رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثالث والعشرون 23 بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الثالث والعشرون 23
تسلّل الضوء ببطء إلي غرفتهم معلناً عن بدء يومٍ جديد، و إرتفع صوت زقزقة العصافير و كإنما تزف البشري إليهم، و بينما كانت هي تغط في نومٍ عميق كان هو ينظر إليها بحب و عشقٍ خالص قد تملّك منه و بات ظاهراً عليهِ و بشدة.
بدأت تفيق من النوم رويداً رويداً ليقترب هو منها أكثر و يضع يده فوق شعرها و طفق يمسح عليه بحنو ليجدها وقد فرًقت بين أهدابها ببطء لتبتسم فور ما إن وقع بصرها عليه فبادلها هو الإبتسامة قائلاً: صباح الخير يا جميل، كل ده نوم!
أومأت بإبتسامه ولم تنطق فقال: طيب يلا قومي الضهر خلاص هيأذن...
إنتفضت فجأة وقالت: الضهر؟! هو إحنا نمنا كل ده؟! و نور لسه نايمه؟! وبعدين إنت مش رايح الشغل؟!!.
نهض بدوره وقال ضاحكاً: علي مهلك بس، أولاً أنا صحيت و فطرت نور و زياد جه و فطر و قاعدين سوا في أوضتهم، ثانياً بقا أنا خدت أجازة يومين كمان عشان أفضالك يا جميل.
إبتسمت بلطف فقال وهو يحتضن كفيها بين يديه: تعرفي إن النهارده صاحي نفسي مفتوحه كإني أول مرة أتجوز بجد.
إزدادت إبتسامتها إتساعاً فتابع: عايز أعمل حاجات كتير أوي، عندي حماس لكل حاجه جديدة.. تعرفي؟!
هزت رأسها بإستفهام فقال:أنا خلاص مش شايل في قلبي من حد، عايز أبدأ صفحه جديدة، حاسس إن ربنا رضاني بيكي عن كل حاجه عشان كده عايز أبدأ من جديد.
إنتابها القلق حِيال كلماته وقالت: تبدأ من جديد إزاي مش فاهمه؟!
_لأ مش زي ما وصللك، الموضوع ده منتهي بالنسبالي خلاص، اللي أقصده بالتحديد أبويـا.
إنبسطت أساريرها بفرح وقالت: هتروحله؟!
أومأ مؤكداً ثم قال: هنروحله كلنا.
صفقت بيديها بحماس وقالت: أيوة كده أهو ده الكلام.
إبتسم لرؤية حماسها ثم قال: بصي يستي، معاكي أسبوع إستغليني فيه زي ما تحبي!.. أي حاجة عايزة تعمليها أنا معاكي فيها و من غير ما تاخدي موافقتي كمان، أنا هنفذلك كل اللي تطلبيه.
نظرت إليه بإبتسامـةٍ عاشقة فضمها إليه وقال: أنا عايز أعوضك عن كل حاجه يا غزل، إنتي إستحملتي كتير عشاني و جه الوقت اللي تلاقي نتيجة صبرك عليا ده.
أنهي حديثه و طبع قبلةً عميقه فوق جبينها ليجدها وقد إحتضنته بقوةٍ وقالت: أنا بحبك يا يحيي، بحبك و عندي إستعداد أستني و أصبر قد اللي إستنيته مليون مرة، كفايه عليا إني معاك.
أمسك بوجهها و أهداها قبلةً إستكان لها جسدها و إنهزمت لأمر شفاهـه فنهض من الفراش و حثها قائلاً: يلا عشان نلحق نجهز و ننزل.
نهضت بحماس مماثل و بدأت بالإستعداد للذهاب إلي منزل العائلة بعد أن تناول الجميع طعام الإفطار و إنصرفوا مغادرين.
~~~~~~~~~~~~~
كان "علي" قد فرغ للتو من صلاته، هرول إليه الصغير يحيـي و جلس علي قدمه ليضمه الجد إليه بحب و بدأ بمداعبته قبل أن يدلف عبدالقادر إلي الغرفة ملقياً التحية و من ثم جلس إلي جوار أبيه وقال: حرماً يابا.
تهادي صوته بهدوء وقال: جمعاً يبني إن شاءالله.
حمحم عبدالقادر بترقب و أردف قائلاً: لسه مصمم تروح يابا؟!
أومأ الأب بتأكيد وقال: أيوة هروح طبعاً، مالك قلقان كده ليه؟! إنت في حاجه مخبيها عليا ولا إيه؟
_لا أبداً والله مفيش حاجه، أنا بس خايف يكون لسه شايل في قلبه ولا يقوللك كلمة تضايقك ...
قاطعه والده بحزم قائلاً: لااا من الناحيه دي إطمن، يحيـي إبني وأنا عارفه كويس، حتي لو في قلبه إيه مجرد ما يلاقيني داخل عليه هيصفي في الحال و لا كإن حاجه حصلت.
إرتفع رنين جرس الباب فقال عبدالقادر: ثواني يابا أفتح و جايلك...
كان يحيـي يقف خلف الباب متأهباً بشوق لرؤية والده مع إحساس بالتوتر كان يشي بقلبه قبل أن ينفرج الباب و يظهر يحيـي و عائلته من خلفه مما جعل عبدالقادر يصيح متعجباً بفرحه: يحيـي!!
أسرع يحيي يحتضنه بقوة فضمه أخيه إليه بسعاده وقال: نورت البيت يا يحيي...
فور أن إستمع 'علي' إلي صوت يحيي و أولاده هرول خارج الغرفه ليجده يتقدم منه بسرعه و يقبّل يديه ثم إحتضنه قائلاً: إزيك يابا و إزي صحتك؟
إنفرجت أساريره فرحاً و إسترد عافيته بالكامل عندما رأي إبنه يتقدم منه مبتسماً ليفتح ذراعيه علي مصرعيهما يغمره بإشتياقٍ بالغ و يربت علي ظهره قائلاً: إزيك إنت يا يحيـي، أنا بقيت كويس لما شوفتك.
هرع كلاً من زياد و نور يسرعان لإحتضان جدهما ليحتضنهما و راح يشتم رائحتهما التي إشتاق إليها كثيراً قبل أن يتفاجأ بوجود غزل التي قالت: إزيك يا عمو علي؟
نظر إليها بدهشه و فرحه في آنٍ واحد وقال: غزل؟!
تقدمت منه و إحتضنته فضمها إليه قائلاً بعتاب: توّك ما إفتكرتي عمك علي يا جبانه؟!
زمّت شفتيها بأسف فوضع يحيي يده فوق كتفها و ضمها إليه قليلاً وقال: غزل كانت عايزة تيجي تشوفك من زمان يابا بس أنا اللي كنت متردد..
نظر إليه أبيه بعتاب سرعان ما تحول إلي إبتسامة حانيه وقال: خلاص مش مهم اللي فات، المهم إنك الحمدلله رجعت بيتك من تاني.
أومأ يحيـي بتأييد ثم قال: و هنقعد معاك يومين بحالهم كمان.
فَرِح الأب وقال: تنوروا و تآنسوا يبني والله، ده إن مشالتكوش الأرض أشيلكوا فوق دماغي.
قبّل يحيي رأس والده ثم قال: ربنا يخليك يابا و يديك الصحه.. أومال فين زينب و سيف يا قدوره؟
تشدّق عبدالقادر قائلاً: سيف بيذاكر و زينب هتنزل دلوقتي، أنا هطلع أبلغهم عشان ينزلوا يسلموا علي غزل و العيال.
إنصرف عبدالقادر بينما همس "علـي" إلي يحيي وقال: يُسر جت هنا من حوالي كم يوم.
تجهم وجه يحيي في الحال ونظر إليه وقال: كانت جايه عايزة إيه؟!
تنهد علي وأجابه: بتقول إن جوز أمها طردها و مكانتش لاقيه مكان تبات فيه...
_وبعدين؟!
=كانت عايزة تبات في الشقه فوق! بس أنا قولتلها ميصحش و عطيتها قرشين و مشيتها.
أومأ يحيـي و قال: خير ما فعلت يا حج، مع إنها متستاهلش حتي الفلوس اللي خدتها.
=معلش يبني كله عشان خاطر زياد و نور.
هز يحيـي رأسه بتأييد و قال: أهو ده اللي مصبرني عليها إنها أمهم، لولا كده كان هيبقالي معاها تصرف تاني خالص.
نظر والده إلي غزل و أشار برأسه ثم همس متسائلاً: غزال عامله معاك إيه؟!
ألقي يحيي نظرةً خاطفه عليها ليجدها تبتسم إليه فقال بصوت تسمعه: عمك علي بيسألني عليكي..بيقوللي عامله إيه معاك.
شاكسته فقالت: و قولتله إيه؟!
إبتسم بحب صادق ثم قال: قولتله إن إنتي روح قلبي، و هدية من ربنا ليا.
تراقص قلبها فرحاً بين أضلاعها لتغزله الصادق و الصريح بها أمام والده فإبتسمت إبتسامة مشرقة ليقول "علي" ممازحاً: سيدي يا سيدي، إنفضلي يا ست غزل جوزك بقا بيقول شِعر بسببك.
إبتسمت غزل بخجل و إلتزمت الصمت قبل أن تدلف زينب إلي الغرفة التي يجلسون بها محدثةٍ ضجة كبيرة كعادتها فقالت: وأنا أقول البيت نور ليه؟! أتاري أبو اليحي و مدامته هنا.
ضحكت غزل بإتساع ووقفت تصافحها بألفه فقالت زينب: إيه ده يا بت يا غزوله الحلاوة دي.. هو الجواز بيحلي كده؟
تداخل صوت يحيي قائلاً: لا لو سمحتي أنا غزالتي حلوة من يومها...
_بقاا كده؟! طب يلا يا غزال هانم نعمل الغدا سوا.
ذهبت غزل و زينب لإعداد الغداء فقالت زينب: صافيه عامله إيه يبت، يسلام لو نتجمع تاني ....
لم يصل حديثها إلي مسامع غزل الشارده بالمكان من حولها، تتذكر كيف كان الحال قبل عامين فقط و كيف أضحي اليوم!!
_سرحانه في إيه؟!
تسائلت زينب فقالت غزل بعدما تنهدت: فاكرة آخر مرة إتجمعنا فيها هنا يا زينب؟! من سنتين بالظبط.
أومأت زينب بموافقة وقالت: كنا أول يوم رمضان لما يحيي عمل الحادثه.
هزت غزل رأسها بهدوء وقد أجفل قلبها لتلك الذكري وقالت: كل حاجه إتغيرت، مين كان يصدق إني هتجوز يحيي في يوم من الايام!
غمزتها زينب وقالت: مفيش حاجه جايه في السكه يبت؟
قطبت غزل حاجبيها بتعجب وقالت: حاجه زي إيه؟!
لوت زينب شفتيها بتهكم وقالت: هتكون حاجه زي إيه يعني؟! أقصد محملتيش؟
إنتفض قلبها عندما إستمعت إلي تلك الكلمه و شردت بعيداً...
هل لها أن تحمل بقطعةٍ منه؟! نسخه مصغره منه!!
يا الله!.. لقد راقها ذلك الخاطر كثيراً و أصبح قلبها شغوفاً به.
_بردو سرحت تاني؟!
إنتبهت غزل علي صوت زينب فقالت: تفتكري يحيي ممكن يكون مستعد لموضوع إننا نخلف ده دلوقتي؟!
قطبت زينب حاجبيها بتعجب وقالت: و إيه يا عين أمك اللي يخليه مش مستعد؟!
رفعت كتفيها بجهل وقالت: مش عارفه، بس يمكن هو مش من جواه مش حابب!
_لا يا حبيبتي يحيى بيحبك، و الواحد لما بيحب مراته بيكون نفسه يخلف منها دستة عيال.
=مش عارفه بقا مفكرتش في الموضوع ده قبل كده.
_طيب يلا خلينا نخلص الأكل وبعدين نبقا نكمل كلامنا.
~~~~~~~~~~~~~~
منذ عودتهم بالأمس وهي تتلاشي رؤيته لأنها تعلم أنه سيتسائل عن ما حدث بالأمس.
خرجت من غرفتها تذهب نحو الشرفه ليناديها قائلاً: صافيه، تعالي.
أصابها الوچل فتقدمت منه و جلست أمامه وقالت: في حاجه يا إبراهيم؟
نظر إليها بضيق وقال: بقا مش عارفه؟!
_عارفه إيه؟!
قالتها بريبة فقال: اللي حصل إمبارح ده و البايخ اللي إسمه قاسم اللي اشترك معاكوا في التمثيلية الهبله اللي عملتوها دي.. إوعوا تكونوا انتي ولا هي فاهمين إني قاعد كده زي الأطرش في الزفه ومش فاهم إيه اللي داير كويس أوي.
_لا العفو يخويا أنا مقولتش كده.. بس أصل...
=أصل إيه و فصل إيه، أنا لولا عارف إن كل ده من تخطيطك الفاشل انتي و هي كنت هزأت قاسم ده و عرفته انه ميصحش.
قالت صافيه بحنق: ليه بس يا إبراهيم ما الخطه نجحت و بقيوا سمن علي عسل الحمدلله..
_تقصدي إيه؟!
تراجعت بحديثها وقالت: لأ مش قصدي حاجه يعني بس...
_بس إيه؟! متلاوعيش يا صافيه و تعالي دوغري.. هما كانوا متخانقين؟!
=لأ أبداً هما كويسين، بس يعني يحيي زي ما انت عارف طبعه تقيل حبتين و إحنا كنا عاوزينه ياخد خطوة بقا...
جحظت عيناه بذهول و تمتم بحزن قائلاً: طبعه تقيل؟! و إنتوا كنتوا بتعملوا كل ده عشان تجبروه يتكلم ولا يصارحها بمشاعره؟! للدرجادي بنتي قبلت تهين كرامتها بالشكل ده؟!
تنهدت صافيه وقالت: و مين بس قال إن كرامتها إتهانت ولا إتمست حتي...
قاطعها هادراً بغضب: أومال تسمي ده إيه؟! و لما هو مش معبرها ولا بيديها ريق حلو مكمله معاه ليه؟! تسيبه و بكره يجيلها سيد أبوه اللي يتمني لها الرضا ترضي.
_ بس بنتك مش عايزة غيره يا إبراهيم، هتعمل إيه بسيد أبوه وهي مبتحبوش!
تسائلت بحدة مماثله ليقول: وهي كده لما ترمي نفسها عليه هتبقا مرتاحه؟! إنتي مخك ضارب إنتي و هي باين عليكوا.
زفرت مطولاً ثم قالت: يا إبراهيم إفهمني، مش عيب ولا حرام إن الواحده تحاول مرة و إتنين و تلاته عشان بيتها و جوزها و خصوصاً لو بتحبه زي غزل كده، وبعدين يحيي يستاهل لإنه إنسان نضيف و بيتقي الله فيها، هو كل المشكله إنه كان محتاج بس قرصة ودن صغيره، إنذار ، لفت نظر، كان عايز يحس بالحب اللي هو نفسه مكانش يعرف إنه جواه، و إحنا خليناه إنتبه!
ضحك بتهكم وقال: و يا تري بقا إعترف لها بالحب الأفلاطوني اللي مكانش يعرف إنه جواه ؟!
_أيوة إعترف و بصم بالعشره كمان، يا إبراهيم مش كل الرجاله زي بعض، في راجل واضح و في راجل كتوم و مجتاج اللي يلفت نظره زي يحيى كده.. وبعدين يعني هو مش المفروض الأب بينصح بنته إنها تستحمل و تعيش عشان خاطر بيتها ولا إنت غير الناس؟
=لأ انا معنديش الكلام ده، أنا أهم حاجة عندي كرامة بنتي و اللي يمسها ميلزمنيش مدي الحياة.
إبتسمت صافيه لحديثه العاطفي وقالت وهي تربت على يده: متقلقش يا حبيبي كرامة بنتك متصانه صدقني، وهي مرتاحه و مبسوطه مع جوزها، يعني ما عليك سوي إنك تدعيلها ربنا يسعدهم و يألف بين قلوبهم.
_ياارب اللهم آمين.. تعرفي؟! نفسي أشيل عيالها أوي.
=يا حبيبي، ربنا يديك الصحه و طولة العمر و تشيل عيالها و عيال عيالها كمان.
_يااارب يا صافيه، عقبال ما أطمن عليكي إنتي كمان.
إبتسمت صافيه بهدوء و آثرت الصمت شاردة بخيالها بعيداً.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
حلّ المساء و إنصرف كلاً إلي غرفته، الأب بمضجعه الخاص، و نور و زياد بغرفة خاصه بهم، و يحيي و غزل بغرفه أخري.
خرجت غزل من المغسل لتجد يحيي يفتح النافذه و يقف خلفها يدخن سيجارةٍ قبل أن يلقيها من النافذه و يغلقها متقدماً بخطوات ثابته نحوها.
وقف أمامها مبتسماً ثم أمسك بالـمنشفه و بدأ يجفف لها شعرها تحت وطأة تعجبها الشديد ، طفق يصفف لها شعرها وهو يقف خلفها أمام المرآه و ينظر لها بحبٍ خالص.
رآها تبتسم بسعادة فمال يهدي وجنتها قبلةٍ شغوفه كان لها أشدّ الأثر في نفسها ثم أمسك بيدها و أدارها له وقال: عنيكي فيها كلام، عايزة تقولي إيه؟!
إلتزمت الصمت قليلاً ثم قالت: بتحبني بجد يا يحيي؟!
مسح علي ذراعيها بلطف وقال: تعرفي يا غزل؟!
هزت رأسها بتساؤل ليقول: في حاجات كده ممكن تكون قدامنا من سنين وإحنا مش واخدين بالنا منها، وجودها و عدمها بيكون واحد، بس مبنحسش بقيمتها غير لما نجرب نخسرها أو نتحرم منها، وقتها بنحس بالخوف و الضياع، ده بالظبط اللي حصل معايا .. مكنتش حاسس إني بحبك أو بحبك بس الحب العادي ، لكن أول ما لقيتك هتضيعي مني وقتها قلبي إتخلع من مكانه، اتاكدت انك بالنسبه لي حته من روحي، مقدرش أستغني عنك ولا يعدي يوم مشوفكيش فيه.
أثر قلبها بحديثه الحاني و إحتضنها بقوةٍ مردفاً: لما عرفتك بس ندمت علي اللي راح من عمري من غيرك، بقيت أقول يا خسارة العمر اللي ضاع مع ناس غلط.
ضمته إليها بقوةٍ لتجده بغتةً يحملها بين ذراعيه ويقول وهو يسير بها في الغرفه ذهاباً و جيئةً: و دلوقتي بقا يستي بفكر في موضوع شاغل بالي من إمبارح.
ضحكت قائلة: موضوع إيه؟
قال بجدية مصطنعه: أبدأ، بس بصراحه عمي إبراهيم صعبان عليا و بفكر أجيبله حفيد صغير كده يسليه بعد ما صافيه تتجوز!
إضطرب قلبها بشدة ونظرت إليه تستشف مدي جدية حديثه فقالت: إنت بتهزر ولا بتتكلم بجد؟!
_بهزر؟!
تسائل حانقاً و أضاف: بصي المواضيع اللي زي دي بتبقا محتاجه مواجهه علي طول، الكلام الكتير ده ملوش لزمه.
إبتسمت بخجل عندما فهمت مقصده لتجده وقد أطفأ الضوء وقال: عايزك تطلعي ورقه و قلم و تسجلي اللحظه التاريخيه دي، تسع شهور من تاريخ الساعه و تسلميني "علي" الصغير.
______________________________
بعد مرور أسبوع...
كانت صافيه تستعد لزيارة غزل قبل أن يرتفع رنين هاتفها معلناً عن قدوم إتصال من "قاسم".
تلعثمت قليلاً ثم أمسكت بالهاتف و أجابت بهدوء قائلة: ألو؟
_ألو، مساء الخير يا مدام صافيه.
=مساء النور يا أستاذ قاسم، إزي حضرتك ؟!.
_أنا كويس الحمدلله، بس لو نرفع التكليف هبقا أحسن.
إبتسمت بود وقالت: لا ميصحش....
قاطعها قائلاً: بصي قبل أي حاجة، أنا كنت حابب نتقابل و أتكلم معاكي شويه لو مش هيضايقك.
زمت شغتيها بحيرة وقالت: والله مش عارفه.. أصل إبراهيم طباعه صعبه شويه و مش عارفه إذا كان هيوافق ولا إيه!
_من الناحيه دي متقلقيش، أنا كلمته قبل ما أكلمك و إستأذنت منه نتقابل في مكان عام وهو وافق، أينعم طلع عيني علي ما إقتنع بس أهم حاجة المحصله .
قطبت جبينها بتعجب وقالت: معقوله؟! وافق فعلاً؟!.
_أيوة وافق لما صارحته بالموضوع اللي عايز أكلمك فيه، أتمني إنتي كمان توافقي.
تنهدت الصعداء وقالت: تمام ماشي مفيش مشكلة، تحب نتقابل فين؟!
_أنا هجيلك أخدك متشغليش بالك إنتي.. ربع ساعه وأكون عندك.
أنهت المكالمه بتعجب ثم بدأت بالإستعداد للخروج برفقته.
إصطحبها إلي مطعم خاص بالمأكولات البحريه و الأسماك يدعي " إسكندرية ماريا ".
دلفت إلي المطعم برفقته لتجده يتطلع نحوه ثم قال: أول مرة أجي هنا بس واضح إن المكان جامد فعلاً زي ما بيحكوا عنه.
_إسكندريه ماريا من أحلي مطاعم السمك و السي فود في إسكندرية، جيت هنا كتير قبل كده أنا و إبراهيم و غزل، إبراهيم بيحب ييجي هنا عشان علي معرفه بإصحاب المحل، أصحاب المحل صعايده و ناس ذوق جداً.. و بالمناسبه كمان ليهم كافتيريا جمبنا هنا إسمها ست الحسن.
هز رأسه بإهتمام وقال: ده إنتي مهتمه بقـا.
_يعني إلي حدٍ ما، أصل أنا من النوع اللي مبحبش التغيير كل شوية، لما برتاح لمكان بحب أروحه دايما، كذلك في معاملاتي مع البشر، مبحبش دايرة معارفي تبقا كبيره أوي عشان مضطرش أتصادم مع ناس ملهاش لزمه.
وأكملت بسخريه: مع إني إكتشفت إني غلط يعني بس مع ذلك مش عارفه أتغير.
=شئتي أم أبيتي هاضطري تتعاملي مع ناس و تعرفي ناس، منهم الكويس و منهم الوحش، و لو مجربتيش الوحش مش هتعرفي الحلو، عشان كده الإختلاط ضروري جداً بس بقدر، يعني لا تفتحيها عالبحري ولا تعيشي في أُمؤم.
هزت رأسها بتأيد وقالت: مبقاش ييجي منه خلاص بقا، العمر فات وخلاص اللي كان كان ، حتي مبقاش في فرصه نصلح الغلط اللي غلطناه .
تعجب نظرتها السوداويه وقال: ليه كده؟! إنتي لسه شابه و جميله و قلبك كله حياه، عايزة تدفني نفسك بالحياه ليه؟
زفرت مطولاً و قالت: تفتكر؟!
أومأ بتأكيد وقال: أنا متأكد، صافيه أنا هكلمك بصراحه، أنا معجب بيكي جداً و أكون أسعد واحد في الدنيا لو قبلتي تتجوزيني.
أصابها الذهول بقت ساكنه لا تقوي على الحراك فأكمل قائلاً: أنا عارف إنك إتفاجئتي بس مش عايزك تتسرعي في ردك.. معاكي يوم اتنين شهر زي ما تحبي، فكري براحتك و ردي عليا لما توصلي لقرار.
توردت وجنتيها خجلاو كإنها مراهقه وقالت بتلعثم : إن شاءالله، ياريت لو نمشي بقا عشان إبراهيم ميضايقش .
_ ماشي زي ما تحبي، هحاسب و نمشي .
خرجت برفقته من المطعم فنظر إليها مبتسماً وقال بمحيّاه البشوش: أتمني إنك متتسرعيش في الرد و تاخدي وقتك الكافـ...
بتر كلمته عندما إصطدم بأحدهم لينظر إليه ويقول: عفواً.
بينما نظر الآخر إلي صافيه بذهول فتمتمت هي بذهول مناثل وقالت: سليمان؟!!!
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كانت تقف تكمل عملها بضجر و تأفف ، تحاول إنجاز ما وكل إليها من عمل قبل حلول الليل لتغادر سريعاً.
_يُسر، بيقوللك غسان بيه طلعيله القهوة أوضة المكتب.
أومأت بموافقة و عدلت هندامها سريعاً ثم صعدت لغرفة مكتب ذلك المدعو غسـان مالك الڤيلا التي تعمل بها.
طرقت الباب و دلفت لتجده يقبع خلف مكتبه بهدوء فقال دون أن ينظر إليها: تعالي.
تقدمت بتوتر و وضعت فنجال القهوة فوق المكتب وقالت: تؤمر بحاجه تانيه يا غسان بيه؟!
_اقعدي.
نطق بها غسان بإقتضاب فجلست علي المقعد المقابل له ، مرت أكثر من نصف ساعه وهو لا يزال يباشر عمله دون أن يوجه لها ولو كلمة واحده حتي زفرت بملل وقالت بصوتٍ حاد: حضرتك عايزني في حاجه ولا أمشي؟! بقالي مص ساعه قاعده و مستنيه تتكلم بس الظاهر إنك نسيت إني قاعده.
أمسك بنظارته يخفضها عن عيناه ثم نظر إليها بثبات وقال: تعرفي يحيـي الهنداوي منين؟!!
- تابع الفصل التالي عبر الرابط: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على اسم الرواية