Ads by Google X

رواية جبر السلسبيل الفصل التاسع والعشرون 29 بقلم نسمة مالك

الصفحة الرئيسية

     رواية جبر السلسبيل الفصل  التاسع والعشرون بقلم نسمة مالك

  رواية جبر السلسبيل الفصل  التاسع والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله..

كانت ليلة استثنائية زاخرة بالمشاعر، نسي "عبد الجبار" معاها كل شيء بصورة مؤقتة لينعما معًا بلحظاتٍ من العشق.. عشق فاق كل الحدود حتى وصل حد الجنون..

مرت عليهما ساعات الليل الطويلة كما لو كانت دقائق معدودة، حتى غلبه النعاس و استسلم لنومٍ مجهد، بينما "سلسبيل" استغلت الفرصة و طلبت من العاملين بالمنزل إحضار أدوات خاصة بالرسم فنصاعوا لها في التو و اللحظة، لتتمكن هي من رسم لوحة فريدة لزوجها أثناء نومه،

رسمت ملامحه بدقه و إتقان مُبهر حتى جسدت هيئته كما لو كانت صورة ملتقطة بأحدث الكاميرات الحديثة، و فور انتهاءها أحضرت هاتفها الذي أهداه إليها ، و ظلت تلتقط برفقته الكثير و الكثير من الصور بأوضاع مختلفة و هي داخل حضنه..

و العديد من الفيديوهات القصيرة لهما سويًا كانت تقبله فيها قبلاتٍ رطبة متعمقة على لحيته الكثيفه، سعادة بالغة تعيشها الآن برفقة الرجل الوحيد الذي كان بالنسبة لها مجرد أمنية لم يُخيل لها بيومٍ أنها تتحقق، و تصبح زوجة "عبد الجبار المنياوي"..

نعمها بفيض من الغرام أهاله عليها بكرمٍ و شغف فلم يسعها سوي الاستسلام الكامل له حتى رضاها و عالج جروحات قلبها الغائرة، تحيا مشاعر جديدة كليًا عليها، أعادت قلبها ينبض بالحياة، جعلت روحها تنتعش، اعطتها ثقه بنفسها كانثي و امرأه مرغوبة..

فالمرأة تستطيع أن تفارق الرجل الغني، وتستطيع أن تفارق الرجل الوسيم، ولكنها لا تستطيع أبدًا أن تفارق الرجل الذي طيب خاطرها، الرجل الذي أشعرها بالأمان وأنه لا يستطيع أن يستغني عنها، الرجل الذي كان سندًا لها، و مسح دموعها في لحظات ضعفها، الرجل الذي حماها من تدخلات أهله وأهلها في حياته وحياتها، فالقلوب لا تُشترى بالمال ولا بالقوة ولا بالوسامة، القلوب تُشتري بالمعاملة الطيبة و هو قد نجح بجدارة في شراء و امتلاك قلبها حتى أصبح هواه يجري بداخلها مجري الدماء..

و برغم كل هذا إلا أنها تشعر بخوف يجعل قلبها ينقبض من آنٍ إلى آخر،شيئًا ما تجهله أو ربما تتجاهله يُسبب لها ريبة و قلق من القادم..

وضعت الهاتف من يدها، اخفت رسمتها أسفل وسادتها، تكومت داخل أحضان زوجها الدافئة الذي احتواها بلهفة مهمهًا بأسمها أثناء نومه العميق، رفرف قلبها بشدة حين وصل لسمعها همسه الحار بأسمها..
"حبيبي يا عبد الجبار"..
ناحت بها من شدة تأثرها، ضمته إليها بكل ما أوتيت من قوة و حب، أغلقت عينيها و اندست أكثر بين ضلوعه مستسلمة هي الأخرى لنومٍ آمن تشعر به و هي بين ذراعيه فقط..

.................................. صلِ على الحبيب.....

"جابر"..

ظل برفقة والدته داخل المستشفى لم يتركهما حتى استعادة "صفا" وعيها بعد وقت ليس بقليل ، فقلة غذائها و حالتها النفسية السيئة عرضوها لضعف شديد أدى إلى فقدانه للوعي بالأخير، فور تحسن حالتها سمح لهم الطبيب بالخروج،

كانت تسير بصعوبة مستندة على زوجة والدها التي تعتبرها بمثابة أم لها، لم تنتبه لوجود "جابر" على الإطلاق، بينما هو اقترب منهما فور خرجهما من غرفة الكشف الخاصة بالنساء، و تحدث بهدوء موجهه حديثه لوالدته..
"سبيها.. أنا هشيلها أوديها العربية"..
كان يتحدث دون النظر لتلك التي رفعت وجهها، و من ثم عينيها و رأته لمرتها الأولى، انقطعت أنفاسها لوهلة من هيئته و وسامته الجذابة ، و شهقت بخفوت حين رأته مقبلًا عليها بعدما أعطى لوالدته أغراضه المكونه من هواتفه و مفاتيح سيارته، و هم بوضع يده حول خصرها و الأخرى أسفل ركبتيها إلا أنها ابتعدت عنه سريعًا و هي تقول بخجل ..
"أيه ده يا أستاذ أنت هتعمل أيه!!!!"..

"متخفيش يا صفا..خليه يشيلك ده مش غريب يا حبيبتي.. ده ابني جابر اللي حكيت لك عنه".. نطقت بها "سعاد" وهي تدفعها برفق نحو "جابر" الواقف أمامها بطوله الفارهه حتى اصتدمت بصدره، تراجعت "صفا" للخلف مبتعده عنه على الفور مرددة بخجل ..
" أنا بقيت كويسه يا ماما سعاد الحمد لله وهقدر أمشي لوحدي"..

ختمت حديثها و سارت بخطوات بطيئه و جسد يترنجح بوضوح، ربتت" سعاد" على ظهرها متمتمة بحنو..
" يا بنتي خليه يساعدك أنتي مش قادرة تمشي"..
نظرت لها "صفا " برجاء و حركت رأسها بالنفي أكثر من مرة..

قدر " جابر " حياءها، و سار بجوارهما حتى وصلوا للسياره، فتح لهما الباب فساعدتها والدته على الصعود، و صعدت بجوارهما، أما هو جلس خلف المقود و قاد بهما مرة أخرى للمنزل، كل هذا و هو لم يرى وجهه" صفا" إلى الآن، عقله و قلبه منشغل بصغيرته "سلسبيل" لا و لن يستطيع أن يشغل فكره أحدًا سواها..

بينما "صفا" كانت تسترق النظر له عبر المرآه، ها هو الشاب الذي كانت تحكي لها عنه والدته قصصًا عديدة توصف بها شهامته و رجولته التي ليس لها مثيل من وجهة نظرها و كم تمنت أن تزوجها له و مازالت تتمنى حدوث هذا وتدعو به من صميم قلبها..

أطلقت "سعاد" زفرة نزقه من صدرها و تحدثت بأسف قائله..
"أول مرة تشوفوا بعض فيها توديها المستشفى يا جابر.. كان نفسي تتقابلوا في ظروف أحسن من دي"..

تفهموا مخزي حديثها و ما تقصده، لمحت "صفا" الغضب الذي اعتلي ملامح "جابر" و عينيه التي رمقة والدته بنظره يتطاير منها الشرر، فتحدثت بابتسامة تخفي خلفها حزنها قائلة ..
" إن شاء الله تتعوض في فرح أستاذ جابر.. بس متنسوش تعزموني أنا و بابا عليه"..

كانت تريد أن تصل له رسالة مباشرة أنها لا تفكر فيه مطلقًا، يكفيها ما مرت به و التجربه الصعبة التي عدت عليها و لم تفق منها بعد..

هنا رفع "جابر" عينيه و نظر لها أخيرًا عبر المرآه لتتقابل أعينهما في نظره خاطفه أخبروا بعضهما بها أن قلب كل منهما منشغل بشخص أخر..

رمقتها "سعاد" بنظره عابسة بشدة و هي تقول بعتاب..
"بقي أنتي و أبوكي عايزين عزومه يا صفا و أنتي اللي هتكوني الع!!!"..

"هكلمك على الضهر كده عشان لو هتقدري تيجي معايا عند سلسبيل افوت عليكي في طريقي أنا وجدي"..
هكذا قطع "جابر" حديثها جعلها تصطك على أسنانها بغيظ من أفعاله التي لا تروقها نهائيًا، و تحدثت بغضب قائله..
" أنا مش هعرف أجي معاك و أسيب بنتي و هي تعبانه كده "..

قالتها قبل أن تغادر السيارة برفقة" صفا" بعدما توقف" جابر " أمام منزلهما، أبتسم لها" جابر" ابتسامة مصطنعه و هو يقول بثقه..
"و سلسبيل كمان زي بنتك و كمان قريب أوي هتبقي مرات ابنك يا أم جابر"..

رمقته" سعاد" بنظرة تحدي مدمدمة..
" امممم.. اللي بتقوله ده على جثتي لو حصل يا جابر"..

.......................... لا حول ولا قوة إلا بالله....

كان الوقت فجرًا، لحظات ظلام الليل الأخيرة ظلت "سلسبيل" تقاوم رغبتها في النوم كلما غلبها النعاس حتى تظل مستيقظه تملي عينيها برؤيا زوجها، و تتشبع من النظر إليه و حفر ملامحه بقلبها و وجدانها،

أصابعها الصغيره التي تسير على وجهه تداعب لحيته، و شعره الأسود الغزير قابضت على حفنة منه بين أصابعها و ملء راحتها، افاقته من أحلامه التي كانت هي وحدها بطلتها..

فتح عينيه بتكاسل و رمقها بنظراته المُتيمة، و أنامله تجد طريقها إلى خطوط عنقها المساء، حانت منه إلتفاتة نحوها و غمر وجنتها بقبلاته التى خدرتها و أذابتها كليًا..

كانت هي هائمه به تنظر لعينيه الآسرين و شعره المشعث بفوضويه مثيره جعلته مثالاً للغواية و الفتنة..

سحبها عليه محاوطها بجسده العريض و عضلاته القويه ليكرر من جديد لحظاتٍ من الحميمية معاها و صِلة تحكمها الموّدة العميقة المتبادل بينهما..
"عبد الجبار!!!"..
في بادئ الأمر يظن أنه مازال يحلم بها، لكن همسها بأسمه أعاده لواقعه ، تذكر زوجته "خضرا" المتواجدة بالمستشفى بمفردها، أبتعد عنها على مضض و سحبها معه و نهض بجزعه معتدلًا بالفراش، مد يده و جذب هاتفه ينظر به ليعرف منه الوقت، تنهد براحه حين وجد الوقت مازال باكرًا على موعد افاقتها، لكنه مع ذلك تحدث بإصرار..
"لازم نعاود مصر دلوجيت"..

"ليه عايزنا نرجع بالسرعة دي يا عبد الجبار "..
همست بها بنبرة يملؤها الخوف، ابتلعت لعابها بصعوبة، و تابعت بخجل..
"أنت خطفني يومين بس مينفعش يبقوا أسبوع!!.. أو سبني هنا مع دادة عفاف لو أنت عندك شغل مهم و لما تخلص شغلك أبقى تعالي"..

لثم جبهتها بحب، و تنهد مطوّلًا، ثم قال بأسف..
" مينفعش اهملك اهنه لحالك..مش هبقي مطمن عليكِ، و أنتي ريداني أكون وياكِ وجت ما أهلك يچو صُح؟؟ "..

حركت رأسها له بالايجاب، ليكمل هو بلهفة..
"و عشان أكده أني چيت لاچل ما أخدك و نعاود يا سلسبيل"..

صمت لبرهةً و كاد أن يخبرها بحالة "خضرا" الصحية إلا أنه شعر بجسدها يرتجف، و قد داهمتها رغبة قوية للبكاء و هي تقول بصوتٍ بالكاد يُسمع..
" أنا خايفه و قلبي مقبوض يا عبد الجبار"..

فضل الصمت و عدم أخبارها الآن بما فعلته" خضرا "،و ضمها لصدره بقوة،مسد على ظهرها بكف يده بأقصى ما لديه من لطف و هو يتمتم برفقٍ..
" مش عايزك تخافي من حاچة واصل.. أني افديكِ بروحي و عمري كله يا حبة الجلب"..

رفعت عينيها التي ترقرقت بها العبرات و نظرت له بعينيها نظرتها التي تُذيب قلبه المُتيم بها عشقًا و همست بصوتٍ مرتعش..
"و أبله خضرا.. أنا كنت وعدتها "..
أطبقت جفنيها بعنف لتهبط من عينيها دمعة حارقة و تابعت بحشرجة..
"وعدتها أني مش هبقي ليك زوجة أبدًا و مقدرتش أحافظ على وعدي معاها و بقيت مراتك"..

صاح فجأة بعصبية مفرطة.. "وعد أيه ده اللي بتقولي عليه.. انتي مراتي..مراتي يا سلسبيل على سنة الله ورسوله قولتيها بخاشمك.. يعني لا عملتي حاچة حرام و لا عيب تخجلي منها، و خضرا عارفه أكده زين حتى لو مش قادرة تقبل بيه دلوجيت، هيجي عليها الوجت اللي هتقبله و ترضى و تعرف أنك مراتي كيف ما هي مراتي و اني عمري ما هقصر في حق واحدة منكم"..

هدأته ماسحة على وجهه برفق و هي تقول بابتسامة دافئة ..
"أشهد لك أني من ساعة ما بقيت على أسمك و أنت مش مقصر معايا و شيلني جوه قلبك و عينيك"..
تعلّقت عينيها بعينيه أكثر و هي تقول بتسامحٍ أراحهما معًا..
" و ده كفاية عندي والله يا حبيبي.. مش عايزه حاجة من الدنيا تاني غير اني أفضل في حضنك و تحت حمايتك كده عمري كله يا عبد الجبار "..

انبلجت ابتسامة واسعه على قسماته و تراقص قلبه فرحًا، و قد غمره شعور أكثر من رائع حين رأي عشقها له ظاهر بعينيها، و اعترافها له أنه مصدر قوتها و حمايتها و لن تستطيع الإبتعاد عنه، و كذلك" خضرا " التي كادت أن تقتل نفسها من شدة حبها له، اذدادت ابتسامته اتساع و هو يطمئن نفسه أنها و بكل تأكيد سترضخ و ترضى بوضعهم الحالي لإنها أيضًا لن تستطيع الإبتعاد عنه هي الأخرى ، تملك منه الغرور قليلاً جعله يظن أنه سلطان على عرش قلب امراتان ضمن وجودهما في حياته..


يتبع الفصل التالي اضغط هنا
google-playkhamsatmostaqltradent