رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني 2 الفصل السادس عشر 16 بقلم نسمة مالك
رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني 2 الفصل السادس عشر 16
"خبر عااااجل"..
إصابة رجل الأعمال "عبد الجبار المنياوي" بطلق ناري داخل منزله و تم نقله لإحدى المستشفيات الخاصة في حالة حرجة للغاية...
"عودة لتلك اللحظة الحاسمة"..
بعد كل ما فعلته" خضرا" بحق نفسها و بحق زوجها و أبنتيها من خطأ فادح حين لجأت لرجل غريب و فتحت له بنفسها باب حياتها دخل منه بكل جرائة حتى وصل به الأمر إلى وقوفه هنا بغرفة نومها ممسك سلاح ناري يهدد به حياتها و حياة عائلتها بأكملها، وقف" عبد الجبار " على أتم إستعداد ليضحي بنفسه و لا يرى مكروه في فلذات أكباده..
نظر ل "خضرا" نظرة مليئة بالحب و العرفان كم اشتاقت لها، يخبرها بعينيه أن كل ما فعلته ما هو إلا رد فعل ناتج عن أفعاله معاها..
كان "حسان" موجهه فواهة المسدس تجاه "خضرا" شد أجزاءه يستعد لاطلاق الرصاص عليها، و ضغط الزناد لتخرج منه طلقة كانت سرعتها أقل من "عبد الجبار " الذي تناول سلاحه الملقى بجوار قدمه ، و أطلاق النار على "حسان" أصابه بمنتصف رأسه فسقط قتيلاً في الحل، و وقف أمامها كالسد المنيع مستقبلاً الطلقة بصدره بدلاً عنها، كل هذا حدث في لمح البصر..
قوة الطلقة جعلته يتراجع بجزءه العلوي للخلف فلتقطته "خضرا" محاوطة خصره بذراعيه، وقف مكانه للحظات يتطلع لها من فوق كتفه مغمغمًا بأنفاس متهدجة..
"سامحيني أنتي يا خضرا.. أنا رديتك أنتي و سلسبيل لعصمتي وخابر زين إنك مش هتأذيها لا هي و لا اللي في بطنها"..
خارت قواه فهبط على ركبتيه، و عينيه تتنقل بين ابنتيه بابتسامة يحاول يدخل بها الطمأنينة على قلوبهما..
"ياااا أخوي.. لاااا يا عبد الچبار.. متسبناش يا أخوي.. أحب على يدك متعملش فيا أكده"..
صرخت بها" خضرا" بجنون و هي تراه يميل بجسده على الأرض و دمائه تدفق على صدره بغزاره..
حتى وصل "جابر" و من بعد "بخيته" التي سقط منها عكازها، و من ثم سقطت هي بجانبه داخل الحفرة التي ظنت بأنها حفرتها ل" خضرا" لتسقط هي فيها و تقع بشر أعمالها بعدما فقدت القدرة على تحريك جميع أطرافها، بطرفة عين أصبحت لا تقوى على شيء سوي النظر حاجظة العينين تردد بهذيان..
"عبد الچبار يا ولدي.. سندي.. ظهري.. راچلي"..
...................................لا إله إلا الله وحده لا شريك له.......
أنتشر خبر إصابة "عبد الجبار" بسرعة البرق بكل القنوات الإخبارية، و على صفحات الجرائد و المجلات، و حتي مواقع التواصل الإجتماعي، من هنا وصل الخبر ل "عفاف" التي صُعقت من قوة الصدمة، لم تستطيع إخبار" سلسبيل " بهذا الخبر الحزين، بل المميت، فضلت الصمت و منعت عنها أي وسيلة ممكن أن تنقل لها الخبر و أولهم هاتفها ..
أخذتها بسيارتها و قادت بنفسها قاصدة عنوان المستشفى الذي أرسله لها "جابر"، هناك ستكون تحت رعاية الأطباء إذا حدث لها أي شيء لقدر الله..
تطلعت" سلسبيل" للطريق من حولها، و أردفت بثبات مريب قائلة..
"إحنا رايحين المستشفى؟ يبقي أحساسي صح يا ماما عفاف و عبد الجبار جراله حاجة !"..
ظلت "عفاف" ملتزمة الصمت، تُمثل انشغالها بالقيادة، بينما "سلسبيل" رغم ثباتها إلا أنها تحولت للنقيض تمامًا، تملكت منها قوة غريبة أرغمتها على الهدوء، هدوء مخيف يُهدد بعاصفة شديدة ربما تدمر الأخضر و اليابس ، نظرت للسماء من نافذة السيارة بأعين مستجدية و ملامح شاحبة بعدما أنسحبت الدماء من عروقها، متمتمة بأنفاس منقطعة ..
" يارب.. أجبر قلبي و احفظهولي يارب "..
بقت على هذا الحال طول الطريق، لا تتفوه إلا بتلك الجملة مرارًا و تكرارًا بلا توقف..
حتى صفت "عفاف" سيارتها أمام باب المستشفى أخيرًا، هبطت "سلسبيل" تجر قدميها جرًا نحو الدخل، لا ترى أمامها من شدة أنفعالاتها المتضاربة، تترنجح يمينًا و شمالاً كالمخمورة،أنفاسها تتلاشى شيئًا فشيئًا، تشعر بجسدها ثقيل كما لو كانت تغرق بأعماق بحر مظلم، لوهلة ظنت أنها تحيا إحدي كوابيسها البشعة،تسير بجوارها "عفاف" ممسكة بيدها، لتشهق فجأة شهقة قوية حين استنشقت رائحة عبق حبيب روحها، استجمعت شتات نفسها و قادها قلبها نحو مكانه..
كان الجميع يقف أمام باب العمليات إلا "بخيتة" التي دخلت للعناية المركزة لصعوبة حالتها الصحية، لمحتها "خضرا" فهرولت نحوها بخطوات متعثرة حتى وقفت أمامها مباشرةً، تطلعت لها "سلسبيل" بملامح بدت جامدة، رغم أنها تأثرت و شعرت بالشفقة عليها بسبب حالتها المزرية، نظرت لها نظرة طويلة و دموعها تسيل على وجنتيها الملتهبة أثر لطم خديها و تحدثت بصوتٍ مبحوح للغاية بعد وصلة صراخ كادت أن يمزق أحبالها الصوتية..
"حقك عليا يا خيتي.. أني غلط في حقك.. سامحيني يا سلسبيل"..
ختمت حديثها و عانقتها و اجهشت بنوبة بكاء مرير مرددة بنواح..
. عبد الچبار فداني بعد كل اللي عملته و خد الطلقة مكاني.. اااه يا حرقة جلبي عليك يا راچلي"..
ابتعدت عنها قليلاً و نظرت لها بشبه إبتسامة مكملة..
"رچلنا يا سلسبيل.. عبد الچبار قالي أنه ردك يا خيتي "..
تسمرت "سلسبيل" محلها لبرهةً، و من ثم بادلتها عناقها هذا، يدها تربت على ظهرها و ها قد أجتمعوا أخيرًا على حب رجل واحد، مدمدمة بثقة عمياء..
"أهدي يا أبلة خضرا و بطلي عياط.. عبد الجبار هيقوم منها و هيبقي كويس"..
هدوئها الغير لائق بالمرة على هيئتها المتألمة جعل الجميع ينظرون لها بترقب ينتظرون إنهيارها بأي لحظة،
لكنها خلفت ظنونهم و بقت هادئة، مسالمة عكس ما بداخلها من صخب و ألالام تفوق التحمل تكاد أن تزهق روحها..
كانت هناك حالة من الهرج و المرج داخل المستشفى المتواجد بها "عبد الجبار" جميع العاملين بها بلا استثناء يعملون على قدم وساق ليتمكنوا من إنقاذه، لتلجمهم جميعًا الصدمة حين حددو مكان الرصاصة التي تقع بجوار القلب مباشرةً و إذا تحركت أنش واحد ستُسبب جرح بعضلة القلب نفسها..
"إحنا بنعتذر محدش هيقدر يجازف و يعمل العملية ل عبد الجبار باشا لأن فيها خطورة كبيرة على حياته"..
قالها مدير المستشفى بنفسه صدم بها "سلسبيل" التي سقطت على ركبتيها أرضًا، و إثار غضب "جابر" الذي قبض على عنقه بقبضته الفولاذية مغمغمًا.
"يعني ايييه محدش هيجازف.. يعني هتسبوه لغاية ما يموت يا ولاد ال***؟!"..
" مافيش غير جراح واحد في مصر هو اللي هيقدر يعمله العملية دي".. قالها المدير بأنفاس مقطوعة، ليخفف "جابر" قبضته قليلاً حول عنقه، و صرخ في وجهه بنفاذ صبر قائلاً..
"ميييين هو أنطق؟"..
"جراح القلب الدكتور أيوب زيدان...إحنا حاولنا نتصل بيه بس تليفونه مقفول، كلمنا المستشفى اللي هو مديرها بلغونا إن انهارده أجازته، هكتبلك عنوان بيته و روح هاته بنفسك لأن مافيش قدامنا وقت"..
بالفعل تركه "جابر" على مضض، فأخرج ورقة و قلم من جيب البالطو الخاص به و دون بها عناوين دكتور" أيوب " خطفها منه" جابر " و استدار يستعد للذهاب، ليجد"سلسبيل " جالسة أرضًا بجوارها" عفاف" و" خضرا" يحاولان مساعدتها على النهوض، لكنها أبت و ظلت على وضعها محتضنة بطنها بذراعيها في حالة ذعر شديد و مع ذلك لا تبكي متماسكة لأقصى حد،
هرول نحوها وجثي أمامها على ركبتيه، و جذبها بمنتهي الرفق من معصميها أرغمها على الوقوف، و دفعها بخفه لأقرب مقعد أجلسها عليه مغمغمًا..
"متخفيش يا سلسبيل إن شاء الله عبد الجبار هيقوم منها .. ادعيلوا أنتي بس و فوضي أمرك لله "..
أنهى جملته و أختفي من أمامها كالزئبق، ركض بكل ما يملك من سرعة حتى يحضر الطبيب لينقذ حياة الشخص الذي أصبح أعز صديق بالنسبة له..
................................... يا حي يا قيوم برحمتك استغيث....
حالة من الذهول أصابت" جابر " حين وصل بسيارته لعنوان الطبيب "أيوب"، تطلع حوله للمنطقة الشعبية شديدة البساطة التي لا تتماشى مع كونه مدير أشهر المستشفيات في مصر!!
صف سيارته و هبط منها يدور بعينيه يبحث عن منزله، ليلمح يافته كبيرة مدون عليها إسمه بالطابق الأخير لمنزل قديم تم ترميمه حديثًا، اندفع نحو الداخل راكضًا على الدرج حتى وصل لتلك الشقة التي يخرج منها صوت ضحكات لتجمع عائلي تسر القلوب..
أخذ نفس عميق يلتقط به أنفاسه اللاهثه، و ضغط على الجرس عدة مرات حتى فُتح الباب و خرجت منه امراءة بشوشة الوجهه، أبتسمت له بوداعة و هي تقول..
"خير يا ابني!" ..هم "جابر" بفتح فمه لتستطرد "زينب" بفخر و فرحة دون أن تمنحه فرصة للرد..
"عايز ابني الدكتور أيوب مش كده؟ "..
أجابها "جابر" بلهفة قائلاً..
"أيوه يا أمي.. عايزه ضروري جداً في مسألة حياة أو موت"..
تطلعت له "زينب" بشفقة و من ثم لفت وجهها و نادت بصوتها الحنون المليء بالحب..
"أيوب.. يا دكتور أيوب يا نن عين أمك.. تعالي يا ضنايا "..
"اؤمريني يا أمه "..
هكذا لبى ندائها على الفور كعادته معاها، و أتى إليها مهرولاً بهيبته و هيئته التي تخطف القلب،
وقف بجوارها و حاوط كتفيها بذراعه لتُشير له "زينب" على" جابر" الواقف بعيدًا عن وجهة الباب..
"وفي واحد عايزك ضروري يا حبيبي"..
نظر" أيوب " تجاهه و تحدث بترحاب قائلاً..
" أهلاً و سهلاً.. اتفضل"..
"دكتور أيوب أنا آسف إني جاي لحضرتك من غير ميعاد بس في واحد واخد رصاصة في صدره و حالته خطيرة أوي و كل الدكاترة اللي كشفوا عليه رافضين يجازفوا و يعملوه العملية و قالوا محدش غيرك بعد ربنا اللي يقدر ينقذه "..
أردف بها" جابر "مرة واحدة دون أن يدع فرصة ليلتقط بها نفسه..
" أنا جاي معاك".. قالها" أيوب " دون تفكير، فهو لن يغلق بابه أبدًا بوجهه أحد لجأ إليه، قبل يد و رأس" زينب" مغمغمًا ..
" ادعيلي يا أمي "..
ربتت" زينب" على صدره بكف يدها بحنان بالغ و هي تقول..
" دعيالك يا قلب أمك.. تربح و تكسب و يجعلك في كل خطوة خير وسلامة يا أيوب يا ابن زينب"..
كل ما يحدث كانت تتابعه "حبيبة" زوجته التي تحدثت بلهفة قائلة..
"هتنزل من غير ما تاكل و لا حتى تغير هدومك يا أيوب؟!"..
ارتدي "أيوب" حذاءه الرياضي على عجل، أقترب منها و نظر لها نظرته العاشقة التي يخصها هي وحدها بها مدمدمًا..
" لما الأكل يجهز كلميني هبعتلك عربية تجيبك عندي"..
طبع قبلة عميقة على رأسها، و هرول للخارج مسرعًا، انطلق برفقة" جابر" نحو المستشفى..
لم يمر سوي عدة دقائق حتى وصلوا إلى المستشفى بفضل سرعة "جابر" العالية، انقلبت المستشفى رأسًا على عقب فور علمهم بوصول الجراح الشهير" أيوب زيدان" تأهب الجميع لاستقباله، مجهزين له كافة شيء، ليتوجهه "أيوب" نحو غرفة التعقيم مباشرةً ..
كانوا الجميع بانتظاره أمام غرفة العمليات، خرج هو عليهم و تطلع حوله، ينظرون له و كأنه طوق النجاة الوحيد الذي سينقذهم بانقاذه لرجلهم، فابتسم لهم ابتسامته الجذابة التي تطمئن القلب و هو يقول بكل ما يملك من رحمة و رأفة بحالته..
" اطمنوا يا جماعة..خير بإذن الله"..
سارت نحوه "سلسبيل" بخطوات متعثرة، فحالتها إذدادت سوء بسبب ألالام مبرحة تدهمها تحاول هي قدر الإمكان تحملها، و قد بهت لونها و تناثرت حبيبات العرق على جبينها، و الهالات السوداء ظهرت فجأة أسفل عينيها التي يملؤها الحزن، و أردفت بنبرة جادة لا تقبل الجدال قائلة..
"همضي إقرار على نفسي أني هتبرعلوا بقلبي و تاخد قلبي تدهوله يا دكتور بس يعيش"..
رباااه.. جملتها هذه زلزلت قلوبهم جميعًا، تطلع لها "أيوب" بنظرة متفحصة، و من ثم وجه نظره لإحدى الأطباء المساعدين و تحدث بأمر قائلاً..
"ابعت لأخصائي نساء و توليد خليه يجي حالاً "..
سار نحو غرفة العمليات و أشار بعينه على" سلسبيل " قبل أن يدلف للداخل مكملاً ..
" المدام بتولد..."..
- يتبع الفصل التالي عبر الرابط (رواية جبر السلسبيل الجزء الثاني) اضغط على اسم الرواية