Ads by Google X

رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الرابع والعشرون 24 - بقلم نعمة حسن

الصفحة الرئيسية

 رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم نعمة حسن

 رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الرابع والعشرون 24

_تعرفي يحيـي الهنداوي منين؟!

تسائل غسـان قبل أن تتلهج شفتاها بلهجةٍ مرتابه وأضافت: ليه حضرتك هو في مشاكل بينكوا ولا حاجه؟!

أعاد سؤاله بحدة: أنا هنا اللي بسأل بس، تعرفي يحيي الهنداوي منين؟!

=طليقي، و معايا منه بنت و ولد.

إبتسم ساخراً وأردف وهو يشير إليها بسبابته مستنكراً: يحيـي الهنداااااوي، كان متجوزك إنتي!!؟؟

تغاضت عن إهانته الساخرة و أومأت بتأكيد وقالت: أيوة ، بس حضرتك بتسأل ليه؟! هو إنت ناوي تأذيه ولا حاجه؟!

عاد يطالع الأوراق من أمامه مجدداً وقال بهدوء: تعرفي تدخلي مكتب يحيي؟!

تعجبت وقالت: مكتبه في البيت؟! أكيد لأ أنا مش بروح هناك خالص.

_لازم تروحي، إتصرفي و روحي ضروري، في ورق مناقصه مع يحيي لازم تجيبيهولي.

=بس حضرتك دي مش حاجه سهله هتخلص في يوم ولا اتنين، دي محتاجه تفكير و تخطيط بعقل...

قاطعها قائلاً: مفيش وقت!.. الورق لازم يجيلي النهارده أو بكره بالكتير أووي، ولو حصل ليكي عندي مكافأه ٢٠٠ ألف جنيه.

هوي قلبها أرضاً عندما إستمعت إلي الرقم الذي ألقاه علي مسامعها ببساطة لتزدرد لعابها بتوتر وقالت: حااضر، بكرة الورق هيكون عندك.

أومأ موافقاً ثم قال: هستني، إمشي إنتي دلوقتي.

خرجت من المكتب بتخبط و حيره، تفكر مليّاً في ما طلبه منها ذلك المدعو غسـان، شيئاً ما يدفعها لتنفيذ ما أمرها به و شيئاً ما يجعلها تتراجع!

أنهت عملها سريعاً وعادت إلي الشقه التي تسكن بها برفقة إحدي الفتيات اللواتي يعملن برفقتها في الڤيلا.

بعد أن تناولت طعامها و بدلت ملابسها و دخلت إلي فراشها بدأت تفكر في عرض غسان والذي بدا صعباً للغاية.

تململت في فراشها كثيراً تحاول الوصول إلى مخرج ولكن دون فائدة إلي أن دخلت رفيقتها بالسكن إلي الغرفه.

_مالك يا يُسر بتتبرمي في السرير كده ليه؟!

تسائلت فأجابتها يُسر: في حوار شاغل دماغي و مش عارفه أتصرف إزاي يا مريم.

جلست مريم إلي جوارها بالفراش وقالت بفضول: حوار إيه ده؟! إنتي عارفه أختك مفيش حاجه تعصي عليها أبداً، قوليلي بتفكري في إيه؟!

تنهدت يُسر بقلق وأردفت: بصي هحكيلك بإختصار بس حذاري الكلام ده يخرج برانا إحنا الاتنين انتي فاهمه؟

أومأت الأخرى بموافقه لتسرد يُسر قائلة: بصي يا ستي، غسان بيه النهارده قاللي إنه عايزني أجيبله ورق من بيت يحيي مقابل إنه يديني ٢٠٠ ألف جنيه.

جحظت عينا مريم وقالت: بتقولي كاام؟! طب و إنتي متردده لسه بعد ما سمعتي الرقم ده؟!

زفرت يُسر وقالت: مش عارفه يا مريم أنا خايفه، مش هاين عليا أضر يحيي ، و في نفس الوقت مش عارفه أضيع فرصه زي دي، المبلغ مغري بصراحه و أنا عايزة أبطل خدمة الڤيلا دي وأشوف حياتي.

قالت الأخري: طبعاً يا بنتي، متتردديش و خدي الفلوس إنتي أحق بيها، وبعدين يعني هو كان نفعك لما طلقك و خد منك عيالك و طردك شر طرده، متفكريش غير في نفسك يا ماما و كفايه حنيتك اللي مودياكي في داهيه دي.

حسمت يُسر أمرها و هزت رأسها بموافقه وقالت: طب أتصرف إزاي، أجيب الورق إزاي وأنا مش هعرف أدخل البيت أصلاً.

راحت الأخري تدق بسبابتها فوق ذقنها بتفكير قليلاً ثم قالت: أنا أعرف.

ألقتها ببساطة فقالت يسر: تعرفي ازاي؟! قصدك ايه؟!.

_قوليلي بس مواعيد الشغل بتاعه إيه و سيبي الباقي عليا.. الموضوع مش صعب زي ما متهيألك، دي بخاخة بنج بخمسين جنيه تخلص المهمه.

إبتهجت يُسر وقالت: بجد مش عارفه أقوللك إيه يا مريم! إنتي أنقذتيني.

نظرت إليها مريم بخبث و أردفت: لا مهو كله بتمنه، أنا مش هعمل حاجه لله و للوطن يعني.

تجهم وجه يسر والتي نطقت قائلة: مش فاهمه تقصدي إيه؟

_أقصد إن الفلوس هتقسم بينا النص بالنص.

=إيه؟! عايزة تاخدي ١٠٠ ألف جنيه؟!

رفعت مريم كتفيها بعدم إكتراث ثم قالت: والله إحسبيها انتي و شوفي، انتي مش هتعملي حاجه ،أنا اللي هعمل كل حاجه، هخطط و انفذ وانتي قاعده مرتاحه و بعيد عن الصورة خالص.

لم يسعها سوي أن تخضع لرغبتها و توافق أملاً منها في تحقيق مرادها.

__________________________

_سليمان؟!!

دمدمت بها صافيه بدهشه بصوتٍ خفيض مرتعش لتجده يحدق بها بعينان يفيض منهما الشوق ثم توقف أمامهما وقال وهو ينظر إليها: إزيك يا صافيه؟!

إقشعّر جسدها بريبةٍ ثم تجاهلت حديثه و همّت بالإنصراف ليستوقفها ناطقاً بإسمها : صاافيه.. إستني!

حينئذٍ إنسحب قاسم قائلاً: أنا هستني في العربيه لحد ما تخلصوا كلامكوا.

غادر قاسم منصرفاً بينما إقترب سليمان من صافيه خطوةً لتقول هي بحدة: إبعد يا سليمان و قول عايز تقول إيه خليني أمشي.

_ياااه يا صافيه، للدرجه دي مش طايقاني؟!

قالها بحزن لتنظر إليه شزراً و قالت: عايز إيه يا سليمان؟! لخص وهات من الآخر.

_مين اللي معاكي ده؟!

تسائل بحنق ليرتفع حاجبها بمكر ثم قالت: يخصك في إيه؟! حاجه متهمكش بتسأل عليها ليه؟!

لم يجيبها فقالت: عالعموم ده خطيبي!

_خطيبك؟!

نطقها بإستنكار شديد فأومأت بموافقة وقالت: أيوة خطيبي، عندك مانع؟!

إنفجرت الدماء بوجهه غضباً وقال: أنا مش قادر أستوعب...

قاطعته بحدة وقالت: ليه مش قادر تستوعب؟! كنت مفكر إني هفضل العمر كله أبكي عليك؟! فوق لنفسك يا سليمان.. أنا رميت أيامك ورا ضهري و مبقيتش عايزة أفتكرها أساساً....

_صافيـه أناااا.....

=إنت إيه يا سليمان؟! أقوللك أنا إنت إيه؟! إنت أكتر إنسان ظالم أنا شوفته في حياتي، إنت بني آدم جاحد مبتحبش غير نفسك، ظلمتني و جيت عليا و في الآخر سمحت إني أتهان و صدقت كلامها اللي إفترت عليا بيه و طلقتني!.. إنت خاين للعشره يا سليمان وأنا بحمد ربنا إني خلصت منك.

نظر إليها بإستجداء و قلبه يكاد ينفطر من شدة الندم فأكملت: كل واحد بياخد علي قد نيته يا سليمان، و إنت خدت اللي تستحقه وزياده، تعرف؟! أنا دعيت ربنا محدش فينا يموت قبل ما أقابلك وأقوللك كل اللي في نفسي و الحمد لله ربنا إستجاب.

نظر إليها بحزن وتسائل متهكماً وقال: و قولتي اللي كان نفسك فيه يا صافيه؟!

_أيوة، بس لسه كلمه أخيره.

=إيه هي؟!

_أنا بكرهك يا سليمان.. بكرهك.

ألقتها بقوة وتركته و ذهبت لتستقل السيارة برفقة قاسم ثم إنطلق بها في طريقهما بثمت لم يقطعه أياً منهما.

توقف بها أمام منزلها ففتحت باب السيارة و نزلت ثم دلفت مجدداً و أغلقت الباب وهي تنظر إليه وتقول: أنا موافقه.

نظر إليها بتعجب وقال: موافقه؟! بسرعه كده أخدتي قرار؟

أومأت بموافقه فقال: يا تري مقابلتكوا دي هي اللي خليتك توافقي؟!

و تابع شارحاً: يعني.. أنا مش عايز الموضوع يكون مجرد إنتقام لكبريائك أو عِند، أرجوكي فكري علي مهلك أكيد إنتي مش في مود يسمح إنك تاخدي قرارات دلوقتي.

تجهم وجهها وقالت بحدة طفيفه: هو إنت شايفني عيله صغيره ولا إيه؟! لو عايزني أصرف نظر عن الموضوع ده قوللي علي فكره...

قاطعها قائلاً: لأ و علي إيه الطيب أحسن، طالما قولتي موافقه يبقا أنا هاجي بكرة بإذن الله أكلم أخوكي وربنا يقدم اللي فيه الخير.

هزت رأسها بهدوء وقالت: بإذن الله، تصبح علي خير

ترجلت من السياره و صعدت سريعاً إلي الشقه بينما غادر هو عائداً نحو منزله وهو يمنّي نفسه بإقتراب تلك اللحظه التي لطالما إنتظرها!

________________________

كانت غزل تقوم بالإستعداد للخروج برفقة يحيـي ، بدلت ثيابها و ساعدت نور و زياد في تبديل ملابسهما ليرتفع رنين هاتفها معلناً عن قدوم إتصال من يحيـي فأجابت: ألو؟
_أيوة يا غزوله، جاهزين؟!

=أيوة خلاص لبسنا أهو، ثواني و نازلين.

_طيب أنا مستني تحت في العربيه.. يلا.

إرتفع رنين جرس الباب فقالت وهي تتقدم من الباب تفتحه: خليك معايا لما أشوف مين!

فتحت الباب لتجد شابه حسناء تقف أمامها وقالت: منزل يحيـي بيه الهنداوي؟!

أومأت غزل بتأكيد وقبل أن تتفوه بكلمه كانت قد سقطت أرضاً بفعل ذلك المخدر الذي قامت الفتاه بـرشه أمام أنفها و دلفت إلي المنزل سريعاً و منه إلي غرفة المكتب حسب وصف يـسر.

كانت المكالمه لا تزال مستمرة، غاب صوت غزل فجأه مما أثار قلق يحيي الذي كرر نداؤه بإسمها كثيراً دون أن يصله رد، خرج من سيارته مسرعاً و صعد الى شقته ثم فتح الباب و دلف ليجد غزل ملقاه أرضاً مغيبه عن الوعي فأسرع يرفعها عن الأرض ثم وضعها علي الأريكه لينتبه إلي حركه خفيفه بداخل غرفة ا...

أسرع إلي غرفة زياد و نور ليجدهم فاقدين للوعي أيضاً مما جعله يفقد سيطرته على أعصابه.

وقف ساكناً دون حراك ينقل بصره بين أطفاله و غزل وهو لا يدرك ما يحدث فأسرع بإتجاه غرفة المكتب ليجد تلك المدعوه مريم تفتش بين أغراضه وهي تحمل حقيبةٍ من الجلد تضع بها كل الاوراق الموجودة علي المكتب.

شحب وجهها و تسمرت بمكانها فور أن رأته يقف أمامها فألقت بالأوراق من بين يديها بذعر عندما تقدم منها بنظرات ناريه وهو يقول: إنتي مين و إيه اللي دخلك هنا؟!

تراجعت للخلف بخوف و ذعر وقالت: أنا مليش دعوة، يُسر هي اللي قالتلي آجي و أخد الأوراق بتاعة المناقصه.

نظر إليها بصدمه وعدم تصديق ثم قال: يُسر؟! و يسر هتعمل إيه بورق زي ده؟!

تلجلجت بخوف وقالت: ممـ..مش عارفهه..

إقترب منها و أطبق علي فكيها بيدهِ بقبضةٍ حديدية وقال بهمس أثار الرعب في نفسها: مش عارفه إزاي يعني؟! إنطقي بدل ما أموتك هنا ومحدش يعرف عنك حاجة.

_غسـان منصور...

قالتها بصوتٍ متحشرج ليبتعد للخلف مضيقاً عيناه بتفكير ثم قال: غسان منصور؟! ماله غسان زفت؟!

أومأت بموافقه وقالت: أنا و يسر بنشتغل عنده في الڤيلا، وهو عرف إنك كنت متجوزها فطلب منها إن هي اللي تجيبله ورق المناقصه من عندك من المكتب وهي قالتلي أجي اخده لإنها مش هتعرف تيجي...

نظر إليها بإحتقار وقال: تمام، إبقي خلي يسر تنفعك بقا و خلي غسان ينفعكوا انتوا الاتنين.

أخرج هاتفه وقام بالإتصال بالمحامي الخاص به و أبلغه بما حدث و طلب منه الحضور علي الفور و من بعدها قام بإبلاغ الشرطة و إخطارهم بمحاولتها سرقة مستندات من مكتبه و التعدي علي زوجته و أولاده و تخديرهم.

تم حبسها علي ذمة التحقيق لمدة أربعة أيام و الأمر بإحضار يسر لما نُسِب إليها من تهم حسب تصريحاتها.

بعد إنتهاء التحقيق حكمت النيابة العامة بالحبس لمدة سنه علي كلاً من مريم و يُسر لإعتبارها شريكه لتحريضها علي السرقه.

كانت يُسر تقف بداخل قفص الاتهام تذرف الدمعات بصمت قبل أن تنظر إلي يحيي وهو يهم بمغادرة قاعة المحكمة فصرخت بإسمه تستجديه و تتوسل إليه.

ذهب إليها ووقف أمامها مباشرةً وراح يتطلع نحوها بأسف وقال: كل ده ليه؟! إستفدتي إيه دلوقتي؟! مفكرتيش في عيالك؟! مفكرتيش في نفسك حتي ؟! أنا بإمكاني أتنازل و أخليكي تخرجي من هنا حالاً بس لأ يا يسر.. إنتي عملتي كتير و جه وقت السداد، لازم تدفعي التمن لعل وعسى تتعظي بعد كده وتعرفي إن أخرة الغلط غلط.

_عشان خاطري يا يحيى.. طيب عشان خاطر عيالنا حتي!! يرضيك لو سألوا عني يقولوا لهم أمكو في السجن؟!

=و مفكرتيش في عيالك من الاول ليه؟! دلوقتي بس إفتكرتيهم و شايله هم هيقولوا لهم ايه! عالعموم إطمني عيالي محدش هيمسهم بكلمة، لا قريب ولا غريب.

ألقي بكلماته الصارمه الحاده و إنصرف إلي الخارج ثم إستقل سيارته عائداً نحو البيت بينما ظلت هي تنظر في أثره بندم علي ما صنعت يداها.

______________________

بعد مرور شهر...

كانت تقف بالمطبخ تقوم بإعداد طعام الغداء لتتفاجأ بـ يحيـي الذي تقدم منها وأحاط خصرها وهو يقف خلفها و يسند ذقنه إلي كتفها فنظرت إليه بإبتسامه وقالت: حمدلله علي السلامه.. طمني إيه الأخبار؟!

أهدي وجنتها قبلةً وقال: الحمدلله رست علينا أنا وقاسم.

إبتسمت بفرحه وقالت: طب الحمدلله، مبروك يا حبيبي.

_الله يبارك فيكي، بقوللك يا غزل؟!

إلتفتت إليه بإهتمام فقال: فاضيه تيجي معايا النهارده مشوار ضروري؟

قطبت جبينها بتعجب وقالت: أيوة فاضيه، بس هنروح فين؟

أومأ موافقاً وقال: بعدين هقوللك، خلصي بسرعه و نفوت علي أبويا نسيب زياد و نور عنده ونروح.

_طيب فهمني بس هنروح فين حتي أبقا عارفه ألبس إيه!

=إلبسي حاجه بسيطه، مشوار أنا مأجله من زمان و ده وقته خلاص.

____________________

أوقف يحيي السياره أمام باب منزل العائلة و ترجل من السيارة ثم إستدار للجهه الأخري وفتح الباب لتنزل غزل ومن بعدها الأطفال الذين أسرعوا يركضون إلي الداخل.

دلف يحيي و برفقته زوجته ليتجهم وجهه فور أن رأي آخر شخص كان يتوقع رؤيته الآن.

نهض سليمان من مقعده بتوتر وظل ينقل بصره بين أخيه و غزل ثم تهادي صوته خافتاً يقول: إزيك يا يحيي.

شعر يحيي أنه قد أصابه أحدهم بسهمٍ إخترق قلبه ولم يقوي علي النطق فقال والده: سليمان كان جاي يسلم عليا قبل ما يرجع مصر تاني يا يحيـي.

أومأ يحيـي موافقاً بهدوء وقال: بالسلامه إن شاء الله.

_إزيك يا غزل!

قالها قاسم بإبتسامه متردده فقالت: الحمدلله يا عمو سليمان إنت عامل إيه؟

قاطع يحيي حوارهم المقتضب وقال: أنا هسيب زياد و نور معاك يا حج علي ما أروح مشوار وأرجع.

أومأ الأب موافقاً ونظر إليهم بإبتسامه وقال: ياا سلااام، دول يآنسوا و ينوروا حبايب جدو.

حينها برز صوت سليمان يقول : أنا همشي يابا، محتاج حاجه؟

ربت والده علي كتفه وهو يطالعه بأسي لما آل إليه حاله وقال: عايزك طيب يبني، خلي بالك من نفسك.

إنحني يقبّل يديه ثم نظر إلي يحيى وتقدم منه خطوات وقال: عايز حاجه يا يحيي؟!

نظر إليه يحيي مطولاً بشرود وهو يشعر بأن لسانه قد عُقد ولم ينطق فأدار سليمان وجهه و همٌ بالإنصراف ليمسك يحيي ذراعه بغتةً فإلتفت إليه سليمان مجدداً ليقول يحيى بنبرة مرتعشه: خلي بالك من نفسك.

سرت رعشةً قويةً بجسده وهو ينظر إلي عينا أخيه و صغيرُه الذي طالما شبّ فوق ظهره ليحتضنه بقوة وقد طفق الدمع يسيل من عيناه عندما إحتضنه يحيـي بدورهِ مربتاً علي كتفه وقال: توصل بالسلامه.

إنصرف سليمان نادماً علي ما بدر منه و علي ما خسر و فرّط متجهاً نحو القاهرة لكي يقضي بها أيامه وحيداً تاركاً خلفه عائلته و كل ما يملك مضطراً آسفاً.

~~~~~~~~~~~~~~~~~~

وقف يحيي بسيارته أمام ذلك البيت المتهالك و ظل ينظر إليه وهو يسترجع سريعاً ذلك العام الذي قضاه به!

دق الباب و دقات قلبه كانت أشد وطأةً فنظرت إليه غزل وقالت: مالك يا يحيي متوتر ليه كده؟!

لم يجيبها بل ضغط علي يدها بيده وكإنه يستمد منها قوته فإذ بالباب ينفرج لتظهر تلك السيده العجوز من خلفه متهللة الأسارير عندما رأته يقف أمامها فقالت وهي تحتضنه: محمد، يا حبيبي يبني.

ضحك على ذلك الإسم الذي أطلقته عليه و ما زالت تناديه به وإحتضنها بقوة مربتاً علي ظهرها وقال: وحشتيني يا ست الكل.

أبعدته عنها قليلاً تتفحص ملامحه بإشتياق وعادت تضمه إليها بحنان وقالت: شكلك إتغير أوي يا محمد، بس وشك لسه بشوش زي منتا.

إبتسم بإتساع و ربت علي يدها بتقدير ونظر إلي غزل وقال: أعرفك، غزل مراتي.

نظرت إلي غزل ببهجه و إحتضنتها وهي تقول: يا حبيبتي زي القمر... إدخلواا.. أومال فين عيالك يا محمد، معلش بقا أنا لساني خد علي قولة محمد ، يحيي ده بنساه.

_إنتي تقولي اللي إنتي عيزاه.

قالها وهو يربت علي كتفها وقال بحماس: أومال فين مصعب؟!

ثوانِ معدوده و إنفرج الباب مرةً أخري ليدلف مصعب والذي تفاجأ برؤية يحيي فهرول إليه حيث نهض يحيي واقفاً وإستقبله بأيدي ممدوده علي مصرعيها..

بادر يحيي بالحديث قائلاً: أنا عارف إني ندل، بس من يوم ما رجعت والدنيا ملخبطه معايا، أول ما الأمور إستقرت قولت لازم آجي أطمن عليكوا.

إبتسم مصعب ببشاشة وقال: فيك الخير يا صاحبي والله، أنا روحت لك البيت أسأل عليك بعد ما رجعت بفترة قالولي إنك سيبت البيت!

أومأ يحيـي موافقاً وقال: فعلاً، أنا حالياً قاعد في بيت لوحدي.

_مجيبتش عيالك معاك ليه أشوفهم؟!

تسائلت والدة مصعب فقال يحيي: المرة الجايه بإذن الله أجيبهم يشوفوكي، المرة دي عالطاير بس كده...

قاطعته قائلة: لاا عالطاير إزاي و دي تيجي! إنتوا مش ماشيين إلا لما نتغدا، يلا يا مصعب قوم إمسك قصادي دكر البط خلينا ندبحه وألحق أولع عليه.

_لاا والله ما تتعبي نفسك، إحنا جايين نشوفكوا و ماشيين .

=يادي العيبه!! بقا تيجي بعد الغيبه دي كلها و تمشي من غير ما تتغدي معانا؟! طب حتي عشان غزل تدوق طبيخي.

نظرت غزل إلي يحيي بإبتسامة وقالت: خلاص بقا يا يحيي خلينا قاعدين شويه كمان.

رضخ يحيي لرغبتها و قضوا معظم النهار برفقتهم وسط جو ملئ بالألفه و الدفء حتي قرر الإنصراف بمجرد حلول الليل.

_طيب هنشوفك تاني إمتا؟!

تسائلت والدة مصعب بحزن فقال يحيي بعد أن قبّل رأسها: بإذن الله قريب، هبقا أطمن من مصعب عليكي و هتلاقيني بزورك أنا و زياد و نور في أقرب وقت.

_ربنا يخليهوملك يا حبيبي و تفرح بيهم.

=يااارب.. زي ما قولتلك يا مصعب هستناك تعدي عليا بكره في الشركه وتستلم الشغل الجديد.

ودعه مصعب و والدته بعناقاً حاراً ثم إنصرف و برفقته زوجته ليستقل كلاً منهما السيارة..

في طريقه شرد كثيراً وهو يسترجع ما حدث ذلك اليوم، فطوره برفقة أهله، سفره إلي القاهره بمفرده ، ولادة يحيي، حادث السيارة، عصابة سرقة الأعضاء و أخيراً إنقاذ مصعب له.

ظل يتطلع إلى الطريق من حوله و رغبةً شديدة في البكاء تتملك منه.

حتي رائحة الطرقات من حوله تحثه علي الإنهيار!

إضطرب و ثارت أعصابه حتي فقد السيطرة عليها، تسارعت نبضات قلبه و راحت تدق كمن يقرع طبول الحرب إستعداداً للنزال، شرد و تخبط و أحس بالإختناق عندما رأي ذلك المفرق الذي إصطدمت به السياره فمدّ أنامله يحرر ربطة عنقه و من بعدها إنحني ببصره يبحث عن محرمهِ بأنامل مرتعشه ليستمع إلي صراخ غزل والتي قالت : حـاااسب يا يحيـي!!!!!!

google-playkhamsatmostaqltradent