رواية اوتار حاده كاملة بقلم مروه اليماني عبر مدونة دليل الروايات
رواية اوتار حاده الفصل الثامن 8
نهرب حين لا يبقي أمامنا طريق للنجاة سوي الهروب , لكن ماذا لو لم نجد تلك النجاة, ماذا لو وجدنا أنفسنا نغرق أكثر وأكثر, نعتقد أن في الهروب حل للمشكلة, لكن ماذا لو كنا نزيد مشاكلنا ونعقدها أكثر بذلك, ماذا لو اكتشفنا أننا ربطنا حول عنقنا وتر جديد نخنق به أنفسنا ونبتر به رقابنا! .
هذا ما حدث معه خرج من القاهرة هارب من ألمه, لكنه لم يجد نجاته, وجد نفسه يزيد مشكلته القديمة بأخري جديدة, في يوم يتذكره جيداً, كان في الأيام الأولي من شهره الرابع في عروس البحر المتوسط ,كان يجلس في أحد المقاهي يريح قدمه بعدما عجزت قدماه عن حمله من كثرة سيره, وخارت كل قواه, طلب من الشاب أن يحضر له كوب قهوة, هذا قبل أن يتطفل عليه أحدهم, كان يعبث في هاتفه حتي شعر بشخص يسحب مقعد ويجلس بجواره, نظر له متعجباً, ثم عاد بنظره يطالع هاتفه كأن الشخص غير موجوده .
كان الرجل كبير في السن يبدو أنه في أواخر عقد الخمسين قال وهو يمد يده ليصافح ياسين :
أنا (جمال خطاب) رجل أعمال .
قال ياسين ببرود وهي يصافحه: تشرفنا .
_: ربنا يعزك....ثم نظر لداخل المقهى وقال بصوت مزعج: واحد شاي يا ابني, ثم نظر لياسين وقال: دا لو ميضيقش أني أشرب الشاي هنا .
قال ياسين وهو يرسم ابتسامه زائفه علي وجهه :أتفضل .
أنتي الرجل من تناول كوب الشاي وياسين ما زال يعبث بالهاتف ولا يعبئ بوجوده حتي قال الرجل :
شكلك بيقول أنك أنت كمان مش إسكندراني .
هز ياسين رأسه إيجاباً, فقال الشخص :مبسوط أني قابلتك, أصل نادر ما بقابل واحد مصري هنا .
رفع ياسين حاجبيه متعجباً وقال في نفسه ( عبيط دا ولا أيه... أمال لو أتقابلنا في أوربا, لا حول ولا قوة إلا بالله )
تابع جمال كلامه قائلاً : وأسف مره تانية لو أزعجتك .
أبتسم ياسين وقال: لا ولا يهمك .
لم يرحل!...ظل جالس مع ياسين وكأنه أحد أصدقائه القدامة وظل يتحدث معه ويضحك حتي أرتاح إليه ياسين شيء فشيء, لدرجة أنه لم يشعر بالثلاثة ساعات التي قضاها في الحديث مع هذا الغريب, نظر في ساعته وقال: معلشي أنا لازم أمشي .
نهض الرجل وقال وهو يمسكه من يده : لا والله ما يحصل أحنا هنتغداء مع بعض أنهارده, ولا أنت بخيل بقي ؟! .
لم يجد نفسه إلا وهو ذاهب معه في سيارته وعزمه هذا الغريب علي الغداء في أحدي المطاعم المطلة علي البحر, تناول معه الغداء, وكان سمك, طلب الرجل العديد من الاطباق البحرية وتعامل معه بود وكرم, فهم ياسين وقتها أنه ليس فرح لأنه ألتقي بشاب من مصر كما قال, أنما سبب فرحته هو وجود من يؤنس وحدته, فقد أخبره أنه وحيد .
قضي اليوم بأكمله معه وكان يوم رائع, أوصله الشخص لمنزله وتبادلوا أرقام الهواتف, أستمرت لقائتهم لأيام حتي أرتاح له ياسين وأعتبره صديق له, والشخص الذي يدعي جمال أيضاً كان يتميز بذكائه الاجتماعي, فأستطاع التقرب من ياسين في أسبوع واحد!, حتي أنه عرف عن ياسين الكثير وأنه بلا عمل حتي الأن.
قال له وهو يتوقف بسيارته علي جنب :أزاي قاعد كل دا من غير شغل يا ابني...أنا رغم أني رجل أعمال وإلي زيي بيفضلوا ينهوا شغلهم في السن دا إلا أني مش حابب أقعد في البيت....أنت فاهم شخص زي وحيد ملوش حد يورثه كان ممكن أبعزق فلوسي وأعيش حياتي....بس أنا مش حابب كدا خالص .
_: يعني هو أنا لقيت شغل ومشتغلتش صمت ياسين قليلاً ثم قال : بقولك إيه ما تدخلني معاك شريك في مشروعك إلي كنت كلمتني عنه دا .
كان الرجل قد أخبره أن سيفتح مشروع ضخم في الإسكندرية, سيعود عليه بمبالغ ضخمه, وأن هذا المشروع هو سبب وجوده هنا, لمعت عين الرجل حين ذكر ياسين أمر الشراكة ولكنه أزاحها بعيداً تجاه البحر وكأنه يفكر, قال دون أن ينظر إليه بمكر ودهاء : لا يا ياسين مش هينفع ....أنا قولتلك مبحبش الشراكة ....علي رأي المثل قطه ملك ولا جمل شرك .
حزن ياسين ولكنه لم يفعل شيء سوء الإيماء برأسه, نظر إليه وابتسامة ظهرت علي وجهه محاها سريعاً وقال لياسين بمكر: خلاص ياسين عشان انت ابن أصول وجدع ومليش صاحب غيرك ... أوعدك أني أفكر وأكيد لو حبيت أشارك حد مش هلاقي حد أمين زيك أستأمنه علي فلوسي .
تحولت ملامح ياسين بسرعه إلي الفرح وقال بتودد : متشكر أوي يا جمال بيه .... وأن شاء الله مش هتندم .
وبالفعل وافق علي مشاركة ياسين له وليته لم يوافق! , بعدما عملوا في المشروع وربح منه مبالغ كثيره أخبره جمال عن صفقة العمر , ولأنه كان يثق به وافق وأعطاه كل نقوده ولم يترك لنفسه إلا القليل, وفي اليوم التالي كان جمال قد أختفي من الإسكندرية بأكملها, بحث عنه لشهرين كاملين, لم يترك مكان إلا وبحث فيه, ولا قسم شرطة إلا وقدم فيه بلاغ, دخل في حالة أكتئاب بعدها لمدة أسبوعين, كان من النوع الصبور القادر علي التحمل (جبل) كما يدعوه أصدقائه, كان علي إيمان بأن الله لن يتركه في محنته وأن هذا ليس الدرس الأول ولا الأخير من دروس الحياة واختباراتها التي لا تنتهي .
ولكن هذا الجرح ظل ينزف رغم تخطيه للأمر فالبقاء عامين في الإسكندرية, ثم العودة بنصف مكان يملك وخسارة الملايين التي جناها هناك أيضاً ليس أمر هين
أخرجه من ماضيه القاسي صوت السيارات والأنوار المزعجة ليزيد من سرعته وينطلق متحدي الريح, تمني لو أن الاتصال الذي أتاه يتعلق بهذا النصاب .
خرجت نور من غرفة أخيها وهي تشعر بالوهن والضعف, لم تخرج إلا وقد أعطاها وعد بأن لا يكرر محاولته في الانتحار, لكن هذا شيء غير مضمون, حين تأتي تلك الفكرة في عقله من جديد لن يكترث أو يتذكر أي وعود . وضعت بين نارين, أن تختار أحدهم فهناك أخري علي وشك اقتلاع كل شيء, هل سينصاع لها والدها إذا علم بمحاولة أخيها...أم سيحبسه بين أربع جدران كي يمنعه, فهذا ليس جديد عليه فعلها من قبل معها ومع عصام أيضاً حين علم بطلبهم في الذهاب لرؤية أمهم وهم مازالو صغار .
قالت عصمت وهي تستند علي حافة الدرج: أزيك يا نور .... مش هتنزلي تتعشي .
لم تكن في حالة تسمح لها بخوض نقاش مع تلك الأفعى الأن فقالت ببرود وهي تتجه لغرفتها: مليش نفس .
نظرت لها عصمت بتوعد وقالت في نفسها: ماشي يا بنت زينب أن ما وريتك مبقاش أنا عصمت الشرقاوي .
دلفت غرفتها وأوصدت الباب, ثم ألقت بثقلها علي الفراش وقلبها يعتصر وعقلها تنخره الأفكار كما ينخر السوس السن, قالت لنفسها وكأن الحوار دائر بين عقلها وقلبها: طب أيه العمل دوقتي يا نور .... اكيد لو إياد عرف هتحميه أيوه بس لو بابا عرف هتبقي مشكلة كبيره .... وإياد ممكن ميعرفش يخبي زيك وتحصل مشكله بينه وبين بابا وكمان ماما ممكن أوي بابا يؤذيها يعني هتستني لما يحاول ينتحر تاني
وضعت رأسها بين كفيها في حيرة من أمرها, أتت إليها فكرة فنظرت في ساعتها وجدتها العاشرة, أمسكت بالهاتف وأتصلت بإيمان, ردت عليها بصوت ناعس قائلة: السلام عليكم ...مين؟
_: أنا نور أنتي نمتي بدري ؟! .
_: عندي اجتماع بكرا الصبح ... مالك صوتك بيقول أن في حاجه ؟ .
_: أنتي هتيجي أمته ؟ .
_: بكرا باليل هكون في البيت .... بس أنتي مردتيش عليا ... مالك يا نور؟! .
_: لا خلاص هسيبك تنامي عشان شغلك وبكرا باليل هجيلك البيت .
_: أنتي كدا قلقتيني ومش هعرف أنام ما تقولي يا بنتي .
_: لا أنتي شكلك عايزه تنامي ومش هتركزي معايا...سلام .
أغلقت الهاتف في خيبة أمل, ظلت تفكر حتي الصباح وتذهب لغرفة أخيها تطمئن عليه بين الحين والأخر, سمعته وهو يُخترف وكان من الواضح أنه يحلم بأمه وأنه التقي بها ويبكي في منامه, لم تفهم الكثير من خترفته تلك, كان يقول (ماما) ثم يصمت, ظلت بجواره بعدما قاست حرارته ووجدتها طبيعية, فعلمت أن ما يحدث من عقل اللاوعي ليس إلا .
لم تكن تلك اللية هينه وخاصة بعدما تذكرت أتصال سارة الذي أتاها اليوم ومشكلتها مع عصام التي أخبرتها بها, ولم يعود من عمله تلك الليلة لتتحدث معه .
يا بنتي عشان خاطري أرجعي الشغل بقا .... لقي مطلع روحي هنا .
هذا ما قالته أسيل صديقة شيرين وهي تحدثها في الهاتف, ابتسمت شيرين ابتسامه خفيفة وقالت: لا مش هاجي .... بفكر أستقيل .
صرخة في وجهها قائلة : تستقيلي .... عشان أنا أنتحر, أنتي مش متخيله الشغل كله فوق دماغي حرام عليكِ .
ضحكت شيرين وقالت: بهزر معاكي ... جايه بكرا اجازتي خلصت..... بس شكل لقي هو إلي هيرفدني .
ضحكت أسيل وقالت : ميتهيقليش أن المهندس لقي يعرف يستغني عنك يا جميل .
فهمت ما تلمح له صديقتها فقالت: طب أقفلي بقا عشان أعرف أصحي بدري بدل ما يبقي الشغل عليكِ بكرا كمان .
قالت أسيل وهي تضحك : لا لو علي كدا تصبحي علي خير, ولو تحبي أصحيكِ من عيوني ... بس متغيبيش أبوس رجلك .
أغلقت الهاتف, وحدقت في النافذة الزجاجية, بدأت تشعر بالارتياح, مع كل دقيقة تمر عليها, كانت تدرك أنه لا داعي للحزن فهي التي أوهمت نفسها بأشياء ليس لها وجود منذ البداية, قررت الذهاب لعملها عله يساعدها علي النسيان وتخطي تلك العقبة, ظلت تفكر في كلام أسيل عن لقي حتي غلبها النوم .
في صباح اليوم التالي, في منزل نيفين التي تعيش مع أبويها وكانت أختها الصغيرة تعيش معهم قبل زواجها بثلاث سنوات, أما الأن فهي تقطن في منزل زوجها ولديها طفل رضيع عمره عام واحد, استيقظت علي الصوت المعتاد شجار جديده بين أبويها, خرجت من غرفتها بعدما أزالت الفراش بضيق, قالت : هو مفيش يوم يعدي إلا ولازم نسمع الناس صوتنا فيه .
تركهم والدها ونزل ليجلس علي القهوة كالعادة فجلست بجوار أمها علي الأريكة وقالت: إيه الي حصل تاني .
_: مفيش يا حبيبتي .... بقوله ينزل يشوف شغل جديد زعق, متشغليش نفسك أنتي بالكلام دا ... جايلك عريس أنهارده .
نهضت غاضبه وقالت : ماما أحنا مش كنا قفلنا الموضوع دا قبل كدا .... أنا مش هتجوز ولا هقابل حد ... تمام .
تركت والدتها ودلفت لغرفتها, لم يكن والدها فقط سبب في كرهها لجنس الرجال, هو فقط كان أول سبب وسط أسباب كثيرة, كان والدها رجل بسيط ينتقل من عمل لأخر بحث عن رزقه ولم يكن يثبت في أي منهم حتي قرر أن لا يعمل مطلقاً ولم يكتفي بذلك جعل زوجته وأبنتاه يعملن وكان يأخذ المال من أمها ويسبها ويضربها كل يوم, ثم يصرفها علي نفسه, عملتا هي وأختها وهي في الثانوية وكانت أختها تصغرها بعامين, قرروا العمل ليعولوا أسرتهم وتكمل كل منهم تعليمها, كانت قد وجدت عمل في صيدلية في نفس الشارع الذي تسكن به, وهذا ما جعلها تحلم بأن تصبح دكتورة وتتخصص في الصيدلة تحديداً .
أما الأسباب الأخري هي أنها لم تسمع قصة حب مكتلمه حتي يومنا هذا, كل علاقة مليئة بالمشاكل, وكل واحده تنفرها من الزواج عكس أختها التي تزوجت لتتخلص من والدها ومشاكله التي لا تنتهي, كانت تري الزواج مسؤولية لا تقدر علي حملها .
خرجت من غرفتها بعدما ارتدت ملابسها قالت لها والدتها : راحه فين ؟! .
_: هكون رايحه فين ...نازله الصيدلية , ثم أخرجت أموال من حقيبتها وأعطتها لأمها قائله: أتفضلي يا ماما شوفي البيت محتاج إيه ... وأنا سبت فلوس لبابا علي التسريحة لو رجع أبقي أديهم له .
_: متعينيهم يا بنتي لجهازك .
نظرت لوالدتها بتعجب وقالت : أنا نزله , خرجت من المنزل وهي ما زالت تفكر هل سيأتي يوم فارس مميزاته تغطي عيوبه لينتشلها من هذا البيت ؟ , أم أن هذا الزمن ليس فيه مكان للميزات! .
في قسم شرطة سيدي جابر قال الظابط (أحمد إمام) رئيس القسم وهو ينهض ليصافح ياسين: أنا هدخل طابور العرض
دلوقتي ركز كويس وشوف مين الشخص إلي أنت قدمت فيه بلاغ وقولت انه نصب عليك .
أومأ برأسه إيجاباً فطلب الظابط من العسكري تدخيل طابور العرض, دلف مجموعة من المجرمين واصطفوا في صف واحد, نهض ياسين ودقق في ملامح كل منهم حتي أمسك بتلابيب شخص وكاد يخنقه فنهض الظابط سريعاً وقال :أهدا يا ياسين ... هو دا متأكد ؟! .
أومأ برأسه إيجاباً وقال: أيوه هو ....أنا أطلعه من وسط ألف .
_: طب ممكن تقعد بقا وتسيبنا نشوف شغلنا .
طلب الشرطي من العسكري أن يأخذ المتهمين ويزج بهم في السجن, ثم جلس وقال: أحكيلي بقا كل التفاصيل وكنتوا بتتقابلوا فين ... ومين شافكم مع بعض .... عشان نجيب شهود ونرجع لك حقك.
أخبره ياسين بكل ما حدث منذ لقاءهم في القهوة حتي الصفقة المزعومة وأخبره عن الشباب الذين عملوا معهم وأسمائهم وعناوينهم, ثم غادر بعدما أنتهي, كان يعلم أن هذا سيفيده فكلما كان المحضر أقوي ومثبت فيه كل الواقعة كلما انتهت القضية أسرع في يد المحكمة .
علي مائدة الإفطار سحبت نور المقعد ثم جلست, فنظر لها والدها متعجباً وقال: إيه دا يا حبيبتي معندكيش محاضرات في الجامعة النهارده ولا إيه .
_: لا يا بابا عندي بس الساعة 11 .
قال والدها دون أن ينظر لها : كويس أهو تفطري معانا يوم من نفسنا .
نظر لعصمت التي كانت تنظر له وأبتسم فتناول كل منهم طعامه, حتي قال والدها :أنا رايح المستشفى .... عايزين حاجه .
قالت عصمت: سلامتك بينما أكتفت نور بهز رأسها وهي تبتسم, دلف عصام وهو ينطلق نحو غرفته في عجله بعدما ألقي عليهم التحيه, فأسرعت نور خلفه .
طرقت باب الغرفة فأذن لها عصام بالدخول قال وهو ينظر لها: في حاجه يا نور ؟ .
_: أيوه كنت عايزه أتكلم معاك .... فاضي ؟! .
_: لا أنا جاي أخد حاجه وراجع عندي شغل كتير .... بس لو في حاجه مهمه أوي ممكن تتكلمي أنا سامعك .
أخذت نفس عميق, ثم قالت: سبت سارة ليه ؟, نظر لها متعجباً فتابعت كلامها قائله: سارة كلمتني أمبارح وقالتلي الي حصل البنت منهاره يا عصام.... أنت غلطت غلطه كبيره في حقها وحق نفسك لما خدت قرار زي ده .... ساره بتحبك أنا فاهمه أنك بعد الحادثة مصدوم وقلقان مش عارف تفكر وخايف تظلمها معاك ..... بس الي أنت مخدتش بالك منه أنك ظلمتها اكتر لما سبتها ... ومش بس هي ظلمة نفسك كمان .
نظر لها أخيها وقبل جبينها ثم قال : متقلقيش أنا هحل الموضوع وأرجعلها بس متقوليش لسارة أنا عايز أعملها لها مفاجأة وأصالحها بنفسي .
تركها وغادر فحمدت الله علي انتهاء تلك الأزمة, ثم ذهبت لغرفتها هي الأخرى لتبدل ثيابها. نزلت للأسفل وجدت عصمت تجلس علي الأريكة, وقفة مسرعة حين رأتها وقالت : أنتي مش قولتي محاضراتك الساعة 11 علي فين العزم ؟! .
تنهدت بقوة ونظرت لها قائلة بضيق ونفاذ صبر: وأنتِ مالك أنتي, ثم تركتها تغلي ورحلت.
في غرفة سارة كانت تجلس علي الفراش تسترجع كلماته التي لم تغادر ذهنها منذ تركها في المطعم (عشان كدا يا بنت الناس أنا مش هظلمك معايا...أنا واحد مش ضامن عمره في أي لحظه...حياتي مش ملكي...مش هينفع أربط حد بيا أو بحياتي....لازم نسيب بعض .)
انهمرت دموعها من جديد وهي تتذكره وهو يتركها بلا رجعة, كيف يتركها هكذا؟ ..... لماذا لم يعبئ بمشاعرها حين تركها؟ ... كيف ظن أنه يحميها بهذه الخطوة ؟ ومما يحميها ؟! .
أهذا جزاءها لأنها أحبته, سمعت طرقات علي الباب فردت بصوت محشرج : قولت سيبوني لوحدي .
قالت نور: أنا نور, لم تجيبها فدلفت, جلست بجوارها علي الفراش, كانت تعرف أنها في أمس الحاجة لها الأن, ضمتتها, فبكت في حضنها, قالت نور : ممكن تهدي ... والله كل حاجه هترجع زي الأول وأحسن .
_: حتي لو أخوكِ فكر يرجع لي .... أنا مش هرجعله .... مش وقت ما يحب يسبني .... يسبني ووقت ما يحب نرجع يبقي نرجع .
نظرت لها نور بتعجب وقالت : تبقي غبيه! .
_: يعني أنتي لو مكاني كنتي هتقبلي ... كنتي هتهيني نفسك كدا .
قالت نور بهدوء وهي تجفف دموع صديقتها الغالية : يا حبيبتي أنتي لازم تقدري أن عصام كان خارج من المستشفى متغلبط ومش عارف يفكر كويس .... وعصام بيحبك ... بمجرد ما هدي فهم أن الي عمله دا غلط ... وأن الأعمار بيد الله .... وأنتو الأثنين بتحبوا بعض ومش سنه ولا أتنين دا من أربع سنين ...والي بيحب بيسامح يا سارة .
نظرت لسارة التي ظهر علي ملامحها الاقتناع ولم تمر دقائق إلا وأتت نيفين هي الأخرى وشاركتهم الجلسة وعلمت منهن ما حدث لم تتحدث فقد زادت عقدها واحدة الأن, وها هي مشكلة جديده تطرح أمامها, حتي وأن عادوا وتصالحوا فبقت المشكلة في عقل نيفين في شيء واحد لم تري سواه, هذا الجرح الذي نخره الحب في قلب تلك المسكينة .
في المعرض وقف مصطفي بجوار عاصم وقال: كلمت ياسين .
_: لا لسه .
_ طب ما تكلمه تطمن عمل إيه ؟! .
_: هي الساعة كام ؟! .
_: مش عارف بس العصر هيأذن .
طب خلاص نصلي العصر ونكلمه ..ز حتي يكون خلص هو كمان .
أومأ مصطفي برأسه وتبع عاصم ليذهبوا للجامع بعدما طلب من العمال متابعة الشغل حتي عودتهم . انتهوا من الصلاة فأخرج مصطفي هاتفه وأتصل بياسين, أتاه الرد بعد اتصاله التاني فرد قائلاً : أخبارك يا ياسين ... طمني عملت أيه ؟! .
_: الحمد لله متقلقش ... قبضوا علي جمال دا لو كان أسمه جمال فعلاً .
_: طب الحمد لله المهم أنهم قبضوا عليه ... بس قبضوا عليه إزاي ؟! .
_: لا دا موضوع يطول شرحه ... لما أرجع هحكي لكم كل حاجه .
_: هتيجي أمته ؟ .
قال ياسين بنبرة مجهده : مش عارف .... الموضوع شكله هيطول.
قال مصطفي مازح ليخفف عنه ما حسه من ألم في صوته : لا وحياة الغالين عندك .... دا أنا مقدرش علي بعدك .
ضحك ياسين وقال : طب غور يا خفيف .
_: بقا هي دي أخرتها يا صحبي .... ماشي خلي بالك من نفسك .
_: سلام .
أغلق مصطفي الهاتف وقال :أنا قلقان علي ياسين .
عاصم : أدعيله .
قال مصطفي : ربنا يعينه يا رب, ثم عاد كل منهم إلي عمله حتي حل عليهم المساء فعاد مصطفي للمنزل وأخبره عاصم بأنه سيذهب ليري خالته ويطمئن عليها .
في منزل إيمان جلس عاصم علي الأريكة وخالته كانت تجلس علي المقعد المجاور لها بعدما وضعت الشاي أمامه قالت بلؤم : بقا كدا يا عاصم .... متسألش علي خالتك كل دا يا ابني .
_: معلشي بقا يام عاصم أبنك كان مشغول لشوشته الشهر الي فات .... إدعيلي بقا عشان ربنا يبارك لي بباركة دعواتك .
_: بدعيلك يا حبيبي .... بس متخليش الشغل يخدك مننا ... أنت الي باقي من ريحة الغالية الله يرحمها .
_: الله يرحمها .... من عنيا يا ست الكل ...أوعدك أني هاجيلك علطول .
دلفت إيمان وهي تحمل حقيبتها فأسرعت إليها أمها قائلة : حمد لله علي سلامتك يا حبيبتي أحضر لك الأكل .
قبلت جبينها وقالت : لا يا حبيبتي تسلمي .
ألقت التحية علي عاصم ودلفت لغرفتها بعدما أخبرت أمها أن نور ستأتي, قال عاصم لخالته : أنا هامشي أنا بقا يا أمي ... هتعوزي حاجه .
_: متخليك يا عاصم شوية ... ملحقتش أشبع منك .
أبتسم عاصم وقال :هاجي تاني أن شاء الله .
رحل عاصم والتقي بنور وهو ينزل من علي الدرج فالقي عليها التحية ثم ذهب بينما صعدت هي للأعلى, فتحت لها والدت إيمان فاحتضنتها, ثم دلفت لغرفة صديقتها .
نهضت إيمان تحتضن نور بشوق وحرارة قالت إيمان وهن يجلسن علي الفراش : قوليلي بقا مالك من امبارح عشان أنا قلقت . كادت نور أن تخبرها ولكنها صمتت حين دلفت والدة نور وهي تحمل العصير, وضعته وتركتهم يتسامرون, أخبرتها نور مشكلة إياد فقالت لها إيمان ووجهه تعتليه الصدمة والدهشة : معقول! ...معقوله إياد يفكر كدا .
_:دا الي حصل يا إيمان وأنا مش عارفه أعمل إيه دلوقتي ...محتارة .
_: يبقي تصلي صلاة استخارة والخيرة فيما يختاره الله .
نظرت لها نور مستفهمه فعملت إيمان أنها لا تعرف كيف تصلي الاستخارة, فأخبرتها علي طريقتها وعلامتها التي قد تظهر في الحلم أو تكون بانشراح الصدر لما فيه الخير أو انقباض القلب ونفور الشيء أو غيرها من الدلائل .
عادت نور من عند إيمان وهي سعيدة أنها وجدت الحل أخيراً, فتحت باب الفيلا وكان الدور السفلي مظلم فأخرجت هاتفها لتنير به , كادت تصعد الدرج لولا أنها سمعت صوت والدها يناديها، كان يخرج من المكتب فوقفت ونظرت له فقال: أنتي بتروحي حي العجوزة كل يوم الصبح تعملي إيه ؟! .
أعتلتها الدهشة والصدمة وشعرت بضربات قلبها التي تتسارع وكأنه يريد الفرار
يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية اوتار حاده) اضغط على أسم الرواية