رواية حكاية كاميليا كاملة بقلم احمد محمود عبر مدونة دليل الروايات
رواية حكاية كاميليا الفصل الثاني 2
" مفيش قدامنا غير إنك تهربي من البيت! "
الجملة فاجئتني ، عمرها ماخطرت على بالي قبل كده ولا فكرت حتى اني ممكن في يوم اعملها !
ولإني استصعبت الفكرة قولتله نستنى شوية يكوّن نفسه ويثبت لبابا إنه جدير بيا يمكن يقتنع ، وبالفعل فضلت سنداه ومستنياه، كمان كنت بساعده مادياً من ورا أهلي عشان يكون نفسه ، مروا ٣ شهور خلالهم كنت منعزلة عن أهلي ، عايشة معاهم بس طول الوقت في أوضتي لا بتكلم مع حد و لا بقعد مع حد، حتى سلوكياتي اتغيرت ، في الأول كانوا بيحاولوا يخرجوني من عزلتي ومع إصراري سابوني على راحتي ، لحد ما ابن خالتي اتقدملي تاني والمرة دي بابا كان مختلف، المرة دي بدأ يمارس الدكتاتورية في قرار جوازي ، اتصلت بمحمود وحكيتله قالي إن ده الوقت المناسب للهروب وساعتها هنحط أهلي قدام الأمر الواقع ، الحب كان عاميني بس رغم كده الفكرة مرفوضة جوايا ، مش قادرة أتخيل إني أعمل في أهلي كده ، لقيته بيخيرني إما أهرب معاه الليلة أو كل واحد فينا يمشي من طريق ، ٤ سنين حب مروا من عمري هيضيعوا في لحظة كده! معقولة كل الأحلام إللي بنيتها هتنتهي واتجوز جوازة تقليدية من غير ما يكون لقلبي رأي!
الوقت بيمر و أنا عاجزة عن التفكير ، جت اللحظة الحاسمة ، لحظة الإختيار إللي بعدها حياتي هتتغير للأبد ، وقتها كنت شيفاها مقارنة بين سعادتي مع محمود وتعاستي إللي عيشاها مع أهلي دلوقتي وهم عاوزين يفرقوني عن حبيبي ويجوّزوني جواز تقليدي ، بابا عنيد بس ناسي إن ورثت العند منه أنا هختار سعادتي ، جهزت شنطة صغيرة فيها أهم حاجتي وكتبت جواب لأمي ، بعدها نزلت بهدوء وخرجت من البيت ، محمود كان منتظرني في مكان قريب من بيتي، هربت معاه وجريت ورا السعادة إللي رسمهالي ...
قعدت في شقة بتاعة صاحب محمود كان مأجرها منه عشان نتجوز فيها وهو كان بيعدي يتطمن عليا من غير ما يدخل ، و بعد ٣ أيام اتفاجئت بصاحبه بيكلمني ع الرقم الجديد إللي جابهولي محمود ويقولي إنهم قبضوا عليه بتهمة خطفي ، رحت القسم وأول ما بابا شافني بدل ما ياخدني في حضنه ضربني ألم من شدته وقعت ع الأرض ، لمع العند في عيوني أكتر و اعترفت إن أنا إللي هربت معاه بإرادتي ، بعد ما انتهت التحقيقات، أخويا خاف عليا من غضب بابا، ركّبني عربيته وقعدنا في كافيه يقنعني إني اخترت غلط وإن الشخص ده لو كان حبني بجد عمره ماكان هيشجعني ع الغلط ، طلب مني أرجع معاه البيت على الأقل دلوقتي ، ولما وصلنا بابا طردني وقالي إني مابقاش ليا مكان في البيت ده وإنه خلاص متبرّي مني ، مشيت مش عارفه أنا حاسه بإيه ، جوايا فراغ كإن في حاجة ناقصة أو حاسه كإني عريانه!
لقيت محمود بيكلمني فبكيت ، سألني عن مكاني واستنيته ، جالي وأخدني الشقة إللي كنت قاعدة فيها ، كان في نظري راجل بجد شهم وجدع ، ورغم إن بابا استخدم نفوذه و اتسبب في طرده من الشركة ورفض باقي الشركات قبوله ماتخلّاش عني لحظة وفضل متمسّك بيا ، لقى فرصة شغل في السعودية بس محتاج فلوس كتيرة ومصاريف عشان نقدر نتجوز وأسافر معاه ، فبيعت كل دهبي إللي هربت بيه وهو باع أرض ورثها من باباه وخلصنا اجراءات السفر ، اتجوزنا بفضل أخويا إللي لما خلاص لقاني متمسكة بقراري جوزني ليه وودّعني ، لما رحت أودع أمي وباقي إخواتي اتمنعت من دخول البيت وبابا وصلّي رسالة مع أخويا انسى إن ليا أهل جملة صغيرة بس وجعها كبير أوي وتقيل ع القلب ، سافرت مع جوزي وماكنتش متخيله إني بعد ما أحقق حلمي سعادتي هتبقى ناقصة بالشكل ده!
بس بعد ما استقرينا ومحمود استلم شغله الإحساس ده بدأ يتلاشى وهو بيتفنن ازاي يسعدني ويعوضني عن غياب أهلي..
حاولت كتير أتواصل مع أمي أو إخواتي بس رفضوا يسمعوني حتى أخويا الوحيد منهم إللي كان واقف جنبي قاطعني زيهم ، الحياة كانت صعبة ، افتكرت نفسي هقدر أستحمل الفرق في المعيشة، صحيح كنت متأقلمة بس من جوايا تعبانه وبحاول مابينش لجوزي ، مشتاقة لأهلي ولحياتي فعملت حساب فيس بوك مزيف وبعت لكل أهلي وقرايبي عشان أعرف أخبارهم من بعيد لبعيد ، أخبار بابا كنت بعرفها من الإعلام بس رغم كل إللي حصل حساه واحشني أوي ونفسي اتطمن على صحته ، محدش قبل إضافتي غير بنت خالتي ، دخلت عندها واتفاجئت بصور فرح أخوها ، فرحت عشانه وإنه قدر ينساني ويكمل حياته ، أول ما شفت أمي وأبويا وإخواتي في الصور بكيت بحرقة ، كان زماني دلوقتي وسطهم كعادة كل مناسبة خاطفة الأضواء بفستاني وأناقتي، كنت في كل مناسبة أبقى محتارة ألبس إيه رغم دولابي المليان فساتين وفي النهاية بنزل أشتري فستان جديد، ازاي هحضر مناسبتين بنفس الفستان! أنا ماكنتش بلبس طقم غير مرة واحدة ، دلوقتي مابقاش حيلتي غير دولاب فاضي مفيهوش غير طقمين ببدل فيهم ، مش مهم كده كده مابخرجش من البيت ، صحيح الوضع كان ومازال صعب أوي ولسه مش عارفة أتعود على التغيُّر المفاجيء في طبيعة حياتي بالشكل ده بس كنت دايماً بصبّر نفسي إني عايشة مع حبيبي وبيعمل كل إللي يقدر عليه عشان يسعدني وبعدين أنا استحملت ٥ شهور اهه يبقى أكيد إن شاء الله هقدر أكمل ، لكن الحاجة الوحيدة إللي كانت مصبّراني للأسف بدأت تختفي ، محمود بقى عصبي أوي وبيتهمني دايماً إني مُسرفة ومش حاسه بيه ولا بسانده رغم إن أبسط حقوقي واحتياجاتي اتنازلت عنها عشانه وصابرة ومستحملة ، مابقاش طايقلي كلمة ولا بيحترم رأيي في أي حاجة تخص حياتنا حتى الخلفة بعد ما كنا متفقين نأجلها رجع في كلامه فيها بعد مكالمة من مامته ، حاولت أفهمه إن وضعنا لسه محتاج استقرار شوية بس ماسمعنيش ، وبالفعل حملت ، ورغم إني نفذت قراره وأنا متضايقه بس فرحته بحملي غيرت رأيي ، ده غير إن معاملته اتغيرت ورجعت تاني كويسة ، اكتشفت إنه بيدي لمامته كل يوم تقرير عن حياتنا وإنه ممشي الحياة بمشورتها وبس ، الموضوع يمكن كان مضايقني جداً بس أهه مامته في النهاية عاوزه مصلحتنا فكنت بسكت عشان أحافظ على بيتي ، لحد ما عرفنا إن إللي في بطني بنت والمعاملة بقت أسوأ مما كانت قبل حملي ، في اليوم ده اتخانقنا، المرة دي ماسكتش ولأول مرة يمد إيديه عليّا، وقفت مصدومة ومش عار فه لا أنطق ولا اتحرك ، دخلت أوضتي وكنت بلم هدومي لحد ما افتكرت إني ماليش حد ولا حتى معايا فلوس أرجع مصر، قعدت في الأرض أعيط ولأول مرة أواجه نفسي بالحقيقة إللي بهرب منها بابا كان عنده حق...
مش فاكرة نعست امته ع الأرض بس لقيته بيقومني وياخدني في حضنه ، اعتذرلي ووعدني إنه مش هيكررها وطبعاً مضطرة أصدقه عشان مفيش قدامي غير كده ، بس للأسف المرة دي اتكررت مرتين وتلاته لحد ما بقى الضرب ده أمر طبيعي ، كان ممكن أتضرب قدام الناس وفي الشارع عادي جداً ، في مرة لقيته بيقولي إنه هينزلني أعيش مع مامته في مصر وهو يبقى ينزلي أجازات عشان مابقاش قادر على مصاريفي كمان في بنت لسه جايه وده هيزود الحِمل ، فضلت اتحايل عليه وأعيط عشان مانزلش مصر ، أنا بخاف من مامته وأنا في بلد تانية ازاي هقدر أعيش معاها في بيت واحد!
وعدته إني مش هصرف أي حاجة تانية تخصني ولا هطلب منه حاجة وصلت لدرجة إن أوقات كنت بنام جعانة عشان أوفر وجبة لبكرة وده اتسبب في إني اتنقلت للمستشفى والدكاترة قالوا لازم أهتم بأكلي أكتر عشان الجنين ، الحاجة الوحيدة إللي كانت بتهوّن عليا إللي أنا فيه بنتي ، كنت أفضل أكلمها وأفضفضلها، متشوقة أوي لولادتها ولحضنها مابقاش ليا غيرها، لا عندي نت أعرف بيه أخبار أهلي ولا حتى تليفون أوصلهم بيه ، باعه زي باقي حاجتي ، لحد ما عمل مشكلة في الشغل بسبب عصبيته وطردوه ، دوّر على شغل تاني ومالقاش فاضطرينا نرجع مصر ، أهه نتبهدل في بلدنا أحسن من بهدلة في الغربة ، كنا قاعدين عند مامته في اسكندرية ، معرفش ليه كانت بتكرهني رغم إني عمري ما آذيتها ولا ضايقتها ، كل يوم تنيمني معيطة ، بس كل وجعي كان بيختفي ودموعي تتحول لضحكة مع كل خبطة من بنتي في بطني ، بحس خبطتها دي طبطبة بتقولي أنا هنا حاسه بيكِ وجنبك ، هي كانت أملي الوحيد في الحياة وخلاص باقي أقل من ٣ شهور وهتبقى في حضني لحد ما في يوم مامته استفزتني فاض بيا فرديت عليها وكانت النتيجة ضرب من غير رحمة وهي واقفة بتتفرج وتشجعه ، لحد ماحسيت بمغص شديد ، وقعت ع الأرض و بدأت انزف ، ماحستش بألم الضرب بس كنت خايفة من حاجة واحدة بس إن أملي الوحيد في الحياة يروح ، حطيت إيدي على بطني وهمستلها "أرجوكِ ماتتخليش عني إنتِ كمان وتسيبيني أنا محتجالك" ، بعدها ماحسيتش بأي حاجة تانية ، فتحت عيوني بوهن ، ماكنتش عارفة أنا فين بس سمعت صوت اتنين بيتكلموا فهمت من كلامهم إنهم ممرضات يبقى أنا أكيد في المستشفى، سمعتهم بيتكلموا :
_ ربنا نجاها من الموت لو اتأخروا دقيقة زيادة كان زمانهم بيعملوا تصريح الدفن
_ اه يا حبيبتي شكلها كده مضروبة من المنظر إللي كانت جاية بيه، صعبانة عليا أوي ربنا يلطف بيها بقى لمّا تصحى وتعرف المصيبة
أول ما سمعت آخر جملة ضغطت بوهن على بطني كالعادة عشان ترد عليا بخبطة بس المرة دي ماكنش فيه خبط ، المرة دي مش حاسه بوجودها !!!!
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حكاية كاميليا ) اسم الرواية