِ نجاتِه و ظلت موصدة العينين بخجلٍ عذريّ تود الفرار من بين يديه و لكنَّ عشقها بات أقوي !
فرّق بين جفنيه ينظر إليها بعشقٍ خالص ثم إبتعد قليلاً وقال وهو يسند جبينه علي جبينها: أنا بحبك يا غزل!
فتحت عينيها علي مصرعيهما و نظرت إليه بأعين دامعه فقال بتأكيد: بحبك والله العظيم.
إنهمرت دموعها بكثرة فأضاف قائلاً: أنا آسف على كل حاجه خليتك تحسي بيها غصب عني، صدقيني أنا في كل مرة كنت ببقي عايز أعترفلك إني بحبك كنت بلاقي لساني إتعقد ومش عارف أتكلم، جايز مكنتش عايز أعترفلك بحبي غير لما أتأكد إني بطلت أحبها و خرجتها من جوايا الأول.. كنت متأكد إن واحده في نضافتك و برائتك تستاهل قلب مفيش فيه غيرها هي و بس، أنا كل ذره فيا بقت مرهونة بيكي يا غزل.
إبتسمت بإتساع بين دمعاتها و إحتضنته بقوةٍ ليطبق يداه عليها بشدة و رفعها عن الأرض مجدداً و تقدم بها نحو الفراش بهدوء وهو ينظر داخل عبنيها بثبات.
إضطرب قلبها و إزدادت خفقاته بقوة لمّا رأته يتقرب منها أكثر يطلب منها المزيد.
كان يتودد إليها بقبلاته الحانيه التي لم يكن بها سوي الحب فقط!
تارةً يقبلها و تارةً أخري يغمرها بقوة وهو يزيد من برهنته لها بأن بعالمه لا يوجد سواها.. و بين التارتين يذوب قلبها ذوباناً!.
أفصح لها عن كل مكنوناته و صرّح لها بأنه بات متيماً بها، بالقول و الفعل و كلاهما لم يكن كافياً بالنسبة لهُ.
قبّل عيناها واحدةً تلو الأخري و منح جبينها قبلةً عميقه وقال: إنتي أحلي حاجه حصلت في حياتي.
إهتز قلبها بين أضلعها و أحست بأن الإغماء سيداهمها حالاً و لكنه طمأن قلبها العاشق عندما ضمها إلي صدره بحنان و راح يفرّق القبلات علي وجهها بحب حتي بات الوصول إليها يسيراً و تهادي الوصال بين قلبيهما معلنين بأنهما مرهونان ببعضهما إلي الأبد.
إمتزجت نبضات قلبيهما و توحدت أنفاسهما و إختلطت رجفاتهما عندما أضحي المبتغي حقيقةً ليبتعد بغتةً يحملق بها بدهشة جعلته يرتعش بعدم تصديق و نظر إليها و تمتم قائلاً: إزاي؟!
زفرت بقوةٍ خائرة و لم تجيب فقال: ده بجد؟!
أومأت بشبح إبتسامة زحف إلي شفتيها لتجده وقد إتسعت إبتسامته و إزدادت إتساعاً حتي تحولت إلي ضحكاتٍ عاليه وهو يعيد النظر إليها بسعادة و ذهول في آنٍ واحد و راح يغمغم قائلاًوسط : أنا مش مصدق نفسي!! إنتي عملتي كده عشاني؟! للدرجه دي بتحبيني؟!
أومأت بإبتسامه حانيه ليحتضنها بقوةٍ وهو يكاد يجزم أنه لم يشعر بمعني للحب من قبل سوي الآن!!
و الآن فقط..إستقر قلبها و قُرت عيناها بما كانت تنتظر، إحتضنته لا تود الإبتعاد ثانيةً بعد الآن ليتشبث هو بها وهو يؤكد لها أنها لن تري سوي كل حب و دفء نن الآن فصاعداً ليبدأا ليلتهما سوياً وهو لا يزال يثبت و يبرهن و يوضح لها بأنها باتت تستحوذ على قلبه بالكامل و من سواها؟! ❤️
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على اسم الرواية