رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثاني عشر بقلم زيزي محمد
رواية منك وإليك اهتديت الفصل الثاني عشر
بعد مرور أسبوع..
تقلبت مليكة في فراشها يمينًا ويسارًا تحاول تنظيم افكارها التي باتت تتدفق في جنون، فمنذ أن أخبرها زيدان بطلبه لخطبتها وإصراره على ذلك رغم رفضها الظاهري وهي في حالة من التخبط الشديد، لا تنكر أن جزء كبير داخلها يهيم سعادة بذلك الخبر وجزء أخر ينبهها بما ينتظرها حيال قدوم ماجد في أي لحظة، وأخر يحاول اجتذابها نحو سر زوج والدتها الذي قد كُشف بالصدفة، فبقيت حائرة ما بين مشاعرها، تشعر بحماقة لا تجيد اختيار أي قرار يصب في مصلحتها، فأحيانًا تشعر بحاجتها الكبيرة في الهروب من كل شيء، تسعى نحو عالم لا يعرفها به أحد، في البداية ظنت بأن تلك الرغبة المُلحه هي الحل الأمثل لتنهي ما يؤرقها ولكن بعد تفكير عميق اكتشفت أنه ليس سوى حل ساذج لن ينهي شيء بل سيفتح عليها أبواب الجحيم ان قررت خسارة كل من حولها.
نهضت بنصف جسدها تضغط فوق شفتيها السفلية في غيظ تسأل نفسها الحائرة، إذا ما الحل؟ هل أمر زواجها من زيدان هو بمثابة إنقاذ كُلي من غدر ماجد؟ أم ستقع في هاوية الظلام وخاصةً أنها لا تتوقع رد فعله، فالأمر سيكون رهن التصديق أو لعنة الشك وهي بالتأكيد ستبقى معلقة بينهما بخيط رفيع تنتظر مصيرها.
شعرت بتمزق خلايا عقلها في الآونة الأخيرة لقد أرهقت ذهنها بالتفكير لساعات متواصلة حتى أثناء عملها لا تنقطع أبدًا عن محاولة إنقاذ نفسها، لن تنكر أن الأمر في البداية كان أهون لإعتقادها وجود مصطفى بجانبها دائمًا ولكنها كانت حمقاء لا تدري بما يتمنى.. لقد تخلى عن حلمه من أجل الحفاظ عليها، وهي بكل بساطة كانت غافلة عن مشاعره المكتومة تجاه امرأة قد حُرم عليه الزواج منها بسبب اقامتها معه.
زفرت بتعب وهي تبعد الغطاء عنها تتجه صوب النافذة تفتحها على مصراعيها، تواجه من خلالها أشعة الشمس المشرقة عكس الظلام المحاط بروحها، تسمح لبعض ذرات الهواء العليل بالتسرب لصدرها الذي يعاني من تكدس مشاعرها حتى أنها للحظات كانت تشعر باختناق حاد وكأن جدران صدرها تنقبض على نفسها أكثر.. ولكن لوهلة أحست براحة بسيطة وهي تقابل ذلك الهدوء والراحة النفسية التي باتت يصعب الحصول عليها مؤخرًا وتحديدًا في ظل اصطدامها بعقبات أهلكتها وبددت من قوتها.
-بتفكري في إيه دا كله يا ست مليكة؟
استدارت بذعر وهمسة خرجت منها تتأرجح ما بين الهدوء والارتباك:
-بابا..
بترتها بخجل حين رأته يقف على أعتاب باب غرفتها يحمل اطباق الطعام:
-اه بابا يا ستي، يلا بينا علشان تفطري.
تحركت خلفه وهي تحاول التمسك بقناع الهدوء كي لا تشعره بشيء، هي حتى الآن لم تحدد ما ستفعله إن قررت الرحيل هل ستواجه أم ترحل في صمت دون إيذاء مشاعره لطالما كان لطيفًا ودودًا معها، يغدقها بأفضاله ونبع حنانه لا ينقطع بل يفيض بغزاره وكأنها ذات الطفلة اليتيمة التي تعلقت به فجأة بعد أن تذوقت قليل من الاهتمام منه، لذا حاولت الالتزام بالهدوء حتى لا تحزنه، فهو لا يستحق منها سوى التقدير والاحترام.
جلست فوق مقعدها بالجهة المقابلة له على طاولة الطعام الصغيرة وبدأت في تناول طعامها بهدوء أثار انتباهه وتحفظه، فانتظر دقائق يرمقها بتفكير يحاول فهم ما يدور بداخلها ولكنه فشل فهتف بتساؤل:
-مالك يا حبيبتي مبتاكليش ليه؟
مضغت الطعام في هدوء وهتفت بصوت لازمه بحة مجهدة:
-باكل اهو.
-انتي زعلانة مني في حاجة؟
توقف الطعام في حلقها ورفعت عينيها ببطء مدروس تراقب انفعالاته في تروٍ قبل أن تجيبه وحين وجدت نفس ذات القلق الملازم له حين تتغير في معاملتها، هدأت وأجابت في رقة:
-لا طبعًا مش زعلانة منك.
ابتسم نصف ابتسامة لم تصل لعينيه، وهتف مؤكدًا وهو يهز رأسه:
-بالعكس يبقى أنا كدا اتأكدت انك زعلانة!
عقدت ما بين حاجبيها بعدم فهم، فهي لم تبدي أي رد فعل يثير انتباهه، ولكنها لا تدرك أنه أصبح يعرفها كما يعرف أصابع يده.
-أنا حقيقي مش زعلانة يا بابا اطمن.
وكعادته التزم السكوت بغير رضا ونظر في طعامه مباشرةً يتظاهر بتناوله، لقد تعب مؤخرًا من محاولة فهم ما يكمن بداخلها، صمتها ذاك يقلقه، يؤرق قلبه المتعلق بها، فبدت في الآونة الأخيرة غريبة بشكل لم يعجبه ولم يستطيع التأقلم معه.
بينما هي تردد أمامها طلب زيدان لخطبتها وكالعادة تواجه صراع شرس بين قلبها المحبز لفكرة الارتباط الرسمي مغردًا بأهازيج الغرام والحب أما عقلها يلوح بحجم مصائبها.
خرجت تنهيدة مثقلة تعبر عن فشلها في حسم ذلك الصراع وخاصةً في ظل التوتر المحاط بها، رفعت عينيها في هدوء تراقب زوج والدتها المتظاهر لتناول طعامه، تحاول تخيل مصيرها معه بعد يوم أو يومان أو شهر..فالأمر بالطبع لن يطول كثيرًا وذلك بعد أن علمت بتعلق قلبه بإمرأة وضعت حدًا لزواجهما بسبب وجودها..فإن قررت التغاضي عما يتمناه ستكون أنانية وهي تكره تلك الصفة...وإن تمسكت بما تميل إليها نفسها وقررت الرحيل حتمًا ستواجه صعاب الله وحده يعلم مدى بشاعتها..
مجددًا يقطع عليها مصطفى التفكير بقوله الحازم:
-في إيه ومتكذبيش.
أنهى حديثه بتحذير لاذع أشعل في بقايا الصمت الملازم لها فقالت باندفاع وكأنها لا تعِ حجم ما تسترسل فيه بكل بساطة:
-في واحد عايز يخطبني.
في البداية لم تشعر بشيء وبعد فترة من الصمت أدركت مدى تهورها، كم تمنت حينها العودة فيما قالته بكل ساذجة مفرطة منها، ولكن لا رجوع فيه بعد أن لاحظت نظرات مصطفى الطالبة بتوضيح أكثر، فلبت طلبه دون أن يخرجه علنًا:
-فاكر الظابط اللي كان في القسم..
لحظات من الصمت القاتل تحاول تفسير ما يفكر به ولكنها فشلت فاكملت بنبرة ثابتة أخفت فيها لمحة الارتباك الملازم لها مؤخرًا:
-اعجب بيا وعايز يجي يتقدم.
احمر وجهها خجلاً وهي تخبره بذلك الأمر، تحاول تذكر ما أخبرها به زيدان ان قررت اخبار زوج والدتها بطلبه لخطبتها.
-وهو شافك فين؟
جذبت نفس عميق وهي تسترجع كلمات زيدان المرتبة تستعيد بها بعض الثقة كي تستطيع استكمال أولى خطواتها في قرار الرحيل ولكن بكل تهذيب ودون إيذاء مشاعر زوج والدتها الغالي الذي سيظل هو أبيها وصاحب الفضل في كل ما وصلت إليه.
***
بعد مرور عدة ساعات..
وصل زيدان أمام البناية التي تسكن بها عمته، صعد للطابق المنشود ومن ثم قرر مواجهة نهى مباشرةً لإنهاء خطبتهما المزيفة تلك، فلم يعد يطيق صبرًا لاستكمال أمر كان خاطئًا منذ البداية..لذا قرر اخبارها باتفاقه مع عمته وحجته في الموافقة على مثل هذا الشيء وتفسير سبب معاملته لها.
لا شك أن الشفقة لعبت دور هام في تأجيله لمثل هذه الخطوة، وذلك لعدم تحسن حالتها النفسية، فلا تزال تتعلق به ولا تدرك سبب معاملته الجافة بل كانت تزداد في إعطائه المبررات، والاعتذارات دومًا كانت من نصيبها رغم أنها لم تخطأ في حقه، ولكن نظرة الضعف الممزوجة بالألم التي كانت تلقيها نحوه كانت كفيلة بتوضيح ما تمر به من تقلبات نفسية حادة.
زفر بهدوء محاولاً ضبط انفعالاته فاليوم سينهي تلك المهزلة، لا مجال للاستمرار وخاصة هو على مشارف حياة جديدة يسعى بأن تكون واضحة دون شوائب أو أسرار قد تكشف وتهدم حجر الثقة بينهما.
قبل أن يدق الجرس وصله رسالة قصيرة من مليكة تخبره فيها
" بابا مصطفى وافق يقابلك يوم الجمعة".
تحولت ملامحه من العبوس للسعادة واتسعت ابتسامته بحبور فبدا وكأنه تلقى جرعة حماس زائدة بثت فيه الروح بعد أن كان جسده خاملاً يفتقد لشغف، تشجع حينها بحماس أكبر وأحس بضرورة إنهاء لعبة بُنيت على الكذب ولكن حينها كان غرضه نبيل من أجل انقاذ نهى وما يفعله حاليًا من ضرورة أخبارها بحقيقة مشاعره تجاهها وأنها لم تتعدا كونها أخته فقط يعود لمصلحتها وستدرك هي أهمية موقفه فيما بعد.
وضع الهاتف بجيبه ودق الجرس مستعيدًا بعض من لمحات الجمود..بعد ثواني فتحت الخادمة ويبدو أنها لم تندهش لوجوده بل كانت كمن ينتظر مجيئه، فرمقها بهدوء سائلاً بصوت أجش:
-نهى موجودة؟
لم ترحب به ككل مرة، بل كانت تتعامل برسمية بحتة في إخباره بشيء أصابه بالصدمة والغضب في آن واحد:
-لا سافرت.
-نعم؟!
كرر خلفها في استهجان ثم استكمل حديثه:
-سافرت فين؟ وازاي معرفش؟
كانت الإجابة على اسئلته من نصيب ميرفت التي تقدمت للباب بخطوات متمهلة ترسم ابتسامة ساخرة فوق محياها الصلب:
-يا حبة عين امها اتخنقت من معاملتك ليها وسافرت تغير جو.
أسبل زيدان اهدابه لحظات ثم رفع عينيه الغائمة بدخان الغضب والكره يقول:
-سافرت فين؟
-لأبوها.
قالتها بسخرية صاحبها ضحكة صغيرة ثم واصلت حديثها المتهكم تلقي اللوم فوق عاتقه:
-لو كنت بترد على اتصالاتها كنت عرفت، بس انت راميها ولا كأنها خطيبتك.
اخشن صوته بغيظ بالغ:
-لسه مُصرة انها خطيبتي بردو! يعني مكنتش خطة منك.
شهقت بتهكم واضح وهي تشير نحوها:
-وانت يا حبة عيني مكنتش طرف فيها بردو.
صاح بهجوم سافر:
-الزمي حدودك معايا.
حركت يدها في عتاب مصطنع وهي تسأله:
-هو أنا كنت اتعديت حدودي، دا انا حتى عمة طيبة اوي، وسايبلكوا مال أخويا تبعزقوا فيه يمين وشمال من غير ما اتكلم، الله يرحمك يا اخويا مكنتش هترضالي ابدًا بالمعاملة دي.
حدج بها زيدان في كره به لمحة من الشر:
-الله يرحمه كان مخدوع فيكي، وعشان صلة الدم اللي بينا أنا مش راضي اوريكي وشي تاني.
-لا ما هو البركة في سليم اخوك عمل الواجب وبزيادة.
قالتها بحقد فابتسم بالمقابل بتشفي بات واضحًا فوق ملامحه:
-طول عمره بيفهم، هو سليم باشا من شوية.
فقدت قناع الهدوء بعد أن فاض الحقد من عدستيها فصاحت:
-لما هو بيفهم اوي كدا، ايه اللي مخليك توقف على بابي يا عنيا.
-نهى..
إجابة قصيرة قالها ثم أطرق للحظات يشملها في كره تبادل بينهما بوضوح ومن بعدها استكمل بصدق:
-هي اللي منعاني عن حاجات كتير، واعملي في حسابك اول ما ترجع أنا هعرفها كل حاجة.
استدار بعدها مغادرًا فصرخت بعصبية مفرطة:
-لما تبقى ترجع.
كانت الخادمة تتابع حديثهما في صمت تام، تشعر بقلة حيلة في إنهاء محادثتهما النارية، وحين قرر المغادرة حمدت الله كثيرًا أنها انتهت دون أن يتطرق زيدان لأمورٍ قد تسبب الألم لنهى يكفي ما تمر به من فقدان للثقة وعدم الشعور بالأمان..أغلقت الباب وهي تدعي الله أن ينتهي الأمر على ذلك النحو ولكن ميرفت كان لها رأي آخر حين تحركت نحو غرفة نهى تصيح بغضب عارم:
-والله يا بنت ال*** ان فكرتي تكلميه ولا تقابليه انتي حرة سيبيه متعلق كدا واحرقي دمه.
لم تعقب نهى بل كانت تكنس رأسها للأسفل بخزي من نفسها بعدما لم تستطع مواجهته، حاولت..لن تكذب حاولت كثيرًا ولكنها فشلت حتى اتصالاته كانت ترفضها، فكانت تساعد ذاتها على نسيانه إخراج صورته من عقلها، دفن نبرة صوته في قاع النسيان..ظلت تلك الأيام تجاهد كمن يحاول عبور صحراء قاحلة وسط عاصفة رملية..فكرة مواجهته كانت صعبة بل كانت مستحيلة وهي بذلك الضعف، لا تريد نظرة شفقة أخرى تهوي بسببها للجحيم، تتمنى أن تكتسب لو بعض من القوة تستطيع من خلالها مواجهته دون أن تبكي، أو تصمت على احاديثه الجافة الملامة لشخصها وما تعانيه من ضعف.
اغتاظت ميرفت من صمتها الطويل فاقتربت منها تصرخ بجنون:
-لو فكرتي تعملي كدا، مفيش سفر لأبوكي فاهمة ولا لا، لازم تنفذي كلامي.
ابتلعت تهديد والدتها ولم تعقب وهذا ما أثار جنونها أكثر فالتفتت للخادمة:
-قوليلها وعقليها عشان مضربهاش قلم يفوقها.
هزت الخادمة رأسها في إيجاب وما إن خرجت حتى اتجهت صوب نهى الجالسة فوق طرف الفراش تسألها في رفق:
-ليه مخرجتيش يا ست نهى تقابليه؟
همست في ارتجاف صاحبه بكاء عبر عن كم الألم النفسي الذي تعانيه:
-مقدرتش..مش هقدر اشوفه وأنا كدا..
أطرقت للحظات ثم رفعت رأسها تطالع الخادمة:
-نفسي لما اشوفه أنا اللي اوجعه هو ميوجعنيش، اكون في اللحظة دي ميهمنيش..ميفرقش معايا.
هبطت الخادمة لمستواها تربت فوق ظهرها بحنو:
-وانتي لسه يفرق معاكي؟ مش قولتلك تفكري في نفسك وبس.
حركت نهى رأسها بإيجاب وهمست بشرود:
-عشان نفسي تستحق يبقى اخد الوقت الكافي اللي يخليني اقدر اواجه.
تفهمت الخادمة موقفها وقبل أن تهتف بقول تهدأ به نهى الباكية استمعت لصياح ميرفت فغادرت الغرفة سريعًا وتركت نهى تنظر في اثرها تخرج ما في جبعتها في همس متقطع:
-خليه يدوق من اللي بيعمله فيا.
رغم أنه تعددت أسبابها لعدم مقابلته، إلا أن هناك سبب خفي لم تصرح به علنًا تمثل برغبتها في الثأر لنفسها على كل لحظة قابلت منه شعور سلبي أو تعليق جاف كسر قلبها وشغفها، فأنارت شعلة الانتقام وسط مشاعرها المتخبطة، واردات تركه معلقًا ينتظر عودتها بينما هي في المقابل ستحاول اكتساب بعض من الوقت كي تستطيع مواجهته دون أن تظهر ضعفها ولن يحدث ذلك إلا اذا بحثت عن قوتها المسربة منها ولملمت شتات نفسها المبعثرة.
***
-يعني إيه هتيجي؟
قالها "سمير" في ضيق حاد وهو يقترب من والده بينما لكزه الأخر في يده بغيظ:
-وطي صوتك يا غبي، خالد هيسمع.
انفجر الغيظ من سمير وهو يقول:
-ما هو لازم يعرف اصلا هي مش تيجي هنا يعني.
ضيق ابراهيم عينيه يهتف بنفاذ صبر:
-تيجي مفاجأة أحسن ما نقوله من دلوقتي ويكرشنا برة قبل ما تيجي، ابن اختي شهم ومش هيستحمل تيجي ونمشي بيها.
شدد سمير فوق خصلات شعره في جنون ضاغطًا فوق أسنانه:
-أنا معرفش ازاي لغاية دلوقتي وافقت على الجنان دا؟
-كان لازم اوافق، امك شكت من رفضي، مش بعيد تكون باعتها تنقلها اخبارنا.
أجابته كانت هادئة نابعة من تفكير طال لأيام لم تنتظر في ميرفت موافقته اساسًا وتحركت من نفسها تنهي الاجراءات فأدرك أن سفر نهى بمثابة محاولة للاطمئنان على حالهما، انتبه ابراهيم على صوت ابنه المرتبك من رد فعل والدته ان علمت بخسارتهما للمال:
-دي لو عرفت، ممكن تقطع عننا الفلوس اللي بتبعتها كل شهر.
-محدش هيعرفها حاجة ونهى أنا مالي ايدي منها هي بت خايبة بكلمتين تهديد مش هتنطق اصلاً، المشكلة؟
صمت للحظات يفكر بجدية ومن بعدها صدح سؤاله بقلق:
-خالد هيفضل مستحمل لغاية امتى؟
-انت بس ثبته بالكلام وأنا من ناحية تانية اظبط الشيخ يمكن يجبلنا شقة ولا حاجة.
كاد ابراهيم يواصل حديثه ولكنه انقطع فجأة بسبب دخول خالد المفاجئ وهو يقول بتهكم:
-ايه اتخضيتوا ولا اكون دخلت من غير استئذان.
ابتسم ابراهيم بحبور استفز انتباه خالد:
-لا يا حبيبي اتفضل براحتك خالص، دا حتى بيتك.
جذب خالد قطع ثيابه من الدولاب ثم اتجه صوب الباب يقول بنبرة ساخرة:
-كويس يا خالي انك عارف، أصل أنا مستغرب سايبلك الشقة كلها تعمل اللي نفسك فيها وبردو طمعان في اوضتي.
ابتسم سمير بسماجة مردفًا باندفاع:
-التكيف اللي فيها حلو، وزي ما تقول بنرتاح فيها أكتر.
رفع خالد جانب شفتيه في اشمئزاز ثم قال:
-طيب على الاقل يكون في زوق وتسيبوها فاضية وأنا موجود.
نهض ابراهيم متظاهرًا بالحرج:
-اه طبعاً يا حبيبي يلا يا سمير.
أشار خالد لهما بلامبالاة وهو يغادر الغرفة:
-خليكم أنا خلصت.
غادر وتركهما ينظران في اثره عقب سمير بثقة:
-لازم اظبط الشيخ في اقرب وقت، خالد مش هيستحمل كتير.
أومأ والده بتفكير، لقد مالت الأمور منه لنحو صعب وتفككت خيوط خطته، شاعرًا بتهديد أمنهما وخاصةً مع مجيء نهى ورغم أنه يعلم مدى ضعفها وثقته التامة في التحكم بها إلا أنه يقلق من رد فعل خالد هل سيقبل أم سيطلب مغادرته؟ كل ما يملكه من التفكير أنه سيلعب على عاطفة خالد وصلة الدم.
***
مساءًا..
وضعت منال اطباق الكيك فوق الطاولة وهي تقول في حزن طفيف:
-مكنش سليم وأنس وشمس يبقوا معانا.
القى يزن قبلة نحوها مشيرًا نحوه نفسه:
-كفاية وجودي يا ست الكل ولا أنا مش مكفي، دا أنا سيبت معاد مهم عشان خاطرك يا قمر.
ضحكت منال بخفة وربتت فوق ظهره تمتم بأدعيه تحفظه ثم عادت تقول:
-اتصل كدا على سليم نطمن عليه؟
-بعتله رسالة لو صاحي يكلمنا.
أومات في صمت ثم رفعت عينيها نحو التلفاز تتابع مشاهدة فيلم اختاره يزن، الذي قرر مشاركتها أبسط امورها بعد ان تذمرت في لحظة عليه واخبرته بإهمالهما المتعمد لها، ولكنه اقسم أنه من كثرة ضغط الشغل ووعدها بقضاء امسية معها.
دخل زيدان للصالة يجر قدميه جرًا بعد يوم طويل بالعمل حافل بالأخبار المفاجئة بداية من موافقة مليكة واتخاذ علاقتهما منحنى رسمي وسفر نهى المفاجئ وتجاهلها له الذي أثار الريبة بداخله ولكنه اختار التجاهل هو الأخر كحل مؤقت ليس إلا..مجرد أيام وستعود وحينها سينهي معها كل شيء وحتمًا ستتفهم موقفه، ورغم أنه لا يعطي اهتمام لأحد من قبل إلا أن نهى تستحق لطالما كانت لطيفة محبة ساندته أثناء وفاة والده حيث كان يعاني حينها من ويلات الفقدان والألم.
-ما هو لو داخل على ميتين هيرحب بيهم أكتر من كدا
توقف زيدان على كلمات يزن الساخرة المتابع للتلفاز، فيبدو انه تبادل الحديث مع والدته، لذلك اقترب منه وضرب فوق مؤخرة رأسه برفق:
-ازيك يا يزن يا حبيبي؟
ابعد يزن يده في غضب زائف:
-ايدك لاقطعهالك.
جلس زيدان بالقرب منه وهو يصطنع الخوف:
-الحقوني خوفت.
رفع يزن شفتيه في اشمئزاز ممزوج بالغيظ منه والأخر قابله بابتسامة عريضة وهو يلتقط طبق الكيك من والدته:
-تسلم ايدك يا أمي.
-بالهنا يا روحي، كُل كويس شكلك خاسس اوي.
ردت منال في اعتيادية كأي أم تلاحظ تغير بسيط على ابنها فرجحته من قلة تناوله للطعام، ولكن قول زيدان الهادئ أصابهما بالدهشة:
-ايوا لازم اتغذى فعلاً، داخل على موضوع مهم.
هتف يزن بضحك ساخر:
-ليه داخل الأولمبياد.
-لا أنا ناوي اخطب.
تسربت الابتسامة لوجه منال المندهش بعد ادراكها لحديث زيدان بعد فترة ومن بعدها صاحت بسعادة:
-بجد يا حبيبي الف مبروك..الف مليون مبروك، مين هي؟
همس يزن قاصدًا إغاظته:
-اقول مين؟
حذره زيدان بعينيه ومن بعدها التفت لوالدته يخبرها ببعض المعلومات البسيطة عن مليكة وتابع حديثه الهادئ في ظل ابتسامة والدته المتسعة:
-وان شاء الله هنروح يوم الجمعة نخطبها.
تلاشت ابتسامة والدته وهي تقول باستفهام:
-نروح فين؟
التفت يزن لها يكرر حديث زيدان:
-نخطبها يا ماما.
-سليم لازم يعرف..دا لازم يكون موجود، اخوك الكبير مينفعش نتعدى وجوده كدا.
أجابت والدته بإصرار لا يحتمل النقاش، فجادل زيدان بعدم اقتناع:
-هو كان موجود عشان اتعدى اصلاً، دي مجرد خطوبة.
نهضت منال وهي تقول بحزم:
-كل حاجة تتأجل لغاية ما اخوك يرجع بالسلامة يا زيدان.
يتبع الفصل الثالث عشر اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية منك وإليك اهتديت" اضغط على اسم الرواية