رواية حجر ينبض الفصل الثالث عشر 13 بقلم فريحة خالد
رواية حجر ينبض الفصل الثالث عشر 13
وَصلت عند باب الغُرفة رقم متين وِ تسعة ، كُنت مُتردّدة أفتحها ، دُموعي نزلت علىٰ خدّي وِ أنا بحط ايدي علىٰ مقبض الباب استعدادًا إني أفتحه ، أخدت نفس عميق مِش قادرة أصدّق إني هَـواجهُه دلوقتي!!
مش قادرة أصدّق إني هدخل الأوضة لِـ أول مرة وِ أنا مش متعاطفة معاه بل بالعكس أنا في أشد حالات الشّماتة فيه!!
وِ أخيرًا..
فتحت الباب وِ دخلت ، ضربات قلبه بِـتزيد زي كُل مرّة في وُجودِي ، بصّيت عليه من بعيد وِ أنا جسمي بيرتعش من اللي ناوية أعمله وِ دُموعي متمرّدة عليّا وِ مستمرّة في النّزول ، خرّجت حُقنة السّم من جيبي بِـهدوء وِ بدأت أقرّب منّه ، كان نايم وِ مُستسلِـم تمامًا لِـوهلة تعاطفت معاه وِ في ثانيتها عنّفت نفسي وِ فكّرتها بإنه ما يستحقّش مني شفقة أو عطف..
شيلت الغطا من علىٰ الإبرة ، وِ رفعتها باستعداد علشان أغرزها فيه ، حاولت.. حاولت مرّة وِ اتنين وِ تلاتة.. كُل مرّة ايدي بِـتتشل وِ بِـتُقف في نُص الطّريق!!
مش قادرة ، مش قادرة أغلب نفسي وِ أغرز سن الإبرة فيه ، ما أخدتش بالي إن صُوت عِياطي بقى عالي ، وِ إنّي بقيت بتشنهف بقوّة واحساس العجز مسيطر عليّا ببشاعة.
ليه.. ليه أنا مش قادرة أبقى حجر زيه وِ أقتله بالبطيء زي ما قتل أمي وأختي؟!!
ليه مش قادرة أسيطر علىٰ قلبي وِ مشاعري وِ أدمره بجبروت زي ما دمّرنا؟!!
فتّح عينه فجأة ، وِ عيوني جت في عُيونه ، ما اتكلّمتش بس عيوني اللي كانت مليانة دموع وِ كلها غِل وِ حُزن وِ تعب وصّلتله اللي حاسّه بيه واللي عايزة أقوله ، اتكلّم بِـضعف وِ هوّ بيقول :
- سامحيني يا نَدىٰ ، سامحيني يا بنتي ، سامحيني.. أنا.. أنا ما أستحقّش دُموعك دي..
ما تعيّطيش ، صدّقيني أنا ما أستاهلش إن دموعك تنزل بسببي واللّهِ!
رميت الحُقنة من ايدي بعصبيّة وِ اتكلّمت باندفاع و هيستيريا ومازلت بعيّط :
- إنتَ ما تستحقّش دموعي فعلًا ، ولا تستحق الشفقة وِ الرّحمة ، ولا تستحق إنّك تصعب عليّا وِلو لِـ ثواني!!
عارف..؟! إنتَ ما تستحقّش حتّىٰ النّفس اللي بتتنفسه ده! إنتَ ما تستحقّش غير اللي الشيخ نُوح قالّي عليه..
تستحق نار تولع فيك ، تفحّم جلدك ، وتاكل لحمك ، تستحق السّم اللي كُنت هغرزه في دمّك يعذّب روحك ، يدمّر كل خليّة في جِسمك بالبطيء ، تستحق كل حاجة بشعة في الدنيا ، تستحق تموت بأسوأ طريقة ، صدّقني إنتَ تستحق أكتر من غيبوبة تسرق شبابك وعمرك!!
نزلت دموعه وكان عاجِز إنه يرد ، أنا كنت في أشد مراحل انهياري ، مرّيت النهاردة بِـأصعب أيام حياتي ، سندت نفسي علىٰ الحيطة اللي جنب السرير ونزلت علىٰ الأرض بضعف ، اتكلّمت بنفس مقطوع وِ روح متحطّمة وأنا بقول :
- تعرف حاولت أكتر من أربع مرات أغرز السم في جسمك وماعرفتش ، واللّهِ ماعرفتش أو بمعني أصّح ما قدرتش ، عارف ليه؟!
مش علشان إنتَ للأسف أبويا و قلبي ماطوعنيش أعمل فيك حاجة ، ومش علشان خايفة علىٰ نفسي يحصلي حاجة لإن مكنش حد هيقدر يمسك عليّا أي شيء..
بس علشان أخويا ربّاني على الرحمة!! علشان أخويا زرع جُوه قلبي اللين والحنيّة ، علشان للأسف الشديد يا صَـالِـح يا دروِيش أنا ماقدرش أكون نُسخة تانية منّك وِ أكون قاسية ماعنديش قلب وِ اللي بينبض جوه جسمي مُجرّد حجر منزوع منه الإنسانية والرحمة!!
حاوطت وشّي بِـكُفوف إيدي ، وِ سمحت لنفسي أنفجر من العياط ، سمعت صُوته بعد مُدّة بيقول بتقطّع وِ كإنّه بيعيّط هوّ كمان :
- أنا آسف ، أنا ماكنتش في وعيي ، ما.. ماكنتش عارف أنا بعمل إيه ، أنا واللّهِ ما كنت في وعيي ، واللّهِ يا نَدىٰ ما أنا اللي عملت كده.. مِش أنا لأ ، ده.. ده كان شيطاني!
شيطاني خلّاني أعمىٰ وِ أصم!! مش شايف ومش سامع ومش واعي لأي حاجة!
إنتِ ليه مش مصدّقاني ، أنا كمان اتعذّبت واللّهِ يا بنتي ، ومش عايز حاجة منك غير إنك تسامحيني بس!
رفعت عيوني ليه ، قمت من مكاني وِ اتحرّكت بطاقة تكاد تكون معدومة وِ قعدت قُصاده على الكُرسي وِ أنا بقول :
- أسامحك؟! ياااه يا آخي!! بتطلب منّي أسامحك على إيه ولا إيه؟!
تفتكر أسامحك علىٰ السّواد اللي أمّي شافته منّك؟
ولا تفتكر أسامحك علىٰ إنك السبب في موتها؟
ولا يا ترىٰ أسامحك علىٰ مُوت أختي؟
ولا أسامحك علىٰ إنّك عجّزت أخويا وهوّ لسه طفل؟
ولا أسامحك علىٰ الأذىٰ النفسي اللي أذيته لأمي وأخواتي؟
وِ خُصوصًا رحيم!! متصوّر إنتَ عملت إيه في طفل عمره معدّاش التمن سنين؟!
خلّيته يدفن أمه وِ أخته وِ يصرف علىٰ نفسه وِ أخته التّانية بعد ما عجّزته!!
إنتَ متصوّر مدىٰ بشاعة تصرّفاتك ولا لأ؟!!! إنتَ شوّهته حرفيًّا.. شوّهته نفسيًّا وِ جسديًّا ، خليت عنده أزمة ثِقة بيعيش رُعب وِ صراعات جُواه بيحاول يقنع نفسه إن مش كُل البشر صَـالِـح دروِيش!!
قُولّي إنتَ بقىٰ أسامحك على إيه ولا إيه؟!!
بعد كُل اللي عملته ده شايف إني المفروض أسامحك؟!
كان ساكِت ، شفايفه بترتعش من كتر البُكا ، ماصعبش عليا ولا اهتّز جفني ليه حتّىٰ ، بالعكس أنا حاقدة عليه ، ليه ربنا يعاقبه بغيبوبة بس!! حتى لو كانت عشرين سنة وسرقت منه شبابه وعمره كله ، هوّ يستاهل أسوأ من كده!!
كمّلت كلام بس المرّادي كنت بتكلّم بسُخريّة شديدة :
- تصوّر افتكرت موقف ضحكني.
ضحكت بسخريّة وأنا بضرب كف على كف وبكمّل بنفس أسلوبي السّاخِر :
- لمّا عرفت إنّك في غيبوبة من عشرين سنة صعبت عليّا ، آه واللّهِ تصوّر!! كُنت صعبان عليّا ومش بس كده كنت زعلانة وبقول زمان الحُزن واكِل قلوب أهله!! لإنه مُختفي عنهم من عشرين سنة وفي حُكم الميّت.
ويا حرام لمّا الدكتور اللي جابك هنا من عشرين سنة قال إنه لقىٰ معاك سلسلة فضّة عليها اسم نُـور ، ما تتصوّرش بقىٰ لمعة عيني وِ أنا بقول يا بخت نُور لو بنتك بأب يحبّها زيّك ، وِ يا بختها أكتر لو مراتك بِـزُوج يعاملها بِـلُطف!!
تصدّق إني أصرّيت أتابع حالتك مخصوص ؛ علشان كان صعبان عليّا أهلك وإن حياتهم من غير سند صعبة!
سكت شويّة ، اتأمّلت فيهم ملامح وِشّه الحزينة وأخدت نفس عميق وِ أنا بكمّل بدموع وحزن غصب عني وبقول :
مش قادرة أوصفلك خيبة أملي دلوقتي قد إيه ، وِ أنا مُدركة إن نُور اللي كنت بقول يا بختها دي بنتك اللي إنتَ السبب في موتها.
وِ مراتك اللي كُنت بقول يا بختها بزوج يعاملها بِـلُطف ، موتّها بدل المرة مليون بعاملتك القاسية اللي منزوع منها الرحمة ، من أول يوم اتجوّزتك فيه لحد ما ماتت بسببك فعلا!!
وِ أهلك اللي كنت بقول يا حرام زمان الحزن مالي قلبهم ، وزمان عيشتهم صعبة من غيرك ، بيتمنّوا لو يفضلوا عايشين من غيرك العُمر كلّه.
إنتَ مش مُدرِك خيبة أملي قد إيه فيك!!
مُتخيّل إنتَ يعني إيه بنت تكتشف إن أبوها إبليس!!
مُتخيّل إني كل ما أشوفك هفتكر أمي وأختي اللي قتلتهم وأخويا اللي عجزته؟!
سكت وِ هوّ كان ساكت ، أنا ببصلّه بِـحُزن وِ كسرة وِ دموع مختلط عليهم مشاعر الكُره وِ الانتقام وِ الحقد عليه ، وِ هوّ بيبصلّي بحزن ودموع وكسرة مماثلة بس مختلط عليه الندم.
مسحت دموعي وِ قمت من مكاني ، أخدت الحقنة اللي كانت واقعة في الأرض رفعتها قُصاد عنيه وِ أنا بقول قبل ما أرميها في الزبالة :
- ده الفرق اللي بين فيروز وبينك!!
بيقولّك العرق دسّاس ، بس الأصل غالب يا صَـالِـح يا دروِيش وِ أنا أصلي طيّب مش زيّك ، أمّي زرعت فينا الطّيب ماقدرش أحصُد في أفعالي غير الطّيب!
أخويا ربّاني على الرحمة ولين القلب ، فَـ ما أقدرش أنزع منه معاني الإنسانيّة اللي ربّاني عليها ويعميني شيطان انتقامي وِ أقتلك بأبشع الطرق حتى لو كنت تستحق كده!
رميت الحُقنة في الزّبالة ، مسحت بكفوفي الاتنين على وشْي كله بحاول أتماسك ، مسكت شنطتي وادّيرت في اتّجاه الباب علشان أخرُج ، اتكلّمت وأنا مدّياله ضهرِي وبقول :
- أنا همسح اليوم ده من حياتي بأستيكة ، إنتَ بالنسبالي صفحة في كتاب حياتي هقطّعها مية حتة وأولّع فيها ، أنا هفضل شيماء منصور البحراوي ، أخت عبد الرحمن منصور البحراوي ، وِ أبويا المُحامي المُحترم منصور البحراوي ، من أوّل ما أخرُج من الباب ده تعتبرني ميّتة ، ندىٰ ماتت مع فيروز وِ نور وِ انت السبب في موتهم.
أنا بالنسبالي ماكنتش عارفاك ولا فاكرة أي حاجة من اللي عرفتها و أتمنى لو الزمن يرجع بيا وأفضل مش عارفاك وما أفتكرش أي حاجة من اللي حصلت!
خلّي في بالك كوّيس إنك ميّت بالنسبالي وِ إنّك من هنا لحد ما ربنا ياخدك فعلا أنا عُمري ما هسامحك.
خرجت من الأوضة في ثواني قبل ما صوت عياطي يطلع ، سمعته وهوّ بيترجّاني أستنّىٰ وما أمشيش ، سمعته وهوّ بينادي عليا أدّيه فُرصة يتكلّم وأسمعه ، تجاهلت كلامه وخرجت وِ أنا مقررة إني هنساه وهنسى كل اللي عرفته تمامًا.
..........
- السلام عليكم ورحمة الله و بركاته.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أيوة يا آنسة سجدة في جديد؟!
- آه كنت عايزة أبلّغ حضرتك إن سُميّة فاقت الحمد لله ، وهيّ موافقة ترفع القضيّة.
- تمام ، أنا هخلّص شُغلي وِ أعدّي علىٰ المُستشفى علشان تمضيلي التوكيل وِ أتناقش معاها في كذه حاجة مُهمّة.
- طيب هبعت لحضرتك عنوان المُستشفىٰ على الرقم ده.
- تمام.
قفلت سجدة مع عبد الرحمن المُكالمة ، وِ بعتت عنوان المُستشفىٰ ليه ، فضلت واقفة مُدة سرحانة مِش قادرة تصدق إنها شافت رحيم بعد السنين دي كلها وبتتكلم معاه كمان ، بس ليه بقى عبد الرحمن مش رحيم ده اللي كان هيجننها.
دخلت الأوضة تاني لِـ أختها قعدت جنبها وهيّ بتمسك إيديها بتشجيع وبتقولها بابتسامة :
- حمد الله على سلامتك يا سُوما ، ربّنا ما يحرمني منّك يا حبيبتي.
ردّت سمية بتعب :
- الله يسلمك يا سجدة ، كُنت خايفة ما أقومش منها تاني.
- بعد الشر عليكِ يا سمية ما تقوليش كده ، انتِ هتصحي وِ هتبقي كويسة وهعمل أنا وِ انتِ المشروع اللي كُنا بنحلم بيه من صُغرنا.. فاكراه؟
- أنا معتش أنفع لأي حاجة يا سجدة ، لا مشاريع ولا أحلام ، معتش أنفع غير للسرير والمرض ، إنتِ مش شيفاني عاملة إزاي!!
- شيفاكِ ، ومتأكّدة زي ما أنا شايفاكِ كده إنك هتبقي كويسة و هترجعي سُمية بتاعة زمان الجميلة الطموحة واللّهِ.
عدّىٰ شويّة وقت ، كان فيهم سجدة ومامتها بيحاولوا يقنعوا سُميّة إنها هترجع زي الأول ، بس سُميّة الوحيدة اللي كانت عارفة إنها عُمرها ما هترجع زي الأول ، حتى لو جروح جسمها اتعافت وبقت كويّسة ، عُمر ما الندّوب والجروب اللي جوّاها ترجع زي الأول ، شيء ما انكسر جوّه سُميّة وِ مش هيتصلّح.
وِ في آخر اليُوم ، خبّط عبد الرحمن على الباب ، قامت سجدة وِ فتحت ، مُجرّد ما شافته قُصادها ضربات قلبها زادت وابتسمت ، رحبّت بيه وِ دخّلته الأوضة وِ هو دخل وِ هوّ ساند على عُكازّه ، كانت هناء قاعدة على الكرسي جنب سرير سمية وضهرها للباب ، اتكلّم عبد الرحمن وقال :
- السلام عليكم.
ادّيرت هناء وكانت بترد السّلام ، أوّل ما شافته قطعت الكلام من النّص ، وِ بقت توزّع نظرها بين سجدة وبينه بصدمة شديدة ، عبد الرحمن كان ضابط تعابير وشه على الجُمود وِ بيتصرّف طبيعي من غير ما يدّي لصدمة هناء أي اهتمام ، بص لِـ سُميّة قُصاده بأسف وهوّ بيقولها :
- حمد الله على سلامتك.
هزّت راسها بابتسامة ضعيفة من غير ما تقدر ترد ، فَـ ردّت سجدة عليه :
- الله يسلمك يا أستاذ عبد الرحمن.
قعد عبد الرحمن على كرسي جنب السرير من الناحية التانية وهو بيقول لِـ سُميّة :
- آنسة سجدة بلّغتني إنك موافقة ترفعي قضية مظبوط؟
هزت راسها فَـ كمل :
- تقدري ترفعي قضيّة طلاق وِ تاخدي نفقة وِ تعويض عن كُل اللي اتعرّضتيله ده ، وِ تقدري ترفعي قضية شُروع في قتل ، انتِ كنتِ علىٰ حافّة المُوت بعد الشر عليكِ ، فَـ لو رفعتي قضية شروع في قتل جانب قضية الطلاق وقضية الاعتداء عليكِ بالضّرب هتاخدي حقّك تالت وِ متلّت منّه وِ هيترمي في السّجن قُلتي إيه؟
وزّعت سمية نظرها بين سجدة اللي بتهزلها راسها إنها توافق ، وأمها اللي مش قادرة تتكلم وبتعيط على حالها وِ قالت بإنهاك وهيّ بتفتكر كل مرة اتأذت فيها من جوزها :
- أنا موافقة.
- تمام يا مدام سُميّة ، حضرتك هتمضيلي التوكيل ده وما تشغليش بالك أنا هرفع القضيّة وهتابع الاجرائات وهبلغ آنسة سجدة بالحاجات المُهمة توصلهالك.
اتكلّم عبد الرحمن مع سمية شويّة وسألها عن جوزها وإزاي عمل فيها كده وِ اكتشف إنه كان بيتعاطى مُخدّرات وإنه كان متعصّب ومش شايف قصاده فآذاها بالبشاعة دي ، وإن دي مش أول مرة تحصل ويضربها.
خلّص عبد الرحمن معاها وِ استأذن علشان يمشي بس وقّفته هناء وهيّ بتقوله بتوتر :
- معلش يا ابني بس أنا بشبّه عليك ، هوّ إنتَ اسمك الكامِل إيه؟!
- عبد الرحمن منصور البحراوي.
قال عبد الرحمن الرد بثبات كإنه عارف هيّ بتفكّر في إيه ، خرج من الأوضة بعد ما هناء وِ سجدة شكرُوه ، بصّت هناء لسجدة وهيّ بتقولها بصدمة :
- أوّل ما شفته فكّرته رحيم ابن فيروز الله يرحمها!!
سبحان الله شبهه بالمللي ، حتّى الشّامة اللي تحت عينه وحتّى رجله اليمين فيها عجز ، لولا إن اسمه عبد الرحمن كنت قلت إنه رحيم!!
ردّت سجدة وقالت :
- هوّ رحيم فعلا يا ماما ، بس أنا مش عارفة هو ليه بقى اسمه عبد الرحمن.
- هوّ رحيم!!! رحيم ابن فيروز!! إزاي.. إزاي ما تقوليش ليا انتِ عبيطة يا بت؟
- فيه إيه يا ماما بتزعقي ليه؟ أقولك إزاي وهو بنفسه قالك إن اسمه عبد الرحمن ، معنى كده إنه مش عايز حد يعرف إن اسمه رحيم!!
لما كنت في المكتب عنده بطلب منه يكون محامي سُميّة ، اتصدمت لما شفته وأول ما سألته إزاي بقى اسمه عبد الرحمن ، اتعصّب وٍ معطانيش فُرصة أتكلّم وِ أكمّل.
خلّينا بس نخلص حوار سُميّة وِ ساعتها نبقى نحاول نكلّمه ، المُهم إنه موجود وبقى وسطنا وعارفين مكانه!
قالت سجدة آخر جُملة بابتسامة ، كإن وجود رحيم بالنسبالها بعد السنين دي كلها حِلم مش مصدقة إنه بيتحقق.
........
بلّيل كُنت نايمة في السّرير بتاعي ، دموعي مانشفتش من على خدّي ، بحاول أكتم صُوت عياطي في المخدّة ، سمعت بابا بيخبّط على الباب بقلق وهوّ بيقول :
- شيما انتِ كويسة يا حبيبتي؟ انتِ من ساعة ما جيتي الصّبح وانتِ في الأوضة!
طب انتِ قافلة الباب بالمُفتاح ليه بس؟!
مردّتش عليه ، ماكنتش قادرة أتكلّم ، طب هرد عليه إزاي وأنا فجأة اكتشفت إنه مش أبويا.. طب هوّ مين؟!
الشخص اللي عاملني بحنيّة وحب طول السنين دي يطلع مين؟!
مشىٰ من قدام الباب ، وبعد شوية سمعت صُوت عبد الرحمن بيتكلم بقلق وخوف قدام باب الأوضة :
- شيماء انتِ قافلة باب الأوضة ليه؟ افتحي طمنيني عليكِ.
ما استحملتش نبرة القلق اللي في صُوته ، حاجات كتير كانت بالنسبالي عادية ، دلوقتي بقت تفسير لحاجات كتيرة..
زي خُوف عبد الرحمن المُبالغ فيه عليّا خُصوصًا لمّا يعرف من بابا إني زعلانة أو فيه حاجة مضايقاني!
دلوقتي بقى تفسير للي حصل زمان ، وإنه بيخاف عليا ليكون هوّ كمان صَـالِـح دروِيش ، وهوّ السبب في زعلي!
فتحت الباب ، كُنت لسّه بلبس الخروج حتّى طرحتي مكنتش قلعتها ، أول ما فتحته وِ شفت عبد الرحمن قُصادِي اترميت في حُضنه بكل قوتي ، وعيطت..
عيطت وأنا بفتكر كل حاجة هوّ مر بيها ، عيّطت وأنا بفتكر هو شال حِمل قد إيه وتعب قد إيه علشان ينفذ وصية ماما وماحسسنيش بأي حاجة..
عيطت وأنا بقوله أنا آسفة وببوس راسه وِ ايده وأنا بعتذرله بقلبي على كُل اللي مر بيه قلبه!
كان مصدوم وِ مخضوض بيبص بقلق وِ رُعب لبابا اللي كان واقف جنبه هو كمان بصدمة ، فضل يطبطب عليّا وِ يهدّيني وهوّ بيقولي :
- اهدي يا شيما ، اهدي يا حبيبتي ماتخوّفنيش ، مالِك بس احكيلي إيه اللي حصل ، برّاحة من غير دموع يا حبيبتي!؟
خرجت من حُضنه وطّيت علىٰ الأرض ناولته عُكّازه اللي رماه من الخضّة أول ما فتحت باب الأوضة وشافني بعيّط ، وبصّيتله بارهاق هوّ وِ بابا وِ قلتلهم :
- أنا آسفة قلقتكم عليّا أنا تعبانة شوية ومرهقة جامد من الشغل ، أنا هدخل أنام شويّة وهقوم كويسة إن شاء الله.
أتكلم عبد الرحمن بشك وهو مازال قلقان وملامح وشّه خايفة :
- مُتأكّدة يا شيما إنك مرهقة من الشغل بس ومفيش حاجة؟!
- أيوة يا حبيبي والله ما تقلقش.
- طب وِ كل العياط ده ليه بس؟
- ده بسبب.. بسبب حالة في الشغل أثّرت على نفسيتي أوي ، بس أول ما أنام شويّة هقوم كويّسة صدّقني.
اتحرّك هوّ وبابا بقلق من قصاد الباب بعد ما أقنعتهم بالعافية إني كويسة ، قفلت باب الأوضة وغيّرت هدومي ، ورحت على السرير ، بصيت للسقف وأنا مخنوقة!
مكنتش قادرة أحضن بابا النهاردة لما كنت بعيط إحساسي إنه غريب عليّا ومبقاش أبويا مضايقني ، حاسة بقيود تمنعني أقرب منه..
وفي نفس الوقت أبويا اللي بجد لو آخر حد في الدنيا عمري ما أبكي في حُضنه!!
مش عارفة إذا كان المفروض أحكي لعبد الرحمن كل حاجة ، ولا أسكت وكإني ماعرفتش حاجة ، وأقفل الصفحة دي من حياتي نهائي..!!
شيء من جوايا بيمنعني أقفلها ، غصب عني فيه صوت بيطلب منّي أرجعله وأسمعله رغم إني كُلّي كارهة لِـ صَـالِـح وحاقدة على وجوده حيّ بعد كل اللي عمله!
عنيا راحت في النوم من كتر التعب والارهاق ، مافتحتش غير على صوت موبايلي وهوّ بيرن بإصرار ردّيت بهدوء :
- أيوة يا عُديّ.
- الحقي يا شيماء ، مُصيبة سُودا.
اتعدلت في ثواني وِ قُلت بقلق :
- فيه إيه ، خير؟!
- عبد الرحمن في أوضة صَـالِـح دروِيش وِ شكله ناوي على مُصيبة.
- إييه!!
يتبع الفصل الرابع عشر 14 اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية حجر ينبض" اضغط على اسم الرواية