رواية وعد بلا رحمة الفصل الثامن والعشرون بقلم ياسمين ابو حسين
رواية وعد بلا رحمة الفصل الثامن والعشرون
جلس امام حاسوبه منهمك بشدة و هو يراسل أحد العملاء فمنذ إفتتاح شركة رحال الهندسية و قد بلغ التعب منهم ثلاثتهم.. حتى مالك يقسم نفسه بعناء بين تجهيز شقته و عملهم الجديد و القديم..
إنتبه على رنين هاتفه فأجاب مسرعاً:
_ عايزة ايه يا علا.
اجابته علا بوهن:
_ عاوزة أقابلك يا سامر مينفعش كده و الله.
أغلق شاشة حاسوبة بغضب و زفر انفاسه بقوة و هو يقول:
_ هو إيه اللي مينفعش و عاوزة تقابليني ليه إرحميني بقا يا علا أنا خلاص صبرى نفذ و مبقاش فيا حيل للعب العيال بتاعنا ده.
وصله تنهيدتها الهادئة و هي تقول:
_ أنا مش فهماك يا سامر.
إبتلع ريقه بتوتر و هو يصيح بها بعصبية:
_ مش فهماني أنا!! بصي يا بنت الناس إنتي لو رجعتيلي علشان تنتقمي مني و تشمتى فى عذابي فأنا بطمنك إنتي إنتقمتي و كرهتيني في نفسي و فيكي و في العالم كله إشمتي براحتك بقا و سبيني في حالى.
سألته بتعجب حزين:
_ كرهتني يا سامر.
مرر أنامله بشعراته الكستنائية و التي قد طالت بالفترة الأخيرة و قال ناهياً الحوار:
_ سبيني دلوقتي يا علا أنا تعبان و مش طايق نفسي معلش أنا هقفل سلام.
و أغلق هاتفه و رماه على سطح مكتبه..
وقف مالك على باب المكتب يتابع غضبه بإشفاق و إقترب منه قائلا:
_ مش كده يا سامر حرام عليك.
ضغط سامر عينيه بقوة و زفر زفرة اخرج بها عصبيته و هو يقول:
_ سيبني في حالي يا مالك مش ناقصك لو عاوز تتكلم في الشغل انا سامعك غير كده و حياة أبوك لتتقي شرى الساعة دى.
رفع مالك كفيه بتسليم و قال مسرعا:
_ خلاص خلاص براحتك.. إنت جهزت الرسومات الهندسية للكومباوند الجديد.
أشار له سامر بعينيه عن ورقة كبيرة عليها التصميم و قد فردها على لوح كبير و قال بهدوء:
_ التصميم أهه أنا جهزته يا ريت تراجع عليه و لو في تعديلات إعملها إنت معلش.
أومأ مالك برأسه و قال:
_ حاضر متقلقش أنا هشوفه و أنهيه.. قوم دلواقتي روح لجاسم علشان عاوزك.
وقف سامر و قال و هو يخرج من مكتبه:
_ عاوز ايه هو كمان، دلوقتي يطلع عصبيته عليا و أنا اللي فيا مكفيني.
سار ناحية مكتبه و صوت علا يخترق رأسه يعلم أنه يقسو عليها و بشدة و أنها الآن أصبحت هشة و ضعيفة بشكل منفر.. لا يريد أن يستغل ضعفها ذاك يريدها علا حبيبته القوية الصلبة التي بقوتها تصبح أجمل إمرأة رأتها عينيه و إقتحمت عقله...
دلف لمكتب جاسم الذي يقف بشرود أمام نافذته يتابع اللاشئ بنظرات ميتة.. تنحنح ليلفت إنتباهه و بالفعل إلتف جاسم بجسده ناحيته و أشار له بالجلوس قائلا:
_ تعالا يا سامر إقعد.
جلس سامر بإنهاك بينما سار جاسم ناحية مكتبه و هو يعرج بقدمه قليلا فمنذ إصابته بالطلق النارى بها و قد أصابت أوتارها فتأثرت و بات يعرج بها عرجة خفيفة.. جلس على مقعده و قال بعملية :
_ بقالك إسبوعين فى رسمة يا سامر.
رفع سامر عينيه بملل و إجابه ببرود:
_ خلصتها و مالك بيراجعها للفينش النهائي.
ضرب جاسم سطح مكتبه و قال بغضب:
_ و انت متفنشهاش ليه ده شغلك و إنت مسئول عنه لازم تخلصه مش تكلف بيه مالك اللي فرحه كمان كام يوم و مقطع نفسه بينا و بين تجهيزاته.
صك سامر أسنانه و إنتفض واقفاً و هو يهدر به بصوت أعلى:
_ هو وافق إنت مالك و باعدين قولتلك ميت مرة بلاش تعلى صوتك عليا.
أغمض جاسم عينيه و هو يقول بهدوء:
_ أنا آسف.
تنهد سامر بأسى على حاله و قال مغيراً الموضوع:
_ بمناسبة سيرة جواز مالك إحنا لازم نعرف ناقصه إيه و نكمله مش هنقف نتفرج عليه و هو بيلوص كده لازم نحشر نفسنا بالتفاصيل لأنه عمره ما هيطلب مساعدة.
إبتسم جاسم بخفوت و هو يقول ساخراً:
_ إسمها نحشر يا بيئة.
بادله سامر إبتسامته و هو يجلس مجدداً و يقول:
_ ماشي يا إبن الناس يا أخلاق يا متربي.. المهم التصميم بكرة الصبح هيكون على مكتبك لازم نأجل شغلنا شوية و نهتم بمالك.. إتفقنا.
هز جاسم رأسه بتفهم و قال بإنصياع:
_ إتفقنا يا كبير.. عقبالك إنت و المتخلفة أختي اللي بتحب أهبل زيك.
إتسعت إبتسامة سامر و قال بمداعبة:
_ حلة و لقت غطاها إطلع إنت منها و عامة أنا مش هتمم جوازنا غير لما ترجع علا تاني، يا أخي وحشني تنطيطها عليا و معاملتها الناشفة و لا قفلة التليفون بوشي يااااه كانت أيام.
طالعه جاسم ببلاهة و قال مستنكراً:
_ مش بقول أهبل محدش صدقني.
طالعه سامر بقوة و هو يقول ساخراً:
_ أنا اللي اهبل برضه و اللي إنت عملته مع مراتك إيه.
حك جاسم أنفه و قال مغيراً الموضوع:
_ يا أخي أنا مش بالع فكرة الفرح اللي العروسة و الستات بمكان و احنا الرجالة بمكان.
اجابه سامر بتعقل و هو يتخطي ما تخطاه قائلا:
_ العروسة منتقبة و ده الطبيعي المهم ربنا يسعدهم و يفرحهم.
_ يارب.
وقف سامر و هو يقول:
_ لما اقوم افنش التصميم انا.. حرام هو مش ناقص و لو إحتاجت حاجة رن عليا أو عليه.
تركه و خرج ليعود جاسم لشروده مجدداً.. منذ ذلك اليوم و قد توقف العالم من حوله باتت الأيام متشابهة و رتيبة و مملة.. الجميع يراه قاسياً و لكنه حررها من قيده و عاقب نفسه أخيراً و رغم ألمه ببعدها إلا أنه أراح ضميره و عقله..
كلما تذكر يوم طلاقهما الرسمي و جلوسهما امام المأذون و دموعها التي كانت تتوسله ان يرحمها و قتها كان جموده هو الوجع بمعناه الاقصي...
كان حوار عيناهما موجع لكل من كان حولهما...
هذا فِراق بيني وبينك..
ليست مجرد كلمات قد قِيلت وليدَة اللحظة، لكنها قرار أتى بعد الكثير من الفرص التي قد منحت على أمل التغيير والاستمرار ولكنها ضاعت..
الكثير من الأشخاص الذين فارقناهم منحناهم العديد من الفرص وبطرُق كثيرة، كانوا في كل مرة يجدون برهانًا جديدًا يمنحوننا إياه ليثبتوا أنه لا شيء قد تغير... وأن سيناريو الخيبات سيعيد نَفسه مرارًا وتكرارًا..
حينها يتطور الفراق من غصةٍ في القلب إلى رحمةٍ لا بدَّ منها... و هذا ما فعله..
مرت الشهور و قلبه يتمزق عليها.. مجرد تفكيره انها ببلد آخر بينه و بينها كل تلك المسافات يعتصر الإشتياق قلبه بشدة... لن ينسى يوم وقف بجانب بعيد بالمطار يطالعها لآخر مرة قبل سفرها..
كانت ضعيفة و هشة لدرجة الإنكسار.. يعلم أنها ستعود و إن كانت هناك فرصة لهما من جديد يجب أن تكون بالطريقة الصحيحة تلك المرة...
............................................................................
...............
لم تخرجها تلك الهالة البيضاء التي تحيط بها من حزنها.. فهي بأهم و أحلي يوم بحياتها تقف بمفردها رغم كل المحيطين لها.. حبست روضة عبراتها بعينها و هي تطالع هيأتها الملائيكية بفستان زفافها التي إختارته رقيقاً كحالها و بسيطاً حد الروعة و الذى جسد جمالها بقوة...
ربتت سلوى على ذراعها و قالت من بين دمعاتها المنسابة:
_ طالعة زى القمر في الفستان يا روضة ربنا يسعدك يا بنتي.
إلتفتت إليها روضة و قالت بحنو:
_ بتعيطي ليه دلوقتي يا ماما.
اجابتها آمال و هي تضم روان لها بفرحة:
_ انا كمان بقيت أعيط لما روان قاست فستانها و انتم لما بناتكم هيلبسوا فساتين جوازهم هتفتكرونا و تعيطوا زينا كده.
ملست روان على بطنها المتكور و قالت بمزاح:
_ انا أكتر حاجة خايفة منها إني أعملها و أولد بالفرح هتبقي مصيبة.
تعالت ضحكاتهم فقالت لها سلوى بمداعبة:
_ حبكت يعني يا روان و تبوظي فرح اخوكي.
هزت روان كتفيها و قالت:
_ انا ماليش دعوة وقتها إبقوا إسألوا البت الشقية وعد اللي هخلفها دى.
علا الوجوم وجوه الجميع فسالتهم روان بفضول قائلة:
_ هي وعد خلاص مش هتنزل مع عمى عيسي ده هيوصل بكرة الصبح.
أنهت روضة الحوار قائلة بحدة:
_ ساعديني يا ماما و قلعيني الفستان ده لو سمحتي.
بدأوا في مساعدتها و علقوا الفستان علي الخزانة بحرص.. بينما توجهت روضة لغرفة وعد و أغلقت الباب عليها و أطلقت لعبراتها العنان.. دلفت عليها إمتثال و هي تتكأ علي عصاها و أغلقت ورائها الباب و جلست علي فراشها بهدوء و فتحت لها ذراعيها فإرتمت روضة بصدرها و هي تهذى بتلعثم:
_ للدرجة دى هنت علي وعد يا تيتة.. مش هتحضر فرحي و تسيبني لواحدى بسهولة كده.
ملست الجدة على شعراتها الناعمة و قالت بحنو:
_ إنتي أكتر واحدة عارفة هي مرت بإيه يا روضة و عارفة إنها لازم تعالج جرحها بإيدها علشان ترجع أقوى و تقدر تكمل حياتها بس انا حاسة إنها هتيجي معرفش ليه.
هزت روضة رأسها نافية و رفعت عيناها ناحية جدتها و قالت بنحيب:
_ لا مش جاية بابا ركب الطيارة و هي فضلت هناك.. مش هسامحها أبداً.
تنهدت إمتثال بحزن و قالت:
_ لو زى ما بتقولي و مش هتحضر الفرح.. تبقى لسه تعبانة و محتاجة وقت و انتي لازم تفهميها.
إعتدلت روضة جالسة و كففت دموعها و هي تقول بجدية:
_ ربنا يصلح الحال.. انا هقوم أغسل وشي و اقعد معاهم شوية.
إتكأت الجدة على عكازها بكلتا يديها و إستندت برأسها عليه و هي تناجي ربها بأن يصلح أحوالهم و يهديهم لطريق السعادة و الراحة...
...................................................................
...........
باليوم التالي.. جلست سلوى بغرفتها و أبت الخروج منها رغم محاولات روضة و عمرو في إقناعها بالعدول عن رأيها.. و هو لم يفرض نفسه عليها.. كانت تسمع صوته و قلبها يريد الركض ناحيته و لكن هذا كان سابقاً حين تركت أولادها و إختارته هو و تدفع الان ثمن تضحيتها تلك غالياً...
بعد ساعات دلفت عليها روضة الغرفة و قالت بضيق:
_ بابا مشي هيشوف مكان يقعد فيه لغاية ما يرجع مش حابب يضايقك.
لم ترفع سلوى رأسها عن الأرضية و قالت بهدوء:
_ براحته و كده أحسن ليا و ليه.
إبتسمت روضة بسخرية و قالت:
_ كده أحسن ليكي و كده أحسن ليه و كده أحسن ليها و أنا مافيش أى تقدير لمشاعرى بينكم فرحي بكرة و كل واحد فينا في ناحية.. يا فرحتي.
سألتها سلوى بتنهيدة بائسة:
_ مردتيش على أختك يا روضة.
لملمت روضة شعراتها و قالت بحدة:
_ مش هرد على حد و ما تفتحيش الموضوع ده تاني يا ماما معايا خليني محافظة على تمثيلي إني مبسوطة.
وقفت سلوى و طالعتها مطولاً ثم قالت بأمومة:
_ حافظي علي بيتك يا بنتي و راعي ربنا في جوزك ده بيتمنالك الرضى ترضى يا حبيبتي.
اجابتها روضة بجمود:
_ حاضر يا ماما متقلقيش.. يالا بينا علشان نتعشى ده آخر يوم ليا هنا.
ربتت سلوى علي ذراعها و هي تقول بحنو:
_ ربنا يهنيكي يا قلب ماما و يسعدك يالا بينا.
خرجتا سويا و جلستا بصمتٍ على الطاولة وزع عمرو نظراته بينهما بأسي و قال مازحاً لتغير الحالة السائدة:
_ من بكرة يا روضة إنتي ضيفة هنا و هتيجي زيارات بسيطة و هنشحتك من جوزك بعد ما كان هو بيتنطط لينا زى فرقع لوز علشان يشوفك.
وخزته روان بذراعه و قالت بعبوس مازح:
_ أنا أخويا بيتنطط يا عمرو.
فوخزتها الصغيرة ببطنها فقالت مسرعة:
_ بنتك هي اللي عمالة تتنطط جوايا اهه.. تعالي يا روضة شوفي شقاوتها.
وقفت روضة مسرعة و وضعت كفها علي بطن روان و بعد ثواني شعرت بوخزة خفيفة بكفها فأبعدته مسرعة و هي فاغرة فمها و قالت بإندهاش:
_ سبحان الله ده بجد.. البنت ضربت إيدي.
إبتسمت سلوى إبتسامة متسعة و قالت بمداعبة:
_ بتباركلك يا روضة.
إقتربت روضة من بطن روان و قالت بفرحة:
_ حبيبة قلب عمتو.. تعالى إنتي بس بالسلامة و أنا هجيبلك فساتين و شوكولاتات و أيس كريم و حلويات و كل اللي هتعوزيه و تحلمي بيه .
إنتبها على طرقات بباب الشقة فزم عمرو فمه و قال بسخرية:
_ فرقع لوز حضر.. حتى ليلة الفرح مش سايبنا بحالنا.
تعالت ضحكاتهم و وقف مسرعاً و فتح الباب و اغلقه بجسده و هو يقول بفظاظة:
_ نعم.. عاوز إيه.
رفع مالك حاجبه و قال مازحاً:
_ في أمانة سايبها عندكم لبكرة و جاي أطمن عليها.
لم يستطع عمرو كبح زمام ضحكاته و قال:
_ بكرة إبقي تعالى خدها يالا علي بيتكم.
زفر مالك بضيق و قال على مضض:
_ بطل سخافة بقا انا طلع عيني فى التجهيزات و التحضيرات و مش ناقصك يا عمرو حاسب بقا خليني أدخل يا سمج.
صاحت بهما الجدة و قالت:
_ عيب يا عمرو كده دخله.. أدينا هنرتاح من نطه كل يوم بحجة شكل.
ساد الضحك بينهما فدفع مالك عمرو من صدره و دلف قائلا بعتاب متسلي:
_ أنا بنط كل شوية يا تيتة ده أنا غلبان و الله.
طالعهم جميعا و قال:
_ اخباركم إيه النهاردة.
لم ينتظر إجابتهم و ترك لعينيه المجال في إرتواء روحه برؤيتها لآخر مرة و هو يكبح زمام مشاعره تجاهها فهي لا تعرف ما ينتظرها معه بعد ذلك الصبر.. فلتحتمل..
كل ما كان يدور برأسه وصل إليها فأخفضت رأسها بخجل ولملمت شعراتها خلف أذنها.. فإمتعض وجه عمرو و وقف أمامه قائلا بفتور:
_ إطمنت على أمانتك يا عسل يالا علي بيتكم.
سحب مالك ذقنه بانامله في حركة تحذيرية و هو يقول:
_ ماشي يا عمرو.. بكرة تتنطط عندى علشان تشوف روضة و مش هفتحلك الباب أصلا.
وقفت روضة و سارت حتي إقتربت من عمرو و إستندت برأسها على صدره و هو لف كتفها بذراعه و قالت بتحدى:
_ كله إلا عمرو ده نصي التاني.
تصنع مالك الابتسام و قال ساخرا:
_ ماشي يا نص اقفل عليكي باب بيتي بس و شوفي هعمل فيكي ايه.
ثم التفت برأسه ناحية روان و قال بنبرة تحذيرية جادة:
_ روان عارفة لو عملتيها بكرة وديني هعلقك انتي وبنتك من شعركم فاهمة.
وخزه عمرو بصدره و قال بضحكة عالية:
_ و انا هقف اتفرج عليك مش كده.. طب فكر انت بس و انا هنشرك علي احبال الغسيل.
ضحكت سلوى و قالت:
_ علي قد ما روضة هتوحشني و هتقطع بيا بس نقاركم ده هيوحشني اكتر و الله.
اشار عمرو بعينيه لمالك بان ينصرف وهو يقول بجدية:
_ الوقت اتاخر روح نام بقا علشان ورانا بلاوى بكرة وعاوزين ننام بدرى.
إبتسمت روضة علي إثر كلماته فغمز لها مالك بعينه و قال بهيام:
_ اهه علشان الابتسامة السكر دى هسامحك يا عمرو و هنزل.. قرب يا بكرة بقا ده انت بعيد قوى.
رفع عمرو عينيه بملل و دفعه امامه و هو يقول بفقدان صبر:
_ يالا يا مالك من هنا علشان فاضلي تكة و هعمل معاك الغلط.
رفع مالك ذراعيه و قال بمزاح :
_ بعلن استسلامي خلاص و هنزل المهم حافظ عليها لبكرة لو نقص منها فتفوتة هدفعكم غرامة.
ضربت امتثال كفيها ببعضهما و قالت بتعجب مازح:
_ الواد ده كنا بنحسده علي عقله ايه اللي حصله.
اجابتها روان و هي تهدأ من ضحكاتها بعدما شعرت بالألم في بطنها
_ بيحب يا تيتة بيحب.
تنهدت روضة مطولا و هي ترفع عينيها و تحمد ربها علي تلك السعادة التؤ لطالما تمنتها و دعت ربها ان يجعلها من نصيبها وقد استجاب لها بأفضل مما كانت تتخيل فما عند الله خير و ابقي.
..................................
كانت وعد تطالع السحب من حولها بشرود.. متذكرة يوم موت أمير و اصابة جاسم بساقه بعدما خلصهم من رجال أمير.. يومها تم نقل جاسم للمشفي وخضع لعمليات جراحية كثيرة كي لا تبتر ساقه.. تلك الايام كانت الأصعب عليها بحياتها كلها و ما زادها صعوبة هو رفض جاسم لمقابلتها..
فبعد موقفهم الاخير ببيت جدته و جرحها له لم يعد كما كان.. بل زاد جمود قلبه ناحيتها و رغم محاولة الجميع في توفيق الأمور بينهما الا انه رفض مقابلتها او الحديث معها..
بقيت ايام و ايام تحاول ان تتصل به بأي شكل و لكنه سافر الا البحر الأحمر لمتابعة استشفائه و للابتعاد عن الضغوطات.. و عنها..
ليعود بعدها بأشهر و قد اتخذ قراره النهائي بالطلاق...
كففت وعد دمعة انسابت من عينها متذكرة جلستهم ببيتها و المأذون بينهما و يطالبهما بالتفكير فأبغض الحلال عند الله الطلاق و مع ذلك استمر عناد جاسم و هي لم تحاول اثنائه عن رغبته انتصارا لكرامتها..
يومها استجدت قلبه بعينيها كثيرا كي يفكر و الا يتسرع.. او ان يعطيها فرصة اخرى و يسامحها و لكنه بمنتهي القوة الواهية قال:
_ انتي طالق يا وعد.
اغمضت عينيها و كأن بناية عالية سقطت فوق رأسها.. بعدما انهوا مراسم الطلاق.. وقفت امام جاسم تبكي بحزن بالخارج.. بينما قال هو بهدوء:
_ بتمنالك السعادة من كل قلبي مع حد نضيف و مش مخادع و لا أناني.. يا اجمل و انضف حاجة حصلت لي بحياتي كلها.
خشي ان تفضحه دموعه فتركها و ابتعد و هو يعرج بساقه حتي صعد سيارته امام انظار الجميع و ابتعد...
_ وعد!! انتي كويسة؟!
إلتفتت وعد برأسها ناحية محمد زميلها بالعمل و الجالس بالمقعد المجاور لها بالطائرة و قالت بخفوت حزين:
_ ايوة انا كويسة بس مكنتش متخيلة اني هرجع مصر بالسرعة دى.. اختي مهانتش عليا و لازم اكون جنبها باليوم اللي حلمت بيه و اتعذبت علشانه كتير قوى.
ابتسم اليها محمد بود و قال:
_ ربنا يخليكوا لبعض.. انا كمان امي وحشتني قوى و هموت و اشوف وشها لما تشوفني هتعمل ايه؟!
بادلته وعد ابتسامته و قالت بعبث هزلي:
_ لا المفاجأة اللي بجد هي مفاجأتي دول هيتصدموا بشكل انا اللي هموت و اشوف ملامحهم لما يشفوني قدامهم.
ضيق محمد عينيه و قال بتعجب:
_ طب ليه رفضتي ترجعي مع باباكي مش كان اسهل وتقعدى معاهم وقت اكتر.
خبت ابتسامتها قليلا و قالت بتنهيدة مقتضبة:
_ النصيب.. كل حاجة بتحصل لينا نصيب و كله وعد ومكتوب.
عادت للتطلع من شباك الطائرة بشرود حزين.. ما الذي يمكن ان يحدث اسوء من تخلي جاسم عنها.. تعلم انها آذته كثيرا و ضغطت عليه اكثر وعاقبته بقسوة و ها هي تدفع الثمن غاليا...
ليعود قلبها ويسألها بحنين قاسي:
_ يا ترى هشوفه هناك او مش هيكون هناك.. بس هو عارف اني مش هرجع فأكيد هيروح فرح مالك.. طب لو شافني هيسلم عليا و يقولي وحشتيني وارجعيلي.. والله هرجعله مش هتردد.
ابتسمت بشجن و هي تتذكر يوم رحيلها.. كانت تودع الجميع بالمطار و انتظرت قدومه كي يمنعها وياخذها معه و لكنه فضل ان يودعها بنظرات مسروقة من بعيد..
رأته يومها بل شعرت به و كانت علي يقين انه سيأتي.. وانتظرت تقدمه اليها و لكنه وقف بمكان منزوى بعيد يملي عينيه بصورتها و لم يقترب منها..
تنهدت تنهيدة طويلة وزفرتها ببطء و قالت بهمس خافت:
_ جاسم.
_ وعد.
تهدل كتفيه و هو يتنفس بصعوبة، ثم اعتدل بوقفته و طالع هيئته و انحني قليلا والتقط سترة بذلته وارتداها و اغلق ازرارها ليأتيه صوت دولت قائلا:
_ زى القمر يا حبيبي ربنا يحفظك .
عدل من وضعية رابطة عنقه و قال بهدوءه المستفز:
_ تسلميلي يا دولت.
هزت رأسها نافية و اقتربت منه قائلة بمداعبة كي تجبره علي المزاح كسابق عهده:
_ واخرة دولت دى ايه يا ولد مافيش ماما ولا لازم اقرصلك ودانك علشان تتعدل.
مال عليها براسه و قال:
_ ودني تحت امرك يا ستي انتي تؤمرى.
قبلت وجنته وقالت بحب:
_ الامر لله يا قلب ماما.. هي بجد وعد ما رجعتش من السفر يا جاسم.
يمكنه التظاهر بالامبالاة و الجمود و تصلب ملامح وجهه و لكن لا يمكنه السيطرة علي دقات قلبه التي قصفت بتسارع مؤلم وسريع.. ابتلع ريقه و قال ببساطة:
_ معرفش اكتر من اللي تعرفيه.. بتسألي ليه؟!
ملست علي ذراعه و قالت:
_ يا حبيبي لا هي عمرها هتبقي لراجل غيرك و لا انت هتقدر تشوف ست غيرها نفسي ترجعوا لبعض بقا كفاية البعد بيعلم الجفا يا جاسم.
حافظ علي تعابيره الثابتة بعدما قالت ان وعد ربما تكون لرجل غيره وقال بهدوء:
_ لسه عندك امل يا ماما.
اومأت برأسها مؤكدة و قالت بثقة:
_ انا متأكدة انكم هترجعوا.. وواثقة فيها هي اكتر منك.. دي بتسأل عليك كل يوم يا حبيبي ولا يوم فوتته ومكلمتنيش عالواتس اب.. صحيح مش بتقولها مباشر، بس وعد بتستني اشارة منك يا جاسم.
قطب ما بين حاجبيه بعدما عاد اليه الم رأسه و الذي بات مزمنا وملازم له طوال الوقت وقال:
_ انا اخترت ليها الافضل.. صحيح ما فكرتش بنفسي بس فكرت فيها يا ماما و البعد كان افضل علشان احنا الاتنين كنا متدمرين نفسيا.
اجابته بنبرة متحمسة:
_ ودلوقتي خلاص عدت فترة طويلة و فكرتوا بما فيه الكفاية ورتبتوا نفسكوا.. لازم تتكلموا يا حبيبي وتتقابلوا وانا متاكدة انكم هترجعوا لبعض.
عاد لمطالعة نفسه بالمرآة و حمل زجاجة عطره ورش منها علي معصمه و قال:
_ سبيها للايام يا ماما .
اسرعت قائلة بضيق:
_ ما عدت ايام كتيرة و انت ما اخدتش خطوة.. يا جاسم انت اللي طلقتها رغم رفضها يبقي انت اللي لازم ترجعها.
عاد لمطالعتها و قال بتنهيدة مقتضبة:
_ النصيب.. كل حاجة بتحصل لينا نصيب و كله وعد ومكتوب.
ربت علي ذراعها وتركها و انصرف بهدوء خارجي وصراع داخلي لا يتركه و أثره دائما تكون الم مقيت برأسه.. لا يختفي سوى بالمسكنات...
.....................................................................
............
يوم يقال انه الاسعد بالحياة خاصة و قد نالت حب حياتها.. ولكن فرحتها تلك ناقصة مقتضبة..
جلست روضة علي فراشها بفستانها الابيض الرقيق المنفوش و البسيط في تصميمه.. رافعة نقابها الأبيض لكي تتنفس و هي تحبس دموعها بأعجوبة كي لا تخرب زينة وجهها الرقيقة كحالها..
تنهدت مطولا وزفرته علي مهل و هي ترى امها وجدتها تتقدمان ناحيتها.. تساقطت دمعات جدتها التي قالت بإعجاب:
_ زى القمر يا روضة.. ربنا يهنيكي ويسعدك يا قلبي.
وقفت روضة وانحنت وحملت كفها وقبلته واعتدلت بوقفتها امامها وكففت دمعاتها و هي تقول بإمتنان وتقدير:
_ انتي اشتالتي شيلة تقيلة عليكي قوى يا تيتة.. بالوقت اللي كان لازم ترتاحي فيه.. كان مطالب منك تربي وتكبري و تراعي وتسهرى و تأكلي وتشربي.. وعمرك ما قصرتي و لا قلتي انا تعبت.. مهما شكرتك علي تعبك معانا عمرى ما هوفيكي حقك.
ابتلعت سلوى الغصة بحلقها وهي تلوم نفسها.. بينما قالت لها امتثال بحب:
_ اعز من الولد ولد الولد ولو في صدرى نفس اخير هخدمكم برموش عنيا يا قلبي.
احتضنتها روضة بقوة.. ثم ابتعدت عنها وطالعة والدتها المحتقن وجهها وكأنها ترفض افساد فرحة ابنتها بدموعها و التي لن يصدقها احد... ولكن روضة اقتربت منها وقبلت وجنتها وقالت بهدوء متزن:
_ ماما عاوزاكي تسامحيني علي اي يوم ممكن اكون ضايقتك فيه من غير ما اقصد ولا يكون جواكي ذرة زعل ليا.
ذرفت سلوى دمعاتها وقالت بصوت متحشرج:
_ انا عاوزاكم انتم تسامحوني.. وانا من جوايا راضية عنك وبدعيلك تشوفي سعادة محدش شافها في الدنيا و يكون حظك احسن من حظي وحظ اختك.
ملست روضة علي ذراعها و قالت بمزاح حزين:
_ انتي كده هتخليني اعيط و المكياج هيبوظ يرضيكي.
_ لا خلي فرقع لوز يشوفك وانتي حلوة كده.. ايه الجمال ده يا قلب اخوكي.
إلتفتت روضة ناحية عمرو و قالت بإبتسامة هادئة:
_ حبيبي هتوحشني قوى يا عمرو.
اقترب منها وهو يطالع جمالها البرئ ومد يده لها فوضعت كفها براحته فأدارها تحت ذراعه ودار معها فستانها وهي تضحك بسعادة متناسية المها من عدم وجود وعد بجوارها...
توقفت وقالت بدوار خفيف:
_ دوخت يا عمرو حرام عليك.
دلفت روان قائلة و هي تسير ببطء متمسكة ببطنها المنفوخ شاعرة بألم خفيف:
_ يالا يا جماعة المغرب أذنت ولازم نروح قبل العشا الفرح بمسجد مش قاعة و بعده ابقوا عيطوا واخربوا الدنيا زى ما تحبوا.
تأبطت روضة ذراع عمرو و خرجت معه لتتقابل عيونها مع عيون مالك المتصنم وهو يطالعها بإعجاب شديد.. ابتعدت بعينيها عنه ليقترب منها والدها قائلا بفرحة:
_ الف مبروك يا حبيبتي ربنا يسعدك زى القمر.
قبلت روضة كفه وقالت:
_ الله يبارك بحضرتك يا بابا و يخليك ليا.
التفتت براسها ناحية ذلك التمثال و الذى يطالعها بنظرات دافئة تسري بشرايينها مدغدغة اعصابها بخدر لذيذ.. وقف مالك امامها و اقترب منها وقبل مقدمة رأسها ببطء شديد و ابتعد قليلا و هو يطالع عينيها الصافية البريئة و قال:
_ مبروك عليا انتي يا اجمل و احلي هدية من ربنا ليا.
ابتسمت بخجل و وطرقت رأسها قائلة:
_ الله يبارك فيك و يجعلني زوجة و ام صالحة تفتخر بيها طول حياتك.
لامس ذقنها بأنامله ورفع وجهها ناحيته وقال وهو يطالع عينيها بحب:
_ انتي هتكوني في عنيا و فقلبي و وعد مني قدام الكل.. هعيش بس علشان اسعدك و ارضي ربي فيكي يا عمرى.
صفق عمرو بكفيه و قال مازحا:
_ انا بقول ننزل بقا قبل ما روان تعملها و لا يبقي فيها لا فرح و لا بتاع.
تأبطت روضة ذراع مالك و سارت معه لتتعالي الزغاريد ورائهما بفرحة...
......................................................................................
................
التفتت علا ناحية ريتال وطالعت فرحتها براحة ثم التفتت برأسها ناحية سامر و قالت بصوت خفيض:
_ هتقضي الطريق كله ساكت يا سامر انا ما صدقت لقيت فرصة علشان نتكلم سوا.
لم يطالعها بل بقيت انظاره علي الطريق امامه متمسكا بمقود السيارة واجابها ببرود قاس:
_ عاوزة ايه يا علا مش فاهم؟!
تنهدت بأسي و قالت:
_ عاوزاك تسامحني انا كنت متلخبطة و مش عارفة بعمل ايه.. انت مش متخيل احساسي و الراجل ده كان بيسحبني من دراعي علشان...... مش قادرة اقولها حتي، كنت بموت من رعبي يا سامر.
ابتسم بسخرية و قال:
_ علشان يظهر المخلص الشهم اللي حماكي منه مش كده.
ثم هدأ من سرعة سيارته و التفت اليها قائلا بشراسة:
_ كل ما افتكر انك قعدتي بالايام زعلانة علي الكلب اللي اسمه امير ده و مش مبطلة عياط عليه ابقي عاوز اخنقك بإيدي علي غبائك.
ضيقت عينيها بفزع من تعابيره الشرسة و انكمشت بنفسها و قالت بوهن:
_ لولاه كنت دلوقتي متحطمة و يمكن ميتة.. هو كان شيطان بكل معني الكلمة بس حبني بجد.
هدر بها سامر بعصبية:
_ اخرسي خالص.. مش عاوز اعلي صوتي علشان ريتال.. اتقي شري يا علا احسنلك.
تهدلت ملامحها و قالت بحزن:
_ انا قولت اني كنت غلطانة و عاوزاك تسامحني لاني محتجاك علشان ارجع تاني.. لازم تقف جنبي يا سامر لو بتحبني بجد.
هز راسه بيأس و هو يعود لمتابعة الطريق امامه و قال:
_ لازم انتي ترجعي من غير ما حد يساعدك.. انا تعبت معاكي وشغلك واقف و حياتك واقفة علشان حقير خطفك وساومك علي حياة بنتك.. بجد مش عاوز اقولك انا شايفك ازاى يا علا.
إبتلعت ريقها بتوتر و عضت علي شفتها بغضب و التفتت اليه قائلة بصرامة:
_ هرجع يا سامر و هتخطي المرحلة دى من غيرك.. بس وقتها.. وعد مني مش هسامحك.
وعد جديد بلا رحمة قد أطلق بلحظة غضب...
بينما التفت سامر برأسه لريتال التي تتابعهم بقلق و قال مازحا:
_ احلي حاجة يا توتا انه الجرفتة بتاعتي لون الورد اللي علي فستانك هنبقي احلي اتنين بالفرح.
عبثت بفستانها الابيض المنفوش و قالت بسعادة:
_ ايوة انا اجمل بنت و انت اجمل ولد في الدنيا.
ثم باغتته قائلة بطفولة:
_ هو انت وماما مش هتتجوزوا بقا و تجيبوا ليا اخت العب معاها بقا.
تطلع سامر بعلا و قال بجدية لا تقبل المزاح:
_ هنجيب بنات و ولاد كتير جدا يا توتا و انتي هتضربيهم كلهم اتفقنا.
غمزت له ريتال بعينها و قالت:
_ اتفقنا.
عقدت علا ذراعيها امام صدرها و هي تتطالع الطريق وتتوعده بأيام لن ينساها علي عدم وقوفه بجوارها كي تتخطي ازمتها النفسية الأخيرة.. سامر يبقي سامر .. ويستمر خذلانه لها....
................................................................................
...................
انتهت صلاة العشاء و وقف الجميع امام باب المسجد يباركون لمالك بسعادة و هو يبتسم لهم ابتسامة مصطنعة الا ان مال علي سامر و قال له بضيق:
_ جاسم رد عليك يا زفت انت و لا لأ.
رفع سامر عينيه بملل و اجابه:
_ تصدق باللي خلقني وخلقك انا زفت اني عرفت اشكالكم المعفنة دى و الله.. ايوة رد وداخل علينا بعربيته خلاص.
ثم توقف عن الحديث و اشار بيده قائلا بتهكم:
_ وصل.. ارتاحت بقا خلينا نخلص من الوقفة اللي مالهاش لازمة دى.
ترجل جاسم من سيارته.. واقترب منه مبتسما وهو يخفي عرجه بكل قوته.. حتي وقف امامه و قال بمداعبة:
_ وقعت ولا حدش سمي عليك يا مالوكي.
احتضنه مالك قائلا بإبتسامة مغلفة بالضيق:
_ لسه جاي يا اخويا كتر خيرك.
ضمه جاسم اليه.. وربت علي ظهره ثم ابتعد عنه قائلا بملامح وهنة:
_ اتعمدت اتاخر ماليش عين اواجه عمرو و عمو عيسي يا مالك.
أومأ مالك برأسه متفهما و قال بهدوء:
_ تمام.. طيب دلوقتي انا حاجز كافيه هنروح نسهر فيه وعامل لروضة مفاجأة عاوزها تفرح هاتيجي معانا و لا لأ؟!
اجابه جاسم بإبتسامة خافتة:
_ هاجي بس هقف بعيد المهم هكون جنبك وحواليك.
اقترب منهم عيسي و قال مرحبا بجاسم:
_ ازيك يا باش مهندس جاسم اخبارك ايه؟!
صافحه جاسم مسرعا و قال بتوتر ارتسم علي ملامحه بشدة:
_ الحمد لله يا عمي حمد الله على سلامة حضرتك مصر نورت.
شدد عيسي علي كفه و قال بهدوء:
_ منورة بيكم يا ابني اخبارك ايه و اخبار شغلك، لسه سائل والدك الحاج فضل عليك و احنا بالمسجد بس هو مشي.
_ انا بخير يا عمي و شغلي ماشي الحمد لله بفضل مالك وسامر من غيرهم كنت وقعت من زمان.
طاوع جاسم قلبه و سأله بعيون زائغة:
_ لو مسموح ليا أسأل طبعا.. اخبار وعد ايه؟!
ترك عيسي كفه وقال بنظرات تعجب:
_ وعد!!!
اجابه جاسم مؤكدا:
_ ايوة وعد.
ابتعد عنه عيسي مقتربا من وعد التي ترجلت من سيارة الاجرة يصاحبها محمد.. بينما التفت جاسم خلفه ليراها بكل بهاءها و جمالها تبتسم لوالدها ببرائة طالما افقدته عقله...
وقف عيسي قبالتها وسألها بتعجب:
_ جيتي ازاى و ليه ما قولتليش يا مجنونة انتي؟!
اجابته مسرعة:
_ مقدرتش و الاستاذ محمد عرف اني نازلة مصر أصر ينزل معايا الكام يوم دول يزور اهله ونرجع كلنا سوا.
صافح عيسي محمد قائلا:
_ حمد الله علي سلامتك يا ابني.. تعبتك معاها المجنونة دى انا عارف.
اجابه محمد بود:
_ لا ابدا انا كنت هنزل مصر قريب امي وحشتني فلما عرفت ان وعد نازلة قولت اخد اجازة و انزل معاها.
كانت عينيها تبحث عنه بإستحياء حتي وجدت ضالتها.. وكأنها تسير ببرد موجع لايام و شهور و الآن فقط.. شعرت بالدفء و الامان.. ها هما عيناه تعود لأسرها والسيطرة عليها من جديد.. و ها هي تعود لإستسلامها لهما..
اقترب منها مالك و قال بسعادة:
_ حمد الله علي السلامة يا سنجوبة دى روضة هتفرح قوى.
تخلصت من آسرها و تطلعت به قائلة بسعادة:
_ مبروك يا عريس ايه الحلاوة دى.. ويا سيدى انا ليا بركة غير روضة مقدرتش اصلا ورجعت زى المجنونة دى الغالية يا ابني.
مال سامر علي جاسم و قال بتساؤل مازح:
_ هتفضل متنح لها كتير.. هتسلم عليها ولا هتقضيها تتنيح؟!
فاجأة جاسم قائلا بعبوس:
_ مين الراجل اللي معاها ده؟!
هز سامر كتفيه و قال:
_ معرفش.. هروح اشوف مين ده.
اقترب منهم سامر و هو يقول بصياح:
_ الكونتيسة سوسة عصرها و اونها وعد هولمز عندنا يا مرحبا يا مرحبا.
تعالت ضحكات وعد وهي تقول بمزاح:
_ اهلا اهلا بصاحب الشوكولاتة المستوردة ابو مخ خفيف.
تجاوزها وصافح محمد قائلا:
_ اهلا وسهلا يا استاذ..... ؟!
اجابته وعد مسرعة:
_ الاستاذ محمد زميلي بالشغل بالكويت مصري.
اومأ سامر براسه و قال:
_ اهلا يا استاذ محمد يا زميلها يا مصري.
اجابه محمد بعدم فهم:
_ اهلا بحضرتك.
تعلم جيدا انه سيعود بكل المعلومات لجاسم فقالت بخبث:
_ و الله يا جماعة محمد بس عرف اني نازلة قالي مستحيل تسافرى لواحدك لازم اوصلك و اطمن عليكي.
جز جاسم علي اسنانه وزفر بقوة بينما وقف يحيي بجواره يهز رأسه بيأس علي حالته .. ابتسم لها سامر ابتسامة صفراء و قال:
_ اه طبعا كتر خيره.. نورتنا يا استاذ محمد.
لم تغب علي محمد حركات سامر الغريبة و لكنه تطلع بعيسي قائلا:
_ بما اني سلمت الامانة امشي انا بقا لسه طريق سفرى طويل.. مبروك يا استاذ عيسي.
اجابه عيسي بإمتنان:
_ الله يبارك فيك يا ابني عقبالك ان شاء الله .
خرج صوت سامر محتدا و هو يقول:
_ عقباله.. اه عقباله طبعا ده مش مرتبط كمان.
تخطاه محمد وصافح مالك قائلا بإبتسامة ودودة:
_ الف مبروك يا عريس ربنا يهنيكم وفرصة سعيدة جدا اني اتعرفت عليكم.
انهي عمرو مكالمته مع الطبيبة و التفت فوجد وعد تقف مع والده و مالك فركض نحوها قائلا بشوق:
_ وعد!!! معقول انتي هنا؟!
اقتربت منه و هي تهرول حتي ارتمت بصدره وقالت براحة:
_ حبيبي وحشتني.. وحشتني قوى يا عمرو.
ضمها اليه بشوق و قال:
_ انتي اللي وحشتيني يا قلب عمرو و الله حاسس انه روحي رجعتلي برجوعك.
ابتعد جاسم عنهما خطوتين بعدما وقفا قبالته.. لتوقفه وعد قائلة:
_ اخبارك ايه يا باش مهندس؟!
ابتلع ريقه و التفت اليها فوجدها تطالعه وهي تستند برأسها علي صدر عمرو.. اجابها قائلا بجمود:
_ الحمد لله تمام..... وانتي؟!
ابتسمت بسخرية و ابتعدت عن عمرو وهي مازالت متشبسة به وقالت:
_ انا.. انا زى ما انا.
رد مبهم مفتوح يحتمل الاف التفسيرات و لكنها وقفت مشدوهة و هي ترى نزول روضة بفستانها الأبيض وحولها الجميع.. فإقتربت منها ببطء حتي رأتها روضة وتصنمت مكانها..
مرت ثواني قليلة و لكنها كانت دهرا بينهما حتي وقفتا متقابلتان.. ابتسمت وعد متغلبة علي دموعها و قالت:
_ مقدرتش اسيبك باليوم ده ورجعت علشانك انتي يا اغلي حاجة بعمرى كله.
جذبتها روضة لصدرها و قالت بدموعها التي اطلقتها بسعادة:
_ فرحتي بس دلوقتي كملت لما رجعتيلي يا قلب اختك.
................................................................
.....................
في احد المطاعم الكبري برأس البر جلس الجميع علي طاولة كبيرة و علي رأسها يجلس مالك و روضة و الآخرون يتجاذبون اطراف الحديث...
مال سامر بجسده ناحية جاسم و سأله بتعجب:
_ هو يحيي فين مش شايفه؟!
حك جاسم مؤخرة رأسه و هو يتابع وعد و قال بنبرة فاترة:
_ راح يجري و را الهبلة اللي بيحبها.. عاوزين بأقرب وقت نخطبهم و نكتب الكتاب لصدعني بحوارهم ده.
هز سامر رأسه بتفهم و قال:
_ طب وحضرتك هتفضل واقف بعيد كده.. تعالى اقعد معانا ميصحش.
اجابه مسرعا:
_ علا بتبص عليك روح اقعد معاها ما يصحش و اهدا عليها شوية ما تبقاش قاسي قوى كده.
ربت سامر علي ذراعه و تركه و سار ناحيتها بعدما تجاهلت تقدمه و طالعته بنفور جعله يشعر بسعادة بالغة.. ناول سراج وعد وردة حمراء و هو يقول بمداعبة:
_ الورد للورد يا احلى وردة في الدنيا.
اخذتها منه و قالت بإبتسامة رائقة:
_ ربنا يخليك ليا يا سروجتي و الله كلكم وحشتوني قوى.
ضمتها سلوى لصدرها و قالت بلوم:
_ و انتي قررتي تقعدى مع مرات ابوكي و تسبينا يا وعد خلاص.. يا بنتي انا محتجاكي ما ينفعش كده.
لاحظت وعد عبوس والدها.. فقالت مغيرة الموضوع بعدما وقفت و قد كسى ملامحها الحماس:
_ انا نفسي اغني.. روضة تحبي اغنيلك اغنية ايه؟!
ابتسمت روضة بخفوت و طالعت مالك و قالت:
_ مش هقولك.. بس افتكرى كنت دايما بطلب منك غنوة ايه؟!
وضعت روان يدها اسفل ظهرها و قالت:
_ عرفت ايه هي.. غنيها يا وعد بحبها منك.
اومات وعد براسها و اقتربت من منظم الحفل و قالت له بضع كلمات.. فوافق و اعطاها ميكرفون عادت به و وقفت بجوار مالك و قالت له:
_ قوم يا عريس ارقص مع روضة و انا هغنيلكم.
ابتسم مالك و غمز لروضة فوقفت و بدأت الموسيقي في العزف....
جذب سامر علا من كفها و ووقفها امامه بالقوة و لف خصرها بذراعه و ضمها اليه قليلا.. تصنعت القوة و مع ذلك طاوعته و لفت ذراعها خلف عنقه...
وبدات رقصتهم مع الموسيقي..
تطلعت وعد لهذا الواقف بعيد و بدات تغني قائلة:
_ نخبي ليه فى اسرارنا وانا وانت مفيش غيرنا
ولو ننسى مشاعرنا نكلم مين يفكرنا
يا روح الروح بتنسانى و انا فاكر ومش بنساك
تغيب عن عينى من تانى ومن غير حب اعيش ازاى
ومهما تغيب بعيش وياك و اشوفك وردة في الشباك
ودمعة حب فى عينيا بتستناك يا احلى ملاك
ابتلع جاسم ريقه بتوتر و هو يتطلع اليها بجمود و بداخله حرب شعواء عقله يصرخ من الالم و قلبه يدفعه كي يركض ناحيتها...
كان الجميع يتنقل بنظراته بين وعد و جاسم بشفقة علي حالهم.. حتي عادت وعد بعينها للجميع و اكملت الغنوة قاىلة:
_ قالولى الحب له علامات فى نبض القلب والهمسات
وروح بتروح تنادى عليك ورعشة ايدى فى السلامات
فى عز سكوتنا نتكلم عيوننا بتحكى وبتحلم
وانا حسيت بأنفاسك تدفى ايديا و تسلم
بقولك اه ومن غير صوت . تحبنى موت واحبك موت
واحساسنا يونسنا واقوى من الحياة والموت
ومهما تغيب........
انتهت من الغناء فصفق لها الجميع.. ابتسمت بخفوت و عادت لمكانها جالسة بهدوء بعدما لاحظت تأثر ذلك التمثال بكلماتها و صوتها...
.............................................................................
....................
وقف مالك بمنتصف صالة منزله و هو يطالع ساعته بضيق.. ثم خرج عن صمته قائلا بهدوء كابحا زمام غضبه:
_ ما خلاص يا طنط سلوى و الله بأى وقت هتحبي تشوفيها هجيبها و هاجي علي طول.. مش وقت عياط ده.
وقف عمرو بجواره و قال مازحا:
_ ما تسيبها براحتها يا مالك الله.. بنتها وهتوحشها يا اخي.
صك مالك أسنانه و قال من بينهما بحدة :
_ هو انا نطقت ما انا واقف ساكت اهه.
تعلقت روضة برقبة سلوى و قالت بدموعها:
_ هتوحشيني قوى يا ماما متسبنيش لو سمحتي.
لم يتمالك مالك نفسه و قال ساخرا:
_ هو في ايه يا جماعة اقولكم.. انزلي يا روضة مع مامتك و لما تحسوا انه ينفع روضة تيجي هنا ابعتوها ما عنديش مانع.
وخزته آمال بذراعه و قالت بعتاب:
_ عيب يا مالك كده ميصحش.. روح هات عصير من التلاجة و قدم لهم عيب يا ابني.
هز راسه و قال ساخرا:
_ بالمرة احضر العشا اللي انتوا جبتوه ده و نقعد نتعشي سوا بلا جواز بلا بتاع هي اللمة الحلوة بتتعوض.
تعالت ضحكات روان و هي تتمسك ببطنها المنفوخ و قالت:
_ ما تضحكنيش لو ربنا علي آخرى و هولد لكم هنا.
لوى مالك ثغره و قال بإمتعاض:
_ يالا ده اللي ناقص ما هو الكحكة في ايد اليتيم عجبه.. جت عليكي.
ابتعدت سلوى عن روضة و احتضنت وجهها بين راحتيها و قالت بحنو:
_ خلي بالك من بيتك يا حبيبتي و خلي بالك من جوزك.
اجابتها روضة بإبتسامة هادئة:
_ حاضر يا ماما.. هي وعد فين؟!
اجابها مالك بتوجس:
_ وقفتها تحت و قولتلها لو طلعت هطخها بالنار.. اختك مجنونة و انا عارفها و لو طلعت و سلمت عليكي مش بعيد تنام هنا و تطردني انا من الشقة و انا علي آخرى.
غمزت روان لعمرو و قالت بمزاح:
_ لما اروح اساعد روضة في فك الحجاب ده و الفستان.
جذبها مالك من ذراعها و قال بنبرة خافتة تحمل كل الغضب:
_ اقفي مكانك هنا لهديكي بوكس في بطنك اولدك انا و الله هي ناقصة خفة دمك.
والتفت لعمرو المنهار من الضحك و قال بحدة:
_ انهي الليلة دى يا عمرو و نزلهم من هنا لقسما بالله ما هيحصل كويس و اولهم الكورة الشراب اللي انت متجوزها دى.
تحكم عمرو في ضحكاته و قال بصوت عالي:
_ يالا يا جماعة ننزل روان تعبانة و شكلها هتعملها بجد.
التفتت اليها امال و سلوى و سالاها بترقب:
_ حاسة بإيه يا روان؟!
تطلعت بعمرو و مالك الذى قرصها من ذراعها فتأوهت بالم و قالت:
_ آه... انا.. انا ضهرى واجعني و لازم نمشي حالا لأني بدأت اخاف بجد.
ودعوهم بسرعة و خرجوا من الشقة.. فاغلق مالك ورائهم الباب و قال براحة:
_ و اخيرا.
ثم اقترب من روضة ببطء و هو ينزع سترته تلاها رابطة عنقه و هي تتابعه بخوف من نظراته.. ما ان اقترب منها حتي قالت بنبرة قوية:
_ اقف مكانك لو سمحت.
طالع جديتها و قال:
_ هو انا تلميذ عندك في الروضة ثم ايه شغل ظباط المرور ده.. ناقص تقوليلي خد سيارتك و ارجع للخلف.
ابتسمت بخفوت و جرت فستانها و جلست علي احد الأرائك القريبة منها.. جلس مالك بجوارها و قال:
_ لا احنا بنركن في العادى بالاوضة جوة.. مش هنا انتي غلطانة يا حبيبتي.
تطلعت روضة بوجهه و قالت بجدية:
_ النهاردة اول يوم لينا سوا و حابة نبدأ حياتنا علي اسس و قواعد هنحطها مع بعض علشان نلتزم بيها و اللي يخل بأى قاعدة التاني ينبهه و نرجع نمشي عالسيستم تاني سواء بحياتنا بخصوصياتنا بامور اولادنا ان شاء الله.
اومأ مالك براسه متفهما و قال:
_ معاكي حق.. و هنعمل ده دلوقتي.. نسيب ايام ربنا كلها و نعمل معاهدة السلام دى دلوقتي صح.
اتسعت ابتسامتها و قالت برجاء:
_ يا مالك اتكلم جد شوية مش كده.
اقترب منها اكثر و قال بشوق:
_ انتي اللي مش كده بقا.. قومي بس غيري هدومك و اتوضي علشان نصلي سوا و باعدين نبدا حياتنا علي بركة الله و من بكرة اجيب اتنين محاميين و نكتب القواعد و البراجراف و الصرف و النحو و كله.
تعالت ضحكاتها و قالت:
_ بحبك يا مجنون.
صفع جبهته بيده و قال:
_ قلبي هيقف مني و الله.. ده انا اللي بضرب نفسي بالجزمة علشان ضيعت عمرى اللي فات من غير ما اخد بالي اني بعشق التراب اللي بتمشي عليه و النفس اللي بيخرج منك .. انا اللي بحبك يا احلي مشمشة بالعالم كله.
- تابع الفصل التالي عبر الرابط:"رواية وعد بلا رحمة"اضغط علي اسم الرواية