رواية زهرة كاملة بقلم ندي أشرف عبر مدونة دليل الروايات
رواية زهرة الفصل الرابع و العشرون و الاخير 24
*عودة إلى الواقع*
استطردت زهرة حديثها إلى هايا قائلة:
– والحمدلله كان من حسن حظي إن لحقت أشوفها قبل ما تتدفن وحضرت دفنتها بس مش قادرة أقولك كنت منهارة قد إيه، وفي الغالب واخدة صدمتي فيها عياط وسكوت..
أردفت هايا:
– أكيد تيتة سنية لو كنت شوفتها كنت هحبها أوي، من كلامك عنها حسيت إنها مش إنسانة عادية دي شبه الملايكة..
أماءت لها زهرة وهي تمسح عن عينيها دمعة تلألأت اشتياقاً فأردفت هايا:
– الله يرحمها يارب، وبعدين يا ماما حصل إيه تاني وإزاي بابا بعد دا كله إختفى!
تنهدت زهرة تنهيدة حارة وهي تقول:
– هحكيلك…
٭٭★٭٭
* في الماضي *
مر إسبوع على فراق سنية ولازالت زهرة ترتدي الأسود حزناً على فراقها الذي كان لها بمثابة صدمة لم تستطيع استيعابها بعد..
جلست أمام التلفاز شاردة الذهن فجلس بجانبها سليم يحاوطها بذراعه وهو يقول:
– ها ياحبيبتي.. هتفضلي مانعة الأكل كدة كتير؟
أسبلت عينيها في نفاذ صبر فأردفت:
– لو جعان ياسليم أنا محضرالك الأكل..
إعتدل في جلسته ونظر لها في عتاب يقول:
– هوا أنا بقولك عشان تقوليلي محضرالك الأكل! أنا بتكلم عنك إنتي ياحبيبتي..
مش ناوية ترجعي لطبيعتك بقى، وشك بقى أصفر وجسمك هزيل وحالتك متسرش لا عدو ولا حبيب..
أجابت في نفاذ صبر وغضب:
– يووه بقى ياسليم هوا كل يوم نفس الموضوع! أنا نفسي مسدودة عن الدنيا واللي فيها، إزاي أعيش في دنيا مفيهاش أمي! وأكل وانبسط واضحك..
علق على حديثها في هدوء:
– يا حبيبتي الدنيا مش بتقف على حد.. كل حاجه بتكمل وتمشي هيا دي سنة الحياة، وبعدين إنتي مالكيش الحق تزعلي أصلا!
نظرت له في دهشة وغضب فاستطرد قوله:
– طيب قبل ما تتعصبي كدة اسأليني ليه!
أجابت في سخرية:
– ليه بقى إن شاء الله!
– لإنها أكيد في منزلة حلوة أوي عند ربنا، متوفية بمرض وكانت مش بتسيب فرض ولا صيام وبتحب تعمل الخير وعمري ما شوفت العيبة طلعت من بقها..
ياحبيبتي اللي زي والدتك الواحد يفرحلها ويدعيلها ربنا يرفع من مقامها في الجنة مش يوقف حياته على موتها، ما كلنا هنموت يازهرة.. أنا هموت و..
قبل أن يستكمل حديثه وضعت يدها على فمه وهي تبكي:
– لأ متكملش! أنا مش حِمل صدمات تانية في حياتي، دي خبطتين في الراس توجع..
أنا ماليش في الدنيا غيرك..
جذبها سليم إلى حضنه وهو يقول:
– وعشان أنا ماليش في الدنيا غيرك عايزك تفوقي شوية وتبصي لنفسك بقيتي عاملة ازاي..
أجابت في هدوء:
– أنا كل ما أفكر آكل معدتي توجعني.. ولو الجوع قرص عليا أوي وأكلت حاجه خفيفة برجعها تاني.. الدوخة والتعب مش سايبني في حالي مش كفاية حزن قلبي عليا..
مسح على شعرها في حنان فأردف:
– مهو يا حبيبتي عشان انتي مش عايزة تخرجي نفسك من اللي انتي فيه ده، هوني على نفسك يا ماما مش كدة!
اماءت له قائلة:
– حاضر، أنا هدخل أوضتي أرتاح شوية
– ماشي يا زهرة وانا هبقى اجي اتطمن عليكي واعملي حسابك لما تصحي هتاكلي..
خطت خطوتين دون أن تُجيب ثم أمسكت بمقدمة رأسها، حاولت الإسناد على أي شيء قريب منها لم تجد ، لاحظ سليم إختلال توازنها فقام إليها سريعا وفي تلك اللحظة التي أمسك بها سقطت بين قدميه مغشياً عليها ولم يستطع منعها من السقوط فقد لانت كل قواها الجسدية..
سليم:
– زهرة.. فوقي يا زهرة.. أهو دا اللي كنت خايف منه..
سحب هاتفه وطلب من الطبيب خالد الحضور على الفور..
وحملها إلى فِراشها وقلبه يتمزق شفقة وألم على ماتوصلت له زهرة..
وبعد وقت ليس بقليل أخيراً جاء الطبيب، فأخبره سليم بما قالته وما حدث لها..
قام بفحصها ثم جعلها تستفيق من إغماءتها، فكان ضغطها مرتفع للغاية..
علق لها المحاليل وكتب لها على فيتامينات وطلب من سليم إجراء نوع معين من التحاليل ليرى ما جال بخاطره حق أم ظنون..
ثم استطرد خالد قوله:
– ولا على إيه البهدلة.. أنا هاخد منها عينة دلوقتي وهروح على المستشفى أوديها المعمل وهرد عليك تاني.. المهم سيبها ترتاح هيا دلوقتي نايمة عادي، وهتقوم كويسة،
حضرلها بقى حاجه حلوة كدة تاكلها لحسن شكلها مبتاكلش خالص..
اومأ له سليم في إيجاب مصدّقاً على حديثه قائلاً:
– فعلاً مش بتاكل خالص، للأسباب اللي قولتلك عليها دي..
أشار له خالد على الروشتة يقول:
– آه ما أنا كتبتلها مع الفيتامينات على حقنة هتمنع الترجيع.. وبالشفا إن شاء الله.
سحب خالد عينة الدم بصعوبة ثم غادر إلى المستشفى ليتأكد مما ظن به..
تركها سليم متوجهاً إلى المطبخ حاول إيجاد ما يمكن تحضيره لكنه لم يسبق له وأن قام بتجربة الطبخ تلك.. حتى قطع تفكيره إتصالاً من بدرية فقال:
– جيتي في وقتك والله يا ماما..
أجاب عليها ثم قص لها ما حدث فأخبرته بأنها قادمة إليه على الفور، ستقوم بتحضير الطعام بنفسها وتطمئن على زهرة ثم أردفت قائلة:
– كلم باباك بقى عشان عايزك في موضوع ضروري!
تسائل في قلق:
– متعرفيش عايزني في إيه!
– معرفش أنا لما حاولت أعرف منه اتعصب وقالي شغل شغل..
– حاضر ياماما أنا هكلمه، يلا مستنيكي.. سلام
أغلق الخط ثم عاد ليتصل بوالده فأجابه:
– أيوة ياسليم..
– أيوة يا بابا حضرتك كنت عايزني؟
ترك المنشاوي ما بيده من أعمال ثم قال في ضيق:
– آه صحيح.. الواحد من كتر الشغل اللي على دماغه مبقاش عارف يركز، المهم معلش يابني أنا عايزك في خدمة مافيش حد غيرك هيقدر ينفذها لي..
تسائل سليم:
– خدمة إيه يابابا اؤمرني..
– في طلبية بنص مليون جنية، لازم تستلمها في ألمانيا وترجع بيها على مصر، والمبلغ ده هيكون معاك تسلمهم وتستلم منهم.. وطبعاً مبلغ بالحجم ده مقدرش ءآمن حد عليه غيرك..
أجاب سليم في حرج:
– ياه يابابا ألمانيا مرة واحدة.. طيب الموضوع ده ميتأجلش شوية!
أجاب بالرفض معللاً أسبابه:
– للأسف يابني بقالي شهور بأجل فيها لحد ما كلموني بتهديد تسليم الطلبية لشركة تانية وأنا بصراحة مش عايز الموضوع ده يضيع مننا.. ها قولت إيه!
– حاضر يا بابا اللي حضرتك تؤمر بيه..
– كتر ألف خيرك يابني شيلت حمل كبير من على قلبي.. حضرلي نفسك بقى عشان بعد بكرة هتسافر..
– حاضر يا بابا..
أنهى مكالمته مع والده ثم أغلق الخط وجد خالد على الإنتظار فأجابه سريعاً:
– أيوة يا دكتور خالد أنا آسف بابا كان معايا على المكالمة..
أجابه بابتسامة عريضة:
– ولا يهمك ياأبو العيال..
ضحك سليم فقال في سخرية:
– أبو عيال مين بس يادكتور الله يهديك..
– أيوة أبو العيال، ما زهرة طلعت حامل!
شعر سليم بالسعادة تجتاح قلبه فتسائل في لهفة:
– زهرة حامل! إنت متأكد
– أيوة طبعا أمال هوا لعب عيال، أنا كنت شاكك وعملتلها تحليل حمل رقمي وصورة دم كاملة.. عندها أنيميا ولازم ياسليم لازم تهتم بأكلها كويس أوي..
أجاب في حماس:
– طبعا يا دكتور حاضر، إنت رديت فيا الروح والله، حلاوتك عندي.
ضحك خالد فأجاب:
– ماشي ياسيدي ربنا يفرحكم دايماً، مش عايز مني أي حاجه..
– ألف شكر يادكتور منتحرمش.. مع السلامة.
هم ليذهب إلى غرفة زهرة استوقفة صوت الباب يدق فوقف في حيرة لثوانٍ ثم ذهب ليفتح الباب فكانت بدرية وجدته متلهف للعودة بالداخل فسألته في خوف:
– إيه ياواد مالك بتجري كدة ليه..
أغلقت الباب خلفها ثم دلفت خلفه في خوف فوجدته يضحك في سعادة وينهال بالقبلات على يد زوجته التي بدأت تستفيق في هدوء، فتنهدت بدرية قائلة:
– حرام عليك ياسليم والله خضتني..
نظر لها فقال معتذراً:
– أنا آسف يا ماما والله ، من حلاوة الخبر نسيت حتى أسلم عليكي ..
نظرت له زهرة في تعجب بينما تسائلت بدرية:
– خبر إيه ماتفرحنا معاك..
أجاب بابتسامة عريضة:
– زهرة طلعت حامل..
قطبت زهرة حاجبيها تتسائل في تعجب:
– وانت عرفت إزاي!
أجاب في سعادة:
– من دكتور خالد، زهرة لما أغمى عليها تقريباً كان شاكك وحب يتأكد وطلع شكه في محله..
علقت بدرية:
– الف مبروك ياحبيبتي، عقبال ما ربنا يقومك بالسلامة.. أنا هروح أحضرلك أكله سريعة مش هتأخر..
اردفت زهرة في حرج:
– لأ أنا مش حابة أتعبك..
– تعبك راحة ياحبيبتي..
ثم وجهت بصرها إلى سليم متسائلة:
– إيه معرفتش باباك عايزك في إيه!
اماء برأسه حينما تذكر فقال:
– اه كلمته.. بابا عايزني أسافر المانيا بعد بكرة.. قال في طلبية مهمة لازم استلمها.
عقدت زهرة حاجبيها قائلة:
– ألمانيا..! وهتسيبني لواحدي
أمسك سليم بيدها:
– مش هتأخر ياحبيبتي، هخلص الشغل ده وارجع على طول.. أوعدك إنها تكون آخر مرة..
حدقت به زهرة طويلاً قائلة:
– أنا قلبي مش متطمن للسفرية دي..
هتف سليم محاولاً إقناعها:
– معلش إدعيلي بس تكمل على خير وبعد كدة هنشوف حد نستأمنة على الطلبيات دي يقوم بيها هوا.. خلاص ؟!
اومأت في عدم اقتناع:
– ماشي ياسليم..
– تمام وفي الوقت ده هتروحي الفيلا مع ماما، مش هسيبك لواحدك، وانا لما أرجع هعدي عليكي ونروح على شقتنا..
أجابت في تعب:
– إن شاء الله ..
٭٭٭
مر اليوم السابق للسفر وفي صباح اليوم التالي بدأ سليم يقوم بالاستعداد لهذا السفر وقد أحضر من والده حقيبة الأموال.. قام بتوصيل زهرة إلى الفيلا وقبل أن يغادر أمسكت بيده بقوة قائلة:
– ربنا يرجعك ليا بالسلامة.. خلي بالك من نفسك كويس أوي، ماشي؟
احتضنها سليم ثم قبل رأسها في حُب فقال:
– حاضر، وانتي خلي بالك من ابننا أو بنتنا اللي في بطنك لحد ما أرجعلك..
اومأت وهي تحدق به وقد تلألأ الدمع في عينيها خوفاً ألا تخسره هو الآخر قائلة:
– حاضر.. أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه.
ودعها سليم ثم غادر…
جاءت بدرية من خلفها تُربت على كتفها في حنان قائلة:
– متقلقيش عليه ياحبيبتي مش أول مرة يسافر يستلم طلبيات للشغل، كلها بكرة بالكتير أوي ويكون هنا..
عادت معها إلى الداخل وبدأت تهتم بها بدرية على أكمل وجه.. مر اليوم وفي صباح اليوم التالي أجرى المنشاوي أتصالاً بـ سليم أجابه:
– أيوة يا بابا..
– ها ياسليم طمني إستلمت منهم؟
أجاب في سعادة:
– آه ياحبيبي استلمت والحاجه معايا، هشوف أول طيارة راجعة مصر وهاجي إن شاء الله..
تنهد المنشاوي في راحة فقال:
– طيب ياحبيبي ترجع بألف سلامة.. كنت عارف إنك قدها..
ابتسم سليم في ثقة:
– عيب عليك، ذاك الشبل من ذاك الأسد..
هقهق المنشاوي في فخر فاردف:
– ماشي يا أسد.. يلا مستنيك، سلام.
أغلق المنشاوي الخط وبعدما أنهى عمله غادر عائداً إلى الفيلا..
ولم يأتي سليم..
حاول الاتصال به مراراً وتكراراً بلا جدوى، حتى تم إغلاق هاتفه.
إنتهى اليوم بدون عودة سليم وحتى صباح اليوم التالي أجرى المنشاوي إتصالاً بتلك الشركة التي أرسل سليم إليها، فلما سألهم عنه أجابوه بأنه إستلم الطلبية ثم غادر وقد أخلوا مسئوليتهم من الأمر..
وفي مساء هذا اليوم ذهبت بدرية حيثُ المنشاوي القابع في مكتبه بالساعات ولا يخرج منه..
أطرقت على الباب فنطق المنشاوي في ضعف وتعب:
– إدخل..
دلفت بدرية وقد بدا على وجهها الوجوم تتسائل:
– إيه يا منشاوي مالك كدة؟ مش متعودة أشوفك قاعد في المكتب كتير على الحال ده
تأفف وهو يُجيب في ضيق:
– بشتغل يابدرية بشتغل!
تسائلت في خوف وهي تفرك يدها في توتر:
– طيب سليم فين؟
مش كان مفروض يجي إمبارح!
نظر لها المنشاوي وهو يجول ببصره في الأرجاء ولا يعلم بما يُجيب أو ما يفعل!
عادت تتحدث من جديد بخوف أكبر:
– أنا سكوتك ده بيخوفني بزيادة يامنشاوي.. سليم فين!
أخفض بصره فهتف في غضب وتوتر:
– أنا.. أنا مش عارف.
كلمتهم قالولي أنه إستلم ومشي.. هوا بنفسه كلمني وقالي إنه إستلم منهم وراجع على أول طيارة إزاي مرجعش! إزااي أنا مش عارف..
هتفت بدرية في غضب:
– يعني إيه مش عارف! يعني خلاص كدة! إبني مختفي وفي بلد تانية ومش عارفين نوصله وتقولي مش عارف؟!
أنا عايزة إبني!!
أجاب في نبرة أعلى من الغضب:
– هوا إيه اللي إبني إبني هوا إبنك لواحدك! وبعدين أنا مش في إيدي حاجه أعملها غير إني أبلغ السلطات في ألمانيا وأديهم بياناته وأي حد يعرف حاجه عنه يكلمني..
أو هضطر أسافرله أدور عليه في المستشفيات والأقسام.. أنا دماغي هتتشل مش عارف أفكر.. وانتي بتشوشري عليا و على تفكيري!
أجابت من وسط دموعها:
– أنا أم يا منشاوي عارف يعني إيه أم أبنها يختفي كدة فجأة و في بلد تانية ولا عارفة توصله حتى!
اشتعلت النيران في قلب المنشاوي قهراً وغضباً فهب واقفاً وقال:
– يووه يابدرية أنا سايبهالك وماشي.
قالها ثم غادر فألقت بدرية بجسدها على الأريكة واضعة وجهها بين كفيها تبكي قهراً وحزناً على ضياع وحيدها.
٭٭٭
دلفت زهرة إلى غرفتها سريعاً حينما سمعت بخطوات المنشاوي تقترب..
كانت مارة بجانب المكتب واستطاعت أن تسمع ما يدور بين بدرية والمنشاوي بشأن سليم..
اعتلت أنفاسها في خوف وتوتر فما كان منها إلا أن توضأت ووضعت سجادة الصلاة تتوسل إلى الله أن يُعيد إليها زوجها سالم من كل شر في أقرب وقت..
٭٭٭
مرت تسعة أشهر دون ظهور سليم حتى بعد محاولات المنشاوي في العثور عليه في ألمانيا.. بقى طيلة هذه المدة يعيش على أمل أن يراه ولو لمرة، أن يعرف أهل مازال على قيد الحياة أو.. توفاه الله.
حتى ذلك اليوم الذي اشتد فيه الألم على زهرة فعلمت بدرية حينها أن زهرة ستلد قطعة من إبنها فقيدها..
كان المنشاوي في الشركة يزاول عمله، لم يكن على تلك الهيئة التي اعتاد أن يبقى عليها، طالت لحيته وذبُلت عيناه وبهتت بشرته من حزنه على سليم.. وجد إتصالاً من بدرية تُخبره بأن زهرة ستلد وتتألم بشدة فأخبرها في لهفة وقليل من السعادة بأنه سيأتي على الفور..
إجتمع أفراد العائلة حول زهرة في المشفى يطمئنون عليها فكانت بجانبها بدرية وكذلك سماح وفريدة تحمل طفلها على يدها..
أما المنشاوي وكريم كانوا ينتظرون خارج الغرفة..
وضعت الممرضة الطفلة بين أحضان والدتها أخذت تنظر لها زهرة وهي تبكي، كان شعور الحزن والضيق يُسيطر على مشاعر الجميع بسبب تغيب سليم الذي عاشوا جميعهم في انتظار خبر الحصول عليه بعد كل هذه المدة..
جلست سماح تنظر إلى زهرة في حنق وكره شديدين، مالت على فريدة قائلة بصوت خافت يكاد يسمعه من حولهم:
– قدمها عليه نحس حتى بدل ما تجيبله حتت عيل يشيل إسمه جايباله بنت.. كويس إنه مكنش من نصيبك وإلا كان زمانك مكانها كدة لواحدك..
نكزتها فريدة بينما رمقتها زهرة في نظرة نارية تكاد تحرقها، أشارت لها بدرية قبل أن تنطق بأن تبقى هادئة ثم قامت وأخذت سماح من يدها خارج الغرفة وأغلقت الباب خلفها..
اقتربت فريدة مكان بدرية ثم مسحت بيدها تلك العَبرة الحارة الهاربة من عيني زهرة قائلة باعتذار:
– أنا أسفة بالنيابة عنها.. وأسفة على كل حاجه وحشة إنتي عايشة فيها دلوقتي..
إن شاء الله هتقومي بالسلامة وتربيها أحسن تربية وسليم يرجعلك بالسلامة..
هكذا قالت وهي مُمسكة بيدها، شدت زهرة على يدها بامتنان تتمنى لو أن يحدث ما قالته فريدة بالحرف، تنهدت ثم هتفت قائلة:
– مافيش حاجه خلاص ..
أصرت زهرة بعد ذلك على العودة إلى شقتها فبقيت معها بدرية لمدة إسبوع.. واستمرت زهرة في تلك الشقة ترعى فتاتها وتهتم بها ودراستها وتعمل بمجالها،
بعد فترة بسيطة أحضر لها المنشاوي الخادمة هنية لتبقى إلى جانبهم..
٭٭٭
*عودة إلى الواقع*
زهرة:
– بس ياستي ومن وقتها وإحنا عايشين على أمل يكون سليم لسة عايش ويرجع ينور حياتنا من تاني بحنيته وروحه الحلوة وشخصيته..
هايا:
– بس تفتكري يا ماما يوم ما بابا يرجع تاني إذا كان لسة عايش، إن شاء الله يعني..
هيكون هوا نفسه اللي شوفتيه اخر مرة قبل ما يمشي بشكله وروحه وضحكته وكل حاجه فيه!
تفتكري لو شوفتيه تاني هتعرفيه؟
تنهدت زهرة في اشتياق قائلة:
– والله يا هايا لو من وسط مليون بني آدم وشكله مختلف تماماً هعرفه..
أماءت هايا قائلة:
– طيب أنا هروح أعمل نيسكافيه أعملك معايا؟!
أجابت في شرود ووجوم:
– لا قولي لهنية تعملي القهوة بتاعتي..
أجابتها:
– لأ أنا هعملك عشان هنية روحت وهترجع بكرة..
هكذا قالت ثم غادرت وأغلقت الباب خلفها فقامت زهرة متوجهة صوب خزانة ملابسها وأخرجت صندوقاً وفتحته وأخذت تُقلب بين محتوياته.. تلك الصور التي كانت تجمع بينهم وذكريات بقيت عليها لـ سنين من الاشتياق، مرسومة على كل منهما أثر الدموع التي كانت تتساقط منها شوقاً لذلك المبتسم فيها، مُضيفة عليها عبرات حارة جديدة من الاشتياق والعشق..
وقفت تتأمل في تلك اللوحة المعلقة التي رسمها لها الرسام الفرنسي في رحلتها مع سليم حتى استفاقت من شرودها على طرقات عنيفة على باب الشقة أثارت الخوف والفزع في نفس كلاً من زهرة وهايا..
ذهبت زهرة مسرعة إلى الباب وسبقتها هايا فتسائلت زهرة:
– هوا في إيه مين اللي بيخبط كدة!
فتحت هايا فوجدت المنشاوي وخلفه بدرية..
دلف المنشاوي في لهفة وأخذ هايا بين أحضانه في سعادة ثم نظر إلى زهرة قائلاً:
– لقينا سليم.. سليم عايش يا زهرة، سليم عايش..
اتسعت حدقتا عيني زهرة في عدم تصديق واعتلت أنفاسها في قلق وخوف ألا يكون ما تسمعه ليس حق فتسائلت:
– سليم! لقيتوا سليم! طب ازاي وهوا فين دلوقتي.. طب إنت متأكد؟
تقدمت منها بدرية واحتضنتها في سعادة قائلة:
– أيوة ياحبيبتي عمك المنشاوي جتله إخبارية، وعرفنا إنه بعد ما إستلم الطلبية حصلت معاه حادثة فقد فيها وعيه واللي خبطه مشي وسابه، وعلى ما قدروا ينقلوه للمستشفى كانت كل حاجه بتاعته جنب منه اتسرقت، حتى الطلبية اللي كانت معاه..
علق المنشاوي قائلاً:
– إحنا شاكين إن اللي حصل معاه كله مدبر من الشركة اللي كان بيستلم منها الطلبية..
أجابت على تعليقة بدرية:
– بالظبط كدة.. وللأسف بسبب الحادثة دي كان فاقد الذاكرة بالكامل ودا عرفوه بعد ما استعاد وعيه..
حتى مكانوش قادرين يحددوا هويته ولا إسمه ولا أي حاجه عنه.. طول الفترة دي وهوا بيتلقى علاج يساعده يستعيد ذاكرته،
فـ طبعاً حاول يعيش حياته واستقر هناك..
هتف المنشاوي بنبرة متهدجة تهدد بالبكاء قائلاً:
– يشاء ربك الكريم إن تحصله حادثة تانية يتخبط فيها راسه ويستعيد ذاكرته تاني ويقدر يقولهم على هويته ولما تطابقت المواصفات اللي قالها مع البيانات اللي أنا مبلغ بيها كلموني إنهم لقوه تاني وأنا مبقتش مصدق نفسي .. وجيتلك على هنا مع بدرية عشان تجهزوا وناخد أول طيارة على ألمانيا نروحله!
خرت زهرة على الأرض ساجدة تكتم شهقاتها وتبكي في سعادة وتشكر الله وتتمنى أن يكتمل الأمر على خير وأن ترى زوجها مرةً أخرى..
جثت بدرية على ركبتيها تتلألأ الدموع في عينيها تحاول أن تجعلها تنهض وتُربت عليها في حنان بينما هتفت هايا تتسائل:
– يعني هوا دلوقتي في المستشفى بيتعالج من أثر الحادثة دي!
اومأ المنشاوي في إيجاب فقال:
– بالظبط كدة، يلا أنا مستنيكوا هنا.. معاد الطيارة التانية بعد ساعتين.
أخبرت هايا أحمد بما حدث فصمم أن يسافر معهم ليشهد هذا اللقاء الأول بين خطيبته ووالدها بعد فراق دام لأكثر من عشرين سنة..
٭٭٭
سافر المنشاوي بصُحبة زوجته وزوجة إبنه وحفيدته وخطيبها إلى ألمانيا واستطاع على الوصف أن يصل إلى تلك المشفى و تحديداً إلى الغرفة القابع بداخلها وحيده وقرة عينه..
سمح لهم الطبيب بالدخول فدلفوا في لهفة واشتياق..
بمجرد أن سقطت عيني المنشاوي وبدرية على وحيدهم أخذوه بين أحضانهم في لهفة وبكاء..
بقيت زهرة واقفة تنظر إليه غير قادرة على استيعاب الأمر أو تصديق ما تراه بعينيها، أخيراً اجتمعت بمن عاشت تحلم بلقائه ورؤيته مرةً أخرى! أخيراً استقرت عيناها وهدأ نبض قلبها بمن عاشت لسنين على ذكراه وقرّت عينها به..
أخذت تُحدق في ملامحه المتغيرة لكنها الابتسامة نفسها والعين نفسها والنظرة الدافئة التي تحمل بداخلها شوق وعشق وحنين..!
كان يُحدق النظر بها هو الآخر..
و بنبرة تميل إلى الإرهاق البادي على تقاسميها أردفت:
– إنت مش عارف أنا تعبت قد إيه ودعيت قد إيه وبكيت قد إيه عشان أقدر أوصل للحظة دي!
ابتعد عنه المنشاوي برفق وكذلك بدرية ففتح ذراعية إلى زهرة فتوجهت صوبه في لهفة وشوق وألقت بجسدها بين أحضانه وهي تبكي ويُربت علي كتفيها ويردد بشوق:
– وحشتيني!
بنبرة حنونة أجابت:
– وإنت كمان وحشتني أوي أوي ياسليم..
نظر إلى حيث تقف هايا وردد في تعجب:
– مين البنوتة الجميلة دي!
تحشرجت نبرتها من كثرة البكاء والتأثر بما ترى، حمحمت محاولةً منها لإستعادة رونقها ولكنها أجابت بنبرة مهزوزة:
– أنا هايا يا بابا..
هتف أحمد في نبرة تُعبر عن مدى التأثر والإشفاق على حالة خطيبته ووالديها قائلاً:
– ألف حمداللة على سلامة حضرتك.. أعرف حضرتك بنفسي، أنا أحمد.. خطيب هايا أول ماعرفت باللي حصل أصريت أجي معاهم وأتطمن على حضرتك بنفسي..
تنفس سليم الصعداء حين نظر يتأملهم بجانب بعضهم البعض فقال:
– إنتوا حلوين أوي ياولاد ولايقين على بعض جداً.. ربنا يبارك فيكم، أوعدكم إني هعملكم فرح كبير تحلف بيه كل البلد.
اقتربت منه هايا تحتضنه قائلة:
– يعني حضرتك مش زعلان مني يا بابا إني اتخطبت وانت مش موجود؟
اومأ برأسه يمنةً ويسرة فقال:
– لأ ياحبيبتي مش زعلان، بالعكس أنا فرحان بيكي ومقهور على كل يوم عدا من عمرك ومكنتش جنبك فيه.. سامحيني يابنتي.. انا هعوضك عن كل حاجه..
هتف المنشاوي في توتر فقال:
– مش مهم، مش مهم خالص الكلام ده ياسليم، أهم حاجه إن ربنا كتبلكم تتجمعوا ببعض من تاني.. وبعدين دي الأستاذة هايا المحامية خطيبة المهندس أحمد، عايز إيه تاني..
نظرت بدرية إلى زهرة في امتنان قائلة:
– بصراحة زهرة كانت معاها بدور الأم والأب مع بعض وفضلت طول السنين دي عايشة على أمل اليوم ده، واهو آخرة الصبر جبر .
٭٭٭
بعد مرور أسبوع قرر سليم العودة إلى بلاده فكان وقتاً كافياً لأن يتعافى من أثر الجروح والكدمات التي تسبب بها هذا الحادث..
وبدلاً من أن يحصل على تعويض من السائق قدم له المنشاوي الكثير من المال وأخبره بأنه كان السبب في عودة إبنهم إلى أحضانهم من جديد فكانت هي تلك الضُرة النافعة التي عاش مقتنع بها في كل أمر سيء يمر عليه طيلة حياته..
إجتمعت العائلة بأكملها في فيلا المنشاوي.. حين أقام حفل استقبال كبير دعا فيه الجميع وقام بذبح الكثير من الذبائح وتوزيعهم على الفقراء فرحاً بعودة وحيدهم وشكراً لله على هذا الجمع السعيد..
وفي النهاية عاد سليم بزوجته التي بقيت لشهور غير مصدقة أن سليم أخيراً عاد إلى أحضانها من جديد، وكذلك إبنتهم.. حتى وفى بوعده لها وأقام لها حفل زفاف لا مثيل له في الفخامة والرقي..
وحين عادوا إلى بيتهم في سعادة بعد أن أوصلوا صغيرتهم إلى بيتها استقر سليم بجانب زوجته في سعادة فاردف قائلاً:
– إيه رأيك في رحلة لـ باريس..!
٭٭★٭٭
تمت بحمد الله
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية زهرة) اضغط على أسم الرواية