رواية لما قالوا دي صبية كاملة بقلم ميمي عوالي
رواية لما قالوا دي صبية الفصل السادس عشر والأخير 16
منصور و هو مازال يكمل حديثه بانهاك : ربنا انتقملك منى شر انتقام ، و استجاب لكل دعوة دعيتيها عليا … ياترى لسه قلبك لسه ناقم عليا بعد كل اللى حصل لى ، و اللا ربنا كتبله السلام اللى انكتب عليا انى اتحرم منه طول عمرى اللى باقى
كانت فرح تستمع اليه و هى لا تستطيع السيطرة على رجفة قلبها ، كانت تتنقل بين عينيه كالايام السابقة و هى تبحث عن اى لمحة حقد تعيد اليها اتزانها و صمودها امام هذا الرجل ، كانت تبحث عن اى دليل على ان هذا الرجل الراقد امامها فى فراش المرض ، هو نفسه ذاك الذى اذاقها كؤوس المرار من اليتم و الحرمان
و لكنها لم تجد ، لم تجد غير الضعف و الحزن و الالام ، لم تجد غير تل من الهموم يطل عليها من مقلتيه التى الهبتها الدموع فجعلتها ككؤوس من الدماء المنسكبة على الارض المقفرة … لتشربها سريعا تاركة اثارها على الرمال ليكون الدليل الاوحد على وجودها لتتذكر جلستها الاخيرة مع طبيبتها المعالجة النفسية بالأمس
فلاش باك
ايمان : طب انتى حاسة باية جواكى دلوقتى من ناحيته بعد الازمة اللى حصلت له
فرح بتيه : مش عارفة .. مش قادرة احدد
ايمان : لازم تحددى يا فرح .. لازم تعرفى مشاعرك من ناحيته اتغيرت و اللا لسه زى ماهى عند نقطة الصفر
فرح بنوع من اليأس : مش عارفة .. مش قادرة
ايمان : طب ماحاولتيش تدخليله مع كامل او مع اى حد من الدكاترة
فرح : ماقدرتش
ايمان : و ايه اللى خلاكى ماتقدريش
فرح بتردد : حسيت انى هقف قدامه عاجزة ، حسيت انى فجأة نسيت كل اللى اتعلمته و درسته ، بقيت واقفة براقبهم و هم بيسعفوه و انا حاسة انى ماكنتش هقدر اعمل اللى هم عملوه ، ااه ... كنت فاهمة اللى عملوه ، بس بعد ما اتعمل ، دماغى كانت شبه مشلولة و مش قادرة افكر صح
ايمان : انتى عارفة امتى الدكتور بيجيله الاحساس ده
لتنظر اليها فرح بفضول ، لتكمل ايمان حديثها قائلة : لما يكون المريض بيحتل منزلة عالية جدا عند الدكتور ، معنى كلامك ده ان احساسك بمنصور فعلا اتغير ، بقيتى تقلقى و تخافى عليه
فرح باعتراض : مش دليل ابدا
ايمان : فاكرة اول مرة وقع فيها منصور .. كان وقت ماعرفتوا ان المرض الخبيث رجع لنبيل من تانى … فاكرة
فرح بشرود : ايوة فاكرة
ايمان : يومها سيبتيهم و رجعتى لنبيل و مافكرتيش حتى تسالى عنه كنتى بتعرفى تطورات الحالة بالصدفة و انتى تقريبا الاحساس الوحيد اللى تملكك وقتها كان الشماتة
لكن المرة دى انتى مرابطة قدام اوضته و رافضة حتى انك تقومى بشغلك رغم انه فى نفس المكان ، و عرفت من كامل انك كنتى رافضة تحضرى الجلسة النهاردة ، لكن هو اللى صمم انه يجيبك فى ميعادك
فرح بمحاولة للمراوغة : ما اقدرش اسيب اخواتى لوحدهم
ايمان : طب مانتى سيبتيهم فى كل المرات اللى فاتت
فرح باصرار : بس انا ماسامحتوش
ايمان : ليه
فرح بشرود : لانى جعانة … جعانة اوى ، و حاسة بالجوع بينهش فى صدرى و ضلوعى
ايمان : و ياترى جوعك من انهى نوع
فرح و عينيها تمتلئ بالدموع : جعانة لحضنه .. لحنيته ، لما حاول ياخد نور اول مرة ، حسيت بثورة من جوايا و عند ... عند خلانى اخدتها و اختفيت من قدامه ، و لما رجعت فضلت محاوطاعها و انا مانعاها تروح ناحيته ، وقتها قلت انه مش من حقه ، و لما كامل حاول يخلينى ااخد الامور ببساطة اكتر من كده ، حاولت فعلا انى اتصرف بحيادية ، لكن لما خدها فى حضنه من يومين و نام بيها و هو ضاممها بين ضلوعه حسيت بالغيرة
ايمان : غيرتى منه و اللا من نور
لتنظر لها فرح بنوع من الأسى ثم قالت : غيرت عليه .. من نور ، هى دى الحقيقة اللى بحاول انكرها و اهرب منها من وقتها ، كان جوايا رغبة شديدة انى اخودها من حضنه و اصرخ و اقول له انا اولى بالحضن ده منها ، كنت عاوزة اقول له انت حرمتنى من الحضن ده سنين عمرى كله .. مش من حقك تديه لغيرى من غير اذنى حتى لو غيرى ده يبقى بنتى انا و حتة منى انا
طول عمرى كنت ببص للبنات مع ابهاتهم و انا جوايا غيرة بحاول ادفنها بعيد و ما ابينهاش ابدا قدام اى حد ، بس عمرى ما تصورت انى اغير من بنتى ، لقيتنى بقول لروحى .. نور الطفلة اللى عمرها ماجاش سنتين عندها حضن ابوها اللى يكفى كل اطفال الدنيا ، و حضن عمى اللى بيحبها اكتر من عينيه ، لكن كمان تاخد حضن منصور اللى انا اتحرمت منه ، الحضن اللى المفروض كان يبقى ملكى انا و ليا انا طول السنين دى
لتنظر فرح الى ايمان و تقول بسخرية مختلطة بالمرارة : مش قلتلك انى انسانة مشوهة و مافيش منى رجا
بغير من بنتى لما بتدخل حضن منصور او حتى فى حضن امى اللى برضة اتحرمت منه سنين طويله بسببه لحد مافقدت الامل انى ممكن ابقى انسانة طبيعية
ايمان بابتسامة : بالعكس يا فرح ، انا شايفة انك فى الفترة الاخرانية بتتقدمى و تقدم ملحوظ كمان
فىح باستغراب : ازاى و انا جوايا كل الحرب دى
ايمان : يكفى انك فاهمة سبب الحرب دى ، حتى لو بتحاولى تنكريها ، لكن فى الاخر بتعترفى بيها ، و ده فى حد ذاته شئ مرضى جدا بالنسبة لى
فرح : بس انا مش عارفة اعمل ايه ، حاسة انى مش لاقية نفسى وسط كل الخراب ده ، ساعات بحس انه لازم يتعاقب عقاب مخلد على اللى عمله ، و ساعات تانية بلوم امى اكتر انها هى اللى زرعت جوايا كل الكره ده من ناحيته ، و يمكن لو ماكانتش عملت كده من البداية ماكنتش وصلت للى انا فيه ده ، بس برجع تانى الوم عليه انه ماسألش فينا و لا افتكرنى غير اما احتاج ياخد حتة من جسمى لنبيل ، نبيل اللى اللى لو كنت املك اديله جزء من عمرى ماكنتش هتأخر
مابقيتش عارفة مين فيهم اللى غلطان اكتر ، مابقيتش عارفة دمى محنى كفوف مين فيهم اكتر .. امى و اللا منصور ، نفسى احس انى بنى ادمة طبيعية من غير غل و لا سواد من جوايا لاى حد بس مش قادرة ، نفسى ابرهم زى ما ربنا امرنا ، بس ربنا عالم بالحرب اللى جوايا ، مش هنكر انى بقيت احس انى متعاطفة معاهم بس بعاند ده و بدفنه جوايا
دلينى اعمل ايه … ساعدينى … لو تقدرى تقيديلى شمعة تنور العتمة اللى جوايا دى قديها .. يمكن … يمكن احس انى قادرة اعيش و احس انى طبيعية و مش مريضة
ايمان : امشى ورا قلبك يا فرح ، شوفى قلبك بيقول لك ايه و نفذيه فورا ، علشان ماترجعيش تندمى انك ما استغليتيش الفرصة ، و لازم تقتنعى من جواكى ان الناس مش ملايكة ، و كل انسان و له اخطاءه ، لو حسيتى انه ندم و بيحاول يكفر عن أخطاءه ساعديه انه يعمل ده ، و حتى لو هو ماحاولش يعمل ده ، لو حسيتى انك محتاجة تقربى عشان خاطر فرح .. قربى عشان خاطر فرح ، فرح تستاهل منك انك تحاولى عشانها ، و انك تتنازلى عشانها ، عشان اللوم و الندم مايوجعهاش لو فات الاوان
عودة من الفلاش باك
لتنتفض فرح من مكانها عندما لامس منصور كف يدها ليعيدها الى وعيها فتقول بصوت مرتجف و هى تنظر بعينيه بأسى : عمرى ما اتخيلت انى ممكن اتوجع فى يوم من الايام عشانك ، و لا عمرى فكرت ابدا انى ممكن ادعيلك من جوايا ان ربنا يسلمك او ياخد بايدك
كل يوم بعد كل فرض بصليه .. كنت بدعى ربنا انه يهدى نادر و يرجع لنا من تانى و يعيش وسطنا ، لاننا بنحبه و عاوزينه ، لكن ما توقعتش ابدا انى لما ادعى بده ، ادعى ان ده يحصل عشان يردلك روحك من تانى
و ما تسألنيش ازاى و لا امتى عشان ما اعرفش ، و برضة ماتسالنيش ان كنت سامحتك و اللا لا لانى برضة ما اعرفش .. كل اللى انا عارفاه انى مش عاوزاك تموت و انت بالوجع ده
منصور و هو يومئ برأسه ايماءة خفيفة : النسيان طريقه طويل يا بنتى
فرح بذهول : بنتك !!!!! ، من امتى بتعترف ان ليك بنات
منصور : يوم ما نبيل وصانى عليكم قبل ما يقابل رب كريم
فرح بحنين : وصاك علينا … و وصانى عليك
منصور بدهشة : وصاكى عليا
فرح : ايوة .. وصانى انسى و اسامح
منصور : و يا ترى قدرتى
فرح : لو تعرف تعبت اد ايه
منصور : يعنى انتى بتحاولى تسامحى
فرح بوجع : لأ …. بقاوم بكل قوتى ، فى حرب جوايا بسببك ، جزء عاوزنى انسى و اسامح عشان اقدر اعيش واكمل ، و الجزء الاكبر رافض و بيشدنى بكل قوته وهو بيحاصرنى فى الوجع اللى عيشته طول عمرى بسببك
منصور بندم : انا عارف انى غلطت
فرح بسخرية : غلطت !!! ، انت عارف انت عملت فيا ايه ، عارف كانوا بيتهمونى بسببك بايه ،عارف وصمتنى بايه طول عمرك
احب اعرفك بنفسى … انا فرح منصور … وش البومة … قدم الفقر ، النحس اللى ابوها طلق امها يوم ولادتها ، .. كأن انا السبب فى تحديد نوعى ، انا اللى اتحرمت من حضن امى من يوم ما وعيت على الدنيا و هى دايما بتبصلى بلوم انى كنت السبب فى طلاقك ليها ، انا اللى اول حب فى حياتى رفضنى و كان بيعايرنى بطلاقك لامى ، انا اللى ابويا رفض يستلمنى من الدكتور يوم ما اتولدت و ساويتنى باولاد الخطيئة لانى اتولدت بنت
منصور بذهول : و ليه ده كله ، ما ياما رجالة بتطلق ستاتها
فرح بجمود : بس هاتلى حد فيهم رفض بنته زيك ،هاتلى حد بعت ورقة طلاق مراته مع شهادة ميلاد بنته زيك ، هاتلى حد فضل فوق العشرين سنة من غير ما يفكر يشوف بناته زيك
منصور بحزن : عندك حق فى كل كلمة قلتيها ، بس حاولى تلاقيلى عندك اى مبرر يخليكى تعدى كل ده
فرح : مبرر !!!! ، الاقيلك مبرر ازاى و انت خليتنى غيرت من بنتى
منصور : اكيد لما قارنتينى بكامل
فرح بسخرية : تصدق لا ، غيرت منها لما حاولت تاخدها فى حضنك لما كنا عند ندا ، و غيرت منها تانى و احنا عند رحمة .. لما خدتها فى حضنك و انت قاعد و كمان لما روحت تنام ، انا ما افتكرش ابدا و انا فى سنها ان حد خدنى فى حضنه بالشكل ده ، حتى امى ، عمرى ما افتكر لها انها عملت كده معايا زى ماكانت بتعمل مع اخواتى
طول عمرى كنت عايشة و انا جوايا فراغ و احتياج ، طول عمرى كنت محتاجة حضن يضمنى و يطبطب عليا ، حتى بعد ما كبرت و صاحبت و اتصاحبت ، كنت بحس انى دايما لوحدى ، لانى عمرى ماحسيت ان ليا سند
حتى لما اتجوزت … كنت خايفة اخلف بنت و اللا ولد و ما اقدرش احبهم و لا اخليهم يحبونى ، و اكنك كنت لعنة متسلطة عليا طول عمرى
لحد ما كامل خد بايدى ، و ودانى لدكتورة نفسية بتعالج معاها بقالى خمس سنين ، و يا دوب قدرت احاول انى اتعامل معاك
منصور بصدمة : دكتورة نفسية !!!
فرح بتنهيدة : ايوة ، و اديها بقالها سنين بتحاول تروى الارض البور اللى جوايا ، و تقنعنى انى انسى اللى فات و اعيش اللى باقى من عمرى من غير وجع و لا قهر
منصور بحزن : انا عارف ان الاعتذار بعد كل ده مامنوش فايدة ، بس انا عملت كشف حساب لروحى من سنين ، من قبل موت نبيل ، من يوم ماوقع وقعته الاخرانية و انتى وقفتى قدامى و صارحتبنى باللى جواكى ، يومها لما وقعت ماوقعتش من قلقلى على نبيل و بس .. لا .. وقعت لانك فجأة حطيتى مراية قدامى وريتبنى فيها شكلى اللى عايش جواكم السنين دى كلها ، الندم ابتدى ينخر فيا يوم ورا التانى ، عارف ان ندمى مش هيفدك و لا هيفيد اخواتك ، و لا اسفى كمان هيفيد ، بس هقدملك اعتذارى عن طيب خاطر .. انا اسف يا بنتى … سامحينى
فرح بعيون يملأها الالم : بحاول صدقنى
منصور بامل : يعنى فى امل انك ممكن تسامحينى
فرح بتنهيدة : صدقنى بحاول ، و مش هكدب عليك و اقول انى بعمل كده عشانك .. لأ ، انا بعمل كده عشان ولادى و كامل و اخواتىو عشانى انا كمان
منصور : و يمكن ييجى يوم يبقى عشانى انا كمان
لتتنقل بين مقلتيه قائلة : اعتقد ان الايام هى بس اللى ممكن تجاوب على الكلام ده
و عندما تخرج فرح من غرفة الرعاية تجد كامل يراقبها بحنان بالغ و تلقاها بين احضانه مقبلا رأسها قائلا بتساؤل : احسن !!!
لتومئ فرح برأسها و تقول بارهاق : حاسة انى محتاجة انام
كامل : تحبى اروحك تريحي شوية ، او لو تحبى اوديكى لطنط فاطمة و اهو تبقى مع الولاد
فرح برفض : وعدت البنات ما اسيبهوش لوحده يا كامل
كامل بحب : حبيبتى انا معاه و كل الدكاترة حواليه ، ماتقلقيش ، و هو الحمدلله حالته استقرت
فرح : معلش ، سيبنى برضة عشان خاطرى
كامل : خلاص تعالى ريحيلك ساعتين فى اوضتى و ابقى ارجعيله تانى
لتلتفت فرح بعينيها لتنظر الى ابيها مرة اخرى لتجده يبتسم لها بوهن فتومئ برأسها و تذهب بصحبة زوجها لتنال قسطا و لو ضئيلا من الراحة ، و لكنها تتفاجئ بأنها تنام نوما عميقا لليوم التالى لا تتذكر انها نامت مثله من قبل
و فى صباح اليوم التالى .. يتوافد الجميع على غرفة منصور ليلتفوا حوله باهتمام بالغ ، و استمر الحال لثلاثة ايام اخرى ، و الشقيقات الثلاث بتبادلن الادوار فى المبيت مع والدهن و القيام بكل شئونه بحب خالص وسط تدليلهن له و كأنه طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره ، و كان الملاحظ للجميع أن فرح كانت تتسابق معهن لتلبية جميع متطلباته ، و قبل مغادرة منصور للمشفى و فى الليلة التى كانت فرح بصحبة ابيها ، كانت زيارة فاطمة و زوجها عادل مع ولديها احمد و محمود ، و بعد اداء التحية و السلام تقول فاطمة بمودة : الف سلامة عليك يا ابو نادر ، ما تأخذناش اننا ماجينالكش قبل كده ، بس انت عارف البنات سايبين الولاد عندى ، و ماصدقت ان ندا و رحمة جم يشوفوا الولاد و يقعدوا معاهم النهاردة فجينالك على طول
منصور بخجل : تعبتوا نفسكم بزيادة يا ام احمد … كتر خيركم
عادل : الف سلامة يا استاذ منصور ، و ان شاء الله خير و ما تتكررش تانى و تبقى ازمة و عدت
منصور بامتنان : كتر خيرك يا استاذ عادل
احمد : الف لا بأس عليك يا عمى
منصور و هو ينظر بامعان لاحمد : كتر خيرك يا ابنى … ثم قال بتردد .. هو نادر مابيتصلش بيك
احمد بلجلجة : بيتصل ، بس مش دايما .. يعنى ساااعااات و سااعات
منصور و هو يومئ برأسه : ربنا يصلح له حاله
الجميع : يارب
منصور و هو ينظر لعادل بتردد : ما تآخذنيش يا استاذ عادل ، بس بستأذنك اقول كلمتين لام البنات
عادل باحراج : اتفضل يا استاذ منصور
منصور و هو يتبادل النظرات بينه و بين فاطمة و فرح : عاوزك تسامحينى يا ام البنات ، انا عارف انى ظلمتك و وجعتك كتير ، و عارف انى قهرتك و قهرت بناتى ، بس صدقينى كنت حاسبها غلط ، و اهو ربنا انتقم لكم كلكم منى شر انتقام
فاطمة بطيبة : انتقام ايه بس يا ابو نادر الللى بتتكلم عنه
منصور بتصحيح : ابو رحمة يا ام البنات ، ابو رحمة و ندا و … فرح ، بناتى اللى غلطت فى حقهم ياما ، بس هم ماسابونيش ، فضلوا جنبى و راعونى و شالونى فى عينهم ، بدونى على بيتهم و اجوازهم و عيالهم ، و لو انى عرفت انا خسرت اد ايه فى عمرى اللى فات و انا بعيد عنهم و هم بعيد عنى
فاطمة : مهما حصل بناتك و انت ابوهم و لا عمرهم يقدروا يستغنوا عنك
منصور : لا يا ام البنات … يقدروا ، ثم اكمل و هو يركز بنظراته على فرح بمرارة : لو حبوا يستغنوا هيقدروا ، انا بس اللى ماكنتش واخد بالى
فاطمة : اللى فات مات و احنا ولاد النهاردة ، انتبه انت بس لصحتك و ان كان على بناتك ، بناتك بيحبوك و بيتمنولك دايما كل خير
بعد انصراف الجميع ، لم يتبقى سوى فرح و كامل .. الذى ساعد فرح فى تغيير ملابس ابيها استعدادا للنوم ، و بعد ان اسنداه على وسادته ، امسك منصور بيد كامل و قال : انت اللى فاضل يا كامل
كامل باستغراب : فاضل فى ايه يا عمى
منصور : انى اعتذرلك يا ابنى
كامل و هو يشيح بنظراته بعيدا عنه و يتشاغل بتنظيم الادوية الموضوع بجواره : مافيش مابينا اعتذار يا عمى
منصور : لا يا ابنى ، انت ليك عندى بدل الاعتذار تلاتة
كامل : خلاص يا عمى ، صدقنى مش مستاهلة
منصور باصرار : مستاهلة يا ابنى ، و مستاهلة اوى كمان ، على الاقل اكون خلصت ذمتى قدام ربنا ، و كمان لو عرفت بعد كده مايرجعش قلبك يتغير من ناحيتى من تانى
ثم التفت لفرح و اكمل : و عشان كمان مراتك تسامحنى على ده كمان
فرح بفضول : حصل ايه … انا مش فاهمة حاجة
منصور : زى ما حرمتك زمان من اللى عايرك بيا ، حرمته هو كمان من اللى قلبه راح لها ، بس صدقونى .. كنت فاكر ساعتها انى بعمل لك خدمة هتشكرنى عليها
كامل بابتسامة : طب ما انا فعلا بشكرك عليها ، لانك لولا عملت كده ، ماكنتش بقيت حمايا دلوقتى
لتبتسم فرح ، و يعاود منصور حديثه قائلا : لكن حاولت افرق بينك و بين فرح مرتين مش مرة واحدة ، مرة و انا بحاول ابعدها عن شغلها معاك بانى اجوزها واحد من عندى و اعيد اللى عملته مع ليلة من تانى
و التانية لما بعتتلك ليلة و خليتها فهمتك انها ارملة و كنت فاكرك هتحنلها من تانى و تبعد عن فرح
كامل بابتسامة : ماتقلقش .. انا عارف كل حاجة ، و ليلة صارحتنى بالحقيقة كلها ، و صدقنى مش زعلان ، لان سبحان الله .. اكنك كل مرة كنت بتقرب مابيننا اكتر و تجمعنا مع بعض اكتر
منصور بارتياح : يعنى مسامحنى يا ابنى
كامل بابتسامة : مسامحك جدا ، و عاوزك تطمن جدا كمان ، و انت خلاص بقيت زى الفل و ان شاء الله هنكتبلك على خروج بكرة الصبح ، و الكل اتفق ان حضرتك هتخرج على بيت ندا و تعمل حسابك انك كل اسبوع هتقضيه مع حد فينا و كمان بابا هيبقى معاك
فى منزل كامل ، كانت فرح تعد الطعام بمساعدة كامل ، و كان كامل يلاحظ انها تركز بصرها عليه بنوع من الفضول الشديد و كأنها تبحث عن شئ ما ، ليتوقف كامل عما يفعله و هو يقول بمداعبة : انتى فيه حاجة ضايعة منك و بتدورى عليها فى وشى
فرح بتردد : هو انت عرفت موضوع ليلة اللى بابا حكالك عليه ده امتى و ازاى ، و ليه ماقلتليش
كامل بذهول : انتى قلتى ايه
فرح : بقوللك لما انت عرفت موضوع ليلة .. ليه ماقلتليش من ساعتها
كامل : لا .. ما اقصدش دى
فرح باستغراب : مش فاهمة
كامل : فرح .. انتى قلتى بابا !!
فرح : انا .. امتى ده
كامل : حبيبتى انتى لسه قايلاها حالا دلوقتى و انتى بتسالينى .. انتى عارفة ده معناه ايه
فرح بعدم فهم : معناه ايه
كامل و هو يقبل رأسها و يضمها الى صدره : معناها انك قربتى تستغنى عن جلسات العلاج النفسى بتاعك
فرح : اشمعنى
كامل : لانك من غير ما تحسى وصفتى عمى بصلته بيكى اللى كنتى دايما بتنكريها
فرح بأمل : تفتكر يا كامل
كامل : دكتورة ايمان قالتلى انك يوم ماهتقدرى تندهيله بالكلمة دى ، هتبقى اتخلصتى من تسعين فى المية من مشكلتك
لتشرد فرح قليلا ثم تعود لسؤالها مرة اخرى و تقول : برضة ماقلتليش ليه على حكاية ليلة
كامل ببعض الخجل : خفت ترجعى فى كلامك
فرح : انهى كلام
كامل : اتفاقنا على الجواز ، وقتها … كان نبيل الله يرحمه فى أيامه الأخيرة ، و كنت خايف انك لو عرفتى تفضى الليلة كلها و انا كنت ماصدقت انك وافقتى
فرح بابتسامة : تقصد انك كنت مصمم على جوازنا
كامل : طبعا يا حبيبتى ، و هو انا كنت اقدر اكمل من غيرك بعد ماوقعت فيكى لشوشتى
فرح بحب : ربنا مايحرمنيش منك ابدا
كامل : طب و انتى
فرح : انا ايه
كامل بفضول : يعنى .. هل موضوع سليم لسه مأثر فيكى
فرح و هى تحاول انتقاء كلماتها : تصدقنى لو قلتلك انى بعد ماحبيتك اكتشفت انى عمرى ماحبيته ، انا بس .. تحس كده انه كان بينطبق عليا المثل اللى بيقول .. القط مايحبش الا خناقه ، لكن اقسملك انى من يوم ما اتجوزنا و انت بالنسبة لى رجالة الدنيا كلها
كامل بضحكة جذابة : لاااا ، ده احنا تفوقنا على نفسنا بمراحل ، ياللا بقى نخلص عشان انا جعت اوى ، و كمان عشان تلحقى معاد المكالمة بتاعة نادر
فى الموعد المحدد كان صوت الهاتف ينذرهم بمهاتفة نادر لتسرع فرح بالتقاط هاتفها و ضبطه على مكالمة الفيديو لتقول و هى تمعن النظر الى وجه اخيها باشتياق جارف : نادر يا حبيبى ، وحشتنى اوى
نادر باشتياق و حب متبادل : انتى وحشتينى اكتر يا حبيبتى ، عاملة ايه ، طمنينى عليكم كلكم
فرح : احنا كلنا كويسين الحمدلله مش ناقصنا غيرك يا حبيبى ، مش هترجع بقى يا نادر
نادر : مش كل مرة هنضيع المكالمة على الموضوع ده يا حبيبتى ، انا عاوز اتطمن عليكم واشبع منك
فرح : حبيبى احنا كلنا كويسين الحمدلله بس بابا كان تعبان اوى الاسبوع اللى فات
نادر باستغراب : بابا مين
فرح : بابا يا نادر ، بابا منصور
نادر بذهول : بابا .. ده من امتى
ليتلقى كامل الهاتف من يد زوجته و يقول بمرح : نادر باشا اللى وحشنا و وحش مصر كلها
نادر بمرح مماثل : عمنا و عم دكاترة مصر ، ازيك يا كامل وحشتنى و الله
كامل : يا اخويا لو وحشناك تعالى شوفنا
نادر بملل : ييييه ، يا جدعان بقى الله يباركلكم ، شوفولنا سيرة تانية
كامل : قبلوك فى شغل الجامعة
نادر : لسه ، بس ان شاء الله فى بشاير خير
كامل : رغم انك ممكن تتخطف عندنا
نادر : كل شئ نصيب
كامل بجدية : حالة والدك الصحية مش مستقرة ، و الازمة الاخرانية لولا ستر ربنا و اننا لحقناه فى الوقت المناسب ، الله اعلم كان ايه اللى ممكن يحصل
نادر بجمود : ربنا يشفيه
لتجلس فرح تحت قدمى كامل و تلتقط منه الهاتف لتطل على اخيها قائلة : اسمع يا نادر ، اللى راح راح ، مافيش داعى نضيع اللى باقى من عمرنا فى الغضب و البعد ، الله اعلم اليوم اللى بيروح هييجى غيره و اللا لا
نادر : انتى اللى بتقولى كده يا فرح
فرح : ايوة انا يا نادر ، اى نعم خدت وقت طويل و مشيت طريق اطول ، بس المهم انى فى الاخر وصلت ، و اتصالحت مع نفسى الحمدلله ، و مش ناوية ارجع خطوة واحدة من الطريق اللى وصلتله
كامل : اسمع يا نادر ، عمى غلطاته كانت كتير اوى ، لكن صدقنى ، عمى ندم على كل حاجة ، لدرجة انه حتى اعتذر لطنط فاطمة ، و اعتذر لى و الاهم انه اعتذر لكل بناته و اولهم فرح
نادر : و انتى يا فرح ، قبلتى اعتذاره
فرح : الحقيقة يا نادر انا اكتشفت انى سامحته من قبل حتى ما يعتذر لى ، لما شفته بيروح منى و هو قدام عينى ، كان كل همى انه يخف و مش مهم اى حاجة تانية
نادر بحزن : ربنا انتقم منه تمام
كامل : و ليه ماتقولش ان ربنا كان بيديله فرصة باللى حصل ده ، اكم من ناس ربنا بيديها انذار و اتنين و الف و مابيتعظوش ، لكن على الاقل عمى قدر انه يلحق نفسه ، انا معاك انه اتاخر و اوى كمان ، بس المهم انه وصل ، و احنا مش انبياء يعنى يا نادر ، و صدقنى ابوك موجود النهاردة ، و الله اعلم بكرة هيبقى فين ، لو عندك فرصة انك تخليه يشوفك و تسعده ما تترددش ، لانك ممكن تندم فى يوم من الايام لو ماعملتش ده ، و بعدين نبيل و طنط دولت الله يرحمهم قابلوا ربنا فى معادهم و ربنا بيسبب الاسباب
نادر : سيبها على الله يا كامل . و اللى فيه الخير يقدمه ربنا
لتمر الايام و تنفذ الشقيقات اتفاقهن ، ليأتى دور فرح فى استقبال ابيها فى منزلها ، و كان عمها بصحبته حسب الاتفاق ، و لكن عند وقت النوم قال ابراهيم : ما تآخذونيش بقى يا اولاد ، بعد اذنك يا كامل انا هقرا الورد بتاعى الاول فى اوضة المكتب و بعدين هنام
كامل : البيت بيتك يا بابا
فرح : حضرتك مش محتاج استئذان يا عمى ، و انا هقعد مع بابا شوية على ماحضرتك تخلص
و فى غرفة منصور … تقول فرح بعد ان استكان منصور فى فراشه : ها يا بابا ، تحب اقرى لك حاجة قبل ماتنام
منصور و هو يربت على الفراش بجواره : عايزك تيجى فى حضن ابوكى يا دكتورة
فرح بتوتر : مش عاوزة اضايق حضرتك
منصور و هو يفرد جناحيه لها : تعالى فى حضن ابوكى يا بنتى ، ده انا مستنى اليوم ده من ساعة ماكنا فى المستشفى
لتستلقى فرح بجوار ابيها و هى تصع رأسها على كتفه ليضمها اليه بحنان لم تجربه من قبل ، دفء من نوع خاص يحفه خطوط بارزة من الحماية و الأمان لتغوص به باستمتاع دون ان تنبث بكلمة واحدة حتى قال منصور بهدوء : تعرفى
فرح دون ان تتحرك انش واحد : هممممم
منصور : مش انتى بس اللى اتحرمتى من الحضن ده ، انا كمان اتحرمت منه ، لو كنت اعرف ان حضنكم حلو كده ماكنتش فضلت السنين دى كلها و انا حارم روحى و حارمكم منه
لتربت فرح على صدر ابيها قائلة : انسى يا بابا ، انا نسيت ، انت كمان لازم تنسى
منصور : تعرفى ايه اكتر حاجة مفرحانى
فرح : ايه
منصور : انك اخيرا قدرتى تقوليلى يا بابا
فرح : و ممكن اقول لك على خبر تانى هيفرحك اكتر و اكتر
منصور : و الله يا بنتى انا الحمدلله كده راضى ع الاخر
فرح : حتى لو قلتلك ان نادر راجع بعد اسبوعين ، و خلاص مش هيسافر تانى ، و انه راسل الجامعة هنا عشان يشتغل فيها و مستنيهم يردوا عليه
منصور : و لو الجامعة ماقبلتش
فرح : ان شاء الله يقبلوه ، بس حتى لو ماحصلش نصيب ، مش هنسيبه يبعد عنك و لا عننا من تانى ابدا
منصور و هو يشدد على احتضانها : كل واحد بياخد نصيبه يا بنتى ، انا كل اللى طالبه من ربنا ، انى اقضى اللى باقيلى من عمرى وسطكم و انتم بتحبونى و ملمومين حواليا
فرح استكانت فى حضن منصور اللى كان ضاممها اوى تحت جناحه و هى بتكلم نفسها و بتقول : ما اعرفش تن كنت سامحتك و اللاااا لأ ، بس انا محتاجة حضنك ده ، و محتاجة كمان حضن ماما اللى بقت على طول مدخلانى فيه ، قررت ارمى كل حاجة ورا ضهرى عشانى انا …. عشان فرح ، عشان اقدر احس انى بقيت طبيعية زى بقية الناس
🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸🌸
قد يخطئ احدنا و هو يعطى لنفسه الحق و المبررات التى تعمى قلبه عن الحقيقة الكاملة فلا يرى نصب عينيه الا ما يبغى الوصول اليه دون النظر الى الاشلاء التى يدهسها فى سبيل الحصول على مبتغاه
احيانا يق*تل بعضنا بعضا دون اسل*حة ، فاحيانا تكون الكلمة س*لاح فتا*ك يق*تل بكل قسوة و جبروت ، و احيانا اخرى تق*تلنا العقول المتحجرة التى تعيش بوهم و عنجهية وهى تهيم بعقليات بالية قاسية ، و لكن … هل يعتبرون ؟ … هل يندمون ؟ … هل يطلبون العفو من ضحاياهم ؟
ففى الرواية اثنان من اعتى الجناة ، مع اختلاف التجسيد فلدينا جانى يتصدر العناوين الرئيسية و هو الاب منصور ، و لدينا جانى يتخفى تحت رداء الحمل الوديع و هى فاطمة ، اشتركا معا فى هدم اسوار فرح بقسوة مفرطة كل على حدة
كنت انوى فى قصتى هذه ان يموت منصور دون ان ينال العفو ممن حوله ، و ان لا تصفح فرح عن فاطمة ، ولكنى أرددت ان يكون الدرس هذه المرة من الابناء و ليس من الاباء ، فدائما يكون العكس هو الصحيح ، و لكن لكل قاعدة شواذ ، فأردت ان تكون تلك القصة فى مقدمتهم ، فكما امتلئت القصص بعفو الاباء و كرمهم و حبهم ، اردت ان تأتى قصتى بعفو الابناء ان استطاعو العفو و النسيان
ففى عفو فرح شفائها من احزانها ، فيجب ان تلعق جراحها بالنسيان حتى تلتئم كل الجراح
تقول الحكمة .. هل يضر الشاة سلخها بعد ذب*حها ، و قد حاولت الإجابة باطروحة مختلفة .. فاحيانا تسلخ الشاة دون ذب*حها بالفعل دون ارادتها و دون وعى من قام بالجر*م المشهود ليكون الالم مضاعفا لاضعاف كثيرة
اعلم ان القصة مليئة بالميلودراما و الوجع النفسى المؤلم ، و لكنى اتمنى ان تغفروا لى ذلك ، و لتعلموا انى تألمت قبلكم و توجعت قبلكم و بكيت معكم و قبلكم ايضا ..و لكن لم يكن فى الامكان ابدع مما كان
استمتعت بصحبتكم و اتمنى ان تكونوا قد استمتعتم معى
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية لما قالوا دي صبية ) اسم الرواية