رواية لما قالوا دي صبية كاملة بقلم ميمي عوالي
رواية لما قالوا دي صبية الفصل الخامس عشر 15
فى منزل رحمة ، كان ابراهيم قد ذهب بصحبتهم حتى يطمئن على راحة منصور ، و استأذن حسن و رحمة ان ينفرد به لبعض الدقائق بغرفته قبل ذهابه
وبعد ان تركهم حسن و رحمة ، قال ابراهيم : اسمع يا منصور ، عاوزك تعرف ان لو عليا انا مش عاوزك تبعد عنى لحظة واحدة و خصوصا بعد ما الدنيا فضيت علينا احنا الاتنين ، بس انا شايف ان دى فرصة ليك انك تقرب من بناتك ، بناتك بيحبوك و نفسهم يشوفوك مرتاح و مبسوط ، جرب و صدقنى مش هتخسر حاجة ، لكن لو فى اى وقت حسيت انك مش عاوز تقعد هنا ، كلمنى … و هتلاقينى عندك فى اقل من نص ساعة ، و كمان حسن و رحمة اتفقوا معايا انى هتغدا معاكم كل يوم .. ها .. اتفقنا ؟
ليومئ منصور برأسه علامة الموافقة دون ان ينبث بكلمة و بشئ من اللا مبالاة و كأنه ماعاد يفرق معه شيئا ، لينظر اليه اخاه بشئ من الحسرة ، فعلى الرغم من اعتراضه طيلة حياته على تصرفات اخيه ، الا انه يشعر بالأسى تجاه التغيير الذى حدث له ، فكان يتمنى ان يكون تغيره بناء على تفهم و اقتناع و ليس تغيرا ناتج عن القهر و الفقدان
و من صباح اليوم التالى كانت رحمة تولى اباها الكثير من الاهتمام و الرعاية ، و تتفنن فى ارضائه و محاولة فتح احاديث قد تجذبه للاشتراك بها و لكنه كان دائما يستمع لها دون اى تعليق ، و لا يجيبها الا اذا سألته عن شئ كانت اجابته بلا او بنعم ، فكان تفاعله الاوحد بامائة من رأسه علامة القبول او الرفض ، و لكن رحمة لم تيأس و كان حسن دائما يساندها و كذلك ابراهيم وقت مشاركته لهم
حتى مر اسبوع ، و كانت رحمة قد قررت دعوة ندا و فرح و زوجيهما للعشاء معا و تمضية سهرة الخميس معا ، و بعد ان انجزت ما يلزم عمله اتجهت الى ابيها الجالس فى الشرفة و هو يراقب الغروب فى هدوء ، فانحنت عليه و قبلت رأسه و قالت : ايه يا بابا ، مش حابب تريح شوية قبل ما اخواتى يوصلوا
ليرفض منصور بحركة رأسه المعتادة ، لتسحب رحمة مقعدا و تضعه أمام منصور وتجلس عليه و هى تنظر بعينا ابيها الذى لفت نظره ما فعلته ، لتقول بتنهيدة عميقة : و بعدهالك يا بابا ، هتفضل كده لحد امتى ، انا تقريبا ماسمعتش صوتك من يوم ما جيت غير مرة واحدة كل يوم الصبح و حضرتك بتصبح عليا ، ليه يا بابا ، ليه حطيت نفسك جوة القمقم ده ، مش كفاية كده ، يا بابا اللى راح مابيرجعش ، صدقنى كلنا اتوجعنا بموت نبيل ، نبيل الله يرحمه كان اسم على مسمى كان اسمه نبيل و هو كان فعلا انسان نبيل ، و كان مؤمن و راضى بقضاء الله ، و رغم ان يمكن حضرتك ماتصدقنيش ، لكن اقسملك ان كلنا زعلنا برضة على طنط دولت الله يرحمها ، الست دى على الرغم من ان الكل ممكن يشوفها على انها الست اللى اخدت مكان امنا ، لكن و الله كلنا كنا بنحبها و بنحترمها لانها كانت جميلة من جواها ، لكن خلاص دى ارادة ربنا يا بابا ، و لازم نكمل حياتنا ، اى نعم عمرنا ماهننساهم ، لكن ما ينفعش الدنيا تنتهى معاهم ، و احنا محتاجينلك ، محتاجين نحس بوجودك فى حياتنا ، يمكن تكون شايف ان انا و اخواتى ما نستحقش اهتمامك ، لكن صدقنى … رغم كل ده .. احنا شايفينك تستحق اهتمامنا و حبنا
كان منصور قد نظر باتجاه اخرى ما ان بدأت رحمة حديثها ، كان ينظر بعيدا و لكنه كان يستمع الى كل كلمة بتركيز ادركته رحمة من معالم وجهه التى كانت تموج بالحنين لولده و زوجته ، و لكنه ما ان استمع الى الجملتين الاخيرتين حتى عاد بنظراته الى عينا رحمة و التى احست بانتصار ما ان جذبت اهتمامه اليها ، فابتسمت و قالت : طول عمرك كنت حارمنا من حبك ، ادينا فرصة نحسسك احنا بحبنا ، يمكن تقدر تحبنا زى ما بنحبك ، نفسى ولادى ذاكرتهم تسجل وجودنا مع بعض و يشوفوا حبك اللى فى قلبنا ، و تبقى ذكرى حلوة ليهم لما يكبروا يحكوا عليها لاصحابهم
انا و اخواتى اتحرمنا من الذكريات دى ، ادينا فرصة نبنى غيرها معاك و مع ولادنا
لتختتم رحمة حديثها بقبلة حنونة على جبين منصور ، و تعود الى الداخل تاركة اياه يموج بين الحاضر و الماضى و هو يواصل كشف حساب قد بدأه مع نفسه منذ سنوات دون علم احد
ليمر الوقت و يبدأ الجميع فى الحضور و بصحبتهم ابراهيم كالعادة و الذى يعشقه الصغار و دائما يلتفون حوله فى بهجة و سعادة و هم يتمتعون بدفء احضانه و لاحظ الجميع ان ابراهبم يلف كف يده برباط طبى ، و عندما سألته عنه رحمة بقلق فور رؤيته فقالت : سلامتك يا عمى ، مال ايدك ، اوعى تكون وقعت و لا حاجة بعد الشر
فقال لها ابراهيم باطمئنان : ابدا بسيطة ، بس الظاهر انها اتجزعت منى و انا بقفل بوابة العمارة ورايا امبارح
لتقترب منه ريتاچ و تقول بتأثر و هى على وشك البكاء : هى بتوجعك اوى يا جدو
ابراهيم بحنان : ابدا يا روح جدو ، مابتوجعنيش
ريتاچ : طب خلى عمو كامل يكشف عليها هو و خالتو فرح عشان تخف بسرعة
ابراهيم و هو يضمها الى صدره بحب : حاضر يا حبيبة جدو ، و ان شاء الله لما تكبرى تبقى دكتورة و انتى اللى تكشفى عليا
ريتاچ بحب : لا يا جدو ، انا عاوزاك تبقى كويس ، مش عاوزاك تبقى تعبان
حسن و هو يحمل ريتاچ بمرح: ايه يا بت الرقة دى ، انتى عارفة لو بولان ماطلعتش حنينة و عسولة زيك كده ، هخلى خالتك ترجعها تانى
ليقول ابراهيم و هو ينظر لبولان تارة و لنور ابنة كامل تارة اخرى : بناتنا كلهم حنينين يا حسن ، واخدبن حنيتهم من امهاتهم
حسين بمرح : ااه طبعا و مين يشهد للعروسة ، خليك انت مدلعهم كده و ناصرهم دايما علينا
كامل : هو عشان بيقول الحقيقة يبقى بينصرهم عليكم
حسين بامتعاض مرح : يا عم خليك انت فى النحنحة بتاعتك مش ناقصاك ، مش كفاية انت السبب انى اغسل المواعين
ندا بتوعد : و بعدهالك يا حسين ، مش قلنا شئوننا الداخلية دى بيننا و بين بعضينا
حسين باستياء : حاضر يا جناب الكوماندا المهم
ليستمروا لبعض الوقت فى جو من المرح و البهجة وسط مراقبة منصور الصامتة ، حتى قالت لهم رحمة : طب ياللا نتعشا الاول عشان الاكل مايبردش و اللا ايه
ليلتف الجميع حول مائدة الطعام ، لتولى رحمة ابيها اهتمامها الاوحد ، و تتولى ندا مساعدة عمها فى تحضير صحنه و تناوله ، اما فرح فقد اولت اهتمامها بكل الصغار بمساعدة كامل وسط مشاكسات حسن و حسين
و كان منصور طوال الوقت يراقب بناته الثلاث و اهتمامهن و حنوهم على الجميع ، و كم هن سندا لبعضهن البعض دون اتفاق مسبق او تذمر او شكوى فكان يتنقل بعينيه بين رحمه و هى تضع له الطعام بصحنه بعد تهيئته الكاملة ليتناوله دون اى مشقة ، و كانت البسمة على محياها لم تفارقها ابدا ، و كان كلما يتوقف عن الطعام تدس له شيئا بفمه و هى تحايله كالصغار
و عندما كان يتابع ندا .. كان يجدها تفعل مع شقيقه مع تفعله رحمة معه و بذات المحبة و الابتسامة الصافية التى و ان نمت عن شئ فانما تنم عن حب صادق لا رياء فيه
اما فرح ، فكان يتابعها بشئ من الحذر ، فكان يلاحظ انها تبادله بعض النظرات و هى تختلس النظر اليه و الى رحمة و هى تساعده و تعتنى به ، كان يشعر بحنوها على الصغار ، و لكنه عند تلاقى أعينهم كان يجد نظرة لم يراها بعينبها من قبل ، فكان فى السابق و حتى موت نبيل كان كلما تلاقت اعينهم لايجد الا كل رفض و حدة ، لتتحول النظرة رويدا رويدا الى لوم و عتاب يطفح بالمرارة ، حتى بدأت تلقى اليه كلمة من هنا تارة و من هناك تارة اخرى ، و لكنها قلما ماكانت تتعدى جملتها الأشهر و التى تكاد تكون الاوحد … ازيك يا حاج ، و كانت تصاحبها نظرة زجاجية لا تفصح عن اى معنى
اما اليوم فعينيها تمتلئ بنظرة غامضة ، لا .. ليست نظرة غضب كالسابق ، و ليست عتاب ايضا ، و لكنه فشل فى تفسيرها فشلا ذريعا جعله ينشغل بمتابعتها عله يستطيع فهم تلك المعضلة الغامضة
بعد انتهاء الطعام ، انشغلت الشقيقات بتنظيف المكان كالعادة ، ليجتمع الرجال و الاطفال معا و هم يتبادلون الاحاديث وسط انشغال منصور بمتابعة حركة بناته و احفاده ، و فى اثناء تجمع الصغار و لهوهم حول ابراهيم ، كانت نور تمسك بيدها ثمرة فاكهة تأكلها ببطء شديد ، ثم تتعثر لتقع تحت اقدام منصور و تتدحرج ثمرة الفاكهة بعيدا ، ليسرع منصور بانتشالها و مساعدتها على الاعتدال ، و هو يمد يده لها بثمرة فاكهة جديدة ، لتأخذها من يده و هى تحاول الصعود فوق اقدامه ، ليساعدها كى تستقر بين احضانه و بدأت فى قطم الفاكهة و هى تتابع ما يدور من حولها دون ضجة و هى تستند لصدر جدها بين ذراعه الذى التف حول جزعها باحكام
و كان كامل يتابع صغيرته و ما ان شاهد ما حدث توجه بعينيه على الفور اتجاه فرح ليعلم ان كانت رأت ما حدث ، و ما ان التفت للوراء حتى رآها و هى تلملم بقايا الطعام من فوق المائدة ، و لكنها ما ان رأت ما حدث حتى توقفت عن ما كانت تفعل ، و ظلت تنظر لمنصور الذى وجدته يربت براحة يده بهدوء على قدم نور و هو يبادلها النظرات و هو ينتظر ان تنزعها من بين احضانه فى اقرب لحظة ، و لكن فرح ظلت تنظر اليه فينة و الى ابنتها المستمتعة بجلستها فينة اخرى ، ثم استدارت و عادت الى شقيقاتها ، ليبتسم كامل براحة و هو يدعو الله ان يغسل صدرها من كل الم مر عليها
و بعد مضى بعض الوقت ، كانت الفتيات قد عادت لمجالسة ازواجهن و الجميع ، لتلاحظ فرح ان نور قد ذهبت فى سبات عميق باحضان جدها الذى ضمها الى صدره بحماية و يده لم تنقطع عن الربت عليها بهدوء ، ليقول لها كامل : تاخدى نور تنيميها جوة يا فرح و اللا اخدها انا
لتقول فرح بانتباه : انا هاخدها ، لتنهض متجهة الى ابيها و ما ان كادت ان تميل عليه لتتلقى صغيرتها الا تفاجئت بمنصور ينهض بهدوء و هو يحتضن نور و قال : انا هدخلها
فرح بتردد : عنك انت يا حاج ، انا هدخلها ، عشان اغطيها
منصور : تعالى غطيها ، بس انا هدخلها
لترضخ فرح لما قاله منصور الذى لم ينبث بذلك العدد من الكلمات منذ شهور عدة .. بل لسنوات ان صح التعليق ، و تركته فرح يذهب امامها ، فوجدته يذهب الى الغرفة التى خصصتها له رحمة ، فلم تحاول الاعتراض ، و ذهبت ورائه و هى لاتعلم كم العيون التى تشيعهم فى ذهول ممزوج بالفضول الشديد .. اذ قال حسين بخفوت و هو ينظر لكامل : هو ايه الحكاية ، من امتى عمى بيهتم كده ببنت من البنات
ابراهيم بتمنى : يمكن يا ابنى ربنا يكون رايد له ان الغمامة اللى كانت على عينيه انها تتشال
حسن : الحقيقة اللى انا مستغربله اكتر هو رد فعل فرح مش تصرف عمى ، انا ملاحظ ان عمى انكسر بموت نبيل و طنط دولت الله يرحمهم و كمان بعد نادر و احساسه ان نادر رافضه و رافض يتعامل معاه ، لكن فرح الصراحة اللى فاجأتنى برد فعلها ده ، انا تخيلت انها هتعمل زى اما كنا عند ندا
ندا : يا جماعة احنا لازم نشوف حل مع نادر ، و لازم نحط حد للحالة اللى هو فيها دى ، انا خايفة بابا يحصل له حاجة فى اى وقت و نادر مش هنا
ابراهيم : و الله يا بنتى انا غلبت فيه ، و كل مرة بيبقى رده اسوأ من اللى قبلها ، محمل ابوه مسئولية موت نبيل و موت امه ، و مابيبطلش يقول ان اللى حصل ده مش اكتر من انتقام ربنا فى اللى ابوه عمله زمان مع اخواته البنات و غلبت كلام معاه باللين مرة و الشدة مرة ، و مرة بالعقل و مرة بالدين ، و فى كل مرة مش بلاقى منه غير العند و المكابرة و بس
رحمة بتردد و هى توجه الكلام لكامل : بقولك يا كامل ، ما تروح ورا فرح و بابا ، و اتاكد كده ان كله تمام ، انا قلقانة على بابا لا فرح تقول له كلمة كده و اللا كده
كامل : ماتقلقيش يا رحمة ، فرح لو كانت عاوزة تقول له حاجة مش هتستنى لما تبقى معاه لوحده ، و بعدين من امتى اصلا و هى بتوجه له اى كلام
ابراهيم : معلش يا كامل ، قوم برضة وراهم اكنك حتى رايح الحمام بص عليهم كده من بعيد
كامل بانصياع : حاضر يا بابا ، رغم انى مش شايف ابدا اى سبب للقلق ده
رحمة بمحايلة : للاطمئنان بس يا كامل .. معلش
كان منصور قد وصل الى فراشه ، و كانت فرح من خلفه تنتظر ان يضع نور على الفراش لتقوم بوضع الغطاء عليها ، و لكنها بدلا من ذلك ، وجدت منصور يرقد على الفراش و هو مازال محتفظا بنور بين احضانه ، و بعد ان اعتدل بنومه قال بخفوت و هو يراقب ردود افعالها بالمرآة : انا هنام انا كمان شوية … غطينا سوا و سيبيها معايا .. ماتقلقيش
لتقف فرح كالتائهة و هى لا تدرى كيفية التصرف و كانت تنتقل بعينيها الى ظهر ابيها و وجه ابنتها المندس بين احضان جدها فى هدوء و سكينة ، و لكنها فالت بتردد : بس احنا احتمال نمشى كمان شوية و هحتاج اخدها و انت هتبقى نايم و كده هقلقك
لينظر اليها منصور من خلال المرآة و قال : سيبيها معايا .. ماتقلقيش عليها مش هأذيها
كانت نبرته تحمل الرجاء بين طياتها ، لتتجه فرح بنظرها الى المرآة لتقابل عينا ابيها التى يمرح فيها شبح اليأس بفخر و اعتزاز ، لتقابله فرح باضطراب احتل كيانها بالكامل لترتجف حدقتاها و هى تزدرد لعابها و تتقدم من الفراش لتمد يدها و هى تسحب الغطاء عليهما معا ، ثم تلتف من الجهة الاخرى لتؤمن غطاء ابنتها و لكنها قبل الوصول لهدفها وجدت يد ابيها قد سبقتها و دثرت ابنتها جيدا ثم احتضنها مرة اخرى و اغمض عينيه سريعا حتى خيل اليها انه ذهب فى النوم فى التو و اللحظة ، لتظل مكانها و هى تراقبه فى نومه لتلاحظ ان ملامحه هادئة .. ساكنة .. و كأنه رجل عاش حياته بالكامل فى سلام داخلى و خارجى ، لتسأل حالها .. من هذا الرجل المتوسد باحضان ابنتى بكل هذه السكينة ، و اين ذهب هذا المنصور المتعجرف القاسى الذى قتل براءة مهدها قبل ان تعى العالم من حولها
لتفيق على يد كامل و هى تهزها برفق و هو يقول بهمس اثناء مراقبته للمشهد : مالك يا حبيبتى ، ليه واقفة كده
فرح : هااا ، لااا ابدا
كامل : هو عمى كمان نام
فرح : ايوة ، قال انه عاوز ينام شوية
كامل : طب مش مشكلة ، سيبيهم و تعالى برة ياللا
فرح و هى تذهب معه : ياللا
و عند عودتهم الى الخارج قالت رحمة بدهشة : الله .. اومال بابا فين
كامل : نام هو كمان جنب نور
ندا : معقول هينام من دلوقتى للصبح
فرح ببعض التوتر : قال هينام شوية
رحمة : اصله صاحى من بدرى و ما نامش تانى من ساعتها
ابراهيم : يبقى هينام للصبح
فرح بتردد : ايه … طب كامل يجيب نور بقى عشان نمشى احنا
رحمة باعتراض : تمشوا تروحوا فين ، لسه بدرى ، احنا يادوب اتعشينا ، اقعدى يا فرح و استهدى بالله
و بالفعل تستمر جلستهم حتى وجدوا ابراهيم ينهض قائلا : الوقت سرقنا و انا كمان عاوز انام ، هتوكل انا بقى على الله يا اولاد
لينهض الجميع تباعا استعدادا للرحيل ، لتلتفت فرح الى كامل قائلة : ادخل انت هات نور
رحمة : طب ماتسيبيها بايتة معانا النهاردة يا فرح و اهى تلعب و تنبسط مع بولان
كامل و هو يتجه الى الداخل : معلش يا رحمة عشان لما تصحى ماتتخضش اننا مش معاها
و عند دلوف كامل الى غرفة عمه ، وجد نور مستيقظة و تجلس باحضان جدها و هى تعبث بشعره و شاربه و تصدر صوتا مرحا كالزقزقة ، و عندما رأت اباها نهضت واقفة على الفراش بفرحة لملاقاته ، و عند التقاط كامل لها تقع عيناه على وجه منصور ليجده شاحبا على غير العادة ، غارقا بقطرات العرق التى تنضح من جبينه ، لينزل نور من بين يديه مرة اخرى و يذهب الى عمه ليمسك يده و هو يتحسس نبضه ، ليخرج هاتفه بتوتر و يهاتف مشفاه طالبا منهم ارسال عربة اسعاف على وجه السرعة ، ثم رجع الى الخارج مسرعا و هو يقول : انا طلبت الاسعاف
ندا بلهفة : اسعاف .. لمين .. بابا حصل له حاجة
كامل و هو ينظر لفرح : نبضه ضعيف و محتاج يدخل العناية فورا
ليحدث كل شئ بسرعة ، و فى خلال نصف الساعة كان منصور على فراش غرفة الرعاية المركزة و كامل بصحبة فريق اطباء الرعاية بالكامل حوله و هم يوصلونه بالاجهزة و بالمحاليل ، ليبدأ منصور فى الاستجابة لهم بعد نصف الساعة ليلتقط الجميع انفاسه بعد فترة طويلة من التوتر ، و كان ابراهيم و حسن و حسين و فرح يراقبون كل ما يحدث من الخارج ليستمعوا الى رنين هاتف حسن الذى التقط هاتفه و رد قائلا : ايوة يا رحمة . اتطمنوا .. ابتدى يفوق الحمدلله
رحمة : انا عاوزة اشوفه يا حسن ، انا مش فاهمة ازاى تسيبونا هنا و تروحوا انتو لوحدكم معاه بالشكل ده
حسن : طب ازاى بس يا حبيبتى ، و كنا هنسيب الولاد بس مع مين ، و بعدين اكيد هيتمنع عنه الزيارة لحد ما حالته تستقر
رحمة : طب هو انت ما عرفتش اللى حصل ده كان سببه ايه
حسن : مستنيين كامل بس يخرج من عنده عشان يفهمنا
رحمة : هو كامل لسه ماخرجش من عنده ، اومال انت بتقول انه فاق ازاى
حسن : و الله فاق يا حبيبتى و فتح عينيه ، احنا شايفينه من الازاز قدامنا اهو ، و كامل بيتكلم معاه
رحمة : طب و فرح معاه و اللا كامل بس
حسن : كامل معاه تلت دكاترة جوة ، و قال لفرح تفضل معانا برة
رحمة : طب اديهالى لو سمحت
ليمد حسن يده بالهاتف لفرح التى تقف و عيناها مثبته على عينا منصور الذى يبادلها النظرات من وراء الزجاج بوهن واضح على معالمه ، لتنتبه فرح الى صوت حسن و هو يقول : خدى يا فرح طمنى اختك احسن مش مصدقانى
لتلتقط فرح الهاتف من يد حسن و تضعه على اذنيها وهى تعيد عيناها الى عينا منصور مرة اخرى و تقول : ايوة يا رحمة
رحمة بقلق : طمنينى على بابا يا فرح ، هو فاق بصحيح و اللا حسن اللى بيطمننى و خلاص
فرح بخفوت : لا اطمنى .. فاق و باصصلى
رحمة : طب ماعرفتيش ايه سبب اللى حصل له ده
فرح : غاليا ذبحة تانية ، الاجهزة مبينة ضربات قلبه مش منتظمة
رحمة باستغراب : و ايه اللى سبب له الذبحة بس المرة دى ، ده كان قاعد وسطنا و كويس لحد ما دخل ينام ، يعنى لو ماكانش كامل اخد باله و هو بيجيب نور كان لاقدر الله حصل له حاجة و احنا مش واخدين بالنا
فرح بشرود و هى تتنقل بمقلتيها بين تقاسيم وجه ابيها التى تغضنت بالحزن : ايوة ، اكنه كان عارف ان ده هيحصل و عشان كده صمم ياخد نور معاه .. زى ما يكون كان بيتحامى فيها و عارف انها هتبقى السبب فى انقاذه
رحمة : طب هنعرف ندخل له امتى يا فرح ، انا عاوزة اجيله ، انا كلمت ماما و بابا عادل و هييجوا ياخدوا الولاد كمان شوية
فرح : زى ماتحبى ، تعالوا ، هتشوفوه .. بس من ورا الازاز
لتمر ثلاثة ايام على منصور و هو بغرفة الرعاية و كامل يمنع عنه الزيارة تماما ، رغم انتباه منصور لهم و متابعته لوجودهم الدائم امام غرفته ، الا ان طبيب الرعاية طلب منع الدلوف او التحدث اليه منعا لاجهاده
و كانت رحمة و ندا قلما تتحركان من امام الزجاج ، وكانتا ترتسم على ملامحهما القلق المستمر و كانت رحمة قلما تجف عينيها من الدموع المسترسلة و هى تخشى ان لا ينجو اباها من تلك المحنة ، فكانت السعادة قد بدأت فى مداعبة قلبها و هى تشعر ان العلاقة بينها و بين اباها قد بدأت تأخذ منحنى يقرب للطبيعة و لكن القدر لم يمهلها لاكمال الطريق
اما فرح ، فكانت ترفض الدلوف اليه تماما ، و كانت تفضل الوقوف بجانب شقيقتيها دون اى حديث و هى تواصل النظر اليه ، حتى كان مساء الليلة الثالثة حين قال لهم كامل : عمى ان شاء الله من بكرة الصبح هيروح اوضة عادية ، فياريت كله يروح يستريح الليلة دى ، عشان على الاقل تبقوا قادرين تواصلوا معاه لما يخرج بالسلامة
رحمة برفض : مش هقدر امشى و اسيبه لوحده
كامل : مش لوحده يا رحمة ، انا و اختك اللى سايبة شغلها من ساعة ماعمى وصل هنا .. نبطشية الليلة دى ، يعنى اتطمنى مش هنسيبه ، اختك طول ما انا فى المستشفى ما بتباتش فى البيت لوحدها
رحمة برجاء لفرح : هتفضلى جنبه يا فرح و مش هتسيبيه
لتومئ فرح برأسها موافقة دون اى تعليق
لتقول رحمة بشفقة : انا عارفة انك لسه موجوعة منه ، بس مهما ان كان بابا مابقالوش حد غيرنا دلوقتى يا فرح ، و صدقينى .. انا حاساه اتغير كتير … بس يمكن ماعندوش لسه الشجاعة الكافية اللى تخليه يعترف بغلطته
فرح بهدوء دون ان تفصل عينيها عن ابيها : روحى يا رحمة ، روحوا كلكم و ماتقلقيش .. انا هفضل موجودة قدامه
ابراهيم : طب افضل انا يا ابنى قدامه على الاقل يبقى متطمن شوية
كامل : انت بالذات يا بابا لازم تمشى ، عاوزك تروح تستريح و تنام كويس ، انت من ساعتها و انت تقريبا ما نمتش و ده غلط عليك و على علاجك ، روحوا كلكم و تعالوا بكرة وقت ماتحبوا هتلاقوه مستنيكم
لينصرف الجميع و هم يتقاذفهم القلق و يتركون فرح تقف بمفردها بعد ان تركها كامل هو الاخر ليتابع مرضاه ، و اثناء وقفتها المراقبة لابيها تلمح يده و هو يشير اليها طالبا منها الدخول و الاقتراب منه ، و بعد ان ظلت مكانها رافضة الدخول بينها و بين نفسها ، الا ان اصراره جعلها ترضخ لطلبه ، فتذهب لتعقم نفسها و تخطو الى الداخل و تقترب من فراشه بهدوء و تقول بخفوت و هى تزدرد لعابها بصعوبة شديدة حتى تجلى صوتها : خير يا حاج ، محتاج حاجة
ليقول منصور و هو ينظر بعينيها : نادر عنده حق
فرح بعدم فهم : عنده حق فى ايه
منصور : ان ربنا انتقملك منى انتى و اخواتك ، و عاقبنى ببعد ولادى الصبيان الاتنين عنى ، واحد بالموت اللى مامنوش رجوع ، والتانى غاب عنى زى غياب يوسف عن يعقوب ، بس انا ماكنتش يعقوب و عشان كده ربنا مش هيردلى يوسف من تانى ، حتى دولت اللى عمرها ماشافت منى سند .. راحت منى هى كمان ، الدنيا فضيت عليا من الكل ، مابقاش فاضل حواليا غيرك انتى و اخواتك البنات ، اكن ربنا بيقوللى ادينى دوقتك من اللى كان نفسك فيه ، لكن عشان ماصنتش النعمة .. ارادتى برضة هى اللى هتمشى
ربنا انتقملك منى شر انتقام ، و استجاب لكل دعوة دعيتيها عليا … ياترى لسه قلبك لسه ناقم عليا بعد كل اللى حصل لى ، و اللا ربنا كتبله السلام اللى انكتب عليا انى اتحرم منه طول عمرى اللى باقى
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية لما قالوا دي صبية ) اسم الرواية