رواية بيت القاسم الفصل السادس والعشرون 26 بقلم ريهام محمود
رواية بيت القاسم الفصل السادس والعشرون 26
التزموا الصمت.. فأنتم في حضرة الخذلان"
.................
- وحشتيني....
همسته كانت ثقيلة أشبه بفحيح شيطان وجد ضالته.. أجفلت وقتما رأته أمامها يظهر من اللاشئ.. فتراجعت خطوتان للوراء
صدمتها لم تدم طويلًا، لتهتف بازدراء .. تدّعي القوة..
-ليك عين توريني وشك..!
تتسع إبتسامة أعلى وجهه.. إبتسامة تناسبه كشرير حبكتها
لتهاجمها نوبة ضيق تغزو قسماته، وذكرى الخديعة مسطرة أعلى جبينه
تجاهل الضيق البادي على وجهها، ليتشدق بتصحيح مستفز..
-تؤتو اسمها وانت كمان وحشتني..
يشدّد على الحروف بوقاحة، بنبرة متحدية
نبرته هزت ثباتها الزائف، تحركت تنوي الابتعاد..
فتابع يحاول جذب انتباهها..
-في كلمتين هنقولهم في العربية..
-مفيش بينا كلام..
تهز رأسها بنفي صريح.. ختمته باستدارة سريعة سيتبعها ركض ..
- بالعكس ياعسل... داحنا الكلام بينا هيبتدي لسه..!
ولم يترك لها الفرصة لتفسير كلامه.. كاد لسانها أن ينطق بتساؤل
بتره وهو يجذبها من كفها بعنف..
يسير بها رغم محاولاتها العتيدة لسحب يدها من قبضته ولكنه كان متحكم بها.. تستغيث بنظراتها هنا وهناك ولكن الطريق كان خالٍ تمامًا،وانتهز هو الفرصة
تشبثت بساقيها أرضًا.. تحاول الثبات بخطواتها ولكن الغلبة كانت له.. وهو يسحبها لسيارته.. يحني رأسها كي تركب بالأمام بسيارته ويغلق بابها
لحظات وكان يستقل المقعد المجاور لها.. ساكنًا دون قيادة
أنفاسها كانت ثائرة، وخفقات نابضها تجاوزت المسموح..
صاحت بنفاذ صبر..
-اخلص وقول عايز ايه.. التمثيلية السخيفة اللي كنت عاملها انكشفت يااستاذ..
ضحك باستهزاء..
-آه ما أنا عرفت إن الـ... قلتلك..
ينطق بسبّة بمنتهى البساطة ولم يهتم باتساع حدقتيها حرجًا.. وخجلًا
.. ثم تابع بتهكم.. استهجان حاد..
- بس وحياتك عندي يانونو مسكتلهاش عاقبتها.. عاقبتها جامد أوي..
بهتت ملامحها.. تسأله بذهول شابه خوف
-عملت فيها ايه..؟
أمسك بعُلبة سجائر كان يضعها على مقدمة سيارته، ليخرج واحدة يشعلها على مهل، ولم يكترث باحتراق الأخرى بجانبه..
سحب نفس ثم نفثه أمامه بأريحية.. يميل بعينيه نحوها بمكر..
-هقولك..
يخبرها باستمتاع بينما يتأمل ملامح وجهها الشاحبة..
-جواب صغنن أد كدة.. وشوية صور لينا سوا بعتهم لاخوها الكبير..
وهو قام بالواجب....
شرد بذهنه بالفراغ.. تتسع ابتسامته تدريجيًا لتتحول لقهقهة وهو يخبرها..
- تقرير المستشفى بيقول ان الكسور اللي ف جسمها هتاخد سنين عشان تتعافى منها....
جمدت نظراتها ذاهلة، دون وعي همست..
-إنت مش طبيعي.. إنت شيطان..
ضحك بينما يثبت صحة كلامها بغرور..
-yes I'm devil ...
وكان محق. حقيقة مؤكدة يقولها بفخر، زهو وريث ابليس
وحالًا تفحصته، وهاته اللحظة تغيرت نظرتها.. هيأته، ضحكته.. البريق المخيف بسواد عينيه يخبرها بحقيقة كونه الجحيم فعلًا وشكلًا..
بأي ورطة أوقعت بنفسها، أكان ينقصها مصائب فوق مصائبها..
التقطت أنفاسها تحاول التهدئة.. تتشبث بثبات واهي لتردف..
-طب وإنت فاكر إنك هتهددني زيها.. ماخلااص أنا اتفضحت ف البيت واللي كان كان...!
ارتجاف كفيها، واهتزاز حدقتيها بخوف يراه جليًا بهما جعله يفرض سيطرته..
- إنتِ غيرها يانونو.... كل بنت وليها نقطة ضعف..
يكمل باستطراد خبيث..
- وكل بنت وليها لوية دراع..
يراها تبتلع ريقها ببطء فيعلم انه أصاب الهدف.. والهدف إثارة خوفها
هو يريدها كغيرها..
ورغم محاولات الثبات أمامه الا انها كانت مرتعبة..
- أنا مش هفيدك.. أنا مش شبهك ولا شبه هنا..
بتصميم يبصق حقيقة الأمر بوجهها
-هتبقى شبهها متقلقيش.. .
يتأنّي.. ينفخ المزيد من دخان تبغه بأريحيه.. ليتابع
-أنا و إنتِ هنعمل زي مابيقولو كدة صفقة متبادلة..
يقترب بجزعه من جلستها، يحاصرها، والخطر واضح بمقلتيه
-هديكي إللي ناقصك الحب والاهتمام والحنية..... ولو عايزة فلوس هديكي!
.. يثبت نظرته، ونبرته
- وف المقابل هتديني اللي انا عايزو ...
يرى انقباض ملامحها بصدمة، فيستكمل بوقاحة، يتلاعب بأنامله بالهواء
- هعلمك ازاي تعدلي مزاجي ، وتعمليلي الدماغ اللي عايزها..
وزاد قربه ليزداد ارتعابها.. ينفخ بوجهها ماتبقى من دخان... والرؤية صارت ضباب بعينيها.. ببطء يميل عليها..
- م الآخر كله بالمزاج... وللمزاج...
............ وبعد أقل من ساعة كانت بالقرب من بيتها.. ترى بوابته الكبيرة فـ أحست بالأمان..
تركها بعد أن أفرغ بعقلها كل سمومه.. حقيقته المُرة، شيطنة أفكاره، وقيمتها بنظره.. هي كـ غيرها..
تلك المرة كيف ستنجو..!! من أين ستأتي بالخلاص؟!..
كانت لحظة خطيئة... ذاقت لذة البداية، وأفاقت على صفعة الحقيقة..
هي لازالت صغيرة على كل مايحدث لها.. تبكي بداخلها على حالها
هي لاتستحق كل ذالك..
تقترب من البوابة الحديدية.. فتدفعها بكفها بإحباط ، تفتحها على مصرعها دون عناء غلقها، تصعد درجات السلم ببطء وتثاقل.. أصابها التيه واليأس..
درجة تتبعها درجة أخرى، حتى أتى هو بطولهِ الفاره
ينزل أمامها دون أن يراها كان لازال بأعلى السلم، مشغول بثني كُمي قميصه
خصلاته كانت مبتلة وقد استطالت قليلًا لتغطي أعلى جبهته بعشوائية لطيفة ، رفع رأسه بغته فوجدها أمامه، فغض بصره سريعًا
نظرته بل لمحته لم تتجاوز الثانية وهذا ما زاد من احباطها وخيبة أملها..
وحين وصل لدرجتها ألقت التحية بخفوت وصله..
-صباح الخير..
لم يرد التحية.. اكتفي بايماءة بسيطة من رأسه.. وحركة شفتيه دون صوت كأنه يجيب بداخله..
تسارعت خطواته للخروج،كأنه لايريد أن يجمعهما مكان!
يصفق الباب خلفه بعنف أجفلها.. ظلت واقفة مكانها متهدلة الأكتاف ، ترمق الباب بعين مغيبة وكأنها تراه خلفه.. ترى كسر قلبها
ومن قبلها بذات المكان إنكسار قلبه، وكأن التاريخ يُعاد من جديد
بأي غباء كانت تنوي الاستنجاد به..!!
..............
- أنا أستاهل فرصة..
قالها زياد بسخط ، يقين بأن الفرص خلقت من أجل استغلالها
هزت نيرة رأسها وهي تنظر إليه، تبسط كفيها أمامه
-طب ما أنا اديتك يازياد..!
وشاب نبرتها أسى، تتسائل
-هو انا عملت حاجة في حياتي غير إني بديك فرص..؟!
تجاهل مُرغمًا ضيقها الواضح، ألمها الذي ظهر بحدقتيها، ف أردف بنبرة مرحة..
-مروان محسن مش أحسن مني ف حاجة جاب شلل لإدارة النادي قبل الجماهير ولسه بردو بياخد فرص..
يشاهد انعقاد حاجبيها بعدم فهم.. فيشيح بكفه متابعًا..
-بلاش مروان... كريم بنزيما يااما ضيع فرص ودلوقتي ماشاء الله عليه
بقى هدااااف...
و"هداف" قالها بفخر.. يشير بيده على صدره العريض..
عبست بملامحها، تزيح خصلة شاردة خلف اذنها بحدة، واستائت من مزاحه، وتباسطه هكذا وكأنه ينتظر تمجيد..!
استقام بوقفته، يبتعد خطوة.. ومخطط بذهنه جاء من أجل تنفيذه
اختفت ابتسامته ليحل محلها انفعال خانق ..
-عمومًا أنا مش جاي اتلح عليكي ولا اتذلل خلاص يانيرة انتي حرة..
ثم اكمل مستطردًا بعد برهة صمت يرى تسائل على وجهها
- بس أنا بعرفك إني مش هروح تاني لقاسم خلاص..
الشو السخيف اللي إنتِ وهو بتعملوه عليا.... إنتهى لحد كدة...
كانت تعلم أنه لن يستطيع صبرًا.. خاصًة وأن قاسم حاد التعامل معه
فحديثه هذا لم تتفاجأ به، ورغم ذلك ارتدت قناع عابس مصطنع..
تحشر يدها بجيب بنطالها الضيق لتخرج منه مفتاح وتعطيه له..
-كنت عارفة إنك مش هتعمل عشان خاطري حاجه بسيطة زي دي..
اتفضل مفتاحك..
أمسك بكفها الممدود بكفه برفق، يطبق على مفتاحه ويعيد كفها ثانيًة إليها بالقرب من صدرها.. يستفهم بحزن
-وأنا مليش خاطر عندك وإنتِ بتهنيني بالشكل ده..!
العربية بقت ليكي خلاص يانيرة، إنتِ عارفة إني كنت ناوي اجيبلك عربية وليارا كمان لما تنجح..
لمعت عيناها ببريق خاطف، وقد انفرجت شفتاها بغير تصديق
توزع نظراتها المنبهرة بالسيارة الحمراء خاصته، أو التي كانت وبينه..
ولكنها تذكرت شيئًا.. فتماسكت وسألته بشك مضيقة أعينها..
-العربية دي كارت ضغط عليا؟!
تنهد بحرارة ليطرق برأسه أرضا بندم..
-أنا عمري ماهضغط عليكي تاني يانيرة، وبالنسبة للرجوع دي حاجة ف ايدك..
رمقها بنظرة جانبية مختلسة يرى تأثرها بكلامه، للتو انطفأت اللمعة بعينيها
وشحبت بشرة وجهها فجأة، يتفحصها بعين رجل خبير دون أن تلاحظ اكتناز ملحوظ بثغرها جعل جمالها مضاعف، وزيادة بنسبة معقوله بخصرها الذي تبدل كليًا بفضل الحمل، ليس اكتناز وإنما هو مايسمى ب " ورم الحمل"..
ماعليه من المسميات، سيحافظ هو بشكلٍ جدي على هذا بعد أن أعجبته هيئتها تلك..
ولا فائدة منه ولا رجاء.. سيظل الماجن ماجن حتى وإن كان بالفردوس..
عض على شفته، يُحجم أفكاره العابثة نحوها
عاد لاطراقه مقرًا بالندم والخجل.. يغمغم بأسف..
- خلاص انا معترف بغلطي.. الموضوع فعلا مش سهل
وامتلئت عيناه بدموع الحسرة..
- لا هيرجعه ندم أو أسف .. ربنا يوفقك في حياتك..
ودعها بعينيه، يعطيها ظهره.. يسير للأمام هكذا ببساطة ويتركها
وكانت تتوقع سيل من الاعتذارات ووابل من الوعود..
نبرته وحزنه هكذا أزعج قلبها الرقيق .. تبعته عدة خطوات ثم توقفت هامسه باسمه بصوت متحشرج..
- زياد..
توقف عن السير، يكتم ضحكة بداخله ود لو أخرجها.. استدار ببطء
-نعم..!
سألته بملامح شاحبة
- مش هتطلع لجدو..!
أخرج زفيرًا حادًا قبل أن يغمغم بحزن..
-لأ هتمشي شوية.. حاسس إني مخنوق...
.. والتفت يوليها ظهره، يبتعد شيئًا ف شيئًا عن مجال رؤيتها..
وأخيرا حرر ضحكة ماكرة، ينزع عن وجهه قناع الحزن ليعود العابث كما كان.... ليثبت نظريًا وعمليًا أن الطبع غلّاب.. يهمس بوعيد من بين ضحكاته
-ياانا ياانتو ياولاد الجزمة...
....................... ......
.. يقف أمام باب شقة زياد بتجهم، وقد عرف أنها اليوم ستبيت معه من خلال مراقبته لها، يزفر ضيقه في الهواء وينتشر في الأجواء..
يرفع يده ليضغط زر الجرس ولكنه يتراجع.. يعلم أن تلك الخطوة سيندم عليها كثيرا فيما بعد..
هي السبب.. ماسيفعله يرجع لرفضها له..
ماكان يجب من البداية أن تتلاعب به.. منذ متى والفتاه النائمة فازت على الذئب في روايته ..!
يقبض على كفه يستجلب الهدوء لاعصابه المشدودة.. بيده الأخرى زحاجتان من النبيذ الأحمر له سُكرة الخمر كي تنطلي خدعته على زياد..
سحب نفساً عميقًا لصدره، يتحكم بغضبه فيفشل واصابعه تلك المرة عاندته وضغطت على الجرس..
استند على الباب بعبثية مدروسة.. ينتظر، حتى فتح زياد الباب وتفاجأ
-عاصم..!
يبتسم عاصم بمكر.. يبرر وجوده
- اتخنقت م القعدة لوحدي قولت نسهر سوا..
مازال حاجباه مرفوعان يسأل بتوبيخ..
-طب مااتصلتش ليه؟ .. أختي هنا..
يجاهد بإخفاء انفعاله، ودقات قلبه صارت كطبل يدوي بصدره
يغمز..
-يعني أرجع؟
-يعني تيجي لعند الباب وتمشي.!!
ثم افسح له الطريق يشير للدخول..
- اتفضل طبعًا..
ثم ركز بما يحمله يستفسر ويعرف الإجابة..
-إيه اللي ف إيدك دول؟
- لزوم السهرة وكدة..
يهز رأسه مستنكرًا..
-سيبهم ع الباب أختي جوا..
يوافق دون مزيد.. يضعهم بالجوار وهو يغمغم بشقاوة
- ومالو نسيبهم ع الباب..
يزيد الآخر من أوامره..
-وأقعد بأدبك..
حينها تتسع ابتسامته بغرابة، يهاوده..
-حاضر هقعد بأدبي..
....يتبطأ بخطواته وزياد يسبقه للداخل.. على أتم الاستعداد للمواجهة..
وحين وصل للصالة بعد نداء زياد له ودعوته للدخول بعد أن أخبرها بالتأكيد..
وجدها تقف خلف زياد كالصنم، اصفر وجهها من الخوف وكأن الدم سُحب منها فصارت تشبه الأموات بهيئتها تلك..
يتحدى، يرمقها بعبث وخبث. يمشطها بنظراته.. ترتدي منامة قطنية بنطال كحلي برسومات نجوم لامعة يعلوه بلوزة صيفية بلون زهري وأكمام بلون ورسوم بنطالها..
-تعالى ياعاصم انت مش غريب..
قالها زياد ليقترب عاصم.. يجلس على الأريكة المقابلة لها..
ويبدو أن الصدمة ألجمت لسانها.. لم تنطق أو تتحرك انش عن وقفتها
لينهرها زياد بخفوت..
-عاصم يايارا... إنتِ عرفاه، متتكسفيش منه...
ثم يتابع ضاحكًا ببساطة يبدد حياء شقيقته قليلًا..
- اعتبريه زي أخوكي الكبير..
أطلقت نفسًا مرتجفًا، تزدرد لعابها بتوتر وبطء شديد تحت وطأة نظراته المراقبة.. تحركت تحث قدميها على السير وقد صارتا كـ هُلام، تنوي الاستئذان..
-طيب انا هسيبكم على راحتكم.. وادخل جوة..
نبرتها المتحشرجة وقسماتها المرتعبة ابهجته، يعلم أن لها وجهان
وجه تُخفيه.. عابث، شقى، لذيذ كـ حلوى القطن الزهرية وهو ما رآه منها..
ووجه آخر للمقربين كشقيقها والعائلة، وجهِ خجول، جيد.. برئ كـ براءة الحَمل..
يتشدق بتهكم والآخر لا يفهم، وحدها هي فقط من ستفهم..
-لااا.. هو إذا حضرت الشياطين ذهبت الملائكة ولا إيه؟!
ليغمغم زياد بحرج.. خوفًا من أن يكون عاصم قد أُحرج من استقبالها
-معلش أصل يارا خجولة شوية... ملهاش في السهر والقعدات المختلطة وكدة..
كادت ضحكته الرقيعة أن تنطلق.. تحكم بأعجوبة، يسخر بنبرة مبطنة
-ماشاء الله على الأدب..
-كويس طالما جيت.. يبقى نطلب بيتزا... إيه رأيك..؟
يتباسط بالجلسة، يأخذ راحته
-معنديش مشكلة..
ثم يلتفت زياد ليارا يسألها..
-يارا بيتزا معانا ولا إيه؟!
لا تقوى على النطق.. اومأت فقط، فهتف
- تمام...
.. ليمسك بهاتفه، يتصل بإحدى المطاعم للوجبات السريعة..
يملّي على العامل طلبه وينتظر رده..
غافل عن نظرات الآخر.. الجالس بجواره، الخائن بطبعه.. خائن مثله..!
يأكلها بعينيه، ذلك الوميض الخطير بمقلتيه يخبرها بأن حكايتهما لم ولن تنتهي.... والسهرة للتو بدأت..
............................
.. "بغرفة حنين"..
للتو انتهت من صلاة قيام الليل، وقد قطعت عهدًا على نفسها بالتزامها بالصلاة بعد أشهر من التقطع..
تجلس ممدة على فراشها. شاردة بالفراغ أمامها.. وقد وعدت جدها اليوم بأنها ستبدأ دروس ومذاكرة من أجل النجاح..
ستبتعد عن أي عبث قديم يبعدها عن حلمها الحالي وهو النجاح ونظرة الفخر ممن حولها..
ازعجها صوت هاتفها ينبأها عن وصول رسالة عبر تطبيق الوتساب...
فتفتحه لتفاجأ برسالة من رقم رامي.. وقد غفت تمامًا عن رقمه وأنه لازال مسجل بهاتفه..
كادت أن تمسح رسالته من الخارج ولكن فضولها غلبها.. لتدلف مترددة
تجده بعث فيديو إليها.. لا تدري لما انقبض قلبها هكذا.. دون شعور فتحت الفيديو.. ليصدر آصوات وقحة
ألقت بهاتفها بعيداً لطرف الفراش وكأنه حشرة تُلدغ، تنظر بصدمة واشتعال ملامح..
فما كان الفيديو سوى فيديو قذر له هو مع هنا يخفى وجهه ولكن صوته واضح..
اهتز الهاتف بوصول رسالة أخرى، اقتربت كالمغيبة وسيل من دمعٍ شق وجنتيها.. تقرأ رسالته الفجة بضبابية إثر الدموع..
- ها إيه رأيك.؟!
...............................
.." بعد أسبوعان"..
.. بمشفى كبير بقلب العاصمة، غرفة خاصة من أجل السيد كمال القاسم..
دخلها منذ قليل مع أسرته بعد استئصاله للمرارة بعملية جراحية، وكانت له فترة طويلة يُعاني من ألمها دون أن يعلم أنها أصل الداء..
وسريعًا حدد الطبيب موعد لإجراء العملية وأنه لايحبذ التأخير بحالته...
مستلقي على الفراش متأرجح الوعي وقد بدأ مفعول المخدر يتراجع ويظهر ألم الجراحة.. متغضن الجبين إثر الوجع، يلتفت لأمه القلِقة بجلستها أمامه فيهديها ابتسامة خافتة يطمأنها بها.. على فراشه بجوار قدمه تجلس نيرة تتحسس ساقه تمنحه دعم وهمي تبادله الابتسامة من حين لآخر..
تغمغم أمه بعدم رضا..
- عشان تبطل تكتم وتشيل في قلبك.. الحمدلله إنها جت ع أد كدة..
يجيب بخفوت متهدج..
- وده إيه علاقته بس ياماما.. هي كانت ملتهبة من زمان..
فتدخل نيرة تلوم بعتاب..
- انت كنت مقصّر بحق نفسك ياكمال.. حتى الكشف مكنتش بترضي تروحه..
يسأل، يتهرب بعينيه..
-قاسم فين..
تجيب نيرة ولازالت تمسد على ساقيه المفرودة بجوارها..
- نزل الحسابات وبالمرة هيجيب العلاج..
-السلام عليكم..
ألقاها زياد بمرح يدخل للغرفة والتحية موجهّة للجميع بما فيهم هي..
يتجاوزها عن قصد بعد عبوس ألقاه بوجهها، يربت ع كتف كمال بعد أن مال عليه قليلًا..
-حمدالله ع السلامة ياوحش..
-أهلًا بالصايع..
يغمغم بها كمال رغم تعبه ضاحكًا، يحب رؤية ذلك الفتى للأسف..
ليغمز زياد بعبثية..
- صايع بس لسة بمرارتي..
يعض كمال على شفتيه يمنع ضحكة لو صدحت سيتألم..
- متضحكنيش عشان الجرح..
يتهكم..
-جرح إيه ياكمال إنت هتستعبط دي مرارة..!
يتابع بشقاوة عفوية لتخفيف الجلسة
-اللي أدك دلوقتي شايلين ولاد ولادهم..
يقطع حديثه نبرة فاطمة تؤنبه..
- وأنا مفيش سلام ليا..!
يلتفت برفعة حاجب، غير متفاجأ ولكن لايبدو مهتم
يردف بنبرة عادية وهو يصافحها..
- أهلًا يامراة عمي.. عاملة إيه؟
تتعجب بداخلها، تمط شفتيها بضيق وهي تسحب يدها..
- مراة عمك..!! كويسة...
يبتعد ويعود لوقفته بجوار كمال، من أسفل رموشه يرى المحتقنة الجالسة بغيظ أمامه..
وقد قرر تجاهل ومزيد من الصبر، وبكل الحالات هي لن تعود له بتلك الفترة..
يرى ضغط شفتيها على بعضهما البعض، وفرك أناملها.. يود السلام والاحتضان، ولكن ستقابله بجمود
ينزعه كمال من مراقبته يأمره بلطف..
-اقعد..
ليرفع ساعة معصمه، يجيب
-لأ انا مستعجل.. ورايا شغل فوق دماغي أد كدة..
يستكمل بعد أن رمي نظرة للاخرى، نظرة بسيطة ولكن بين طياتها اشتياق
- هعدي عليك بالليل..
.. وغادر بهدوء بعد سلام بارد منه، هو لايدّعي بالفعل إشتاق
ولكن جزء من كبريائه يطلب منه الحفاظ على ماتبقى منه فاستسلم وسلم... يعلم أن قلبها رقيق لن تتحمل جفاؤه وستعود...
بالتأكيد ستعود...
.. بعد مغادرته كانت تجلس مكانها، تهز ساقيها بعصبية واضحة ليسألها كمال باهتمام..
- إنت تمام ؟!
رفعت حاجب، تُجيبه بانفعال واضح..
-آه تمام... تمام جدًا كمان..
...... بعد وقت قصير
كان قاسم يستند بساقه على الطرف الحديدي للفراش، يقّلب الأدوية
ويتفحصها مع نيرة.. يسأل
- واحنا هنعرف الأدوية دي بتتاخد أمته وازاي..
ترد..
-لما الدكتور يجي هسأله..
يتحرك من مكانه صوب كمال، يسأل باهتمام بالغ..
- انت كويس؟!
.. والأخير يهز رأسه بموافقة رغم تقطيب ملامحه من الألم..
- بقيت كويس شوية.. هروح أمته؟
يجيبه وهو يتحسس بشرة جبهته، يستشعر حرارته، ويمسح بعض حبات العرق المتناثرة بوجهه..
-الدكتور بيقول بالليل..!
يتركه ويلتفت لوالدته، والتي أرهقت من جلستها هكذا منذ الصباح الباكر.. فيشفق عليها..
-يللا ياماما عشان الولاد.. حنين ويارا مش هيسلكو معاهم..!
فيؤيد كمال كلامه..
- أيوة ياماما.. روحي إنتِ ونيرة أهي معايا..
......... ومع مرور الوقت، وقد أعطاه الطبيب مسكن هدأ جسده واطمأن على استقرار صحته، أخبره بأنه سيغادربالصباح أفضل له .. غفا لدقائق لم تطل، ونهضت نيرة من جانبه لتجلس على الكرسي المقابل تعبث بهاتفها وقد أصابها الملل كما أصابه هو الآخر..
يراقب الغروب من النافذة الزجاجية العريضة أمامه، يود النوم من أجل قطع الوقت..
ورغم سكونه إلا أن داهمت أنفه المتحسسة عطرًا خفيفًا مسكّرًا جعله يغمض عيناه بعدم تصديق، بالتأكيد تلك تهيؤات العملية والمخدر.. ولكن الصوت الناعم المغناج بطبعه جعله يلتفت كطلقة رصاص.
-مساء الخير...
وكانت هي ريم صاحبة الخيالات والتهيؤات وبطلة الهلوسة داخل غرفة العمليات كما ذكر الطبيب وهو يضحك بمرح..
كانت جميلة ناعمة على عكسه بتلك اللحظة كما يظن، حجابها الوردي زاد من وهج بشرتها البيضاء، وفستانها الطويل بلون ثلجي وكأنها أتت لتغويه
تسأله كيف سيستطيع المقاومة، وللأمانه هو لن يقاوم بالأساس..
حين لاحظت شروده وتجهم وجهه، سألت تجابهه..
- أدخل..!
لتنهض نيرة من مكانها، تُلقي بهاتفها جانبًا على الكومود الصغير.. تدعوها بود حقيقي..
-ياخبر... طبعًا أدخلي..
تدخل بهدوء وصوت كعب حذائها العالي ينقر بالأرض فيختل مابقى من توازن بداخله.. يردف بنظرات متسائلة
- عرفتي منين؟!
ترفع حاجبها المنمق تعاتبه..
- إيه... مكنتش عايزني آجي؟!
تدخلت نيرة تلطف الأجواء..
- في إيه ياكمال... تعالي اقعدي ياريم..
ثم استطردت..
- أنا بعتلها رسالة من شوية وعرفتها..
والتتمة استئذان مُتعجل..
-هنزل أجيب حاجة نشربها...
تقدمت ريم نحوه تسأله باهتمام.. وقد خرجت نيرة وأغلقت الباب من ورائها..
- طمني.. بقيت كويس دلوقتي!!
بخفوت أجاب..
- أحسن الحمد لله..
يجيب باقتضاب، دون أن ينظر إليها حتى..
فتلومه..
-تخيل لو مكنتش نيرة قالتلي مكنتش هعرف أصلًا..
صداع خبيث كاد أن يفلق رأسه، يضغط على جفنيه بشدة فتقترب أكثر
وعبق عطرها يزكم أنفه أكثر وأكثر، تلمس خصلات شعره القصيرة..
- أندهلك الدكتور..
برأسه يلعن ذلك الاقتراب.. جسده الواهن،
أليس من حق المريض العناق و القبلات..!!
ها هو وقد عادت الخيالات إليه من جديد، رجل شابت فؤديه يتخيل..!
تقطع تخيلاته باستياء ناعم..
- مش عايز ترد عليا... ع أساس إن مش انت اللي مزعلني..!؟
حاجباه ينعقدان بغضب وهو يرمق تلك المتبجحة..
-إنتِ هتنكري قولتيلي إيه...!
وقد لاحظت تشنج جسده، فتكلمت وهي ترفع ذقنها باعتداد
- عمومًا ده مش وقته ولا مكانه... بينا عتاب طويل أوي ياكمال
بس لما تكون كويس وتسترد صحتك..
.. وتحركت نحو حقيبة بلاستيكية لم ينتبه لوجودها بفضل تأمله بها،
تميل بخصرها تخرج محتوياتها أمام مقلتيه المشتاقتين وقد أذاق من شهد نعيمها ومازال المذاق عالق بقلبه... وكل حواسه..
تقترب، تضع عدة أطباق على الكومود المجاور له.. يسأل بجبين متغضن..
- إيه ده..
- عملتلك شوربة، وخضار سوتيه
يتهكم بسخرية لاذعة..
- وتعبتي نفسك ليه؟!
-تعبك راحة...
النبرة كانت صادقة حد اللاحد.. يلتفت، يدقق، يراقب وهج عينيها الصافي وهي تحدق به، فيرتبك وكأنه عاد مراهق يبلل شفتاه بعد أن شعر بجفاف،
- هتاكل اللي أنا جيباه كله... أنا اللي عملهولك بنفسي..
تثبت نظراتها بخاصته بجرأة وكأنها تخبره بأن لامفر من وجودها..
حاول النهوض من رقدته، يستند على ساعديه فيفشل بعد أن توجع بخفوت، ف انتفضت تقترب منه.. تسأله..
- أساعدك..!
ودون انتظار رده، كانت تساعده بالتحرك يستند على جزعها، حتى ارتفع قليلًا وبات وجهها بوجهه شبه ملتصقًا بعد أن عدلت الوسادة خلف ظهره..
طال عناق عيناهما ، وكم اشتاق لملامحها الجميلة، يبتلع ريقه الجاف على مهل، وقد انهارت مقاومته من هذا الاقتراب.. يُغمض عيناه
اللعنة لما لاتبتعد من أمامه.. ستتهاوى جميع حصونه أسفل قدميها هكذا..
وظلت هي على حالها.. والوضع بينهما كان قوب قوسين أو أدنى من التقبيل وتبادل الأنفاس و.....
دون طرق أو استئذان كانت نيرة تدخل مندفعة تحمل بين كفيها صينيه أعلاها اربع أكواب من النسكافيه..
تخشبت مكانها وقد أصابها الحرج من وضعهما.. تقاوم خجلها بمرح
-أنا جيت في وقت مش مناسب ولا إيه..؟
-آه....
خرجت بذات اللحظة من كليهما دون تخطيط.. فاحتقنت وجنتي نيرة خجلًا وحرجاً..
واستدركت ريم الموقف سريعًا فابتعدت ولاتزال بجواره.. تعض شفتيها بحرج شديد
-قصدي آه إنتِ اتأخرتي..
تأخذ منها الصينيه تسألها باستغراب..
- أربع كوبايات ليه..
لتضرب نيرة على رأسها وقد تذكرت..
-آه نور واقفة برة.. بتستأذن قبل ماتدخل..
.. والحمدلله أنها ظلت بالخارج.. لو كانت دلفت معها لكانت ماتت خجلًا من وضعهما..
ليهتف كمال بتأكيد
-قوليلها تدخل طبعًا..
.. هتفت نيرة باسمها، فدلفت على استحياء مبتسمة بحلاوة ملامحها..
تقترب بوقفتها من كمال، تغمغم باهتمام..
- حمدالله ع سلامة حضرتك ياأستاذ كمال..
فيرد هو بامتنان شاكراً..
- الله يسلمك يانور... شكرًا ع سؤالك..
"نور" يناديها نور، وأمامها، لما لا ينادي باسمها كاملًا
أو لا ينادي بالأساس.... ماهذا؟! أهي تغار..!
تدقق بنورهان، أنثى لطيفة، جمالها هادئ، ذلك الجمال الذي تراه فتشعر بالراحة وتعطيها القبول..
على حسب ذاكرتها بعد زواجها من كمال بوقت بسيط كانت غادرت المنزل بعد أن عرفت بأن أكرم سيطلقها، ويبدو أن الطلاق لم يتم بفضل وجودها وزيارتها لزوجها...
جذبتها نورهان وهي تمد كفها تنوي المصافحة..
-ازيك ياريم..
قابلت ابتسامتها بإبتسامة متكلفة، تمد يدها..
- انا الحمد لله.. إنتِ عاملة إيه؟!
.... وجلستهما معًا كانت خفيفة، يتبادلون الأحاديث الودية بينهما..
سلام وكلام وضحكات غنجة ورقيقة، وكمال يراقب باهتمام..
عيناه لاتترك تفصيلة واحدة بوجهها أو بحركة جسدها..
وريم والتي كانت مستاءة من حضور نورهان، وغيرتها على كمال
أشرقت ملامحها وزادت هدوءً بعد أن أكتشفت أن تلك ال" نورهان" فعلًا
لطيفة وخجولة..
وقفت نورهان تنوي المغادرة بسبب تأخيرها.. فاحتضنتها ريم وقد احبتها بالفعل، يتبادلن الأرقام..
وتبعتها نيرة إلا أن نورهان رفضت ولم تكن تريد ارهاقها، يكفي حملها..
......
.. خرجت من الغرفة، تسير بخطوات هادئة بالرواق وقد اتبعت طريق الدرج فالمصعد مشغول ولن يفرغ لوقتٍ ليس بقصير..
تميل بجسدها مع انحناء الدرج، تستند على السور خاصته، عدة درجات وكان أمامها..
اتسعت عيناه بمفاجأة، كانت مفاجأة حلوة.. يراها أمامه فتسبل أهدابها خجلاً، تعلقت عيناه بها، حجابها النبيتي الرقيق وملابسها المحتشمة والتي تليق بها وبشدة..
يصعد يتجاوز الدرجات، يأكل المسافة الواسعة بينهما بقدميه وهو يمد كفه يصافح فأعطته كفها بتردد.. فاختطفه يحتويه بكفه وطال، وقد أسره ملمسها الناعم ، تقريبًا كان لاينوي تركه..
توردت رغمًا عنها لتهمهم وهي تسحب يدها بأعجوبة..
-كنت بزور أستاذ كمال..
أكيد هي هنا لزيارة شقيقه، ماذا ستفعل هنا
بدلاً من أن تسأل عن حاله.. وكأنها بالأمس كانت نائمة بأحضانه..
تنهد بقوة، يسأل باهتمام..
- عاملة إيه؟
وبسؤاله يعنيه، فهو لم يرها منذ فترة، وكان آخر مابينهما اتصال هاتفي
وقت حادث ابن خالها.. ترد بخفوت..
- الحمدلله..
-أوصلك.!
- لأ.. شكرًا..
.. النبرة ممتنة دون ضيق وهو أراد ألا يضغط عليها فتستاء من جديد
أفسح الطريق لها، فنزلت تحت نظراته المراقبة
ولم يستطع التجاوز فعاود عرضه..
-أوصلك وارجع تاني.. مفيش مشكلة..!
-لأ بجد.. أنا عايزة أمشي شوية وبعدين هركب..
أومأ برأسه متهمًا، تريد الوقت الكافي، وسيعطيه لها والوقت كفيل باذابة جبل الجليد بينهما..
تعطيه ظهرها وتتابع نزولها وعند استدارة السلم.. التفتت له تناديه..
- أكرم..
وحينها نزل لمستواها، يقابلها ويفصل بينهما درجة واحدة، تلك الدرجة كانت كفيلة بأن يرى بوضوح ذلك الوهج اللامع بعينيها والذي لاتشوبه شائبه، وهج له ذوبان العسل بغابات الزيتون..
يسأل بعينيه، ولكنها كانت منشغله بحقيبتها، تعبث بمحتواها إلى أن أخرجت علبة مستطيلة من المخمل الكحلي.. تعطيها له على استحياء وقسمات متوترة..
يسأل بضيق عيناه..
- إيه ده؟!
تغمغم بصوت خفيض تنتظر رأيه..
- هدية... كنت حاسة اني هشوفك انهاردة..
يفتح العلبة أمامها باهتمام وبطء، حتى تفاجأ بقلم رفيع بلون ذهبي لامع
أنيق بشكل جذب نظره للوهلة الأولى، رغم أنه صعب أن يُجذب بأي شئ..
تمتم بصدق وهو يقلب القلم بأصابعه بخفة..
- جميل أوي..
تختلس نظرة جانبية نحوه وهو منشغل بهديتها لتميز اناقته البسيطة التي تشبهه،
تعلم بأن القلم سيعجبه، تفهم ذوقه جيدًا.. لذلك وقت أن رأت القلم قالت هو له..
رمقها بنظرة ثاقبة ليهمس بجدية..
- أجمل هدية جاتلي..
وحقيقةً كان لا يكذب، التماع بؤبؤ حدقتاه وابتسامته الواسعة التي تخترق قلبها كشعاع نور جعلتها متيقنة من صدقه..
أسبلت عينيها بحرج وهي تلتقط اقترابه منها، ياويلها بالتأكيد سيسمع ضربات قلبها الغبي عديم الكرامة...
ابتعدت خطوة، فـ افتر ثغره عن بسمة ممتنة..
-شكرًا...
ابتسمت برقة لتهنس بعفوية وكأنها اعتادت ع الجملة..
- من بعد خيرك..
تبدلت ملامحه الرائقة للنقيض.. شعر بأنها تلمح على معاملته بالسابق..
ولكن تورد وجهها وابتسامتها الصافية نفت شعوره..
-عنئذنك..
وتحركت، تنزل من جديد.. عدة درجات وكان يستوقفها مرة أخرى..
-نور..
فاستدارت بعد أن اتسعت ابتسامتها.. يخبرها بتباسط..
-أنا غيرت رقمي..
-بجد!!
بللت شفتيها لتتابع بارتباك..
-طب ممكن تديهوني عشان لو عوزت..
يقاطعها بنبرته الحاسمة كما قاطعها بخطواته..
-لو عوزتي اي حاجة تتصلي..
عضت على شفتيها بنزق...
-بس انا مش معايا ورقة..!
-ملهاش لازمة..
وقبل أن تتسائل او تسأل كان يمسك كفها برفق، يضعه بين كفه
وبكفه الآخر يكتب بقلمها التي اهدته له للتو على كفها
نقر القلم على كفها يدغدها، واقتراب بذلك لشكل أرسل قشعريرة بسائر جسدها.
تعض على شفتيها وقد اشتعلت ملامح وجهها كلها..
عيناه لاتحيدان عن وجهها المتلون بكل ألوان الطيف، يعلم مدى تأثيره
يتلكأ بكتابة الرقم.. إلا أن انتهى يبسط كفها ويعيدها إليها برفق مثلما أخذها..
-لما تروحي سجليه..
تهز رأسها، وهي تتحرك.. وتلك المرة تسرع بنزولها
تبتسم ابتسامة بلهاء حالمية، تضم كفها لقرب قلبها وملمس كفه لازالت تستشعره، ورائحة عطره....
- تابع الفصل التالي عبر الرابط:"رواية بيت القاسم "اضغط علي اسم الرواية