رواية سمال الحب الفصل الواحد والعشرون 21 بقلم مريم محمد
رواية سمال الحب الفصل الواحد والعشرون 21
_ و لكنّي أحببتك ! _ "٢"كان إقناعه ضربًا من المستحيل، لكنها حقّقت المستحيل، استطاعت ان تثنيه عن تزمته و عناده، أخذته بصعوبة و طواعيةً في نفس الوقت و أخرجته من الغرفة حيث يرقد أبيه
خرجا معًا إلى مدخل البيت و قد كان أكثر اكتظاظًا و هرجًا الآن، العائلة بأجمعها نسائها و رجالها، كلٌ يبكي في أحضان زوجه، و "النشار" يتماسك قدر استطاعته حتى لا يبكي
أما "مصطفى" الذي تلبّسته حالة من الجنون التام، كان يتقافز هنا و هناك و يكسر المدخل على رؤوس الجميع و هو يصرخ فيهم :
-بتعيطوا على مين يا ولاد الـ×××. بتعيطوا على ميـــــــــــــن. ماسمعش صوووووت. إللي هاسمعه بيعيط هاقتله. هاقتلــــه ....
إنطلقت فجأة صرخة "هانم" التي جلست تنوح فوق الدرج :
-خلاااااااااااااااااص. خلااااااص يا مصطفــــى. كفـــايــــة بــقــــــــى حراااام عليك ...
سقط "مصطفى" على ركبتيه أمامها صارخًا :
-مامتش يامّا. بقولك مامتش. مامتش ! .. و ارتمى في صدرها باكيًا كطفلٍ
تفجّرت عيناها بالدموع و هي تمسك برأسه بكلتا يديها مرددة بأنفاسٍ مقطوعة :
-بس كفاية. كفااااية.. قلبي هايقف يا مصطفى. قلبي هايقف. آااااااااااااااه يا سـالـــــــم !!!
-بكفاياكو كلكوا كده ! .. صاح "النشار" في الجميع على حين غرّة
استطقب الانتباه بينما يكمل بصرامة :
-سكوت بقى. مش عايز اسمع لا صوت راجل و لا حرمة. ماسمعش حِس !
مر "رزق" بالقرب منه و هو يتساءل بآلية :
-نينا فين ؟
كان يحزر الاجابة التي أدلى بها "النشار" فورًا :
-ستك راقدة جوا في فرشتها. لا بتصد و لا بترد. بعد ما نخلص ليلتنا ابقى شوف هانتصرف معاها إزاي هانوديها مستشفى و لا إيه. الشورة شورتك يابني ..
مضى "رزق" إلى داخل الشقة مجددًا ليرى جدته، فتركته "ليلة" بعد أن أخذت منه تأكيد على الوعد الذي قطعته عليه منذ قليل، بعد أن ولج
وقفت هي عند عتبة الشقة من الداخل و واربت الباب، ثم قالت هاتفة بصلابةٍ تليق بامرأة ملك "الجزارين" :
-مين عاوز يودّع عمي ؟ بعد ساعة من دلوقتي محدش هايدخل للصبح أبدًا
لم تكاد تُنهي عبارتها، حتى انحسر جمع الغفير كله أمام الشقة يتصدّرهم "مصطفى" الذي رمقها باستعاطفٍ و سألها بانكسارٍ :
-دخّليني.. دخّليني !
لم يكن بحاجة للاستجداء أكثر، كان أول من امتدت إليه يديّ "ليلة" ممسكة بتلابيبه و ساحبةً إيّاه للداخل مغمغمة :
-تعالى يا مصطفى ..
ثم سحبت "حمزة" من بعده :
-تعالى يا حمزة.. تعالى يا عمي عبد الله ...
و فتحت الباب على مصراعيه لبقية صبيان الحي و شبابه صائحة :
-تعالى يا رأفت. خش يا كشري. ادخلوا كلكوا.. يلااااا. ودّعوه !
°°°°°°°°°°°°
إنقضت الليلة بعد أن كانت بطيئة كأسرع ما يكون، منذ سماح "ليلة" لكل من يريد أن يلقي نظرة الواداع على فقيدهم لمرةً واحدة و فقط، جاؤوا بالنعش
و تكرر السيناريو عينه الذي طبقوه يوم وفاة "سلمى".. مع اختلاف رهبة و تظمة المشهد المهيب
صلاة الجنازة، مراسم الدفن، لم يسبق شهد أحد مثلهما قط، كل شيء جرى يوحي بأن الذي مات لا ريب من الصالحين
و الحقيقة أن الله وحده من يعلم !
نفذت وصيّة "سالم الجزار" على أكمل وجه، فحرص "النشار" شخصيًا ألا يسمح لـ"مصطفى" بالسير في جنازة أبيه، بعد أن حرمه "رزق" من الوقوف على غسله، ليس وحده، بل الجميع، لم يضع نفرٌ اصبعًا على "سالم".. إنما "رزق" و لا غيره
رفض أن يقوم بهذه المهمة سواه ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كانت الوفاة طبيعية، لذلك أقاموا العزاء على الفور، و على عكس دوره الصامد طيلة الوقت، لم يقوَ "رزق" على المواصلة و ترك الصوان ليصعد إلى شقته و ينال قسطًا من الراحة
هكذا خلى مكانه لأخيه الأصغر منه بعامٍ واحد.. "مصطفى"
وقف في مقدمة الصوان ليأخذ بعزاء أبيه، كمن تلقّى ضربةٍ على رأسه، بالكاد تمكن من مد يده لمصافحة الضيوف
مال صوبه العم "عبد الله" متمتمًا :
-مراتك قامت بالسلامة يا مصطفى. لسا أمها مكلمة عبير مراتي و بشرتنا.. جابت لك ولد الله يحميه و يتربى في عزك
اومأ له "مصطفى" دون أن يرد، فأردف "عبد الله" متسائلًا :
-هاتمسيه إيه ؟
كان يعرف الاجابة سلفًا، رغم ذلك أراد أن يسمعها من فم الأخير الذي جاوبه بقوةٍ :
-سالم.. اسمه سالم !
°°°°°°°°°°°
ذهبت عند سماع جرس بابها يُقرع
تركت الطعام الذي كانت تعدّه من أجل زوجها النائم بالغرفة المجاورة، لتفتح للطارق، و الذي لم يكن سوى "نسمة.. ضرتها ...
-خير ! .. نطقت "ليلة" بشرٍ بَيّن و عيناها ترسلان شرارات مخيفة
إنكمش جسد "نسمة" بشكلٍ ملحوظ، مع هذا ردت عليها بتصميمٍ :
-انا عايزة اشوف رزق
-نايم ! .. جوابها القطعي هذا
بطلت حُجته فورًا حين أتى "رزق" من خلف "ليلة" ظاهرًا من العدم ...
-أنا صاحي يا ليلة ..
أشرق وجهه المسود من الحزن لحظة رؤيته لطفلته على ذراع أمها، أفسحت "ليلة" له بجوارها و خاطبته بينما يمد يديه ليحمل الصغيرة عن أمها :
-إيه اللي صحّاك يا حبيبي ؟ انت ماكملتش ساعة !
جاوبها بفتورٍ سحيق :
-مش عارف أنام. مش جايلي نوم خالص ! .. ثم صرف انتباهه إلى "نسمة" قائلًا :
-خير يا نسمة. في حاجة حصلت تحت ؟
كانت الصغيرة تعبث و تلهو في لحية أبيها و طوق عنقه، بينما تقول أمها معلّقة عينيها بنظرت زوجها الهامدة :
-كنت عايزة أتكلم معاك.. في موضوع مهم !
-ماينفعش يتأجل المهم ده. مهم أوي يعني ؟
حاولت "نسمة" أن تبقى متكتّمة قدر الامكان :
-انت لازم تعرف كده كده !!
لم يبدو على "ليلة" أيّ اهتمام بأقاصيص ضرتها التافهة كالمعتاد، لكن "رزق" أبدى تفهمًا، فتنهد قائلًا :
-حاضر. انزلي استنيني في شقتك. هادخل اغير هدومي و نازلك ...
في عقب الجملة مباشرةً، انبعثت أصوات جلبة شديدة من الاسفل عبر نافذة الصالون، سلّم "رزق" ابنته لزوجته "ليلة" دون ترددٍ أو تمييز، و ركض ليستطلع الأمر
عاد بعد لحظاتٍ مرتديًا نعليه على عجالة و هو يأمر حريمه بخشونة مستوحشةٍ :
-محدش منكوا يخرج من هنا. و الشباك ده محدش يفتح و لا يعدي من جمبه سامعين ؟
-في إيه يا رزق ؟!! .. استوضحته "ليلة" بقلقٍ
فشدد على يدها موصيًا إيّاها :
-خلي بالك من كاميليا يا ليلة. خلي بالك منها و من نسمة !
و هرول قبل أن يسمع منها ردًا ...
لتصاب بالجنون لحظة اختفائه وراء باب الشقة الموصد الآن، و يتضاعف خوفها مع ذعر "نسمة" المتفاقم و تردد :
-في إيه بس.. إيه اللي بيحصل ؟؟؟؟
ضمت الصغيرة "كاميليا" إلى صدرها بقوةٍ، إعمالًا بوصية أبيها، حتى أبت أن تعكيها لأمها و أبقتها في أحضانها محاوطة عليها بضلوعها و ذراعيها
كانت لها حصنًا منيعًا ...
_______________
ذلك نذير شؤوم، إجرام، همجية من الكراز الأول و عدم اكتراث، تمامًا كعقلية الحيوانات من البشر
لم تبرد جثة الفقيد بعد، حتى و إن كان عدوًا، ما إن ضمنوا فض العزاء لهذه الليلة و ذهاب الوافدين، استغل الاعداء اول فرصة واتتهم و شنّوا الهجوم على الحي
لكن كان "للجزارين" رأيًا آخر و أقوى ..
سحق دوي الأسلحة الآلية الهجوم الوشيك، فأجبروا المعتدين على التوقف أماكنهم، بينما يمشي "علي الجزار" متقدمًا جيشه الإجرامي و "مصطفى" نفسه
تقابلا في خطٍ فاصل، و برز صوت الأخ الأوسط لعائلة "السويفي" غليظًا ثخينًا كشكله القاسٍ :
-إحنا مش جايين نتعارك. و لا في نيتنا نسيح نقطة دم.. لكن ماحناش ماشيين من هنا ألا ما يطلع رزق الجزار !
إبتسم "علي" بقتامةٍ زاجرًا إياه بشراسة :
-و انت مفكر بجد إن حد فينا هايسمح بكده ؟ لو عاوز توصلّه جرب تخطي علينا الأول
طحن الأخير أضراسه من الغيظ و هو يغمغم :
-أنا مش هاتحرك من مكاني قبل ما يجي هنا و يقف قصادي
هدده "علي" بهدوءٍ دون أن تهتز عضلة واحدة من محياه الوحشي :
-لو ماخدتش مقاطيعك دول و مشيت دلوقتي حالًا. أنا بإيدي إللي هاعلق روسكم على بوابات الحي.. مش رزق
إستشاط الرجل غضبًا، فانفجر بغتةً صارخًا بصوتٍ جهوري :
-لو رااااجل تطلع يا رزق. أطلع و أقف قبــالي. أطلع و شوف الرجـالة بتواجه في الوش إزااااااي. سامعني يا مـرى ؟
أجفلت فرقعات أصِمّة الأسلحة فريق المعتدين، بينما تأهبوا الجزارين لعراكٍ دموي، لولا صوت "رزق" الذي جمد كل شيء بلحظة :
-و رزق الجزار جالك أهه يا حسين.. بشحمه و لحمه !
ينقسم صف الجزارين الآن ليظهر "رزق" من خلفهم بقامته العملاقة و هامته المتزنة، أقبل بثباتٍ واثق و هو يستطرد بتجهمٍ :
-دلوقت عايز تشوف مين فينا مرى صح ؟
إرتعش المدعو "حسين" من شدة الغضب، و ما لبث أن أشهر فرده الخاص بوجه "رزق".. إلا أنه شعر فورًا بقبضةٍ تعترض مسار يده
نظر فوجده "مصطفى" الذي أخذ يعتصر المعصم المحبوس بقبضته، بينما تعتلي عينيه نظراتٍ فتّاكة و هو يتمتم بنعومة خطرة :
-تؤتؤتؤ.. كده تتعوّر يا شبح !
- تابع الفصل التالي عبر الرابط :"رواية سمال الحب" اضغط علي اسم الرواية