رواية جبر السلسبيل الفصل الثامن عشر بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل الفصل الثامن عشر
"بسم الله الرحمن الرحيم، لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم "..
مر اليوم بسلام و عاد "عبد الجبار" يباشر عمله، و للعجب لم يتحدث مع "خضرا" على ما قالته له والدته عن فعلتها بحقه و حق من تعتبرها في مقام والدتها التي حُرمت منها، لم يلمح لها عن الموضوع على الإطلاق، متفهم لأقصى حد مشاعرها و غيرتها العمياء عليه التي دفعتها إلى تلك الحيلة حتى تتأكد أنه لن يكن في يوم لأمراءة غيرها..
و لكن إذا ذاد الشيء عن الحد ينقلب للنقيض على الفور، غيرتها عليه تتصاعد و تجبرها على التفكير في فعل أشياء لم تخطر على بالها بيومٍ خاصةً بعدما قرأت ما يدور بذهن زوجها الذي ينوي تقسيم الأيام بينهما بالعدل..
هذا يعني أنه يريد قضاء الليل بأكمله مع غريمتها داخل غرفة مغلقة عليهما!!!
يا الله لقد جن جنونها من مجرد التخيل فقط، هي لم تنعم بنومٍ أمن إلا داخل ذراعيه، منذ زواجهما و لم تبتعد عنه و لو ليلة واحدة، و إذا تأخر بعمله ذات مرة تظل مستيقظة حتى عودته..
الآن أدركت أن قرار موافقتها على زواج زوجها نبض قلبها هو أسوء بل أبشع قرار أتخذته بحياتها، حتي بعد حديثها مع الطبيب المسؤل عن حالة "سلسبيل" و ثقتها أنها ستظل زوجة علي الورق إلا أنها تشعر بلهفة زوجها عليها رغم براعته في إخفاء مشاعره حفاظًا على شعورها،
فهل سيظل محتويها هكذا و متفهم لغيرتها الزائدة عليه أم سينفذ صبره عليها و ينتصر شوقه لمعشوقته الصغيرة؟!..
........................ لا إله إلا الله......
"سلسبيل"..
كانت تجلس داخل شرفة غرفتها، تتابع بنات زوجها الجالستان أمامها مشغولين بكتابة دروسهما، انبلجت شبه ابتسامة حزينة على ملامحها الجميلة الذابلة عندما لمحت أدوات الرسم بحقيبة أحدهما..
"ممكن أشوف كراسة الرسم و الألوان بتاعتك يا فاطمة".. نطقت بها"سلسبيل " بصوتٍ متحشرج بالبكاء، فأسرعت الصغيرة بالرد عليها و هي تخرج الكراس من حقيبتها برفقة علبة الألوان، و مدت يدها لها بهما مرددة..
"ممكن طبعًا يا خالة.. اتفضلي"..
مدت "سلسبيل" يدها المرتجفه، و أمسكتهما منها و هي تقول..
" ينفع أرسم لك حاجة في الكراسة، و لا المدرسة بتاعتك ممكن تزعل منك"..
"لا اطمني مافيش حد يقدر يزعلني واصل.. المدرسة كلها خابرة زين إني أبوي عبد الجبار المنياوي اللى بيخاف علينا ياما و زعله واعر قوي قوي"..
أردفت بها الفتاة بفخر و اعتزاز بوالدها، جعلت إبتسامة"سلسبيل " تتسع حين ذكرت إسم زوجها الذي يحاوط الجميع بأهتمامه و خوفه عليهم،و كم تمنت لو كان والدها يكن لها السند و الأمان لكنه كان هو من يتسبب دومًا في خذلها و طعن قلبها بسكينٍ بارد..
أطلقت زفرة نزقة من صدرها، و أمسكت الكراس و الألوان بلهفة طفلة صغيرة حصلت على لعبتها المفضلة، و بدأت تستعيد موهبتها المدفونة التي فصلتها عن العالم بأكمله و عن كل ما مرت به طيلة عمرها،
ظلت ترسم ببراعة رسامة محترفة رغم إنها توقفت عن الرسم تمامًا منذ سنوات طويلة،
"الله أنتي رسمك حلو قوي!!"..
قالتها "فاطمة" بانبهار و هي تطلع لرسمة "سلسبيل"..
"يله يا خيتي الوكل چاهز"..
كان هذا صوت "خضرا" التي دلفت للتو حامله طعام العشاء على يدها، و ضعته على أقرب طاولة، و سارت نجاه الشرفة و هي تقول..
"لازم تتغذي زين لأجل ما أعطيكِ دواكي "..
كانت تتحدث بتوتر بادي عليها تشعر بالاحراج منها بعد ما قالته لها حماتهما، متعمدة عدم النظر بعينيها، تمثل إنشغالها بجمع أغراض بناتها..
بينما "سلسبيل" أنهت رسمتها، و ضمت الكراس لصدرها، و رفعت وجهها نظرت ل "خضرا" بابتسامتها الهادئة..
"يا أمه خالة سلسبيل رسمها كيف الحقيقة بالتمام"..
تبادلت ملامح "خضرا" الحنون لأخرى غاضبة، و نظرت تجاه "سلسبيل" بابتسامة مصطنعة مدمدمة..
"امممم.. و يا ترى بترسمي على أية يا خيتي؟"..
قالت جملتها هذه و صوبت نظرها تجاه الكراس المستقر داخل حضن "سلسبيل"، و قد ظنت إنها رسمت زوجها، و بدأت تستعد لعراك شديد معاها لو تأكدت من ظنها بها..
بينما "سلسبيل" تتابع تعابير وجهها التي لا تبشر بالخير أبدًا، و لا تنكر إنها و لأول مرة تشعر بالخوف منها بعدما كانت الإنسانة الوحيدة التى تشعرها بإن مازال بشر بقلوبهم رحمة على ضعفها..
رمقتها "سلسبيل" بنظرة عاتبة، و من ثم أعطت لها الكراس،لتجذبها "خضرا" منها بعنف و تطلعت عليها مسرعة لتجحظ أعينها على أخرها حين رأت صورة مطابقة بالمثل، كأنها تنظر لانعكاس صورتها بالمرآه، لوهلة شعرت بأن دلو من الماء البارد سقط فوق رأسها،
"دي إني!!!".. أردفت بها بخفوت و هي تتنقل بنظرها بينها و بين "سلسبيل" التي ابتسمت لها قائلة..
"قولت أعملك حاجة بسيطة أفرحك بيها يا أبلة خضرا"..
ترقرقت أعين "خضرا" بالعبرات، و سارت نحوها حتى توقفت أمامها مباشرةً، نظرت لها بصمت قليلاً و من ثم تحدثت بأسف قائلة بصوتٍ خفيض..
"مش بيدي.. مش بيدي يا سلسبيل.. مكنتش خابرة إن وچع الغيرة واعر قوي قوي أكدة"..
صمتت لبرهةً تحاول السيطرة على دموعها التي تخونها وتنهمر علي وجنتيها، و تابعت بنبرة راجية..
"أوعكِ تزعلي مني يا خيتي..أنتي غالية عندي يا سلسبيل"..
رفعت قبضة يدها و ضربت على موضع قلبها بعنف مكملة..
" بس مش أغلى من رچلي.. نبض جلبي"..
أسرعت" سلسبيل " بأمساك يدها تمنعها من لكم نفسها مرددة بتأكيد..
"أنا عارفة يا أبلة خضرا.. و عذراكي والله.. و عايزاكي تطمني أنا لو فضلت عايشة و ربنا كتبلي عمر مش هفضل هنا معاكوا و لا هفضل على ذمة عبد الجبار أول ما أعرف مكان أهل أمي همشي من هنا "..
" عبد الچبار عرف مكانهم".. نطقت بها "خضرا" بندفاع بعدما فشلت في إخفاء فرحتها بعد ما قالته لها" سلسبيل " التي كانت تتوقع رد أخر كما تعودت منها، إلا أن نيران الغيرة قد لغت تفكير"خضرا " بأي أحد أخر سوي نفسها..
" عبد الجبار وصل لأهل أمي!!!! "..
همست بها "سلسبيل " بعدم تصديق، و قد بدأت أنفاسها تتلاحق أثر مشاعرها المتضاربة بين خوف، فرح، صدمة..
انتصبت واقفة بوهن، و جسد يرتجف بوضوح و هرولت تجاه خزانتها تبحث عن شيء ترتديه فوق منامتها مرددة بلهفة..
"عايزة اروحلهم يا أبلة خضرا.. ودوني ليهم"..
كانت تتحدث ببكاء يتزايد بشكل أثار الريبة بقلب "خضرا" التي استوعبت أنها أخطأت خطأ فادح حين أبلغتها بمكان عائلتها دون علم زوجها..
لتتدهور حالة "سلسبيل" التي دخلت بنوبة بكاء حادة وصلت لحد الصراخ مرددة من بين شهقاتها المتقطعة..
"عايزة اروحلهم.. عايزة اسألهم لييييييه مسألوش عني كل السنين دي.. لييييييه وافقوا أن بنتهم تتجوز راجل قلبه قاسي بالشكل ده"..
صرخت بانهيار أكبر و هي تلقى جميع الثياب أرضًا، و تحطم كل ما يقع تحت يدها..
"لاااا ده معندوش قلب أصلاً.. و أكيد موت أمي في عز شبابها بقسوته عليها زي ما قتلني ألف مرة و مرة"..
ضربت" خضرا " على صدرها بكلتا يدها، و دب الرعب و الفزع بأوصالها و هي تراها بتلك الحالة، حتي أنها أصبحت غير قادرة على السيطرة عليها نهائياً..
"عايزه اسألهم عملوا في أمي و فيا كده لييييييه..الأهل لازم يختاروا لبنتهم راجل يحميها و يبقي أمانها و سندها من بعدهم.. مش راجل يبهدلها هي و عيالها.. عايزة أعرف سابوا بنتهم على ذمة واحد لحد ما جاب أجلها لييييييه.. و بعد ما بنتهم ماتت سابوني أنا حفيدتهم معاه إزاي و هما أكيد عارفين إن مصيري على إيده هيكون زي بنتهم!!!"..
"يا مري يا مري أهدي يا خيتي لأجل خاطر اللي خلقك .. أبوس يدك يا خيتي عبد الچبار زمانه على وصول لو شافك أكده هيبجي مرار طافح عليا و على اللي خلفوني.. كفياكِ عاد ليچرالك حاچة"..
غمغمت بها" خضرا " و هي تحاول ضمها بشتى الطرق، لكن" سلسبيل" كانت وصلت لمرحلة تهدد بالخطر، و بدأت تصرخ صرخات متتالية بلا توقف مرددة جملة واحدة..
" رموني أنا و أمي لييييييه"..
..................... سبحان الله وبحمده.....
" جابر "..
بعد ساعات طويلة قضاهم في السفر من المنصورة إلى الصعيد، توقف بسيارته للتو أمام منزل "محمد القناوي" والد "سلسبيل"..
ترجل منها خلفه اثنان من أصدقاءه رفضوا تركه يذهب بمفرده..
" متأكدين إن هو ده البيت يا رجاله؟"..
"أيوه متأكدين.. هو يا جابر البيت "..
هرول "جابر" بخطي راكضة نحو باب المنزل، و قام بالطرق عليه بقبضة يده عدة مرات..
"ككخابط يلي بترزع على الباب"..
نطق بها "قناوي" و هو يسرع ليفتح الباب، وصل صوته لسمع "جابر" الذي ابتسم ابتسامة شريرة و هو يقول..
"ده صوت قناوي.. عمري ما نسيته"..
فتح الباب و هم بتوبيخ الطارق إلا أنه تلقى لكمة قوية دون سابق إنظار أسقطته بعنف على الأرض الصلبه، و قبل أن يستوعب ما يحدث معه كان انقض عليه "جابر" و جلس فوقه، و بدأ يكيل له اللكمات مرددًا بغضب عارم..
"سنين و أنا بحلم باللحظة اللي تقع فيها تحت أيدى يا قناوي الكلب"..
حاولوا أصدقاءه أبعاده عنه لكنه كان كالوحش الثائر، صب جم غضبه الذي حمله بقلبه لسنوات عليه حتى انفجرت الدماء من وجهه "قناوي" بأكمله..
"هتموتني يا ولد الفرطوس"..
قالها "قناوي" بصعوبة بالغة بعدما قبض" جابر " على عنقه بقبضته الفولاذية و رفعه قليلاً حتى تقابلت أعينهما..
"أنت مين و عايز مني أيه يا چدع أنت"..
"أنا عملك الأسود اللي جالك عشان يخلص حق سندس، و سلسبيل بنتها من اللي عملته فيهم"..
قالها" جابر " بفحيح مخيف جعل الخوف يزحف لقلب "قناوي" الذي تمعن النظر لملامحه المألوفة له، ليتذكره على الفور، إبن شقيق زوجته المتوفيه الذي كان دائم التصدي له كلما تعارك مع خالته، لكن حينها كان مجرد شاب مراهق لا يملك كل تلك القوة و العضلات..
جف حلقه و هو يحملق فيه مذهولاً مرددًا اسمه بصوتٍ مرتجف..
"جابر!!!"..
بملامح مرعبة حرك "جابر" رأسه له بالايجاب قبل أن يضربه بكل قوته بجبهته كسر له أنفه في الحال صارخًا بوجهه..
"سلسبيل فيييين"..
...................... لا إله إلا الله.....
"عبد الجبار"..
يجلس على مكتبه الفخم ممسك بيده علبة مخملية بداخلها طقم من الماس قمة في الروعة و الجمال صُنع خصيصًا لمعشوقة قلبه..
"الطقم ألماس حر زي ما طلبت يا عبد الجبار بيه"..
قالها الجواهرجي و هو يقدم له علبة أخرى مكملاً..
"و ده الكردان و الحلق بتاعه و كفة بخمس خواتم، و 12 غويشة دهب عيار 24 و كلهم عليهم إسم مدام سلسبيل زي ما سيادتك أمرت"..
أخذها منه "عبد الجبار" و تأمل ما بداخلها يتأكد من وجود إسمها عليهم،
"شغلك عال العال تسلم يدك"..
قالها "عبد الجبار" و هو يغلق العلب، و نظر له مكملاً..
" اتفضل أنت و فوت على الحسابات في طريقك خد حسابك منِهم"..
انصرف الرجل على الفور، فنظر" عبد الجبار" لمساعده الخاص" حسان" الذي لا يفارقه أبدًا..
" أيه الأخبار يا حسان"..
" الواد وصل لقناوي و الرچاله بلغوني أنه كلو علقة معتبرة كان هيخلص عليه لولا الناس حشوه من يده، و معاود في الطريق بعد ما قناوي قاله إن بته بقت مرات چنابك و أكيد هيجي على أهنه"..
يستمع له "عبد الجبار " بهدوء مريب، و تحدث برزانته المعهودة قائلاً..
" حلق عليه بمعرفتك يا حسان.. مش رايده يوصل عندي دلوجيت واصل.. فاهمني زين"..
" فاهمك يا كبير"..
قالها" حسان" و هو يتقدم منه و يعطيه ملف محكم الغلق..
" اتفضل يا كبير.. ده عقد و ورق البيت الچديد اللي طلبت مني أچهزه بأسم الست سلسبيل.. بقي چاهز من مجميعه و مفتاحه أهو!!"..
صدح رنين هاتف" عبد الجبار " قطع حديثهم، فأسرع بالرد حين رأي رقم والدته و قد انقبض قلبه فجأة ..
" خير يا أمه؟؟"..
"ألحق مَرتك سلسبيل يا عبد الچبار من يد خضرا هتموتها يا ولدي"..
قالتها" بخيتة " تزامنًا مع صرخات" سلسبيل " التي وصلت لسمعه كادت أن تجعل قلبه يتوقف من شدة فزعه عليها، انتصب واقفًا في الحال و غادر المكان راكضًا و هو يصرخ بأسم معذبة قلبه..
" سلسبيل "..
انتهي الفصل..
بحبكم في الله يا بنات والله و مش عارفه اشكركم إزاي على تفاعلكم اللي فرحني ربنا يفرح قلوبكم ويسعدكم جميعاً و كونوا واثقين إني بقرأ كل تعليقاتكم وسامحوني لو مش بقدر أرد عليكم كلكم لأن الفون بيهنج مني اقسم بالله، وبسبب تفاعلكم ده انتظروا مني كل يوم حلقة جديدة بمشيئة الرحمن 😍♥️..
يتبع الفصل التالي اضغط هنا
- الفهرس يحتوي على جميع فصول الرواية كاملة :"رواية جبر السلسبيل" اضغط على اسم الرواية