رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الخامس والعشرون 25 والأخير بقلم نعمة حسن
رواية ليتني مت قبل هذا الفصل الخامس والعشرون 25 والأخير
_حااسب يا يحيـي!!
صرخت بها غزل بخوف و عينان مذعورتان لينتبه يحيي لتلك السياره التي كادت أن تصطدم به لولا أن كبح فرامل السياره بغتةً ليتفاداه سائق السيارة الأخري بعد أن أطلق مسبةً غاضبه..
إنزوي يحيي إلي جانب الطريق مصطفاً بسيارته و أسند رأسه إلي طارة القياده يحاول جمع شتات عقله الذي يصرخ بألم من فرط التفكير..
_يحيـي...
نطقت بها غزل وهي تمد يدها تمسح علي شعره بحنان وتابعت: مالك يا روحي؟
دون أن ينظر إليها رفع رأسه عن الطارة وأدار محرك السياره مرةً أخري وهو يقول: أنا تعبان يا غزل، خلينا نرجع البيت علي طول وأبقا أكلم قدوره يجيب نور و زياد.
إنطلق عائداً نحو بيتهِ و فور أن دلف إلي الشقه ذهب إلي غرفته علي الفور و خلع حلّته و إستبدلها بملبساً آخر مريح و دخل إلي فراشه بصمت وهدوء.
تبعته غزل إلي الفراش فإلتصقت به وأحاطت رأسه بيدها ليضمها إليه بقوة دافناً رأسه بـ كَنَفِها وهو يقول: احضنيني يا غزل...
تعجبت طَلبهُ ولكنها حتماً سَعِدت به فأزادت من ضمها إليه وقالت: مالك يا يحيـي مزاجك وحش ليه؟!
شعرت بتنهيدته المثقله بالهموم فنزلت إلي مستوي جسده وهي لا زالت تغمره بذراعيها حتي باتت عيناهما في مقابل بعضهما البعض.
نظر إليها بعمق وقال متسائلاً: هو أنا لو مكنتيش في حياتي كنت هعمل إيه ؟!
إبتسمت بهدوء فإستطرد قائلاً: بالرغم من كل اللي شوفته و مريت بيه بس ساعة ما ببص في وشك بقول الحمدلله، رُبّ ضارةٍ نافعه، يعمي لو مكنش حصل اللي حصل ده كله مكنتش هتجوزك، كنت هفضل عايش أوهب الحب لقلوب رخيصه...
إقتربت هي منه و قبّلته بحبٍ طاغٍ وأخبرته قائلة: طيب لما إنت تقول كده أنا أقول إيه؟! أنا كنت عايشه والسلام ،مكنتش أتخيل أبداً إني أتجوزك، لحظه زي دي عمرها ما خطرت في بالي...
إبتسم لحديثها الذي يؤكد له بأنه لم يعشقه أحداً بقدر ما عشقته هي فمد أنامله يعبث بخصلاتها ويقول: مش ناويه تجيبيلي نونو بقا يا غزوله؟؟
خفق قلبها بشدة ليستطرد قائلاً: نفسي في حته صغيره منك أشوفها بتكبر قدام عيني و أعوضك فيها عن كل لحظه وكل دقيقه وكل ثانيه فوتها من غير ما أقوللك إني بحبك...
تسائلت لحاجةٍ في نفسها: إنت بتتكلم بلهفه وكإنك مخلفتش قبل كده...
_مش كده.. خلفت طبعاً واللي خلفتهم أغلي من نور عنيا، نور و زياد هما أول فرحه في حياتي وعشانهم مستعد أديهم عينيا ولا تكتر عليهم، بس بردو مش هنكر إني ملهوف عشان أخلف منك، أينعم عمري ما هفرّق بينهم أبدآ بس إبننا أو بنتنا هيبقالهم غلاوة خاصه، مش زياده لكن من نوع خاص...
إبتسمت بحب وقالت: إشمعنا بقا؟!
_عشان منك إنتي، هحبه عشان هو مني و منك، هو الرابط بيننا، و يسلام بقا لو جت بنت وكانت شبهك...
=هتعمل إيه؟!
_هاكلها هي و أمهاا...
إرتفعت ضحكاتها ليباغتها مائلاً فوقها فقالت: إنت رايح فين؟!
أجاب ببساطه: هطفي النور.
رفعت حاجبها وقالت: طيب ما تطفيه من جمبك..
_لا أصل الزرار اللي جمبي بعيد عنك..
=مالو؟!
_معلّـق..
~~~~~~~~~~~~~~~~~~
في صباح اليوم التالي و بعد أن إستعد يحيـي للذهاب إلي عمله، قبّل كلاً من زياد و نور و من ثمّ إلتقط يد غزل مقبلاً إياها قائلاً: إدعيلي، اليوم كله شغل وحاسس إني مصدع من دلوقتي...
_حبيبي ربنا معاك.. أنا هبقا أنزل أروح لعمتو، قاسم رايحلهم النهارده...
أومأ موافقاً وقال: ماشي وإبقي طمنيني عملوا إيه؟!
_مش هتيجي معاه؟!
=لأاا بلاش المرة دي بدل ما عمي إبراهيم يفكرني جاي معاه واسطه ولا حاجه، خليها مرة تانيه.
_ماشي.. مع السلامه.
بعد أن إنصرف إلي الخارج بدأت بترتيب المنزل لتشعر فجأه بالدوار يهاجمها و كإن الأرض تميد بها، أمسكت رأسها بيدها وهي تحاول أن تستعيد توازنها ثم سارت نحو الأريكه و تهاوت إليها...
سيطر عليها النعاس فجأةً و فشلت في مقاومته لتغط في النوم بمكانها إلي أن مرت الساعات و أفاقت علي يد زياد توكزها بلطف ويقول: غزل،أنا جعان..
إنتفضت من نومها في الحال ونظرت إلي الساعه المعلّقه بالحائط أمامها فجحظت عيناها وقالت: إيه ده؟! أنا نمت كل ده؟! مصحتنيش ليه يا زياد بس أديني أهو معملتش أكل...
قال زياد حانقاً: منا يعني بقالي شويه كتير بصحي فيكي وإنتي مش راضيه تقومي...
_خلاص خلاص قمت أهو.. أستني نص ساعه بس وهعمل الغدا...
=عايز سمك فيليه زي اللي عملتيه إمبارح...
_قصدك زي اللي بعمله كل يوم، إنت يبني مزهقتش من السمك ؟! في حاجات تانيه ربنا خلقها بتتاكل بردو ، دنتا معدتك اشتكت...
=لأ مليش دعوه، إعمليلي سمك فيليه..
_حاضر يا زياد حاضر، من عنيا يا حبيبي، وإنتي يا بسكوته عايزه إيه؟!
توجهت بحديثها لـ نور التي قالت: فيليه مع زياد...
رفعت كتفيها بإستسلام وقالت: زي ما تحبوا إنتوا حرين..
دلفت إلي المطبخ وبدأت بتجهيز الطعام لتشعر فجأة بحاجتها للقئ فأسرعت إلي المغسل و خرجت منه وهي تلهث بتعب وقد ملأها النفور والإشمئزاز كلما وصل لأنفها أيّاً من روائح الطعام..
_غزل خلصتي بقاا، إحنا جعانين.
قالها زياد بنفاذ صبر و تأفف فقالت: اصبر بس يا زياد خمس دقايق وهجيبلكوا تاكلوا..
تحاملت علي آلامها و إرهاقها و أخذت تعد لهم الطعام حتي فرغت فقدّمته إليهم وأسرعت مجدداً نحو المغسل تتقيأ مرة أخرى..
إرتفع رنين هاتف المنزل فأجاب زياد مسرعاً يقول: أيوة يا بابا.. إحنا بنتغدي.. لأ غزل في الحمام وتعبانه خاالص.. طيب استني..
ناداها زياد قائلاً: غزل تعالي كلمي بابا...
بعد دقائق إتجهت غزل لمحادثة يحيي والذي قال بلهفه: في ايه يا غزل تعبانه مالك؟!
سحبت شهيقاً طويلاً ملأت بهِ رأتيها ثم قالت: مفيش أنا كويسه، تقريباً خدت برد في معدتي.
_أجيبلك الدكتور وآجي طيب؟!
=لاالا أنا بقيت كويسه، هعمل حاجه دافيه أشربها وهبقا تمام.
_طيب إرتاحي وأنا شويه وجاي.. لو حسيتي إنك تعبانه كلميني فوراً.
=تمام ماشي، يلا سلام.
أنهي يحيي الاتصال وهو لا يزال شارداً يفكر بتعبها المفاجئ، حاول كثيراً التركيز بعمله ولكن دون جدوى فعاد مسرعاً إلي البيت..
دلف إلي البيت فأسرعت نور نحوه فحملها وهو يتحدث الي زياد قائلاً: فين غزل يا زياد؟
_غزل في الحمام بردو يا بابا، تعبانه خالص...
أسرع إلي الخلاء ليجدها تسند رأسها إلي صنبور المياه من أمامها بتعب وإعياء فربت علي ظهرها قائلاً: إنتي لسه تعبانه يا غزل؟
نظرت إليه وإحتضنته بشده وقالت: يحيي كويس إنك جيت، أنا تعبانه جداا ومش قادره أرفع راسي حاسه انها أتقل من جسمي.
مسح علي ذراعيها بحنوٍ بالغ وأردف بحسم: تعالي عشان تغيري ونروح للدكتور.. يلا.
إصطحب أولاده إلي منزل جدهم ومن بعدها ذهب إلى طبيب باطني ليفحصها فأخبره بالتوجه إلي طبيب نساء ففعل....
كانت تتمد علي سرير الفحص وإلي جانبها يقف يحيـي الذي يؤرقه خوفه عليها فقال حانقاً: حضرتك بقالك ربع ساعه عمال تجيب البتاعه دي يمين وشمال ومقولتش مالها يا دكتور!
نظر إليه الطبيب بإستهجان ثم قال:أستاذ يحيي، إتفضل إرتاح.
أشـار له الطبيب ليجلس علي مقعده فإتجه نحوه بنزق قبل أن ينتفض عندما إستمع إلي ما أخبر به الطبيب زوجته:
_ألف مبروك يا مدام غزل، إنتي حامل في ٣ أسابيع.
إتجه يحيي نحوها مندهشاً وقال: جد يا دكتور؟! حامل بجد؟!
أومأ الطبيب بتأكيد وهو يشير بذلك الجهاز الطبي المعروف بالسونار قائلاً : النقطه السودا دي هي الجنين ،هو حالياً لسه في بداية طور النمو وأهم حاجه الغذا الكويس و السوايل الكتير ، هنمتنع عن مواظ الكافيين و المنبهات وعن التدخين نهائي لو بندخن و هنواظب علي مكملات الحديد و الكالسيوم عشان الجنين ينمو نمو سليم بإذن الله.
نهض الطبيب عن مقعده بجانب سرير الفحص ثم إتجن لمقعده الذي يقبع خلف مكتبه وبدأ بتدوين الأدوية اللازمه وهو يقول: أهم حاجة الراحه التامه يا مدام غزل، ونبعد عن أي ضغط نفسي الفتره دي ، وحاجه أهم.. الرسول عليه الصلاة والسلام قال "إستعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان" يعني يُفضل منقولش دلوقتي عشان ربنا يكرمنا إن شاءالله.
أومأت غزل بتفهم وإبتسامتها تعبّر عن مدي سعادتها فتابع قائلاً: بإذن الله هشوفك بعد أسبوعين، ألف مبروك.
صافحه يحيـي ونهض ممسكاً بيد غزل وإنصرفا للخارج وهو يرمقها بإبتسامه صامته حتي إستقلّ كلاً منهم السياره فجذبها إليه يحتضنها بقوة مقبلاً جاتب رأسها ثم قال: مبروك يروحي ربنا يتمملك على خير.
إحتضنته بفرحه مماثله وقالت: أنا مش مصدقه نفسي يا يحيي، ده إحنا كنا لسه إمبارح بنتكلم....
زم شفتيه قائلاً: إمبارح بالليل... أهو أنا لو كنت أعرف إنك حامل إمبارح بالليل...
هز رأسه بأسف مصطنع فقالت: كنت هتعمل إيه؟!
رفع كتفيه ضاحكاً وقال: مكنتش هعمل حاجه خالص.
فهمت ما يرنو إليه فضحكت بشدة وهي تخرج هاتفها وتقوم بالإتصال بـ صافيه التي أجابتها على الفور: أيوة يا غزل، مجيتيش ليه أنا بستناكو...
_عمتو أنا حامل...
قالتها غزل بإبتسامة متسعه فقالت صافيه بفرحه صارخه: بجد؟! مبروك ياروح قلبي ألف مبروك، ربنا يكملك علي خير يا حبيبتي، عرفتي إمتا؟!
_لسه خارجين من عند الدكتور دلوقتي حالاً وقولت أعرفك عشان تفرحي بابا.
=مبروك يا غزل ألف مبروك يا حبيبتي ربنا يكملك علي خير يارب، إرتاحي إنتي أهم حاجة لحد ما أجيلك بكرة.
_إن شاءالله، هبقا أكلمك بعدين أشوف عملتوا إيه.
أنهت الإتصال بحماس لتجد يحيي يطالعها وهو يهز رأسه يائساً فقالت: مالك يا يحيى بتبص لي كده ليه؟
_ببص لك ليه؟! ده علي أساس إننا مش لسه خارجين من عند الدكتور وقال إستعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان ومتقولوش لحد.. هو ده الكتمان بتاعك؟!
=يووه يا يحيي وهي عمتو غريبه؟!
_مش الفكره، بس كنتي اصبري حتي كمان أسبوعين لحد ما نروحله المرة الجايه، مستعجله علي إيه؟
لوحت بيدها بعدم إكتراث وأردفت: مش مهم بقا يا يحيي هبقا أقوللها متقولش لحد.
أومأ موافقاً وإتجه نحو منزل والده لإصطحاب أطفاله و بينما كان جالساً برفقة والده سأله بإهتمام: الدكتور طمنكوا يا يحيي؟!
أومأ يحيـي مبتسماً وقال: الحمد لله يا حج، غزل حامل.
تهللت أساريره و إنبسطت فرحاً وراح يتمتم: اللهم صل عالنبي، ربنا يقومها بالسلامه يبني و يتربوا في عزك و تفرح بيهم.
ربت يحيي علي كتفه وقال:في حياتك يا حج إن شاءالله.
همست غزل إليه قائلة: و بتعتب عليا؟! ده علي أساس إننا مش لسه خارجين من عند الدكتور و قال إستعينوا علي قضاء حوائجكم بالكتمان ومتقولوش لحد.. هو ده الكتمان بتاعِك؟!
ضحك قائلاً: ميهمش يا غزل يعني هو أبويا غريب؟! وبعدين بترديهالي يعني؟!
إتسعت إبتسامتها فضحك هو عليها قبل أن ينهض مستعداً وهو يقول: إحنا هنستأذن بقا يابا.. إبقا سلم علي قدوره وعياله.
_طب ما تسيب العيال معايا عشان غزل ترتاح اليومين دول .
برز صوت غزل تقول: لاا يا عمي أنا مقدرش أستغني عنهم وبعدين هما مش متعبين أبدآ ماشاءالله، دول حبايبي .
_ربنا يراضيكي يبنتي ويقومك بالسلامه.
صافح الجد أحفاده متخذاً منهم وعد باللقاء عمّا قريب و من ثَمّ إنصرف الجميع مغادرين إلي بيتهم.
____________________
تأهبت صافيه بحماس إستعداداً لإستقبال قاسم، إختارت مظهراً كلاسيكياً بسيطاً لائمها كثيراً وأضفي إليها سحراً خاصاً...
إرتفع رنين جرس الباب فخرج إبراهيم ليستقبله قائلاً: أهلاً وسهلاً يا أستاذ قاسم، إتفضـل.
دلف قاسم متنحنحاً بحرج ووضع ما كان يحمل من حقائب علي الطاله المستديرة المجاوره لباب الشقه فقال إبراهيم : تاعب نفسك ليه بس؟! مكانلوش لزوم كل ده؟!
_لا أبداً مفيش تعب ولا حاجه دي حاجه بسيطه.
أشار له إبراهيم بالجلوس وهو يجلس قائلاً: إتفضل اقعد.
فتح قاسم الزر الأوسط من سترة بدلته وجلس بتهذيب فقال إبراهيم: نورتنا والله
إبتسم قاسم بلطف وبداخله تفتعل الأفاعيل وكإنه ولأول مرة يتقدم لخطبة إحداهن فقال: البيت منور بأهله يا أستاذ إبراهيم، أنا هدخل في الموضوع مباشرة حفاظاً علي وقت حضرتك و وقتي..
أومأ إبراهيم موافقاً ببشاشه وقال: إتفضـل.
حمحز قاسم بحزم وقال: أنا طالب إيد صافيه أخت حضرتك.. أكيد حضرتك عرفت منها إني جاي عشان كده و أنا سبق و وضحت موقفي ليك قبل كده وأكيد حضرتك متخذ قرار واضح يعني...
أومأ إبراهيم مبتسماً وقال: شوف يا أستاذ قاسم، أنا برتاح أوي للراجل الدوغري و لما إنك جيت معايا دوغري فأنا كمان هجيلك دوغري...
هز قاسم رأسه وقال: إتفضل..
برز حينها صوت إبراهيم منادياً : ياا صافيه...
دقيقه واحده و خرجت صافيه التي بدت لطيفه كعادتها في كل مرةٍ يراها فيها فإنحنت لتضع آنية ذهبيه أنيقه فوقها فنجالين من القهوة و بعدها صافحت قاسم بوقار فقال إبراهيم: إتفضلي يا صافيه اقعدي..
تعجبت طلبه الغير متوقع ولكنها جلست علي كل حال فقال هو: أستاذ قاسم طالب إيدك، وأنا شايف إنك الوحيده اللي ليها حرية الاختيار في الموضوع ده و الرأي رأيك...
برز صوتها المنمق تقول: العفو يا إبراهيم، اللي تشوفه إنت..
قاطعها بهدوء وقال: أنا عن نفسي معنديش مانع، أستاذ قاسم راجل واضح وصريح واللي أعرفه عنه إنه إنسان محترم بشهادة الجميع، حتي لو ليا تحفظ علي أي حاجه تانيه بس ده ميدنيش الأولويه في إني أقول رأيي، إنتي إنسانه ناضجه و عاقله وأنا واثق في حكمتك و عارف إنك بتقدري توزني الأمور كويس ولا يمكن تختاري علي أسس واهيه، لذلك أنا بقوللك القرار قرارك إنتي..
نظر قاسم إليهم بتقدير چم لما رآه بهما من تقدير و إحترام لبعضهما البعض و إزداد إعجابه بـ صافيه عندما إستمع لإثناء أخيها علي رجاحة عقلها و حُسن تدبيرها للأمور.
فركت صافيه يديها ببعضهما البعض بتوتر لم بنقشع عنها وقالت: وأنا موافقه.
_علي بركـة اللـه.
تمتم بها إبراهيم مبتسماً فقال قاسم بسعاده: الحمدلله، حيث كده بقا فأنا عايز نعمل الخطوبه وكتب الكتاب مرة واحده وبعدها بإذن الله نسافر أي مكان صافيه تختاره نقضي يومين هناك ونرجع...
_والله الجاي ده بقا بتاعكوا أنا شخصياً مليش علاقه.....
هكذا أعطي لهم إبراهيم مطلق الحرية في إختيار ما يخص حياتهم المستقبليه ثم أضاف قائلاً: شوف يا أستاذ قاسم الوقت اللي يناسبك إمتا وإحنا مستعدين إن شاءالله.
_خلاص بإذن الله الخميس الجاي نعمل حفلة خطوبه و نكتب الكتاب وتاني يوم نسافر بإذن الله.
=علي خيرة اللـه.. ربنا يتمم عليكوا بخير.
بعد أن إنصرف قاسم هنأ إبراهيم أخته محتضناً إياها ثم قال: هتتجوزي يا صفصف؟! هتسيبيني لوحدي خلاص؟!
ربتت صافيه علي ظهره وقالت: لوخدك ليه يا حبيبي بعد الشر عليك من الوحده، كلها تسع شهور بإذن الله و إبن غزل ولا بنتها ينوروا الدنيا و يملوا عليك حياتك..
أبعدها عنه قليلاً ثم قال: بتقولي إيه؟! بتتكلمي بجد؟!
أومأت بإبتسامه وقالت: غزل حامل ماشاءالله، كلمتني من شويه وقالتلي إنها لسه راجعه من عند الدكتور وقال لها إنها حامل.. مبروك يا هيما هتبقاا جدو صغنن..
راقه اللقب كثيراً وراح يتمتم بسرور: جدو؟! الله.. أنا فرحان أوي يا صافيه ..
_ربنا يفرحك بقومتها بالسلامه إن شاءالله وعقبال ما تشيل ولاد ولادها كمان.
تمتم مؤمّناً وقال: آمين يارب، ربتا يراضيكي يا صافيه ويجبر بخاطرك.
_ياارب يا حبيبي، هروح أنا بقا أغير هدومي و أحضر لك العشا.
إنصرفت صافيه بينما بقي هو يتخيل تلك اللحظه التي سيصبح فيها جدً و لِكَم راقه راقه ذلك الخاطر.
______________________
أتي اليوم الموعود سريعاً و حضر حفل خطبة صافيه و قاسم عدداً لا بأس به من الأهل والأصدقاء..
إجتمع الكل بمنزل إبراهيم الذي تزين بالبهجه و السرور و إستقبل بَكَنَفِه التهاني والتبريكات و علت بجوانبه أصوات الزغاريد والضحكات العاليه.
طلّت صافيه عليهم بثوباً حريرياً من اللون الأبيض اللؤلؤي و زينت وجهها بزينةٍ خفيفه حيث نأت عن مظاهر البهرجه و المبالغه فـ بدت مشرقه وجذابه أكثر...
إلتف الجميع حولهم..غزل و يحيي، زينب والتي أصرت علي الحضور لتهنأة أختها الغاليه، البعض من أصدقاء قاسم و قليل من الجيران.
بدا قاسم جذاباً للغاية، ملبسهُ المنمق، إبتسامته البشوشه، شعره الأشيب صاحب الحضور الطاغي و عطره المميز الذي منحه وقاراً لاق بهِ كثيراً.
إنتهت مراسم عقد القران لتبدأ بعدها وصلة الإحتفال المميزة القصيره والتي شارك بها كل الحضور وسط جو ملئ بالألفه و البهجه والسعادة الصادقه.
كان يحيـي يحيط خصر زوجته بكلتا يديه وهو يقف خلفها مبتسماً لرؤية الجميع من حوله سعيداً مسروراً فهمس إلي غزل قائلاً: إيه يا غزول مش هنروح بقا؟!
دون أن تنظر إليه أجابت: مستعجل على إيه يا يحيي لسه السهره في أولها...
همس بأذنها قائلاً: يا عمي يلا خلي كل واحد يشوف نفسه..
_ما كل الناس قاعده أهي إشمعنا إحنا اللي هنمشي.. وبعدين نور راحت مع جدها هي و زياد، قلقان ليه بقاا؟!
= عيبك الوحيد إن فهمك بطئ، يبنتي يلا خلي الليله دي تتفض قاسم عمال يغمزني عايز يروح...
_وقاسم مستعجل ليه ما يصبر شويه..
=أقوللها إيه دي ياربي، عايز يدخل يا غزل هيكون عايز إيه يعني...
قاطعته بنظرةٍ حاده وقالت: إيه الوقاحه دي؟! خلاص إسكت.
إرتفع جانب فمه بحنق وقال: وقاحه؟! طب إيه رأيك بقا إني أنا كمان......
كممت فمه بيدها وقالت : خلاص يا يحيي، خلاص يا بابا هنمشي حاضر.. ثواني أقول لبابا إننا ماشيين.
قبل أن تتجه غزل نحو والدها كان هو قد سبقها ليقول: واقفه ليه يا حبيبة أبوكي، تعالي اقعدي أنا جيبتلك طبق جاتو بالشيكولاته زي ما بتحبي...
أمسك والدها بيدها يحثها علي السير برفقته بينما أمسك يحيي بيدها الأخري وهو يقول: لأ معلش يا عمي إحنا هنمشي بقاا لإن الوقت إتأخر...
_وقت إيه اللي إتأخر يبني ده العشا يدوب أذنت من حبه..
=معلش بقا أصل غزل تعبت من الوقفه وعايزة ترتاح..
_مالك يا حبيبتي، لو تعبانه ادخلي ريحي في اوضتك شويه علي ما تخلصي طبقك...
وجه حديثه لإبنته بينما أجاب يحيي بدلاً منها وقال: لا معلش هي أصلاً مش حابه الشيكولاته اليومين دول، هنمشي بقا عشان ترتاح...
_والله يبني اللي يريحكوا.. مش عارف أقوللك إيه.. اتفضلي يبنتي مع جوزك.
نظرت إليهم غزل واحداً تلو الآخر وقالت: إنتوا بتتعازموا علي إيه؟!
ثم نظرت إلي يحيي وقالت: أنا هفضل مع بابا النهارده يا يحيي!
إرتفع حاجبه بضيق و لم يعقّب فقال والدها: لا يا حبيبتي روحي بيتك وإبقي تعالي مره تانيه.
_لأ هفضل معاك.
جادلته فبادلها الجدال قائلاً: لا روحي مع جوزك قولتلك أنا مش عايز يفضل معايا.. يلا يا يحيي خد مراتك و إتكل علي الله.
ظهر الضيق جلياً علي وجهها فصافحت العروسين علي الفور و إنصرفت برفقة زوجها عائدين إلي البيت...
دلفت إلي شقتها بغضب ونظرت إلي يحيي بوجه عابس وقالت: إنت إنسان أناني علي فكره.
نظر إليها بتعجب وقال بضيق أشد: أناني؟! وإنتي بياعه.. كنتي عايزه تسيبيني لوحدي و تفضلي مع أبوكي؟!..
_والله لما أسيبك ليله لوحدك مش هيجري حاجه، بس بابا حبيبي اللي هينام لوحده لأول مره في حياته، مشوفتوش كان بيبصلي و عينيه متعلقه بيا إزاي؟!.
= وأنا يعني كنت نطقت، ماهو اللي قال مش عايز حد يفضل معاه...
_مهو قال كده عشان شافك قلبت وشك و بوزك بقا شبرين فـ حب يجيبها من عنده عشان منتخانقش بسببه..
=قلبت وشي؟!! ما تتكلمي كويس....
قالها وهو يشهر سبابته بوجهها بتحذير فإبتلعت المسافه بينهما و وقفت امامه مباشرةً وقالت بتحدٍ: ولو متكلمتش كويس يا يحيي هتعمل إيه يعني؟!
باغتها بإعتصارها بين أحضانه و سلبها أنفاسها بقبلةٍ ضاريه بينما يديه تعتصر جسدها حتي كاد يزهق روحها و حملها بحرص راكضاً بها نحو غرفتهما صافقاً الباب خلفه بقدمه وراح يخبرها ماذا سيفعل إن لم تتوقف...
________________________
دلفت صافيه إلي عشها الجديد برفقة قاسم، رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تفتحهما لتطالعها ردهة منزل واسعة و كإنها قد إنتقلت إلي قصر من قصور الخيال، إرتسمت إبتسامة إعجاب علي شفتيها و إبتعدت عنه وهي تتجول في الردهه بعينيها بين لوحات طبيعيه تسر العين و آيات قرآنية تريح القلب، قطبت وهي تشعر بقدمها تغوص للأسفل كلما سارت لتنظر أسفل منها فتفاجأ بسجاد أعجمي وثير تكاد قدماها تختفي بداخله، رفعت عيناها تنظر إلي قاسم الذي يقف إلي جانبها مبتسماً بحنان فقالت: بسم الله ماشاء الله البيت جميل جدآ و ذوقه حلو.
أردف بإبتسامه: ذوقي.
_ذوقك حلو جدااا.
أردفت بتأكيد ليفاجئها إذ حملها بين ذراعيه ليجد وجنتيها وقد تخضبت بدماء الخجل فقال بإبتسامه: تعرفي؟! أخوكي إبراهيم قال عني تلت حاجات في محلهم...
_ إيه هما؟!
تسائلت بخجل فقال: إني واضح وصريح ومحترم.. بس نسي يقول أهم حاجة...
_إي هي؟!
تسائلت بخجل أشد وطأةً فقال: إني سافل!!
جحظت عيناها بتعجب وصدمه فقال وهو يدلف بها إلي غرفتهما: متستغربيش أوي كده، أنا هشرحلك بس تعالي...
صفق الباب خلفه بقدمه و تقدم من الفراش و حلس وهو لا يزال يحملها وينظر إلي ملامحها الفاتنه يتشربها و يتفرس بها وقد أضحت قريبه منه للغايه ولأول مره، تنفس أمام وجهها وهو لا يزال يتفحص هيئتها بإفتتان عاشق بينما غاصت هي بأبحر عيناه لينتهز فرصة شرودها به و قبّل ثغرها وهو ينظر إليها بثبات مما جعلها تجفل بين ذراعيه وقالت بخجل: قاااسم.
نطق بصوتٍ أجش أثار حياءها: يا عيون قاسم..أؤمري
إزدردت ريقها بتوتر وقالت: إنت مستعجل ليه كده خلينا الأول نتعرف علي بعض..
_نتعرف علي بعض إيه أنا أبويا وأمي إتعرفوا علي بعض وأنا في الابتدائيه، أهم حاجة الدُخله...
ضحكت رغماً عنها ليذوب حياءها بين يديه وهو يغرقها في بحورٍ من الحب و السعاده لا يوجد بها مكاناً لأياً مما حدث بالماضي وراح يخطّ برفقتها أول أسطر في كتابهما الجديد، كتاباً لا يوجد به سوي الفرحه و العشق الخالص.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور شهرين، كانت غزل تستعد لإستقبال صافيه و قاسم الذين قام يحيي بدعوتهما لتناول الغداء سوياً وقضاء وقت ممتع معاً..
وقفت غزل أمام المرآه تطالع بطنها المنتفخ بفرحه طفوليه قبل أن يدلف يحيي إلي الغرفه ضاحكاً علي هيئتها فوقف خلفها يحيط بطنها بيديه بفرحه وقال: أهلاً يا علي باشا..
نظرت إلي إنعكاس صورته في المرآه وقالت بإبتسامه: ومين اللي قاللك إنه ولد؟! ما يمكن بنت..
_لأ ولد.. باين عليكي.. أهو مناخيرك بقت شبه مناخير بينوكيو..
نظرت إليه بغيظ وقالت: والله؟!
إنفجر ضاحكاً وقال: أكدب عليك يا غزال؟! وبعدين يروحي لو حتي بقت شبه زلومة الفيل أنا بحبك بردو و في عينيا أجمل غزاله في الدنيا.
إبتسمت بحب وفرحه فقال: بتتثبتي إني فـ إتنين كلام.
أومأت بإبتسامه فقال : طيب يلا عشان زمانهم علي وصول.
إرتفع علي الفور جرس الباب معلناً عن قدومهم فأسرع يحيي يفتح الباب مستقبلاً إياهم بترحيب چم.
بعد الترحيب و المصافحه و التحيات بدأت غزل وصافيه يقمن بإعداد الطعام و إلتف الجميع حول المائده يتناولون الطعام في وسط جو ملئ بالألفه و المرح.
_مبتاكليش ليه يا صوفي؟!
تسائل قاسم بإهتمام فقالت صافيه: لأ باكل أهو، كل إنت.
همّت بتناول طعامها من جديد لتستوقفها رغبةً ملحّه في التقيؤ فأسرعت إلي دورة المياه مما أثار تعجب الجميع.
ذهبت غزل خلفها وهي تحاول مساعدتها فقالت بلهفه: مالك يا عمتو؟! إنتي تعبانه ولا إيه؟!
قالت بصوتٍ واهن: والله يا غزل منا عارفه، باين كده خدت برد من التكييف.
_طب تعالي إرتاحي...
خرجت برفقت غزل وجلست بغرفة المعيشه وقد أعربت عن عدم رغبتها في إستكمال طعامها فاسرع البقية بتناول طعامهم ومن بعدها جلسوا برفقة بعضهم البعض قبل أن يرن جرس الباب فقالت صافيه: دي أكيد زينب كانت قايله إنها هتيجي.....
قطعت حديثها وهي تركض ناحية الخلاء مرة أخري عندما داهمها القئ مجدداً...
دلفت زينب وصافحت الجميع وتسائلت: أومال فين صافيه؟!
أجابت غزل: عمتو تعبانه أوي يا زينب.. تقريباً واخده برد في معدتها و مش فاضل في معدتها حاجه الا وجابتها...
_و ساكتين ليه؟؟ المفروض تكشف ليكون ميكروب أو حاجه.. أنا هاخدها ونروح للدكتور.
خرجت صافيه للتو من المغسل وقالت وهي تسحب نفساً عميقاً: لا يا زينب أنا هبقي كويسه.. ادخلي اقعدي.
_لاا ورحمة سيدي ياقوت مايحصل، الجو مليان ميكروبات اليومين دول، لو لا قدر خدتي الدور مش هتسلمس منه وانتي مناعتك ضعيفه، تعالي نروح نكشف.
هنا برز صوت قاسم قائلاً: أنا رأيي من رأي مدام زينب، تعالي نكشف و نطمن..
قالت زينب: لا يا أستاذ قاسم إتفضل إنت إرتاح وأنا هنزل
أنا و غزل.
أرضخت صافيه لإصرارهم و خرجت لزيارة الطبيب برفقة غزل و زينب التي قالت: ودينا للدكتور بتاعك يا غزل.
تعجبت صافيه وقالت: أنا هروح لدكتور غزل أعمل إيه هناك؟
_ماهو دكتور نساا وبيفهم في كل حاجه يا صافيه!! تعالي بس متقاوحيش.
ذهبن ثلاثتهن إلي الطبيب والذي قام بفحص صافيه بعد الإستماع إلي شكواها وقال: ألف مبروك يا مدام صافيه إنتي حامل!
نهضت صافيه من فوق الفراش بصدمه وقالت: حامل؟! إتأكد يا دكتور لو سمحت أنا متأكده إنه مفيش حمل.
قطب حاجبيه بتعجب وقال: ليه متأكده؟! السونار قدامي مبين إنك حامل في آخر الأسبوع الرابع..
قالت بذهول: حامل إزاي؟! أنا قعدت ٢٠ سنه متجوزة و محصلش حمل وكل التحاليل كانت بتثبت إن المشكله مني أنا !!
أردف الطبيب مبتسماً: لو كل التشخيصات كانت سليمه فعلاً فـ ده ملوش غير تفسير واحد..
تسائلت بإهتمام: إن دي معجزة إلهيه يا مدام صافيه، عالعموم ربنا لما بيريد مفيش حاجه بتمنع إرادته، الحمل طبيعي جداً و سليم الحمدلله، هكتبلك علي مقويات تمشي عليها و أهم حاجة تهتمي بصحتك و اكلك و هشوفك بعد اسبوعين ان شاءالله.
إنصرفن ثلاثتهن من عيادة الطبيب و الذهول رابعهن حتي رجعن إلي البيت ليتسائل قاسم بلهفه: الدكتور قاللك إيه يا صافيه؟!
نظرت إليه بصدمه وقالت: قاللي إني.....
بترت حديثها و تقوست شفتيها بحزن و طفقت الدموع تسيل علي وجنتيها وقالت: قاللي إني حاامل!!!
فرغ فاه بصدمه لا تقل عن صدمتها ولم يسعه سوي أن يحملها ويدور بها عدة مرات وقد إنفجر ضاحكاً بهيستيريه و فرحه بينما طوٌقت عنقه بيداها و تحولت دمعاتها إلي ضحكات فرحه إمتزجت بضحكاته في مشهدٍ جعل الجميع يبكي بفرحه من أجلهما.
إنقضي النهار والجميع يتحدث عن ذلك الخبر السعيد الذي زُفّ إليهم فهمست زينب بمرح لـ صافيه وقالت: بس إيه يختي قاسم ده!! ده راجل من بتوع الأفلام زي ما بيقولوا
ضحكت غزل بشدة فأكملت زينب وقالت: ده لفحك لفحه الغلبانه اللي جمبي دي متلفحتهاش ليلة دخلتها...
تمتمت غزل بحزن مصطنع: أه والله معاكي حق.
ضحكت صافيه وقالت: والله يا زينب إنتي فايقه و رايقه.
نهضت زينب واقفه وقالت: يختي تفوقي فوقتي عن قريب ان شاءالله، سيف امتحاناته بكرة و مطلع عين أم أمي و يحيي باشا زمانه كاشف راسه و بيدعي عليا دلوقتي عشان سيبته مع جده .
_ما تقعدي يا زينب هتفركشي القعده ليه؟!
قالتها غزل بحنق فقالت زينب: لا يا حبيبتي معلش تتعوض، قدورة قاللي متتأخريش و لو عرف اني اتاخرت هتبقا ليله مش فايته.. يلا هبقا اجيلكوا وقت تاني .
إنصرفت زينب ومن بعدها صافيه وقاسم لتخلد غزل إلي النوم سريعاً بعد يومٍ شاق وطويل.
***************
بعد مرور سبعة أشهر..
كان الإستعداد علي قدمٍ و ساق للإحتفال بقدوم "علي" الصغير حيث كان الكل يجتمع بمنزل العائلة يقومون بالتحضير ليوم غد حيث ستقام الولائم و تُذبح الذبائح..
_هاا يا يحيـي؟! كلمت كل معارفنا و عزمتهم؟!
أومأ يحيي موافقاً وقال: أيوة يا حج، الجيران و القرايب و التجار اللي بتتعاملوا معاهم وكل اللي أعرفهم كلمتهم.
أومأ والده موافقاً وقال: عال .. وكلمت أخوك سليمان؟!
تسائل "علي" بترقب ليتجهم وجه يحيي علي الفور وقال: هو لازم أكلمه يابا؟!
شعر أبوه بالإستياء الشديد وقال: لازم؟! يعني إنت عزمت القريب والغريب و أخوك معزمتوش؟! إنت مستني إيه يبني عشان تكلم أخوك؟! إن مكنتش تكلمه في مناسبه زي دي هتكلمه إمتا؟! مستني لما أموت و تتكلموا في دفنتي؟!
_بعد الشر عليك يا حج، ربنا يبارك في عمرك..
قاطعه والده بحدة وقال: طب ولما أموت يا يحيي.. هتقفوا تتعاتبوا و تصفوا حساباتكوا؟ ولا هتركن راسك علي كتفه وتعيط؟!
_لزومه ايه يا حج الكلام ده دلوقتي؟!
= لزمته ان الضفر ميطلعش من اللحم يا يحيي، مهما حصل بينكوا إنتوا دم واحد.. كفايه عليه الوحده اللي فرضها عن نفسه و بعده عن أهله، إنت مش هتاذيه أكتر من ماهو بيأذي نفسه يبني...
_أنا مش عايز أأذيه يابا.. هو اللي أذاني و ظلمني...
قالها يحيي بألم فقاطعه والده وقال: سامح يا يحيي, يا بخت من قدر و عفي يبني ده ثوايه عند ربنا عظيم، إصفي يا حبيبي الكره لو إتملك من قلب البني ادم بيملاه سواد، و إنت قلبك أبيض ونضيف.
تنهد يحيي بحيرة فقال والده: إنت ربنا رزقك بمولود جديد، محتاج يتربي بحب و يكبر يلاقي أبوه إنسان طيب وقلبه يساع الكل، إنسي اللي حصل يبني ده مهما كان أخوك.
أومأ يحيـي موافقاً بهدوء وقال: اللي تشوفه يابا، هاخد رقمه من قدوره وأكلمه أقولله.
ربت والده علي كتفه بتقدير وقال: روح يبني ربنا يراضيك و يرضي عنك زي ما مراضيني دايما.
قبل يحيي يد والده و إنصرف لمهاتفة سليمان الذي سعد كثيراً بدعوة يحيي و وعده بالحضور في الغد.
كان الكل يجتمع بساحة المنزل الواسعه يشهدون ذبح الذبائح و توزيعها و القسم الآخر منشغلون بالطهي و إطعام الجيران والأصدقاء..
كان قاسم و عبد القادر و سليمان الذي إنضم إليهم علي إستحياء يشاركون في الذبح برفقة يحيي ..
تقدم " علي" نحوهم وهو يحمل المولود الصغير وقام بغمس أصابعه في الدماء و مسح علي يده و قدمه بفرحةٍ ثم نظر إلي سليمان وقال: شوفت يا سليمان، علي الصغير شبهي إزاي؟
حمله سليمان مبتسماً وقال: يتربي في عزك يابا تعيش و تشوفه عريـ...
بتر كلمته بصدمه عندما رأي صافيه تقف بعيظاً إلي جوار غزل لينزل ببصره إلي بطنها المتكور البارز ليشعر وكإن دلوً باردً من الماء قد سكب فوقه فإنتابته القشعريره و إستأذن من والده منصرفاً قبل أن يستوقفه صبي القصّاب قائلاً:
_لا مؤاخذه يا ذوق، العشره كيلو دول كان أستاذ يحيي موصيني عليهم أقطعهم إنصاص، أنا بدور عليه مش لاقيه هو فين؟!
إسترعت نبرة صوته المميزه كل إهتمام سليمان فضيق عيناه يتذكر ذلك الصوت الذي لم ينساه أبداً فقال متسائلاً: أنا قابلتك فين قبل كده؟!
علي الفور تذكره الشاب الذي تلعثم و توتر و همّ بالمغادره سريعاً ليتشبث به سليمان قائلاً: إستني هنا، إنت اللي كلمتني قبل كده وقولتلي إن مراتي خدت منك عضمة كتف مش كده؟! و أكيد تعرف النصاب اللي عامل نفسه دجال و كلمني يقوللي ان مراتي راحت له تعمل عمل لمراتي التانيه، مش كده؟!!
شحب وجهه و تصبب العرق من وجهه بغزارة وقال: والله أنا ما ليا دعوة، هي مراتك اللي طلبت مني اقوللك كده وأنا أيامها كنت خالي شغل و اضطريت انفذ كلامها و اخد الفلوس، امي كانت راقده....
قاطعه سليمان قائلاً: كل ده مش مهم، المهم دلوقتي عايزك تقوللي، اللي خدت منك العضمه هي الست الحامل اللي واقفه عند البوابه اللي هناك دي؟!!
نظر إليها الشاب مطولاً فحثه سليمان بلهفه وقال: هااا؟! هي؟!
أومأ الشاب نافياً وقال: لأ مش دي اللي خدت مني قشرة اللوح يومها، دوكها كانت طويله و قمحاويه شويه...
أغمض سليمان عيناه بندم قد تفاقم بداخله أكثر و إنصرف علي الفور غائباً عن الأنظار...
إنقضي النهار وسط تحضيرات السبوع التي إنهمكت بها النسوة حتي أسدل الليل ستاره و بدأ المتوافدون يزدادون لحضور حفل السبوع المقام بمنزل العائلة...
كان الجو بهيجاً ، مليئاً بالسعاده و الفرح، الأقارب والأصدقاء و الجيران كلٌ يقدمون التهاني و المباركات بقدوم الحفيد الجديد لعائلة الهنـداوي.
وقفت غزل تحمل مولودها الذي يشبه والده كلياً حتي في نحتة أطراف يده و قدميه و تغمره بفرحه و حب بينما إلي جانبها كانت تقف صافيه التي تتحسس بطنها البارز بتعب وقالت: ماشاءالله الناس كتير أوي، تفتكري اكياس السبوع هتكفي كل دول؟!
أومأت غزل بتأكيد وقالت: إن شاءالله هتكفي، يحيي جايب كتير وعامل حساب الناس كلها....
بارت غزل حديثها عندما رأت سليمان يتقدم منهما فإبتسمت بهدوء ليبادلها الإبتسامه بهدوء مماثل وقال: لو سمحتي يا صافيه ممكن كلمه؟!
تململت صافيه بقلق وقالت: بعد إذنك يا سليمان بلاش مشاكل.....
بتر حديثها وقد صاح بصوتٍ مرتفع يجذب إنتباه الجميع فقال: إسمعوني لو سمحتواا
عمّ الصمت المكان من حولهم فقال موجهاً كلامه لـ صافيه التي أخذ منها الخوف كل مأخذٍ: أنا عندي كلمتين عايز اقولهم لـ مدام صافيه قدامكم كلكم.. هما مش كلمتين هما إعتذار أو رد إعتبار بمعني أصح...
جالت صافيه ببصرها يميناً و يساراً تراقب نظرات الجميع من حولها و خاصةً قاسم الذي كان يقف متأهباً...
بنظرات آسفه نادمه أكمل سليمان حديثه قائلاً: أنا سبق و إتهمت مدام صافيه إنها عملت عمل لـ.....
توقف عن الحديث لبرهه وتابع: للإنسانه اللي كنت متجوزها وقتها...
إستشاط يحيي غضباً وقتها لتذكره ما مر لينتبه لحديث سليمان الذي أضاف: أنا عايز أعترف دلوقتي إني ظلمتها و جنيت عليها، زي ما افتريت عليها قدام الكل و كلكوا صدقتوني لازم أقول دلوقتي إني غلطت و ظلمتها و عايزكوا تعرفوا إنها بريئه من الذنب ده.
إهتز قلبها بين أضلعها فنظر إليها وقال: أنا آسف يا صافيه، أنا هفضل عايش بذنبك في رقبتي طول العمر، سامحيني لو ضايقتك دلوقتي بس يمكن اللي عملته ده يهون عليا واحد في الميه من اللي بحس بيه.
طفقت عيناها تغيم بالدموع فنظرت إليه بهدوء وقالت: مسامحاك يا سليمان، عارف ليه؟! لإن قلبي أنضف من إنه يشيل من حد مهما عمل، أنا فوضت أمري لربنا و الحمدلله ربنا رد عليا حقي في حياة عيني، عالعموم يا سليمان عفا الله عما سلف أنا مش زعلانه لا منك ولا من غيرك، لإن عوض ربنا ليا كبيرر أوي لدرجة خلاني أحس بتفاهة كل حاجه حصلت قبل كده.
قال سليمان بنظرات نادمه: إنتي تستاهلي كل خير يا صافيه.
أومأت بهدوء و لم تعقب فإنصرف هو مبتعداً و دنا قاسم منها فقالت هي: قااسم أنا....
قاطعها مبتسماً وقال: أنا عارف كل كلمة عايزها تقوليها يا صافيه، متخافيش أنا مش زعلان أبدأ من المواجهه دي بالعكس أنا أسعد واحد في الدنيا عشان الحقيقه بانت للكل.
إحتضنته صافيه بقوة وقالت: أنا مش عارفه لولا وجودك في حياتي كنت هعيش إزاي.
ربت علي ظهرها يضمها إليه بقوة و قال: إنتي اللي بتقولي كده؟! ده إنتي الحلو اللي في حياتي يا صوفي و روح قلبي، إنتي و صفاا .
نظرت إليه بإبتسامه متعجبه وقالت: والله؟! و كمان سميتها ؟!
أومأ موافقاً وقال: صفا بإذن الله، عشان أنا واثق إنها هتبقا نسخه منك في كل حاجه.
إبتسمت بحب وقالت: طيب يلا عشان منتأخرش علي يحيي و غزل زمانهم مستنيين.
إنصرفوا لإستئناف حفل السبوع وهم يشاركون الجميع فرحتهم و سعادتهم متطلعين نحو إقتراب فرحتهم الخاصه أيضاً....
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
بعد مرور خمس سنوات..
يجتمع الكل في ڤيـلا يحيـي الهنداوي حيث قام بدعوة الكل علي فطور أول أيام رمضان.
يترأس المائدة كالعاده " علي"، و إلي جانبه يحيي ،و بمقابله غزل التي تحمل صغيرتها " غزل" ،و إلي جانبها زينب و بمقابلها عبدالقادر ، عن يمينه قاسم و أمامه صافيه، و إلي جانبها يحيي و سيف أولاد عبدالقادر، و بجانبهم زياد و نور، و صفا و علي الذي كان يسند رأسه علي قبضته الصغيره وهو ينظر إلي " صفا" بهيام و وله.
نهره قاسم قائلاً: مالك هتاكل البت بعينيك يالا كده!! ما تبص قدامك.
لم يعره " علي" أي إهتمام وكإنه لم يستمع إلي حديثه فقال يحيي ممازحاً: إبني طالع دنجوان زي أبوه، بيوقع البنات من نظره و إبتسامة.. إبن الوز عوام بقا.
قال الجد: إبن الوز عوام فعلا منتا طالعلي.. انا كنت زيك كده وأنا في سنك..
برز صوت زينب تقول بمرح كعادتها: إبن الوز عوام و إبن إبن الوز عوام ، و عوام علي عوام و بعودة الأيام...
إنفجر الجميع ضاحكاً بشدة فقال " علي" : والله يا زينب إنتي ماليكي حل.
إبتسمت زينب قائلة: ربنا يديم حسك وسطينا يابا الحج و كل رمضان وإنت منور لمتنا.
تمتم الجميع داعياً فقال عبدالقادر: سليمان باعت السلام للكل و بيقولكوا كل سنه وانتوا طيبين و بيقوللك يابا إن هو دعالك عند النبي.
_عليه أفضل الصلاة والسلام.. يا بختك يا سليمان زورت الحبيب المصطفى، ربنا يديني الصحه و يمد في عمري لحد ما أنولها كمان مرة قبل ما اموت..
=ربنا يديك الصحه يابا و يكتبهالنا جميعاً ونقف صحبه علي عرفه رمضان الجاي..
قالت زينب بتعجب: وهما بيقفوا علي عرفه في رمضان يا قدوره؟!
_ إحنا هنقف و الجدع ينزلنا...
ألقاها بحدة لترتفع ضحكات الجميع والتي ملأت أركان المكان تحفر بكل جدارٍ منه ذكري طيبه، تخلّد به أياماً مليئة بالحب و السعاده، تزرع بهِ بداياتٍ قُدّر لها الفلاح من قبل الإفصاح عنها.
اليـوم.. و اليوم فقط.. يستطيع أن يقرّ الجميع و يعترف بأنه راضٍ عن كل ما صار، مؤمناً بأنه قد نال الأفضل بإرادة الله وليس بسعيهِ و تدبيره.
اليوم قد أعرب كلاً منهم عن سعادته بما وصل إليه و ما حصل عليه في نهاية المطاف.
اليوم بات الكلّ هادئ النفس ، قرير العين، مرتاح القلب يتطلع نحو القادم بقلبٍ شغوف بالحياة و ما عاد لكلمة "ليتني" حيزاً تشغله.
تمت النهاية..
اقرا ايضا رواية احببتك دون اراداتي كاملة عبر دليل الروايات للقراءة والتحميل
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية: "رواية ليتني مت قبل هذا" اضغط على اسم الرواية