رواية القاتل الراقي كاملة بقلم سارة بركات عبر مدونة دليل الروايات
رواية القاتل الراقي الفصل الخامس عشر 15
“كوني سعيدة”
يحملها بين يديه يجري بها نحو سيارته ولكنه إنتبه عندما رأى سيارة إسعاف قادمة وخلفها العديد أيضًا .. ركض نحو السيارة التي توقفت أولاً؛ فهو بحاجة أن يتم إيقاف نزيفها .. قدمها لرجال الإسعاف وحملوها على عربة نقالة في السيارة وبدأوا بعمل الإسعافات الأولية لها وهي إيقاف النزيف .. ركب ياسين السيارة معها وظل بجانبها ممسكًا بيدها يضغط عليها بقوة وينظر لها كالتائه تارة، وينظر لرجال الإسعاف وهم يحاولون فعل مابوسعهم لإنقاذها تارة أخرى ..
؟؟:”لو سمحت، محتاجين حضرتك تساعدنا.”
نظر لهم ياسين بتيه .. أشار له أحد الشبان بالتمسك بالمنشفة الموضوعة على عنقها لمنع النزيف .. وضع ياسين يده الممتلئة بدمها على المنشفة وهو ينظر لمريم كالطفل الضائع .. أكمل رجال الإسعاف باقي إجراءاتهم لنجاتها .. تسير في ممر المشفى تحاول الإتصال بها مرارًا وتكرارًا لتطمئن عليها ولكنها لا تُجيب ..
أشرقت بتعجب:”ماصدقت تمشي دي ولا إيه؟؟”
تأففت بضيق ثم أكملت سيرها ولكنها توقفت عندما قابلت الطبيب آسر في طريقها ..
آسر بإبتسامة:”إزيك يا دكتورة؟”
أشرقت بإحراج:”أنا الحمدلله، حضرتك أخبارك إيه؟”
آسر:”تمام.”
نظر حوله يبحث عن مريم بعينيه ولكنه إنتبه لأشرقت ..
أشرقت بتفهم:”مريم واخده أجازة شهر.”
آسر بقلق:”ليه؟؟ مالها؟”
أشرقت:”ماتقلقش يا دكتور، هي بس إنضمت لقافلة طبية في بلد أرياف وهتقعد فترة هناك بس كده.”
تنهد آسر بحيرة ثم إستأنف حديثه ..
آسر:”طب ممكن نتمشى شويه؟ محتاج أتكلم معاكي.”
أشرقت:”أكيد، إتفضل.”
سارت بجانبه في ممر المشفى وبدأ هو بالتحدث بصوت هادئ قليلًا ..
آسر:”أنا بحب مريم.”
لم تتفاجأ مما قاله لأنها تعلم بالفعل فنظراته لها تفضحة هنا في المشفى وبالطبع الجميع يعلم .. إبتسمت أشرقت لحديثه عن صديقتها ..
آسر:”بس هي رفضتني، وصدقيني يا أشرقت أنا نيتي كويسه ناحيتها، أنا عايزها زوجة ليا.”
أشرقت:”وإنت ليه إخترتها زوجة ليك من قبل ماتعرفها؟؟ مايمكن هي محتاجة شوية وقت؟؟”
آسر بإستفسار:”مش فاهمك، ليه إخترتها من قبل ما أعرفها؟ وهي محتاجة وقت لإيه؟”
أشرقت بتنهيدة:”أنا حساك متسرع شويه، إنت ماتعرفش حاجة عن مريم، بالنسبة لهي محتاجة وقت لإيه؛ فمريم بتحاول تعيش حياتها بشكل طبيعي الفترة دي، بتحاول تتأقلم مع حياتها.”
آسر:”أنا أقدر أساعدها، وبعدين أنا من أول يوم شوفتها فيه وهي خطفتني، وأنا بتكلم معاكي دلوقتي عشان عارف إنك أقرب واحدة ليها وهي هتسمع كلامك لإني عارف إنك هتقنعيها بيا، ممكن تحاولي تقنعيها إني هفضل دايما معاها وجنبها وهسعدها؟”
شعر بالإحراج من إفصاحه عن مشاعره ..
أشرقت بإبتسامة:”أنا متفهمة مشاعرك دي يا دكتور، بس ممكن تسيبلها فرصة.”
نظر أرضًا وصمت قليلًا وكاد أن يتحدث إنتبه لصراخ أشرقت المفاجئ .. نظر نحوها وجدها تتجه نحو التلفاز برعب .. صُدِمَ عندما رأى عدة صور لبعض الهويات الشخصية في الأخبار ومن ضمنهم هوية مريم الشخصية ويفيد ذلك الخبر بأن هناك حادث أصاب أصحاب هذه الهويات ومكان تواجدهم الحالي .. إنهارت أشرقت من البكاء وإنتبه آسر لإنهيارها وحاول تهدئتها ولكن أعصابه كانت منهارة مثلها تمامًا ..
……………………………
دخل المشفى الخاص به مع جسد مريم الملقى على نقالة صغيرة يحركها رجال الإسعافات .. قميصه الأبيض أصبح مختلطًا بدمائها، ظل خلفهم حتى وصلوا لغرفة العمليات .. وهنا إتجه فريق الجراحة نحو غرفة العمليات لإنقاذها وذلك من خوفهم عندما رأوا ياسين المغربي .. بدأوا بتوصيل الأجهزة بجسدها داخل الغرفة، كان ياسين يحاول تمثيل الجمود ولكنه يشعر أنه سيفقد اعصابه الآن .. سينهار!! … نظر نحو الأطباء ولكنه شعر أن هناك شئ خاطئ، هؤلاء لن يستطيعوا إنقاذها بكل ما أوتوا من قوة .. أين الطبيب طارق؟؟ .. تركهم وتوجه نحو غرفة مكتبه .. قام بفتح الغرفة على مصراعيها … إنتفض طارق ينظر لمن إقتحم غرفة مكتبه ..
ياسين:”إنت إللي هتعملها العملية.”
طارق بتوتروعدم فهم:”هي مين؟؟”
أمسكه ياسين من تلابيبه متحدثًا بغضب جحيمي ..
ياسين بأمر:”هتعمل العملية للدكتورة مريم، ولو حصلها حاجة، إنت المسئول.”
هز طارق رأسه بهدوء لياسين، ثم تحرك لخارج الغرفة .. كان الأطباء يحاولون قدر إستطاعتهم الحفاظ على المؤشرات الحيوية الخاصة بها ومن الواضح أن الجرح يبدو عميقًا .. إستهلكوا أكياس الدماء الخاصة بالمشفى على حالتها تلك .. يقف ياسين أمام غرفة العمليات مستندًا بجسده على الحائط، ينظر للباب منتظرًا إجابة أو بمعنى آخر ينتظر أن يطمئن عليها .. يقف طارق في الغرفة وينظر لمريم الغائبة عن الدنيا وجسدها موصولًا بالأجهزة … يتذكر جيدًا ما تسببت به، يتذكر أنها كان سببًا رئيسيًا في موت إبن أخته .. عقص طارق حاجبيه بغضب وقام ببدء جراحته لمريم … وصل آسر بسيارته أمام المشفى الخاصة بياسين المغربي وبجانبه أشرقت المنهارة من البكاء .. لا تصدق ماسمعته .. خرج الإثنان من السيارة وركضا لداخل المشفى والتي كان الكل يعمل بها بإنضباط وبسرعة نظرا لحالات الطوارئ التي أتت لهم وهي الخاصة بالحادث ….. إستفسر آسر عن مريم، أخبروهم بالغرفة التي تُقام بها عمليتها، ذهبوا بإتجاه الغرفة المحددة .. إقترب أحد رجاله نحوه وتحدث بهدوء ..
؟؟:”الحادثة مكانش متخطط ليها، كانت قضاء وقدر.”
نظر له ياسين بهدوء ليس لديه طاقة للحديث، أشار له بالرحيل وظل واقفًا أمام الغرفة ينظر لها بتركيز شديد … إقتربت أشرقت ومعها آسر نحو الغرفة وهنا رأوا رجلا ملابسه ممتلئة بالدماء .. عرفته أشرفت فور أن رأته فذلك هو حبيب صديقتها أو الذي جرح مشاعرها .. إقتربت منه ببكاء..
أشرقت ببكاء:”مريم … مريم كويسه؟؟”
نظر لها ياسين بنظرة خالية من الحياة؛ فقد إستطاع إستعادة هدوئه في ذلك الوقت ولكنه بداخله خائف من فقدانها .. بل يموت من فقدانها …
ياسين بهدوء:”الدكاترة بيعملوا إللي يقدروا عليه.”
إنتبه لرجل آخر معها أو بمعنى آخر الطبيب الذي كان يحاول أن يراقصها قبلًا … لم يعره إنتباه وعاد ينظر للغرفة مرة أخرى … إقترب رجل آخر من رجاله نحوه وقام بإعطائه حُلة قد جاءوا بها من قصره . أخذها ياسين منه ثم تركهم ليقوم بتغيير ثيابه .. تعجب آسر من وجود أحد مساهمي المشفى التي يعملون بها هنا في تلك المشفى ومن الواضح أنه يعرف مريم جيدًا، قرر أن يسأل آسر اشرقت عن ذلك الرجل ..
آسر:”إنتي تعرفي الشخص ده؟”
نظرت له أشرقت بحزن على حالة مريم فهي لا تستطيع الحديث الآن .. لم يُرِد أن يزعجا أكثر من ذلك وفضل الصمت وهو بداخله يأكله القلق على مريم أيضًا وبذات الوقت يدور ذلك السؤال في رأسه .. بمرور الوقت … فُتحت أبواب غرفة العمليات وأول من خرج من تلك الغرفة كان طارق الذي إقتربت منه اشرقت وهي تبكي ..
أشرقت:”طمني عليها، مريم كويسه؟”
طارق بتنهيدة وهو يقوم بنزع كمامته:”كويسه الحمدلله، خسرت دم كتير بس إحنا أنقذناها في شوية كسور في جسمها قدرنا إننا نعالجها الفترة الجاية هتحتاج الراحة التامة.”
إبتسمت أشرقت في وسط بكائها وشكرت طارق كثيرًا .. رفع طارق عينينه نحو ياسين الذي ينظر له بهدوء، ولكن من الواضح أن تلك النظرات عبارة عن تحدٍ وصراع داخلي بينهما وخاصة طارق .. تركهم طارق ورحل لمكتبه وعندما دخل المكتب صرخ بغضب وقام بإلقاء كل ماهو على مكتبه بغضب … نظر ليديه بحسرة لقد أنقذها بهما .. أنقذ قاتلة هشام .. ولكن إهدأ طارق ليس الآن .. ستأخذ حقك وحق هشام .. حق إبنك الذي حملته بين يديك .. جلس على كرسيه بقلة حيلة وكفكف وجهه بيديه … منذ ذلك اليوم لم يجد الراحة مطلقًا … عاد للمشفى لكي يستطيع أن ينتقم من ياسين ومريم ولكن لا يعلم كيف … ولكنه سيفعلها .. سينتقم قريبًا .. كل ما عليه هو الإنتظار فقط ….
…………………………………………..
خرجت الممرضات من الغرفة وهن يحركن النقالة التي تحمل جسد مريم الهزيل … إقترب آسر وأشرقت نحو النقالة بلهفة والممرضات يحاولن منعهم .. أما ياسين ظل يراقب الحال من بعيد .. ينظر لها بعيني عاشق مشتاق لحبيبته .. تنهد بإرتياح نعم .. لقد إرتاح .. وقعت عينيه على آسر الذي يسير بجوار النقالة وينظر لها بلهفة هو الآخر .. إبتعد ياسين بنظره عنه وسار نحو طريق الخروج من المشفى …
……………………….
“رواية/ القاتل الراقي .. بقلم/ سارة بركات”
مرت الأيام وظلت مريم بالمشفى نائمة تحلم بعائلتها الصغيرة .. تحلم بحياة سعيدة خالية من الألم .. تحلم بأن تعيش الأجمل فيما هو قادم … لم تتركها أشرقت يومًا بل ظلت بجانبها تتردد على المشفى بإستمرار هي وآسر … في يومٍ ما .. كان آسر يجلس بجوار فراشها يمسك بكتابٍ يحتوي على قصة لطيفة يسردها لمريم وهي نائمة وأشرقت تجلس تستمع لقصصه وتبتسم لأن سرده للأحداث لطيف .. إنتبه الإثنان عندما دلف طارق للغرفة ..
طارق بإبتسامة:”آسف على الإزعاج.”
آسر:”لا إتفضل.”
طارق:”شكرا، *نظر طارق نحو اشرقت* مساء الخير.”
شعرت أشرقت ببعض الإرتباك وتحدثت ..
أشرقت بتردد:”مساء النور.”
إبتعد طارق بنظراته عنها وإقترب نحو مريم ليقوم بفحصها ..
آسر بإستفسار:”هي هتفوق إمتى؟”
طارق بإنشغال:”المفروض في خلال ال 24 ساعة الجايين، بتمنى بس إنها متحسش بوجع لما تصحى، بتمنى إن المخدر مفعوله يكون لسه موجود بالنسبة لجسمها.”
أشرقت بتدخل:”مش المفروض عدا أيام على الحادثة، أكيد لازم يكون الوضح مريح وأكيد مش هتحس بحاجة.”
إلتفت طارق لها وتحدث بهدوء ..
طارق:”من الواضح يا دكتورة إنك نسيتي حاجة مهمة تابعة لشغلك، إن لما المريض بيفوق من البنج وأثاره بتروح بيحس بكل حاجة، يعني الدكتورة مريم هتحس بالكسور إللي في جسمها وبوجعها، ومش هتقدر أكيد تستحمل كل ده، فهتاخد مسكنات الفترة الجاية لحد ماتخف تمامًا، فإنتي لازم تفكري كإنك دكتورة مش مجرد قريب لمريض، فكري إزاي تقدري تداوي المريض لما يفوق من البنج، لازم تدوريله على حلول مش لازم تستني إنه يتوجع عشان تبدأي تدوري على حلول.”
شعرت أشرقت بالإحراج منه وعاد طارق للتركيز في فحصه لمريم وبعد أن إنتهى إستأذن منهم وخرج من الغرفة .. كانت أشرقت تشعر بالضيق لإحراجه لها لأنها شعرت أنها لا تفقه شئ في عملها .. قررت أن تخرج خلفه وتوضح له .. وبالفعل خرجت خلفه ..
أشرقت:”دكتور لو سمحت.”
إلتفت طارق ينظر لها بإستفسار .. تشعر أنه تم حبس أنفاسها عندما نظر إليها، أرادت أن تتحدث ولكنها تشعر أن الكلمات هربت منها ..
طارق بإستفسار عندما طال صمتها:”أفندم؟؟”
أشرقت بتوتر:”مافيش، أنا آسفة لو ضايقت حضرتك، أنا من قلقي عليها إتكلمت بسرعة وخلاص.”
طارق بإبتسامة:”لا عادي، مقدر قلقك .. تؤمري بحاجة؟”
ظلت أشرقت صامته قليلًا تنظر لإبتسامته تلك .. تأملت ملامحه شعرٌ بني مختلطًا باللون الأبيض نظرا لعمره .. فهو يبدو أنه قد بلغ الأربعين بأعوام كثيرة ولكنه وسيم ظلت في حيرة من أمرها .. هل هو متزوج؟؟ .. بالطبع هو متزوج لكن … نظرت نحو يديه الإثنتين .. لا يوجد مايدل على زواجه .. إذا هل هو أرمل؟؟ أم مُطلَق؟ .. إنتبهت له عندما تحدث له بصوت مسموع قليلًا ..
طارق:”محتاجة حاجة تانية؟”
أشرقت بتوتر:”لا شكرا، أزعجت حضرتك.”
هز طارق رأسه ثم تركها ورحل لغرفة مكتبه .. أما هي تأففت من توترها وعادت لغرفة مريم مرة أخرى …
آسر بإستفسار:”مش هنمشي؟”
نظرت أشرقت للوقت وتأففت…
أشرقت:”مالحقتش أقعد معاها.”
آسر:”مرة تانية، الوقت إتأخر خلينا نروح، وبكرة إبقي تعالي من بدري، إنتي بنت ماينفعش تروحي في نص الليل.”
تنهدت أشرقت بقلة حيلة وقامت بتقبيل مقدمة رأسها وخرجت هي وآسر من الغرفة وبعدها خرجا من المشفى .. ركب كلًا منهما سيارته وتحرك آسر وتبعته أشرقت .. بعد مرور وقت قصير كانت تتحرك بسيارتها ولكنها تفاجأت بوقوف السيارة المفاجئ والسيارة تعطي إنذار بنفاذ الوقود ..
أشرقت بغضب:”ده إللي كان ناقصني.”
صرخت بغضب وتأففت بحنق .. هبطت من سيارتها تحمل هاتفها تبحث حولها عن محطة بنزين بالقرب منها ولكن أقرب محطة تبعد عنها بنصف ساعة … نظرت حولها، الشوارع كانت خاليه من الأشخاص نظرت للوقت، وجدت أن الوقت يقترب من منتصف الليل … ظلت تقف بالطريق تنتظر مرور أي سيارة لكي تعود للمنزل … ولحسن حظها لمحت سيارة بعيدة قادمة نحوها .. وقفت أشرقت بمنتصف الطريق ورفعت يديها الإثنتين تلوحهم في الهواء .. كانت تلك السيارة تقترب مسرعة ولكن عندما لمحها راكبها توقف بسرعة حتى أصدرت السيارة صريرًا عاليًا … هبط من السيارة سريعًا ونظر لها يتأكد من أن لم يحدث لها شئ .. صُدمت أشرقت عندما رأته .. لقد كان ذاك الطبيب المغرور طارق ..
طارق بضيق:”هو في حد يقف كده في نص الطريق؟”
أشرقت بتوتر:”البنزين خلص في عربيتي، ومش عارفة أروح .. وماصدقت إني لقيت حد.”
أغمض طارق عينيه بغضب من تلك الغبية وعاد لسيارته يبحث في الحقيبة الخلفية عن شئٍ ما .. أغلق الحقيبة وكان يحمل في يده عبوة من الوقود ..
طارق:”إتفضلي.”
أشرقت بإمتتنان:”شكرا لحضرتك.”
لم يُجبها طارق بل عاد لسيارته مرة أخرى وأكمل طريقه .. أما هي لا تدري ماسبب تلك الإبتسامة التي إرتسمت على وجهها .. فهي سعيدة أنها جمعتها لحظة أخرى معه .. فمنذ أول لحظة نظرت في عينينه وهو يشغل تفكيرها …
…………………………………
دخل ياسين غرفتها وأغلق الباب خلفة وجلس بجوار فراشها، ينظر لها بهدوء .. يتأملها .. كان هكذا منذ أن دخلت المشفى يقوم بزيارتها بعد أن يرحل الجميع .. يريد أن يكونا وحدهما سويًا .. أمسك بيدها وهنا إبتسم عندما رأى إبتسامتها وهي نائمة .. قبَّل مقدمة رأسها … ملس على يدها بهدوء وهو يتأمل ملامحها … يتذكر ماحدث في ذلك اليوم .. كيف كانت دماؤها تملأ ثيابه .. كيف أصابه الرعب حينها … ولكنه مضى … يكفي أنها بخير .. هي تستحق الحياة لكي تعيش سعيدة .. نعم تستحق الحياة، ظل بجوارها الليل كله وهو يتأملها بعينيه فقط ..
………………………………..
في اليوم التالي:
نائمة بهدوء تحلم به هو فقط .. تحلم بلحظاتها السعيدة معه .. وبلحظات أخرى تتمنى أن تحدث، ولكنه إختفى فجأة من أمامها، قامت بفتح عينيها بهدوء ونظرت حولها تبحث عنه كأنها تقوم بإستكمال حلمها في الواقع ولكن من رأته أمامها لم يكن هو .. بل كان آسر..
آسر بسعادة:”مريم! حمدالله على سلامتك.”
في تلك اللحظة كانت أشرقت عائدة من الحمام ودخلت الغرفة .. توقفت بمكانها بتفاجؤ عندما وجدتها مستيقظة، ثم صرخت بسعادة وركضت نحوها تضمها ..
مريم بألم:”ااااااااه.”
أشرقت بقلق وهي تبتعد عنها:”أنا آسفة، إنتي كويسه؟؟ حاسه بحاجة؟؟ فيكي حاجة؟؟”
مريم بإبتسامة ناعسة:”أنا كويسة، بس…”
إمتعضت ملامح مريم من ألم جسدها وخاصة من كتفها المكسور ..
آسر:”أنا هروح أبلغ الدكتور.”
خرج آسر من الغرفة وهدأت مريم قليلًا ونظرت لأشرقت التي تنظر لها بسعادة ..
مريم بإستفسار:”ياسين؟”
أشرقت بإستفسار:”ماله؟”
مريم بإرهاق:”ياسين فين؟ هو مجاش؟”
أشرقت مغيرة مجرى الحديث:”إنتي محتاجة ترتاحي، الحمدلله إنك قومتي بالسلامة.”
مريم بإصرار:”أنا عايزة أتكلم مع ياسين.”
أشرقت بضيق:”إنسيه بقا، ده رماكي هنا ومسألش فيكي من بعدها، مستنية منه إيه؟”
مريم بإصرار وألم:”أنا عايزة أشوف ياسين يا أشرقت.”
إبتسمت بألم بسبب كسور جسدها وهبطت الدموع من مقلتيها ..
مريم:”أنا إتأكدت إن ياسين بيحبني، أنا ماكنتش بحلم .. أنا محتاجة أتكلم معاه.”
كادت أن تتحدث ولكنها إنتبهت لدخول آسر وخلفه الطبيب طارق …
طارق بإبتسامة مصطنعة لمريم:”حمدالله على سلامتك يا دكتورة مريم.”
إمتعضت ملامح مريم بضيق من وجوده أمامها فهو الشخص الوحيد الذي تتمنى ألا تراه أو تقابله مرة أخرى ولكن لسوء حظها لقد قابلته ..
مريم:”الله يسلمك.”
بدأ طارق بفحصها وتأكد أنها بخير ..
طارق:”في ممرضة هتجيلك بمسكنات بعد دقايق، إرتاحي.”
لم تُجبه وخرج من الغرفة تحت أعين أشرقت التي تنظر له بحيرة وإستفسار …
آسر بإبتسامة وإطمئنان:”حقيقي إحنا مبسوطين جدا إنك صحيتي.”
مريم بإبتسامة:”شكرا يا دكتور، وجود حضرتك في وقت زي ده حاجة كبيرة بالنسبالي.”
آسر:”ماتقوليش كده، أنا مكاني إني أكون جنبك.”
حمحمت أشرقت بإحراج ..
أشرقت:”طب أنا هخرج، رايحه بس أجيب حاجة من العربية، بعد إذنكم.”
خرجت أشرقت من الغرفة لتلحق بطارق …
أشرقت:”دكتور طارق.”
توقف طارق ونظر لها بإستفسار ..
أشرقت بإبتسامة:”أنا مالحقتش أشكرك على إللي إنت عملتهولي إمبارح.”
طارق بتفكير:”بس أنا على ما أتذكر إنك شكرتيني فعلا.”
أشرقت بإحراج:”ممكن أكون نسيت إني شكرتك، بس شكرا مرة تانية.”
طارق:”العفو.”
تركها ورحل ليباشر عمله أما هي كانت تشعر بالضيق منه؛ فهو لا يتحدث معها إطلاقا …
أشرقت بضيق:”مغرور.”
كان آسر ينظر لمريم بنظرات رائعة أما هي كانت تفكر بياسين .. هل من المعقول أنه لم يأتِ لزيارتها؟؟؟ ..
آسر:”إنتي حاسه بإيه؟؟”
نظرت له بتيه، ثم تنهدت بألم ..
مريم:”يعني .. شوية وجع في دراعي.”
آسر:”هو بس كام أسبوع كده ونفك الجبس من على دراعك.”
إبتسمت له بهدوء وبعدها تحدثت ..
مريم:”أنا آسفة على إللي حصل مني، مكنش قصدي أزعلك أو أضايقك، أنا بس قولت إللي أنا حاسه بيه.”
آسر بإبتسامة:”مش مهم ده كله، المهم إنك تبقي بخير ونتطمن عليكي.”
كادت أن تتحدث ولكن قاطع حديثها هاتف آسر الذي أصدر رنينًا …
آسر بإحراج:”آسف، هضطر أرد.”
هزت مريم رأسها له بهدوء، وخرج من الغرفة … تنهدت بإرتياح وعادت بتفكيرها نحو ياسين … تتذكر جيدًا كم كان يبكي .. كم كان يصرخ بها لتظل مستيقظة .. هل من المعقول أنه تركها؟؟؟ .. لا لم يتركها والدليل على ذلك أنه أتى بها هنا .. لمشفاه .. إنتبهت عندما سمعت صوت طرقات على الباب … للحظة إعتقدت أنه ياسين وظهرت اللهفة بملامحها ولكنها تنهدت عندما دلفت أشرقت للغرفة … كانت تشعر بالضيق وذلك ما لاحظته مريم ..
مريم بإرهاق:”مالك؟؟ في إيه؟”
أشرقت بتأفف وتلقائية:”مغرور ومتكبر.”
مريم بإستفسار:”مين ده؟”
أشرقت:”الدكتور إللي إسمه طارق ده.”
مريم بإستفسار:”وإنتي مالك بيه؟”
أشرقت بإستيعاب:”هاه؟؟ لا .. مافيش.”
نظرت مريم لها قليلًا ولكنها شعرت بالألم في جسدها؛ فأغمضت عينيها ..
أشرقت:”إنتي كويسه؟”
هزت مريم رأسها بالنفي ..
أشرقت:”إنتي محتاجة ترتاحي وأكيد الممرضة على وصول.”
أغمضت مريم عينيها لعلها ترتاح قليلًا … مرت الأيام وظلت مريم في المشفى لفترة حتى تحسنت حالتها .. وفي ذاك الوقت كانت تتمنى أن ترى ياسين ولكنه لم يظهر … شعرت بحزن كبير ينمو بداخلها فهو الشخص الوحيد الذي تتمنى وجوده معها .. تتمنى أن يضمها إليه بقوة .. تتمنى أن ترى لهفته لها مرة أخرى … ظل آسر وأشرقت يقومون بزيارتها بشكل مستمر حتى أتى يوم خروجها من المشفى … كانت تسير بهدوء بجانب أشرقت وقد سبقهم آسر الذي كان يحمل حقيبتها ليضعها بسيارته .. وأثناء سيرهما رأته .. توقفت بمكانها بلهفة وإشتياق حينما رأته يقترب نحوهم، تتمنى أن تركض نحوه وتضمه بإشتياق كم كانت تتمنى أن تراه وقد تحققت أمنيتها؛ فها هو أمامها الآن .. … تقابلت نظراتهما لثوانٍ ولكن مريم شعرت أنها دقائق، لأنها تشتاق له كثيرًا .. ظل يقترب نحوهما وحينما أصبح أمامهم توقف ونظر لمريم بإبتسامة هادئة ..
ياسين:”مساء الخير يا دكتورة، بقيتي كويسه؟”
نظرت له بعدم إستيعاب من نبرته الطبيعية تلك، كأنه لم يكن الشخص الذي كان يبكي عليها .. شخصٌ آخر .. هزت مريم رأسها له بتيه ترد على سؤاله …
ياسين بإبتسامة:”وده أهم شئ يا دكتورة، حمدالله على سلامتك.”
تركهم ورحل مكملًا طريقه … أما هي ظلت واقفة بمكانها تنظر أمامها بتيه … لقد ذهب هكذا! .. دون إضافة أية كلمةٍ أخرى؟؟؟ .. لم تشعر بدموعها التي إنهمرت من مقلتيها ..
أشرقت بهمس:”مريم، ماتعيطيش.”
مريم بتيه:”أنا لازم أتكلم معاه.”
أشرقت برفض:”لا، خلينا نمشي أحسن.”
أصرت مريم على الرفض …
مريم:”إستنيني بره، انا مش هتأخر هروح أتكلم معاه.”
تركت أشرقت ولحقت بياسين الذي ذهب في إتجاه غرفة مكتبه .. وقفت أمام الغرفة وأطرقت الباب وبعد عدة ثوانٍ دخلت .. كان يقف أمام ناقذة مكتبه الزجاجية المطلة على حديقة المشفى .. إلتف ياسين لها بهدوء ..
ياسين بإستفسار:”مروحتيش ليه يادكتورة؟؟ محتاجة حاجة؟”
وقفت أمامه تنظر له بإستفسار ..
مريم بإستفسار:”إنت إزاي كده؟”
ياسين بإستفسار:”مش فاهم؟”
مريم:”إزاي كنت بتعيط وبتتحايل عليا أفضل صاحية وإزاي دلوقتي بارد وبتتعامل معايا عادي كإن مافيش حاجة حصلت.”
ياسين ببرود:”ده الطبيعي يا دكتورة، كلنا بشر وبييجي علينا لحظات بنضعف فيها، ده كان يوم وإنتهي، والمهم إنك قومتي بالسلامة، وبعدين طبيعي إني ازعل عليكي، إنتي من الأشخاص إللي بعزهم.”
مريم بعدم فهم:”من الأشخاص إللي بتعزهم بس؟”
ياسين ببرود:”دكتورة مريم، من الواضح إن الحادثة أثرت عليكي .. إنتي محتاجة ترتاحي شويه.”
إقتربت منه أكثر تنظر له ولملامحه .. كيف يكون بارد هكذا؟؟ .. لقد تغير كل شئ!!.
مريم:”أنا واثقة ومتأكدة من إللي أنا شوفته، حتى لو كانت لحظة ضعف فحبك ليا كان ظاهر فيها.”
ياسين وهو ينظر بعمق عينيها:”أنا أبعد مايكون من إني أفكر فيكي يا دكتورة، تقدري ترجعي بيتك ترتاحي.”
حزنت كثيرًا بسبب حديثه الجارح لها .. لن يتغير أبدًا! .. هبطت الدموع من مقلتيها وهي تنظر بعمق عينينه ..
مريم ببكاء:”أنا متأكدة من حبك ليا، بلاش تقتل الأمل ده جوايا، إنت كده بتقتلني أنا.”
وضع ياسين يديه على وجنتها وإقترب منها أكثر يقوم بمسح دموعها المنهمرة وينظر لها بنظرات غريبة ..
ياسين:”أنا مش بحبك يا دكتورة .. وحتى لو بحبك إنتي تستحقي السعادة وسعادتك هتكون بعيد عني، لإن عمرك ماهتبقي سعيدة معايا، لإني أبعد مايكون من إني أفكر فيكي.”
مريم ببكاء من حكمه عليها:”وإنت ليه تحكم عليا إني هبقى مش سعيدة معاك؟؟، أنا ضحكتي بتطلع معاك إنت وبس، أنا سعادتي معاك إنت وبس.”
ياسين:”صدقيني يا دكتورة، إنتي كده أحسن .. وبعدين الدكتور زميلك بيحبك، شكله مهتم بيكي، هو هيقدر يسعدك، هو ده الشخص المناسب ليكي.”
إبتسم لها بهدوء أما هي تعجبت من إبتسامته وهدوءه وهو يتحدث عن أحد غيره، كأنها لا تعنيه بالفعل ..
مريم بإستفسار وألم:”إنت ليه بتضحي بيا؟”
ياسين:”فوقي يا دكتورة، بلاش تعيشي في أرض الخيال، خليكي في الواقع .. أنا وإنتي يستحيل نبقى مع بعض.”
إبتعد ياسين عنها أما هي ظلت تقف بمكانها تنظر له لا تصدق ما يحدث .. لا تستطيع أن تصدق .. إنه شخص آخر تمامًا ..
ياسين:”محتاجة حاجة تانية يا دكتورة؟”
إلتفتت وتوجهت نحو الباب وكادت أن تخرج ولكنها إلتفتت له مرة أخرى …
مريم بألم والدموع تهبط من مقلتيها:”هتندم .. هتندم على اللحظة دي.”
ياسين بنظرة خالية من الحياة:”كوني سعيده يا دكتورة، خدي بالك من نفسك.”
خرجت من الغرفة وهي تبكي ولم تكن ترى أمامها حتى إصطدمت بأحد ..
طارق بكُرهٍ وشماته:”خير يا دكتورة مريم؟؟ مين إللي مزعلك؟؟”
لم تُجبه وتركته وتوجهت لممر الخروج من المشفى .. عندما خرجت وجدت أشرقت بطريقها، ركضت نحوها وقامت أشرقت بضمها بقوة لعلها تهدأ قليلًا ..
مريم ببكاء:”إزاي مابيحبنيش؟؟ إزاي؟؟؟!! أنا شوفت كل حاجة بعينيا، إزاي؟”
إبتعدت أشرقت عنها قليلًا وتحدثت بضيق من حالها ..
أشرقت:”إللي يبيعك بيعيه .. ده مايستاهلكيش، ومايستحقش دموعك دي، إللي بيحبك بجد هيخلي الضحكة دايما مرسومة على وشك، لكن ده واحد معقد وبيطلع عقده عليكي، سيبك منه.”
ضحكت مريم أثناء على وصف أشرقت لياسين ..
أشرقت:”أيوه كده إضحكي، بلا رجالة بلا هم ياشيخه، يلا بقا عشان آسر مستنينا بره، طب تصدقي إنه صعبان عليا، ده طيب أوي وبيحبك يا مريم، ونفسه يتجوزك.”
هدأت مريم قليلًا ونظرت لها بهدوء .. ثم أردفت بثقة ..
مريم:”هو فعلا بيحبني.”
خرجت مريم من المشفى بعد أن قالت تلك الجملة وتركت أشرقت في حيرة من تأكيدها لجملتها ولكنها تبعتها … كان آسر يقوم بتجهيز سيارته ليقوم بتوصيل الفتيات ..
مريم:”دكتور آسر.”
إلتفت آسر ينظر لها بإستفسار ..
آسر:”أيوه.”
مريم بإبتسامة:”أنا موافقة.”
ذٌهلت أشرقت مما سمعت فقد كانت تقف خلفها تمامًا .. أما آسر؛ فهو أيضًا لا يختلف عنها … لقد وافقت!!.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية القاتل الراقي ) اسم الرواية