رواية وعد بلا رحمة الفصل السادس والعشرون بقلم ياسمين ابو حسين
رواية وعد بلا رحمة الفصل السادس والعشرون
في المساء تجمع الجميع بمنزل فضل رحال و سلوى و دولت في حالة يرثي لها على خطف إبنتيهما... كانت روضة تدعي القوة و قلبها ينفطر على صغيرتها.. تحتضن ريتال التي تطالع الجميع بذعر.. فقبلت وجنتها و حملتها و دلفت بها لغرفتها.. ثم أجلستها على فراشها و قالت بحنو:
_ يالا يا توتا هنغير هدومنا و اعملك ساندويتش و كوباية لبن و ننام تمام.
هزت ريتال رأسها بنفي و قالت و هى زامة شفتيها بحزن و قالت:
_ لأ مس هنام غير لما ماما ترجع.
ملست روضة على شعراتها و قالت بتفهم:
_ ماما هترجع كمان شوية ما تقلقيش و انا هنام جنبك زى ماما إيه رأيك؟!
رفعت عيناها لروضة و سألتها بعدم فهم و هي تضم ذراعيها بتوتر:
_ تيتة بتقول إن ماما حد هيقتلها و أنا مس مصدقة ربنا جميل و مس هياخد بابا و ماما و يسيبني لواحدى.
إبتلعت روضة غصة بصدرها فقلقها علي وعد و علا يزداد و لكنها رسمت إبتسامة هادئة و قالت:
_ انتى شطورة يا توتا ربنا جميل و مش هيزعلنا أبدا و ماما و وعد هيرجعوا الصبح و هي هتصحيكي علشان تفطرى معاها.
فركت ريتال عينها و قالت بتثاقل:
_ وعد يا مس روضة.
إحتضنتها روضة داخل صدرها و قالت و قد إنسابت دموعها على وجنتيها:
_ وعد......
رفعت رأسها للسماء و ناجت ربها قائلة:
_ يا رب بعظمتك و قدرتك أستغيث.. يارب إحميهم و إحفظهم و رجعهم بألف سلامة.. إنت القادر على كل شئ إحفظهم من شر البني آدم ده.. يا رحمن يا رحيم برحمتك أستغيث.
عادت بعينيها للصغيرة فوجدتها قد غفت بحضنها.. مددتها على الفراش و دثرتها جيدا و قبلت مقدمة رأسها و هي تهمس لها:
_ ماما هترجعلك يا توتا.. و وعد هترجعلي.
ثم وقفت و خرجت لتجلس بينهما.. لاحظت شخوب وجه جدتها فدنت منها و سألتها بخفوت:
_ مالك يا تيتة إنتي تعبانة؟!!
رفعت إمتثال عيناها ناحيتها و قالت بحزن:
_ انا مش مهم بس وعد و علا يرجعوا.
فتحت روضة حقيبتها و هي تحمد ربها أنها تذكرت دواء جدتها و اخرجت قرص من علبته و ناولتها إياه قائلة:
_ حطي يا حبيبتي حباية القلب دى تحت لسانك و لا عاوزة لما وعد ترجع تلاقيكي تعبانة.
بكف مرتجف اخذت إمتثال القرص و وضعته أسفل لسانها بإنصياع.. بعدما إطمأنت عليها سارت للنافذة و وقفت تتابع الطريق و قد أطلقت لدموعها العنان و تعالي نحيبها الصامت فوقفت روان بجوارها و ربتت على ذراعها قائلة:
_ يا روضة ده إنتي اللي بتواسي الكل تقومي تعملي كده بنفسك.
وضعت كفها على فمها لتقلل من إرتفاع نحيبها و هي تقول بتلعثم:
_ هي.. هي شافت كتير و حرام اللي بيجرالها ده.
تنهدت روان بأسي و قالت:
_ معاكي حق كل اللي علينا نقول يا رب.
رفعت روضة هاتفها و هاتفت مالك الذى اجابها مسرعاً:
_ ايوة يا قلبي.
فسألته من بين نحيبها:
_ طمني مافيش اخبار عنهم يا مالك.
اجابها بنبرة قاطعة:
_ إحنا وزعنا نفسنا و قبل الصبح هيكونوا معانا و بنسمع كل حاجة علا بتقولها هناك.
كففت دموعها و هي تسأله بتلهف:
_ شافت وعد يا مالك و لا لسه.
صمت قليلاً ثم قال بأسى:
_ لأ لسه.. بس حالة جاسم صعبة و مش هنرتاح غير لما نرجعهم إن شاء الله.. إهدى إنتي و خلي عندك ثقة بربنا.
عادت بعينيها للسماء من الشرفة و هي تقول بخشوع:
_ يارب يا مجيب الدعاء يا جابر الخواطر إجبر بخاطرنا كلنا و يرجعوا بالسلامة.
أمن مالك على دعائها و تابع قائلا:
_ آمين يارب.. انا هقفل دلوقتي و مش هقدر أرد عليكي تاني لأننا هنعمل مكالمة جماعية بين الظابط و جاسم و سامر و أنا... اول ما هعرف حاجة من نفسي هكلمك تمام.
اومأت برأسها كأنه يراها و قالت بوهن:
_ حاضر.. لا اله الا الله.
_ محمداً رسول الله.
أغلقت الهاتف فسالتها روان مسرعة:
_ إيه الأخبار؟!!
هزت رأسها بيأس و هي تطالع حال أمها و جدتها و دولت و قالت بأسي:
_ وعد لسه ما راحتش عند علا و هما بيسمعوا علا لكن هي مش سمعاهم.
تنهدت روان بحزن قائلة:
_ هيرجعوا سالمين بإذن الله.
..........................................................................
........................
كان يقود سيارته يتبعه ثلاث سيارات أخرى لرجاله و هو يضرب بين الفنية و الأخرى مقود سيارته بصراخ.. لم يعد ما بينهما دم طارق و اعماله القذرة فحسب.. بل تجرأ و إخترق بيته و يحتفظ الآن بأخته و.. وعد..
أتاه صوت سامر عبر الهاتف قائلا:
_ إهدا بقا يا جاسم مش كده انت مشتت تركيزنا يا أخي.
بينما جائهم صوت أحمد قائلا ليطمأنهم:
_ علا بقالها شوية ساكتة و مافيش أي صوت للأسف.
اجابه سامر و هو يقول بتنهيدة ثائرة:
_ ليه كده يا علا حرام عليكي.. هي بخير إن شاء الله.
أءمن مالك علي حديثه و قال:
_ اكيد هما بخير و ربنا هيرجعهم بالسلامة.
إنتبهت علا على حركة غريبة بخارج غرفتها.. فتحت الباب بهدوء و من خلال خط رفيع تابعت ما يفعلوه.. أحدهم يحمل إمرأة و مددها على الأرضية بإهمال فقالت علا هامسة:
_ في واحدة تقريبا ميتة او منومة واحد كان شايلها و حطها عالأرض بس مش قادرة أشوف منهم هي مين.
فقال أحمد مسرعا:
_ تقريبا وعد وصلت عند علا.
فصرخ به جاسم مسرعا:
_ هو ايه اللي تقريباً إنت عاوز تجنني.
اجابه أحمد:
_ هي قالت في واحدة حد جابها البيت و شكلها منومة و مش قادرة تحدد هي مين و أنا خمنت إنها وعد.
حتى أتاه صوت علا و هي تقول بحدة:
_ وعد!!!!
فسحب أحمد نفسا طويلا و زفره بحدة و قال:
_ هي وعد.
ركضت علا ناحيتها و إرتمت بجوارها و رفعت رأسها على ركبتيها و هي تصفع وجنتيها قائلة بصراخ:
_ وعد..... وعد ردى عليا يا حبيبتي..... وعد.
ثم رفعت عيناها ناحية أمير تطالعه شرزا و هي تقول بصوت أجوف عميق:
_ عمرك ما هتنضف يا خسيس إنت وعدتني لو جيتلك مش هتأذيهم.
ضحك ضحكة عالية و وضع ساقا فوق الاخرى و هو يقول بلامبالاة:
_ معلش دى بيني و بينها طار شخصي بسببها انا مطلوب راسي و كمان علشان احرق قلب اخوكي عليها.
ضمتها علا لصدرها و قالت بصراخ:
_ مش هسمحلك تمس شعرة منها و لو فكرت قسما بالله هقتل نفسي.
أنزل ساقيه و ثني جزعه للأمام مقتربا منها و هو يحدجها بقوة ثم قال بفتور:
_ انتي مش في موقف يخليكي تهدديني و لو فكرتي بس تأذى نفسك بنتك هتحصلك و إنتي شوفتي إيدي واصلة لجوة بيتكم إزاى.
إتسعت عيني علا و قالت بذعر:
_ بنتي لأ خرج ريتال من اللعبة القذرة دى.
عاد لجلسته واضعا ساقا فوق الاخرى مبتسماً بتشفي و هو يهمس:
_ إنتي ملكي و بتاعتي مهما حصل.
ضاق صدرهم فسأل سامر بقلق:
_ يا احمد باشا ارجوك ايه اللي حصل؟!!
أجابه بتلعثم:
_ مافيش بس احنا لازم نسرع شوية.
عض جاسم شفته كاد أن يقطعها و هو يكظم غضبه و صوت وعد يتردد برأسه بآخر كلمات لها و إعتذارها له... لم يكن يسمع شيئا من حديثهم و هو يلعن نفسه.. كيف طاوع نفسه و تركهم بمفردهم بتلك الظروف و ما الذى دفع علا لفعل ما فعلته.. من المؤكد أنها فقدت إيمانها به لذلك قررت القصاص لزوجها بيدها...
فسأله مالك بقلق:
_ ما بتردش علينا ليه يا جاسم؟!!
خرج من شروده قائلا:
_ إحنا قربنا من المكان عاوزين نمسح المنطقة كلها ما نسيبش فيها سنتيمتر واحد و باقصي سرعة.
اجابوه أجمعين:
_ اكيد.
.....................................................
..............
صور مبهمة و مهتزة تظهر أمامها.. و ألم شديد يعصف برأسها فإعتصرت عينيها و هي تتأوه بوهن.. صفعات متتالية علي وجهها يصاحبها ملامسة بعض قطرات للماء.. و صوت علا يصدح برأسها و هي تقول:
_ فوقي بقا يا وعد.. إنتي سمعاني؟!!
بدأت الرؤية تتضح شيئاً فشئ و وجه علا مقابل لها.. رفعت وعد رأسها الثقيل بتثاقل و هي تتأوه مجدداً فأردفت علا قائلة و هي تضع كفها امام وجهها:
_ وعد شيفاني كويس.. إيه اللي واجعك.
إبتلعت وعد ريقها و قالت بتلعثم:
_ راسي بتوجعني.
إنحني أمير عليها قليلا و قال بإبتسامة خبيثة:
_ نورتي يا مدام وعد.
إنتفضت وعد بجلستها و هي تتحسس حجابها و ملابسها و قد بدأ عقلها بالعمل و تذكر مداهمة منزلها و حمايتها للمى و خطفها و محاولة تخديرها فصرخت بفزع قائلة:
_ قسما بالله لو قربت مني و لا لمستنى لهكون مقطعاك بأسناني.
قهقه ضاحكاً و هو يقول بإستهزاء:
_ فاكرة لما شبهتيني بالصرصار و إتحدتيني اهه انا دلوقتي اللي هفعصك تحت جزمتي زى الصرصار.
إعترضت علا نظراته ناحية وعد بجسدها و قالت بغلظة:
_ بلاش تستفزني يا أمير و رجع وعد انت كنت عاوزني أنا و انا معاك اهه.
هام بوجهها قليلا و قال بتنهيدة ملتاعة:
_ إنتي حاجة تانية يا قلبي و وجودك معايا كان مجرد وقت مش اكتر سواء جيتي بنفسك أو أنا اللي جبتك.
ثم مال براسه قليلا و طالع وعد شرزا و هو يقول:
_ إنما البت دى فهي مجرد حشرة حكمت على نفسها بالموت يوم ما اتدخلت في اللي ميخصهاش و لازم تدفع التمن و كمان علشان أكسر عين أخوكي اللي كان عامل راسه براسي.
دفعتها وعد قليلا و قالت و هي عابسة بعينيها تقاوم الام رأسها:
_ لا عشت و لا كنت قبل ما تفكر بس مجرد تفكير إنك تكسر عينه عارف ليه.. لأنه أشرف منك و أنضف منك و الكل بيحبه و بيحترمه إنما انت زرع شيطاني.
صك على أسنانه و رفع كفه و هوى به على وجهها فقطع خاتمه جانب شفتها العلوية فصرخت متألمة بينما إحتضنتها علا مسرعة و حمتها بجسدها و هي تتوسله قائلة:
_ لأ يا أمير ضرب لأ أرجوك.
لم يكن يسمعها فجذب رأس وعد من بين أحضانها و هو يشد بقبضته على شعراتها من تحت حجابها هادراً بغضب:
_ أنا هوريكي يا ***** الزرع الشيطاني ده هيعمل فيكي إيه؟!!
كانت وعد تصرخ متألمة من شعراتها و علا تحاول فك قبضته عن رأسها حتي إنخلع حجاب وعد بكفه و إنهمرت شعراتها حول جسدها.. وقف أمير مشدوها من طول شعراتها و لونها و هو يطالعها بنهم و إعجاب.. بينما كانت وعد تلملمهم و تبكي و هي تبحث بعيناها عن شئ تستر به رأسها.. فخلعت علا سترتها و لفتها حول رأسها و وقفت علا امامه و هي تحدجه بقوة هادرة بصراخ:
_ لو لمستها تاني هندمك و حقها جاسم هياخده منك إوعي تفتكر إنه هيسيبك لانك من دلواقتي ميت.
جذب علا من ذراعها و قربها له قائلا بهمس:
_ يا ريت يجي ياخد حقها علشان أقتله زى ما قتلت طارق.
إشتعلت عيناها و هي تحدجة بعيني متسعتين حتي إقتربت هي منه و قالت بهمس يشبه حفيف الافعي:
_ إعترفت على نفسك يا مغفل و طار جوزى هاخده منك حالا.
و سحبت مسدسه من حزام بنطاله و سحبت امانه و صوبت فوهته ناحيته و هي تقول بشراسة:
_ العين بالعين و السن بالسن و البادى أظلم.
صرخت بها وعد و هي تصم آذانها و قد إنكمشت بنفسها ضامة ركبتيها لصدرها بينما إبتلع أمير ريقه بتوتر و هو يقول اثناء الرجوع بظهره للخلف:
_ نزلي السلاح يا مجنونة.
إبتسمت بمكر و قالت:
_ جه وقت الحساب يا كلب.
زاد صراخ وعد و هي تقول بذعر:
_ لا يا علا دم لأ.
لثانية غفلت علا بعينها ناحية وعد.. فركض أمير نحوها مسرعا و إرتمي بجسده عليها فسقطا الإثنين على الأرضية و هو يكبل جسدها بجسده متحكماً في حركتها و يحاول جذب السلاح من يدها و هي تصرخ بهيستيرية و تسبه حتى إنطلقت الرصاصة و إستقرت بجسد أحدهما...
زاد صراخ وعد بهيستيرية و هي تتمتم بإسم علا... فصرخ بالمقابل أحمد برجاله و قد سمعه الثلاثة حين قال:
_ في صوت ضرب نار يادى المصيبة.
صرخوا جميعاً بهيستيرية و جاسم يصرخ قائلا:
_ لااااااا يا رب ده مش عدل.
و قال سامر بصوته الغليظ و قد إرتعد كما ترتعد فرائسه الآن:
_ مين اللي إتضرب بالنار.
صمت أحمد قليلا و قال بأسف:
_ يا امير يا..... علا.
🌸🌸🌸🌸🌸🌸
ساد الصمت لثواني و كأنهم على رؤوسهم الطير.. لا يقطعه سوى صوت نحيب وعد عند أحمد الذي ينتظر ان تنطق بكلمة حتى أتاه صوت علا قائلة:
_ إبعد عني يا مقرف.
فتحت وعد عيناها علي صوت علا وجدتها تدفعه بعيدا عنها و هو ينزف من كتفه.. فزحفت على ركبتيها ناحية علا و بنظرة شمولية سألتها بلهاث:
_ إنتي كويسة.. هو اللي مات و لا إنتي.
دفعت علا أمير المتأوه إثر طلقة رصاص إخترقت كتفه الأيسر.. و جففت الدماء التي سالت على كفها تاركة السلاح من يدها و طمانت وعد قائلة بتقزز:
_ أنا كويسة بس قرفانة من دمه القذر اللى وسخ ايديا ده.
هتف أحمد مسرعا:
_ الرصاصة جت بأمير.
تنفس الجميع الصعداء و قال مالك مسرعا:
_ الحمد لله.
فتابع احمد قائلا بقلق:
_ ده أخطر لانه لو ماماتش هتكون مصيبة.. يا جاسم بقيت فين إبعتلي إحداثياتك.
اجابه جاسم و هو ينحرف عن الطريق الرئيسي:
_ انا وصلت للمكان اللي حددته و هبعتلك اللوكيشن حالا يا رب يكونوا قريبين من هنا.
صف جاسم سيارته و هبط مسرعاً متطلعاً بالرمال و آثار السيارات عليها.. و تطلع للبعيد وقف سيارات رجاله ورائه و هبط واحد منهما و سأله بقلق:
_ في حاجة يا باش مهندس.
إلتفت جاسم إليه و أشار على الرمال بانامله و قال:
_ دى آثار عربيات و شكلها من شوية يمكن احنا عالطريق الصح يالا بينا نمشي عالآثر خليكم ورايا بسرعة.
و عاد لسيارته صعدها و أدارها منطلقاً و قال لأحمد:
_ احمد باشا في آثار عربيات عالرمل انا همشي وراها يمكن نوصل لحاجة اللوكيشن عندك ابعته لمالك و سامر لو طلعت انا عالطريق الصح تدعموني بسرعة.
اجابه سامر مسرعاً:
_ انا اقرب حد ليك و المكان اللي انا فيه طلع فشنك مافيهوش حاجة انا هلف و ارجع علشان ابقي قريب منك.
إحتضنت وعد علا و هي تقول بفرحة:
_ الحمد لله يا علا إنك كويسة.
في غضون ثواني إمتلأت الشقة برجال أمير الذين صوبوا فوهة أسلحتهم تجاه وعد و علا بينما دنا احدهم منه و ساله بقلق:
_ امير باشا إنت كويس؟!
سعل أمير متأوهاً و هو يجيبه:
_ الرصاصة..... في كتفي.
خلع الرجل سترته و فك أزرار قميصه و تطلع بجرحه ثم إلتفت لرجاله و قال:
_ إنت هاتلي برشامتين ترامادول و شوية ماية و إنت سخنلي سكينة بسرعة و هاتها.
صرخ أمير متأوها و قال:
_ هتعمل ايه؟!
خلع الرجل قميصه و هو يقول بهدوء:
_ الترامادول هيوديك في دنيا تانية... ما تقلقش مش هتحس بحاجة خالص.
إنكمشت وعد و علا امام هؤلاء الجدران البشرية.. بينما اعطاه الرجل الحبوب و انتظر دقائق ثم أمر رجاله بتكبيله و غمس السكين الساخن بجرحه فصرخ صراخاً عاليا.. تصاعد معه صراخ علا و وعد الذى وصل لأحمد فسأل جاسم بقلق:
_ إيه الأخبار عندك يا جاسم رد بسرعة.
زفر جاسم فاقداً صبره و قال:
_ لسه ما وصلتش لحاجة خالص.
إستمر الرجل في محاولاته حتى أخرج الرصاصة من كتفه أخيراً.. فسقطت رأس أمير مغشياً عليه.. رفعه أحد رجاله و مددوه على الأريكة و هم يتطلعون ناحية وعد و علا بنظرات غريبة...
مال احدهم على الآخر و قال هامساً:
_ هي دى الحريم و الا بلاش.
حك الآخر ذقنه بسلاحه متمعناً بجسد علا و قال:
_ البت دى صاروخ.
وخزه بذراعه و قال محذراً:
_ دى بالذات لأ ده أمير باشا يطير رقبتنا فيها دى.
إبتسم الآخر بسخرية و قال:
_ ما هو مرمي بين الحياة و الموت اهه و شكله هيموت نزف كتير.
هز كتفيه و هو يسأله بعدم فهم:
_ قصدك إيه مش فاهم.
وضع سلاحه بسترته و توجه ناحية علا يطالعها بإشتهاء و هو يقول:
_ انا هدخل الأوضة جوة مع الصاروخ مش عاوز حد يزعجنا.
فغرت علا فمها و هي تراه يتقدم ناحيتها و تمسكت بوعد و هي ترتجف حتي إقترب منها و جذبها من ذراعها قائلا:
_ تعالي يا قمر ده انا اعجبك قوى.
تشبثت وعد بها و قالت بصراخ:
_ سيبها يا حيوان ربنا ينتقم منك.
تطلع جاسم بالمنزل الذي يبعد عنه بضع مترات و يقف امامه سيارات فارهة و قال بصياح:
_ لقيت البيت.. يا احمد باشا يا سامر لقيت البيت.
تنهدوا جميعا حتي قال مالك بفرحة:
_ بسرعة يا جاسم بس خد بالك اكيد مسلحين.
هدر بهما أحمد بعصبية و هو يقول:
_ خليك مكانك يا جاسم انت كده عملت اللي عليك ده دورنا و عامة انا و القوة اللي معايا قريبين منك.. ارجوك إسمع كلامي.
صف جاسم سيارته و سحب سلاحه من جواره و اغلق هاتفه و قال:
_ من مات دون اهله فهو شهيد.. اشهد أن لا اله الا الله و أشهد أن محمدا رسول الله.
لاحظ الجميع إنقطاع الخط بينهم و بين جاسم فضرب أحمد مقود سيارته و قال بحدة:
_ غبي.
زاد سامر من سرعة سيارته و هو يقول بلهاث:
_ يا جماعة لازم نلحقه هو لواحده مع رجالته مش كفاية انا دقايق و هوصل للوكيشن اللي بعته آخر حاجة.
كان صراخ علا يتزايد و وعد مازالت متشبثة بها.. إستفاق امير من غفوته و صوت علا يصدح برأسه.. فتح عينيه. لف رأسه ناحيتها فرأى ذلك الشخص يجذبها ناحيته و يحاول تلمسها.. حاول رفع كتفيه دون جدوى وهن جسده جعله لا يقوى على الحركة.. فسحب جسده مجددا و حاول الوصول لسلاحه القانط بجوار ساقه.. مرة بعد مرة حتي لامست أنامله طرف السلاح...
جذب الرجل علا بقوة فسقطت وعد على ظهرها متأوهه حاولت علا الفرار فجذبها من قدمها و سحلها هنا وصلت كف أمير لسلاحه و هو يضغط أسنانه من ألمه و قد زاد نزيفه فعدل من وضعه بين يده و رفعه بيده المهتزة وصوبه ناحية ذاك الرجل و أطلق سراح رصاصته و صرخته المتألمة....
رفع جاسم رأسه ناحية المنزل و صرخ برجالة:
_ بسرعة يا رجالة.. و زاد ركضهم ناحية المنزل فرآهم أحد رجال الحراسة الذى ما ان رفع سلاحه حتي أصابته طلقات جاسم ورجاله..
وقف رجال امير مشدوهين بين صديقهم الذى مات صريع طلقة أمير و بين صوت الطلقات الكثيرة بالأسفل.. و علا قد فقدت وعيها من ذعرها...
فتحوا نوافذ البيت و بدأو في تبادل الطلقات النارية مع جاسم ورجاله.. الذين إحتموا بالسيارات.. و بعد قليل لاحظت وعد إنشغال الجميع فزحفت ببطء حتى باب الشقة و هي تطالع المسافة بينها و بين علا فقررت تكملة زحفها لمجرد فكرة ان جاسم معرضاً لخطر الاصابة بأحد الطلقات..
ما أن وصلت للباب حتي وقفت متثاقلة و ركضت علي الدرج مسرعة وقفت امام الباب الرئيسي حتى رأت جاسم مختبئ بجوار باب احد السيارات و الطلقات تنهال على رأسه.. فركضت ناحية صارخة بخوف:
_ إبعد يا جاسم دول مش بيهزروا إرجع.
إتسعت عيني جاسم و هو يراها تتقدم راكضة ناحيته.. فركض هو الآخر ناحيتها و هو يشير لها بالتراجع قائلا:
_ إستني مكانك يا وعد.
إخترقت إحدى الرصاصات ساقه فسقط صارخاً.. بينما وقفت وعد مكانها و صرخت بذعر و هي تراه ينزف من ساقه في ذلك الوقت وصل سامر و رجاله و بدأو في إطلاق الرصاصات ناحيتهم فسقط أحدهم ميتاً... و إختفي البقية داخل الشقة...
ركض سامر ناحية جاسم الذى قال بتأوه صارخ:
_ خلي وعد تركب العربية بتاعتي و اقلع الجاكيت بتاعك و اديهولها حالا شعرها باين.
زحفت على ركبتيها ناحيته و إرتمت بحضنه و هي تجهش بالبكاء فعدل من سترة علا على رأسها و ضمها إليه لتهدأ فدنا منها سامر و لف سترته حول كتفيها و هو يطالع البيت بقلق من هدوءه.. حتي سكنت و طالعت جاسم بشوق و هي تقول من بين عبراتها:
_ انا سبب الرصاصة اللي في رجلك دى هفضل سبب اى أذى ليك.
ضاق صدر سامر فقال فاقدا صبره:
_ يا وعد مش وقته قومي إدخلي عربية من عربياتنا خلينا نساعده و نطلع نخلص علا.
ربت جاسم على وجنتها و قال متحكماً بالم ساقه:
_ اسمعي كلام سامر يالا و بسرعة تجرى لأى عربية و تدخليها و مهما حصل ما تنزليش منها إتفقنا.
اومأت برأسها و سألته بقلق:
_ طب قوم معايا خلينا نروح بيك المستشفي بسرعة.
اجابها بنبرة قاطعة:
_ لما أطمن على علا اسمعي الكلام يالا.
وقفت مسرعة و عدلت من غطاء رأسها و سارت حتي أحد السيارات و فتح لها رجل من رجالهما الباب حتي دلفت فأغلقه و وقف يحرسها.
خلع جاسم قميصه ولفه علي ركبته اعلي الطلقة النارية و عقصه بكل قوته لوقف النزيف فساله سامر بتعجب:
_ إنت ناوى على إيه؟!!
فهم نيته ما ان رآه يهم واقفا علي ساق واحدة و يجر الآخرى متحملاً آلامها و هو يقول:
_ هجيب أختي لو على موتي.
أشار سامر لرجالهما فهو يعلمه جيدا و يعلم صلابة رأسه و هذا ليس وقتاً للجدال.. صعد سامر و رجاله اولا و جاسم يقفز على ساق واحدة صاعدا بها الدرج.. هذا الصمت بات يقلقهم فوقف سامر يلتقط انفاسه و صاح قائلا:
_ علا إنتي سمعاني؟!
أجابه أحدهم:
_ هي معانا و احنا مالناش في الحرب اللي بينكم سيبونا نمشي مش هنأذيها و حقكم خدوه من اللي آذاكم فاحسنلكم تسيبوا سلاحكم قبل ما تدخلوا.
فكر سامر لثانيتين و دلف رافعاً كفيه بإحداهما سلاحه ثم إنحني و هو يطالع أحدهم موجها فوهة سلاحه ناحية رأس علا التى تطالعه بذعر فقال له محذراً:
_ إياك تلمسها أنا هعملك اللي إنت عاوزه.
تطلع سامر بجواره فوجد أمير ملقى على أحد الأرائك عاري الصدر بضماد إمتلأ بالدماء و كتفه متهدل على الأرضية و يتأوه بأنين مكتوم.
عاد بعينيه إليهما و قال بجدية:
_ انا بنفسى هنزل معاكم و أوصلكم لغاية عربياتكم بس سيبوها و رفعوني أنا و وعد شرف مني محدش هيمسكم.
تطلعوا ببعضهم و قد إستدار سامر واضعا كفيه خلف رأسه بإستسلام.. توجه ناحيته احدهم بحذر و تأكد انه لا يحمل أى أسلحه و أشار للآخر أن يتقدم فترك علا و توجه ناحيته فصاح سامر قائلا:
_ محدش يفكر يأذيهم يا جماعة هما مالهومش في اللي بينا و بين أمير انا هنزل معاهم لحمايتهم.. محدش يلمسهم.
دلف جاسم للشقة يجر ساقه فإنتفضوا مذعورين.. فقال مسرعاً:
_ انا مصاب و مافيش سلاح معايا و زى ما سامر قال عليكم الآمان إنزلوا معاه.
دفعوه قليلا للداخل و صوبوا سلاحهم في رأس سامر و خرجوا من الشقة.. ركضت علا و إختبأت في صدر جاسم و هي تبكي بهيستيرية... ضمها إليه براحه بينما هبط كل رجال سامر للاسفل و وقفوا يتابعوا إنصراف رجال آمير بهدوء..
هدأ جاسم علا قائلا بقلق:
_ حد مسك و لا عملك حاجة؟!!
هزت رأسها نافية و هي تقول بإرتجاف:
_ لأ انا كويسة.. إنت اللي رجلك مالها.
أبعدها عنه قليلا و تطلع داخل عينيها و قال لطمأنتها:
_ ده خدش من رصاصة ما تقلقيش.
ثم إشتعلت عينيه بنار الحقد و الكره و دفعها بعيداً عنه و سار عارجاً بساقه ناحية أمير و هو يسبه و ما ان إقترب منه حتى إنحني و إلتقط سلاحه من يده و رفعه ناحية صدره فوقفت علا أمامه و إعترضت إتجاه سلاحه بجسدها و هي تقول:
_ لا يا جاسم ما تورطش نفسك بروح.
صك أسنانه بغضب و دفعها هادراً بها بعصبية:
_ بتدافعي عن مين ده قتل جوزك و كان هيموتنا كلنا إوعى من وشي.
عادت مرة آخرى وإعترضته قائلة بنبرة قاطعة:
_ رغم كل ده لولاه كان الكلب اللي مرمي قدامك ده هيغتصبني و هو رغم إنه بيموت بس حماني منه.
تطلع جاسم بجثة أحد ملقى على الأرض و أخفض فوهة سلاحه و دسه بجيب بنطاله.. و سار ناحيته يطالعه بتشفي ثم جلس بجواره على الأرضية و رفع خصره للأعلي ممدا اياه على ظهره يطالع شحوبه و قال بحدة :
_ تعرف.. نفسي أقطع من جسمك حتت و أرميها لكلاب السكك و اشوفهم بينهشوها بعنيا بس لا تربيتي و لا ديني يسمحولي بكده.
إندفع سامر لداخل الشقة و ما أن طالع علا حتى ركض ناحيتها و إحتضن وجهها بين كفيه و طالعها بنظرة شمولية و هو يسألها بقلق:
_ إنتي كويسة يا عمرى؟!!
اجابته بوهن:
_ أيوة الحمد لله.
إنتبهوا علي صوت سيارات الشرطة و سيارات الإسعاف.. و بعد ثواني إمتلأ المكان برجال الشرطة و مالك و الكل يتطلع إلا أمير بتعجب.. حتى سردت علا كل ما حدث...
عاينه أحد الأطباء الذى نكس رأسه و قال بأسي:
_ فقد دم كتير جدا للأسف.. البقاء لله.
إستندت علا برأسها على صدر جاسم و هي تطالعه بنظرات خاوية.. دنا منه مالك و أغلق له عينيه و هو يقول:
_ خلاص رحت المكان اللي هتتحاسب فيه عن كل حاجة عملتها و هتقف بين إيد ربنا و طارق هياخد حقه منك يوم يختصم المختصمون.
تأوه جاسم من ساقه فإقترب منه سامر و هو يقول بقلق:
_ يالا يا جاسم رجلك بدأت تنزف عربية الإسعاف قدام البيت.
وقف متثاقلاً فداهمه دوار شديد و سقط مغشياً عليه.. ركض الجميع ناحيته و علا تصرخ بفزع حتي تم حمله على فراش متحرك للإسعاف و هبطوا به الدرج مسرعين
وقفت وعد تستمع لصراخ علا بإسم جاسم و هي ترجوا المجندين قائلة بنحيب:
_ سيبوني أدخل ده جوزى حرام عليكم.
لاحظت خروج المسعفين و هم يحملون جاسم علي فراش محمول فإندفعت ناحية سيارة الاسعاف و صعدتها و جلست بجواره متمسكة بكفه و تقول من بين عباراتها:
_ جاسم.. رد عليا يا حبيبي.
عاد من ثباته على صوتها ففتح عينيه و طالعها بوهن و شدد على كفها بقبضته.. فقبلت كفه و هي تقول بتلعثم:
_ هتبقي كويس إن شاء الله ما تخافش انا معاك.
أغلق عينيه مجدداً و قد أغشي عليه.. ضرب المسعف ضهر كرسي السائق و صاح قائلا:
_ إطلع بسرعة يا عبده نزف دم كتير.
اغلق سامر الباب عليهم و إلتف لعلا التي تطالعه ببكاء و إحتضن وجهها بين كفيه و قال لطمانتها:
_ هيبقي كويس متقلقيش جاسم اقوى من كل اللي مر بيه.
رفعت عيناها للسماء و قالت برجاء:
_ يا رب يطمنا عليه.
ربت مالك على كتفه و قال مسرعاً:
_ يالا يا سامر بسرعة خد علا عالمستشفي إطمن عليها و أنا هروح للحاج فضل اعرفه اللي حصل و اخدهم و أحصلكم على المستشفي.
اومأ سامر برأسه و قال:
_ تمام هنستناكم.
صعد سامر و علا سيارتهم و تبعوا عربة الإسعاف بينما بقي مالك مع أحمد حتى حملت جثة أمير امامه و تم نقلها بعربة الإسعاف...
فصعد سيارته هو الآخر و توجه لمنزل فضل رحال.....
.................................................................
...................
مرت الأيام و الأسابيع و الشهور و قد تغير بها ما تغير و بقي منها ما بقي.. و هي متوقفة لم تتقدم و لم تتراجع.. زادت زياراتها للطبيب بالفترة الأخيرة.. و تحاول بقدر الإمكان الإعتماد على حالها.. تتحسن حالتها شيئاً فشئ و تحاول التخطي قدر الإمكان و لكن دون فائدة...
لم تصدق تلك النقطة التي قد وصلت إليها.. فإبتسمت بسخرية و هزت رأسها بيأس.. تلك الحياة تحتاج عقلاً لم يخلق بعد لفهمها..
_ وعد.
إلتفتت وعد برأسها و قالت مسرعة:
_ ايوة يا طنط براء ثانية واحدة و جاية.
إرتدت وعد حجابها و خرجت مسرعة.. فوجدت زوجة أبيها براء جالسة مع مديرها بالعمل فإقتربت منه و هي تقول بإستحياء:
_ آسفة و الله يا أستاذ محمد غصب عني تأخيري ده.
وقف امامها و قال بإبتسامة ودودة:
_ حصل خير يا ستي المهم دلوقتى هاتي الملفات اللي خلصتيها و انا هكمل و بكرة الصبح قدميهم إنتي بالشركة مش حابب مكانتك الجديدة تتهز.
اجابته وعد بود:
_ مش عارفة أشكرك إزاى بس انا بحاول لسه أتعود على جو الكويت الحار نار زى الشيبسي ده.
تعالت ضحكاته و قال بمزاح:
_ شيبسي.. ما انا مصرى زيك أهه و مستحمل عادى.
جلست امامه و هي تناوله ملفاً ممتلأ و قالت بتعب:
_ أنا مجرد ما اخرج من التكييف و اقابل الجو بالشارع من شدة الحرارة أنفي بينزف دم فوراً.
هز رأسه بأسى و قال:
_ معلش بكرة تتعودى.
قدمت له براء الضيافة لكنه وقف مسرعاً و قال بأدب:
_ متشكر جدا يا فندم بس أنا مضطر أنزل علشان أخلص الملف لوعد و إلا ده هيأثر عليها بالسلب.
إبتسمت إليه براء بود و قالت:
_ كل مرة ما بتاكل شى المرة الجاية هتتغدى معانا.
ضحك محمد ضحكة عالية و قال لها مداعباً:
_ حضرتك بقيتي تحكي مصرى افضل مننا.
حركت براء كتفيها بتسليم و قالت:
_ إتعودت عيسي الاول و بعده وعد.
حمل الملف و قال و هو ينصرف:
_ وعد بكرة لازم تيجي الشغل مش من أولها هتقضيها أجازات كده مش كويس علشانك ده.
أوصلته للباب و هي تقول زامة شفتيها بحزن:
_ اكيد هاجى مهما حصل هعمل إيه.
تطلع إليها قليلا ثم إستأذنها قائلا:
_ خلاص تمام.. اشوف وشك بخير.
اجابته بإبتسامة خافتة:
_ مع السلامة.
أغلقت الباب و دلفت للداخل فغمزت لها براء و قالت بمداعبة:
_ شكله بيحبك يا وعد.
قطبت وعد حاجبيها و قالت مسرعة
_ حب ايه بس ده بيساعدني مش أكتر.
إقتربت منها براء و قالت بحنو:
_ يا حبيبتي حياتك مش هتقف.. لازم تتزوجي بيوم.
تنهدت وعد بأسى و قالت:
_ خدت نصيبي يا طنط الحمد لله و انا عشت احلى قصة حب و أحلي حالة زواج بالدنيا و بحمد ربنا عالفترة دى حتى لو كانت مجرد ايام بس.
و تركتها و عادت لغرفتها و قد تجمعت عبراتها بعينيها كعادتها... ثم أخرجت هاتفها و طالعت صورهما سويا بالزفاف او صورهم العادية و نظراته الهادئة و ضحكته الساحرة.. إشتاقته و إشتاقت لكل شئ معه...
إنتبهت على رنين هاتفها فسحبت نفساً طويلا و أجابت مسرعة:
_ روضة حبيبتي.
أتاها صوت روضة قائلة بشوق:
_ وحشتيني قوى يا قلب أختك ينفع كده يا وعد مصعبناش عليكي كل الفترة دى.
جلست وعد على فراشها و قالت و هي تكفف عبراتها:
_ انا مرتاحة هنا يا روضة طمنيني على ماما و تيتة و عمرو و روان و كلهم.
اجابتها روضة بخفوت:
_ إنتي وحشانا كلنا و مفتقدينك يا وعد و أيامنا مملة من غيرك.
نبرة الحزن بصوت روضة اذابت تماسكها فقالت بدموعها التي إنهمرت مجدداً:
_ هتتعودوا أنا خلاص قررت أستقر هنا و بدأت اشتغل بشركة و أمورى كويسة.
شهقت روضة شهقة عالية و صاحت قائلة بفزع:
_ شغل؟!! إنتي قولتي فترة و هترجعي إنما إقامة على طول يا وعد مش هسمحلك و لا هسامحك إنتي سامعة.
إبتلعت وعد دموعها التي إنسابت علي شفتيها و قالت بحزن:
_ غصب عني والله.
صاحت بها روضة بغضب:
_ عمرك ما كنتي ضعيفة يا وعد و لا بتستسلمي بسهولة تقومي تسيبي الدنيا كلها و تهربي.
تطلعت وعد بمرآتها و نزعت حجابها لتنسدل شعراتها التي قد إغتالتها يداها و قصتها دون رحمة ليصل طولها الآن إلي منتصف ظهرها بعدما طالت قليلا الشهور الماضية.. و مررت اناملها بهم قائلة بأسى:
_ انا علشان وعد القوية مشيت وسبت كل حاجة .. لو كنت ضعيفة كنت هفضل قاعدة أستناه و اترجاه و هو إتحول لحجر و قلبه قسى عليا انا بعد كل اللي مرينا بيه.. ما كنتش هقدر أستحمل كنت هنهار يا روضة.
ساد الصمت بينهما حتي خرج صوت روضة شاحباً و هي تقول بنبرة هادئة و قاطعة :
_ وعد أنا فرحي آخر الشهر ده و لو مانزلتيش مصر و حضرتي الفرح وعد مني ما هسامحك بحياتي.
ها هو وعد جديد بلا رحمة أطلقته روضة كما أطلقت دموعها قبل ان تغلق الهاتف تاركةً وعد متصنمة مكانها و الهاتف مازال على أذنها و قد أصابتها الصدمة..
هل روضة الحنونة الهادئة قد قررت لفظها من حياتها هي الآخرى بتلك السهولة.. لم تشعر بوالدها الذى دلف لغرفتها و جلس بجوارها يطالعها بقلق و هي لم تسمعه فهزها قائلا بخوف:
_ إنتي كويسة يا بنتي؟!
سقط الهاتف من يدها و إلتفتت إليه بذعر ثم تمالكت أعصابها و قالت بتعجب:
_ بابا!! حضرتك جيت إمتى.
إنحني و إلتقط هاتفها من على الأرضية و قال:
_ من شوية سمعتك بتكلمي حد فقولت أطمن عليكي.
إستندت بكفيها علي طرف الفراش متمسكة به و هي مطأطأة رأسها و قالت بنبرة خافتة:
_كنت بكلم روضة.
هز رأسه بتفهم و إعتدل بجلسته قائلا:
_ أكيد قالتلك على ميعاد فرحها.. أنا عامة هنزل مصر اول الإسبوع الجاي لو حابة تنزلي معايا تمام مش حابة أنا مش هغصب عليكي يا بنتي.
إستندت برأسها على كتفه و قالت بهدوء:
_ من هنا لوقتها ربنا يسهل.
دلفت براء عليهما و قالت بمداعبة:
_ السفرة جاهزة يا جماعة عاملة ليكم محاشي مصرى و حمام محشي مصرى إنما إيه عظمة.
تعالت ضحكات عيسي الذي طالع وعد بطرف عينه و سألها بمكر:
_ عظمة هاااه.. إنتي عملتي فيها إيه؟!!
ضحكت وعد و قالت بمداعبة :
_ إصبر عليا شوية و انا هخليهالك من شبرا.
تعالت ضحكاتهم فضمها عيسي لصدره بذراعه و براء تطالعها بإشفاق.. منذ اليوم الأول لوعد معها و هي تشفق عليها.. لم تنسى نوبة الصراخ التي داهمتها اول يوم لها و كيف حطمت كل زجاج غرفتها و حينما كسروا الباب للحاق بها كانت قد قصت شعراتها الطويلة بهيستيريا و بكفين قد أغرقتهما الدماء من الزجاج المنثور بكل مكان..
يومها حقنتها براء بحقنة مهدئة حتي سقطت مغشياً عليها فحملها عيسي لغرفته و بقيت براء بجوارها طوال الليل حتي إستيقظت فإحتضنتها براء بحب و حاولت جاهدة مواساتها و منذ ذلك اليوم و وعد تحبها و قد وجدت بها براء اختاً صغيرة تملأ فراغ يومها.
- تابع الفصل التالي عبر الرابط:"رواية وعد بلا رحمة"اضغط علي اسم الرواية