رواية الحب لا يكفي كاملة بقلم قسمة الشبيني
رواية الحب لا يكفي الفصل الخامس 5
سار محسن بخطوات متباطئة يكلل الإرهاق ملامحه فهو منذ أعلنت عن حنث وعودها وهو لا يعرف للراحة طعما لا يصدق أن سهى تلك البريئة التى تعلق بها قلبه كانت تتلاعب به طوال سنوات عشقه لها ، ليال طويلة تمنى وحلم بحصوله على أمنية قلبه بقربها وحين أصبح على وشك الحصول عليها تخلت عن كل وعودها واعلنت الزواج من أخر.
كم يتمنى أن يرى ذلك الرجل الذي فضلته عليه عله يعرف سبب غدرها به!
رفع هاتفه الذى يهتز معلنا عن مكالمة واردة دون أن ينظر للشاشة وكأنه يعلم المتصل سلفا
_ ايوه يا وفاء
ربما أصبحت وفاء مقربة منه منذ سعت لرأب الصدع بينه وبين سهى وكم كان شاكر لها صنيعها ، بحث عن طريقة لشكرها رغم أن مسعاها لم يكلل بالنجاح فيكفيه أنها حاولت مساعدته لذا عرض عليها أن تعمل بشركة والده التى أصبح يديرها هو وقد أعلن إغلاق أبواب قلبه جميعا أمام النساء فهو لن يحتمل الغدر مرة أخرى.
توقفت خطواته ليعلن قلبه العصيان على كل قرارات عقله ويخفق بقوة لذكرها ويلهث لهفة لرى ظمأه بمحياها وهو يطلب منها إعادة ما قالته كأنه يرفض تصديقه
_ يا محسن بقولك سهى فرحها كان امبارح والنهاردة والدها مات
_ فرحها!!!
ذلك هو السبب إذا وراء اختناق صدره ليلة أمس كانت تهب نفسها لذلك الذى اختارته دونه لكنه نحى ألمه وتساءل
_ هتروحى تعزيها؟
_ اكيد طبعا بس أنا ماكنتش اعرف معاد فرحها ولا عزمتنى
برر لنفسه قبل أن يبرر لها
_ واضح أنها بتتخلى عن كل أصحابها القدام. طيب يا وفاء لو ينفع أجى معاكى اعزيها
_ مش عارفة يا محسن والله
_ علشان خاطرى يا وفاء نفسى اشوفها
_ ماشى يا محسن هشوف ظروفى و هحدد معاد واكلمك
أعاد الهاتف إلى جيبه معللا لنفسه أنه بحاجة لرؤيتها مرة أخيرة بعد أن أصبحت لآخر لتكن نهاية القصة بألم يترك أثره للأبد.
عادت قدميه تتحرك لكن خطواته عبرت عن مدى احتراقه الداخلى الذى تسببت فيه من أمن لها وقدم لها قلبه لتعيده إليه بهذا الجرح العميق لكن جرحها له لن يهزمه وهى لن تكسره فسترى بعينيها ما الذى فقدته حين تخلت عنه سيحرص على أن تفعل.
.....................
دخلت سهى لمنزل عمها لتجد النساء وقد اتشحن بالسواد مؤازرة لحزن أمها التى تجلس وسط الحشد تضم اختها سارة التى تخفى رأسها بصدر أمها وكأنها ترفض هذا المشهد.
كان عثمان برفقتها لكن المشهد لم يثر حزنه بل أثار غضبه ليتجه بخطوات غاضبة نحو خالته فينتزع الصغيرة منها بالقوة
_ مين اللى نزل سارة هنا ؟
_ بابا مات يا أبيه
لم يدرك إن كان بكاء سارة سؤالا أم تقريرا لكنه في كلا الحالتين يحمل الألم ، ضمها لصدره بحماية وهو يبتعد عن مجلس النسوة دون أن تعارضه خالته التى تبدو في حالة غير طبيعية بالمرة وهو يمسح على رأسها وكتفيها
_ بس يا سارة ماتعيطيش يا حبيبتي تعالى نطلع فوق
_ لاااا انا عاوزة بابا
_ سارة مش انت بتحبى بابا؟
هزت رأسها دون أن تتحدث ليمسح فوق رأسها مرة أخرى
_ يبقى تعالى نتوضا ونقرا له قرآن
_ هنقعد معاه؟
فكر لحظة بحيرة لا يريد أن تظهر فوق ملامحه قبل أن يقول
_ هنقعد ساعة واحدة وبعد كده تسمعى كلامى
تحركت معه بلا مقاومة ودون أن يهتم بوجود سهى متعمداً تركها بلا رعاية فهو وإن قدر أحزانها لا يمكنه أن يتخطى ألمه منها .
تقدمت وهى لا تدرى بعد مغادرة عثمان برفقة سارة اين تذهب أو ماذا تفعل؟ وكأنها ببيت غريب لا تعرفه ولا تتعرف على تفاصيله، ظلت واقفة بمكانها حتى شعرت بمن يضمها من الخلف لكنها لم تفزع لطغيان الحزن عليها ليتسرب إليها الدفء مع صوت خالتها
_ يا حبيبتي يا بنتى مالحقتيش تفرحى، كأنه كان مستنى يطمن عليكى، طول عمره من يوم ما اتولدتى يقول مش عاوز من الدنيا حاجة بعد فرحتى بسهى، كنت حياة ليه يا حبيبتي.
لم تمانع دموعها التى تجمعت فقلبها يصرخ ويتخبط كطير ذبح بسكين غاشم، لقد تحدث إليها أبيها منذ ساعات وكانت ضحكاته ترفرف كما يرفرف قلبها في هذه اللحظة.
ضمتها هالة بألم وهى تبكى لحالها ولحال اختها أيضاً فقد كان خيرى هو حياة هنية وإن لم تعلن ذلك يوماً.
مرت ساعة بالضبط ورأت عثمان يغادر الغرفة التى دخل إليها وهو لازال يضم سارة التى تتحرك قدميها بالكاد وهو يرفعها فعليا عن الأرض وصوت بكاءها يبكى القلوب حولها ليحملها عثمان للخارج حيث تنتظر أخته الباكية أيضاً لتقضيا اليوم بمنزل إحدى الجارات التى سترعى الفتاتين في هذا التوقيت الصعب.
حل المساء دون أن تدرك كيف مرت الساعات! لكنها لم تتحرك منذ رأت جثمان أبيها يغادر المنزل وربما كان هذا هو الحدث الوحيد الذي أدركته من اليوم، حاولت هالة أن تدفعها لتناول الطعام بأي كمية لكنها رفضت بشدة ويبدو أن عمها لم يتخط صدمته أيضاً فهى لم تره منذ ساعات أيضاً ومع توافد النساء تباعاً ستكن رؤيته صعبة بالفعل.
غاب عثمان أيضاً منذ ساعات وهى تتمنى أن تختلى به مجددا لتصب عليه جم حزنها وغضبها فما تسمعه من روايات النسوة عن وفاة أبيها المفاجئة يضعه مرة أخرى في خانة الإتهام الذى نفاه عن نفسه صباحا لكنها لا ترى تفسيرا آخر أو لا تريد أن تفعل.
...............
جلس عثمان داخل السرادق الذى شيده بنفسه لتلقى عزاء عمه بعقل شارد فما اتهمته به صباحاً يتخطى قدرته على التحمل ولا يصدق أنها تراه قاتلا بالفعل.
توقفت أمام السرادق سيارة فخمة وضخمة أيضاً يمكنه تتميز أنها ليست لأحد معارفه بسهولة وترجل عنها شاب بالغ في إظهار ثروته من ملابسه رغم أن سيارته كافية تماما لذلك ومن الجانب الآخر ترجلت فتاة لا تنتمى لهذه السيارة بالطبع.
تقدما من السرادق ليقف عثمان مشيرا لها
_ اتفضلى الستات في البيت
اومأت بتفهم ليتحدث هذا الشاب فوراً متحديا كل الأعراف
_ انا جاى اعزى سهى هى فين؟
ارتفع حاجب عثمان الأيمن بتحدى واضح وهو يعقد ذراعيه متسائلا
_ وانت تعرف سهى منين؟
توقفت وفاء مع تشاحن الأجواء الواضح لكن محسن بالغ في بروده متعمداً
_ كنا أصحاب في الجامعة
_ أصحاب!!!
ظهر التعجب طامرا الغضب بلهجة عثمان الذى تابع وهو يقترب متفحصا محسن
_ شكلك اكبر من سهى وماعندناش حاجة اسمها كنا أصحاب
_ ممكن اعرف انت بتسأل بصفتك إيه من الأساس؟؟
_ انا جوزها
ألقى محسن تساؤله وهو يتمنى ألا يسمع تلك الإجابة التى ألقاه بها عثمان لتصيب قلبه مباشرة فها هو يقف أمام غريمه وجها لوجه وقد أصبح لذلك الغريب حقوقا لم يملكها هو.
جمع قبضته ودسها بجيبه وهو يطالعه بنظرات قوية وكأنه يبحث عن سبب لتفضيلها هذا عليه لكنه لا يبدو له مميزاً في أي شيء.
اقتربت وفاء فورا منهما وهما يقفان متقابلين ينظر كل منهما للآخر بتحدى لا يليق بالموقف
_ إحنا فعلا زملاء سهى من الجامعة انا دفعتها ومحسن اكبر مننا بس لما عرف الخبر حب يعزى سهى اظن مافيهاش حاجة لما نعزى زميلة لينا والموقف دلوقتى مايحتملش وقفتكم دى ولا أي كلام تانى إحنا جايين نعزى وهنمشى
نظر لها عثمان نظرة جانبية حادة أغضبت محسن فهو يستخف بهما بشدة لكن عثمان أشار لها مع ضبط غضبه
_ اتفضلى الستات في البيت والرجالة في الصوان حضرتك من أي نوع؟؟
كلماته تحمل تهكم يرفضه محسن لكنه لم يأت ليتشاجر أو يثير الفوضى لقد جاء فقط لتراه يتابع دونها وسيعمل أن تظل رؤيتها له
_ اتفضلى انت يا وفاء وانا هقعد مع الرجالة وابقى اسلم على سهى وانا ماشى
ظلت مكانها حتى رأته يتقدم داخل السرادق متجاهلا عثمان بتعمد واضح لتزفر بضيق وتتجه نحو المنزل .
....................
دخلت وفاء تستطلع الأوجه بتوتر فهى غير معتادة على مواجهة مثل هذه المواقف وحدها، نظرت حولها بتيه حتى استقرت عينيها على وجه مألوف رغم شحوبه لتقترب من سهى وهى لا تصدق أن هذه الفتاة فى العباءة السوداء هى سهى نفسها التى كانت أناقتها مثال تحتذى به الفتيات.
_ سهى
همست وفاء لتلفت انتباهها فترفع رأسها إليها فتتدفق الشفقة إلى قلبها فور رؤية عينيها الذابلة ، حاولت سهى أن تستقيم لتوقفها وفاء
_ خليكى مرتاحة البقاء لله يا سهى ربنا يرحمه انا أول ما عرفت جيت علطول
_ ونعم بالله يا وفاء اتفضلى
جلست وفاء بالقرب منها وهى لا تدرى كيف تخبرها عن وجود محسن ولا كيف سيراها محسن بهذه الصورة المزرية؟
ساد الصمت لدقائق وسهى لم ترفع رأسها مجدداً يتقدم منها النساء فيبدين حزنهن ويغادرن دون رد فعل منها يظهر أنها أدركت تواجدهن.
اقتربت منها وفاء حثيثا واحنت رأسها لتصل لمستواها فتهمس بتوتر
_ سهى في حاجة لازم تعرفيها، محسن برة وقابل جوزك وقالوا انكم أصحاب من الجامعة
نظرت لها سهى نظرات فارغة لا تحمل خوف زوجة من زوجها سمع هذه الكلمات من آخر لتتابع وفاء بنفس النبرة
_ هو جاى يعزيكى بس جوزك صمم يقعد مع الرجالة برة .
عادت سهى للصمت وكأنها تقلب الصورة برأسها جيدا قبل أن تقرر التصرف الملائم ولم يطل صمتها سوى لعدة دقائق وهى تعلن العصيان والتمرد على واقعها وعلى عثمان أيضا فتستقيم واقفة لتقف وفاء أيضا بتوتر
_ رايحة فين يا سهى؟
تساءلت هالة بتوتر وقلق لكن صوت سهى جاء هادئا جدآ
_ زمايلى من الجامعة جايين يعزونى هسلم عليهم يا خالتى وراجعة.
وتقدمت تتبعها وفاء بتخوف من تصرفها الذى لن يؤذى سواها لتحاول إيقافها
_ سهى بلاش تهور فكرى كويس.
..................
تعمد محسن بجلسته أن يكون مقابلا لعثمان الذى يعقد ذراعيه فيظهر للآخر قوته العضلية النابعة من مهنته الشاقة وكل منهما ينظر للآخر مقيما له ، يراه محسن رجلا عاديا ولا يبدو له ذو مال أو سلطة تدفع سهى للتخلى عنه كما أن خشونة كفيه تنبأ بأنه حرفى كادح لا يليق أبدا بفتاة رقيقة مثلها، ترى هل أرغمت على الزواج منه لكونه ابن عمها فقط؟ بدأت رؤيته تتغير لما حدث لكن تلك القوة بنظرات عثمان له لا تبشر بالخير.
طالعه عثمان أيضا بدقة من منابت شعره إلى أخمص قدميه هو ثرى بالوراثة كما يبدو من فظاظته وعدم تحمله للمكان من حوله، أهذا الذى أخبرته عنه؟؟
أهذا الذى ملك قلبها كما زعمت؟
عادت هواجسه عن طبيعة العلاقة بينهما وهو يرى كم التناقض بين هذا الجالس أمامه وابنة عمه التى يعرفها جيدا.
وبينما كان كل منهما غارق في أفكاره التى تدور حول غريمه ظهرت سهى من باب المنزل وبمجرد أن تحركت عينا محسن نحو الباب تحركت عينا عثمان أيضاً لينتفض قلبه ويتبعه بدنه مؤازرا مع المزيد من الألم الذى تغرسه بصدره وهى تخرج لمقابلة ورؤية رجل آخر .
هى حقه هو لا يحق لغيره لمسها أو مواساتها او رؤيتها
رأى كفها الذى استقر بين كفى محسن الذى يقف خلفه مباشرة وقد تبعه كما اكتشف للتو
_ البقاء لله يا سهى، ربنا يرحمه
_ ونعم بالله، شكرا يا محسن
_ على إيه إحنا بردو أصحاب
اتجهت عينا عثمان نحوه بنهرة صامتة وهو يثق بإعادته هذا اللفظ تعمدا لإثارة غضبه ليمد كفه فيحل تشابك الأكف التى يبدو له استكانتها لهذا الوضع .
_ انا همشى يا سهى واستناكى تعدى عليا في الشركة براحتك مكانك محفوظ معانا زى ما وعدتك
انتفض قلب عثمان مرة أخرى فليس من حق أي رجل سواه أن يقدم لها وعوداً وليس من حقها أن تقبل وعودا من غيره لينهرها بشدة.
_ ادخلى جوه يا سهى
نظرت له بحدة ليرى محسن فوراً أن ثمة خلاف ونقطة صراع بينهما واضحة للجميع.
_ لما اصحابى يمشوا ابقى ادخل
لم تكن المرة الأولى التي تعترض فيها سهى على أوامره لكن فعلها هذا أمام هذا الغريب زاد من لهيب غضبه الذي ظهر بعينيه فوراً لتتقدم وفاء مرة أخرى منقذة للجميع
_ إحنا ماشين خلاص و هبقى اعدى عليكى تانى يا سهى
اقتربت تضمها بينما عينى سهى معلقة بعينى عثمان في الخلفية لتتابع وفاء وتتقدم من محسن الذى يراقبهما بسعادة داخلية لتجذبه أو تدفعه المهم أن تبعده في هذه اللحظة.
اقترب عثمان خطوة منها وخبتت نبرة صوته
_ امشى من قدامى بدل ما اندمك على كل خطوة اتحركتى بيها علشان تشوفى حبيب القلب انا لولا باقى على دم عمى الله يرحمه كنت طلقت دلوقتى قدامه . غورى من وشى .
انتفضت مع نهرته رغم أنه خصها بها ورغما عنها اتجهت عينيها أثناء مغادرتها إلى السيارة التى تغادر أيضاً لكنها تشعر ببعض الراحة فقد أرادت أن يرى تمردها وقد نجحت في ذلك .
.................
نظر محسن للطريق بتركيز حتى غادر الحى وعقله يعمل بسرعة ويلغى كل قراراته التى اتخذها سابقا عن دفع سهى للندم فهى منذ ظهرت أمامه ورغم مظهرها المزري إلا أنها أعادت بلحظات إضرام نيران أشواقه لها التى لم تخبت كما ظن سلفا حقا لن يتخذها لنفسه لكنه راض تماماً عن الفشل الذى يراه .
نظر نحو وفاء بحماس وهو يشاركها أفكاره
_ شوفتى يا وفاء واضح انى ظلمت سهى باين اوى أنها كارهاه
اعترضت وفاء على حماسه المفرط
_ حتى لو ظلمتها يا محسن خلاص هى دلوقتى مراته وليه حقوق عليها وانت ماكنش لازم تتحداه بالشكل ده هو اصلا مش غريمك ولا غلط في حقك اللى غلطت في حقكم انتم الاتنين هى سهى ولسه بتغلط في حق جوزها
احتد محسن عليها مقاطعا
_ انت بتحامى له اوى كده ليه؟
تنهدت وهى تنظر نحوه
_ انا مش بحامى له يا محسن ولا اعرفه من أصله انا بتكلم في الأصول وانت نفسك لو مراتك خرجت علشان تسلم على راجل غريب لا يمكن تقبلها على نفسك قبل ما تحكم على رد فعله احكم على تصرف سهى .. وقف هنا من فضلك نزلنى
توقف فورا دون تفكير وقد تركت كلماتها أثرا في عقله وهو يرى تناقض موقفها .
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية الحب لا يكفي) اسم الرواية