رواية سمال الحب الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم مريم محمد
رواية سمال الحب الفصل الرابع والعشرون 24
_ في القلب حسراتٌ ! _ذات ليلة عشقٍ جنونية، بلغ التهور بهما مبلغه، هربا معًا خلسة، قد شارفت الساعة على الثانية بعد منتصف الليل، و هما إذ وصلا للتو إلى الساحل، في منطقةٍ سريّة لا يعرفها سواه، حيث السماء الصافية المرصّعة بالنجوم المتلألئة، و البحر الذي يهب صوبهما نسيمه المُسكِر
كانت مغامرة مليئة بالغرام و الهُيام، و لحظاتٍ لا تُنسى قضياها في تبادل الحب بين الصخور الكلسيّة اللامعة التي يضربها موج البحر بقسوة، و في الخلجان الصغيرة التي تمر عبرها مويجات البحر الأكثر رقة
الوله، اللذّة، جنون العشق على أشدّه، صيحات الحب تجرفها الرياح في الليل البعيد تاركة صدى لطيف يتردد حولهما ؛
الآن، فوق الرمال البيضاء الرطبة، تمددا جنبًا إلى جنب كلاهما متكئًا على شقّه، ينظران لبعضهما فقط بينما تلامسهما بين الحين و الآخر أمواج البحر
-بحبك ! .. همست بثمالةٍ و قد كانت تعنيها كما تقرّ بوجودها
لقد أحبّته و أحبّت جنونه، أحبّته بكل ما فيه من مميزات و عيوب، أحبّته و لا تبدله بكنوز العالم مهما حدث ...
يلف ذراعه الآن حول خصرها و يشدها بسهولةٍ إلى صدره، تشعر بشفاهه الدافئة تضغط فوق عنقها و هو يغمغم لها برومانسية :
-روحي.. فرحتي.. منغيرك حياتي و لا ليها أي لازمة.. يا ريتك ما بعدتي عني لحظة يا ليلة. يا ريتك فضلتي جمبي من يوم ما اتولدتي لحد إنهاردة. كل حاجة كانت هاتتغير ...
دمعت عيناها قليلًا و رفعت يديها لتمسك بوجهه و تجعله ينظر لها ثانيةً، ابتسمت بمسحة حزن قائلة :
-يا ريت.. بس سواء حصل إللي بنتمناه أو ماحصلش. مافيش حاجة هاتغير إني وقعت في حبك من أول نظرة. و إن عمري ما هاتخلّى عن الحب ده لآخر نفس
ابتسم لها بدوره و خطف قبلة صغيرة من فمها متمتمًا :
-أطلبي مني إللى انتي عايزاه.. قوليلي نفسك في إيه ليلة ؟
جاوبته ببساطة : حبّني.. نفسي تحبني أوي زي ما بحبك !
رد بثقة مطلقة :
-أنا بحبك يا ليلة.. إنتي الوحيدة إللي بتملكي قلبي ...
و صمت قليلًا، ثم قال :
-إنتي الوحيدة بعد كوكي !
ضحكا معًا بانطلاقٍ، و بعدها قال بجديةٍ :
-زعلتي ؟ انا صريح معاكي
هزت رأسها و لا زالت تبتسم :
-أبدًا.. لو كنت قلت غير كده ماكنتش هاصدقك. أنا بقدر حبك ليها قبل أي شيء
مسّد وجنتها بأنامله و هو يقول بتأثرٍ غريب :
-طيب أنا بقى إللي عاوز أطلب منك حاجة !
قالت بلا تفكير :
-روحي ملكك يا حبيبي.. انت عملت عشاني إللي استحالة كان حد يعمله. و لا حتى أنا.. أرجوك قول !!
أخذها بين أحضانه ليتمكن من قول هذا :
-لو جرالي أي حاجة في المستقبل. لو مت يا ليلة ...
شعر بإنقباضتها و محاولاتها للفكاك من حصار ذراعيه، لكن ظل مبقيًا عليها و هو يكمل و تلك المشاعر تخالجه بالحاحٍ عجيب :
إسمعيني من فضلك.. لو حصلّي أي حاجة. عاوزك تاخدي بالك من كاميليا. نسمة مش هاتعرف تربيها لوحدها و لا تحميها. ماتخليهاش تعيش زينا.. أنا عندي اعداء كتير و إللي بيكرهوني أكتر. خدي بالك منها ...
تحت اصرارها و صمتها، أفلتها، لترفع جزعها و تجلس مائلة صوبه الآن، ترشق نظراتها الحادة بعينيه المنفعلتين، نطقت من بين أسنانها :
-إياك أسمعك تقول كده تاني.. إوعك يا رزق. إوعك حتى تفكر مجرد تفكير إنك تسيبني.. إنت فاهم ؟
و أمسكت بياقتي قميصه المفتوح، ثم ارتمت على صدره محتضنة إيّاه بقوة و كأنها تتحدّى القدر و الموت معًا ...
-مستحيل تسيبني.. سامع ؟ مستحيل !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
مثل أفلامًا قصيرة طفق عقلها يُعيد عليها ذكرياتهما، فكانت تبكي بلا حسيب و لا رقيب، بالاضافة أنها رفضت رفضًا قاطعًا أن تترك المشفى قبل أن ترى زوجها
أو على الأقل تودّعه بنظرة ...
لم يجد "حسن" بدًا من الاذعان لها، فقام بخدعة ليبعد المرافق الوحيد حتى الآن عن غرفة العمليات، و قد كان "علي الجزار" الذي عاد أدراجه في منتصف الطريق عندما جائه الخبر عبر هاتف إبن عمه
دفع "حسن" لإحدى الممرضات رشوى لتذهب و تبلغ "علي" بضرورة المرور على قسم الحسابات من أجل متابعة العمليات
و ها قد خلت لها الساحة، سمح لها "حسن" بالاقتراب أكثر من الواجهة الزجاجية الصغيرة، فألقت نظرة على زوجها المسجى هناك فوق سرير العمليات ...
نزفت عيناها دمعًا غزيرًا و هي تضع كفيّها على الزجاج نائحة بصوتٍ مكتوم :
-لأ يا رزق.. عشان خاطري. قاوم.. عشان خاطر بنتك... عشان خاطرنا يا حبيبي.. رزق !!!
كانت على يقين بأن رسائلها تصله، بكل تأكيد تصله، و كانت على ثقةٍ أيضًا بأنه سيتجاوز تلك المحنة و سيعودا معًا من جديد.. أجل... سيعود "رزق" إليها من جديد !
-يلا مافيش وقت !!
أفاقت على تنبيه "حسن" المتعجل، كفكفت دموعها بظاهر يدها و ألقت عليه النظرة الأخيرة، ثم استدارت و ذهبت مع الأخير ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°
عاد "علي الجزار" مهرولًا ليتابع مجريات الجراحة التي يخضع لها إبن عمه، كان مصفر الوجه، لاهث الصدر، لأول مرة في حياته يشعر بمثل هذا التهديد و القلق
ليس له على وجه التحديد، إن كل أفراد عائلته في خطر حقيقي الآن، و خاصةً بعد سقوط "رزق" ...
-آلو ! .. رد "علي" باقتضابٍ إتصال "مصطفى"
-إنت فين ؟
-أنا خليت البيت كله من الستات. و حمزة معايا مارضيش يروح معاهم.. إنت إيه الأخبار عندك ؟
-لسا مافيش جديد.. أنا محتاج رجالة معايا
-دلوقتي أبعت لك. النشار بعت جاب قرايبنا و إللي يعرفونا من كل حتة. ماتقلقش محدش يقدر يدخل الحي و إللي يفكر يبقى ميت
باغته "علي" بحدة مستوحشة :
-المهم دلوقتي رزق. رزق يا مصطفى !!!!!
________________
هذا هو إذن ...
ذلك البيت السرّي الذي اكتشفته في إحدى المرات، و الذي إتخذه إبن خالها خصيصًا في مطلع شبابه لقضاء أوقاتٍ ممتعة مع عشيقاته و حبيباته السابقات
إنها هي شقة العزوبية السرّية نفسها، هنا أود الطفلة "كاميليا" لدى امرأة أربيعينة أتت من دول شرق آسيا ...
ما إن دخلت "ليلة" إلى الشقة و سمعت بكاء الصغيرة، ركضت مسرعة حتى وصلت إلى الصالون الجانبي المفتوح، توقفت عند العتبة لوهلة تنظر إلى الطفلة التي بادلتها النظرات بدموعها التي لا تنقطع
و فور أن رأتها "ليلة" تمد صوبها ذراعيها الصغيرين، إنكلقت إليها و خطفتها من أيدي السيدة البشوشة ...
-كوكي ! حبيبتي.. بس يا روحي بس. ماتخافيش. أنا معاكي يا قلبي. ماتخافيش ..
و أخذت تهدئ من روعها و تهدهد لها حتى كفّت تمامًا عن البكاء، في الحقيقة أن الصغيرة قد غفت في أحضانها، ما يبين ما تعرضت له من ضغطٍ و خوف، نامت "كاميليا" حين شعرت بالأمان
الصغيرة المسكينة ...
-الطيارة هاتطلع الفجر !
ارتعدت "ليلة" بخفة عندما أتاها صوته من خلفها بغتةً
إلتفتت إليه، فأردف منشغلًا بالمسح على رأس الصغيرة :
-قوليلي لو محتاجة حاجة قبل ما نسافر. و لو إن كل حاجة موجودة هناك. اعتقد مش هاينقصك حاجة. Specially في أرقي و أحسن منطقة في مانهاتن. كل إللي ممكن تحتاحيه هاتلاقيه هناك ...
رمقته "ليلة" بعداء سافر و هي تقبض على يده بعنف بَيّن، أبعدته تمامًا عن الصغيرة و قالت :
-أولًا.. إياك تلمس البنت مرة تانية. ثانيًا.. أنا الباسبور بتاعي مش معايا. هسافر معاك إزاي ؟
ابتسم بفتورٍ و قال و هو يدس يده بجيب سترته و يسحب جواز سفرها أمام عينيها :
-تقصدي ده صح ؟
نظرت له مشدوهة للحظاتٍ، قبل أن يعاودها الغضب مرةً أخرى، بينما يواصل :
-أنا كنت عارف إن أبويا سحبه منك من زمان لما حاولتي تسافري من وراه.. إنتي نسيتي ؟ ده إنتي إللي قولتيلي بنفسك ساعتها و اشتكيتي لي !
عبست و الغيظ يغير بصدرها، لم ترد عليه بعد ذلك، فوزع ناظريه بينها و بين الصغيرة النائمة و قال بهدوء :
-بكرة شمس أميركا هاتطلع علينا. و هانكون Very Happy Family.. أنا. و إنتي.. و كوكي !!
احمرّ وجهها من شدة الغضب، فضحك متسليًا و ذهب من أمامها الآن مصطحبًا الخادمة... لتبقى بمفردها مع الصغيرة
تنهدت "ليلة" بثقلٍ و هي تجلس فوق الأريكة ضامة "كاميليا" إلى صدرها، راحت تربت عليها بحنو هامسة :
-ماتخافيش يا كوكي.. هانرجع. باباكي هايبقى كويس.. و هانرجعله
- تابع الفصل التالي عبر الرابط :"رواية سمال الحب" اضغط علي اسم الرواية